تفسير سورة عبس

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة عبس من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة عبس (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١، ٢ - ﴿عَبَسَ﴾ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- (٢) ﴿وَتَوَلَّى﴾ أعرض (٣) ﴿أَنْ جَاءَهُ﴾ قال أبو إسحاق: "أن" في موضع نصب (٤) مفعول له، المعنى: لأن جاءه الأعمى، وهو ابن مكتوم، أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده رهط (٥) من أشراف قريش، وهو مقبل عليهم يدعوهم إلى الله و (إلى) (٦) الإسلام، وفرح أن يجيبوه إلى
(١) مكية في قول الجميع. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٤٠، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٦، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٦، "زاد المسير" ٨/ ١٧٩، وغير ذلك من كتب التفسير.
(٢) أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام. قاله الفخر في: "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٦. ومعنى العبوس: تقطب الوجه واربداده عند كراهية أمر. انظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٦.
(٣) أعرض بوجهه. قاله ابن الجوزي: "زاد المسير" ٨/ ١٨٠، وقال الشيخ السعدي: تولى في بدنه. تيسير الكريم الرحمن: ٥/ ٣٧١.
(٤) بياض في (ع).
(٥) الرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. مختار "الصحاح" ٢٥٩: (رهط)، والمقصود بهم: عتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وعباس بن عبد المطلب، وأبي، وأمية ابنا خلف.
انظر: "أسباب النزول للواحدي"، تح: أيمن صالح: ٣٨٥.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
209
ذلك، إذا أتى ابن أم مكتوم الأعمى (١)، فجعل يناديه ويقول: يا رسول الله، علمني مما علمك الله، يعني القرآن والإسلام، ويكرر (٢) ذلك، ولا يدري أنه مشتغل عنه بغيره، فكلح (٣) النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعرض عنه، وظهرت في وجهه الكراهة، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآيات (٤).
(١) ابن أم مكتوم: هو عمرو بن أم مكتوم القرشي بن قيس بن زائدة بن الأصم، وقد اختلف في اسمه، واسم أمه أم مكتوم: عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عائذ بن مخزوم، أسلم قديمًا بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، شهد القادسية، واستشهد هناك، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديثه في كتب السنن.
انظر: "الاستيعاب" ٣/ ١١٩٨ ت ١٩٤٦، "أسد الغابة" ٤/ ٢٦٤، ت ٤٠٠٦، "الإصابة" ٤/ ٢٨٤ ت ٥٧٥٩.
(٢) في (أ): فكرر.
(٣) كلح: الكلوح: تكشر في عبوس. "لسان العرب" (كلح)، وسبق بيانها في سورة المدثر.
(٤) وبمعنى هذه الرواية ورد في أسباب النزول: تح: أيمن صالح: ٣٨٥ من طريقين: أحداهما: لم يذكر إسناده، والآخر: من طريق هشام بن عروة، عن عائشة. وانظر أيضًا: "لباب النقول" للسيوطي: ٢٢٧، وعزاه إلى الترمذي، والحاكم عن عائشة، قال الترمذي عن رواية هشام بن عروة، عن عائشة: هذا حديث غريب. "سنن الترمذي" ٥/ ٤٣٢: ح ٣٣٣١ كتاب تفسير القرآن، باب ٧٣، قال: وقد روى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه، ولم يذكر فيه عائشة.
قال الوادعي: الحديث، قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" ٤/ ٢٤٤: رجاله رجال الصحيح، وقد أخرجه ابن حبان كما في "موارد الظمآن" ٤٣٨ ح ١٧٦٩: كتاب التفسير: باب سورة عبس، وابن جرير "جامع البيان" ٣٠/ ٥٠، والحاكم ٢/ ٥١٤ التفسير: تفسير سورة عبس، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، فقد أرسله جماعة عن هشام. قال الذهبي: وهو الصواب.
الحديث له شواهد أوردها الشوكاني في: "فتح القدير" ٥/ ٣٨٦ عزاه إلى "تفسير =
210
(وهذا قول جماعة المفسرين) (١) (٢).
٣ - قوله (تعالى) (٣): ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ قال الكلبي: يصلح فيعمل خيرًا (٤)، قال الفراء: أي بما أراد أن يتعلمه من علمك (٥).
والمعنى: يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، والانتفاع بما يتعلم منك.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المعنى: يتطهر من الشرك بالإسلام.
= عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٨، وعبد بن حميد من طريق أبي يعلى عن أنس، وذكر إسناد الرواية في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، ثم قال: رجاله رجال الصحيح إلا شيخ أبي يعلى محمد بن مهدي، فلم يتيسر لي الوقوف على ترجمته، لكنني أظنه تصحيفًا من محمد بن مهران، فقد ذكروه من الرواة عن عبد الرزاق، فهو من رجال الصحيح، وعلى كل فلا يضر الحديث ما دام أنه قد رواه عن عبد الرزاق، فهو من رجال الصحيح. انتهى كلام الوادعي. انظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" ٢٣٠ - ٢٣١. نقلته باختصار.
(١) وممن قال إنها نزلت في ابن أم مكتوم: قتادة، وعروة بن الزبير، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٨، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٢، "جامع البيان" ٣٠/ ٥٠ - ٥١، وقال ابن العربي: لا خلاف أنها نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى: "أحكام القرآن" ٤/ ١٩٠٥.
وقد وردت الرواية في ابن أم مكتوم في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٦، "زاد المسير" ٨/ ١٧٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٩، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٣، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٦.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٥ بنصه.
وهو قول: ابن زيد (١)، (ومعنى قول عطاء) (٢) (٣). والصحيح هو الأول؛ لأنه كان قد آمن (من) (٤) قبل هذه القصة قاله الكلبي (٥).
٤ - قوله تعالى: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ أي يتذكر فيتعظ بما يعلمه من مواعظ القرآن. ﴿فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾ الموعظة.
(وقراءة العامة الرفع في: (فتنفعُه (٦)) بالعطف على ما تقدم من المرفوع، ومن نصب (٧) فعلى جواب لعل (٨) كقوله: ﴿لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * فَأَطَّلِعَ﴾ [غافر: ٣٦ - ٣٧] و"أطلع" (٩) (١٠) -وقد مر (١١).
(١) "جامع البيان" ٣٠/ ٥٢، وعبارته: "لعله يزكى" يسلم. "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٦.
(٢) النكت والعيون" ٦/ ٢٠٢، وعبارته: يؤمن، وهو قول مقاتل. انظر أيضًا: "زاد المسير" ٨/ ١٨٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) قرأ بذلك: ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي. انظر: "كتاب السبعة" ٦٧٢، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٤٧، "الحجة" ٦/ ٣٧٦، "المبسوط" ٣٩٦، "حجة القراءات" ٧٤٩، "كتاب التبصرة" ٧٢٠.
(٧) قرأ بذلك: عاصم بالنصب: "فتنفَعَه". انظر: المراجع السابقة.
(٨) في (أ): فعل.
(٩) سورة مريم: ٧٨: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨)﴾ ٧٨.
(١٠) ما بين القوسين من كتاب "الحجة" لأبي علي الفارسي، نقله عنه الواحدي مختصرًا: ٦/ ٣٧٦.
