ﰡ
وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (١) نَزلت فِي أنفال أهل بدر. وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى قِلََّة الناس وكراهيتهم للقتال قَالَ: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرًا فله كذا.
فلمّا فرغ من أهل بدر قام سعد بن مُعَاذ «١» فقال: يا رسول الله إن نفَّلت هَؤُلاءِ ما سمّيت لَهم بقي كَثِير من المسلمين بغير شيء، فأنزلَ الله تبارك وتعالى:
قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ: يصنع فيها ما يشاء، فسكتوا وَفِي أنفسهم من ذَلِكَ كراهية.
وهو قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ (٥) عَلَى كره منهم، فامض لأمر الله فِي الغنائم كما مضيت عَلَى مُخْرِجك وهم كارهون.
ويُقال فيها: يسألونَك عَن الأنفال كما جادلوكَ يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للغنيمة ولم تعْلمنا قتالا فنستعدّ «٢» لَهُ. فذلك قوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ (٦) وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أمر المسلمين أن يتأسوا «٣» فِي الغنائم بعد ما أمضيت لهم، أمرا ليس بواجب «٤».
«اهتز العرش لموت سعد بن معاذ».
(٢) كذا فى ا. وفى ج: «فيستعدّ».
(٣) أي يؤاسى بعضهم بعضا أي ينيله مما ناله ولا يضنّ عليه.
(٤) كذا فى ا، ج. وفى ش: «بجواب».
فَهَلْ يَنْظُرُونَ «٤» إِلَّا السَّاعَةَ ثم قال: أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فأن فِي موضع نصب كما نصبت الساعة وقوله: وَلَوْلا «٥» رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ رفعهم ب «لولا»، ثم قال: أَنْ تَطَؤُهُمْ فأن فى موضع رفع ب «لولا».
وقوله: بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) ويقرأ (مردفين) «٦» فأما (مردفين) فمتتابعين، و (مردَفين) فُعِل بِهم.
وقوله: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ (١٠) هذه الهاء للإرداف: ما جعل الله الإرداف إِلَّا بُشْرى.
وقوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ (١١) بات المسلمونَ ليلة بدر عَلَى غير ماء، فأصبحوا مجنبِين، فوسوس إليهم الشيطانُ فقال: تزعمونَ أنكم عَلَى دين الله وأنتم عَلَى غير الماء وعدّوكم عَلَى الماء تصلون مجنبين، فأرسلَ الله عليهم السماء «٧» وشربوا واغتسلوا وأذهبَ الله عنهم رِجْزَ الشيطان يعني وسوسته، وكانوا فِي رمل تغيب فِيهِ الأقدام فشدّده المطر حَتَّى اشتدّ عَلَيْهِ الرجال، فذلك قوله: وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.
(٣) سقط فى ا.
(٤) آية ١٨ سورة محمد.
(٥) آية ٢٥ سورة الفتح.
(٦) أي بفتح الدال: وهى قراءة نافع وأبى جعفر ويعقوب، والكسر قراءة الباقين.
(٧) كذا فى ا. وفى ش، ج: «الماء».
وقوله: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ علَّمهم مواضع الضرب فقال: اضربوا الرءوسَ والأيدي «٢» والأرْجُل.
فذلك قوله: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.
وقوله: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ (١٤) خاطب المشركين.
ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ فنصب (أنّ) من جهتين.
أَمَّا إحداهما: وَذَلِكَ بأن للكافرينَ عذابَ النار، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا مثل قول الشاعر:
تسمع للأحشاء مِنْهُ لغطًا | ولليدين جُسْأَةً وبَدَدَا «٣» |
(٢) هذا من ضرب البنان. والبنان جمع بنانة وهى أطراف أصابع اليدين والرجلين.
(٣) اللغط: الأصوات المبهمة. والجسأة الصلابة والغلظ والخشونة. والبدد: تباعد ما بين اليدين.
وقوله: ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) ومُوهِنُ. فإن شئت أضفت، وإن شئت نوّنت ونصبت «٣»، ومثله: إِنَّ «٤» اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، وبالغ أمره وكاشِفاتُ «٥» ضُرِّهِ، وكاشفات ضُرَّه.
وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى (١٧) دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر بكفّ من تراب فحثاهُ فِي وجوه القوم، وقال: شَاهت الوجوه، أي قبحت، فكان ذَلِكَ أيضًا سبب هزمهم «٦».
وقوله: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ (١٩) (قَالَ «٧» أَبُو جهل يومئذ: اللَّهُمَّ انصر أفضل الدينين وأحقَّهُ بالنصر، فقال الله تبارك وتعالى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ يعنى النصر.
(٢) الآية ٢٢ من سورة الواقعة. ويريد المؤلف قراءة أبى وعبد الله بن مسعود (وحورا عينا) على معنى: ويعطون هذا كله وحورا عينا كما فى البحر ٨/ ٢٠٦
(٣) الإضافة والتنوين فى الوصفين من فعّل وأفعل وقرى بكل هذه الأوجه ما عدا النصب مع الوصف من أوهن.
(٤) آية ٣ سورة الطلاق. وقراءة حفص بالإضافة والباقين بالتنوين ونصب أمره.
(٥) آية ٣٨ سورة الزمر. قرأ بالتنوين أبو عمرو ويعقوب وقرأ الباقون بغير تنوين.
(٦) كذا فى ش، ج. وفى ا: «هزيمتهم».
(٧) سقط ما بين القوسين فى ا.
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ (٢٤) يقول: استجيبوا لله وللرسول إِذَا دعاكم إلى إحياء أمركم.
وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين المؤمن وبين المعصية، وبين الكافر وبين الطاعة و (أنه) مردود على (واعلموا) ولو استأنفت فكسرت لكان صوابًا.
وقوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ (٢٥) أمرهم ثُمَّ نَهاهم، وَفِيهِ طَرَف من الجزاء وإن كان نهيا. ومثله قوله يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ «٢» أمرهم ثُمَّ نَهاهم، وَفِيهِ تأويل الجزاء.
وقوله: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ (٢٦) نزلت فى المهاجرين خاصّة.
وقوله: فَآواكُمْ يعنى إلى المدينة، وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ أي قوّاكم.
(٢) آية ١٨ سورة النمل.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله | عار عليك إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ |
وقوله: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً (٢٩) يقول: فتحًا ونصرًا. وكذلك قوله يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يوم الفتح والنصر.
وقوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ (٣٠) اجتمعَ نفرٌ من قريش فقالوا: ما ترونَ فِي مُحَمَّد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ويدخل إبليس عليهم فِي صورة رجل من أهل نَجد، فقال عَمْرو بن هشام «٣» : أرى أن تَحبسوهُ فِي بيت وتُطَيِّنُوه عَلَيْهِ وتفتحوا لَهُ كُوَّة وتضيِّقوا عَلَيْهِ حَتَّى يَموت. فأبى ذَلِكَ إبليس وقال: بئس الرأي رأيك، وقال أَبُو البَخْتَرِيّ بن هشام: أرى أن يحمل عَلَى بعير ثُمَّ يطرد بِهِ حَتَّى يهلك «٤» أو يكفيكموهُ بعض العرب، فقال إبليس: بئس الرأي! أتخرجونَ عنكم رجلا قد أفسدَ عامّتكم فيقع إلى غيركم! فعلّه يغزوكم بِهم. قَالَ الفاسق أَبُو جهل: أرى أن نَمشي إِلَيْهِ برجل من كل فخذ من قريش فنضر به بأسيافنا، فقال إبليس: الرأي ما رأى هَذَا «٥» الفتى، وأتى جبريل عليه السلام إلى
(٢) المشهور أن القائل هو أبو الأسود الدؤلي من قصيدة طويلة. وانظر الخزانة ٣/ ٦١٨
(٣) هو أبو جهل. [.....]
(٤) كذا فى أ. وفى ش، ج: «يهم».
(٥) سقط فى أ.
ليحبسوك فى البيت. (أو يخرجوك) على البعير «١» (أو يقتلوك).
