تفسير سورة آل عمران

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿اللهُ﴾ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ، عَلَمٌ عَلَى الرَّبِّ وهوَ أَعْرَفُ المَعَارِفِ على الإطْلَاقِ، ومَعْنَاهُ: المَعْبُود حُبًّا وتَعْظِيمًا.
﴿الحَيُّ﴾ «أل» للاسْتِغْرَاق؛ أي: الكَامِلُ الحَيَاةِ.
﴿الْقَيُّومُ﴾ على وَزْن فَيْعُول، وهو مأخوذ من القِيام، ومعناه: القَائِمُ بِنَفْسِهِ، القَائِمُ عَلَى غَيْرِهِ، الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ، والقائم على غيره فكُلّ أحدٍ محتاجٌ إليه.
وفي الجَمْعِ بَيْنَ الاسْمَيْنِ الكَرِيمَيْنِ ﴿الحَيّ القَيّوم﴾ استغراق لجميع ما يوصف الله به بِجَمِيعِ الكَمَالَاتِ، فَفِي «الحَيِّ» كَمَال الصِّفَاتِ، وفي «القيوم» كمال الأفْعَالِ، وفِيهِمَا جَمِيعًا كَمَالُ الذَّاتِ، فهو كامل الصِّفَاتِ والأفْعَالِ والذَّاتِ.
﴿بِالحَقِّ﴾ الباء يجوز أن تكون بمعنى أنه مُتَلَبِّس بالحَقِّ؛ أي: مُشْتَمِل على الحق، فهو نَازِلٌ بِحَقٍّ لا بِبَاطِلٍ، ويحتمل أن تكون مُتَعَلِّقَةً بالتَّنْزِيلِ، يعني أنه نزول حق ليس بباطل.
﴿مُصَدِّقًا﴾ وتصديقه لما بَيْنَ يَدَيْهِ لَهُ وَجْهَانِ:
الوجه الأول: أنه صدقها؛ لأنها أخبرت به فَوَقَع مُصَدِّقًا لها.
الوجه الثاني: مصدِّقًا لما بين يديه؛ أي: حاكمًا عليها بالصدق.
فهو مصدق لِمَا سَبَقَ من الكتب بالوجْهَيْنِ المذْكُورَيْنِ؛ لأنَّ الكتب أخْبَرَتْ بِهِ فَوَقَعَ، وإذا وقع صار من عند الله عز وجل، وهذا التَّصْديق لما بين يَدَيْهِ يَشْمَلُ الوَجْهَيْنِ جَميعًا، فالقرآن شَاهِدٌ بِأَنّ التَّوْرَاة حَقٌّ، والإنْجِيل حَق، والزَّبورُ حق، وصحف إبراهيم حق، وأن الله أنْزَل على رسوله كتابًا، كذلك مُصَدِّقًا للكتب التي أخبرت به، فإن الكتب السابقة أخبرت بهذا القرآن، أنه سينزل، ووصفت النبي - ﷺ - الذي سينزل عليه بأوصافه التي كانوا يعرفونه بها كما يعرفونَ أبناءهم.
﴿لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي لما سبقه؛ لأن الذي بين يديك سابق عليك؛ لأنه أمامك فهو متقدم عليك.
﴿وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ قال: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، ﴿وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ اختلاف التعبير يدل على اختلاف المعنى.
قال أهل العلم: إن التوراة والإنجيل نزلتا دفعة واحدة بدون تَدريج بخلاف القرآن، فإنه نزل بالتدريج.
﴿وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ ليس المراد بالفرقان هنا القرآن، بل المراد: أنزل ما يُبَيِّن به الفرق بين الحق والباطل، وإنما قلنا ذلك لأننا لو خصصناه بالقرآن لكان في ذلك تكرار مع قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، مع أن التوراة والإنجيل فيهما أيضًا فرقان؛ أي: فيهما تفريق بين الحق والباطل، إذن أنزل الفرقان الذي تضمنته هذه الكتب الثلاث وهي القرآن والتوراة والإنجيل.
﴿الأَرْحَامِ﴾ جمع رَحِم، وهو وعاء الجنين في بَطْنِ أمِّهِ.
﴿مُحْكَمَاتٌ﴾ أي: مُتْقَنَات في الدلالة والحكم والخَبَرِ، فأخْبَارُهَا وأحكامها مُتْقَنَةٌ معلومة ليس فيها إشكال.
وقوله: ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ يعني أن أحكامها غير معلومة، وأخْبَارُهَا غير معلومة، فصار المُحْكَم هو المُتْقَن في الدلالة سَوَاءٌ كَانَ خَبَرًا أو حُكْمًا، والمُتَشَابِهُ هو الذي دلالته غير وَاضِحَة سَوَاء كَانَ خَبَرًا أو حُكْمًا.
ولهذا نجد أن بعض الآيات لا تَدُلّ دلالة صريحة على الحكم الذي اسْتُدِلَّ بها عليه، وبعض الآيات الخَبَرِيَّة أيضًا لا تدل دلالة صريحة على الخبر الذي استدل بها عليه.
﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ أي ومنه أُخَرُ متشابهات، والاشْتِبَاهُ قَدْ يَكُونُ اشْتِبَاهًا في المعنى، بحيث يكون المعنى غير واضح، أو اشتباهًا في التَّعَارُضِ، بِحَيْثُ يظن الظانّ أن القرآن يُعَارِضُ بعضُهُ بعضًا، وهذا لا يمكن أن يَكُون.
﴿زَيْغٌ﴾ أي: في قلوبهم مَيْلٌ عن الحَقِّ، فهم لا يُرِيدُونَ الحَقَّ، وإنما يَتَّبِعون المتشابه.
﴿ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ﴾ أي: صَدّ الناس عن دين الله؛ لأن الفِتْنَةَ بمعنى الصَّدِّ عن دين الله.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾ أكثر السّلَفِ وقَفَ عَلَيْهَا، وابتدأ بالرَّاسِخِين فالواو للاستئناف، والمعنى أن هذا المُتَشَابِهَ لا يَعْلَمُ تَأويلَه إلا الله، والراسَّخون يقولون آمنا به، وَوَصَلَ بعض السلف فَتَكون الواو عاطفة، والمعنى أن تأويله -أي تفسير المتشابه- يَعْلُمُه الله والراسخون، أما إذا جعلنا التأويلَ بمعنى العَاقِبَةُ والحَقِيقَةُ التي يؤول إليها الكلام فيجب الوَقْفُ؛ لأنَّ حَقَائِقَ الأشياء لا يعلمها إلا الله.
﴿الألْبَابِ﴾ العُقُولُ، واللّب: العقل.
﴿لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ أي: لا تُزِغْهَا عن الهِدَايَةِ، وسَلّطَ الفعل على القلب؛ لأن القَلْبَ عليه مَدَارُ العَمَلِ، والعَقْلُ في القَلْبِ وليس في الدِّمَاغِ.
﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً﴾: أي: أعْطِنا توفيقًا وتَثْبِيتًا للذي نحن عليه من الإيمان والهُدَى.
﴿إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ الهِبَة: العَطِيَّة الخَالِيَةُ من الأعْوَاضِ والأَعْرَاضِ، والوَهَّاب في صِفَةِ الله تَعَالَى: يُعْطِي كل أحَدٍ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ.
﴿كَدَأْبِ﴾ والدَّأب: يطلق على الشَّأْنِ مثل هذه الآية، أي: كَشَأْن، ويطلق على العادة، فإذا قلت: فلان هذا دَأبه؛ أي: هذه عادته.
﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ أي: أَتْبَاعه، وفرعون: اسْم عَلَم لكل من مَلَكَ مِصَر كافرًا، كَمَا أنَّ كُلَّ من ملك الروم يسمى قيصرًا، ومن ملك الفُرْسَ يسمى كِسْرَى.
﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ وكان قبل آل فرعون أممٌ، مثل: قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، ثم بيَّنَ الله شأن آل فرعون والذين من قبلهم.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ الشَّرْعِيَّة والكونية، وأكثر ما يَكُونُ أَنْ يُكَذِّبُوا بالآيَاتِ الشَّرْعِيَّة؛ لأن الآيَاتِ الْكَوْنِيَّة قلَّ مَنْ يُكَذِّبُ بِهَا.