(١١) جاء في توجيه الفراء بمثل ما جاء في قراءة: "فتنفعه"، وإجماله:
قوله: "فأطلع إلى إله موسى". قرئ: "فأطلعَ" نصبًا، قال الفراء: الرفع بالنسق على قوله: "فأبلغ"، ومن نصب جعله جوابًا للفعل بالفاء، وهو قول أبي عبيد، والكسائي، وذكر أبو علي المعنى في القراءتين، فقال: قراءة العامة: "لعلي أبلغ" =
٥ - (قوله تعالى) (١): ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى﴾ قال عطاء: يريد عن الإيمان (٢).
وقال الكلبي (٣)، ومقاتل (٤): استغنى عن الله في نفسه، -وذكر أيضًا- "استغنى": أثرى (٥).
وهو فاسد- هاهنا- لأن إقبال النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لثروتهم ومالهم، حتى يقال له: أما من أثرى فأنت تقبل عليه؛ ولأنه قال: ﴿وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى﴾، ولم يقل وهو فقير عديم.
وأما من قال استغنى بماله (٦)، فهو صحيح؛ لأن المعنى أنه استغنى عن الإيمان والقرآن بماله من المال.
٦ - وقوله (٧) تعالى: ﴿فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ قال مقاتل (٨)، والكلبي (٩): تقبل
= و"لعلي أطلع" كقوله: "لعله يزكى أو يذكر" أي لعله يتزكى، ولعله يتذكر، ومن نصب جعله جوابًا بالفاء، والمعنى: أي إذا بلغت اطلعت، كما تقول: ألا تقع إلى الماء فتسبح، أي: ألا تقع، وألا تسبح، وإذا نصب كان المعنى أنك إذا وقعت سبحت.
(١) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٢) "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٧.
(٣) المرجع السابق، وعبارته: استغنى عن الله.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ.
(٥) روى الفخر ذلك عن بعضهم: "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٧.
(٦) قاله ابن عباس. انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "زاد المسير" ٨/ ١٨٠، وبمعنى هذا القول ذهب مجاهد. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٣، "زاد المسير".
(٧) في (أ): قوله.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ. وقد ورد بمثله في "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٦ من غير عزو.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
213
عليه بوجهك. (ونحو هذا قال الزجاج: أنت تقبل عليه (١) (٢).
وقال أبو عبيدة: "تصدى" تعرض (٣).
وقال أبو الهيثم: "فأنت له تصدى" معناه تتعرض له، وتميل إليه، وتقبل عليه، يقال: تصدى فلان لفلان يتصدّى، إذا تعرض له، وهو ما استقبلك فصار (٤) قُبَالَتَك (٥).
وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: ﴿إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ (٦).
وفيه قراءتان: التشديد على الإدغام (٧)،............
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٣.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٦، وعبارته: تعرض له.
(٤) بياض في (ع).
(٥) "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٠٤: (صد). وانظر: "لسان العرب" ٣/ ٢٤٧: (صد).
(٦) سورة الأنفال: ٣٥، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾.
ومما جاء في تقسير التصدية: قال:.. وأما التصدية، فهو التصفيق، يقال: صدى، وتصدى تصدية، إذا صفق بيديه، وأصله من الصدى، وهو الصوت الذي يرد عليك الجبل، وقال أبو عبيدة: أصلها تصدده، فأبدلت الياء من الدال، قال: ومنه قوله: ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾.
ويمكن أن تكون التصدية مصدرًا من صدّ إذا منع، واختار الأزهري مذهب أبى عبيدة، فقال: صدى أصله: صدد، فكثرت الدالات فقلبت. كما قالوا: قضيت أظفاري، ومثل هذا قوله: ﴿فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)﴾ أصله تصدد من الصدد، وهو ما استقبلك وصار قبالتك.
(٧) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو جعفر: "تصَّدَى" مشددة الصاد، وذلك بإدغام التاء في الصاد لقرب المخرجين.
انظر: "كتاب السبعة" ٦٧٢، "القراءات وعلل النحويين" ٢/ ٧٤٨، "الحجة" =
214
والتخفيف على الحذف (١).
٧ - وقوله: ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى﴾ قال ابن عباس: يريد ألا يهتدي، ولا يؤمن (٢).
والمعنى: أي شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم إلى أن تعرض عمن أسلم للاشتغال بدعوتهم.
٨ - قوله (تعالى) (٣): ﴿وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (وَهُوَ يَخْشَى) (٤)﴾ قال ابن عباس، والكلبي، ومقاتل (٥): يسعى في الطلب لرضاء الله، والعمل في الخير وما يرضي الله.
٩ - ﴿وَهُوَ يَخْشَى﴾ الله عَزَّ وَجَلَّ يعني ابن أم مكتوم.
١٠ - (قوله تعالى) (٦): ﴿فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ قال مقاتل (٧)، والكلبي (٨):
= ٦/ ٣٧٦ - ٣٧٧، "حجة القراءات" ٧٤٩، "تحبير التيسير" ١٩٧، "المهذب" ٢/ ٣٢٣.
(١) قرأ الباقون -أي غير الذين ذكرنا في الحاشية السابقة-: "تصَدَّى" مخففة؛ وذلك بحذف التاء، ولم تدغم، وهو الأصل.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثل روايته من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٥) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ. وقد ورد بمثل قوله من غير نسبة في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٣.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
تعرض عنه بوجهك.
قل أبو إسحاق معناه: تتشاغل، يقال: لهيت عن الشيء، وألهى عنه إذا تشاغلت عنه (١).
١١ - ثم وعظ نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿كَلَّا﴾ هو، وهو ردع وزجر (٢).
قال مقاتل: لا تقبل على من استغنى، وتعرض عمن يخشى (٣). ثم استأنف فقال:
(قوله تعالى) (٤): ﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ (لمن يخشى) (٥) قال مقاتل: يعني أنها آيات القرآن (٦).
وقال الكلبي: يعني هذه السورة (٧). (وهو قول الأخفش (٨)، والفراء (٩)) (١٠).
١٢ - قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ يعني الوحي، والقرآن (١١).
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤ بنصه.
(٢) بهذا قال الثعلبي في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ، "الكشف والبيان" ج١٣: ٣٣/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "زاد المسير" ٨/ ١٨١، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٨.
(٧) "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٣، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٨.
(٨) "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٨.
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٦ وعبارته: هذه السورة تذكرة.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١١) وبهذا قال الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٥٣.
وقال صاحب النظم: "إنها تذكرة" يعني به القرآن، والقرآن مُذَّكرٌ؛ إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة، أخرجه على لفظ التَّذكِرة، ولو ذَكَّرَهُ لجاز، كما قال في موضع آخر: ﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ [المدثر: ٥٤] ويدل على (أن قوله) (١): "إنها تذكرة" يراد به: القرآن، قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ (٢).
والمعنى: القرآن موعظة وتذكير، فمن شاء ذكره.
قال ابن عباس (٣)، ومقاتل (٤): فمن شاء ألهمه، وفهمه القرآن حتى يذكر ويتعظ به.
ثم أخبر عَزَّ وَجَلَّ بجلالة الكتاب في اللوح المحفوظ عنده فقال:
١٣ - ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ قال المفسرون (٥): يعني اللوح المحفوظ.
(١) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٢) "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٣.
(٣) "الوسيط" ٤/ ٤٢٣.
(٤) ورد بنحو قوله في: "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧.
فائدة: قال الشيخ الشنقيطي: "هذا للتهديد لا للتخيير بدليل ما بعده: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧)﴾ قتل الإنسان: دعاء عليه، والإنسان للجنس الكافر، وما أكفره: أي: ما أشد كفره بها بعد هذا كله من علو منزلتها".
