تفسير سورة الكهف

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة الكهف
آيها عشر ومائة
هي مكية كلها في المشهور واختاره جمع من العلماء، ومناسبتها ما قبلها من وجوه :
( ١ ) إن سورة الإسراء افتتحت بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنتان في سائر الكلام في نحو :﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ [ الحجر : ٩٨ ] ونحو : سبحان الله وبحمده.
( ٢ ) تشابه ختام السالفة وافتتاح هذه، فإن كلا منهما حمد.
( ٣ ) إنه ذكر في السابقة قوله :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] والخطاب فيها لليهود، وذكر هنا قصة موسى نبيّ بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام وهي تدل على كثرة معلومات الله التي لا تحصى، فكانت كالدليل على ما تقدم.
( ٤ ) إنه جاء في السورة السابقة :﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ [ الإسراء : ١٠٤ ] ثم فصل ذلك هنا بقوله :﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾ إلى قوله :﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾ [ الكهف : ٩٨ -١٠٠ ].

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ١ قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ٢ ماكثين فيه أبدا ٣ وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ٤ ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ٥ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ٦ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ٧ وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ﴾ [ الكهف : ١ -٨ ].
تفسير المفردات : العوج :( بالكسر والفتح ) : الانحراف والميل عن الاستقامة فلا خلل في لفظه ولا في معناه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ﴾ حمد الله نفسه على إنزاله كتابه العزيز إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه أعظم نعمة أنزلها على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، وجعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
وخلاصة ذلك : إنه تعالى أنزل الكتاب على عبده محمد صلى الله عليه وسلم مستقيما لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل بعضه يصدّق بعضا، وبعضه يشهد لبعض، ولا اعوجاج فيه، ولا ميل عن الحق.
﴿ لينذر بأسا شديدا من لدنه ﴾ أي ليخوّف الذين كفروا به عذابا شديدا صادرا من عنده أي نكالا في الدنيا ونار جهنم في الآخرة.
﴿ ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا ﴾ أي ويبشر المصدقين الله ورسوله الذين يمتثلون أوامره ونواهيه – بأن لهم ثوابا جزيلا منه على إيمانهم به وعلمهم الصالح في الدنيا، وذلك الثواب الجزيل هو الجنة التي وعدها الله المتقين خالدين فيها أبدا لا ينتقلون منها ولا ينقلون.

تفسير المفردات : قيما : أي معتدلا لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد، ولا تفريط فيه بإهمال ما تمس الحاجة إليه. والبأس : العذاب الشديد في الآخرة. من لدنه : أي من عنده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ﴾ حمد الله نفسه على إنزاله كتابه العزيز إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه أعظم نعمة أنزلها على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، وجعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
وخلاصة ذلك : إنه تعالى أنزل الكتاب على عبده محمد صلى الله عليه وسلم مستقيما لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل بعضه يصدّق بعضا، وبعضه يشهد لبعض، ولا اعوجاج فيه، ولا ميل عن الحق.
﴿ لينذر بأسا شديدا من لدنه ﴾ أي ليخوّف الذين كفروا به عذابا شديدا صادرا من عنده أي نكالا في الدنيا ونار جهنم في الآخرة.
﴿ ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا ﴾ أي ويبشر المصدقين الله ورسوله الذين يمتثلون أوامره ونواهيه – بأن لهم ثوابا جزيلا منه على إيمانهم به وعلمهم الصالح في الدنيا، وذلك الثواب الجزيل هو الجنة التي وعدها الله المتقين خالدين فيها أبدا لا ينتقلون منها ولا ينقلون.

