تفسير سورة البلد

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة البلد من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة البلد
في السورة تنديد بالذين يقفون موقف المشاقة والمشاكسة، ويتباهون بأموالهم غير حاسبين حساب العاقبة، وتقرير لقابلية الإنسان للاختيار بين الخير والشر وحث على الإيمان والتواصي بالصبر والمرحمة والمكرمات الأخرى، وفي مقدمتها عتق الرقيق، وأسلوبها عام إجمالا.

( ١ ) البلد : المقصود منها مكة على ما هو جمهور المفسرين.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
( ٢ ) حل : تعددت أقوال المفسرين في تأويل الكلمة١. منها أنها بمعنى الحال المقيم، وأن الآية بسبيل التنويه بشرف مكة بحلول النبي عليه السلام أو بعثته فيها. ومن ذلك التحليل- ضد التحريم وأن الآية بسبيل التنديد بأهل مكة الذين يستحلون أذى النبي والمؤمنين وإخراجهم ومناوأة دعوة الله في البلد الذي حرم فيه الظلم.
ومن ذلك أن النبي في حل مما يفعله في مكة مما هو محرم على غيره من قتال ونحن نرجح المعنى الأول ؛ لأنه متساوق مع مفهوم القسم الذي بدأت به السورة فالله سبحانه يقسم بمكة التي شرفها الله بحلول النبي أو بعثته فيها. أما الرأي الثالث فقد ذكره معظم المفسرين ناقلا بعضهم عن بعض على الأغلب. ورغم ذلك نراه غريبا فإن تحليل الله القتال لنبيه في مكة كان في السنة الثامنة للهجرة في سياق فتحها وبين هذه السورة وذلك الحادث سنون طويلة.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
١ - انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والنسفي والنيسابوري الخ..
( ٣ ) ووالد وما ولد : تعددت الأقوال التي أوردها المفسرون عن هذه الجملة. منها أنها قصدت آدم وذريته. ومنها أنها قصدت إبراهيم وذريته، ومنها أنها قصدت معناها الطبيعي العام. ولعل هذا هو الأوجه.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
( ٤ ) كبد : أصل معناها المشقة والشدة. وقد تعددت الأقوال التي أوردها المفسرون في معنى ﴿ لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾ منها أنها في صدد بيان طبيعة الإنسان في المشاقة والمكابدة. ومنها أنها في صدد ما في الإنسان من القوى التي تساعده على تحمل المشاق. ومنها أن تكون في صدد وصف ما يظل يتعرض له الإنسان من المحن ويندفع فيه من الكد والجهد في الحياة. ومنها أنها بمعنى انتصاب القامة الذي تميز به الإنسان. ولعل الاحتمال الأول هو الأوجه.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
تعليق على عبارة
﴿ لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾
وقد تفيد آية ﴿ لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾ أن الله قد جبل الإنسان على هذا الطبع غير المستحب، ولقد احتوى القرآن آيات عديدة أخرى تضمنت التنديد بالطبائع غير المستحبة في الإنسان بأسلوب قد يفيد أن الله قد خلق الإنسان على هذه الطبائع مثل آيات سورة المعارج هذه :﴿ إن الإنسان خلق هلوعا١٩ إذا مسه الشر جزوعا٢٠ وإذا مسه الخير منوعا٢١ ﴾ وآية سورة الإسراء هذه :﴿ ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا١١ ﴾ وآية الكهف هذه :﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا٥٤ ﴾ وآيات سورة العاديات هذه :﴿ إن الإنسان لربه لكنود٦ وإنه على ذلك لشهيد٧ وإنه لحب الخير لشديد٨ ﴾ وآيات سورة الفجر هذه ﴿ كلا بل لا تكرمون اليتيم١٧ ولا تحضون على طعام المسكين١٨ وتأكلون التراث أكلا لما١٩ وتحبون المال حبا جما٢٠ ﴾ ويلحظ أن الآيات جاءت في معرض التنديد والتقريع للناس بسبب هذه الطباع مما يثير تساؤلا عما إذا كان من المعقول أن يندد الله سبحانه بطبائع خلق الإنسان عليها ؟ والمتبادر الذي يلهمه تنديد القرآن بهذه الطبائع ويلهمه سياق الآيات وروحها : أن هذه الآيات صيغ أسلوبية مما اعتاد الناس أن يخاطبوا بعضهم بعضا بها، وأن المقصد الحقيقي منها هو التنديد بما يبدو من كثير من الناس من مثل هذه الأخلاق والطبائع غير المستحبة، وأنه لا ينبغي حملها على محمل قصد بيان أن الله قد خلق الإنسان أو تعمد خلقه على هذه الطبائع التي ندد بها في مختلف المناسبات القرآنية، ولا سيما أن الله سبحانه قد نبه في سياق الآية التي نحن في صددها وفي المناسبات المماثلة أن الله بين للناس طريقي الخير والشر والتقوى والفجور، وأوجد فيهم قابلية بينهما وجعلهم مسؤولين عن اختيارهم وسلوكهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ؛ مما مر منه أمثلة عديدة في المناسبات السابقة.