"أضواء اليبان" ٩/ ٥٣.
(٥) قاله مقاتل في تفسيره: ٢٢٩/ أ، "زاد المسير" ٨/ ١٨٢. وممن قال به أيضًا:
الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٦، والزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤، والطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٣، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٣٩ ب.
وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٨، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩، "لباب التأويل" ٤/ ٢٥٣.
١٤ - ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ قالوا (١): في السماء السابعة.
﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ لا يمسها إلا المطهرون، وهم الملائكة (٢)، ويجوز أن يكون المعنى القرآن، أُثبت في صحف الملائكة يقرؤونها (٣)، فتلك الصحف هي: المكرمة، المرفوعة: الرفيعة القدر. يدل على هذا المعنى،
١٥ - فقال: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾
قال المفسرون: هم الكتبة من الملائكة، وهو قول ابن عباس (٤)،
= وهناك قول آخر في الآية، وهو: أن الصحف هي كتب الأنبياء، أي أن هذه التذكرة مثبتة في صحف الأنبياء المتقدمين.
انظر: "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٩/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "زاد المسير" ٨/ ١٨٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٤، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩.
وقيل أيضًا: هي مصاحف المسلمين. انظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٨.
(١) أي المفسرون، ومنهم: يحيى بن سلام، وعبارته: مرفوعة في السماء.
انظر: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٣، كما ورد هذا القول في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩.
وهناك قولان آخران لمعنى الآية:
أحدهما: أنها مرفوعة القدر والذكر.
والآخر: مرفوعة عن الشبه والتناقض.
انظر: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٣، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٤.
وعن مقاتل قال: إنها مرفوعة فوق الماء الرابعة: "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ.
(٢) وهو قول ابن زيد. "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٤، وبه قال الفراء في: "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٦.
(٣) غير مقروءة في (ع).
(٤) ورد بنحو قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٣، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٤، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٨، "زاد المسير" ٨/ ٨٢، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩، "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٨، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٢.
218
(ومقاتل) (١) (٢)، ومجاهد (٣)، وقتادة (٤)
قال أبو إسحاق: السفرة الكتبة، يعني بهم الملائكة، واحدهم: سافر، مثل كاتب، وكتبة، وإنما قيل [للكتاب] (٥) سِفر؛ لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه، يقال: سفرت المرأة، إذا كشفت عن وجهها (٦).
وجعل الفراء: السفرة -هاهنا- الملائكة الذين يَسفِرون بالوحي بين الله وبين رسله، فقال: واحد السفرة: سافر، والعرب تقول: سفرت بين القوم، إذا أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بالوحي وتأديبه كالسفير الذي يصلح بين القوم، وأنشد (٧):
وما أدعُ السِّفارةَ بينَ قومي وما أمْشي بِغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ (٨)
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٧، "زاد المسير" ٨/ ١٨٢، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٤، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٢، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٨ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٨، "جامع البيان" ٣٠/ ٥٣، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٨ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٥) في كلا النسختين: الكاتب، وأثبت ما جاء في "معاني القرآن وإعرابه" لصوابه. وأصل العبارة الواردة: وإنما قيل للكتاب سَفَرة، وللكاتب سافر.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤ مختصرًا.
(٧) لم أعثر على قائله.
(٨) ورد البيت غير منسوب في: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٤، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٤، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٨، "زاد المسير" ٨/ ١٨٢، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٤، "البحر المحيط" ٤٢٥، "تفسير القرآن =
219
وأصل السفارة من الكشف (١)، -أيضًا- قال الزجاج: سفرت بين القوم، أي كشفت ما في قلب هذا، وقلب هذا، لأصلح بينهم (٢).
١٦ - ثم أثنى على السفرة: قوله تعالى: ﴿كِرَامٍ﴾ قال مقاتل: يعني مسلمين (٣). وقال الكلبي: كرام على ربهم (٤).
وقال عطاء: يريد أنهم يتكرمون أن يكونوا مع بني آدم، إذا خلا مع زوجته للجماع، وعند الغائط (٥).
﴿بَرَرَةٍ﴾ قال مقاتل: مطيعين (٦).
(وبررة: جمع بار (٧)، -قال الفراء-: لأن العرب لا يقولون: فَعَلة يريدون به الجمع إلا والواحد منه فاعل، مثل: كافر، وكفرة، وفاجر،
العظيم" ٤/ ٥٠٢، وفي "الجامع لأحكام القرآن"، والبحر برواية: "فما" بدلاً من "وما أدع"، و"ما أسعى" بدلاً من: "ما أمشي".
والنقل من "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٦ بيسير من التصرف.
(١) قال ابن فارس: "سفر" أصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء، من ذلك: السَّفَر؛ سمي بذلك لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم وأسفر الصبح، وذلك لانكشاف الظلام. "مقاييس اللغة" ٣/ ٨٢: (سفر).
وانظر: "القاموس المحيط" للفيروزآبادي ٢/ ٤٩: (سفر).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤ بيسير من التصرف.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ.
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ٢٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤١٥.
(٥) "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩. وبمثله قال الضحاك: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٤.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٩.
(٧) جاء في "الصحاح" جمع البَارِّ: البَرَرَة، وفلان يَبَرُّ خالقه، وَيتَبَرَّرُهُ أي يطيعه، والأم برَّة بولدها، وبَرَّ فلان في يمينه أي صّدّق. ٢/ ٥٨٨: (برر).
وفجرة) (١).
قال مقاتل: كان ينزل بالقرآن (٢) من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر إلى الكتبة من الملائكة، ثم ينزل جبريل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- (٣).
١٧ - (قوله تعالى) (٤): ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ (مَا أَكْفَرَهُ) (٥)﴾ هو قال ابن عباس: لعن عتبة (٦).
قال المفسرون: نزلت في (عتبة بن) (٧) أبي لهب (٨).
﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾ قال مقاتل (٩)، الكلبي (١٠): ما الذي أكفره.
وقال (١١) الفراء: بهذا الوجه جاء التفسير (١٢)، ويجوز أن يكون
(١) ما بين القوسين من قول الفراء. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٧.
(٢) في (ع): القرآن.
(٣) "الوسيط" ٤/ ٤٢٣.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) قال بذلك: الكلبي، ومقاتل، وابن جريج، والضحاك، وابن عباس، وعكرمة. انظر: "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٨، "الكشف والبيان" ١٣/ ٣٩ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٨، "زاد المسير" ٨/ ١٨٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٥، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٩.
وحكاه الفخر عن المفسرين: "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٠. وانظر هذا القول عنهم أيضًا في: "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٤، "البحر المحيط" ٨/ ٢٨، "فتح القدير" ٥/ ٣٨٤، "لباب النقول" للسيوطي: ٢٢٧.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ أ، "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٨، "الكشف والبيان" ١٣/ ٤٠ أ، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٣.
(١٠) المراجع السابقة.
(١١) في (ع): قال.
(١٢) يعني بذلك ما ذهب إليه مقاتل، والكلبي من قوليهما: ما الذي أكفره.
تعجبًا (١).
وشرح الزجاج القولين، فقال: يكون على جهة لفظ التَّعّجُّبِ، ومعنى التعجب [مما] (٢) يؤمر به الآدميون كقوله: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ [البقرة: ١٧٥] أي اعْجَبوا أنتم من كفر الإنسان.