فالآيات الكونية مَخْلُوقَات الله، وَقَلّ من يُنْكِر أن يكون الخالق هو الله، ولكن الآيات الشرعية التي هي الوَحْي الذي جَاءَتْ به الرُّسُل هي التي يقع فيها التكذيب، فآل فرعون كذبوا بآيات الله.
﴿فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ عَجَّلَ لهم في العقوبة الدُّنْيَوِيَّة مُتَّصِلَةً بالعقوبة الأخروية.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ عِبْرَة ودلالة على صِدْقِ مَا أقول: «إنَّكُم سَتُغْلَبُونَ»
﴿فِئَتَيْنِ﴾ فَرِيقَيْنِ الْتَقَيَا يَوْمَ بَدْرٍ.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وهم الرَّسُول - ﷺ - وأصحابه وكانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلًا؛ سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار.
﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ وهم مُشْرِكُو مكة، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلًا.
﴿يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ﴾ أي: يرى المسلمون المشركين مِثْلَيْهِم، أي أن الله تعالى قلَّلَ المشركين في أعين المسلمين حتى اجترؤوا عليهم فَصَبَرُوا على قِتَالِهمْ.
﴿لِأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾ لذوي العقول والبصائر.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ المُزَيِّنُ هو الله تعالى؛ لأنه خَلَقَ جَمِيعَ مَا في الدنيا وأَبَاحَهَا لِعَبِيدِهِ، وإباحتها للعبيد تزين لها.
﴿حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ ولم يقل: حب النساء، أو حُبّ البنين، أو حُبّ القناطير المقنطرة، بل قال: حب الشهوات من هذه الأشياء، فسلّط الحب على الشهوات، لا على هذه الأشياء؛ لأن هذه الأشياء حُبُّهَا قد يكون محمودًا.
﴿مِنَ النِّسَاء﴾ ولم يقل حب النساء، يعني: أن يتزوج الإنسان المرأة لمجرَّدِ الشهوة، لا لأمر آخر؛ لأن تزيين حب النِّساء إذا كان لغير مجرد الشهوة قد يُحْمَدُ عليه الإنسان، لكن إذا كان لمجرَّدِ الشَّهْوة فهذا من الفتنة.
﴿وَالْبَنِينَ﴾ يُحِبُّ البنين لا ليكونوا عونًا له على طاعة الله، ولكن لِيَفْتَخِرَ بهم، ولا شَكَّ أن كثيرًا من الناس زُيِّنَ لهم حُبُّ البنين شهوةً، ولكن شهوة الفخر والشرف.
﴿الْقَنَاطِيرِ﴾ جمع قنطار، قيل: المراد به ألف مِثْقَالٍ ذَهبًا، فإذا صارت قناطير تكون آلافًا.
﴿المُقَنطَرَةِ﴾ أي: المعتنى بها، وقيل: إن القِنْطَار ما يَمْلأ مسك الثور -يعني: جلد الثور- من الذَّهَبِ، وهذا أكثر من ألف مثقال، وقد ذكر الله تعالى هذه المبالغ من الذَّهَبِ والفِضَّة؛ لأنه كلما كثر المال في الغالب افْتَتَنَ به الإنسان، فإذا كانت قناطير مقنطرة من الذهب صارت الفتنة بها أَشَدّ.
﴿وَالخَيْلِ﴾ وسُمِّيَتْ خَيْلًا؛ لأن صَاحِبَها غالبا يُبْتَلَى بالخيلاء؛ لأنَّها أفخر المراكب، فالرَّاكِبُ لها يكون في قلبه خُيَلَاء، أو لأنها هي تختال في مشيتها، ولهذا ترى الخيل عند مشيتها ليست كغيرها، تَشْعُرُ بأنّ فيها ترفعًا واختيالًا، وأصحابها لا شك أنهم يرون أنفسهم فوق الناس؛ لأنها أفْخَرُ المرَاكِب في ذلك الوقت وإلى الآن.
﴿المُسَوَّمَةِ﴾ قيل: معنى المُسَوَّمَة هي التي تسوم، أي: تُطْلَق لترعى، وقيل: المسومة: المُعَلَّمَةُ التي جُعِلَ عليها أعلام للزينة والفخر، مثل أن يجعل عليها ريش النعام أو أشياء أخرى تحسنها.
﴿مَتَاعُ﴾ أي: المتعة التي يَتَمَتَّع بها الناس في الحياة الدنيا، وغايتها الزوال، فإما أن تزول عنها، وإما أن تزول عنك.
﴿الدُّنْيَا﴾ مؤنث أدْنَى، ووصفت بهذا الوصف لِدُنُوِّ مَرْتَبَتِهَا بالنسبة للآخرة، فليست بشيء بالنسبة للآخرة.
﴿أَؤُنَبِّئُكُم﴾ أخْبِرُكُمْ نَبَأً عظيمًا؛ لأن النبأ لا يكون إلا بالأمر العظيم.
﴿بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ﴾: أي المذكورين في الآية السابقة من النساء والبنين... إلخ.
﴿أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ زَوْجات هي الحور العين، نقيِّاتٌ من دمِ الحيض والبول وكل أذًى وقذر.
﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ عالِمٌ بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا، فيُجَازِي كُلّا على عَمَلِهِ.
﴿الصَّابِرِينَ﴾ على أداء الواجبات، وعن المُحَرَّمَاتِ والمنْهِيَّات في البأساء والضراء وحين البأس.
﴿الصَّادِقِينَ﴾ في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم.
﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ المطيعين لله.
﴿وَالمُنفِقِينَ﴾ أموالهم في طاعة الله، ويَدْخُل فيه نَفَقَةِ الرجل على نفسه وأهله، وصلة رحمه، والزكاة، والنفقة في جميع القربات.
﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ المصلِّين بالسحر، وهو الوقت بعد ظُلْمَةِ اللَّيْلِ إلى طلوع الفجر.
﴿شَهِدَ اللهُ﴾ أي بَيَّنَ وأَعْلَم، وأَرْشَدَ عباده.
﴿وَأُوْلُوا الْعِلْمِ﴾ أصْحَاب العِلْمِ الصَّحِيح المُطَابق للواقع وهم الأنبياء والعلماء.
﴿بِالْقِسْطِ﴾ بالعَدْلِ في الحكم والقَوْلِ والعَمَلِ.
﴿الْعَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ الغالب ذو العِزَّةِ، التي لا تُغْلَب، والحَكِيم في كلِّ خَلْقِهِ وفعلِهِ وسَائِر تَصَرَّفَاتِهِ.
﴿الدِّينَ﴾ ما يُدَانُ للهِ تعالى به، أي يُطاع فيه ويُخْضَعُ له به من الشرائع والعبادات.
﴿الإِسْلاَمُ﴾ الانقياد لله بالطَّاعَةِ، والخلوص من الشِّرْكِ، والمرَاد هنا ملة الإسلام.
﴿بَغْيًا﴾ ظلمًا وحسدًا.
﴿حَآجُّوكَ﴾ جَادَلُوكَ وخَاصَمُوكَ بِحُجَجٍ بَاطِلَة واهية.
﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾ أخلصْتُ كلَّ أعمالي القلبية والبدنيه لله وحده لا شريك له.
﴿أُوْتُوا الْكِتَابَ﴾ اليهود والنَّصَارى.
﴿وَالأُمِّيِّينَ﴾ أي: العرب المشركين، سمُّوا بالأُميين لقلة من يقرأ ويكتب فيهم.
﴿تَوَلَّوْاْ﴾ أدْبَرُوا عن الحقِّ بعد رؤيته وأعرضوا عنه بعد مَعْرِفَتِهِ.
﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بَطَلَتْ فَلَا تُقْبَل في الدُّنْيَا، ولا يجازى عليها في الآخرة.
﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ يَمْنَعُونَهُمْ من العَذَابِ.
﴿أُوْتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ﴾ أعطوا حظًّا وقسطًا من التوراة.
﴿يُدْعَوْنَ﴾ يُطْلَبُ إليهم أن يَتَحَاكَمُوا فيما اختلفوا فيه من الحق إلى كتابهم الذي يؤمنون به وهو التَّوْرَاة فَيَأبون ويعرضون.
﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ مقدار عبادتهم العجل.
﴿غَرَّهُمْ﴾ خدعهم وأطمعهم.