الإيضاح :﴿ وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ﴾ أي وليحذّر من بين هؤلاء الكفار من قالوا هذه المقالة الشنعاء – إن الله اتخذ ولدا، وهؤلاء ثلاث طوائف :
( ١ ) المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله.
( ٢ ) اليهود القائلون عزير ابن الله.
( ٣ ) النصارى القائلون المسيح ابن الله.
وإنما خص هؤلاء مع دخولهم في الإنذار السابق لفظاعة حالهم، وشناعة كفرهم وضلالهم.
تفسير المفردات : كبرت :( بضم الباء ) كلمة : أي ما أعظمها مقالة قيلت، وهذا أسلوب في الكلام يدل على التعجب والاستغراب مما حدث من قول أو فعل.
الإيضاح :﴿ ما لهم به من علم ﴾ أي ليس لهم باتخاذ الولد برهان، بل هو قول لم يصدر عن علم يؤيده، ولا عقل يظاهره.
الإيضاح :﴿ ولا لآبائهم ﴾ أي وكذلك ليس لآبائهم الذين قالوا مثل هذه المقالة وهم القدوة لهم – به علم.
﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ﴾ أي عظمت مقالتهم هذه في الكفر، وليتهم اكتفوا بخطورها بالبال، وترددها في الصدور، بل تلفظوا بها على مرأى من الناس ومسمع، وكثير مما يوسوس به الشيطان وتحدّث به النفس لا يتلفظ به، بل يكتفي بما يعتقده القلب، فكيف ساغ لهم أن يجرؤوا على التلفظ بهذا المنكر الذي لا مستند له من عقل ولا نقل ؟
ثم أكد هذا الإنكار وبين أنه كما لا علم لهم ولآبائهم به – لا علم لأحد به، لأنه لا وجود له، وما هو إلا بمحض اختلاق بقوله :
﴿ إن يقولون إلا كذبا ﴾ أي ما يقولون إلا قولا لا حقيقة له بحال.
تفسير المفردات :
باخع : أي قاتل ( منتحر ) قاله ابن عباس وأنشد قول لبيد :
لعلك يوما إن فقدت مزارها على بعده يوما لنفسك باخع.
على آثارهم : أي من بعدهم أي من بعد توليهم عن الإيمان وتباعدهم عنه. والحديث : هو القرآن. والأسف : المبالغة في الحزن والغضب.
الإيضاح :﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ﴾ لعل هنا للاستفهام الإنكاري المتضمن معنى النهي، أي لا تبخع نفسك من بعد تولّيهم عن الإيمان وإعراضهم عنه أسفا وحسرة عليهم.
أي إنك قد اشتد وجدك عليهم، وبلغت حالا من الأسى والحسرة صرت فيها أشبه بحال من يحدث نفسه أن يبخعها أسى وحسرة عليهم، وما كان من حقك أن تفعل ذلك، إن عليك إلا البلاغ، وليس عليك الهداية ﴿ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ [ البقرة : ٢٧٢ ].
وقد جاء مثل هذا النهي في آيات كثيرة كقوله :﴿ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ﴾ [ الشعراء : ٣ ] وقوله :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ [ فاطر : ٨ ] وقوله :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ﴾ [ النحل : ١٢٧ ].
وخلاصة ذلك : أبلغهم رسالة ربك، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم أسى وحسرة، فإنما أنت منذر، ولست عليهم بمسيطر، إن عليك إلا البلاغ.
ثم ذكر سبحانه سبب إرشاده إلى الإعراض عنهم بغير ما يقدر عليه من التبليغ بالبشارة والنذارة، وهو أنه تعالى جعل ما على الأرض زينة لها، ليختبر المحسن والمسيء، ويجازي كلا بما يستحق فقال :
﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ﴾ أي إنا جعلنا ما على الأرض من حيوان ونبات ومعادن زينة لها ولأهلها، لنختبر حالهم في فهم مقاصد تلك الزينة والاستدلال بها على وجود خالقها، والإخبات إليه، والطاعة له، فيما أمر به، والبعد عما نهى عنه، فتقوم عليهم الحجة، فمن اعتبر بتلك الزينة، وفهم حكمتها، جاز المثوبة، ومن اجترأ على مخالفة أمره، ولم يفهم أسرارها ومقاصدها، استحق العقوبة.
وخلاصة ذلك : إنا جعلنا ما على الأرض زينة، لنعاملهم معاملة من يختبرون فنجازي المحسنين بالثواب، والمسيئين بالعقاب، ويمتاز أفراد الطبقتين بعضهم عن بعض بحسب امتياز درجات أعمالهم.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الدنيا نضرة حلوة، والله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون "، وقال :" إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا، قيل : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض "، وروى البخاري أن عمر كان يقول : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زيّنته لنا، اللهم إني أسألك أن ننفقه في حقه.
تفسير المفردات : صعيدا : أي ترابا. وجزرا : أي لا نبات فيه.
تفسير المفردات :﴿ وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ﴾ أي وإن الأرض وما عليها بائد فان، وإن المرجع إلى الله، فلا تأس ولا تحزن لما تسمع وترى، ونحو الآية قوله :﴿ كل من عليها فان ﴾ |الرحمان : ٢٦| وقوله :﴿ فيذرها قاعا صفصفا ١٠٦ لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾ [ طه : ١٠٦ -١٠٧ ].
وإجمال المعنى : إن ما على الأرض سيصير ترابا ساذجا بعدما كان يتعجب من بهجته النظّارة، وتسرّ برؤيته العيون، فلا تحزن لما عاينت من تكذيب هؤلاء لما أنزل عليك من الكتاب، فإنا جعلنا ما على الأرض من مختلف الأشياء زينة لها، لنختبر أعمال أهلها، فنجازيهم بحسب ما هم له أهل، وإنا لمفنون ذلك بعد حين.
وفي هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وكأنه قيل ؛ لا تحزن فإنا ننتقم لك منهم.
ملخص قصة أهل الكهف كما أثر عن العرب :
روي أن النصارى عظمت فيهم الخطايا، وطغت ملوكهم حتى عبدوا الأصنام، وأكرهوا الناس على عبادتها، وأصدر ( الملك دقيانوس )أ
الأوامر المشدّدة في ذلك، ومعاقبة من يخالفه، وأراد أن يلزم فتية من أشراف قومه عبادتها، وتوعدهم بالقتل، فأبوا إلا الثبات على دينهم، فنزع ثيابهم وحليهم، ولكنه رحم شبابهم فأمهلهم لعلهم يثوبون إلى رشدهم، وهكذا ذهب الملك إلى مدن أخرى ليحث أهلها على عبادتها، وإلا قتلوا.
أما الفتية فإنهم انطلقوا إلى كهف قريب من مدينتهم ( أفسوس أو طرسوس ) في جبل يدعى ( نيخايوس ) وأخذوا يعبدون الله فيه حتى إذا هجم عليهم دقيانوس وقتلهم ماتوا طائعين، وقد كانوا سبعة، فلما مروا في الطريق إلى الكهف تبعهم راع ومعه كلبه، فجلسوا هناك يعبدون الله، وكان من بينهم امرؤ يدعى ( تمليخا ) يبتاع لهم طعامهم وشرابهم، ويبلغهم أخبار دقيانوس الذي لا يزال مجدّا في طلبهم، حتى إذا عاد من مطافه، ووصل إلى مدينتهم، بحث عن هؤلاء العبّاد والنساك ليذبحهم أو يسجدوا للأصنام، فسمع بذلك تمليخا بينما كان يشتري لهم الطعام خفية فأخبرهم فبكوا، ثم ضرب الله على آذانهم فناموا، وتذكّرهم دقيانوس، فهدّد آباءهم إن لم يحضروهم، فدلّوه عليهم، وقالوا إنهم في الكهف، فتوجه إليهم وسدّه عليهم ليموتوا هناك وينتهي الأمر على ذلك.
وقد كان في حاشية الملك رجلان يكتمان إيمانهما وهما بيدروس، وروناس، فكتبا قصة هؤلاء الفتية سرا في لوحين من حجر وجعلاهما في تابوت من نحاس، وجعلا التابوت في البنيان ليكون ذلك عظة وذكرى لمن سيجيء من بعد.
ثم مضت قرون يتلو بعضها بعضا، ولم يبق لدقيانوس ذكر ولا أثر.
وبعدئذ ملك البلاد ملك صالح يسمى بيدروس دام ملكه ٦٨ سنة، وانقسم الناس في شأن البعث والقيامة فرقتين : فرقة مؤمنة به، وأخرى كافرة، فحزن الملك لذلك حزنا شديدا، وضرع إلى الله أن يرى الناس آية يرشدهم بها إلى أن الساعة آتية لا ريب فيها، وقد خطر إذ ذاك ببال راع يسمى ( أولياس ) أن يهدم باب الكهف ويبني به حظيرة لغنمه، فلما هدمه استيقظوا جميعا فجلسوا مستبشرين، وقاموا يصلون، ثم قال بعضهم لبعض : كم لبثم نياما ؟ قال بعضهم : لبثنا يوما أو بعض يوم، وقال آخرون ربكم أعلم بما لبثتم، فابعثوا أحدكم بورقكم ( الورق الفضة ) هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما وليحضر لنا جانبا منه، فذهب تمليخا كما اعتاد من قبل، ليشتري لهم الطعام وهو متلطف في السؤال مختف حذرا من دقيانوس.
وبينما هو ماش سمع اسم المسيح ينادى به في كل مكان، فحدّث نفسه وقال : عجبا لم لَم يذبح دقيانوس هؤلاء المؤمنين ؟ وبقي حائرا دهشا وقال : ربما أكون في حلم أو لعل هذه ليست مدينتنا، فسأل رجلا ما اسم هذه المدينة، قال ( أفسوس ) وفي آخر مطافه تقدم إلى رجل فأعطاه ورقا ليشتري به طعامه، فدهش الرجل من نوع هذا النقد الذي لم يره من قبل، وأخذ يقلبه ويعطيه إلى جيرته، وهم يعجبون منه ويقولون له : أهذا من كنز عثرت عليه، فإن هذه الدراهم من عهد دقيانوس، وقد مضت عليه حقبة طويلة ثم أخذوه وقادوه إلى حاكمي المدينة، فظن في بادئ الأمر أنهم ساقوه إلى دقيانوس، ولكن لما عرف أنه لم يؤت به إليه زال عنه الكرب، وجفت مدامعه، ثم سأله حاكما المدينة وهما أريوس وطنطيوس : أين الكنز الذي وجدت يا فتى ؟ وبعد حوار بينه وبينهما ذكر لهما خبر الفتية ودقيانوس وأن حديثهما كان أمس، وإن كان لديهما ريب من أمري فها هو ذا الكهف فاذهبا معي لتريا صدق ما أقول، فساروا معه حتى وصلا إلى باب الكهف، وتقدمهما تمليخا فأخبرهما بالحديث كله، فداخلهما العجب حين علما أنهم ناموا تسعا وثلاثمائة سنة، وأنهم أوقظوا ليكونوا آية للناس.
ثم دخل أريوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم. وبداخله لوحان مكتوب عليهما قصة هؤلاء الفتية، وكيف هربوا من دقيانوس حرصا على عقيدتهم ودينهم، فسد عليهم بالحجارة.
ولما رأى أريوس ومن معه هذا القصص خرّوا لله سجدا وأرسلوا بريدا إلى ملكهم أن عجّل واحضر لترى آية الله في أمر فتية بعثوا بعد أن ناموا ثلاثمائة سنة.
ثم سار الملك ومعه ركب من حاشيته وأهل مدينته حتى أتوا مدينة أفسوس وكان يوما مشهودا، وحين رأى الفتية خرّ ساجدا لله ثم اعتنقهم وبكى وهم لا يزالون يسبحون، ثم قال الفتية له : أيها الملك نستودعك الله ونعيذك من شر الإنس والجن ثم رجعوا إلى مضاجعهم وقبضت أرواحهم، فأمر الملك أن يجعل كل منهم في تابوت من ذهب، وحين جن الليل ونام رآهم في منامه يقولون له : اتركنا كما كنا في الكهف ننام على التراب حتى يوم البعث، فأمر الملك أن يوضعوا في تابوت من ساج وألا يدخل عليهم أحد بعد ذلك، وأن يبني على باب الكهف مسجد يصلي فيه الناس، وجعل لهم ذلك اليوم عيدا عظيما. ذلك هو القصص الذي جعله النصارى دليلا على البعث أما القرآن الكريم فإنه يقول إن آياتي على البعث وإعادة الأرواح بعد الموت ليست مقصورة على هذا القصص وحده، فآياتي عليه لا تعدّ ولا تحصى، فاقرؤوا صحائف هذا الوجود ولا تقصروا أمركم على صحائف أهل الكهف والرقيم، واجعلوا أنظاركم تتجه إلى ما حواه الكون لا إلى ما كتب في القصص والحكايات، وإن كانت فيها الدلائل والآيات.
إجمال القرآن لقصص أهل الكهف :
﴿ أم حسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ٩ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ١٠ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ١١ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ﴾ [ الكهف : ٩ -١٢ ].
تفسير المفردات : أم : حرف يدل على الانتقال من كلام إلى آخر، وهو بمعنى بل وهمزة الاستفهام أي بل أحسبت، والخطاب في الظاهر للنبي عليه الصلاة والسلام، والمراد غيره كما سبق نظيره. والكهف : النقب المتسع في الجبل، فإن لم يكن متسعا فهو غار. والرقيم : لوح حجري رقمت فيه أسماؤهم كالألواح الحجرية المصرية التي يذكر فيها تاريخ الحوادث وتراجم العظماء.
الإيضاح :﴿ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ﴾ أي لا تحسب أن قصة أصحاب الكهف والرقيم المذكورة في الكتب السالفة حين استمروا أحياء أمدا طويلا – عجيبة بالإضافة إلى ما جعلناه على ظهر الأرض من الزينة، فليست هي بالعجب وحدها من بين آياتنا، بل زينة الأرض وعجائبها أبدع وأعجب من قصة أصحاب الكهف، فإذا وقف علماء الأديان الأخرى لدى أمثالها دهشين حائرين، فأنا أدعوك وأمتك إلى ما هو أعظم منها، وهو النظر في الكون وعجائبه، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، إلى نحو أولئك من الآيات الدالة على قدرة الله، وأن يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه.
أما القصص وغرائبها فلا تكفي للوصول إلى أبواب الخير والسعادة التي يطمح إليها الإنسان، ويجعلها مثله العليا، ليفوز بخيري الدنيا والآخرة، فابحث عما نقش في صحائف الأكوان، لا في صحائف الكهوف والغيران.
قال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السماوات والأرض وما بينهما أعجب من قصتهم.
تفسير المفردات : أوى إلى المكان : اتخذه مأوى ومكانا له. والفتية : واحدهم فتى وهو الشاب الحدث، وقد كانوا من أبناء أشراف الروم وعظمائهم، لهم أطواق وأسورة من الذهب. وهيئ : أي يسر. والرشد ( بفتحتين وضم فسكون ) الهداية إلى الطريق الموصل للمطلوب، فضربنا على آذانهم أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع، كما يقال بنى على امرأته، يريدون بنى عليها قبة، والمراد أنمناهم نومة لا تنبههم الأصوات الموقظة.
الإيضاح :﴿ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ﴾ أي واذكر أيها الرسول حين أوى أولئك الفتية إلى الكهف هربا بدينهم من أن يفتنهم عباد الأصنام والأوثان وقالوا إذ ذاك : ربنا يسر لنا بما نبتغي من رضاك وطاعتك رشدا من أمرنا، وسدادا إلى العمل الذي نحب، وارزقنا المغفرة والأمن من الأعداء.
تفسير المفردات : عددا : أي ذوات عدد والمراد التكثير، لأن القليل لا يحتاج إلى العد غالبا.
الإيضاح :﴿ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ﴾ أي فضربنا على آذانهم حجابا يمنعهم السماع، وأنمناهم نوما لا ينبههم فيه مختلف الأصوات في الكهف سنين كثيرة معدودة.
تفسير المفردات : بعثناهم : أي أيقظناهم وأثرناهم من نومهم. والحزبين : هما الحزب القائل لبثنا يوما أو بعض يوم، والحزب القائل ربكم أعلم بما لبثتم. وأحصى : أي أضبط لأوقات لبثهم. والأمد : مدة لها حد وغاية.
الإيضاح :﴿ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ﴾ أي ثم أيقظناهم من رقدتهم لنعلم أي الطائفتين المتنازعتين في مدة لبثهم، أضبط في الإحصاء والعد لمدة هذا اللبث في الكهف.
وخلاصة ذلك : إنا بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبر حالهم، لنرى أيهم أحصى لما لبثوا أمدا، فيظهر لهم عجزهم، ويفوّضوا ذلك إلى العليم الخبير، ويتعرّفوا ما صنع الله بهم من حفظ أبدانهم، فيزدادوا يقينا بكمال قدرته تعالى وعلمه، ويستبصروا به في أمر البعث، ويكون ذلك لطفا لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفارهم.
تفصيل ذلك القصص وبسطه :
﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ١٣ وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ١٤ هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ١٥ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ١٦ * وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ١٧ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ﴾ [ الكهف : ١٣ -١٨ ].
تفسير المفردات : النبأ : الخبر العظيم. وبالحق : أي بالصدق.
الإيضاح :﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق ﴾ أي نحن ننبئك نبأ هؤلاء الفتية الذين آووا إلى الكهف، نبأ حقا لا محل للريبة فيه.
وفي هذا إيماء إلى أن نبأهم كان معروفا لدى العرب على وجه ليس بالصدق، ويدل على ذلك قول أمية بن أبي الصّلت :
وليس بها إلا الرقيم مجاورا وصيدهمو والقوم في الكهف هجّد
ثم فصل ذلك بقوله :
﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ﴾ أي إنهم شباب آمنوا بربهم، وزدناهم هدى بالتثبيت على الإيمان، والتوفيق للعمل الصالح، والانقطاع إلى الله، والزهد في الدنيا.
وقد جرت العادة أن الفتيان أقبل للحق، وأهدى للسبل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في الأديان الباطلة، ومن ثم كان أكثر الذين استجابوا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم شبانا، وبقي الشيوخ على دينهم، ولم يُسلم منهم إلا القليل.
ونحو الآية قوله :﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾ [ محمد : ١٧ ] وقوله :﴿ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ﴾ [ التوبة : ١٢٤ ] وقوله :﴿ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ﴾ [ الفتح : ٤ ].
في أي زمن كان قصص أهل الكهف ؟
رجح ابن كثير أن قصص أهل الكهف كان قبل مجيء النصرانية، لا بعدها كما رواه كثير من المفسرين متّبعين ما أثر عن العرب، والدليل على ذلك أن أحبار اليهود كانوا يحفظون أخبارهم، ويعنون بها، فقد روي عن ابن عباس أن قريشا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء الفتية، وعن خبر ذي القرنين، وعن الروح، وفي هذا أعظم الأدلة على أن ذلك كان محفوظا عند أهل الكتاب، وأنه مقدم على النصرانية.
تفسير المفردات : والربط : الشد، وربطت الدابة : شددتها بالرباط، والمربط : الحبل، . وربط الله على قلبه : أي قوّى عزيمته. قاموا : أي وقفوا بين يدي ملكهم الجبار دقيانوس. إلها : أي معبودا آخرا لا استقلالا ولا اشتراكا.
الإيضاح :﴿ وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض ﴾ أي وألهمناهم قوة العزيمة، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان، حتى عزفت نفوسهم عما كانوا عليه من خفض العيش والرغبة عنه، وقالوا حين قاموا بين يدي الجبار دقيانوس إذ عاتبهم على تركهم الأصنام – ربنا رب السماوات والأرض ورب كل مخلوق.
ثم أردفوا تلك المقالة البراءة من إله غيره فقالوا :
﴿ لن ندعو من دونه إلها ﴾ أي لن ندعو من دون رب السماوات والأرض إلها، لا على طريق الاستقلال ولا على سبيل الاشتراك، إذ لا رب غيره ولا معبود سواه.
وقد أشاروا بالجملة الأولى إلى توحيد الألوهية والخلق، وبالجملة الثانية إلى توحيد الربوبية والعبادة، وعبدة الأصنام يقرون بتوحيد الأولى، ولا يقرون بتوحيد الثانية، بدليل قوله :﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ﴾ [ لقمان : ٢٥ ] وقوله سبحانه حكاية عنهم :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ] وكانوا يقولون في تلبيتهم في الحج : لبيك لا شريك لك : إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
ثم عللوا عدم دعوتهم لغيره بقولهم :
﴿ لقد قلنا إذا شططا ﴾ أي إنا إذا دعونا غير الله، لقد أبعدنا عن الحق، وتجاوزنا الصواب.
وفي هذا إيماء إلى أنهم دعوا الأصنام وليموا على تركها.
تفسير المفردات : اتخذوا من دونه آلهة : أي نحتوا أصناما وعبدوها. والسلطان : الحجة. والبين : الظاهر.
الإيضاح : ثم حكى سبحانه عن أهل الكهف مقالة بعضهم لبعض فقال :
﴿ هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين ﴾ أي إن قومنا هؤلاء وإن كانوا أكبر منا سنا وأكثر تجربة قد أشركوا مع الله غيره، فهلا أتوا بينة على صدق ما يقولون، كما أتينا على صدق ما ندعي بالأدلة الظاهرة، وإنهم لأظلم الظالمين فيما فعلوا، وفيما افتروا، ومن ثم قال :
﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ﴾ أي لا أظلم ممن افترى على الله الكذب ونسب إليه الشريك، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
تفسير المفردات : والاعتزال والتعزل : تجنب الشيء بالبدن أو بالقلب كما قال :
يا بيت عاتكة التي أتعزّل حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
فأووا إلى الكهف : أي التجؤوا إليه. وينشر لكم : أي يبسط لكم. والمرفق : ما يرتفق وينتفع به. وتزاور : تتنحى.
الإيضاح :﴿ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ﴾ أي وإذ فارقتموهم وخالفتموهم في عبادتهم غير الله ففارقوهم بأبدانكم والجئوا إلى الكهف، وأخلصوا لله العبادة في مكان تتمكنون منها بلا رقيب ولا حسيب، وإنكم إن فعلتم ذلك فالله تعالى يبسط لكم الخير من رحمته في الدارين، ويسهل لكم من أمر الفرار بدينكم، والتوجه إليه في عبادتكم، ما ترتفقون وتنتفعون به.
وقد قالوا ذلك ثقة بفضل الله تعالى ورجاء منه، لتوكلهم عليه وكمال إيمانهم به، أخرج الطبراني وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما بعث الله نبيا إلا وهو شاب، وقرأ :﴿ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ [ الأنبياء : ٦٠ ]، ﴿ وإذ قال موسى لفتاه ﴾[ الكهف : ٦٠ ] ﴿ إنهم فتية ﴾.
تفسير المفردات : وذات اليمين : أي ذات جهة يمين الكهف. وتقرضهم : أي تعدل عنهم، قال الكسائي : يقال : قرضت المكان : إذا عدلت عنه ولم تقربه. فجوة : أي متسع.
الإيضاح : ثم بين سبحانه حالهم بعد أن أووا إلى الكهف فقال :
﴿ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ﴾ أي إنك أيها المخاطب لو رأيت الكهف لرأيت الشمس حين طلوعها تميل عنه جهة اليمين، ورأيتها حين الغروب تتركهم وتعدل عنهم جهة الشمال، والحال أنهم في وسطه ومتسعه، فيصيبهم نسيم الهواء وبرده.
وخلاصة ذلك : إنهم طوال نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها، إذ كان باب الكهف في مقابلة بنات نعش، فهو إلى الجهة الشمالية، والشمس لا تسامت ذلك أبدا، لأنها لا تصل إلى أبعد من خط السرطان، وكل بلاد بعده إلى جهة الشمال تكون الشمس من ورائها لا أمامها فيكون الظل مائلا جهة الشمال طول السنة، كما يعلم ذلك من علم الفلك.
وإيضاح ذلك أنه لو كان باب الكهف في ناحية الشرق لما دخل إليه شيء منها حين الغروب، ولو كان من ناحية الجنوب لما دخل منها شيء حين الطلوع ولا الغروب وما تزاور الفيء لا يمينا ولا شمالا، ولو كان جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع، بل بعد الزوال ولا تزال فيه إلى الغروب.
مكان الكهف :
وللمفسرين في تعيين مكان الكهف أقوال : فقيل هو قريب من إيلياء ( بيت المقدس ) ببلاد الشام، وقال ابن إسحاق : عند نينوى ببلاد الموصل، وقيل ببلاد الروم، ولم يقم إلى الآن الدليل على شيء من ذلك، ولو كان لنا في معرفة ذلك فائدة دينية لأرشدنا الله إليه كما قال صلى الله عليه وسلم :" ما تركت شيئا يقرّبكم إلى الجنة، ويباعدكم عن النار، إلا وقد أعلمتكم به ".
﴿ ذلك من آيات الله ﴾ أي إن هدايتهم إلى التوحيد ومخالفتهم قومهم وآباءهم وعدم الاكتراث بهم وبملكهم مع حداثتهم، وإيواءهم إلى كهف تلك صفته بحيث تزاور الشمس عنهم طالعة، وتقرضهم غاربة، وإخبارك بقصصهم – كل ذلك من آيات الله الكثيرة في الكون، الدالة على كمال قدرته، وعلى أن التوحيد هو الدين الحق، وعلى أن الله يكرم أهله.
ثم بين أن هدايتهم إلى التوحيد كانت بعناية الله ولطفه فقال :
﴿ من يهد الله فهو المهتد ﴾ أي من يوفقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق كأصحاب الكهف، فهو المهتدي الذي أصاب سبيل الحق، وفاز بالحظ الأوفر في الدارين.
وفي هذا إيماء إلى أن أصحاب الكهف أصابوا الصواب، ووفقوا لتحقيق ما أمروا من نشر الرحمة عليهم وتهيئة المرفق.
﴿ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ﴾ أي ومن يضلله الله لسوء استعداده، وصرف اختياره، إلى غير سبل الهدى والرشاد، فلن تجد له أبدا خليلا ولا حليفا يرشده لإصابة سبل الهداية، ويخلصه من الضلالة، لأن التوفيق والخذلان بيد الله، يوفّق من يشاء من عباده، ويخذل من يشاء.
وفي هذا تسلية لرسوله وإرشاد له إلى أنه لا ينبغي له أن يحزن على إدبار قومه عنه، وتكذيبهم إياه، فإن الله لو شاء لهداهم وآمنوا.
تفسير المفردات : الأيقاظ، واحدهم يقظ ( بضم القاف وكسرها ). والرقود : واحدهم راقد، أي نائم. وباسط ذراعيه : أي مادّهما. والوصيد : فناء الكهف. والرعب : الخوف يملأ الصدر.
الإيضاح :﴿ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ﴾ أي ولو رأيتهم لظننتهم في حال يقظة لانفتاح أعينهم وهم نيام، كأنهم ينظرون إلى من أمامهم، ولما للنوم من الحال الخاصة به التي يستبينها الناظر بادئ ذي بداء كاسترخاء المفاصل والأعضاء ولاسيما العينان والوجه.
﴿ وتقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ﴾ ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرة للجنب الأيمن، ومرة للجنب الأيسر، كي ينال روح النسيم جميع أبدانهم، ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث.
﴿ وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ﴾ أي وكلبهم ملق يديه على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين بفناء الكهف كما روي عن ابن عباس، وقيل المراد بالوصيد الباب وأنشدوا :
بأرض فضاء لا يسدّ وصيدها عليّ ومعروفي بها غير منكر
﴿ لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ﴾ أي لو شاهدتهم في رقدتهم التي رقدوها في الكهف، لأدبرت عنهم هاربا فارا منهم.
﴿ ولملئت منهم رعبا ﴾ أي ولملئت نفسك حين اطلاعك عليهم خوفا وفزعا، لأن الله قد ألبسهم هيبة ووقارا كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الحين الذي أراد أن يجعلهم فيه عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج عليهم من عباده، وليعلموا أن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
﴿ وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ١٩ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ٢٠ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ٢١ سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ﴾[ الكهف : ١٩ -٢٢ ].
تفسير المفردات : بعثناهم : أي أيقظناهم. لبثتم : أي أقمتم. والورق : الفضة، مضروبة كانت أو غير مضروبة. وأزكى : أجود وأطيب. وليتلطف : أي يتكلف اللطف في المعاملة، كي لا تقع خصومة تجرّ إلى معرفته. ولا يشعرنّ : أي لا يفعلن ما يؤدي إلى شعور أحد من أهل المدينة بكم.
الإيضاح :﴿ وكذلك بعثناهم ﴾ أي كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مر الأيام بقدرتنا –بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه، من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم العبادة لله الواحد القهار، إذا تبينوا طول الزمان عليهم وهم بهيئتهم حين رقدوا.
﴿ ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم ﴾ أي ولتكون عاقبة أمرهم أن يسأل بعضهم بعضا، فيقول قائل منهم لأصحابه : كم لبثتم ؟ ذاك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم.
﴿ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ﴾ أي فأجابه الآخرون، فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ظنا منهم أن ذلك كذلك كان.
وإيضاح هذا أنهم لم يتحققوا مقدار لبثهم، فهم لا يدرون مقدار ذلك اللبث، أيوم هو أو بعض يوم، لأن لوثة النوم وظواهره لم تذهب من بصرهم وبصيرتهم، فلم ينظروا إلى الإمارات التي تدل على ذلك المقدار الذي يظنّ، أنه قد كان.
وأكثر المفسرين على أن دخولهم في الكهف كان أول النهار واستيقاظهم كان آخر النهار.
﴿ قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ﴾ أي وقال آخرون : ربكم أعلم بما لبثتم أي أنتم لا تعلمون مدة لبثكم، بل الله هو الذي يعلمها، وهذا من الأدب البارع في الرد على الأولين بأحسن أسلوب وأجمل تعبير.
وحين علموا أن الأمر ملتبس عليهم عدلوا إلى الأهم في أمرهم وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب فقالوا :
﴿ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ﴾ أي فابعثوا بدراهمكم هذه إلى المدينة وهي طرسوس كما جزم بذلك فخر الدين الرازي.
وفي قولهم ( هذه ) إشارة إلى أن القائل كان قد أحضرها ليناولها بعض أصحابه، وإلى أن التأهب لأسباب المعاش بحمل الدراهم ونحوها لمن خرج من منزله، لا ينافي التوكل على الله كما جاء في الحديث " اعقلها وتوكل ".
﴿ فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ﴾ أي فليصبر أيّ الأطعمة أجود وألذ فليأتكم بمقدار منه.
﴿ وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ﴾ أي وليترفق في دخول المدينة، وفي شرائه، وفي إيابه منها، ولا يخبرن بمكانكم أحدا من أهلها.
تفسير المفردات : إن يظهروا عليكم : أي إن سقط لوجهه، ويقال في المثل " من سلك الجدد أمن العثار "، ثم استعمل في الاطلاع على أمر من غير طلب له.
الإيضاح : ثم ذكروا تعليل الأمر والنهي السالفين بقولهم :
﴿ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ﴾ أي إن الكفار إن علموا بمكانكم ولم تفعلوا ما يريدون منكم، بل ثبتم على إيمانكم، إما أن يقتلوكم رميا بالحجارة، وكان ذلك هو المتبع في الأزمة الغابرة فيمن يعلن خلاف ما عليه الجماهير في الأمور الدينية والسياسية التي لها شأن في الدولة، وإما أن يعيدوكم إلى ملة آبائكم التي هم مستمسكون بها.
﴿ ولن تفلحوا إذا أبدا ﴾ أي وإن دخلتم في ملتهم ولو بالإكراه والقسر لن تفوزوا بخير لا في دنياكم ولا في آخرتكم، إذ ربما استدرجكم الشيطان إلى أن تستحسنوا ما ستعتنقونه من ذلك الدين الجديد، وتستمرئوه فتستمروا عليه فيكون قد كتب عليكم الشقاء عند ربكم، والخذلان الذي لا خذلان بعده.
تفسير المفردات : الساعة : يوم القيامة حين يبعث الله الخلائق جميعا للحساب والجزاء. والتنازع : التخاصم. والذين غلبوا على أمرهم : هم رؤساء البلد، لأنهم هم الذين لهم الرأي في مثل هذا. والمسجد : معبد المؤمنين من تلك الأمة وكانوا نصارى على المشهور. والرجم : القول بالظن ويقال لكل ما يخرص : رجم فيه وحديث مرجوم ومرجّم كما قال :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجّم
الإيضاح :﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها ﴾ أي وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم كهيئتهم حين رقدوا، ليتساءلوا بينهم فيزدادوا بصيرة بعظيم سلطانه تعالى، ومعرفة حسن دفاع الله عن أوليائه – أعثرنا عليهم الفريق الآخر الذين كانوا في شك من قدرة الله على إحياء الموتى، وفي مرية من إنشاء أجسام خلقه كهيئتهم يوم قبضهم بعد البلى، ليعلموا أن وعد الله حق، ويوقنوا أن الساعة آتية لا ريب فيها، إذ لا حجة لمن أنكرها إلا الاستبعاد، ولكن وقوع ذلك الأمر العظيم وعلمهم به، مما يخفف من غلوائهم، ويكبح جماح إنكارهم ويردهم إلى رشدهم.
ذاك أن حال هؤلاء الفتية في تلك الحقبة الطويلة، وقد حبست عن التصرف نفوسهم، وعطلت مشاعرهم وحواسهم، وحفظت من التحلل والتّفتت أبدانهم، وبقيت على ما كانت عليه من الطراوة والشباب، ثم رجعت بعدئذ تلك المشاعر والحواس إلى حالها، وأطلقت النفوس من عقالها، وأرسلت إلى تدبير أبدانها، فرأت الأمور كما كانت، والأعوان هم الأعوان، ولم تنكر شيئا عهدته في مدينتها، ولم تتذكر حبسها المدى الطويل عن التصرف في شؤونها – وحال الذين يقومون من قبورهم بعدما تعطلت مشاعرهم وحبست نفوسهم – من واد واحد في الغرابة، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند، ووقوع الأول يزيل الارتياب في إمكان وقوع الثاني، ولا يبقى بعد ذلك شك في أن وعد الله حق، وأن الله سيبعث من في القبور، فيردّ عليهم أرواحهم، ويجازيهم جزاء وفاقا بحسب أعمالهم عن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وهو الحكم العدل، اللطيف الخبير
﴿ إذ يتنازعون بينهم أمرهم ﴾ أي وكذلك أطلعنا عليهم بيدروس وقومه حين ينازع بعضهم بعضا في أمر البعث، فمن مقرّ به، وجاحد له، وقائل تبعث الأرواح دون الأجساد – ففرح الملك وفرحوا بآية الله على البعث، وزال ما بينهم من الخلاف في أمر القيامة، وحمدوا الله إذ رأوا ما رأوا مما يثبتها، ويزيل كل ريب فيها.
ثم حكى آراء القوم في شأنهم بعد اطلاعهم عليهم فقال :
﴿ فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ﴾ أي إنهم انقسموا في شأنهم فريقين، فريق يقول : نسد عليهم باب الكهف ونذرهم حيث هم، وفريق يقول : نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس، وقد غلب هذا الفريق الأول في الرأي.
وقوله ﴿ ربهم أعلم بهم ﴾ جملة معترضة من كلامه تعالى ردّا للخائضين في أمرهم ممن أعثروا عليهم، أو ممن كان في عهده صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، في بيان أنسابهم وأسمائهم وأحوالهم ومدة لبثهم.
وقد ذكر العلماء أن اتخاذ القبور مساجد منهيّ عنه أشدّ النهي حتى ذكر ابن حجر في كتابه الزواجر انه من الكبائر، لما روي في صحيح الأخبار من النهي عن ذلك، روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعن الله تعالى زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسّرج " وزاد مسلم :" ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك ".
وروى الشيخان والنسائي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعن الله تعالى اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وروى أحمد والشيخان والنسائي قوله صلى الله عليه وسلم :" إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق يوم القيامة ".
وروى أحمد والطبراني :" إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد ".
إلى نحو ذلك من الآثار الصحيحة، فليعتبر المسلمون اليوم بهذه الأخبار التي لا مرية في صحتها، وليقلعوا عما هم عليه من اتخاذ المساجد في أضرحة الأولياء والصالحين والتبرك بها، والتمسح بأعتابها، وليعلموا أن هذه وثنية مقنعة، وعود إلى عبادة الأوثان والأصنام على صور مختلفة، والعبرة بالجوهر واللب، لا بالعرض الظاهر فذلك إشراك بالله في ربوبيته وعبادته، وقد حاربه الدين أشدّ المحاربة، ونعى على المشركين ما كانوا يفعلون.
اللهم ألهم المسلمين رشدهم، وثبتهم في أمر دينهم، ولا تجعلهم يحذون حذو من قبلهم حذو القذّة بالقذة، وأرجعهم إلى مثل ما كان يفعله المسلمون في الصدر الأول وما بعده، فرجاله هم الأسوة، وقد صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد قبر دانيال في عهده بالعراق أمر أن يسوّي بالأرض، وأن تدفن تلك الرّقعة التي وجدوها عنده وفيها شيء من الملاحم وغيرها من الأخبار.
تفسير المفردات : الغيب : ما غاب عن الإنسان : فالمراد أن يرمي الإنسان ما غاب عنه ولا يعرفه بالحقيقة، كما يقال فلان يرمي بالكلام رميا : أي يتكلم من غير تدبر، والمراد هنا القول بالظن والتخمين. والمراء : المحاجة فيما فيه مرية وتردد، والمراء الظاهر : ما لا تعمق فيه بألا يكذبهم في تعيين العدد، بل يقول هذا التعيين لا دليل عليه، فيجب عدم الجزم به ولا تستفت : أي لا تطلب الفتيا منهم.
الإيضاح : ولما ذكر سبحانه القصة ونزاع المتخاصمين فيما بينهم – شرع يقص علينا ما دار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاف في عدد أصحاب الكهف فقال :﴿ سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ﴾ أي سيقول بعض الخائضين من أهل الكتاب ذلك، فقد روي أن نصارى نجران تناظروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد أهل الكهف، فقالت الملكانية ( أصحاب الملك ) : هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية : هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية : هم سبعة وثامنهم كلبهم، وروي هذا عن ابن عباس، وهو الحق بدليل أنه تعالى حكم على القولين السابقين بأنهما رجم بالغيب، فأرشد ذلك إلى أن الحال في الأخير بخلافه، وأنهم إنما قالوه عن ثبات علم، وطمأنينة نفس.
﴿ قل ربي أعلم بعدتهم ﴾ في هذا إرشاد لنا إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى، إذ لا تحتاج إلى الخواص في مثل ذلك بلا علم، فإن اطلعنا على أمر قلنا به، وإلا توقّفنا ولم نجزم بشيء.
﴿ ما يعلمهم إلا قليل ﴾ أي ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس. روى قتادة عن ابن عباس أنه قال : أنا من القليل الذي استثنى الله عز وجل، كانوا سبعة سوى الكلب، ولم يرد في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك.
وفي هذا دلالة على أن المهمّ ليس هو معرفة العدد، بل المهم الاعتبار بذلك القصص، وبما يكون نافعا لعقولنا وتطهير أخلاقنا ورقينا في حياتينا الدنيوية والأخروية.
وبعد أن ذكر سبحانه هذا القصص، نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن شيئين : المراء في أمرهم، والاستفتاء في شأنهم فقال :
﴿ فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ﴾ أي فلا تجادل في شأن الفتية إلا جدلا سهلا ليّنا، وقص عليهم ما جاء في الكتاب الكريم دون تكذيب لهم في تعيين العدد، ولا تجهيل لهم في الحديث، إذ لا يترتب على ذلك كبير فائدة، لأن المقصد من القصة هو العظة والاعتبار، ومعرفة أن البعث حاصل لا محالة، وهذا لا يتوقف على عدد معين، إلى أن ذلك مما يخلّ بمكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها.
ونحو الآية قوله :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ].
﴿ ولا تستفت فيهم منهم أحدا ﴾ أي ولا تستفت النصارى في شأنهم، فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب من غير استناد إلى دليل قاطع، ولا نص صريح، وقد جاءك ربك بالحق الذي لا مرية فيه، فهو الحاكم المقدّم على كل تقدمه من الكتب والأقوال السالفة.
وفي الآية دليل على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم.
﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ٢٣ إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾ [ الكهف : ٢٣ -٢٤ ].
المعنى الجملي : جاءت هاتان الآيتان إرشادا وتأديبا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، يعلمه بأنه إذا أراد أن يخبر عن شيء سيفعله في مستأنف الأيام، أن يقرن قوله بمشيئته علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما سيكون.
وجاءتا معترضتين أثناء القصة لما تضمنتاه من تعليم تفويض الأمور كلها إليه، وبيان أنه لا يحدث في ملكه إلا ما يشاء.
روي أنهما نزلتا حين سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين، فقال عليه الصلاة والسلام :" غدا أخبركم "، ولم يستثن ( لم يقل إن شاء الله ) فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما، فشق ذلك عليه وكذبته قريش.
الإيضاح :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ﴾ أي ولا تقولن أيها الرسول لشيء إني سأفعل ذلك غدا إلا أن تقول : إن شاء الله، ذاك أنه ربما مات المرء قبل مجيء الغد، أو ربما عاقه عائق عن فعله، فإذا لم يقل إن شاء صار كاذبا في ذلك الوعد ونفر الناس منه.
﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾ أي واذكر مشيئة ربك إذا فرط منك نسيان ثم تذكرت ذلك، وهذا أمر بالتدارك حين التذكر، سواء أطال الفصل أم قصر.
﴿ وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾ أي وقل عسى أن يوفّقني ربي لشيء أقرب إرشادا للناس، وأظهر حجة من نبأ أهل الكهف.
وقد حقق الله له ذلك، فآتاه من الآيات ما هو أعظم من ذلك، كقصص الأنبياء مع أممهم على توالي العصور ومر الأيام.
وخلاصة ذلك : اطمع من ربك أن يهديك لأقرب مما أرشدك إليه خيرا ومنفعة في ضمن ما ألقي إليك من الأوامر والنواهي، وقد استجاب الله دعاءه، فهداه فيما أنزل عليه إلى ما هو خير منفعة، وأجدى فائدة للمسلمين في دنياهم وآخرتهم، وآتاهم من الخير العميم مما جعلهم به خير أمة أخرجت للناس.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ٢٣ إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾ [ الكهف : ٢٣ -٢٤ ].
المعنى الجملي : جاءت هاتان الآيتان إرشادا وتأديبا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، يعلمه بأنه إذا أراد أن يخبر عن شيء سيفعله في مستأنف الأيام، أن يقرن قوله بمشيئته علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما سيكون.
وجاءتا معترضتين أثناء القصة لما تضمنتاه من تعليم تفويض الأمور كلها إليه، وبيان أنه لا يحدث في ملكه إلا ما يشاء.
روي أنهما نزلتا حين سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين، فقال عليه الصلاة والسلام :" غدا أخبركم "، ولم يستثن ( لم يقل إن شاء الله ) فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما، فشق ذلك عليه وكذبته قريش.
الإيضاح :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ﴾ أي ولا تقولن أيها الرسول لشيء إني سأفعل ذلك غدا إلا أن تقول : إن شاء الله، ذاك أنه ربما مات المرء قبل مجيء الغد، أو ربما عاقه عائق عن فعله، فإذا لم يقل إن شاء صار كاذبا في ذلك الوعد ونفر الناس منه.
﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾ أي واذكر مشيئة ربك إذا فرط منك نسيان ثم تذكرت ذلك، وهذا أمر بالتدارك حين التذكر، سواء أطال الفصل أم قصر.
﴿ وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾ أي وقل عسى أن يوفّقني ربي لشيء أقرب إرشادا للناس، وأظهر حجة من نبأ أهل الكهف.
وقد حقق الله له ذلك، فآتاه من الآيات ما هو أعظم من ذلك، كقصص الأنبياء مع أممهم على توالي العصور ومر الأيام.
وخلاصة ذلك : اطمع من ربك أن يهديك لأقرب مما أرشدك إليه خيرا ومنفعة في ضمن ما ألقي إليك من الأوامر والنواهي، وقد استجاب الله دعاءه، فهداه فيما أنزل عليه إلى ما هو خير منفعة، وأجدى فائدة للمسلمين في دنياهم وآخرتهم، وآتاهم من الخير العميم مما جعلهم به خير أمة أخرجت للناس.