(قال) (٣): ويجوز أن يكون على معنى التوبيخ (٤)، ولفظه لفظ الاستفهام، أي: أيُّ شيء أكفره؟ (٥).
١٨ - (ثم بين من أمْره ما كان ينبغي أن يعلم معه أن الله خالقه، وأنه واحد، فقال: ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ لفظه استفهام، ومعناه التقرير) (٦).
١٩ - ثم فسر فقال: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ قال ابن عباس (٧)،
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٧ بمعناه. وإلى جواز الوجهين في معنى الآية ذهب الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٥٤.
قال ابن عاشور: "وجملة "ما أكفره" تعليل لإنشاء الدعاء عليه دعاء التحقير والتهديد، وهذا تعجيب من شدة كفر هذا الإنسان، ثم قال: وهذه الجملة بلغت نهاية الإيجاز، وأرفع الجزالة بأسلوب غليظ قال على السخط، بالغ حد المذمة، جامع للملامة، ولم يسمع مثلها قبلها، فهي من جوامع الكلم القرآنية". التحرير والتنوير: ٣٠/ ١٢١.
(٢) وردت في النسختين: ما، وقد أثبت ما جاء في معاني الزجاج لسلامته.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) قوله: على معنى التوبيخ: بياض في (ع).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤ - ٢٨٥ بيسير من الاختصار.
(٦) ما بين القوسين من قول الزجاج نقله عنه الواحدي بنحوه انظر المرجع السابق.
(٧) ورد معنى قوله في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦، "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٨ والعبارة عنه: أي قدّر يديه، ورجليه، وعينيه، وسائر آرابه، وحسنًا، ودميمًا، وقصيرًا، وطويلاً، وشقيًا، وسعيدًا.
ومقاتل (١): يقدره في بطن أمه.
وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: ما ذكره الفراء: وقدره أطوارًا: نطفة، علقة إلى آخر خلقه، ذكرًا، أو أنثى، شقيًا، أو سعيدًا (٢).
والثاني: ما ذكره الزجاج قال: المعنى: فقدره على الاستواء، كما قال: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف: ٣٧]. (٣)
وهذا معنى قول الكلبي: (قدر خلقه، ورأسه، وعينيه، ويديه، ورجليه (٤) (٥).
٢٠ - قوله: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ (قال الحسن (٦)، ومجاهد (٧)، وعطاء (٨) (٩)،
(١) ورد معنى قوله في: "زاد المسير" ٨/ ١٨٣، وعبارته: قدره أطوارًا: نطفة، ثم علقة، إلى آخر خلقه.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٧ بنحوه.
(٣) الكهف: ٣٧.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٥.
(٥) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٨.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٨، "جامع البيان" ٣٠/ ٥٥، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٠/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٦، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٨، "زاد المسير" ٨/ ١٨٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٨، "تفسير القرآن العظيم" ٥٣/ ٥٤، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٩٦.
(٨) المراجع السابقة إضافة إلى "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٨ - ٤٣٩، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله. وما قاله المفسرون: الحسن، ومجاهد، وعطاء، قد رجحه ابن كثير ٤/ ٣٠٥، والشنقيطي، "أضواء البيان" ٩/ ٥٥.
قال الشنقيطي: "لأن تيسير الولادة أمر عام في كل حيوان، وهو مشاهد ملموس، فلا مزية للإنسان فيه على غيره، كما أن ما قبله قال عليه، أو على مدلوله، وهو القدرة في قوله تعالى: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾، وأما تيسير سبيل الدين، فهو الخاص بالإنسان، وهو المطلوب التوجه إليه".
والكلبي (١) (٢): بين له سبيل الخير، والشر كقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣٠] أي أعلمناه طريق الخير والشر.
قال السدي (٣)، ومقاتل (٤): أي أخرجه من الرحم، وهداه للخروج من بطن أمه.
٢١ - ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ هو قال مقاتل (٥)، (والكلبي) (٦) (٧) أمر به فقبر.
قال أبو عبيدة: [أمره] (٨) بأن يُقبر، [أي: جعل، له قبرًا -قال-
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ٥٥، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٨، "زاد المسير" ٨/ ١٨٤، "القرطبي" ١٩/ ٢١٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٣، "فتح القدير" ٥/ ٣٨٤.
(٤) ورد بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ ب، كما ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٥، "زاد المسير" ٨/ ١٨٤، "فتح القدير" ٥/ ٣٨٤.
وهذا القول رجحه الطبري. قال: لأن الخبر من الله قبلها، وبعدها عن صفته، خلقه وتدبيره، جسمه، وتصريفه إياه في الأحوال، فالأولى أن يكون أوسط ذلك ما قبله وبعده "جامع البيان" ٣٠/ ٥٥.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله. والذي ورد عنه في "تفسيره": أماته: ٢٢٩/ ب.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) أقبره، هكذا ورد في النسختين، وأثبت ما جاء في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة لاستقامة المعنى به.
وقالت بنو تميم: لعمر بن هبيرة (١) لما قتل صالح بن عبد الرحمن (٢): أقبرنا صالحًا، قال: دونكموه. والذي يدفن هو القابر (٣).
وقال ابن السكيت: أقبرت فلانًا، أي صيرت له قبرًا يدفن فيه (٤).
([أقبره] (٥) جعله مقبورًا، ولم يجعله ممن يُلقى للطير، والسباع، ولا ممن يلقى في النواويس (٦)، كأن القبر مما أكرم به المسلم.
قال: ولم يقل: فقبره، لأن القابر هو الدافن بيده، والمقبر هو الله؛ لأنه صيره ذا قبر، وليس فعله كفعل الآدمي، والعرب تقول: بترت ذنب البعير، والله أبتره، وعضبت (٧) قرن الثور، والله أعضبه، وطردت فلانًا عني، والله أطرده: صيره طريدًا) (٨).
٢٢ - قوله: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ (أي بعثه بعد موته، يقال: أنشر الله
(١) عمر بن هبيرة بن معيّة بن سُكين بن خَديج بن بَغيض بن مالك الفزاري، ولي العراقين ليزيد بن عبد الملك، وله عقب بالبصرة.
انظر: "جمهرة أنساب العرب" ٢٥٥.
(٢) لم أتوصل لمعرفته.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٦ بنحوه.
(٤) إصلاح المنطق: ٢٣٥.
(٥) في كلا النسختين: أمره.
(٦) النواويس: جاء في "لسان العرب" النَّاووس: مقابر النصارى، إن كان عربيًا، فهو فاعول. ٦/ ٢٤٤: (نوس). وانظر: "المصباح المنير" ٧٧٤: (نوس).
(٧) عضب القرن: أي يكسر القرن، وناقة عضباء أي مشقوقة الأذن، العَضباء، والعِضباء: الشاة المكسورة القرن الداخل، وهو المُشاش.
"النهاية في غريب الحديث والأثر" ٣/ ٢٥١. "الصحاح" ١/ ١٨٣: (عضب).
(٨) ما بين القوسين من قول الفراء في: "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٧ بنحوه.
الميت فنشر) (١).
٢٣ - ﴿كَلَّا﴾ (٢) قال (عطاء عن) (٣) ابن عباس: يريد لا يؤمن الكافر أن الله يبعثه (٤). وقال الحسن: حقًا (٥).
﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ أي: ما عهد إليه من الميثاق الأول في التوحيد، وهو قول عطاء، عن ابن عباس (٦)، ومقاتل (٧).