﴿وَوُفِّيَتْ﴾ يعني: أعطيت، ومنه قولهم: وفَّاهُ حقَّهُ، أي: أعطاه حقه وافيًا.
﴿مَالِكَ المُلْكِ﴾ أي مالك العِبَاد وما مَلَكوا، والسماوات والأرض وما فيهما.
﴿تُعِزُّ﴾ تجعله عزيزًا قويًّا غالبًا على غيره.
﴿تُذِلّ﴾ تجعله يستسلم للقهر والغلبة.
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ أي: يدخل هذا على هذا، ويحل هذا محل هذا، ويزيد في هذا وينقص في هذا، ليقيم بذلك مصالح خلقه.
﴿وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الحَيِّ﴾ يخرج الحي من الميت، كما يخرج الزُّرُوع والأشجار المتنوعة من بذورها، والمؤمن من الكافر؛ والميت من الحي، كما يخرج الحَبَّ والنَّوَى، والزروع مِنَ الأشْجَارِ، والبيضة من الطائر فهو الذي يُخْرِج المتضادات بعضها من بعض، وقدِ انْقَادَتْ لَهُ جميع العناصر.
﴿فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ﴾ فليس من دين الله وولايته في شيء، فهو بريءٌ من الله والله بريءٌ منه كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾.
﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ أي: إلا أن تخافوا على أنْفُسِكُمْ في إِبْدَاءِ العَدَاوَةِ لِلْكَافِرِينَ، فَلَكُمْ في هذه الحال الرُّخْصَةُ في المُسَالمَة والمُهَادَنَةِ، لا في التولِّي الذي هو محبَّةُ القلب، الذي تتبعه النصرة.
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ أي: فَخَافُوه واخشوه وقدِّمُوا خَشْيَتَهُ على خَشْيَةِ النَّاس، فإنه هو الذي يتولى شؤون العباد وقد أخذ بنواصيهم.
﴿مُّحْضَرًا﴾ حاضر يوم القيامة.
﴿أَمَدًا بَعِيدًا﴾ مدى وغاية بعيدة.
﴿اصْطَفَى آدَمَ﴾ اخْتَارَهُ وآدم هو أبو البشر عليه السلام.
﴿آلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ لا شك أنه يَدْخل فيهم إبراهيم بالأولى، لكنه نَصَّ على آله لكثرة الرسل فيهم ولا سيما أن فيهم أفضل الرسلِ محمدًا - ﷺ -؛ فإن محمدًا - ﷺ - من آل إبراهيم.
﴿آلَ عِمْرَانَ﴾ اختلفوا في المراد بهم، فقيل: آل عمران أبي موسى؛ لأن موسى أفضل أنبياء بني إسرائيل، وقيل: آل عمران أبى مريم.
﴿الْعَالَمِينَ﴾ الناس المعاصرون لهم.
﴿ذُرِّيَّةً﴾ أي: اصْطَفَى ذُرِّيَّة وأصْلها في ذَرَأَ بمعنى خَلَقَ، وإنما سمِّي الآباء والأبناء ذرية؛ لأنَّ الله خلق بعضهم من بعض.
﴿بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ أي بعضها ولد بعض.
﴿وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سميع لأقوال العباد وعليم بنيِّاتِهِمْ.
﴿نَذَرْتُ﴾ بمعنى الْتَزَمْتُ أن يكون ما في بطني محَرَّرًا من خدمتي ليكون خادمًا لِلْمَسْجِدِ الأقْصَى، وكان من عادتهم أن يَفْعَلُوا ذلك؛ أي أن الإنسان منهم ينذر ولده ليكون قائمًا بخدمة المسجد الأقصى تعظيمًا له.
﴿مُحَرَّرًا﴾ خالصًا لا شركة فيه لأحد غير الله بحيث لا تنتفع به أبدًا.
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ وَلَدَتْ حَمْلَهَا.
﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى﴾ وهذا اعتذار منها إلى الله أنها وضعتها أنثى، والأنثى ليس من العادة أن تخدم المَسْجد، فكأنها تَعْتَذِرُ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ عن هذا النذر.
﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ يعني العابدة بلغتهم، وأرادت بذلك أن يفضلها الله على نساء الدنيا.
﴿وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ أي: أُحَصِّنُها وأحفظها بِجَنَابِكَ من الشَّيْطَانِ فلا يقربها ولا يقرب ذُرِّيَّتَها، فاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لها وحَفِظَهَا وَحَفِظَ وَلَدَها عِيسى عليه السلام فلم يقربه شيطان قط.
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ أي: رَضِيَهَا منها وقَبِلَهَا، كالشيء يهْدَى للكريم فيتقبله ويثيب عليه.
﴿وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ ربَّاها تَرْبِيَةً عَجِيبَةً دِينِيَّةً، أخلاقية، أدبية، كملت بكل أحوالها وصلحت بها أقوالها وأفعالها.
﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ أي: يَسَّرَ لَهَا زكريا كافلًا، وهذا من منة الله على العبد أن يجعل من يتولى تربيته من الكافلين المصلحين.
﴿الْمِحْرَابَ﴾ مقصورة ملاحقة للْمَسْجِدِ، وقيل: أي مَكَان للعبادة.
﴿وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا﴾ طعامًا، وقيل فَاكِهَة في غير وقتها.
﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ ولدًا مباركًا تَقِيًّا صالحًا والذّرِّيَّة تطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى.
﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾ سَامِعُهُ ومجيبه.
﴿فَنَادَتْهُ المَلآئِكَةُ﴾ أي: جبريل عليه السلام، وإنما أخبر عنه بلفظ الجمع تعظيمًا لشأنه.
﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ﴾ هي عيسى عليه السلام؛ لأنه كان بكلمة الله تعالى (كن).
﴿وَسَيِّدًا﴾ السيد هو الرئيس الذي يُتْبَع ويُنْتَهَى إلى قوله، وكان يحيي عليه السلام سيد المؤمنين ورئيسهم في الدين والعلم والحلم.
﴿وَحَصُورًا﴾ هو الذي لا يُولَدُ له ولا شهوةَ له في النساء، وقيل: هو الذي عُصِمَ وحُفِظَ من الذنوب والشهوات الضارة، وهذا أَلْيَقُ المَعْنَيَيْنِ.
﴿امْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ عقيم لا تلد.
﴿كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ لا يُعْجِزه شيء، وهو قادر أن يَهَبَكَ الولد على الكبر منك ومن زوجك.
﴿اجْعَل لِّيَ آيَةً﴾ علامة أَعْلَمُ بها وَقْتَ حَمْلِ امْرَأَتِي فأزيد من العبادة والشكر لك.
﴿إِلاَّ رَمْزًا﴾ إشارة بالعين أو اليد والإيماء بالرأس.
﴿سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ عَظِّمْ ربَّك ونَزِّهْهُ عن النقائص بالعَشِيِّ: ما بين زوال الشمس إلى غروبها، والإبْكَار: ما بَيْنَ طلوع الفجر إلى الضحى.
﴿اصْطَفَاكِ﴾ اختارَكِ لِعِبَادَتِهِ وَحُسْنِ طَاعَتِهِ.
﴿طَهَّرَكِ﴾ من الذنوب وسائر النقائص المُخِلّة بالولاية لله تعالى.
﴿اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ أطِيعِي رَبَّكِ وَاخْشَعِي.
﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ كناية عن صلاة الجماعة في بيت المقدس.
﴿أَنبَاء الْغَيْبِ﴾ أخبار الغَيْب وهو حديث (زَكَرِيَّا ويحيى ومريم وعيسى).
﴿نُوحِيهِ إِلَيكَ﴾ نُلْقِيهِ إِلَيْكَ؛ لأنَّكَ لا يمكن أن تعلم أخبار الأمم الماضية إلا بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ.
﴿إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ﴾ اختلف العلماء في تفسيرها، فقيل: إنها على ظاهرها أنهم ألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، وقيل: إن المراد بها سِهَامُهُم التي تكون في النصل يرمون بها، وسميت قلمًا؛ لأنها تُشْبِهُهُ في الاسْتِطَالَةِ، ودقة الرأس، وظاهر القرآن أن المراد بالأقلامِ الأقلامُ حقيقةً التي يكتب بها، ولا نعدل عن ظاهر القرآن إلا بدليل.
﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ يربيها ويقوم بمصلحتها.