وقوله: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ (٣٢) فى (الحق) النصب والرفع «٢» إن جعلت (هو) اسمًا رفعت الحق بهو. وإن جعلتها عمادًا بِمنزلة الصلة نصبت الحق. وكذلك فافعل فِي أخوات كَانَ، وأظنّ وأخواتها كما قَالَ الله تبارك وتعالى وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ «٣» تنصب الحق لأن (رَأَيْتَ) من أخوات ظننت. وكل موضع صلحت فِيهِ يفعل أو فعل مكان الفعل «٤» المنصوب ففيه العماد ونصب الفعل. وَفِيهِ رفعه بِهو عَلَى أن تجعلها اسمًا، ولا بدّ من الألف واللام إِذَا وجدت إليهما السبيل. فإذا قلت:
وجدت عبد الله هُوَ خيرًا منك وشرًا منك أو «٥» أفضل منك، ففيما أشبه هَذَا الفعل النصب والرفع. النصب عَلَى أن ينوي الألف واللام، وإن لَمْ يمكن إدخالَهما. والرفع عَلَى أن تَجعل (هو) اسمًا فتقول: ظننت أخاكَ هُوَ أصغرُ منك وهو أصغرَ منك.
وَإِذَا جئت إلى الاسماء الموضوعة مثل عَمْرو، وَمُحَمَّد، أو المضافة مثل أبيك، وأخيك رفعتها، فقلت: أظنّ زيدًا هُوَ أخوك، وأظنَّ أخاكَ هُوَ زيد، فرفعت إذ لَمْ تأت بعلامة المردود، وأتيت بِهو التي هي علامة الاسم، وعلامة المردود أن يرجع كل فعل لَمْ تكن فِيهِ ألف ولام بألف ولام ويرجع عَلَى الاسم فيكون (هُوَ)
(٢) النصب قراءة العامّة. والرفع قراءة زيد بن على والمطوعىّ عن الأعمش.
(٣) آية ٦ سورة سبأ.
(٤) يريد بالفعل الخبر.
(٥) كذا فى ا. وفى ش، ج: «و».
أَجِدَّك لَن تزال نجِيَّ هَمّ | تبيتُ اللَّيْلَ أنت لَهُ ضجيع |
ليت الشباب هُوَ الرجِيعُ عَلَى الفتى | والشيبُ كَانَ هُوَ البديءُ الأوّل «٤» |
وقوله: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ (١٦) هُوَ استثناء والمتحيِّز غير مَن. وإن شئت جعلته من صفة «٥» من، وهو عَلَى مذهب قولك: إِلا أن يوليهم يريد الكرَّّة، كما تَقُولُ فِي الكلام: عبد الله يأتيكَ إِلا ماشيًا، ويأتيكَ إِلا أن تمنعه الرحلة. ولا يكون (إلا) هاهنا عَلَى معنى قوله إِلى «٦» طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ لأن (غير) فِي مذهب (لا) ليست فِي مذهب (إِلا).
(٢) فى ا: «فأقول».
(٣) هذا راجع للنصب.
(٤) الرجيع: المرجوع فيه: أراد به المتأخر، والبديء: الأوّل.
(٥) يريد بصفتها ما بعدها من فعل الشرط، وهو (يولهم)، يريد الضمير فى الفعل.
(٦) آية ٥٣ سورة الأحزاب.
(أعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فلله خمسه) تصلح، فإذا صلح سقوطها صلح كسرها.
وقوله: وَلِذِي الْقُرْبى: قرابة رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ: يتامى الناس ومساكينهم، لَيْسَ فيها يتامى بني هاشم ولا مساكينهُم.
وقوله: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا (٤٢) والعدوة: شاطئ الوادي الدُّنْيا مما يلى المدينة، والْقُصْوى مما يلي مكة.
وقوله وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني أبا سفيان وَالْعِيرَ، كانوا عَلَى شاطئ البحر.
وقوله أَسْفَلَ مِنْكُمْ نصبت يريد: مكانا أسفلَ منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد: والركب أشد تسفلا لَجازَ ورفع.
وقوله وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كتابتها عَلَى الادغام بياء واحدة، وهي أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم «٣» (حيى عن بيّنة) بإظهارها. وإِنَّما أدغموا الياء مع الياء وَكَانَ ينبغي لَهم ألا يفعلوا لأن الياء الآخرة لزمها النصب فِي فَعَلَ، فأدغموا لَما التقى حرفان متحركان من جنس واحد. ويَجوز الادغام فِي الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة، فتقول للرجلين: قد حَيّا، وحَيِيا. وينبغي للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه
(٢) آية ٦٣ سورة التوبة.