ثم بين سبحانه ما أجمل في قوله :﴿ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ﴾ [ الكهف : ١١ ] فقال :
﴿ ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ٢٥ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ﴾ [ الكهف : ٢٥ -٢٦ ].
الإيضاح :﴿ ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ﴾ أي ولبثوا في الكهف حين ضربنا على آذانهم ثلاثمائة سنة على حساب أهل الكتاب الذين علّموا قومك السؤال عن شأنهم، وتسعا زائدة على حساب قومك الذين سألوك عن ذلك.
ولا شك أن في هذا البيان معجزة لرسوله النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب، ولم يدرس الحساب ولا الهندسة ولا الفلك، فمن أين له أن كل مائة سنة شمسية تزيد ثلاث سنين قمرية، وكل ثلاث وثلاثين سنة شمسية تزيد سنة قمرية، وكل سنة شمسية تزيد نحو أحد عشر يوما على السنة القمرية ؟
لا شك أنه قد أعلمه اللطيف الخبير بما أوحاه إليه، وهداه لأقرب من هذا رشدا، وهو الذي جعله يلفت الأنظار إلى علم ما على الأرض زينة لها كضوء الشمس والقمر على وجهها، وما نتج عن ذلك الضوء من بهجة الأرض وزينتها، فلولا اختلاف الفصول لم يكن للأرض زينة، ولا اختلاف للفصول إلا بتقلب أحوال الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي، فما من حيوان ولا نبات إلا أسّ حياته ضوء الشمس الذي أرسله الله إلى الأرض، كما أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ليهدينا إلى نور العلم ويقول لنا : إن النظر فيما على الأرض من زينة أقرب رشدا من قصص الأولين، وحكايات الغابرين.
فكم في العوالم المحيطة بكم من خوارق، فإياكم أن تذروها ابتغاء ما يقع على أيدي أنبيائكم وأوليائكم. فإني قد أرسلت الأنبياء ليرشدوكم إلى ملكي وما في خلقي من عجائب وما الأنبياء والأولياء إلا بعض خلقي ﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ [ غافر : ٥٧ ].
ثم أكد أن المدة المضروبة على آذانهم هي هذه المدة فقال :
﴿ قل الله أعلم بما لبثوا ﴾ أي قل الله أعلم منكم بهم، وقد أخبر بمدة لبثهم، فهو الحق الذي لا يحوم حوله شك.
وفائدة تأخير بيانها الدلالة على أنهم تنازعوا فيها أيضا كما تنازعوا في العدد، وعلى أن هذا البيان من الغيب الذي أخبر الله به نبيه ليكون معجزة له، وجاء قوله :﴿ قل الله أعلم بما لبثوا ﴾ تذييلا لسابقه، ليكون محاكيا قوله في حكاية عددهم :﴿ قل ربي أعلم بعدتهم ﴾ [ الكهف : ٢٢ ].
ثم أشار إلى اختصاصه بعلم ما لبثوا دون غيره فقال :
﴿ له غيب السماوات والأرض ﴾ أي ولله علم ما غاب فيهما، وخفي من أحوال أهلهما، لا يعزب عنه علم شيء منه، فسلّموا له علم ما لبثت الفتية في الكهف، وإذا علم الخفي فيهما فهو بعلم غيره أدرى.
ومن ذلك العلم الغائب على كثير من العقول حساب السنة الشمسية والقمرية، فقد غيّبه الله عن بعض الناس، ولم يطلع عليه إلا العارفين بحساب الأفلاك، ومن ثم يعجبون من أمر نبيهم، ويعلمون أن هذا مبدأ زينة الأرض وزخرفها.
﴿ أبصر به وأسمع ﴾ هذا أسلوب في اللغة يدل على التعجب والمبالغة في الأمر الذي تتحدث بشأنه، أي ما أبصر الله تعالى بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع، فهو لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهذا أمر عظيم من شأنه أن يتعجّب منه.
وقد ورد مثل هذا في الحديث :" ما أحلمك عمن عصاك، وأقربك ممن دعاك، وأعطفك على من سألك ".
﴿ ما لهم من دونه من ولي ﴾ أي ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم – وليّ يلي تدبير أمورهم وتصريفهم فيما هم فيه مصرّفون.
﴿ ولا يشرك في حكمه أحدا ﴾ أي إنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر، لا معقب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك، تعالى الله وتقدست أسماؤه.
﴿ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ٢٧ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ٢٨ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ٢٩ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ٣٠ أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ﴾ [ الكهف : ٢٧ – ٣١ ].
تفسير المفردات : لا مبدل : أي لا مغير. لكلماته : أي لأحكامها، فلا يستطيع أحد نسخ أحكام ما جاء في كتابه. ملتحدا : أي ملجأ تعدل إليه إذا ألمّت بك ملمّة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف ودل اشتمال القرآن عليه على أنه وحي من علام الغيوب – أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ثم ذكر ما يلحق الكافرين من النكال والوبال يوم القيامة، وما ينال المتقين من النعيم المقيم كفاء ما عملوا من صالح الأعمال.
الإيضاح :﴿ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ﴾ أي واتل الكتاب الذي أوحي إليك، والزم العمل به، واتبع ما فيه من أمر ونهي، وإن أحدا لا يستطيع أن يغير ما فيه من وعيد لأهل معاصيه، ومن وعد لأهل طاعته، فإن أنت لن تتبعه ولم تأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد به المخالفين حدوده – فلن تجد موئلا من دونه، ولا ملجأ تلجأ إليه، إذ قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحد على الهرب من أمر أراده به.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف ودل اشتمال القرآن عليه على أنه وحي من علام الغيوب – أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ثم ذكر ما يلحق الكافرين من النكال والوبال يوم القيامة، وما ينال المتقين من النعيم المقيم كفاء ما عملوا من صالح الأعمال.
تفسير المفردات : واصبر نفسك : أي احبسها وثبّتها. بالغداة والعشي : أي في طرفي النهار، وخصهما بالذكر، لأنهما محل الغفلة، وفيهما يشتغل الناس بأمور دنياهم. وجهه : أي رضاه وطاعته لأن من رضي عن شخص يقبل عليه، ومن غضب عليه يعرض عنه. ولا تعد عيناك عنهم : أي لا تصرف عيناك النظر عنهم إلى أبناء الدنيا ؛ والمراد لا تحتقرهم وتصرف النظر عنهم إلى غيرهم لرثاثة منظرهم. تريد زينة الحياة الدنيا : أي تطلب مجالسة من لم يكن مثلهم من الأغنياء وأصحاب الثراء. أغفلنا قلبه : أي جعلناه غافلا.
الإيضاح :﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ﴾ أي واحبس نفسك وثبتها مع فقراء الصحابة كعمار بن ياسر وصهيب وبلال وابن مسعود وأضرابهم ممن يدعون ربهم بالغداة والعشي بالتسبيح وصالح الأعمال ابتغاء مرضاة الله، لا يريدون عرضا من أعراض الدنيا ولا شيئا من لذاتها ونعيمها.
روي أن عُيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وعنده جماعة من فقراء أصحابه، فيهم سلمان الفارسي وعليه شملة قد عرق فيها، وبيده خوص يشقّه ثم ينسجه، فقال له :" أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس، وما يمنعنا من إتباعك إلا هؤلاء، فنحهم حتى نتّبعك، أو اجعل لهم مجلسا، ولنا مجلسا "، فنزلت الآية.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر تفسير معهم ".
ونحو الآية قوله :﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ].
ومقال هؤلاء شبيه بمقاله قوم نوح :﴿ أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ﴾ [ الشعراء : ١١١ ].
ثم أمره سبحانه بمراقبة أحوالهم فقال :
﴿ ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ﴾ أي لا تصرف بصرك ونفسك عنهم، رغبة في مجالسة الأغنياء لعلهم يؤمنون.
وخلاصة ذلك : النهي عن احتقارهم، وصرف النظر عنهم إلى غيرهم، لسوء حالهم وقبح بزّتهم، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت الآية :" الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه ".
ثم أكد هذا النهي بقوله :
﴿ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ﴾ أي ولا تطع في تنحية الفقراء عن مجلسك من جعلنا قلبه غافلا عن ذكر الله، لسوء استعداده، وإتباع شهواته، وإسرافه في ذلك غاية الإسراف، وتدسيته نفسه، حتى ران الكفر والفسوق والعصيان على قلبه، وتمادى في اجتراح الآثام والأوزار.
وفي ذلك تنبيه إلى أن الباعث لهم على استدعاء الطرد غفلة قلوبهم عن جناب الله، والعمل على ما يقرب منه، وشغلهم بالأمور الحسية حتى خفي عليهم أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وزخرف الحياة من اللباس والطعام والشرف.
وبعد أن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يلتفت إلى قول أولئك الأغنياء الذين قالوا : إن طردت أولئك الفقراء آمنا بك – أمره أن يقول لهم ولغيرهم على طريق التهديد والوعيد : هذا هو الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وقد أشار إلى ذلك بقوله :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف ودل اشتمال القرآن عليه على أنه وحي من علام الغيوب – أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ثم ذكر ما يلحق الكافرين من النكال والوبال يوم القيامة، وما ينال المتقين من النعيم المقيم كفاء ما عملوا من صالح الأعمال.
المفردات : فرطا : أي تفريطا وتضييعا لما يجب عليه أن يتّبعه من أمر الدين. وأعتدنا : أي أعددنا وهيأنا. والسرادق : لفظ فارسي معرّب يزاد به الفسطاط ( الخيمة ) شبه به ما يحيط بهم من لهب النار المنتشر منها في سائر الجهات. المهل : درديّ الزيت أو ما أذيب من المعادن كالرصاص والنحاس. يشوي الوجوه : أي ينضجها إذا قدّم ليشرب، لشدة حره. ومرتفقا : أي متكأ، يقال بات فلان مرتفقا أي متكأ على مرفق يده.
الإيضاح :﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ أي قل أيها الرسول لأولئك الذين أغفلنا قلوبهم عن الذكر، واتبعوا أهواءهم : هذا الذي أوحى إليّ هو الحق من عند ربكم، وهو الذي يجب عليكم اتباعه والعمل به، فمن شاء أن يؤمن به ويدخل في غمار المؤمنين، ولا يتعلل بما لا يصلح أن يكون معذرة له فليفعل، ومن شاء أن يكفر به، وينبذه وراء ظهره فأمره إلى الله، ولست بطارد لأجل أهوائكم من كان للحق متّبعا، وبالله وبما أنزل عليّ مؤمنا.
وخلاصة ذلك : إنني في غنى عن متابعتكم، وإنني لا أبالي بكم ولا بإيمانكم، وأمر ذلك إليكم، وبيد الله التوفيق والخذلان، والهوى والضال، وهو لا ينتفع بإيمان المؤمنين، ولا يضره كفر الكافرين كما قال :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾ [ الإسراء : ٧ ].
ولما هدد السامعين بأن يختاروا لأنفسكم ما يجدونه غدا عند الله – أتبعه بذكر الوعيد على الكفر والمعاصي، والوعد على الأعمال الصالحة، وبدأ بالأول فقال :
﴿ إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ﴾ أي إنا قد أعددنا لمن ظلم نفسه وأنف من قبول الحق، ولم يؤمن بما جاء به الرسول – نارا يحيط بهم لهيبها المستعر من كل جانب كما يحيط السرادق بمن حلّ فيه، فلا مخلص منه، ولا ملجأ إلى غيره.
﴿ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ﴾ أي وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة وهم في النار، فيطلبوا الماء لشدة ما هم فيه من العطش لحر جهنم كما قال في سورة الأعراف حكاية عنهم :﴿ أفيضوا علينا من الماء مما رزقكم الله ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ] يؤت لهم بماء غليظ كدرديّ الزيت، وإذا قرب إليهم للشرب سقطت جلود وجوههم ونضجت من شدة حره.
روى أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" المهل : كعكر الزيت، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه "، وعن ابن عباس قال ؛ أسود كعكر الزيت.
﴿ بئس الشراب وساءت مرتفقا ﴾ أي ما أقبح هذا الشراب الذي هو كالمهل، فهو لا يطفئ غُلَّة، ولا يسكن حرارة الفؤاد، بل يزيد فيها إلى أقصى غاية، وما أسوأ هذه النار منزلا ومرتفقا، وجاء في الآية الأخرى :﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾ [ الفرقان : ٦٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف ودل اشتمال القرآن عليه على أنه وحي من علام الغيوب – أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ثم ذكر ما يلحق الكافرين من النكال والوبال يوم القيامة، وما ينال المتقين من النعيم المقيم كفاء ما عملوا من صالح الأعمال.
ثم ثنّى بذكر السعداء فقال :
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ﴾ أي إن الذين آمنوا بالحق الذي يوحى إليك، وعملوا ما أمرهم به ربهم، فالله لا يضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال، ولا يظلمهم على ذلك نفيرا ولا قطميرا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف ودل اشتمال القرآن عليه على أنه وحي من علام الغيوب – أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ثم ذكر ما يلحق الكافرين من النكال والوبال يوم القيامة، وما ينال المتقين من النعيم المقيم كفاء ما عملوا من صالح الأعمال.
المفردات : جنات عدن : أي جنات إقامة واستقرار ؛ يقال عدن بالمكان إذا أقام فيه واستقر، ومنه المعدن لاستقرار الجواهر فيه. والأساور : واحدها سوار. والسندس : رقيق الديباج واحده سندسة وهو فارسي معرّب. والاستبرق : ما غلظ منه وهو رومي معرب. والأرائك : واحدها أريكة – سرير عليه حجلة ( ناموسية ).
الإيضاح : ثم بين ما أعد لهم من النعيم بقوله :
( ١ ) ﴿ أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ﴾ أي إنه لهم جنات يقيمون فيها تجري من تحت غرفها الأنهار.
( ٢ ) ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ﴾ أي يلبسون فيها أساور من ذهب تكون حلية لهم، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وظاهر الآية أنها جميعها من ذهب، وجاء في آية أخرى من فضة، وفي أخرى من ذهب ولؤلؤ فيعلم من هذا أنهم يحلون بالأساور الثلاثة، فيكون في يد الواحد منهم سوار من ذهب وآخر من فضة وآخر من لؤلؤ.
( ٣ ) ﴿ ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ﴾ أي ويلبسون رقيق الحرير وغليظه مما نسج من سلوك الذهب، وهذا لباس المترفين في الدنيا، ومنتهى ما يكون لأهل النعيم.
واختير اللون الأخضر، لأنه أرفق بالأبصار، ومن ثم جعله الله لون النبات والأشجار، وجعل لون السماء الزرقة، لأنه نافع لأبصار الحيوان أيضا، وقد قالوا : ثلاثة مذهبة للحزن : الماء والخضرة والوجه الحسن.
( ٤ ) ﴿ متكئين فيها على الأرائك ﴾ أي يتكئون فيها على سرر مزدانة بالستور، وفي هذا دليل على منتهى الراحة والنعيم، كما يكون ذلك في الدنيا.
﴿ نعم الثواب وحسنت مرتفقا ﴾ أي نعمت الجنة لهم جزاء وفاقا على جميل أعمالهم، وحسنت منزلا ومقيلا.
ونحو الآية قوله :﴿ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ٧٥ خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ﴾ [ الفرقان : ٧٥ -٧٦ ].
﴿ * واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ٣٢ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالها نهرا ٣٣ وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ٣٤ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ٣٥ وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ٣٦ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ٣٧ لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ٣٨ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ٣٩ فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ٤٠ أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ٤١ وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ٤٢ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا ٤٣ هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ﴾ [ الكهف : ٣٢ -٤٤ ].
تفسير المفردات : تفسير المفردات : الجنة : البستان : سميت بذلك لاجتنان أرضها واستتارها بظل الشجر، وكل مادة ( ج ن ن ) تفيد الخفاء والاستتار كالجنين والجن والمجنون لاستتار عقله وجن الليل : أي أظلم إلى نحو ذلك. أعناب : أي كروم منوعة. وحففناهما بنخل : أي جعلنا النخل محيطا بهما مطبقا بخفافيهما : أي جانبيهما، يقال حفّه القوم : أي طافوا به، ومنه قوله :﴿ حافين من حول العرش ﴾ [ الزمر : ٧٥ ] وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الإيضاح :﴿ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ﴾ أي واضرب أيها الرسول لهؤلاء المشركين بالله الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي – مثلا هو مثل رجلين جعلنا لأحدهما بساتين من كروم العنب، وأحطناهما بنخل، وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا.
وخلاصة ذلك : إن أرضه جمعت القوت والفواكه، وهي متواصلة متشابكة، فلها منظر ورواء حسن ووضع أنيق يخلب اللب بجماله وبهجته إذا امتلأ منه البصر.
روي أن أخوين من بني إسرائيل ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطراها فاشترى الكافر بنصيبه ضياعا وعقارا، وأنفق المؤمن ما ورثه في وجوه الخير وطاعة الله وآل أمرهما إلى ما قصه الله علينا في كتابه.
وسواء أصحت الرواية أم لم تصح، فإن ضرب المثل لا يتوقف على صحتها.
وقد ضرب الله المثل ليبين حال الفريقين المؤمنين والكافرين، من قبل أن الكفار مع تقلبهم في النعيم قد عصوا ربهم، وأن المؤمنين مع مكابدتهم للشدائد والبأساء قد أطاعوه.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : أكلها : أي ثمرها. ولم تظلم : أي لم تنقص، والنهر لغة في النهر : وهو مجرى الماء العذب.
الإيضاح :﴿ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ﴾ أي كلتا الجنتين أخرجت ثمرها ولم تنقص منه شيئا في سائر الأعوام على خلاف ما يعهد في الكروم والأشجار من أنها تكثر غلتها أعواما وتقل أعواما أخرى.
﴿ وفجرنا خلالهما نهرا ﴾ أي وشققنا وسط الجنتين نهرا كبيرا تتفرع منه عدة جداول، ليدوم سقيهما، ويزيد بهاؤهما وتكثر غلتهما.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : ثمر : أي أنواع من المال يقال ثمر فلان ماله وأثمره : إذا نماه. قال الحارث بن كلدة :
ولقد رأيت معاشرا قد أثمروا مالا وولدا
والصاحب : المصاحب لك. يحاوره : أي يجادله ويراجعه الكلام بالوعظ والدعاء إلى الإيمان بالله والبعث، والمراد من النفر الخدم والحشم والأعوان.
الإيضاح :﴿ وكان له ثمر ﴾ أي وكان لصاحب الجنتين أموال أخرى غيرهما من ذهب وفضة ثمرها بما ادخره من غلات الجنتين ومن تجارات أخرى.
وخلاصة ذلك : إنه سبحانه أنعم عليه بخيرات الدنيا صامتها وناطقها، ثاغيها وراغيها، وكان له مزارع يستخدم فيها أعوانه وخدمه ولا يستعصي عليه شيء من مسرات الدنيا ومباهجها، ولذاتها ونعيمها.
وبعد أن تم له الأمر وقعد على سنام العز والكبرياء، داخله الزّهو والخيلاء.
﴿ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ﴾ أي فقال لصاحبه المؤمن حين حاوره وراجعه الحديث، مذكرا له بالإيمان بالله والبعث والقيامة : أنا أكثر منك مالا كما ترى من جناتي وزروعي المختلفة، وأعز عشيرة ورهطا تقوم بالذبّ عني ودفع خصومتي، وتنفر معي عند الحاجة إلى ذلك.
ثم زاد فخرا على صاحبه المسلم وأراه عيانا ما يتمتع به من المناظر البهيجة في تلك الجنان التي لا تفنى، وذلك ما أخبر عنه سبحانه بقوله :
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : أن تبيد : أي تفني وتهلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ﴾ أي ودخل هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب وأشجار ونخيل، ومعه صاحبه، هاتين الجنتين وطاف به فيهما مفاخرا وقال حين عاين ما فيهما من أشجار وثمار وزروع وأنهار مطردة : ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا ولا تخرب – كما قال ( وهو شاك في المعاد إلى الله والبعث والنشور ) ما أظن أن يوم القيامة آت كما تقولون، وقد كان في كل ذلك ظالما لنفسه، إذ وضع الشيء في غير موضعه، فقد كان أليق به أن يكون شاكرا لتلك النعم، متواضعا لربه، لا أن يكون كافرا به، منكرا لما جاء في الوحي، وأقرته جميع الشرائع.

