تفسير سورة سورة الكهف من كتاب معاني القرآن
.
لمؤلفه
الأخفش
.
المتوفي سنة 215 هـ
ﰡ
قال ﴿ عِوَجَا ﴾ ( ١ ) ﴿ قَيِّماً ﴾ ( ٢ ) أي : أنزل على عبده الكتاب قَيِّما ولم يجعل له عِوَجا.
وقال ﴿ مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ﴾ ( ٣ ) حال على ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ﴾ ( ٢ ).
وقال
﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً ﴾ ( ٥ ) لأنَّها في معنى : أكْبِرْ بِها كَلِمَةً. كما قال
﴿ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ وهي في النصب مثل قول الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد الرابع والأربعون بعد المئتين ] :
وَلَقَدْ عَلِمْتَ إِذْ الرِّياحُ تَرَوَّحَت | هَدَجَ الرِّئالِ تَكُبُّهُنَّ شَِمَالا |
أي : تَكُبُّهُنَّ الرِّياحُ شمالا. فَكَأَنَّهُ قال : كَبْرَتْ تِلْكَ الكَلِمَةُ. وقد رفع بعضهم الكلمة لأَنَّها هي التي كبرت.
وأمَّا قوله ﴿ أَسَفاً ﴾ ( ٦ ) فإِنَّما هُوَ [ ١٤٧ ء ] ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ ( ٦ ) ﴿ أَسَفَاً ﴾.
وقال ﴿ سِنِينَ عَدَداً ﴾ ( ١١ ) أي : نَعُدُّها عَدَدا.
وقال ﴿ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً ﴾ ( ١٦ ) أي : شَيْئاً يرتَفِقُونَ بِهِ مثل : " المِقْطَع " و﴿ مَرْفِقَاَ ﴾ جعله أسما ك " المَسْجِد " أو يكون لغة يقولون : " رَفَقَ " " يَرْفُقُ ". وإِنْ شئت ﴿ مَرْفَقَا ﴾ يريد : " رِفْقاً " ولم تُقرأ.
وقال ﴿ تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ ( ١٧ ) ف﴿ ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ نصب على الظرف.
وقال ﴿ أَيْقَاظاً ﴾ ( ١٨ ) واحدهم " اليَقِظُ "، وأما " اليَقْظانُ " فجِماعُهُ " اليِقَاظُ ".
وقال ﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً ﴾ ( ١٩ ) فلم يوصل ﴿ فَلْيَنْظُرْ ﴾ إلى ﴿ أيّ ﴾ لأَنه من الفعل الذي يقع بعده حرف الاستفهام تقول : " انْظُرْ أَزَيْدٌ أَكْرَمُ أَمْ عَمْرٌو ".
[ ١٤٧ ب ] وقال ﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ ( ٢٢ ) أي : ما يَعْلَمُهُمْ من الناس إِلاّ قليلٌ. والقليل يعلمونهم.
وقال ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ ( ٢٤ ) أي : إِلاّ أَنْ تَقُولَ : " إِنْ شاءَ اللهُ " فَأَجْزَأَ من ذلك هذا، وكذلك اذا طال الكلام أَجْزَأ فيه شبيه بالإِيمْاءِ لأَنَّ بَعْضَه يدل على بعض.
وقال ﴿ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ ﴾ ( ٢٥ ) على البدل من ﴿ ثَلاثَ ﴾ ومن " المِئَة " أي : لَبِثُوا ثلاث مِئَةِ " فإن كانت السنون تفسير للمئة فهي جرّ وإن كانت تفسيرا للثَّلاثِ فيه نصب.
وقال ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ ( ٢٦ ) أي : ما أَبْصَرَهُ وأَسْمَعَه كما تقول : " أَكْرِمْ بِهِ " أي : ما أَكْرَمَهُ. وذلك أن العرب تقول : " يا أَمَةَ اللهِ أَكْرِمْ بِزَيْدٍ " فهذا معنى ما أَكْرَمَهُ ولو كان يأمرها أن تفعل لقال " أَكْرِمِي زَيْداً.