( ٥ ) لبدا : كثيرا ومتراكما.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
تعليق على آيتي ﴿ ألم نجعل له عينين٨ ولسانا وشفتين ﴾
وقد ذكرنا معنيين لآيات ﴿ ألم نجعل له عينين٨ ولسانا وشفتين ﴾ وهما أن هذه الجوارح أوجدها الله في الإنسان لتشهد على أفعاله أو تجعله يميز بين الخير والشر. والمعنى الأول قد ورد بصراحة في آيات أخرى مثل آية سورة النور هذه :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون٢٤ ﴾ وآية سورة فصلت هذه :﴿ حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون٢٠ ﴾ مما سوف نعلق عليه موضوعيا في مناسبة الآيات المذكورة.
( ٦ ) النجدين : معظم المفسرين على أن النجدين هما : طريقا الخير والشر. وتكون جملة ﴿ وهديناه ﴾ والحالة هذه بمعنى بينا له.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لا أقسم بهذا البلد١( ١ ) وأنت حل٢ بهذا البلد( ٢ ) ووالد وما ولد٣( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في كبد٤( ٤ ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد( ٥ ) يقول أهلكت مالا لبداً٥ ( ٦ ) أيحسب أن لم يره أحد( ٧ ) ألم نجعل له عينين( ٨ ) ولسانا وشفتين( ٩ ) وهديناه النجدين٦( ١٠ ) ﴾ [ ١-١٠ ].
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم ؛ لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة، والاعتداد بقوته وماله ظانّاً أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد، في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميز الخير من الشر، وفي حين أن الله بين له معالم طريقي الخير والشر، وأن الأجدر به أن لا يغتر ولا يعتد ولا يشاقق، وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين : أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنيائها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة رسول الله صلى الله عليه وسلم١ وصحة الرواية محتملة، غير أن أسلوب الآيات عام مطلق، ويتبادر أن الموقف المروي كان مناسبة لنزول الآيات متضمنة تنديدا عاما بمثل خلق هذا الزعيم وموقفه، وهذا ما يلحظ في مناسبات كثيرة.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع من أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
تعليق على آية
﴿ وهديناه النجدين ﴾
ومع ما قلناه في تأويل آية ﴿ وهديناه النجدين ﴾ فإنها تحتمل أن يكون قصد بها أو انطوى فيها إشارة إلى ما أودعه الله عز وجل في الإنسان من عقل يستطيع أن يميز به بين الخير والشر ويختار بينهما، كما تحتمل أن يكون قصد بها أو انطوى فيها إشارة إلى ما في القرآن والدعوة النبوية من تبيان معالم الخير والشر والهدى والضلال والتقوى والفجور، وهذا الاحتمال لا ينقض ما تضمنته الآيات على كل حال من تقرير قابلية الاختيار في الإنسان ومسؤوليته عن اختياره كما هو واضح.