وقال الكلبي: ليس أحد قضى ما أمره الله به (٨).
وعلى هذا هو على العموم؛ لأنه لم يقض أحد من الخلق كل ما أمر به (٩).
ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر فقال:
(١) ما بين القوسين من قول أبي العباس في: "تهذيب اللغة" ١١/ ٣٣٨.
وجاء في اللسان: ونَشَر الله الميت يَنْشُرُه نشْرًا، ونُشورًا، وأنْشَرَه فنَشَر الميت لا غير: أحياه. ٥/ ٢٠٦: (نشر).
(٢) ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٨، "زاد المسير" ٨/ ١٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٧، "فتح القدير" ٥/ ٣٨٤، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٩٧.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٧، وفي هذا القول أحاديث كثيرة، منها وما ورد في "المسند" ١/ ٢٧٢، "المستدرك" ٢/ ٣٢٥، وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي عنه في "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٥: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. فليراجع ذلك الحديث في تلك المصادر.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ ب.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) وقد ذكر يحيى بن سلام أن المقصود بالآية الكافر أنه لم يفعل ما أمر به من الطاعة والإيمان. "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٦، "زاد المسير" ٨/ ١٨٤، والصواب ما ذكره الإمام الواحدي.
٢٤ - (قوله تعالى) (١): ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ (أي فلينظر كيف خلق الله طعامه الذي جعله سببًا لحياته) (٢).
(والمعنى: إلى كونه وحدوثه وهو موضع الاعتبار) (٣).
٢٥ - ثم بين فقال: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا﴾ قال الفراء: يخبر عن صفة الطعام بالاستئناف (٤)، ومن فتح "أنَّا" فهو في موضع خفض (٥). أي: فلينظر إلى أنا صببنا الماء، وفعلنا، وفعلنا.
قال: وكذلك قوله: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾ (٦) و"إنا دمرناهم" (٧).
قال: قد يكون موقع "أنا" إذا فتحت في هذه السورة، رفعًا كأنه استئناف، فقال: طعامه صببنا الماء، وإنباتُنا كذا وكذا (٨).
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) ما بين القوسين نقله عن الزجاج مختصرًا. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦.
(٣) ما بين القوسين نقله عن أبي علي الفارسي بنصه. انظر: "الحجة" ٦/ ٣٧٨.
(٤) وهذا على اعتبار كسر همزة: "إنا"، وقد قرأ بذلك: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب.
انظر: "كتاب السبعة" ٦٧٢، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٤٨، "المبسوط" ٣٩٦، "الحجة" ٦/ ٣٧٨، "حجة القراءات" ٧٥٠، "الكشف" ٢/ ٣٦٢، "النشر" ٣٩٨.
(٥) قرأ بذلك: عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف انظر: المراجع السابقة.
(٦) سورة النمل: ٥١، وقد قرأ بالفتح فيها: عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف.
انظر: "المبسوط" ٢٨٠، "الكشف" ٢/ ١٦٣.
(٧) قرأ بالكسر فيها من قرأ بكسر: "إنا صببنا" عدا يعقوب. انظر المراجع السابقة.
(٨) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨ بتصرف.
قال أبو إسحاق: من قرأ "إنَا" فعلى الابتداء والاستئناف، ومن فتح فعلى معنى البدل من الطعام، ويكون "إنا" في موضع خفض. المعنى: فلينظر الإنسان إلى (١) إنا صببنا الماء (٢).
وقال أبو علي: من قال "إنا صببنا" بكسر "إن" كان ذلك تفسيرًا للنظر إلى طعامه، كما أن قوله "مغفرة" (٣) تفسيرًا للوعد، ومن فتح فعلى معنى البدل بدل الاشتمال؛ لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه، فهو من نحو ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧]، و ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ﴾ [البروج: ٤ - ٥] (٤)، قال ابن عباس (٥)، والمفسرون (٦): أراد بصب الماء: المطر.
٢٦ - ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا﴾ بالنبات (٧).
(١) بياض في (ع).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦ باختصار.
(٣) سورة المائدة: آية ٩: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
(٤) "الحجة" ٦/ ٣٧٨ باختصار يسير.
(٥) "الدر المنثور" ٨/ ٤٢١ وعزاه إلى ابن المنذر.
(٦) حكاه ابن الجوزي عن المفسرين في: "زاد المسير" ٨/ ١٨٥، وقال به الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٧، والسمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٩، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٣/ ٤١ أ، والماوردي في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٧. وانظر أيضًا: "معالم التزيل" ٤/ ٤٤٨، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٩، "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٣، "الجامع لآحكام القرآن" ١٩/ ٢١٩، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٤.
(٧) قال بذلك الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٥٧.
٢٧، ٢٨ - ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا﴾ يعني الحبوب كلها مما يتغذى به (١).
﴿وَقَضْبًا﴾ أكثر أهل اللغة، والتفسير قالوا: القضب: الرَّطْبة، وهي الفِسْفِسة ما دامت خضراء، فإذا يبست فهو القت (٢)، وأهل مكة يسمونه القضب أيضًا، وأصله من القطع (٣)؛ (وذلك أنه يقطع ويُقضَب مرة بعد أخرى، وكذلك الفصيل (٤)؛ لأنه يفصل أي يقطع) (٥)، وهذا قول أبي عبيدة (٦)،
(١) الحب: جمع حبة -بفتح الحاء-، وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه كالقمح والشعير ونحوه، والحِبة -بكسر الحاء- كل ما ينبت من البزور ولا يحفل به، ولا هو بمتخذ. قاله ابن عطية: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٩.
(٢) جاء في "تهذيب اللغة" القَتُّ: الفِسْفِسة اليابسة، يكون رطبًا ويكون يابسًا. ٨/ ٢٧٢: (قتت).
وفي اللسان: القت: الفِصْفِصة، وخص بعضهم به اليابسة منها، واحدته: قَتة، وهي الرطبة من علف الدواب. ٢/ ٧١: (قتت).
(٣) قال الليث: والقضب من الشجر كل شجر سَبِطت أغصانه وطالت، والقضب قطعك القضيب ونحوه "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٤٧: (قضب).
وعن ابن فارس: القاف، والضاد، والباء: أصل صحيح يدل على على قطع الشيء، والقضيب الغصن، والقَضْب: الرَّطْبة سميت لأنها تُقْضَب.
"مقاييس اللغة" ٥/ ١٠٠: (قضب).
(٤) لعله يراد به: الفَصْلة، وهي النخلة المنقولة المحولة، وقد افتصلها عن موضعها، أو يراد به: الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
"لسان العرب" ١١/ ٥٢٢ - ٥٢٣: (فصل).
(٥) ما بين القوسين لعله نقله أيضًا عن ابن قتيبة. انظر: "تفسير غريب القرآن" ٥١٤.
(٦) لم أجد قوله في المجاز، وإنما ورد عند ابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٩: قال: أبوعبيدة: القضب: الرطبة. وأيضًا انظر: "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٣.
والفراء (١)، (والأصمعي (٢)، وابن عباس (٣)، والضحاك (٤)، ومقاتل) (٥) (٦).
قال المبرد: القضب هو العلف بعينه، وأصله من أنه يقضب، أي يقطع (٧).
وهو قول الحسن (٨) (٩).
٣٠ - قوله (تعالى) (١٠): ﴿غُلْبًا﴾ (١١) قال عطاء عن ابن عباس: يريد
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨.