وقال ﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ ( ٢٨ ) أي : العَيْنانِ فلا تَعْدُوانِ.
وقال ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ ( ٢٩ ) أيْ : قُلْ هُوَ الحَقُّ. وقوله ﴿ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ ( ٢٩ ) أي : وساءت الدار مرتفقا.
وقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ ( ٣٠ ) لأنه لما قال ﴿ لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ كان في معنى : لاَ نُضيِعُ أُجُورَهُم لأنهم ممن أَحْسَنَ عملا.
وقوله ﴿ وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ ﴾ ( ٣٢ ) وقال ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ ( ٣٤ ) وإِنَّما ذكر الرجُلَيْنِ في المعنى وكان لأَحدِهما ثمر فأجزأ ذلك من هذا.
وقال ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ﴾ ( ٣٣ ) فجعل الفعل واحد ولم يقل " آتتا " لأنه جعل ذلك لقوله ﴿ كِلْتَا ﴾ في اللفظ. ولو جعله على معنى قوله ﴿ كِلْتَا ﴾ لقال : " آتَتَا ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:وقوله ﴿ وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ ﴾ ( ٣٢ ) وقال ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ ( ٣٤ ) وإِنَّما ذكر الرجُلَيْنِ في المعنى وكان لأَحدِهما ثمر فأجزأ ذلك من هذا.
وقال ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ ( ٥٠ ) يقول : عَنْ رَدِّ أمْرِ رَبِّهِ " نحو قول العرب : " أُتْخِمَ عَنِ الطَّعامِ " أي : عَنْ مَأكَلِهِ أُتْخِمَ، ولما رَدَّ هذا الأمر فسق.
وقال ﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ ( ٥٠ ) كما تقول : " بِئْسَ فِي الدّارِ رَجُلا ".
وقال ﴿ مَّوْبِقاً ﴾ ( ٥٢ ) مثل ﴿ مَّوْعِداً ﴾ ( ٤٨ ) من " وَبَقَ " " يَبِقُ " وتقول " أَوْبَقْتُهُ حتى وَبَقَ ".
وقال ﴿ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ﴾ ( ٥٥ ) لأنَّ " أَنْ " في موضع اسم " إِلاّ " إِتيانُ سُنَّةِ الأَوَّلِينَ.
وقال ﴿ مَوْئِلاٍ ﴾ ( ٥٨ ) من " وَأَلَ " " يَئِلُ " " وَأْلاً ".
وقال ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾ ( ٥٩ ) يعني : أَهْلَهَا كما قال ﴿ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ ولم يجيء بلفظ " القُرَى " ولكن أجرى اللفظ على القوم وأجرى اللفظ في " القَرْية " عليها، إلى قوله ﴿ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾، وقال ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ ولم يقل " أهْلَكْناهَا " حمله على القوم كما قال " وجاءَتْ تميمُ " وجعل الفعل ل " بَنِي تَميم " ولم يجعله ل " تَمِيم " [ ١٤٨ ء ] ولو فعل ذلك لقال : " جاءَ تَميم " وهذا لا يحسن في نحو هذا لأنه قد أراد غير تميم في نحو هذا الموضع فجعله اسما ولم يحتمل إذا اعتل أن يحذف ما قبله كله يعني التاء من " جاءَتْ " مع " بني " وترك الفعل على ما كان ليدل على انه قد حذف شيئا قبل " تَمِيم ".
وقال
﴿ لا أَبْرَحُ ﴾ ( ٦٠ ) أي : لا أَزالُ. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الخامس والأربعون بعد المئتين ] :
وَمَا بَرِحُوا حتَّى تَهادَتْ نِساؤُهُمْ | بَبَطْحاءِ ذي قارٍ عيابَ اللَّطاَئِمِ |
أَي : ما زالوا.