﴿بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ﴾ سَمَّاهُ كَلِمَة؛ لأنه كان من الكلمة وهي (كن).
﴿اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ اختار الله تعالى له اسم المسيح؛ لأنه كان لا يَمْسَح ذا عَاهةٍ إلا بَرِئَ، أو لِكَثْرَةِ مَسْحِهِ الأرض وسَيْرِهِ فيها، أو من المسْحة وهي الجَمَال، والمعنى الأول أشهر.
والمسيح فعيل بمعنى فاعل، إلا على قول من يقول: إن المراد بذلك المسح من الجمال، فهذا يكون بمعنى مفعول.
﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ شريفًا رفيعًا ذا جاه وقَدْرٍ في الدنيا بسبب النبوة، وفي الآخرة بِسَبِبِ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ في الجَنَّةِ.
﴿وَمِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ الذين هم أقْرَبُ الخَلَائِقِ إلى الله وأعْلَاهمْ دَرَجَةً، وهذه بشارة لا يشبهها شيء في البشارات.
﴿يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ﴾ صغيرًا في المهد يقول: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا (.
﴿كَهْلًا﴾ الكَهَالَةُ في اللغة: هي اجتماع القوة واكتمال الشباب، والكَهْلُ عند العرب هو الذي جَاوَزَ الثَّلاثِين.
﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الذين أصْلَحَ الله قُلوبَهُمْ بمعرفته وَحُبِّهِ، وألْسِنَتَهُمْ بالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذكره، وجوارحهم بطاعته وخدمته.
﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ يصيبني رَجُلٌ، وقولها تعجبًا لا شَكًّا في قدرة الله؛ إِذْ لَمْ تَكُن الْعَادَةُ جَرَتْ أَنْ يُولَدَ ولد من غير أب.
﴿كُن فَيَكُونُ﴾ ليعلم العِبَادُ أنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.
﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ﴾ جِنْس الكتب السابقة والحكم بَيْنَ الناس ويعطيه النبوة.
﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ العِلْمُ وأحكام الشَّرِائع.
﴿وَالتَّوْرَاةَ﴾ التي نَزَلَتْ عَلَى موسى عليه السلام.
﴿وَالإِنجِيلَ﴾ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ.
﴿أَخْلُقُ لَكُمْ﴾ أُصَوِّرُ لكم، لا الخلق الَّذِي هُوَ الإنشاء والاختراع؛ إذ ذاك لله تعالى.
﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾: كَصُورَةِ الطَّيْرِ.
﴿الأكْمَهَ﴾ الَّذِي وُلِدَ أَعْمَى.
﴿الأَبْرَصَ﴾ ذو البرص وهو مَرَضٌ عياء عَجَزَ عنه الطبُّ القديمُ والحديثُ، وَالْبَرَصُ: بياضٌ يُصِيبُ الْجلْدَ الْبَشَرِيَّ.
﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾ تَحْبِسُونَ وَتُخْفُونَ عن أطفالكم من الطعام وغيرِه.
﴿لآيَةً لَّكُمْ﴾ لَدَلَالَةً عَلَى صِدْقِي (أني رسولٌ من الله).
﴿أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ عَلِمَ فِيهِمُ الكفرَ به وبما جاء به وَهَمَّهَمُ بِأَذِيَّتِهِ.
﴿الحَوَارِيُّونَ﴾ الأنصارُ وهم أصفياءُ عِيسَى وَخَوَاصُّهُ.
﴿مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ الَّذِينَ شَهِدُوا لأنبيائِكَ بالصِّدْقِ، واتَّبَعُوا أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ.
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ﴾ الضميرُ يعودُ عَلَى الَّذِينَ كفروا بعيسى، والمكرُ: هُوَ أن يُتَوَصَّلَ إلى الانتقام من خَصْمِهِ بأسبابٍ غيرِ مُتَوَقَّعَةٍ، يعني بأسبابٍ خَفِيَّةٍ ينتقمُ مِنْ خَصْمِهِ والمضادِّ له بأسبابٍ خَفِيَّةٍ، وَيُشْبِهُهُ الخداعُ.
﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ أي: إِنِّي قَابِضُكَ، مأخوذةٌ من قولهم: تُوِفِّيَ الدائنُ دَيْنَهُ أي: قَبَضَهُ، وَعِيسَى قد قَبَضَهُ اللهُ إليه في السماءِ وَرَفعَهُ حتى ينزلَ في آخِرِ الزمانِ، هذا قولٌ.
والقول الثاني: مُتَوَفِّيكَ وَفَاةَ نَوْمٍ، يعني مُنيمُكَ؛ لأن النائمَ مُتَوَفًّى، قال اللهُ تعالى: ﴿اللهُ يَتَوَفّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ (الزمر: ٤٢) وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ (الأنعام: ٦٠).
والقول الثالث: أنها وفاةٌ حقيقيةٌ، تَوَفَّاهُ اللهُ وفاةً حقيقيةً وَسَيُحْيِيهِ في آخِرِ الزمان وينزل إلى الدنيا، والصحيح أنها وفاةُ نَوْمٍ؛ لأن الله عز وجل لمَّا أراد أن يرفعه إلى السماء أَنَامَهُ ليسهل عَلَيْهِ الانتقالُ من الأرض إلى السماء؛ لأن الانتقالَ من الأرض إلى السماء ليس بالأمر الْهَيِّنِ لطولِ المسافة وَبُعْدِهَا ورؤية الأهوال فيما بَيْنَ السماء والأرض وفي السماوات أيضًا، فَأَنَامَهُ الله ثم رَفَعَهُ نَائمًا حتى وَصَلَ إلى السماء، لَكِنَّ هذا القولَ لا يُنَافِي القولَ الأولَ الَّذِي معناه: قَابِضُكَ؛ لأن نهايتَها واحدةٌ، أما القول الثالث: أنها وفاةُ موتٍ، فقولٌ ضعيفٌ يُضَعِّفُهُ قولُه تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ (النساء: ١٥٩)، قَبْلَ مَوْتِهِ أي: عِيسَى، وهذا يَدُلُّ عَلَى أنه لم يَمُتْ، ولأن الله تعالى لم يَبْعَثْ أحدًا بعد الموت فيبقى كما في نزول عيسى عَلَيْهِ السلام في آخِرِ الزمان؛ ولأنه -أعني إطلاقَ الوفاةِ عَلَى النوم- كثيرٌ من القرآن، يعني ليس بمعنًى غَرِيبٍ حتى نقولَ: لا يَصِحُّ حَمْلُها عليه، بل هُوَ معنًى له كثرةٌ في القرآن.
﴿وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ﴾ الْمُحْكَمُ الْمَمْنُوعُ من الباطل والمرادُ به القرآنُ.
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ المماثلةُ الحَاصِلَةُ بَيْنَ آدَمَ وَعِيسَى عليهما السلامُ هي: إن كُلًّا منهما خُلِقَ من غير أَبٍ، وَخُلِقَ بكلمة التكوين وهي: «كُنْ».
فَمَنْ أقرَّ بأن الله خَلَقَ آدمَ من تراب وهو أبلغُ في القدرة فَلِمَ لا يُقِرُّ بأن الله خَلَقَ عيسى من مريم من غير أب، بل الشأن في خَلْقِ آدمَ أعجبُ وأغربُ.
﴿المُمْتَرِينَ﴾ أي من الشَّاكِّينَ، وهذا خطاب للنبي محمد - ﷺ -، والمراد به أمته لأنه - ﷺ - لم يَشُكَّ.
﴿نَبْتَهِلْ﴾ أَصْلُ الابْتِهَالِ: الاجتهادُ في الدعاء بِاللَّعْنِ وغيره برفع الْيَدَيْنِ مَدًّا.
﴿فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ أي نقولُ في دعائنا جميعًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَعْنَتَكَ عَلَى الْكَاذِبِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ.
﴿كَلَمَةٍ سَوَاء﴾ ادْعُ اليهودَ والنَّصَارَى قائلًا: تَعَالَوْا نُقِرُّ بكلمةٍ موجودةٍ فِيمَا أُنْزِلَ إلينا وفيما أُنْزِل إليكم مِنَ الْوَحْيِ.
﴿أَرْبَابًا﴾ جمع رَبٍّ وهو المألوه المُطَاعُ بغيرِ طاعةِ الله تَعَالَى.