ولقد روى الطبري حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في سياق الجملة جاء فيه :( إنما هما نجدان : نجدُ الخير ونجدُ الشر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير ). والمتبادر أن الحديث ينطوي على سؤال تعجبي أو تنديدي للذي يحب نجد الشر أكثر من نجد الخير ؛ حيث يدعم هذا معنى قابلية الاختيار في الإنسان ومسؤوليته عن اختياره.
( ١ ) فلا : ذكر المفسرون لمعناها احتمالين الأول أن تكون بمعنى [ هلا ] التحريضية. والثاني أن تكون نافية. وكلا الاحتمالين سائغ. ونحن نرجح الأول ؛ لأنه متسق مع السياق أكثر.
( ٢ ) اقتحم : أقدم بقوة أو هجم على الأمر الصعب وقفز إليه أو اجتازه.
( ٣ ) العقبة : أصل معناها الهضبة، ويمكن أن تكون كناية عن الصعب الشاق، وقد روى بعض المفسرين : أنها واد في جهنم، ونحن نرجح الكناية المذكورة.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
( ٤ ) فك رقبة : كناية عن عتق الرقيق.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
( ٥ ) مسغبة : مجاعة.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
( ٦ ) مقربة : من ذوي القربى.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
( ٧ ) متربة : عوز وحاجة، وقيل في تفسير الكلمة : إنها تعني شدة الفقر حتى لكأن صاحبها لاصق بالتراب. أو ليس له شيء يقيم فيه أو يأوي إليه إلا التراب.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
( ٨ ) أصحاب الميمنة : قيل إن الميمنة تعني اليمن والحظ السعيد. كما قيل : إنها تعني اليمين وإن أصحاب اليمين هم الذي يأخذون كتب أعمالهم في الآخرة بأيمانهم وينجون. وفي سورة الواقعة جاء تعبير ﴿ أصحاب الميمنة ﴾ في آية وجاء تعبير ﴿ أصحاب اليمين ﴾ في آية كأن ذلك تفسير للتعبير الأول. ونتيجة كل من المعنيين واحدة.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
( ٩ ) أصحاب المشأمة : قيل إن المشأمة تعني الشؤم والحظ النحس، كما قيل إنها تعني الشمال وإن أصحاب الشمال هم الذين يأخذون كتب أعمالهم في الآخرة بشمالهم ويشقون بالعذاب. وفي سورة الواقعة جاء تعبير ﴿ أصحاب المشأمة ﴾ في آية وجاء تعبير ﴿ أصحاب اليمين ﴾ في آية كأن ذلك تفسير للتعبير الأول. ونتيجة كل من المعنيين واحدة.
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
﴿ فلا١ اقتحم٢ العقبة٣ ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة( ١٢ ) فك رقبة٤( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة٥ ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة٦ ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة٧( ١٦ ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة( ١٧ ) أولئك أصحاب الميمنة٨ ( ١٨ ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة٩ ( ١٩ ) عليهم نار مؤصدة( ٢٠ ) ﴾ [ ١١-٢٠ ].
الضمير في " اقتحم " مصروف كما هو المتبادر إلى الإنسان الذي نددت الآيات السابقة به، والآيات بهذا الاعتبار متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب واستطراد ؛ حيث تضمنت تحريضا إيجابيا على ما هو الأولى عمله بدلا من التباهي بالمال والاعتداد بالنفس، وهو أن يقتحم الصعب ويتغلب على ما في نفسه من طباع فينفق ماله في تحرير الرقاب وإطعام فقراء اليتامى والأقارب والمعوزين في أيام المجاعات، فإن من يقدم على هذه المكرمات، ويكون في الوقت نفسه مؤمنا بالله عز وجل متضامنا مع المؤمنين في الصبر على المكاره والخطوب وفي المرحمة بالمحتاجين إليها كان ميمون العاقبة فائزا سعيدا في الآخرة.