وخلاصة ذلك : إنه لحقه من وجهين :

( ١ ) ظنه أن تلك الجنة لا تهلك ولا تبيد مدى الحياة.
( ٢ ) ظنه أن يوم القيامة لن تكون.
ثم تمنى أمنية أخرى كان في شك منها فقال :
﴿ ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾ أي ولئن كان معاد ورجعة إلى الله ليكوننّ لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، والذي جرأه على هذا الطمع وعلى تلك اليمين الفاجرة – اعتقاده أن الله إنما حباه بما حباه به في الدنيا لما له من كرامة لديه، ولما فيه من مزايا استحق بها أن ينال ما نال.
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن الكافر :﴿ ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ﴾ [ فصلت : ٥٠ ].
وخلاصة ذلك : إنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة ما هو أفضل منها قال ذلك طمعا وتمنيا على الله، وادعاء للكرامة عنده.

تفسير المفردات : قائمة : أي كائنة متحققة. ومنقلبا : أي مرجعا وعاقبة.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ﴾ أي ودخل هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب وأشجار ونخيل، ومعه صاحبه، هاتين الجنتين وطاف به فيهما مفاخرا وقال حين عاين ما فيهما من أشجار وثمار وزروع وأنهار مطردة : ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا ولا تخرب – كما قال ( وهو شاك في المعاد إلى الله والبعث والنشور ) ما أظن أن يوم القيامة آت كما تقولون، وقد كان في كل ذلك ظالما لنفسه، إذ وضع الشيء في غير موضعه، فقد كان أليق به أن يكون شاكرا لتلك النعم، متواضعا لربه، لا أن يكون كافرا به، منكرا لما جاء في الوحي، وأقرته جميع الشرائع.

وخلاصة ذلك : إنه لحقه من وجهين :

( ١ ) ظنه أن تلك الجنة لا تهلك ولا تبيد مدى الحياة.
( ٢ ) ظنه أن يوم القيامة لن تكون.
ثم تمنى أمنية أخرى كان في شك منها فقال :
﴿ ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾ أي ولئن كان معاد ورجعة إلى الله ليكوننّ لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، والذي جرأه على هذا الطمع وعلى تلك اليمين الفاجرة – اعتقاده أن الله إنما حباه بما حباه به في الدنيا لما له من كرامة لديه، ولما فيه من مزايا استحق بها أن ينال ما نال.
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن الكافر :﴿ ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ﴾ [ فصلت : ٥٠ ].
وخلاصة ذلك : إنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة ما هو أفضل منها قال ذلك طمعا وتمنيا على الله، وادعاء للكرامة عنده.

المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : سواك : أي عدلك وكملك إنسانا.
الإيضاح : ثم ذكر سبحانه جواب المؤمن له فقال :
﴿ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ﴾ أي قال له صاحبه المؤمن واعظا وزاجرا عما هو فيه من الكفر : أكفرت بالذي خلقك من التراب ؟ إذ غذاء والديك من النبات والحيوان، وغذاء النبات من التراب والماء، وغذاء الحيوان من النبات، ثم يصير هذا الغذاء دما يتحول بعضه إلى نطفة يكون منها خلقك بشرا سويا على أتم حال وأحكمه بحسب ما تقتضيه الحكمة، فهذا الذي خلقك على هذه الحال قادر على أن يخلقك مرة أخرى.
والخلاصة : كيف تجحدون ربكم، ودلالة خلقكم على وجوده ظاهرة جلية يعلمها كل أحد من نفسه، فما من أحد إلا يعلم أنه كان معدوما ثم وجد. وليس وجوده من نفسه، فما من أحد إلا يعلم أنه كان معدوما ثم وجد. وليس وجوده من نفسه. ولا مستندا إلى شيء من المخلوقات، لأنها مثله، وقد أشار إلى ذلك بقوله :
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : لكنا هو الله : أصل التركيب لكن أنا هو الله ربي ( دخله نقل وحذف ).
الإيضاح :﴿ لكنا هو الله ربي ﴾ أي لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل أعترف بالوحدانية والربوبية وأقول هو الله ربي.
﴿ ولا أشرك بربي أحدا ﴾ فهو المعبود وحده لا شريك له.
وفي هذا تعريض بأن صاحبه لما عجز الله عن البعث فقد جعله مساويا لخلقه في هذا العجز، وإذا أثبت المساواة فقد أثبت الشريك.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : لولا : حرف يفيد الحث على الشيء والتوبيخ على تركه. ما شاء الله : أي ما شاء الله كائن.
الإيضاح : ثم زاد في عظة صاحبه فقال له :
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴾ أي وهلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها ونظرت إليها – حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك، وقلت : الأمر ما شاء الله، والكائن ما قدره الله، ليكون ذلك منك اعترافا بالعجز، وبأن كل خير بمشيئة الله وفضله، وهلا قلت : لا قوة إلا بالله، إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فإنما هو بمعونة الله وتأييده.
وبعد أن نصح الكافر بالإيمان، وأبان له عظيم قدرة الله وكبير سلطانه – أجابه عن افتخاره بالمال والنفس ورد على قوله : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا فقال :
﴿ إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا * فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا * أو يصبح مآؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ﴾ أي إن ترني أيها الرجل أفقر منك فإني أرجو الله أن يقلب الآية، ويجعل ما بي بك، ويرزقني الغنى، ويرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك، ويسلبك بكفرك نعمته، ويخرب جنتك، بأن يرسل عليها مطرا من السماء يقلع زروعها وأشجارها، أو يجعل ماءها يغور في الأرض، فلن تطيق أن تدركه بعد غوره بطلبك إياه.
وخلاصة ذلك : إن المؤمن رجا هلاك جنة صاحبه الكافر إما بآفة سماوية أو بآفة أرضية وهي غور مائها، وكلتاهما تتلف الشجر والزرع والكرم.

تفسير المفردات : حسبانا من السماء : أي مطرا عظيما يقلع زرعها وأشجارها، والصعيد : وجه الأرض. وزلقا : أي تصير بحيث تزلق عليها الرجل ؛ والمراد أنها تصير ترابا أملس لا تثبت فيه قدم.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴾ أي وهلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها ونظرت إليها – حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك، وقلت : الأمر ما شاء الله، والكائن ما قدره الله، ليكون ذلك منك اعترافا بالعجز، وبأن كل خير بمشيئة الله وفضله، وهلا قلت : لا قوة إلا بالله، إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فإنما هو بمعونة الله وتأييده.
وبعد أن نصح الكافر بالإيمان، وأبان له عظيم قدرة الله وكبير سلطانه – أجابه عن افتخاره بالمال والنفس ورد على قوله : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا فقال :
﴿ إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا * فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا * أو يصبح مآؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ﴾ أي إن ترني أيها الرجل أفقر منك فإني أرجو الله أن يقلب الآية، ويجعل ما بي بك، ويرزقني الغنى، ويرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك، ويسلبك بكفرك نعمته، ويخرب جنتك، بأن يرسل عليها مطرا من السماء يقلع زروعها وأشجارها، أو يجعل ماءها يغور في الأرض، فلن تطيق أن تدركه بعد غوره بطلبك إياه.
وخلاصة ذلك : إن المؤمن رجا هلاك جنة صاحبه الكافر إما بآفة سماوية أو بآفة أرضية وهي غور مائها، وكلتاهما تتلف الشجر والزرع والكرم.

تفسير المفردات : والغور : الغائر في الأرض الغائص فيها. طلبا : أي عملا وحركة لرده.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴾ أي وهلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها ونظرت إليها – حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك، وقلت : الأمر ما شاء الله، والكائن ما قدره الله، ليكون ذلك منك اعترافا بالعجز، وبأن كل خير بمشيئة الله وفضله، وهلا قلت : لا قوة إلا بالله، إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فإنما هو بمعونة الله وتأييده.
وبعد أن نصح الكافر بالإيمان، وأبان له عظيم قدرة الله وكبير سلطانه – أجابه عن افتخاره بالمال والنفس ورد على قوله : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا فقال :
﴿ إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا * فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا * أو يصبح مآؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ﴾ أي إن ترني أيها الرجل أفقر منك فإني أرجو الله أن يقلب الآية، ويجعل ما بي بك، ويرزقني الغنى، ويرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك، ويسلبك بكفرك نعمته، ويخرب جنتك، بأن يرسل عليها مطرا من السماء يقلع زروعها وأشجارها، أو يجعل ماءها يغور في الأرض، فلن تطيق أن تدركه بعد غوره بطلبك إياه.
وخلاصة ذلك : إن المؤمن رجا هلاك جنة صاحبه الكافر إما بآفة سماوية أو بآفة أرضية وهي غور مائها، وكلتاهما تتلف الشجر والزرع والكرم.

المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : وأحيط بثمره : أي أهلكت أمواله، يقال أحاط به العدو : إذا استولى عليه وغلبه، ثم استعمل في كل إهلاك. ويقلب كفيه : هذا أسلوب في اللغة يفيد الندامة والحسرة، فإن من تعظم حسرته يصفق بإحدى يديه على الأخرى متأسفا متلهفا. خاوية : أي ساقطة، يقال خوت الدار وخوت وخويت خيا وخويا : تهدمت وخلت من أهلها. والعروش : واحدها عرش وهي الأعمدة التي توضع عليها الكروم.
الإيضاح : ثم أخبر سبحانه بأنه قد حقق ما قدره هذا المؤمن فقال :
﴿ وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ﴾ أي وأحاطت الجوائح بثمار جنته التي كان يقول فيها : ما أظن أن تبيد هذه أبدا – فأصبح يقلب كفيه ندما وأسفا على ضياع نفقته التي أنفقها في عمارتها حين رآها ساقطة على عروشها، ويتمنى أن لم يكن قد أشرك بربه أحدا.
والخلاصة : إنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا وأعرض عن الدين، ثم ضاعت منه الدنيا حرم الدين والدنيا معا، ومن ثم عظمت حسرته وقال : ليتني لم أشرك بربي أحدا.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : منتصرا : أي ممتنعا بقوة عن انتقام الله.
الإيضاح :﴿ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا ﴾ أي ولم تكن له عشيرة ممن افتخر بهم واستعز ينصرونه ويقدرون على دفع الجوائح عنه أو رد المهلك له، من دون الله، فإن الله هو الذي يقدر وحده على نصره، وما كان منتصرا بقوته عن انتقام الله منه بإهلاك جنته.
وخلاصته : إنه لا يقدر على نصره إلا الله، ولا ينصره غيره من عشيرة وولد، وخدم وحشم وأعوان، كما لا يقدر أن ينتصر لنفسه.
المعنى الجملي : بعد أن أمر الله نبيه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك، وأن يعين لهم مجلسا وللسادة ومواليهم حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم – قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون أساس فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغني فقيرا، وإنما يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته ؛ والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تفسير المفردات : عقبا : أي عاقبة.
الإيضاح : ثم أكد الجملة السالفة وقرر المراد منها بقوله :
﴿ هنالك الولاية لله الحق ﴾ أي في مثل هذه الشدائد والمحن – النصرة لله وحده لا يقدر عليها غيره.
﴿ هو خير ثوابا وخير عقبا ﴾ أي هو خير جزاء وخير عاقبة لأوليائه، فينتقم لهم منهم، ويفوض أمرهم إليهم.
وبعد أن ضرب المثل لدنيا هؤلاء الكافرين التي أبطرتهم، وكانت سبب شقائهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا – ضرب مثلا لدار الدنيا عامة في سرعة فنائها وعدم دوام نعيمها فقال :
﴿ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ٤٥ المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخيرا أملا ﴾ [ الكهف : ٤٥ -٤٦ ].
تفسير المفردات : المثل : الصفة. وهشيما : أي يابسا متفتتا. تذروه : أي تنثره وتفرقه. ومقتدرا : أي كامل القدرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:المعنى الجملي : أخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال :" التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هن الباقيات الصالحات، وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها، وهن من كنوز الجنة ".
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا :" خذوا جنتكم "، قيل : يا رسول الله من أي عدو قد حضر، قال :" بل جُنّتكم من النار قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات ".


الإيضاح :﴿ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح ﴾ شبّهت الدنيا في نضرتها ثم صيرورتها إلى الزوال بحال نبات اخضرّ والتف وأزهر، ثم صار هشيما متفتتا تنثره الرياح ذات اليمين وذات الشمال ومن ثم لا يغترّن أهلها بها، ولا يفخرنّ ذو الأموال الكثيرة بأمواله، ولا يستكبرن بها على غيره، فإنما هي ظل زائل، وفي الحديث :" الدنيا كسوق قام ثم انفضّ ".
﴿ وكان الله على كل شيء مقتدرا ﴾ أي وكان الله ذو الكمال والجلال قادرا على كل شيء إنشاء وإفناء وإعادة، فهو يوجد الأشياء ثم ينميها ثم يفنيها، وما حال الدنيا إلا هذه الحال، فهي تظهر أولا ناضرة زاهرة ثم تتزايد قليلا قليلا، ثم تأخذ في الإنحطاط إلى أن تصير إلى الهلاك والفناء، فلا ينبغي للعاقل أن يبتهج بما يحوزه منها أو يفخر به أو يصعّر خده استكبارا.
وبعد أن ضرب المثل لدنيا هؤلاء الكافرين التي أبطرتهم، وكانت سبب شقائهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا – ضرب مثلا لدار الدنيا عامة في سرعة فنائها وعدم دوام نعيمها فقال :
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:المعنى الجملي : أخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال :" التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هن الباقيات الصالحات، وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها، وهن من كنوز الجنة ".
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا :" خذوا جنتكم "، قيل : يا رسول الله من أي عدو قد حضر، قال :" بل جُنّتكم من النار قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات ".