﴿كَانَ حَنِيفًا﴾ مائلًا عن الأديان كُلِّهَا إلى التوحيد.
﴿مُّسْلِمًا﴾ مُطِيعًا لله عَابِدًا له، وكان دينُه الإسلامَ.
﴿أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾ أَحَقُّ بالنسبةِ إلى إبراهيم وَمُوالاتِهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى التوحيدِ.
﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ﴾ أَحَبَّتْ فرقةٌ وهم الأحبارُ والرؤساءُ فيهم.
﴿وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ أَوَّلُهُ هُوَ الصباحُ، وآخِرُهُ هُوَ المساءُ حيث قال بعضُ اليهودِ لبعضٍ: ادْخُلُوا دينَ محمد أَوَّلَ النهارِ دُونَ اعتقادِ القلبِ ثم اكْفُرُوا آخِرَ النهارِ.
﴿وَلاَ تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ هذا من قولِ اليهود بعضِهم لبعضٍ، أيْ: ولا تُصَدِّقُوا إلا لمَنْ وَافَقَ مِلَّتَكُمْ التي أنتم عليها وهي اليهوديةُ.
﴿تَأمَنْهُ﴾ ائْتَمَنَهُ عَلَى كذا: وَضَعَهُ عنده أمانةً وآمَنَهُ عَلَيْهِ فلم يَخَفْهُ.
﴿بِقِنطَارٍ﴾ وَزْنٌ مَعْرُوفٌ، والمراد هنا أنه مِنْ ذَهَبٍ بدليلِ الدينارِ.
﴿إِلّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا﴾ أي: ملازمًا له تطالبه به ليلَ نهارَ.
﴿لاَ خَلاَقَ لَهُمْ﴾ لا حظَّ ولا نصيبَ لهم في خيراتِ الآخرةِ ونعيمِ الجِنَانِ.
﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم﴾ يحرفُونَ ألسنتَهم بالكلام كأنهم يقرؤون الكتابَ.
﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ أي: ما ينبغي لبشر، وهو جميعُ بَنِي آدمَ لا واحدَ له من لَفْظِهِ كالقوم، وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الواحدِ والْجَمْعِ.
﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ قال سيبويه: الرَّبَّانِيُّ: المنسوبُ إلى الرب بمعنى كونه عالمًا به ومواظبًا عَلَى طاعته.
﴿وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ وَبِسَبَبِ دِرَاسَتِكُمْ للكتابِ.
﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ﴾ أَصْلُ الميثاق في اللغة: عَقْدٌ يُؤَكَّدُ بيمين، ومعنى ميثاق النبيين ما وَثَّقُوا به عَلَى أنفسهم من طاعةِ الله فيما أَمَرَهُمْ به وَنَهَاهُمْ عنه.
﴿إِصْرِي﴾ الإِصْرُ: الْعَهْدُ الثَّقِيلُ.
﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ الطَّوْعُ: الانقيادُ والاتباع بسهولة، والْكَرْهُ: ما كان من ذلك بمشقة وإباء من النفس والمعنى: أنه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع عَلَى الله مِنْ مُرَادِهِ.
(٨٧ (﴿لَعْنَةَ اللهِ وَالمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ طَرْدُ اللهِ لهم مِنْ كُلِّ خيرٍ، ولعنةُ الملائكةِ والناسِ: دُعَاؤُهُمْ عليهم بذلك.
﴿لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ أي: لا يُؤَخَّرُونَ عَنْ وقتِ العذابِ، ولا يُؤَخَّرُ عنهم من وقتٍ إلى وقتٍ.
﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ وَلَا هُمْ يُمْهَلُونَ.
﴿مِّلْءُ الأرْضِ﴾ مَا يَمْلأهَا مِنَ الذَّهَبِ.
﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ ولو قَدَّمَهُ فداءً لنفسه من النار ما قُبِلَ منه.
﴿حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ من جَيِّدِ أموالكم وأَنْفَسِهَا عندكم.
﴿كُلّ الطّعَامِ﴾ سَائِرُ أنواعِ المطعوماتِ.
﴿حِلًّا﴾ حَلاَلاً لهم، وَسُمِّيَ حَلالًا لانحلالِ عُقْدَةِ الْحَظْرِ عنه.
﴿لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أَوْلَادُ يعقوبَ الملقَّبِ بإسرائيلَ، المُنْحَدِرُونَ من أبنائه الاثْنَيْ عَشَرَ إلى يومنا هذا.
﴿حَرَّمَ﴾ حظر ومنع.
﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ دِينَه، وهي عبادة الله تعالى بما شَرَعَ به وَنَبْذُ الشِّرْكِ والبِدَعِ.
﴿بِبَكَّةَ﴾ مكة.
﴿مُبَارَكًا﴾ أَصْلُ البركةِ النموُّ والزيادةُ؛ لأن الطاعاتِ وسائرَ العباداتِ تَتَضَاعَفُ وَيَزْدَادُ ثَوَابُهَا عِنْدَهُ.
﴿مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ الْحِجْرُ الَّذِي كان يقومُ عَلَيْهِ عندَ بناءِ البيتِ.
﴿تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾ تَصْرِفُونَ عَنْ دينِ الله وهو الإسلامُ مَنْ آمَنَ وذلك بإلقاءِ الشُّبَهِ والشكوكِ وبِإِنْكَارِهِمْ صفةَ مُحَمَّدٍ - ﷺ - التي في كُتُبِهِمْ.
﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ العِوجُ بالكسر: الزَّيْغُ وَالمَيْلُ عن الاستواءِ في الدينِ والقولِ والعملِ، والمعنى: لِمَ تَطْلِبُونَ الزيغَ والميلَ في سبيل الله بإلقاءِ الشُّبَهِ في قلوبِ الضعفاءِ.
﴿يَعْتَصِم بِاللهِ﴾ يَسْتَمْسِكْ بدينه وطاعته.
﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ حَقَّ تَقْوَاهُ بأن يُطاعَ فلا يُعْصَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَرُ، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى.
﴿وَاعْتَصِمُوا﴾ تَمَسَّكُوا.
﴿بِحَبْلِ اللهِ﴾ كتابُه القرآنُ ودينُه الإسلامُ؛ لأن الكتابَ والدِّينَ هما الصلةُ التي تربطُ المسلمَ بربِّه، وكلّ ما يربط ويشدُّ شيئًا بآخَرَ هُوَ سببٌ وَحَبْلٌ.
﴿إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء﴾ قَبْلَ الإِسْلاَمِ.
﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ بالإسلامِ وَنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ.
﴿شَفَا حُفْرَةٍ﴾ حافَّتُهَا وَطَرَفُهَا، بحيث لو غَفَلَ الواقفُ عليها وَقَعَ فيها.
﴿فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ بِهِدايتِكُمْ إلى الإسلامِ وبذلك أَنْجَاكُمْ من النارِ.
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ﴾ الأُمَّةُ: أفرادٌ من البشرِ وغيرِهم تَرْبُطُهُمْ رابطةُ جِنْسٍ أو لغةٍ أو دِينٍ ويكون أَمْرُهُمْ واحدًا، والمراد بالأُمَّةِ هنا: المجَاهِدُونَ وهيئاتُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ.
﴿الخَيْرِ﴾ الإسلامُ وكلُّ ما ينفع الإنسانَ في حياته الأُولَى والآخرة من الإيمانِ والعملِ الصالحِ.
﴿المَعْرُوفِ﴾ كُلّ ما عَرَّفَهُ الشرعُ فَأَمَرَ به لنفعِه وصلاحِه للفردِ والجماعةِ.
﴿المُنكَرِ﴾ ضِدُّ المعروفِ وهو ما نهى عنه الشرعُ لضررِه وإفسادِه للفردِ أو الجماعةِ.
والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر فرضُ كفايةٍ، وهو بِحَقِّ العلماءِ وولاةِ الأمر أَخَصُّ وَأَلْزمُ.
﴿المُفْلِحُونَ﴾ الفائزون.
﴿تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾ هُمْ أهلُ الكتابِ من اليهودِ والنصارى.
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ تَبْيَضُّ وجوهُ المؤمنينَ وَتَسْوَدُّ وجوهُ الكافرينَ، البياضُ: كنايةٌ عن الفَرَحِ والسُّرُورِ، والسَّوَادُ: كنايةٌ عن الحزنِ والغَمِّ.