(٣) هم نافع والبزىّ عن ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، وأبو جعفر ويعقوب وخلف.
فقالوا فِي حَيِيت حَيُّوا، وَفِي عيِيت عَيُّوا أنشدني بعضهم:
يَحِدن بِنَا عَن كلّ حَيٍّ كأنَّنا... أخارِيس عَيُّوا بالسلام وبالنَّسْبِ «١»
يريد النّسَبَ. وقال الآخر:
مِن الَّذِينَ إِذَا قلنا: حَدِيثَكم... عَيُّوا، وإن نحن حَدَّثناهُمُ شَغبوا «٢»
وقد اجتمعت العرب عَلَى إدغام التحيَّة والتحيّات بِحركة الياء الأخيرة فيها كما استحبّوا إدغام عيَّ وَحَيَّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء فِي يَحْيَا ويَعْيا وهو أقل من الادغام فِي حيّ لأن يحيا يسكن ياؤها إِذَا كانت فِي موضع رفع، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذَلِكَ أنك «٣» إِذَا نصبتها كقول الله تبارك وتعالى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى «٤» استقام إدغامها هاهنا ثم نؤلّف الكلام، فيكون فِي رفعه وجزمه بالإدغام فتقول (هو يحىّ وَيُمِيتُ) أنشدني بعضهم:
وكأنها بين النساءِ سَبيِكةٌ... تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتها فَتُعِيُّ «٥»
وكذلك يَحَيَّان ويَحَيُّون.
(٢) «قلنا: حديثكم» أي هاتوا حديثكم أو حدّثوا حديثكم. يرميهم بالعيّ والشغب.
(٣) سقط فى ش، ج. وثبت فى أ.
(٤) آية ٤٠ سورة القيامة.
(٥) سدة البيت: فناؤه. يصف امرأة أنها منعمة يثقل عليها المشي، فلو مشت بفناء بيتها لحقها الإعباء والكلال.
وقوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا (٥٠) يريد: ويقولونَ، مضمرة كما قَالَ: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا «٣» يريد يقولون: (ربّنا). وَفِي قراءة عبد الله وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ «٤» يقولان رَبَّنا.
وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) (أنّ) فى موضع نصب إذا جعلت (ذلك) نصبًا وأردت: فعلنا ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وب أَنَّ اللَّهَ. وإن شئت جعلت (ذلك) فِي موضع رفع، فتجعل (أنْ) فِي موضع رفع كما تَقُولُ: هَذَا ذاك.
وقوله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (٥٢) يريد: كذّب هَؤُلاءِ كما كذّب آلُ فرعون، فنزل بهم كما نزل بآل فرعون.
(٢) هو أخو أبى جهل. أسلم يوم الفتح. واستشهد يوم اليرموك، وقيل: فى طاعون عمواس.
(٣) آية ١٢ سورة السجدة.
(٤) آية ١٢٧ سورة البقرة
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فلا ينقضونَ العهد. وربما قرئت (مَنْ خَلْفَهُمْ) بكسر (من) «١»، وليس لَهَا معنى أستحبه مع التفسير.
وقوله: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً (٥٨) يقول: نقض عهد فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ بالنقض عَلى سَواءٍ يقول: افعل كما يفعلونَ سواء. ويُقال فِي قوله: عَلى سَواءٍ: جهرا غير سرّ. وقوله: تَخافَنَّ فِي موضع جزم. ولا تكاد العرب تدخل النون الشديدة ولا الخفيفة فِي الجزاء حَتَّى يصلوها ب (ما)، فإذا وصلوها آثروا التنوين. وَذَلِكَ أنهم وجدوا ل (إما) «٢» وهى جزاء شبيها ب (إما) من التخيير، فأحدثوا النون ليعلم بِهَا تفرقةُ بينهما ثُمَّ جعلوا أكثر جوابها بالفاء كذلك جاء التنزيل قَالَ: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ «٣» ثم قال: فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ فاختيرت الفاء لانهم إِذَا نوَّنوا فِي (إِمّا) جعلوها صَدْرًا للكلام ولا يكادونَ يؤخرونها. لَيْسَ من كلامهم: اضربه إِمّا يقومَنّ إِنَّما كلامهم أن يقدّموها، فلمّا لزمت التقديم صارت كالخارج من الشرط، فاستحبوا الفاء فيها وآثروها، كما استحبوها فِي قولهم: أمّا أخوكَ فقاعد، حين ضارعتها.
وقوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) بالتاء لا اختلاف فيها. وقد قرأها حَمْزَةُ «٤» بالياء. وَنَرَى أَنَّهُ اعتبرها بقراءة عبد الله.
وهي فِي قراءة عبد الله وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كفروا أنَّهم سبقوا إنهم لا يعجزون
(٢) فى ا: «إما».
(٣) آية ٧٧ سورة غافر. [.....]
(٤) وكذلك ابن عامر وحفص.
فإن قَالَ قائل: أليس من كلام العرب عسيت أذهب، وأريد أقوم معك، و (أن) فيهما مضمرة، فكيف لا يَجوز أن تقول: أظن أقوم، وأظن قمت؟ قلت:
لو فعل ذَلِكَ فِي ظننت إِذَا كَانَ الفعل للمذكور أجزته وإن كَانَ اسمًا مثل قولهم: عسى «٣» الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، والْخِلْقة لانْ «٤»، فإذا قلت ذَلِكَ قلته فِي أظن فقلت: أظن أقوم، وأظن قمت لأن الفعل لك، ولا يَجوز أظن يقوم زيد، ولا عسيت يقوم زيد ولا أردت يقوم زيد وجاز والفعل لَهُ لأنك إِذَا حوّلت يفعل إلى فاعِل اتصلت بِهِ وهي منصوبة بصاحبها، فيقول: أريد قائِمًا والقيامُ لك. ولا تَقُولُ أريد قائمًا زيد، ومن قَالَ هَذَا القول قَالَ مثله فِي ظننت. وقد أنشدني بعضهم لذي الرُّمَّة:
أَظَنَّ ابْنُ طرثوث عتيبة ذاهبا | بعاديّتى تكذابه وجعائله «٥» |
(٢) آية ٩٥ سورة الأنبياء.
(٣) الغوير تصغير غار، والأبؤس جمع بأس وهو العذاب، أو بؤس وهو الشدّة. وهو مثل. وأصله أن قوما حذروا عدوّا لهم فاستكنوا منه فى غار، فقال بعضهم مشفقا: عسى الغوير أبؤسا، أي لعل البلاء يجىء من قبل الغار، فكان كذلك فقد احتال العدوّ حتى دخل عليهم من صدع كان بالغار، فأسروهم.
وقيل: إن الغار انهار عليهم. وقد قيل فى المثل غير هذا.
(٤) كأنه يريد أن الأصل أن يقرن الخبر بأن، فكانت الخلقة فى الخبر والطبيعة فيه لأن.
(٥) العادية: البئر القديمة. والجعائل جمع جعالة: وهى هنا الرشوة. كان ذو الرمة اختصم هو وابن طرثوث فى بئر وأراد أن يقضى له بها. ورواية الديوان ٤٧٣: «لعل ابن طرثوث».
وقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (٦٠) يريد إناث الخيل. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ «٢» أَبِي يَحْيَى رَفَعَهُ إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الْقُوَّةُ: الرَّمْيُ.
وقوله تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ. ولو جعلتها «٣» نصبًا من قوله: وَأَعِدّوا لَهم ولآخرين من دونِهم كَانَ صوابًا كقوله: وَالظَّالِمِينَ «٤» أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُلَمِيّ: (ترهبونَ بِهِ عَدُوًّا لِلَّهِ وعدوّكم) كما قرأ بعضهم «٥» فِي الصفّ (كونوا أَنْصَارًا لِلَّهِ).
وقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (٦١) إن شئت جعلت (لَهَا) كناية عَن السلم لأنها مؤنثة. وإن شئت جعلته للفَعْلة كما قَالَ إِنَّ «٦» رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ولم يذكر قبله إلا فعلا، فالهاء للفعلة.
(٢) هو محمد بن أبى يحيى الأسلمىّ المدني. مات سنة ١٤٦
(٣) ظاهر الأمر عطف «وآخرين» على «عدوّ الله». وأبدى المؤلف وجها آخر: أن يكون هذا موصولا فى المعنى بقوله: «أعدوا لهم» فيكون العامل فيه فعلا مقدّرا من معنى الكلام السابق.