تفسير المفردات : والباقيات الصالحات : هي الأعمال الصالحة كلها. وثوابا : أي جزاء.
ثم بين سبحانه ما كانوا يفتخرون به من محسّنات الدنيا إثر بيان حالها بما مرّ من المثل فقال :
﴿ المال والبنون زينة الحياة الدنيا ﴾ أي إن الأموال والبنين التي يفخر بها عيينة والأقرع وأضرابهم هي من زينة هذه الحياة، وليسا من زاد الآخرة، وقد علمت أن الدنيا سريعة الفناء، فلا ينبغي التفاخر بها.
وقدم المال على البنين مع كونهم أعز منه لدى جميع الناس – من قبل أن الزينة به أتم، ولأنه يمد الآباء والأبناء في كل حين، ولأنه زينة بدونهم، دون العكس، فإن من له بنون ولا مال له فهو في بؤس وشقاء.
روي عن علي كرم الله وجهه : المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد جمعهما الله لأقوام.
ثم بين ما ينبغي التفاخر به فقال :
﴿ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ﴾ أي وأعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان وهي أفعال الطاعات كالصلوات والصدقات والجهاد في سبيل الله ومساعدة البائسين وذوي الحاجات – خير عند ربك من المال والبنين جزاء، وخير أملا، إذ ينال بها صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله في الدنيا.
﴿ ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ٤٧ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ٤٨ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ﴾ [ الكهف : ٤٧ -٤٩ ].
تفسير المفردات : بارزة : أي ظاهرة إذ لم يبق على وجهها شيء من العمائر ولا من الجبال والأشجار، وحشرناهم : أي سقناهم إلى الموقف من كل صوب. فلم نغادر : أي لم نترك يقال غادره وأغدره إذا تركه. ومنه الغدر وهو ترك الوفاء.
المعنى الجملي : بعد أن أبان سبحانه أن الدنيا ظل زائل، وأنه لا ينبغي أن يغتر أحد بزخرفها ونعيمها، بل يجب أن يكون موضع التفاخر العمل الصالح الذي فيه رضا الله وانتظار مثوبته في جنات تجري من تحتها الأنهار – أردف ذلك ذكر أحوال يوم القيامة وما يكون فيها من أخطار وأهوال، وأنه لا ينجي منها إلا اتباع ما أمر به الدين وترك ما نهى عنه مما جاء على لسان الأنبياء والمرسلين، لا الأموال التي يفتخر بها المشركون على المؤمنين.
الإيضاح : ذكر سبحانه من أحوال يوم القيامة أمورا :
( ١ ) ﴿ ويوم نسير الجبال ﴾ أي واذكر أيها الرسول يوم نقلع الجبال من أماكنها ونسيّرها في الجو كالسحاب ونجعلها هباء منثورا كما قال :﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ١٠٥ فيذرها قاعا صفصفا ١٠٦ لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾ [ طه : ١٠٥ -١٠٧ ] أي تذهب الجبال، وتتساوى المهاد، وتبقى الأرض سطحا مستويا لا عوج فيه ولا وادي ولا جبل، وقال :﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾ [ النمل : ٨٨ ] وقال :﴿ وبست الجبال بسا ٥ فكانت هباء منبثا ﴾ [ الواقعة : ٥ -٦ ].
( ٢ ) ﴿ وترى الأرض بارزة ﴾ أي وترى أيها الرائي جميع جوانب الأرض بادية ظاهرة، إذ لم يبق على وجهها شيء من العمائر ولا شيء من الجبال ولا شيء من الأشجار فليس عليها ما يسترها، فيكون جميع الخلق ضاحين لربهم، لا تخفى عليه خافية من أرمهم وهذا هو المراد من قوله : لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
( ٣ ) ﴿ وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ﴾ أي وجعلنا الأولين والآخرين للحساب بعد أن أقمناهم من قبورهم، فلم نترك منهم أحدا لا صغيرا ولا كبيرا كما قال :﴿ قل إن الأولين والآخرين ٤٩ لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ﴾ [ الواقعة : ٤٩ -٥٠ ] وقال :﴿ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ﴾ [ هود : ١٠٣ ] وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يحشر الناس حفاة عراة غرلا – الغرلة القلفة- " فقلت : الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال :" الأمر أشد من أن يهمّهم ذلك " زاد النسائي في رواية :" لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ".
تفسير المفردات : وعرضوا : أي أحضروا لفصل القضاء. صفا : أي مصطفين. موعدا : أي وقتا ننجز فيه ما وعدنا من البعث وما يتبعه.
المعنى الجملي : بعد أن أبان سبحانه أن الدنيا ظل زائل، وأنه لا ينبغي أن يغتر أحد بزخرفها ونعيمها، بل يجب أن يكون موضع التفاخر العمل الصالح الذي فيه رضا الله وانتظار مثوبته في جنات تجري من تحتها الأنهار – أردف ذلك ذكر أحوال يوم القيامة وما يكون فيها من أخطار وأهوال، وأنه لا ينجي منها إلا اتباع ما أمر به الدين وترك ما نهى عنه مما جاء على لسان الأنبياء والمرسلين، لا الأموال التي يفتخر بها المشركون على المؤمنين.
الإيضاح : ولما ذكر سبحانه حشر الخلق بين كيفية عرضهم على ربهم فقال :
( ٤ ) ﴿ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ﴾ أي يعرض الخلق كلهم على الله صفا واحدا كما قال :﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾ [ الفجر : ٢٢ ] ويقال على طريق التوبيخ والتقريع : لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة فرادى حفاة عراة لا شيء معكم من المال والولد.
ونحو الآية قوله :﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ].
وفي هذا زجر لأولئك المشركين المنكرين للبعث الذين يفخرون في الدنيا على الفقراء من المؤمنين بالأموال والأنصار.
أخرج ابن المنذر عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله تعالى ينادي يوم القيامة : يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين، أحضروا حجتكم. ويسروا جوابكم، فإنكم مسؤولون محاسبون، يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامكم للحساب ".
وفي الحديث الصحيح :" يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر " والحديث له بقية.
﴿ بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ﴾ أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ولا هو كائن، وكنتم مع الافتخار على المؤمنين بالأموال تنكرونه، فالآن قد استبان لكم أنه حق، وأنه لا مال ولا ولد بين أيديكم.
تفسير المفردات : ووضع الكتاب : أي جعل كتاب كل عامل في يد صاحبه حين الحساب. مشفقين : أي خائفين. والويل : الهلاك. ويا ويلتنا : أي يا هلاك أقبل فهذا أوانك. أحصاها : أي عدّها. حاضرا : أي مسطورا في كتاب كل منهم. ولا يظلم ربك : أي لا يتجاوز ما حدّه من الثواب والعقاب.
المعنى الجملي : بعد أن أبان سبحانه أن الدنيا ظل زائل، وأنه لا ينبغي أن يغتر أحد بزخرفها ونعيمها، بل يجب أن يكون موضع التفاخر العمل الصالح الذي فيه رضا الله وانتظار مثوبته في جنات تجري من تحتها الأنهار – أردف ذلك ذكر أحوال يوم القيامة وما يكون فيها من أخطار وأهوال، وأنه لا ينجي منها إلا اتباع ما أمر به الدين وترك ما نهى عنه مما جاء على لسان الأنبياء والمرسلين، لا الأموال التي يفتخر بها المشركون على المؤمنين.
الإيضاح :( ٥ ) ﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ﴾ أي ووضع كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير في يد صاحب اليمين والشمال، فترى المجرمين جميعا نادمين على ما فيه من قبائح أعمالهم وسيء أفعالهم وأقوالهم، وظهور ذلك لأهل الموقف، خائفين من عقاب الحق، والفضيحة عند الخلق.
﴿ ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴾ أي ويقولون حين وقوفهم على ما في تضاعيفه : يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله، ما لهذا الكتاب لا يترك هنة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعدّها، فهو محيط بجميع ما كسبته يد الإنسان.
ونحو الآية قوله :﴿ وإن عليكم لحافظين ١٠ كراما كاتبين ١١ يعلمون ما تفعلون ﴾ [ الانفطار : ١٠ -١٢ ] وقوله :﴿ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ] وما مثل النفس إلا مثل الزجاجة التي يضعها المصور في صندوق آلة التصوير، فكل صورة تقع عليها تلتقطها وتحفظها من ضار ونافع، فإذا كشف الغطاء أبصرنا كل ما عملنا ورأينا صوره كما هي من حسن وسيء، وفضيلة ورذيلة، فتفعل في عقولنا فعلها دون كلام ولا كتابة، وكل امرئ يراها يقرؤها والناس فيها سواء.
ثم أكد ما سلف بقوله :
﴿ ووجدوا ما عملوا حاضرا ﴾ مثبتا في كتابهم، خيرا كان أو شرا كما قال :﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ] الآية. وقال :﴿ ينبأ الإنسان بما قدم وأخر ﴾ [ القيامة : ١٣ ].
﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾ من خلقه، بل يعفو ويصفح، ويغفر ويرحم، ويعذب من يشاء بحكمته وعدله، فإنه سبحانه وعد بإثابة المطيع، وتعذيب العاصي، بمقدار جرمه من غير زيادة، وإنه قد يغفر له ما سوى الكفر، ومن ثم لا يعذب أحدا بما لم يعمله ولا ينقص ثواب ما عمله مما أمر به وارتضاه، ولا يزيد في عقابه الملائم لعمله الذي نهى عنه ولم يرتضه.
ونحو الآية قوله :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ﴾ [ النساء : ٤٠ ] وقوله :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ].
وخلاصة ذلك : إن الجزاء نتيجة العمل، والعمل مرسوم في قوالب حافظة له، فليس يمكن رفعه ولا دفعه، ولا يكون الجزاء عليه ظلما، كما لا تعد التخمة بعد الأكل الكثير ظلما، ولا المرض بعد الشرب من الماء الآسن المملوء بالجراثيم والأدران ظلما، وإنما تلك مسببات لأسباب كل عاقل يعلم أنها نتيجة حتمية لها.
﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ٥٠ * ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ٥١ ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ٥٢ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ﴾ [ الكهف : ٥٠ -٥٣ ].
تفسير المفردات : فسق : خرج ؛ يقال فسق الرطب إذا خرج عن قشره. أفتتخذونه : الهمزة في مثل هذا تفيد الإنكار والتعجب ممن يفعل مثل ذلك. والذرية : الأولاد وبذلك قال جمع من العلماء، منهم الضحاك والأعمش والشعبي، وقيل المراد بهم الأتباع من الشياطين، والعدو يطلق على الواحد والكثير كما قال :﴿ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ﴾ [ الشعراء : ٧٧ ] وقال :﴿ هم العدو فاحذرهم ﴾ [ المنافقون : ٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه رده على أولئك المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بأموالهم وأعوانهم وقالوا : كيف نجلس مع هؤلاء ونحن من أنساب شريفة وهم من أنساب وضيعة، ونحن أغنياء وهم فقراء ؟ - قفى على ذلك بذكر عصيان إبليس لأمره تعالى بالسجود لآدم، لأن الذي حداه إلى ذلك هو كبره وافتخاره عليه بأصله ونسبه إذ قال :﴿ خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ [ ص : ٧٦ ] فأنا أشرف منه أصلا ونسبا فكيف أسجد له ؟ تنبيها إلى أن هذه الطريقة السالفة هي بعينها طريقة إبليس، ثم حذر سبحانه منها في قوله :﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ﴾ [ الكهف : ٥٠ ].
وقد تكرر ذكر هذه القصة في مواضع من الكتاب الكريم، وهي في كل موضع سيقت لفائدة غير ما جاءت له في المواضع الأخرى، على اختلاف أساليبها وعباراتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
الإيضاح :﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ﴾ تقدم أن قلنا في سورة البقرة : إن الملائكة عالم من العوالم الغيبية لا نعرف حقيقتهم، والقرآن الكريم يرشد إلى أنهم أصناف، لكل صنف عمل، وقد جاء على لسان الشرع إسناد إلهام الحق والخير إليهم، كما يستفاد من خطابهم لمريم عليها السلام، وإسناد الوسوسة إلى الشياطين كما ورد الحديث :" إن للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، وليحمد الله على ذلك، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان " ثم قرأ :﴿ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴾ [ البقرة : ٢٦٨ ].
الملائكة والشياطين أرواح لها اتصال بأرواح الناس على وجه لا نعرف حقيقته، بل نؤمن به كما ورد، ولا نزيد عليه شيئا. وكلنا نشعر بأنا إذا هممنا بأمر فيه للحق أو الخير، ووجه للباطل أو الشر – بأن في نفوسنا تنازعا وكأن هاجسا يقول افعل، وآخر يقول : لا تفعل، حتى ينتصر أحد الطرفين على الآخر، فهذا الذي أودع في النفوس ونسميه قوة وفكرا – لا يبعد أن نسميه ملكا إن كان يميل إلى الخير، وشيطانا إن كان يميل إلى الشر.
والسجود : الخضوع والانقياد، وكان تحية للملوك عند بعض القدماء كما جاء من سجود يعقوب وأولاده ليوسف، والسجود قسمان : سجود العقلاء تعبدا على الوجه المخصوص، وسجود سائر المخلوقات لمقتضى إرادته تعالى كما قال :﴿ والنجم والشجر يسجدان ﴾ [ الرحمان : ٦ ].
والمعنى : واذكر أيها الرسول لقومك وقت قولنا للملائكة : اسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام اعترافا بفضله، واعتذارا عما قالوه في شأنه من نحو قولهم :﴿ أتجعل من يفسد فيها ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] فسجدوا كلهم أجمعون امتثالا إلا إبليس أبى واستكبر.
ثم بين السبب في عصيانه ومخالفته للأمر فقال :
﴿ كان من الجن ﴾ أي إن الذي منعه من السجود أنه كان جنيّا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة، مغمورا بينهم، متصفا بصفاتهم، بدليل أنه قال :﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] ولأنه تعالى أثبت له في هذه الآية ذرية ونسلا والملائكة لا ينسلون، ولأن الملائكة لا يستكبرون وهو قد استكبر.
ويرى قوم أنه كان من الملائكة بدليل أن خطاب السجود كان معهم، ولأن وصف الملائكة بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، دليل على أنه يتصور منهم العصيان، ولولا ذلك ما مدحوا به، لكن طاعتهم طبع، وعصيانهم تكلف، وطاعة البشر تكلف، ومتابعة الهوى منهم طبع، ولأنه تعالى ذكر من هاروت وماروت ما ذكر، وهما ملكان.
على أنه لا دليل على أن هناك فروقا جوهرية بين الملائكة والجن، بها يمتاز أحدهما من الآخر.
بل هي فروق في الصفات فحسب، والجميع من عالم الغيب لا نعلم حقيقتهم ولا نضيف إليها شيئا إلا إذا ورد به نص عن المعصوم.
﴿ ففسق عن أمر ربه ﴾ أي فصار فاسقا كافرا بسبب أمر الله للملائكة المعدودة هو في عدادهم، إذ لولا الأمر ما تحقق إباء.
وفي الآية إيماء إلى أن فسقه قد نتج عن كونه من الجن، إذ أن من شأنهم التمرد والعصيان لكدورة مادتهم، وخباثة ذاتهم ﴿ والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ﴾ [ الأعراف : ٥٨ ] وإن كان منهم من أطاع وآمن.
ثم حذر سبحانه من اتباعه بعد أن استبان من حاله ما استبان فقال :
﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ﴾ أي وبعد العلم بما صدر منه من القبائح لا ينبغي لكم أن تتخذوه وأولاده وأعوانه أولياء لكم من دوني تطيعونهم بدل طاعتي وهم لكم أعداء.
وجملة المعنى : كيف تصنعون هذا الصنيع وتستبدلون بمن خلقكم وأنعم عليكم بجميع ما أنتم فيه من النعم، من لم يكن لكم منه منفعة قط بل هو عدو لكم يترقب حصول ما يضركم في كل حين.
﴿ بئس للظالمين بدلا ﴾ أي بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دونه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم، المتفضل عليهم بما لا يحصى من الفواضل.
تفسير المفردات : والعضد : أصله ما بين المرفق إلى الكتف، ويستعمل بمعنى المعين كاليد ونحوها وهو المراد هنا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه رده على أولئك المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بأموالهم وأعوانهم وقالوا : كيف نجلس مع هؤلاء ونحن من أنساب شريفة وهم من أنساب وضيعة، ونحن أغنياء وهم فقراء ؟ - قفى على ذلك بذكر عصيان إبليس لأمره تعالى بالسجود لآدم، لأن الذي حداه إلى ذلك هو كبره وافتخاره عليه بأصله ونسبه إذ قال :﴿ خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ [ ص : ٧٦ ] فأنا أشرف منه أصلا ونسبا فكيف أسجد له ؟ تنبيها إلى أن هذه الطريقة السالفة هي بعينها طريقة إبليس، ثم حذر سبحانه منها في قوله :﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ﴾ [ الكهف : ٥٠ ].
وقد تكرر ذكر هذه القصة في مواضع من الكتاب الكريم، وهي في كل موضع سيقت لفائدة غير ما جاءت له في المواضع الأخرى، على اختلاف أساليبها وعباراتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
الإيضاح : ثم بين السبب في عدم استحقاق إبليس وذريته هذه الولاية في أنفسهم بعد بيان خباثة أصلهم فقال :
﴿ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ﴾ أي ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض، ولا أشهدت بعضهم خلق بعض، فكيف تطيعونهم وتعبدون الأصنام من دوني وهم عبيد أمثالكم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ؟
وقصارى ذلك : ما اطلعتم على أسرار التكوين، وما خصصتهم بخصائص لا تكون لسواهم، حتى يقتدي الناس بهم، فأنا المستقل بخلق الأشياء كلها ومدبرها ليس لي في ذلك شريك ولا وزير.
﴿ وما كنت متخذ المضلين عضدا ﴾ أي وما كنت متخذ من لا يهدون إلى الحق أعوانا وأنصارا، لأنهم يضلون فمتبعهم يجور عن قصد السبيل، ولا يصل إلى هدى، فكيف اتبعوهم وعبدوا الأصنام على مقتضى وسوستهم ؟
تفسير المفردات : فدعوهم : أي فاستغاثوا بهم. فلم يستجيبوا لهم : أي فلم يغيثوهم. والموبق : مكان الوبوق : أي الهلاك وهو النار ؛ يقال وبق وبوقا كوثب وثوبا : إذا هلك.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه رده على أولئك المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بأموالهم وأعوانهم وقالوا : كيف نجلس مع هؤلاء ونحن من أنساب شريفة وهم من أنساب وضيعة، ونحن أغنياء وهم فقراء ؟ - قفى على ذلك بذكر عصيان إبليس لأمره تعالى بالسجود لآدم، لأن الذي حداه إلى ذلك هو كبره وافتخاره عليه بأصله ونسبه إذ قال :﴿ خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ [ ص : ٧٦ ] فأنا أشرف منه أصلا ونسبا فكيف أسجد له ؟ تنبيها إلى أن هذه الطريقة السالفة هي بعينها طريقة إبليس، ثم حذر سبحانه منها في قوله :﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ﴾ [ الكهف : ٥٠ ].
وقد تكرر ذكر هذه القصة في مواضع من الكتاب الكريم، وهي في كل موضع سيقت لفائدة غير ما جاءت له في المواضع الأخرى، على اختلاف أساليبها وعباراتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
الإيضاح : ثم أخبر سبحانه عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعا لهم وتوبيخا فقال :
﴿ ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ﴾ أي واذكر أيها الرسول يوم الجمع حين يقول الله تعالى للكافرين على سبيل التأنيب والزجر : نادوا للشفاعة لكم من زعمتم في الدنيا أنهم شركائي، لينقذوكم مما أنتم فيه، والمراد بهم كل ما عبد من دون الله، فدعوهم ليستغيثوا بهم، ويشفعوا لهم، فلم يغيثوهم.
ونحو الآية قوله :﴿ وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ] وقوله :﴿ ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له ﴾ [ الأحقاف : ٥ ] وقوله :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ٨١ كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ﴾ [ مريم : ٨١ -٨٢ ].
﴿ وجعلنا بينهم موبقا ﴾ أي وجعلنا بين المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا – موضعا للهلاك وهو النار حسما لأطماعكم أن يصل إليهم من دعوه للشفاعة.
تفسير المفردات : مواقعوها : أي داخلوها وواقعون فيها. ومصرفا : أي مكانا ينصرفون إليه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه رده على أولئك المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بأموالهم وأعوانهم وقالوا : كيف نجلس مع هؤلاء ونحن من أنساب شريفة وهم من أنساب وضيعة، ونحن أغنياء وهم فقراء ؟ - قفى على ذلك بذكر عصيان إبليس لأمره تعالى بالسجود لآدم، لأن الذي حداه إلى ذلك هو كبره وافتخاره عليه بأصله ونسبه إذ قال :﴿ خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ [ ص : ٧٦ ] فأنا أشرف منه أصلا ونسبا فكيف أسجد له ؟ تنبيها إلى أن هذه الطريقة السالفة هي بعينها طريقة إبليس، ثم حذر سبحانه منها في قوله :﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ﴾ [ الكهف : ٥٠ ].
وقد تكرر ذكر هذه القصة في مواضع من الكتاب الكريم، وهي في كل موضع سيقت لفائدة غير ما جاءت له في المواضع الأخرى، على اختلاف أساليبها وعباراتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
﴿ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ﴾ أي وعاين المشركون النار يومئذ فعلموا أنهم داخلوها ولم يجدوا بدّا من الوقوع فيها، لأن الله قد حتم عليهم ذلك، فلا معدل لهم عنها، ولا مكان لهم ينصرفون إليه ويزايلونها، إذ قد أحاطت بهم من كل جانب.
﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ٥٤ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ٥٥ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ٥٦ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعوهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ٥٧ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ٥٨ وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ﴾ [ الكهف : ٥٤ -٥٩ ].
تفسير المفردات : صرفنا : أي رددنا وكررنا. والمثل : الصفة الغريبة. والجدل : المنازعة بالقول ؛ ويراد به هنا المماراة والخصومة بالباطل. /م*
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، وبرهانات لا تردّ – قفى على ذلك ببيان أن في القرآن من الأمثال ما فيه مقنع لمن تذكر وتدبر وألقى السمع وهو شهيد، لكنها القلوب قد تحجرت، والأفئدة قد قست، فلا تنفع فيها الذكرى، ولا تستجيب لوعظ الواعظ، ونصيحة المذكر، ولو آخذهم ربهم بما كسبوا لأرسل عليهم العذاب معجّلا، ولم يبق منهم على ظهر الأرض أحدا، ولكنه الغفور ذو الرحمة، فجعل لهلاكهم موعدا، لعلهم يثوبون إلى رشدهم، ويرعوون عن غيهم.
أخرج الشيخان وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال :" ألا تصلّيان " فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إليّ شيئا، ثم سمعه وهو مولّ يضرب فخذه ويقول :﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ﴾.
الإيضاح :﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل ﴾ أي ولقد وضحنا للناس كل ما هم في حاجة إليه من أمور دينهم ودنياهم، ليتذكروا فينيبوا ويعتبروا ويزدجروا عما هم عليه مقيمون من الشرك بالله وعبادة الأوثان، لكنهم لم يقبلوا ذلك، ولم يرعووا عن غيهم وعنادهم، واستكبارهم وعتوهم.
ثم بين سبب هذا العتو وتلك المماراة فقال :
﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ﴾ أي وكان الإنسان بمقتضى جبلته أكثر شيء مراء وخصومة، لا ينيب إلى حق، ولا يزدجر لموعظة، والمراد بذلك خصومة الأمم لأنبيائهم وردهم عليهم ما جاؤوا به، كما حكى الله عنهم من قولهم :﴿ ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ﴾ [ المؤمنون : ٣٣ ] وقولهم :﴿ يريد أن يتفضل عليكم ﴾ [ المؤمنون : ٢٤ ] وشديد تعنتهم كما حكى عنهم بنحو قولهم :﴿ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ١٤ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ﴾ [ الحجر : ١٤ -١٥ ].
وخلاصة ذلك : إن جدل الإنسان أكثر من جدل كل مجادل، لما أوتيه من سعة الحيلة وقوة المعارضة، واختلاف النزعات والأهواء، وقوة العزيمة إلى غير حد ؛ فلو اتجه إلى سبل الخير، وتاقت نفسه إلى سلوك طريقه، ارتقى إلى حظيرة الملائكة، ولو نزعت نفسه إلى إتباع وساوس الشيطان، انحط إلى الدرك الأسفل ولحق بأنواع الحيوان، يفعل ما يشاء، غير مقيد بوازع من الدين، ولا زمام من العقل وصادق العزيمة ولما بين سبحانه وتعالى إعراضهم ذكر علة ذلك فقال :
تفسير المفردات : سنة الأولين : الإهلاك بعذاب الاستئصال. والقبل :( بضمتين ) الأنواع والألوان واحدها قبيل.
وبعد أن ضرب المثل لدنيا هؤلاء الكافرين التي أبطرتهم، وكانت سبب شقائهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا – ضرب مثلا لدار الدنيا عامة في سرعة فنائها وعدم دوام نعيمها فقال :
﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ﴾ أي وما منع هؤلاء المشركين من أن يؤمنوا بالله، حين جاءتهم البينات الواضحة، والدلالات الظاهرة، وعلموا صحة ما تدعوهم إليه، وأن يستغفروا ربهم بالتوبة عما فرط منهم من الذنوب إلا تعنتهم وعنادهم الذي جعلهم يطلبون أحد أمرين :
( ١ ) إما عذاب الاستئصال بنحو قولهم :﴿ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ].
( ٢ ) وإما أن تأتيهم بأنواع من العذاب والبلاء يتلو بعضها بعضا حين وجودهم في الدنيا كقولهم :﴿ يا أيها الذي أنزل عليه الذكر إنك لمجنون ٦ لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ﴾ [ الحجر : ٦ -٧ ] وقولهم :﴿ ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ﴾ [ العنكبوت : ٢٩ ]. ولما كان مجيء ذلك بيد الله، وأمره مفوض إليه، لا إلى الرسول نبه إلى ذلك بقوله :
تفسير المفردات : ليدحضوا به الحق : أي ليبطلوه ويزيلوه من قولهم دحضت رجله أي زلقت ودحضت حجته بطلت. وما أنذروا : أي ما خوفوه من أنواع العقاب، ونسي ما قدمت يداه، أي لم يتدبر عواقبه.
سورة الكهف
آيها عشر ومائة
هي مكية كلها في المشهور واختاره جمع من العلماء، ومناسبتها ما قبلها من وجوه :
( ١ ) إن سورة الإسراء افتتحت بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنتان في سائر الكلام في نحو :﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ [ الحجر : ٩٨ ] ونحو : سبحان الله وبحمده.
( ٢ ) تشابه ختام السالفة وافتتاح هذه، فإن كلا منهما حمد.
( ٣ ) إنه ذكر في السابقة قوله :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] والخطاب فيها لليهود، وذكر هنا قصة موسى نبيّ بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام وهي تدل على كثرة معلومات الله التي لا تحصى، فكانت كالدليل على ما تقدم.
( ٤ ) إنه جاء في السورة السابقة :﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ [ الإسراء : ١٠٤ ] ثم فصل ذلك هنا بقوله :﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾ إلى قوله :﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾ [ الكهف : ٩٨ -١٠٠ ].
﴿ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ﴾ أي وما نرسل رسلنا إلا ليبشروا أهل الإيمان والتصديق بالله ورسله بجزيل ثوابه في الآخرة، وينذروا أهل الكفر به وتكذيب رسله بعظيم عقابه وأليم عذابه، ولم نرسلهم ليقترح عليهم الظالمون من أممهم الآيات بعد ظهور المعجزات، ويطلبوا منهم ما لا قبل لهم به.
ثم ذكر أن من شأن المشركين كثرة الجدل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال :
﴿ ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ﴾ أي ويجادل أولئك المشركون بالباطل كقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن فتية ذهبوا أول الدهر، ما شأنهم ؟ وعن الرجل الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح، وما أشبه ذلك مما يقصد منه التعنت وإزالة الحق الذي جاء به الرسل عليهم، لا كشف حقيقة تفيد في دين أو دنيا.
وخلاصة ذلك : إن الرسل ما أرسلوا للجدل والشغب بالباطل، بل بعثوا للبشارة والإنذار، وأنتم تجادلون بالباطل لتدحضوا الحق الذي جاءكم به رسولي.
﴿ واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ﴾ أي واتخذوا الحجج التي احتج بها عليهم، وكتابه الذي أنزل إليهم، والنذر التي أنذرهم بها العقاب والعذاب – استهزاء وسخرية كقولهم :﴿ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ﴾ [ الفرقان : ٥ ] وقولهم :﴿ لو نشاء لقلنا مثل هذا ﴾ [ الأنفال : ٣١ ].
تفسير المفردات : أكنة : أي أغطية واحدها كنان. أن يفقهوه : أي أن يفهموه. وقرا : أي ثقلا في السمع.
سورة الكهف
آيها عشر ومائة
هي مكية كلها في المشهور واختاره جمع من العلماء، ومناسبتها ما قبلها من وجوه :
( ١ ) إن سورة الإسراء افتتحت بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنتان في سائر الكلام في نحو :﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ [ الحجر : ٩٨ ] ونحو : سبحان الله وبحمده.
( ٢ ) تشابه ختام السالفة وافتتاح هذه، فإن كلا منهما حمد.
( ٣ ) إنه ذكر في السابقة قوله :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] والخطاب فيها لليهود، وذكر هنا قصة موسى نبيّ بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام وهي تدل على كثرة معلومات الله التي لا تحصى، فكانت كالدليل على ما تقدم.
( ٤ ) إنه جاء في السورة السابقة :﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ [ الإسراء : ١٠٤ ] ثم فصل ذلك هنا بقوله :﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾ إلى قوله :﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾ [ الكهف : ٩٨ -١٠٠ ].
ولما حكى عنهم خبيث أحوالهم وصفهم بما يوجب الخزي والنكال فقال :
﴿ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ﴾ أي لا أحد أظلم ممن وعظ بآيات الله، ودل بها على سبيل الرشاد، وهدي بها إلى طريق النجاة، فأعرض عنها ولم يتدبرها ولم يتعظ بها، ونسي ما عمله من الكفر والمعاصي أي لم يتفكر في عواقبه، ومن ثم لم يتب منها ولم ينب إلى ربه.
ثم علل ذلك الإعراض والنسيان بقوله :
﴿ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ﴾ أي إن ذلك الإعراض منهم بسبب أن جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا ما ذكروا به، وجعلنا في آذانهم ثقلا لئلا يسمعوه، والمراد أنه لا يدع شيئا من الخير يصل إليها، فهي لا تعي شيئا من الآيات إذا تليت عليها.
ذاك أنهم فقدوا الاستعداد لقبول الرشاد، بما دنسوا به أنفسهم من قبيح الأفعال والأقوال، وبما اجترحوا من الكفر والفسوق والعصيان، فأصبح بينهم وبين سماع الحق حجاب غليظ، فلا ينفذ إلى السمع شيء مما يسمع سماع تدبر واتعاظ، ولا إلى القلب شيء مما يقال فيعيه وينتفع به كما قال :﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ [ المطففين : ١٤ ] وقال :﴿ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ﴾ [ البقرة : ٧ ].
وقد تكرر هذا المعنى في غير موضع من الكتاب الكريم :﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر ﴾ [ القمر : ١٧ ].
ثم ذكر سبحانه أثر هذا الختم على القلوب فقال :
﴿ وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ﴾ أي ومهما كررت أيها الرسول من الدعوة إلى الحق، حرصا منك على نجاتهم وخشية نزول البلاء بهم، فلن يستجيبوا لك، ولن يهتدوا بهديك، لأن الله قد كتب عليهم الضلال، بسوء أعمالهم وقبح طواياهم، فأنّى يفيد النصح، وتجدي العظة، ويرقّ القلب ؟
وخلاصة المعنى : كأنه صلى لله عليه وسلم حرصا منه على هداهم قال : ما لي لا أدعوهم رجاء أن تنكشف تلك الأكنة، وتمزّق بيد الدعوة، فقيل له : وأنى لك ذلك ؟ فإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا أبدا.
وقد جاءت هذه الآية في قوم علم الله أنهم سيموتون على الكفر من مشركي مكة.
تفسير المفردات : الموعد : يوم القيامة. موئلا : أي ملجأ ؛ يقال وأل فلان إلى كذا وألا ووؤولا : إذا لجأ إليه.
سورة الكهف
آيها عشر ومائة
هي مكية كلها في المشهور واختاره جمع من العلماء، ومناسبتها ما قبلها من وجوه :
( ١ ) إن سورة الإسراء افتتحت بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنتان في سائر الكلام في نحو :﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ [ الحجر : ٩٨ ] ونحو : سبحان الله وبحمده.
( ٢ ) تشابه ختام السالفة وافتتاح هذه، فإن كلا منهما حمد.
( ٣ ) إنه ذكر في السابقة قوله :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] والخطاب فيها لليهود، وذكر هنا قصة موسى نبيّ بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام وهي تدل على كثرة معلومات الله التي لا تحصى، فكانت كالدليل على ما تقدم.
( ٤ ) إنه جاء في السورة السابقة :﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ [ الإسراء : ١٠٤ ] ثم فصل ذلك هنا بقوله :﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾ إلى قوله :﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾ [ الكهف : ٩٨ -١٠٠ ].
ثم بين أنه سبحانه لا يعجل العقوبة لعباده على ما يجترحون من الفسوق والآثام رجاء أن ينيبوا إليه فقال :
﴿ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب ﴾ أي وربك أيها الرسول غفور لذنوب عباده، ذو رحمة واسعة بهم، إذا هم أنابوا إليه ورجعوا إلى رحاب عفوه وجوده وكرمه، فيرحمهم واسع الرحمات، ويتجاوز لهم عن عظيم الخطيئات، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من المعاصي كإعراضهم عن آياته، ومناصبتهم العداء لرسله، ومجادلتهم بالباطل – لعجل لهم العذاب في الدنيا وأنزل بهم عذاب الاستئصال جزاء وفاقا لقبيح أعمالهم.
ونحو الآية قوله :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ﴾ [ فاطر : ٤٥ ] وقوله :﴿ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ﴾ [ الرعد : ٦ ] إلى نحو ذلك من الآيات الكثيرة في هذا الباب.
ثم أبان أن هذا إمهال لا إهمال فقال :
﴿ بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ﴾ أي بل لهم موعد ليس لهم منه محيص ولا ملجأ يلجؤون إليه من عذابه.
تفسير المفردات : القرى : أي قرى عاد وثمود وقوم لوط وأشباههم.
سورة الكهف
آيها عشر ومائة
هي مكية كلها في المشهور واختاره جمع من العلماء، ومناسبتها ما قبلها من وجوه :
( ١ ) إن سورة الإسراء افتتحت بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنتان في سائر الكلام في نحو :﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ [ الحجر : ٩٨ ] ونحو : سبحان الله وبحمده.
( ٢ ) تشابه ختام السالفة وافتتاح هذه، فإن كلا منهما حمد.
( ٣ ) إنه ذكر في السابقة قوله :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] والخطاب فيها لليهود، وذكر هنا قصة موسى نبيّ بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام وهي تدل على كثرة معلومات الله التي لا تحصى، فكانت كالدليل على ما تقدم.
( ٤ ) إنه جاء في السورة السابقة :﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ [ الإسراء : ١٠٤ ] ثم فصل ذلك هنا بقوله :﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾ إلى قوله :﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾ [ الكهف : ٩٨ -١٠٠ ].
ثم ذكر ما هو كالدليل على ما سلف فقال :
﴿ وتلك القرى التي أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ﴾ أي وتلك القرى من عاد وثمود وأصحاب الأيكة أهلكناهم لما ظلموا فكفروا بآياتنا، وجعلنا لهلاكهم ميقاتا وأجلا حين بلغوه جاءهم عذابنا فأهلكناهم به، وهكذا جعلنا لهؤلاء المشركين من قومك الذين لا يؤمنون بك موعدا لهلاكهم إذا جاء أهلكناهم كما هي سنتنا في الذين خلوا من قبلهم من أضرابهم من سالفي الأمم.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : لا أبرح : أي لا أزال سائرا. والحقب :( بضمتين وبضم فسكون ) الدهر، وقيل ثمانون سنة، وعن الحسن سبعون.
الإيضاح :﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى لا أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ﴾ أي واذكر أيها الرسول حين قال موسى بن عمران لفتاه يوشع : لا أزال أمشي حتى أبلغ مكان اجتماع البحرين أو أسير دهرا.
وسبب قوله هذا : أن الله أوحى إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم تحط به، فأحبّ أن يرحل إليه.
وخلاصة ذلك : إن الله أعلم موسى حال هذا العالم وما أعلمه موضعه بعينه، فقال لا أزل أمشي حتى يجتمع البحران فيصيرا بحرا واحدا أو أمضي دهرا طويلا حتى أجده.
ومجمل الأمر : أنه وطن نفسه على تحمل التعب الشديد والعناء العظيم في السفر مهما طال به الزمان.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : مجمع بينهما : أي مكان اجتماعهما. سربا : أي مسلكا كالسرب : وهو النفق فصار الماء عليه كالقنطرة.
الإيضاح :﴿ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ﴾ أي فانطلقا يمشيان، فلما بلغا مجمع بينهما وهو المكان الذي وعده الله بلقائه عنده – نسيا حوتهما فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا وصار الماء كالقنطرة عليه، فكان ذلك للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا.
ولا شك أن حياة الحوت بعد موته كانت لموسى معجزة، وأما كون ماء البحر صار كالقنطرة عليه أو كأي وضع آخر، فليس بالواجب علينا أن نعتقده إلا إذا ثبت بالنص القاطع.
روي أن موسى عليه السلام أمر بحمل حوت مملوح معه وقيل له : متى فقدت الحوت فهو ثمة، فأخذ حوتا وجعله في مكتل ( قفة ) ثم انطلق ومعه فتاه حتى إذا أتيا الصخرة، وكانت عند مجمع البحرين ناما واضطرب الحوت في المكتل وخرج منه وسقط في البحر.
روى البخاري ومسلم أن الله تعالى قال لموسى : خذ نونا ( حوتا ) ميتا فهو حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ ذلك فجعله في مكتل، وقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال : ما كلفت كثيرا، فبينما هما في ظل الصخرة إذ تسرب الحوت حتى دخل البحر وموسى نائم فقال فتاه : لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة.
وحدث محمد بن إسحاق عن الزهري عن ابن عباس عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك :" ما انجاب ماء منذ كان الناس غير مسير الحوت الذي فيه، فانجاب كالكوّة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه، فقال ذلك ما كنا نبغ ".
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : والغداء : الطعام الذي يؤكل أول النهار والمراد به هنا الحوت. نصبا : أي تعبا وإعياء.
الإيضاح :﴿ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾ أي فلما جاوزا ذلك المكان المقصود من مجمع البحرين، وسارا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغد وارتفع النهار أحس موسى بالجوع، حينئذ قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا تعبا ونصبا من ذلك السفر.
وقد كان من الحكمة في حصول الجوع والتعب له حين جاوز المكان أن يطلب الغداء فيذكر الحوت فيرجع إلى حيث يجتمع بمن يريد.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : أوينا : أي التجأنا.
الإيضاح :﴿ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾ أي قال له فتاه : أرأيت ما حدث لي حين التجأنا على الصخرة التي بمجمع البحرين ؟ إني نسيت أن أخبرك بما حدث من الحوت، إنه حيّ واضطرب ووقع في البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا. وذاك أن مسلكه كان كالطاق والسّرب – وما أنساني ذكره إلا الشيطان.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : نبغي : نطلب. ارتد : رجع. على آثارهما : أي على طريقهما الذي جاءا منه. قصصا : أي اتباعا من قولهم أثره إذا اتبعه.
الإيضاح :﴿ قال ذلك ما كنا نبغ ﴾ أي قال موسى : ذلك الذي ذكرت من أمر الحوت ما كنا نطلبه من حيث إنه أمارة للفوز بما هو المقصود بالذات.
﴿ فارتد على آثارهما قصصا ﴾ أي فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه يتبعان أثرهما اتباعا حتى أتيا الصخرة.
قال البقاعي : إن هذا يدل على أن الأرض كانت رملا لا علامة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر، ويؤيده نقر العصفور في البحر الذي ركب فيه سفينته للتعدية كما ورد في الحديث، فإن الطير لا يشرب من الماء الملح اه.
وخلاصة ما تقدم : إنه تعالى بيّن لموسى عليه السلام أن موضع هذا العالم مجمع البحرين، وأن علامة وجوده في المكان المعين انقلاب الحوت الميت الذي في المكتل حيا، فلما بلغا مجمع بينهما اضطرب الحوت فيه ووثب في الماء وقد أمسك الله إجراء الماء على البحر وجعله كالطاق أو الكوّة حتى سرى الحوت فيه، فلما جاوز موسى وفتاه المكان المعين وهو الصخرة بسبب النسيان، وسارا كثيرا وتعبا وجاعا قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال الفتى : أرأيت ما وقع لي من الحوت حين لجأنا إلى الصخرة فاتخذ سبيله في البحر اتخاذا عجبا إذ انقلب من المكتل وصار حيا وألقى نفسه في البحر على غفلة مني، وإني نسيت أن أبلغك خبره، وما أنساني ذكره إلا الشيطان، قال موسى : ذلك الذي كنا نطلبه، لأنه أمارة الظفر بالمطلوب وهو لقاء الخضر، فرجعا في طريقهما الأولى، إذ علما أنهما تجاوزا الموضع الذي يقيم فيه ذلك العالم.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : رحمة : هي النبوة هنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما * قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ﴾ أي فوجد موسى وفتاه عند الصخرة حين رجعا إليها عبدا من عبادنا وهو الخضر مسجى بثوب أبيض، فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام ؟ فقال : أنا موسى. قال موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم. قال : هل أصحبك لتعلمني مما علمك الله شيئا أسترشد به في أمري من علم نافع وعمل صالح ؟
تفسير المفردات : الرشد ( بضم فسكون وبفتحتين ) إصابة الخير.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما * قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ﴾ أي فوجد موسى وفتاه عند الصخرة حين رجعا إليها عبدا من عبادنا وهو الخضر مسجى بثوب أبيض، فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام ؟ فقال : أنا موسى. قال موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم. قال : هل أصحبك لتعلمني مما علمك الله شيئا أسترشد به في أمري من علم نافع وعمل صالح ؟
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
الإيضاح :﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾ يا موسى، فإني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله، علّمكه لا أعلمه.
ثم أكد ذلك مشيرا إلى علة عدم الاستطاعة فقال :
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : والإحاطة بالشيء : معرفته معرفة تامة. والخبر : المعرفة.
الإيضاح :﴿ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ﴾ أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها منكرة، وبواطنها مجهولة، والرجل الصالح لا يتمالك أن يصبر إذا رأى ذلك، بل يبادر بالإنكار.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
﴿ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ﴾ معك غير منكر عليك.
﴿ ولا أعصي لك أمرا ﴾ تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر الله.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : ذكرا : أي بيانا.
الإيضاح :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾ أي قال له الخضر : إن سرت معي فلا تفاتحني في شيء أنكرته عليّ حتى ابتدئ بذكره فأبين لك وجه صوابه، فإني لا أقدم على شيء إلا وهو صواب جائز في نفس الأمر وإن كان ظاهره غير ذلك، فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : أمرا :( بكسر الهمزة ) أي منكرا : من أمر الأمر بمعنى كثر، والعرب تصف الدواهي بالكثرة.
الإيضاح :﴿ فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ﴾ أي فانطلقا يمشيان على الساحل يطلبان سفينة فوجداها، فعرف أهلها الخضر من بينهم فحملوهم بغير أجر، حتى إذا ركبا في السفينة خرقها حين توسطوا لجّة البحر، إذ أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من ألواح السفينة.
﴿ قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾ أي قال موسى للخضر : لقد جئت عظيما منكرا، ثم أخذ موسى ثوبه فحشا به الخرق.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
﴿ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾ أي قال الخضر : ألم أقل لك يا موسى إنك لن تستطيع صبرا معي فيما ترى مما أفعل.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : لا ترهقني : أي لا تحملني. والعسر : ضد اليسر وهو المشقة.
الإيضاح :﴿ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ﴾ أي قال موسى للخضر : لا تؤاخذني بما غفلت عن التسليم لك وترك الإنكار عليك، ولا تكلفني مشقة، ولا تضيق عليّ أمري، ولا تعسر علي متابعتك، بل يسرها بالإغضاء وترك المناقشة.
قصة موسى والخضر :
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ٦٠ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ٦١ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ٦٢ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلى الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ٦٣ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ٣٤ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ٦٥ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ٦٦ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ٦٧ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ٦٨ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ٦٩ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٧٠ فانطلقا حتى إذا ركبا السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ٧١ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٢ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ٧٣ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾ [ الكهف : ٦٠ -٧٤ ].