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ وُجِدْتُمْ أَفْضَلَ وَأَبْرَكَ أُمَّةٍ وُجِدَتْ عَلَى الأرض.
﴿أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ أُظْهِرَت وأُبْرِزَتْ لهداية الناس وَنَفْعِهِمْ.
﴿أَذًى﴾ الأَذَى: الضَّرَرُ الْيَسِيرُ.
﴿يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ﴾ يَنْهَزِمُونَ وَيَفِرُّونَ من المعركة.
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ أَحَاطَتْ بهم المذلةُ وَلَصِقَتْ بهم حتى لا تُفَارِقَهُمْ.
والمراد بالذلة: قتلُهم، وغنيمةُ أموالهم وَضَرْبُ الجزيةِ عليهم.
﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾ حَيْثُمَا وُجِدُوا.
﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ﴾ إلا بعهدٍ من الله وهو أن يُسَلِّمُوا فتزولَ عنهم الذلةُ.
﴿وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ أي: وَعَهْدٌ من المؤمنين يُزِيلُ الجزيةَ.
﴿وَبَآؤُوا﴾ رَجَعُوا.
﴿المَسْكَنَةُ﴾ كما يُضْرَبُ البيتُ عَلَى أهله فَهُمْ سَاكِنُونَ في المسكنة غيرَ خارجينَ منها، والمسكنةُ: قيل: هي الجزية، وقيل: التَّظَاهُرُ بالفقرِ.
﴿لَيْسُوا سَوَاء﴾ غَيْرُ مُتَسَاوِينَ.
﴿أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ﴾ جماعةٌ قائمةٌ ثابتةٌ عَلَى الإيمانِ والعملِ الصالحِ.
﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ﴾ يَبْتَدِرُونَهَا خشيةَ الفواتِ.
﴿فَلَن يُكْفَرُوْهُ﴾ فلن يُجْحَدُوه بل يُعْتَرَفُ لهم به وَيُجْزَوْنَ به وَافِيًا.
﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ﴾ لن تَدْفَعَ عنهم عذابَ الله الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ يومَ القيامةِ.
﴿رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ﴾ بردٌ شديدٌ، وهي الريح التي تَقْتُلُ الزرعَ وتُفْسِدُهُ.
﴿حَرْثَ قَوْمٍ﴾ ما تُحْرَثُ له الأرضُ وهو الزرعُ.
﴿بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ﴾: أَصْلُ الْبِطَانَةِ: بطانةُ الثوبِ، شُبِّهَ بها بطانةُ الرجل وخاصتُه وهم مَنْ يُطْلِعُهُمْ عَلَى أَسْرَارِهِ ثقةً فيهم.
﴿لاَ يَألُونَكُمْ﴾ لا يُقَصِّرُونَ في إفسادِ الأمورِ عليكم.
﴿خَبَالًا﴾ فَسَادًا مِنْ أمورِ دِينِكُمْ ودُنْيَاكُمْ.
﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ أَحَبُّوا مَشَقَّتَكُمْ.
﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ من شدة الغيظ عليكم؛ لأن المغتاظ إذا اشْتَدَّ به الغيظُ يَعَضُّ عَلَى أُصْبِعِهِ عَلَى عَادَةِ الْبَشَرِ، والغيظُ: هُوَ شدةُ الغضبِ.
﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾ هذا دعاءٌ عليهم أن يَزْدَادُوا غيظًا حتى يَهْلَكُوا كلما يرون من قوة الإسلام وعزة أهله، والمعنى: ابْقَوْا إلى الممات بغيظكم.
﴿تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ﴾ يأتيكم الخيرُ كالنصرِ والتأييدِ والقوةِ والخيرِ.
﴿وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ﴾ ما يسؤوكم كالهزيمةِ أو الموتِ أو المجاعة ِ.
﴿كَيْدُهُمْ﴾ مكرُهم بكم وَتَبْيِيتُ الشرِّ لكم.
﴿بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ علمًا به وقدرةً عَلَيْهِ؛ إِذْ هُمْ واقعونَ تحتَ قهرِه وعظيمِ سُلْطَانِهِ.
﴿وَإِذْ غَدَوْتَ﴾ الغُدُوُّ: الذَّهَابُ أَوَّلَ النَّهَارِ.
﴿مِنْ أَهْلِكَ﴾ أَهْلُ الرَّجُلِ: زوجُه وأولادُه، ومِنْ لابتداءِ الغايةِ؛ إذ خرج - ﷺ - صباحَ السبتِ من بيته إلى أُحُدٍ حيث نَزَلَ المشركون به يومَ الأربعاءِ.
﴿تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ تُنْزِلُ المجاهدين الأماكنَ التي رأيتَها صالحةً للنزولِ فيها في ساحةِ المعركةِ.
﴿هَمَّت﴾ حَدَّثَتْ نفسُها بالرجوع إلى المدينة، وَتَوَجَّهَتْ إرادتُها إلى ذلك.
﴿أَن تَفْشَلاَ﴾ تَضْعفَا وَتَعُودَا إلى ديارهما تَارِكِينَ الرسولَ - ﷺ - وَمَنْ مَعَهُ يخوضون المعركةَ وحدَهم.
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ في عددِكم وعُدَّتِكم فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر في قِلَّةِ ظَهْرٍ وَرَثَاثَةِ سِلاَحٍ، وأعداؤهم يناهزونَ الأَلْفَ في كمال العُدَّةِ وَالسِّلاَحِ.
﴿مِّنَ المَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾ وَعَدَهُمُ اللهُ بنزولِ الملائكةِ لِتُقَوِّي قلوبَهم وَيَثِقُوا بنصرِ اللهِ ويعزموا عَلَى الثبات، واختلف الناسُ: هل كان هذا الإمدادُ فيه من الملائكة مباشرةً للقتال كما قاله بعضهم، أو أن ذلك تثبيتٌ من الله لعباده المؤمنين، وإلقاءِ الرعبِ في قلوبِ المشركينَ كما قاله كثيرٌ من المفسرين.
﴿وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ﴾ أي: يأتيكم المشركونَ من وَقْتِهِمْ وَسَاعَتِهِمْ.
﴿مُسَوِّمِينَ﴾ مُعَلَّمِينَ بعلاماتٍ تَعْرِفُونَهُمْ بها.
﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم﴾ اطْمِئْنَانُ الْقُلُوبِ: سُكُونُهَا وَذَهَابُ الْخَوْفِ عَنْهَا.
﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الطَرَفُ: الطَّائِفَةُ، يريد: لِيُهْلِكَ مِنْ جيشِ العدوِّ طائفةً.
﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ يُخْزِيهِمْ وَيُذِلُّهُمْ، وأصلُ الكبتِ في اللغة صرعُ الشيء عَلَى وجهه، والمعنى: أنه يَصْرَعُهُمْ عَلَى وجوههم، والمراد منه: القتلُ والهزيمةُ.
﴿فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ﴾ يَرْجِعُوا خَاسِرِينَ لم ينالوا شيئًا من الَّذِي أَمَّلُوهُ من الظَّفَرِ بكم.
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ﴾ الأمرُ: هُوَ الشأنُ، والمرادُ هنا توبةُ الله عَلَى الكافرين أو تعذيبُهم. والمعنى: ليس لك من أمرِ مصالحِ عبادي شيءٌ إلا ما أُوْحِيَ إليكَ، فإن الله تعالى هُوَ مالِكُ أَمْرِهِمْ، فَإِمَّا أن يتوبَ عليهم ويهديَهم فَيُسْلِمُوا أو يُهْلِكَهُمْ وَيُعَذِّبَهُمْ إنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ.
﴿وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يَسْتُرُ ذنوبَ عِبَادِهِ وَيَغْفِرُهَا لهم وَيَرْحَمُهُمْ بِرَفْعِ العقوبةِ عَنْهُمْ عَاجِلًا.
﴿لاَ تَأكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً﴾ نَهَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عن أكلِ الربا أضعافًا مضاعفةً، وذلك هُوَ ما اعتاده أهلُ الجاهليةِ وَمَنْ لا يبالي بالأوامرِ الشرعيةِ مِنْ أنه إذا حلَّ الدَّيْنُ عَلَى المُعْسِرِ ولم يحصل منه شيء قالوا له: إما أن تَقْضِيَ ما عليك مِنَ الدَّيْنِ، وإما نزيد في المدة، ونزيد ما في ذِمَّتِكَ وسينفع غريمه، ويلتزمُ ذلك اغتنامًا لراحتِه الحاضرةِ فيزيد بذلك ما في ذمته أضعافًا مضاعفةً من غير نفع ولا انتفاع.