وقال ﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا ﴾ ( ٦٢ ) إن شئت جعلته من " آتَى الغداءَ " أو " أَئيِةِ " كما تقول " ذَهَبَ " و " أَذْهَبْتُهُ " وإِن شئت من " أَعْطى " وهذا كثير.
وقال ﴿ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ ﴾ ( ٧٤ ) قال ﴿ فَقَتَلَهُ ﴾ لأن اللِّقاء كان علة للقتل.
وأما ﴿ فَخَشِينَا ﴾ ( ٨٠ ) فمعناه : كَرِهنا، لأنَّ اللهَ لا يَخْشى. وهو في بعض القراءات ﴿ فَخَافَ رَبُّكَ ﴾ وهو مثل " خِفْتُ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَقُولا " وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما.
وقال ﴿ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ﴾ ( ٩٤ ) فهمز وجعل الألف من الأصل وجعل " يأجوج " من " يَفْعُول " و " مأجوج " [ من ] " مَفْعُول " والذي لا يهمز يجعل الألفين فيهما زائدتين ويعجلهما من فعل مختلف ويجعل " يَاجُوج " من " يَجَجْتُ " ومَاجُوج من " مَجَجْتُ ".
وقال ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ ( ٩٥ ) فأدغم ورفع بقوله ﴿ خَيْرٌ ﴾ ( ٩٥ ) لأن ﴿ مَا مَكَّنِّي ﴾ اسم مستأنف.
وقال ﴿ فَمَا اسْطَاعُواْ ﴾ ( ٩٧ ) لأن لغة للعرب تقول " اِسْطاعَ " " يَسْطيِع " يريدون به " اِسْتَطاع " " يَستطيع " ولكن حذفوا التاء إذا جامعت الطاء [ ١٤٨ ب ] لأن مخرجهما واحد وقال بعضهم " اِسْتاعَ " فحذف الطاء لذلك وقال بعضهم " أَسْطاع " " يُسْطِيع " فجعلها من القطع كأنها " أَطَاعَ " " يُطِيع " فجعل السين عوضا عن إسكان الياء.
وقال ﴿ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ﴾ ( ٩٨ ) أي : هذا الرَّدْمُ رحمة من ربي.
وقال ﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي ﴾ ( ١٠٢ ) فجعلها ﴿ أَنْ ﴾ التي تعمل في الأفعال فاستغنى بها " حَسِبُوا " كما قال ﴿ إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا ﴾ و﴿ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ ﴾ استغنى ها هنا بمفعول واحد لأن معنى ﴿ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ ﴾ : ما أظنها أَنْ تبيدَ.
وقال بعضهم ﴿ أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي ﴾ ( ١٠٢ ) يقول : " أَفَحَسْبُهُم ذلك ".
وقال ﴿ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾ ( ١٠٣ ) لأنه لما أدخل الألف واللام والنون في ﴿ الأَخْسَرِينَ ﴾ لم يوصل إلى الإضافة وكانت " الأعمال " من ﴿ الأَخْسَرِينَ ﴾ فلذلك نُصِبَ.
وقال ﴿ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ﴾ ( ١٠٧ ) ف " النُزُلُ " من نزول* بعض الناس على بعض. أما " النَزَلُ " ف " الرَيْعُ " تقول : " ما لِطَعَامِهِم نَزَلٌ " و " ما وَجَدْنَا عِنْدَهُمْ نَزَلا ".
وقال ﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ﴾ ( ١٠٩ ) يقول [ ١٤٩ ء ] " مِدَاداً يكتب به " ﴿ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ ( ١٠٩ ) يقول : " مَدَدٌ لَكُم " وقال بعضهم ﴿ مِدَادَا ﴾ تكتب به. ويعني بالمداد أنه مدد للمداد يمد به ليكون معه.