(٢) ورد قوله في "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٤٧، وعبارته: القَضب: الرَّطْبة
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ٥٧، "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٩، "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢١٩، "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٤، "الدر المنثور" ٨/ ٤٢١ أو عزاه إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر.
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ٥٧، "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٤.
(٥) "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٩.
(٦) ما بين القوسين ذكر بدلًا منه في نسخة: أ: وغيرهم. وممن ذهب إلى ما قاله اللغويون: الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦.
(٧) "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٣.
(٨) "جامع البيان" ٣٠/ ٥٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٤، تفسير الحسن البصري: ٢/ ٣٩٧.
(٩) قال ابن عطية في المعنى الذي ذهب إليه أهل التفسير واللغة: قال بعض اللغويين: في الفصافص، وهذا عندي ضعيف؛ لأن الفصافص هي للبهائم، فهي داخلة في: "الأب". ثم قال: والذي أقوله: إن "القضب" هنا هو كل ما يقضب ليأكله ابن آدم غضاَ من النبات، كالبقول والهِلْيون ونحوه، فإنه من المطعوم جزء عظيم، ولا ذكر له في الآية إلا في هذا اللفظ. انظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٩.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(١١) ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾.
230
الشجر العظام (١).
وقال الكلبي: غلاظًا طوالًا في السماء (٢).
وقال عكرمة: غلاظ الرقاب، ألا ترى أن الرجل إذا كان غليظ الرقبة، قالوا: إنه لأغلب (٣).
قال أبو عبيدة يقال: شجرة، ونخلة غلباء، إذا كانت غليظة (٤).
قال الفراء: الغُلْب: ما غلُظ من النخل (٥).
وقال ابن قتيبة: الغُلب: الغلاظ الأعناق؛ الواحد أغلب، يعني النخل (٦).
وعلى هذا القول هو (من الغَلِب، وهو [غليظ] (٧) القَصَرة، يقال: أسدٌ أغلب.
وفيه قول آخر: وهو قول مجاهد (٨)، ومقاتل (٩)، قالا: الغلب:
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٤.
(٢) "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٧، وعبارته: الغلب: الغلاظ.
(٣) "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٤، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، "الدر المنثور" ٨/ ٤٢١ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٦ بنصه مع تقديم وتأخير بين كلمتي: (نخلة، وشجرة)، هكذا وردت في المجاز.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨ بنصه.
(٦) "تفسير غريب القرآن" ٥١٥، نقله عنه بإضافة: الواحد: أغلب.
(٧) غلظ: في كلا النسختين، وأثبت ما جاء في مصدر القول.
(٨) "معالم التنزيل" ٨/ ٤٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٠، "الدر المنثور" ٨/ ٤٢ أو عزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ ب، "معالم التنزيل" ٨/ ٤٤٩.
231
الملتفة الشجر بعضه في بعض، يقال: اغْلَوْلَبَ العُشْبُ، واغْلَوْلبت الأرض، إذا التفّ عُشبها) (١).
وذكر أبو إسحاق القولين، فقال: معناه متكاثفة (٢) عظامًا (٣).
قوله: (وفاكهة (وأبا) (٤)). (قال الكلبي يعني: ألوان الفاكهة) (٥) (٦).
(وأبا) (٧) قال ابن عباس: يريد ما أنبتت الأرض مما لم يزرعه الناس (٨).
وقال الكلبي: يعني الكلأ (٩) كله (١٠). وقال مقاتل: يعني المرعى (١١)
وقال عطاء: الفاكهة ما يأكلون، والأب: ما تأكل أنعامكم (١٢).
(١) ما بين القوسين نقله عن "تهذيب اللغة" ٨/ ١٣٨: (غلب)، والعبارة التي من قوله: الغلب هو الغليظ إلى: أسدٌ غلب هي من قول الليث.
(٢) في (أ): المتكاثفة.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٩، "زاد المسير" ٨/ ١٨٥، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٤.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) "جامع البيان" ٣٠/ ٦٠، وعبارته: ما أنبتت الأرض للأنعام، والرواية الثانية له: ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس.
(٩) الكلأ: هو العشب: رَطْبُه، ويبْسُه. "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣٦٢: (كلأ).
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد عن ابن عباس بنحو قوله، قال: الأب: الكلأ، والمرعى كله. "جامع البيان" ٣٠/ ٦٠.
(١١) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ ب، وبمثل قوله: قال الضحاك في "جامع البيان" ٣٠/ ٦٠.
(١٢) لم أعثر على مصدر لقوله. وقال بمثله مجاهد. انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٩٩: (أب)، "لسان العرب" ١/ ٢٠٤: (أب).
232
وقال أبو زيد: الأب: النبات (١). وقال الضحاك: الأب: التبن (٢).
وقال الحسن: ما طاب واحلولى فلكم، والأب لأنعامكم (٣).
وروى عاصم بن كُلَيب (٤) عن أبيه (٥) عن ابن عباس: فـ"أبا"، قال: ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس (٦).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد قال بمثله أبو رزين في "جامع البيان" ٣٠/ ٦٠، "الدر المنثور" ٨/ ٤٢٢ وعزاه إلى عبد بن حميد.
ولعله قال: أبو رزين، وليس أبوزيد.
(٢) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤١/ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢١، "الدر المنثور" ٨: ٤٢٢ وعزاه إلى عبد بن حميد، "روح المعاني" ٣/ ٤٧.
(٣) "الدر المنثور" ٨/ ٤٢٢ وعزاه إلى عبد بن حميد، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٩٨.
(٤) عاصم بن كُلَيب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، روى عن أبيه كُلَيب، وعنه شعبة، وعلي ابن عاصم، كان من العباد الأولياء، لكنه مرجئ، وثقه ابن معين، وغيره، وقال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به، وقال أبو حاتم: صالح. يقال: توفي سنة ١٣٧ هـ.
انظر: ذكر من تكلم فيه وهو موثق: للذهبي: ١٠٤: ت: ١٧٠، "ميزان الاعتدال" ٢/ ٣٥٦: ت: ٤٠٦٤، "تهذيب الكمال" ١٣/ ٥٣٧: ت: ٣٠٢٤.
(٥) كُلَيب بن شهاب بن المجنون الجَرمي الكوفي، والد عاصم بن كليب، روى عن عبد الله بن عباس، وعنه ابن عاصم بن كليب، صدوق، ووهم من ذكره في الصحابة.
انظر: "تهذيب الكمال" ٢٤/ ٢١١ ت: ٤٩٩١، تهذيب التهذيب: ٨/ ٤٤٥، "تقريب التهذيب" ٢/ ١٣٦: ت: ٦٥.
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ٦٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٠، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٤، تفسير ابن عباس: د. عبد العزيز الحميدي: ٢/ ٩٦٧، وقد ذكره الحافظ ابن حجر وقال. إسناده صحيح، انظر: "فتح الباري" ١٣/ ٢٧١، وج: ٦/ ٢٩٥.
233
وروى عنه سعيد بن جبير: ما أنبتت الأرض مما يأكل الأنعام (١). وقال مجاهد: هو ما أكلت الأنعام (٢).
هذا ما ذكره المفسرون في تفسير الأب (٣)، وأما أهل اللغة فقال أبو عبيدة: الأب: كل مرعى للهوام (٤). أي البهائم. وأنشد لذي الرمة:
أنبت أبًا ناضرًا وأمرعا (٥)
وقال الفراء: الأب: ما تأكله الأنعام (٦).