أما الكافرون بآيات الله المبتعدون عن مكارم الأفعال والأخلاق فإنهم سيكونون من أهل الشؤم الخاسرين الذين سوف يلقون في النار وتغلق عليهم أبوابها فتكون مأواهم الخالد.
والمتبادر أن فك الرقاب وإطعام المساكين والبر بالأيتام لم تورد في الآيات على سبيل الحصر بما يجب على الإنسان الإقدام عليه من المكرمات، ولكن تخصيصها بالذكر يدل على أنها من المكرمات المسلم بأهميتها عند عامة السامعين، ووصفها بالعقبة الشديدة تنوي بخطورتها كما هو واضح.
تلقينات آيات سورة البلد الأولى
والآيات في جملتها قد احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء في تنديدها بخلق المشاقة والمشاكسة، أم بخلق التباهي بالمال والاعتداد بالنفس بحيث يظن المرء أنه أمنع أن ينال بسوء وأقوى من أن يقدر عليه أحد، وكذلك في تذكيرها ما في الإنسان من مواهب وقوى أودعها الله فيه من الواجب أن يستعملها في ما هو الأفضل والأقوى والأهدى.
التلازم بين العمل الصالح والإيمان أيضا
ويلحظ أن الآيات قد قرنت إلى هذه المكرمات الخطيرة واجب اجتماعها مع الإيمان بالله والتضامن مع المؤمنين في التواصي بالصبر والمرحمة. وفي هذا توكيد لما قرره القرآن المرة بعد المرة من التلازم الذي لا بد منه بين الإيمان والعمل الصالح. فلن تنفع أفعال الخير وحدها صاحبها في الآخرة إذا لم يكن مؤمنا بالله عز وجل قائما بواجباته نحوه مما نبهت عليه بعض آيات قرآنية مثل آيات سورة هود هذه ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون١٥ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون١٦ ﴾ ومما شرحنا حكمته في مناسبة سابقة.
وواضح أن الآيات وهي تنعى على الإنسان الذي تتمثل فيه الطبائع المكروهة وتحرضه على الإقدام على المكرمات بدلا منها مع الإيمان بالله وبأسلوبها القوي تتضمن تلقينا مستمر المدى.
تعليق على موضوع الرقيق وموقف القرآن منه وحثه على عتقه
وبمناسبة الإشارة إلى فك الرقاب والحث عليه في هذه الآيات لأول مرة نقول : إن طبقة الرقيق كانت موجودة في كل مكان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وليس وجودها خالصا بالمجتمع العربي. ولقد ورد في القرآن آيات عديدة تتضمن عنهم أمورا كثيرة. وقد كان الرقيق كالمال المقوّم يتصرف فيه صاحبه كما يشاء بيعا وشراء وهبة واستثمارا وشراكة. وكان من المعتاد أن تستفرش الإماء من قبل سادتهن بدون عقد على أن يكون أبناؤهن أحرارا. أما النسل الذي يكون من تزاوج العبيد والإماء فيظل رقيقا١. ولقد عالج القرآن أمر الرقيق من حيث الموقف الواقعي، فحث على تحريره وحسن معاملته بمختلف الأساليب والمناسبات كما وضع مبدأ إلغائه عن طريق المن والفداء للأسرى ؛ حيث كان أسرى الحرب هم منشأ الرق على الأغلب عند العرب وغيرهم. فمن ذلك آية في سورة الإنسان تنوه بالذين يطعمون الأسير وهي :﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسير٨ ﴾٢ وآية في سورة النساء تأمر بالإحسان في معاملتهم في جملة من تأمر بالإحسان في معاملته وهي :﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾ [ ٣٦ ] وفي سورة النور آية تأمر بالاستجابة إلى المماليك الذين يرغبون شراء أنفسهم وهي :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ ٣٣ ] وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة عن القتل الخطأ وعن المظاهرة وعن اليمين في هذه الآيات :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ ٩٢ ] من سورة النساء و﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ من سورة المجادلة [ ٣ ] و﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أواسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ﴾ [ ٨٩ ] من سورة المائدة. وفي سورة البقرة آية حثت على الإنفاق في سبيل تحرير الرقاب وهي ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ﴾ [ ١٧٧ ]. وقد جعل الله في الزكاة نصيبا لعتق الرقاب كذلك كما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾ [ ٦٠ ] وآية سورة محمد هذه :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ [ ٤ ] تكاد تكون منطوية على إلغاء الأسر ؛ حيث تأمر بإطلاق سراح الأسرى بالفداء أو بالمن بدون فداء. وإذا كان هناك مأثورات نبوية تجيز استرقاق الأسرى وقتلهم فالمستفاد منها أن النبي فعل ذلك في ظروف خاصة وكان أكثر ما فعل الطريقتين القرآنيتين على ما سوف نشرحه في مناسبتها، ومن الوسائل التي جعلتها الشريعة الإسلامية وسيلة إلى تحرير الرقاب ولادة الأمة من سيدها، فإنها تسمى أم ولد وتصبح معتقة بعد وفاة سيدها ولا يصح عليها بيع ولا هبة. وقد روى أحمد وابن ماجه حديثا في ذلك جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه )٣. وكذلك العبد الذي يعلن سيده عتقه بعد موته فيسمى المدبر ولا يصح عليه بيع ولا هبة ويكون معتقا حال وفاة سيده على ما ذكره الفقهاء استنادا إلى الآثار٤.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في الحث على عتق الرقاب. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار )٥. وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر جاء فيه :( أن أبا ذر سأل النبي أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها )٦. وحديث رواه أبو داود والترمذي أن رسول الله قال :( أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار )٧. وحديث رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال :( أتينا رسول الله في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار )٨. وحديث رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة. فقال : يا رسول الله أو ليستا واحدة ؟ قال : لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها )٩. وحديث رواه الطبري بطرقه عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار )١٠. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو الأمر في كل شأن.
وهناك إلى هذا أحاديث نبوية عديدة توجب إحسان معاملة الأرقاء طالما احتفظوا بصفتهم من ذلك حديث رواه مسلم عن عبادة بن الوليد قال :( خرجت أنا وأبي فلقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقلت له : يا عمي لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكان عليك حلة وعليه حلة١١. فمسح رأسي وقال : اللهم بارك فيه يا ابن أخي، بصُر عيناي هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة )١٢. وحديث رواه الترمذي عن أبي مسعود قال :( كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود مرتين، لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله. قال : أما لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمستك النار )١٣. وحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال : في كل يوم سبعين مرة )١٤. وحديث رواه الترمذي كذلك عن أبي ذر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله )١٥. وحديث رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه )١٦. حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر أيضا. وهناك أحاديث كثيرة أخرى في الموضوعين غير واردة في الكتب الخمسة فاكتفينا بما أوردناه نقلا عن هذه الكتب.
وورود الحث على فك الرقاب في سورة مبكرة في النزول بالأسلوب القوي الذي جاء في الآيات التي نحن بصددها يدل على أن الدعوة الإسلامية قد استهدفت منذ بدئها معالجة أمر الرقيق الذي كان موجودا واقعا على خير الوجوه وهو العتق والتحرير ؛ مما هو متسق مع أهداف هذه الدعوة من الخير والحق والعدل والفضائل الأخلاقية والاجتماعية والتسوية بين الناس والقضاء على الاستعلاء الطبقي والعنصري التي تضمنتها الآيات القرآنية منذ بدء التنزيل وفي مختلف أدوراه.
تعليق على إعطاء الناس يوم القيامة كتب أعمالهم باليمين والشمال
وعلى صحة تفسير ﴿ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ﴾ بالذين يعطون كتب أعمالهم في الآخرة بيمينهم أو شمالهم نقول : إن هذا الموضوع قد ورد في آيات عديدة بصيغ أصرح فجاء في سورة الإسراء :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا٧١ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأض
Icon