﴿وَسَارِعُوا﴾ المسارعةُ إلى الشيء: المبادرة إليه بدون توانٍ ولا تراخٍ.
﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ كَظْمُ الْغَيْظِ: حَبْسُهُ، والغيظُ: أَلَمٌ نفسيٌّ يَحْدُثُ إذا أُوذِيَ المرءُ في بَدَنِهِ أو عِرْضِهِ أو مَالِهِ، وَحَبْسُ الغيظِ: عدمُ إِظْهَارِهِ عَلَى الجوارحِ بسبٍّ أو ضربٍ ونحوهما للتَّشَفِّي وَالانْتِقَامِ.
﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ العَفْوُ: عَدَمُ المؤاخذةِ للمسيءِ مع القدرةِ عَلَى ذلك.
﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ المُحْسِنُونَ: هُمُ الَّذِينَ يَبَرُّونَ وَلَا يُسِيئُونَ في قولٍ أو عملٍ.
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: الفاحشةُ: الفِعْلَةُ القبيحةُ الشديدةُ القبحِ كالزنى وكبائرِ الذنوبِ، وقيل هي الفِعْلَةُ الكبيرةُ، أَوْ مَا دُونَ ذلك كَتَرْكِ وَاجِبٍ، أو فِعْلِ مُحَرَّمِ فَدَنَّسُوهَا بذلك فكان هذا ظُلْمًا لها.
﴿ذَكَرُوا اللهَ﴾ ذَكَرُوا وَعِيدَهُ وَعِقَابَهُ وأنَّ اللهَ يسألهم عن ذلك يومَ الفَزَعِ الأكبرِ، فسألوه المغفرةَ لذنوبهم، والسَّتْرَ لعيوبهم.
﴿وَلَمْ يُصِرُّوا﴾ الإصرارُ: هُوَ الشدةُ عَلَى الشيءِ والربطُ عَلَيْهِ، والمقصودُ أنهم يُسَارِعُونَ إلى التَّوْبَةِ.
﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم مُخَالِفُونَ للشرعِ بتركهم مَا أَوْجَبَ، وبِفِعْلِهِمْ ما حَرَّمَ.
﴿وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ نِعْمَ ثَوَابُ المُطِيعِينَ الجَنَّةُ.
﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ خَلَتْ: أي مَضَتْ، وَسُنَنٌ: جَمْعُ سُنَّةٍ وهي السيرةُ والطريقةُ التي يكون عليها الفردُ أو الجماعةُ، وَسُنَنُ الله تعالى في خَلْقِهِ قانونُه الماضي في الخلق.
﴿بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ أي: ما ذُكِرَ من الآيات بيانٌ للناس يَتَبَيَّنُونَ الهُدَى من الضلالِ ولازِمَها مِنَ الفَلَاحِ وَالخُسْرَانِ.
﴿وَلاَ تَهِنُوا﴾ أي: لا تَضْعُفُوا فَتَقْعُدُوا عن الجهادِ والعملِ.
﴿وَلاَ تَحْزَنُوا﴾ عَلَى ما فَاتَكُمْ مِنْ رِجَالِكُمْ.
﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ أي الغالبونَ لأعدائكم، المنتصرون عليهم، وذلك فيما مَضَى وفيما هُوَ آتٍ مستقبلًا بشرطِ إيمانِكم وَتَقْوَاكُمْ.
﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ إِنْ يُصِبْكُمْ جِرَاحٌ مِنْ أَحَدٍ.
﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ المُدَاوَلَةُ: نَقْلُ الشَّيْءِ من واحدٍ لآخَرٍ والمعنى: أن أيام الدنيا هي دُوُلٌ بَيْنَ الناس، فَيَوْمٌ لهؤلاء وَيَوْمٌ لهؤلاء، فكانت الدَّوْلَةُ للمسلمين عَلَى المشركين في بَدْرٍ حتى قَتَلُوا منهم سبعين رجلًا وَأَسَرُوا سبعين، وَأُدِيلَ المشركون من المسلمين يومَ أُحُدٍ حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمسًا وسبعين.
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: وَلِيُطَهِّرَهُمْ من ذنوبهم وَيُزِيلَهَا عنهم، وَأَصْلُ المَحْصِ في اللغةِ: التَّنْقِيَةُ وَالإِزَالَةُ.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ بَلْ ظَنَنْتُمْ فلا يَنْبَغِي أن تَظُنُّوا هذا الظنَّ، فالاستفهامُ إنكاريٌّ.
﴿وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ﴾ قيل: إن قومًا من المسلمين تَمَنَّوْا يومًا كيوم بَدْرٍ ليقاتلوا فيه وَيُسْتَشْهَدُوا فأراهم الله يومَ أُحُدٍ ومعنى تَمَنَّوْنَ الموتَ: تطلبون أسبابَ الموت وهو القتالُ والجهادُ من قَبْلِ أن تَلْقَوْا يومَ أُحُدٍ.
﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ أي: قَضَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ بَلَّغُوا رسالتَهم وماتوا.
﴿انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ رَجَعْتُمْ عن الإسلامِ إلى الكُفْرِ.
﴿كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ كَتَبَ تعالى آجالَ الناسِ مُؤَقَّتَةً بِمَوَاقِيتِهَا فلا تَتَقَدَّمُ ولا تَتَأَخَّرُ.
﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أي: رَبَّانِيُّونَ عُلَمَاءُ صُلَحَاءُ وَأَتْقِيَاءُ عَابِدُونَ.
﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ مَا خَضَعُوا وَلَا ذَلُّوا لِعَدُوِّهِمْ.
﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ الإسرافُ: هُوَ مجاوزةُ الحَدِّ في الأمورِ ذاتِ الحدودِ التي ينبغي أن يُوقَفَ عِنْدَهَا.
﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ مِنَ النَّصْرِ والظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ.
﴿حُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ﴾ وهو الفوزُ بِرِضَا رَبِّهِمْ، والنعيمُ المقيمُ الَّذِي قد سَلِمَ مِنْ جميع المُنْكَرَاتِ، وما ذَاكَ إلا أنهم أَحْسَنُوا له الأعمالَ فَجَزَاهُمْ أَحْسَنَ الجَزَاءِ.
﴿بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ بل أَطِيعُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَوَلِيَّكُمْ وَمَوْلَاكُمْ فإنه خيرُ مَنْ يُطَاعُ وَأَحَقُّ مَنْ يُطَاعُ وَاطْلُبُوا النَّصْرَ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ.
﴿الرُّعْبَ﴾ شِدَّةُ الخوفِ مع تَوَقُّعِ الهَزِيمَةِ وَالمَكْرُوهِ.
﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ حجةً وبرهانًا، والسلطانُ: القوةُ والقدرةُ، وَسُمِّيَتِ الحجةُ سُلْطَانًا لِقُوَّتِهَا عَلَى دَفْعِ الْبَاطِلِ.
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ﴾ أَنْجَزَكُمْ ما وَعَدَكُمْ عَلَى لسانِ رَسُولِهِ - ﷺ - بقولِه للرُّمَاةِ: اثْبُتُوا أَمَاكِنَكُمْ فَإِنَّا لا نزال غَالِبِينَ ما ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ.
﴿إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ﴾ تَقْتُلُونَهُمْ؛ إِذِ الحَسُّ: القتلُ، يقال: حَسَّهُ إذا قَتَلَهُ فَأَبْطَلَ حِسَّهُ.
﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ ضَعُفْتُمْ وَجَبُنْتُمْ عَنِ الْقِتَالِ.
﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾ اخْتَلَفْتُمْ في مَقَامِكُمْ حيث أقامَكم رسولُ الله في أُحُدٍ.
﴿وَعَصَيْتُم﴾ أَمْرَ رسولِ الله - ﷺ - فيما أَمَرَكُمْ مِنْ لزومِ مَرْكَزِكُمْ.
﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ تذهبون في الأرض فَارِّينَ من المعركة يقال: أَصْعَدَ إذا ذَهَبَ في صعيدِ الأرضِ.