قال أبو إسحاق: الأب [جميع] (٧) الكلأ الذي تأكله الماشية (٨).
وأنشد (٩):
(١) "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٤١/ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٩ بإضافة: والناس، "الجامع الصحيح" للبخاري: ٢/ ٤٢٠، كتاب "بدء الخلق"، باب: ٣.
(٢) "تفسير الإمام مجاهد": ٧٠٦، "جامع البيان" ٣٠/ ٦٠.
(٣) وهناك أقوال أخرى لمعنى الأب:
قال الضحاك: إنه كل شيء ينبت على وجه الأرض، وعن الكلبي: إنه كل نبات سوى الفاكهة، وعن ابن أبي طلحة: إنه الثمار الرطبة، انظر: "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٤١/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٠ - ٢٢١.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٦، إلا أنه لم ينشد بين الشعر.
(٥) لم أعثر عليه في ديوانه.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨.
(٧) في كلا النسختين: لحمع، وأثبت ما جاء في "معاني القرآن وإعرابه" لاستقامة المعنى به.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦.
(٩) لم ينشد الزجاج بيت القصيد.
234
جِذْمُنا قيْسٌ (١) ونجدٌ أرضنا ولنا الأبُّ بها والمكرَعُ (٢)
(وذكر الله تعالى (ما يدل) (٣) على وحدانيته (من إنشاء) (٤) ما يغذو (٥) به جميع الحيوان، وهو:
قوله (تعالى) (٦): ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ (٧) قال المفسرون (٨): يريد
(١) وردت عبارة: "ونجد جذمنا فليس" في نسخة: أ، وهي زيادة من الناسخ؛ لا من أصل بيت الشعر.
(٢) ورد البيت غير منسوب في:
"تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٩٩: (أب)، "لسان العرب" ١/ ٢٠٤: (أب).
الكشاف: للزمخشري: ٤/ ١٨٦، "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٠، "روح المعاني" ٣٠/ ٤٧، وجميعها برواية: "ونجد دارنا ولنا الأب بها" بدلًا من: "ونجد أرضنا ولنا الأب بها".
ومعنى البيت: الجِذم: -بالكسر وقد يفتح-: الأصل الذي يقتطع منه غيره، "الأبّ" بالفتح والتشديد: بمعنى المرعى؛ لأنه يؤب أي يقصد، والمكرع: المنهل.
يقول: نحن من قبيلة قيس، ونجد هي: دارنا ولنا به: أي في نجد المرعى والمروى. وفيه تمدح بالشرف والشجاعة على غيره.
انظر: "مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف" للمرزوقي: ٧٨ - ٨٧، مذيل بكتاب "الكشاف".
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) في كلا النسختين: يغذوا.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٧) ما بين القوسين نقلاً عن الزجاج. "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦.
(٨) قال بذلك الحسن: متاعًا لكم الفاكهة، ولأنعامكم العشب. "جامع البيان" ٣٠/ ٦١، "تفسير الحسن" ٢/ ٣٩٩.
235
منافع لكم، ولأنعامكم.
وقال الفراء: خلقناه منفعة لكم، ومتعة لكم ولأنعامكم (١).
قال الزجاج: هو منصوب؛ لأنه مصدر مؤكد لقوله: "فأنبتنا" (٢) لأن إنباته الأشياء إمتاع لجميع الحيوان (٣) (٤).
ثم ذكر القيامة فقال:
٣٣ - ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ قال المفسرون: يعني صيحة القيامة (٥)، وهي النفخة الأخيرة.
= وقد ورد معنى المفسرين في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٩، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٩، "زاد المسير" ٨/ ١٧٦، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٤.
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨ بتصرف.
(٢) سورة عبس: ٢٧: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾
(٣) بياض في (ع).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٦.
(٥) قال بذلك الحسن. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٩، ومقاتل في تفسيره: ٢٢٩/ ب، وأيضًا ورد عن الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٧، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤١/ ب.
وعزا ابن الجوزي هذا القول إلى المفسرين في: "زاد المسير" ٨/ ١٨٦، كما حكاه أيضًا عن المفسرين في "لتفسير الكبير" ٣١/ ٦٤، كما قال به أصحاب الكتب الآتية: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٩، الكشاف: ٤/ ١٨٧، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٤٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٢، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٤، "فتح القدير" ٥/ ٣٨٥.
وهناك قول آخر عن المفسرين أن الصاخة اسم ليوم القيامة، قال بذلك ابن عباس كما في: "جامع البيان" ٣٠/ ٦١.
وقاله ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن" ٥١٥، والفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨، الماوردي في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٩، وغيرهم من المفسرين.
قال اللبث: الصاخة: صيحة تصُخُّ الآذان فَتُصِمُّها (١). وذكر نحو هذا الزجاج في تفسير الصاخة (٢). وأصل الصخ في اللغة: الطعن والصك (٣).
قال المبرد: يقال: صخ رأسه بحجر، أي: شدخه (٤)، والغراب يصخ بمنقاره في دبر البعير أي يطعن (٥).
فمعنى الصاخة: الصاكة لشدة صوتها للآذان (٦). ثم ذكر في أي وقت تجيء فقال:
٣٤ - ٣٦ - ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾، أي لا يلتفت إلى واحد من أدانيه (٧)؛ لعظم ما هو فيه.
وقال أبو علي: ليس يراد بالفرار -هاهنا- الشراد، ولا النفار (٨)،
(١) "تهذيب اللغة" ٦/ ٥٥٢: (صخ).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٧.
(٣) يقال: كأنما في أذنه صاخة، أي طعنة.
انظر (صخ) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٥٥٢، "لسان العرب" ٣/ ٣٣، "تاج العروس" ٢/ ٢٦٦.
قال ابن فارس: الصاد، والخاء: أصل يدل على صوت من الأصوات، من ذلك: الصاخة، يقال: إنها الصيحة تصم الآذان، ويقال: ضربت الصخرة بحجر فسمعت لها صخًا. "مقاييس اللغة" ٣/ ٢٨١ - ٢٧٢.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله من غير عزو في "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٤.
(٥) انظر (صخ) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٥٥٣، "مقاييس اللغة" ٣/ ٢٨١، "لسان العرب" ٣/ ٣٣، "تاج العروس" ٢/ ٢٦٦.
(٦) انظر: "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٤.
(٧) أدانيه: أقاربه، والدَّاني: القريب. "الصحاح" ٦/ ٢٣٤١: (دنا).
(٨) شرد البعير والدابة، يَشْرُدُ شردًا، وشِرادًا: وشرودًا: نفر، فهو شارد، والجميع: شُرُد، وشرود -في المذكر والمؤنث-، والجمع: شُرُد، والشريد الهارب، =
237
ولكن المعنى: يوم يفر المرء من موالاة أخيه، أو من مساءلة (١) أخيه؛ لاهتمامه بشأنه، وأنت تقول لمن تكلم (٢): فررت مما ألزمك (٣)، لا تريد بذلك نفارًا في المحل (٤)، فأما الفرار من موالاته يدل عليه قوله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾. [البقرة: ١٦٦]
وأما الفرار من نصرته، [فيدل] (٥) عليه: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [الدخان: ٤١].