والتقدير: راقبوا آخرين بما تعدونه لهم من سلاح.
(٤) آية ٣١ سورة الإنسان.
(٥) هم من عدا ابن عامر وعاصما وحمزة والكسائي وخلفا ويعقوب. وهذا فى الآية ١٤ من سورة الصف.
(٦) آية ١٥٣ سورة الأعراف. والفعل السابق قوله: «ثم تابوا من بعدها».
وقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ (٦٤) جاء التفسير: يكفيكَ الله ويكفي من اتبعك فموضع الكاف فِي (حَسْبَكَ) خفض. و (مَنْ) فِي موضع نصب عَلَى التفسير كما قَالَ الشاعر:
إِذَا كانت الهيجاء وانشقّتِ العصا | فحسبُك والضَّحاكَ سيفٌ مُهَنَّد «١» |
وإن شئت جعلت (من) فى موضع رفع، وهو أحبّ الوجهين إليّ لأن التلاوة تدلّ عَلَى معنى «٤» الرفع ألا ترى أَنَّهُ قَالَ:
إِنْ يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين (٦٥) فكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغْزِي أصحابه عَلَى أنَّ العشرة للمائة، والواحد للعشرة، فكانوا كذلك، ثُمَّ شقّ عليهم أن يُقْرِن «٥» الواحد للعشرة فنزل:
وعليه العهدة».
(٢) أي رددنا المنصوب على تأويل الكاف وتقدير أنها منصوبة إذ هى فى معنى المفعول، فكأنه قيل: يكفيك. ولم يرد على لفظ الكاف فإن لفظها خفض بالإضافة. [.....]
(٣) آية ٣٣ سورة العنكبوت.
(٤) وهو أن المؤمنين بإعانة الله يكفون الرسول عليه الصلاة والسلام غوائل الأعداء، والآية الآتية تدل على هذا إذ فيها أنه تعالى ضمن للقليل من المؤمنين النصرة على من يزيد عليهم أضعافا فى العدد من المشركين.
(٥) يقال. أقرن الشيء: أطاقه وقدر عليه.
وقوله: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى (٦٧) معناهُ: ما كَانَ ينبغي لَهُ يوم بدر أن يقبل فداء الأسرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: حَتَّى يغلب عَلَى كَثِير من فِي الأرض. ثُمَّ نزل:
قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ (٦٨) فِي فداء الأسرى والغنائم. وقد «١» قرئت (أُسَارى)، وكلٌّ صواب. وقوله أَنْ يَكُونَ بالتذكير «٢» والتأنيث كقوله يشهد «٣» عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ و (تشهد).
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ (٧٢) ثم قال: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فِي المواريث، كانوا يتوارثونَ دون قراباتِهم ممن لَمْ يُهاجر.
وَذَلِكَ قوله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ يريد: من مواريثهم.
وكسر «٤» الواو فِي الولاية أعجب إليَّ من فَتَحها لانَّها إنَّما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت
(٢) قرأ أبو عمرو ويعقوب بالتأنيث، والباقون بالتذكير.
(٣) آية ٢٤ سورة النور. وقراءة حمزة والكسائي وخلف بالياء، وقراءة الباقين بالتاء.
(٤) وهو قراءة حمزة والأعمش.
دعِيهمْ فَهُمْ أَلْبٌ عَلَيَّ وِلايَةٌ | وَحَفْرُهُمُ أَنْ يَعْلَموا ذاكَ دائب «٢» |
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (٧٥) فتوارثوا، ونسخت هَذِه الآخِرة الآية التي قبلها. وَذَلِكَ أَنَّ قوله: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) : إلا تتوارثوا «٣» عَلَى القرابات تكن فتنة. وذكر أَنَّهُ فِي النصر: إلا تتناصروا «٤» تكن فتنة.
(٢) ألب: أي مجتمعون، وقوله: علىّ ولاية: أي مجتمعون بالنصرة، يريد أنهم تألبوا وتناصروا عليه. وقوله. «حفرهم» كذا فى أ. وفى ش، ج: «خفرهم».
(٣) كذا فى أ. وفى ش، ج: «يتوارثوا».
(٤) كذا فى أ. وفى ش، ج: «يتناصروا».