﴿وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ﴾ لا تَلْوُون رؤوسكم عَلَى أَحَدٍ تلتفتون إليه.
﴿فَأَثَابَكُمْ غُمَّا بِغَمٍّ﴾: جَزَاكُمْ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ وَفرَارِكُمْ غمًّا عَلَى غمٍّ، والغَمُّ: أَلَمُ النفسِ وَضِيقُ الصَّدْرِ.
﴿أَمَنَةً﴾ أَمْنًا.
﴿نُّعَاسًا﴾ النُّعَاسُ: استرخاءٌ يُصِيبُ الجسمَ قَبْلَ النومِ، قيل: هُوَ أَخَفُّ من النوم.
﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ أي: لا يُفَكِّرُونَ إلا في نجاةِ أنفسهم غيرَ مُكْتَرِثِينَ بما أصابَ رسولَ الله - ﷺ - وأصحابَه.
﴿ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ﴾ هُوَ اعتقادُهم أن النبي - ﷺ - قُتِلَ أو أنه لا يُنْصَر.
﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ ليختبرَ ما في صدوركم من الإخلاصِ.
﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ التمحيصُ: هُوَ التمييزُ وهو إظهارُ شيءٍ من شيءٍ، كإظهارِ الإيمانِ من النِّفَاقِ، وَالحُبِّ من الكُرْهِ.
﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بالأشياءِ الموجودةِ فيها وهي الأسرارُ والضمائرُ.
﴿إِنَّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشَّيْطَانُ﴾ أَوْقَعَهُمْ في الزَّلَلِ وهو الخطيئةُ والتي كانت الفِرَارَ من الجِهَادِ.
﴿ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ﴾ ضَرَبُوا في الأرضِ بِأَقْدَامِهِمْ مُسَافِرِينَ للتجارة غالبًا.
﴿حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ الحسرةُ: أَلَمٌ يأخذ بِخِنَاقِ النَّفْسِ بسبب فوتِ مرغوبٍ أو فَقْدِ محبوبٍ.
﴿لِنتَ لَهُمْ﴾ كُنْتَ رَفِيقًا بهم تُعَامِلُهُمْ بالرفقِ واللطفِ.
﴿فَظًّا﴾ خَشِنًا في مُعَامَلَتِكَ، شَرِسًا في أخلاقكَ وحاشاه - ﷺ -.
﴿غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ هُوَ قَاسِي القلب سَيِّءُ الخُلُقِ، قَلِيلُ الاحْتِمَالِ.
﴿لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ أَيْ: تَفَرَّقُوا وَذَهَبُوا تَارِكِيكَ وَشَأْنَكَ.
﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ﴾ كما فَعَلَ يومَ أُحدٍ حيث وَكَلَكُمْ إلى أَنْفُسِكُمْ لمخالفتكم أَمْرَ رسولِ الله - ﷺ -.
﴿يَغُلَّ﴾ أي: يأخذ من الغنيمة خُفْيَةً؛ إذ الغل والغلول بمعنى السرقة من الغنائم قبل قِسْمَتِهَا، والمعنى: وما كان لنبي أن يخونَ؛ لأن النبوةَ والخيانةَ لا يَجْتَمِعَانِ.
﴿رِضْوَانَ اللهِ﴾ المرادُ مَا يُوجِبُ رضوانَه من الإيمانِ والصدقِ والجهادِ.
﴿بِسَخْطٍ مِّنَ اللهِ﴾ غَضَبُهُ الشديدُ عَلَى الفاسقين عن أَمْرِهِ المُؤْذِينَ رسولَه - ﷺ -.
﴿مُّصِيبَةٌ﴾ مُفْرَدُ المصائبِ: ما يُصِيبُ الإنسانَ من سوءٍ، وأسوؤها مصيبةُ الموتِ.
﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ يَفْرَحُونَ، وَالِاسْتِبْشَارُ: هُوَ الفرحُ والسرورُ الَّذِي يَحْصُلُ للإنسانِ عَلَى مَنْهَجِ الإيمانِ والجهادِ في سبيلِ الله.
﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في الآخرةِ.
﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ عَلَى ما فَاتَهُمْ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا.
﴿مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ الْقَرْحُ: هُوَ أَلَمُ الْجِرَاحَاتِ.
﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ يكفينا اللهُ مَا أَرَادُونَا به من الأذى.
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾ أَهْلُ طَاعَتِهِ والاستجابةِ إليه فيما يَدْعُوهُمْ إليه مِنَ الشَّرِّ والفَسَادِ.
﴿وَلاَ يَحْزُنكَ﴾ الحُزْنُ: غَمٌّ يُصِيبُ الإنسانَ لرؤيةِ أو سماعِ ما يَسُوؤُهُ وَيَكْرَهُهُ.
﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ الْإِمْلَاءُ: الْإِمْهَالُ والإرخاءُ بعد البطش بهم وَتَرْكُ الضربِ عَلَى أيديهم بِكُفْرِهِمْ.
﴿لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ الإثمُ: كلُّ ضارٍّ قبيحٍ، وَأَصْلُهُ الكفرُ والشِّرْكُ.
﴿لِيَذَرَ﴾ لِيَتْرُكَ.
﴿حَتَّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ يَمِيزَ بَيْنَ مَنْ خَبُثَتْ نَفْسُهُ بالشرك والمعاصي وَمَنْ طَهُرَتْ نفسُه بالإيمانِ والعملِ الصالحِ.
﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ﴾ يُجْعَلُ طَوْقًا في عُنُقِ أَحَدِهِمْ.
﴿مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ولا يتحولُ ميراثُها إلا إليه وحدَه عزَّ وَجَلَّ.
﴿بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ القربان: ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى من حيوانٍ وغيرِه، يُوضَعُ في مكانٍ فَتَنْزِلُ عَلَيْهِ نارٌ بيضاءُ من السماء فَتَحْرِقُهُ.
﴿زُحْزِحَ﴾ أُخْرِجَ.
﴿مِيثَاقَ﴾ العهدُ المؤَكَّدُ بِالْيَمِينِ.
﴿وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ إخفاءُ الشيء حتى لا يُرى ولا يُعلَمَ.
﴿بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ﴾ بِمِنْجَاةٍ من العذاب في الدنيا. ولهم في الآخرة عذابٌ أليمٌ.
﴿أَخْزَيْتَهُ﴾ أَذْلَلْتُهُ وَأَشْقَيْتُهُ.
﴿وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ مما لا عينٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.
﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ﴾ لا يَكُنْ منكَ اغترارٌ، والمخاطَبُ الرسولُ - ﷺ - والمرادُ أصحابُه وأَتْبَاعُهُ.
﴿تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ﴾ تَصَرُّفُهُمْ فيها بالتجارةِ والزراعةِ والأموالِ والمآكِلِ والمَشَارِبِ.
﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ يَتَمَتَّعُونَ بِهِ أَعْوَامًا وَيَنْتَهِي.
﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ أَمَاكِنُهُمْ بعد التمتع القليل إلى جهنمَ يَأْوُونَ إليها فيخلدون فيها أبدًا.
﴿نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللهِ﴾ النُّزُلُ: ما يُعَدُّ للضيف مِنْ قِرًى: طعامٍ وشرابٍ وفراشٍ.
﴿لِلأَبْرَارِ﴾ جَمْعُ بَارٍّ وهو المطيعُ لله ورسولِه الصادقُ في طاعتِه.
﴿خَاشِعِينَ لِلهِ﴾: مُطِيعِينَ، مُخْبِتِينَ له عز وجل.
﴿لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ لا يَجْحَدُونَ أحكامَ اللهِ وما أَمَرَ ببيانه للناس مقابلَ مَنَافِعَ تَحْصُلُ لهم.
﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾ الصَّبْرُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ ورسولِه - ﷺ -، وَالمُصَابَرَةُ: الثباتُ والصمودُ أَمَامَ العَدُوِّ.
﴿وَرَابِطُوا﴾ المرابطةُ: لزومُ الثغور مَنْعًا للعَدُوِّ من التسربِ إلى ديارِ المسلمين.
﴿تُفْلِحُونَ﴾ تفوزون بالظَّفَرِ المرغوبِ، والسلامةِ من المرهوب، في الدنيا والآخرة.
200
سُورة النِّسَاء
Icon