وأما المساءلة يدل عليه قوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠] (٦)
قوله (تعالى) (٧): ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ قال المفسرون (٨):
= والاسم: الشراد. (شرد): "لسان العرب" ٣/ ٢٣٧، "المصباح المنير" ١/ ٣٦٥. والنَّفار: النَّفْرُ: التفرق، نَفَرَت الدابة تَنْفِرُ، وتَنْفُرُ نِفارًا، ونفورًا، يقال: في الدابة نِفار، والاسم: النفار، والإنفار عن الشيء، والتنفير، والاستنفار: كله بمعنى، ومنه: "حمر مستنفرة" أي مذعورة.
انظر: (نفر) في: "الصحاح" ٢/ ٨٣٣، "لسان العرب" ٥/ ٢٢٤.
(١) في (أ): مسألة.
(٢) بياض في (ع).
(٣) في (ع): لزمك.
(٤) يراد به الظرف.
(٥) في كلا النسختين: فيدخل، وأثبت ما يستقيم به المعنى. والله أعلم.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثل قوله مختصرًا، ولكن من غير عزو في "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٥.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٨) قال بذلك: ابن زيد: شأن قد شغله عن صاحبه. "جامع البيان" ٣٠/ ٦٢.
وبه قال أيضًا الفراء في: "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٨، والثعلبي في: "الكشف والبيان" =
238
لكل إنسان منهم شأن (يغنيه) (١)، يشغله عن الأقرباء.
قال ابن قتيبة: يغنيه: أي (٢) يصرفه، ويصده عن قرابته، وأنشد (٣):
ستغنيك حرب بني مالك عن الفحش والجهل في المحفل (٤)
قال: أي: سيشغلك، ويقال: اغنِ عني وجهك، أي [اصرفه (٥)]. (٦)
وقال أهل المعاني: معنى يغنيه: يكفيك (٧) عن زيادة عليه من الاهتمام لغيره.
أي: ليس فيه فضل لغير ما هو فيه من الأمر الذي قد اكتنفه، وما
= ج ١٣/ ٤٢/أ. وانظر هذا القول أيضًا في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٩، "زاد المسير" ٨/ ١٨٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٢.
وهذا القول دل عليه حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يبعث الناس يوم القيامة حُفاة عُراة غُرلًا، فقالت عائشة: فكيف بالعورات؟ قال: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه".
"سنن النسائي" ٤/ ٤٢١ ح: ٢٠٨٢: كتاب الجنائز: باب: ١٨، "المستدرك" ٢/ ٥١٥: ك التفسير: تفسير سورة عبس، وقال: حديث صحيح، ووافقه الذهبي.
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) في (أ): أن.
(٣) لم ينشده ابن قتيبة، وهو منسوب إلى خفاف بن ندبة.
(٤) ورد البيت منسوبًا إلى خفاف في: "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٢/ أ، "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٣، ولم أجده في ديوان خفاف بن ندبة السلمي.
(٥) وردت في النسختين: صرفه، وأثبت ما جاء عند ابن قتيبة لسلامة اللفظ.
(٦) "تفسير غريب القرآن" ٥١٥ بنحوه.
(٧) في (ع): يكفيكه.
239
أصدره، فصار حاله كحال الغني عن الشيء في أن نفسه لا تنازع إليه (١).
٣٨ - ثم وصف أحوال المؤمنين والكفرين في ذلك اليوم، فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ مشرقة مضيئة منكشفة الألوان، ناضرة (٢).
٣٩ - ﴿ضَاحِكَةٌ﴾ (٣) قال عطاء: مسرورة (٤).
وقال الكلبي: يعني بالفراغ من الحساب مستبشرة فرحة بما نال من كرامة الله ورضاه (٥).
٤٠ - (قوله تعالى) (٦): ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾ قال الليث: الغَبَرَة: لَطْخُ غبار، والغُبْرَة: اغبِرار اللَّوْن يَغْبَرُّ لِلْهَمِّ (٧) (٨).
(١) بمعنى هذا قال الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٧، وعبارته: أي شأن لا يهمه معه غيره، وكذلك يغنيه لا يقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره.
قال الأزهري: وأما الغناء -بفتح الغين والمد- فهو الإجزاء والكفاية، يقال: رجل مُغْن أي مجزئ كاف، ومنه قوله: "لكل امرئ منهم شأن يغنيه"، يقول: يكفيه شغل نفسه عن شغل غيره.
"تهذيب اللغة" ٨/ ٢٠١ - ٢٠٢: (غنا)، وانظر: "لسان العرب" ١٥/ ١٣٨: (غنا).
(٢) إلى مثل هذا القول ذهب الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٦٢، والماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٩.
(٣) ﴿ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله من غير عزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٠، "زاد المسير" ٨/ ١٨٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٦.
(٥) "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٥.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٧) في (ع): لهم.
(٨) "تهذيب اللغة" ٨/ ١٢٢: (غير) بنصه. وانظر: "لسان العرب" ٥/ ٥: (غبر)، ونسبه إلى أبي علي.
وقال المبرد: الغبرة ما يصيب الإنسان من الغبار المعفر على الألوان (١).
والمفسرون يقولون: سواد (٢)،
٤١ - وهو قوله: ﴿تَرْهَقُهَا﴾ (٣) أي يغشاها ويعلوها. ﴿قَتَرَةٌ﴾ قال الكلبي (٤)، ومقاتل (٥) يعني: سواد وكسوف عند معاينة النار.
وقال المبرد (٦)، والزجاج (٧): هي سواد كالدخان (٨)، وأصلها من
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ٦٦.
(٢) قال بذلك: مقاتل. انظر: "زاد المسير" ٨/ ١٨٦، وإليه ذهب البغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٥٠، والخازن في: "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٥.
وقال ابن عطية: هو العبوس والهم. "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٤٠، وهو معنى ما ذهب إليه مقاتل، وبمثل قول ابن عطية ذهب أبو حيان في "البحر" ٨/ ٤٣٠.
وعلى هذا فقوله: "عليها غبرة" يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه غبار جعل شيئًا لهم ليتميزوا به فيعرفوا، وهو ما ذهب إليه الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٦٣، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ج ١٣: ٤٢/ ب، والزمخشري في: "الكشاف" ٤/ ١٨٧، والقرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٢٤.
والثاني: أنه كناية عن كمد وجوههم بالحزن حتى صارت كالغبرة، وهو ما ذهب إليه المفسرون بقول الواحدي.
وانظر: "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٩.
(٣) ﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ٢١٠، وعبارته: كسوف الوجه.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢٩/ ب، وانظر: المرجع السابق بنفس العبارة أيضًا.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٧.
(٨) كالسواد من الدخان. هكذا وردت في نسخة (أ).
القتار، وهو دخان الشواء، (١) وهو قول عطاء (عن ابن عباس) (٢)، قال: يريد قتار جهنم (٣).
٤٢ - (ثم بين من أهل هذه الحال فقال: (قوله تعالى) (٤): ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ (٥).
(١) قال الليث: القُتار: ريح الشِّواء إذا ضُهِّب على الحجر، والقترة: غبرة يعلوها سواد كالدخان.
"تهذيب اللغة" ٩/ ٥١ - ٥٢: (قتر).
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٥) ما بين القوسين نقلاً عن الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٧.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم يوم القيامة هم الكفرة بالله، كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم لا يبالون ما أتوا به معاصي الله، وركبوا من محارمه، فجزاهم الله بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده). "جامع البيان" ٣٠/ ٦٣.
242
سورة التكوير
243
Icon