مقدمات تشرح هذا القصص :

( ١ ) من موسى ؟
أكثر العلماء على أن موسى الذي ذكر في هذه الآية هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل صاحب المعجزات الظاهرة والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) إنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز وتزيل الشبهة.
( ب ) ما أخرجه البخاري ومسلم في جماعة آخرين عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إن نوفا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال : كذب عدو الله.
وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدّثين والمؤرخين أن موسى هنا هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ولهم على ذلك أدلة :
( ١ ) إن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة وكلمه الله بلا واسطة، وحجّ خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء – يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك يستفيد علما من غيره – وردّ هذا بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعد أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلوم.
( ب ) إن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر وذهابه إلى التيه توفّي ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه لاقتضت خروجه من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.
إنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أياما، ولو كان كذلك لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم يكن شيء من ذلك، فإذا لم تكن معه – ورد هذا بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك.
وعلى الجملة فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا وقد أخبر به سبحانه رسوله.
( ٢ ) من فتاه ؟
فتى موسى هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه، والعرب تسمي الخادم فتى، لأن أكثر ما يكونون في سن الفتوّة كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح :" ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي " وهذا من محاسن الآداب الشرعية.
( ٣ ) من الخضر ؟
الخضر – بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد وسكونها – لقب لصاحب موسى، واسمه بليا – بفتح الباء وسكون اللام- ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيّا، ولهم على ذلك أدلة :
( أ ) قوله ﴿ أتيناه رحمة من عندنا ﴾ والرحمة : النبوة بدليل قوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
( ب ) قوله :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد، وكل من كان كذلك نبيّا.
( جـ ) إنه قال له موسى :﴿ هل اتبعك على أن تعلمن ﴾ والنبي لا يتعلم من غير النبي.
( د ) إنه قال :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ [ الكهف : ٨٢ ] أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.
( ٤ ) أين كان مجمع البحرين ؟
مجمع البحرين – هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا، وفيه رأيان :
( أ ) إنه ملتقى بحري فارس والروم ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).
( ب ) إنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي ( البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة ).
وسيأتي رأي آخر للبقاعي.
وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة – قفى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيا صادقا أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرا ونذيرا وهو كليم الله – أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.
روى البخاري ما خلاصته : إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب عليه ربه، إذ لم يرد العلم إليه تعالى فأوحى إليه، إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وأمره أن يأخذ حوتا من مكتل، فحيثما فقد الحوت فهو ثمة، ففعل ذلك، وسافر مع فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا صخرة فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري فناما فاضطرب الحوت وسقط في البحر – فاتخذ سبيله في البحر سربا- وصار الماء كالطاق عليه وهو يجري، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، وانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان الغد طلب موسى الغداء ووجد النصب، ولم يطلب ذلك إلا بعد أن جاوزا المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه : إني نسيت الحوت وذكر ما كان من أمره عند الصخرة، فارتدا على آثارهما قصصا، حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجّى بثوب أبيض، وكان من أمرهما ما سترى من مسألة السفينة والغلام والجدار.
تفسير المفردات : زكية : أي طاهرة من الذنوب. بغير نفس : أي بغير حق قصاص لك عليها. والنكر : المنكر الذي تنكره العقول وتنفر منه النفوس.
الإيضاح :﴿ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ﴾ أي فانطلقا بعد نزولهما من السفينة وسلامتهما من الغرق والعطب، يمشيان على الساحل فأبصر الخضر غلاما يلعب مع لداته وأترابه فقتله، ولم يبين القرآن كيف قتله : أحز رأسه أم ضرب رأسه بالجدار، أم بطريق آخر ؟ وعلينا ألا نهتم بذلك، إذ لو علم الله فيه خيرا لنا لذكره.
﴿ قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ﴾ أي قال موسى عليه السلام للخضر : أتقتل نفسا طاهرة من الذنوب بغير قتل نفس محرمة ؟ وخص هذا من بين مبيحات القتل كالكفر بعد الإيمان، والزنى بعد الإحصان، لأنه أقرب إلى الوقوع نظرا على حال الغلام.
﴿ لقد جئت شيئا نكرا ﴾ أي لقد جئت شيئا تنكره العقول وتنفر منه النفوس.
وأتى هنا بقوله ﴿ نكرا ﴾ وهناك بقوله ﴿ إمرا ﴾ لأن قتل الغلام أقبح من خرق السفينة، لأن هذا لم يكن إهلاكا لنفس، إذ ربما لا يحصل الغرق، وفي هذا إتلاف النفس قطعا، فكان أنكر.
وإلى هنا تم تفسير الجزء الخامس عشر في الليلة السادسة عشرة من شعبان المعظم سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة بمدينة حلوان من أرباض القاهرة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجزء السادس عشر


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٧٥ ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( ٧٦ ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت اتخذت عليه أجرا ( ٧٧ ) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ٧٨ ﴾[ الكهف : ٧٥- ٧٨ ].
المعنى الجملي : لا يزال الكلام متصلا في قصص موسى والخضر عليهما السلام، ولكن لوحظ في تقسيم القرآن الكريم إلى أجزائه الثلاثين جانب اللفظ لا جانب المعنى، ولذا تجد نهاية جزء وبداءة آخر حيث لا يزال الكلام في معنى واحد لم يتم بعد كما هنا.
الإيضاح :﴿ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾ زاد كلمة " لك " على سابقه لتشديد العتاب على رفض الوصية، ووسمه بقلة الصبر والثبات حين تكرر منه الاشمئزاز والاستكبار مع عدم الارعواء بالتذكير أول مرة.
قال البغوي : روي أن يوشع كان يقول لموسى : اذكر العهد الذي أنت عليه.
الجزء السادس عشر


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٧٥ ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( ٧٦ ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت اتخذت عليه أجرا ( ٧٧ ) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ٧٨ ﴾[ الكهف : ٧٥- ٧٨ ].
المعنى الجملي : لا يزال الكلام متصلا في قصص موسى والخضر عليهما السلام، ولكن لوحظ في تقسيم القرآن الكريم إلى أجزائه الثلاثين جانب اللفظ لا جانب المعنى، ولذا تجد نهاية جزء وبداءة آخر حيث لا يزال الكلام في معنى واحد لم يتم بعد كما هنا.
تفسير المفردات : فلا تصاحبني : أي فلا تجعلني صاحبا لك. بلغت من لدني عذرا : أي وجدت عذرا من قبلي. قرية : هي أنطاكية كما روي عن ابن عباس أو الأبلة أو الناصرة، ولا يوثق بصحة شيء من هذا.
الإيضاح :
﴿ قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ﴾ أي قال موسى عليه السلام للخضر : إن سألتك عن شيء بعدها من عجيب أفعالك التي أشاهدها وطلبت منك بيان حكمته، فضلا عن المناقشة والاعتراض عليه، فلا تجعلني لك صاحبا.
﴿ قد بلغت من لدني عذرا ﴾ أي قد بلغت الغاية التي تعذر بسببها في فراقي، إذ خالفتك مرة بعد أخرى، وهذا كلام نادم أشد الندم قد اضطره الحال إلى الاعتراف، وسلوك سبيل الإنصاف.
وقد روي في الصحيح عن النبي ( ص ) أنه قال :" رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، لكن أخذته من صاحبه ذمامة – حياء وإشفاق من الذم – فقال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾ ".
الجزء السادس عشر


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٧٥ ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( ٧٦ ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت اتخذت عليه أجرا ( ٧٧ ) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ٧٨ ﴾[ الكهف : ٧٥- ٧٨ ].
المعنى الجملي : لا يزال الكلام متصلا في قصص موسى والخضر عليهما السلام، ولكن لوحظ في تقسيم القرآن الكريم إلى أجزائه الثلاثين جانب اللفظ لا جانب المعنى، ولذا تجد نهاية جزء وبداءة آخر حيث لا يزال الكلام في معنى واحد لم يتم بعد كما هنا.
تفسير المفردات :
استطعما أهلها : أي طلبا منهم أن يطعموهما. أن يضيفوهما : أي ينزلوهما أضيافا يقال : ضافه إذا كان له ضيفا، وأضافه وضيفه : أنزله لديه ضيفا ؛ وأصل ضاف : مال، من قولهم ضاف السهم عن الهدف : أي مال. جدارا : أي حائط. أن ينقض : أي يسقط بسرعة، وقد كثر في كلامهم إسناد ما يكون من أفعال العقلاء إلى غيرهم كما قال :
يريد الرمح صدر أبي براء ويعدل عن دماء بني عقيل
أقامه : أي مسحه بيده فقام كما روي عن ابن عباس.
الإيضاح :
﴿ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ﴾ أي فانطلق الخضر وموسى بعد المرتين الأوليين حتى وصلا إلى قرية طلبا من أهلها أن يطعموهما فأبوا أن يضيفوهما، وفي الحديث :" كانوا أهل قرية لئاما بخلاء " وفي قوله :﴿ فأبوا أن يضيفوهما ﴾ دون أن يقول فأبوا أن يطعموهما، زيادة تشنيع عليهم، ووصفهم بالدناءة والشح، فإن الكريم قد يرد السائل المستطعم ولا يعاب، ولكن لا يرد الغريب المستضيف إلا لئيم، ألا تراهم يقولون في أهاجيهم : فلان يطرد الضيف.
وعن قتادة : شر القرى التي لا يضاف فيها، ولا يعرف لابن السبيل حقه.
﴿ فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ﴾ أي فوجدا في القرية حائطا مائلا مشرفا على السقوط فمسحه بيده فقام واستوى، وكان ذلك من معجزاته.
﴿ قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾ أي قال موسى ذلك تحريضا للخضر وحثا له على أخذ الجعل " الأجر " على فعله، لإنفاقه في ثمن الطعام والشراب وسائر مهام المعيشة.
الجزء السادس عشر


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٧٥ ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( ٧٦ ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت اتخذت عليه أجرا ( ٧٧ ) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ٧٨ ﴾[ الكهف : ٧٥- ٧٨ ].
المعنى الجملي : لا يزال الكلام متصلا في قصص موسى والخضر عليهما السلام، ولكن لوحظ في تقسيم القرآن الكريم إلى أجزائه الثلاثين جانب اللفظ لا جانب المعنى، ولذا تجد نهاية جزء وبداءة آخر حيث لا يزال الكلام في معنى واحد لم يتم بعد كما هنا.
تفسير المفردات :
والتأويل : من آل الأمر إلى كذا : أي صار إليه، فإذا قيل : ما تأويله أي ما مصيره.
الإيضاح :
﴿ قال هذا فراق بيني وبينك ﴾ أي قال الخضر عليه السلام لموسى : هذا الاعتراض المتوالي منك هو سبب الفراق بيني و بينك بحسب ما شرطت على نفسك، و إنما كان هذا سبب الفراق دون الأولين، لأن ظاهرهما منكر فكان معذورا دون هذا، إذ لا ينكر الإحسان إلى المسيء بل يحمد.
﴿ سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾ أي سأخبرك بعاقبة هذه الأفعال التي صدرت مني، وهي : خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، ومآلها خلاص السفينة من اليد الغاصبة، وخلاص أبوي الغلام من شره مع الفوز ببدل حسن، واستخراج اليتيمين للكنز.
وفي قوله :﴿ بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾ دون أن يقول بتأويل ما فعلت، أو بتأويل ما رأيت ونحوهما – تعريض به عليه السلام وعتاب له.
﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ٧٩ ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ٨٠ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ( ٨١ ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾[ الكهف : ٧٩- ٨٢ ]
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأمور التي رآها موسى عليه السلام حين صاحب الخضر، وذكر ما كان من اعتراض موسى عليه مرة بعد أخرى، وقد كان أعلمه من قبل أنه لا يستطيع معه صبرا، وكان من جراء ذلك أنه فارقه ولم يستطع صحبته – أردف ذلك بتفسير ما أشكل عليه أمره، مما ينكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر على حكمة باطنة، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم يحكمون بناء على الظواهر كما قال النبي ( ص ) :" نحن نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر ".
وأحكام هذا العالم مبينة على الأسباب الحقيقية الواقعة في نفس الأمر، وهذه لا يطلع الله عليها إلا بعض خواص عباده، ومن ثم اعترض موسى على ما رأى ولم يعلم ما آتاه الله الخضر من قوة عقلية قذر بها أن يشرف على بواطن الأمور، ويطلع على حقائق الأشياء، فكانت مرتبة موسى في معرفة الشرائع والأحكام بناء على الظواهر، ومرتبة هذا العالم الموقوف على بواطن وحقائق الأشياء، والاطلاع على أسرارها الكامنة.
وخلاصة المسائل الثلاث : إنه حين يتعارض ضرران يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى، فلو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها الملك وفاتت منافعها بتاتا، ولو لم يقتل ذلك الغلام لكان بقاؤه مفسدة لوالديه في دينهم ودنياهم، ولأن المشقة الحاصلة بإقامة الجدار أقل ضررا من سقوطه، إذ بالسقوط كان يضيع مال أولئك الأيتام.
ومجمل الأمر في ذلك : إن الله أطلع الخضر على بواطن الأشياء وحقائقها في أنفسها، وهذا لا يمكن تعلمه إلا بتصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب عن العلائق الجسمية، ومن ثم قال في صفة علمه :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾[ الكهف : ٦٥ ] وموسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم، ليعلمه أن كمال المعرفة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليها في الواقع.
تفسير المفردات :
المساكين : واحدهم مسكين ؛ وهو الضعيف العاجز عن الكسب، لأمر في نفسه وفي بدنه. يعملون في البحر : أي يؤاجرون ويكتسبون. أعيبها : أي أجعلها ذات عيب بنزع ما نزعته منها. وراءهم : أي أمامهم ؛ وهو لفظ في الشيء وضده كما قال :
أليس ورائي أن أدب على العصا فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي ؟
وعن ابن عباس أن النبي ( ص ) كان يقرأ : أمامهم.
الإيضاح :
﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ﴾ أي أما فعلي ما فعلت بالسفينة، فلأنها كانت لقوم ضعفاء، لا يقدرون على دفع الظلمة، وكانوا يؤاجرونها ويكتسبون قوتهم منها، فأردت أن أعيبها بالخرق الذي خرقته، وكان قدامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة للاستعمال غصبا، ويدع كل معيبة، فعبتها لأرده عنها.
وخلاصة ذلك : إن السفينة كانت لقوم مساكين عجزة يكتسبون بها، فأردت بما فعلت إعانتهم على ما يخافون ويعجزون عن دفعه من غصب ملك قدامهم، من عادته غصب السفن الصالحة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تنبيه : لذكر هذه القصة في الكتاب الكريم فوائد :
( ١ ) ألا يعجب المرء بعمله، وألا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه، فلعل فيه سرا لا يعرفه.
( ٢ ) إن فيها تأديبا لنبيه بترك طلب الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذبوه واستهزؤوا به وبكتابه، لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا، واستحقاقهم من الله في الآخرة الخزي والعذاب الدائم.
( ٣ ) إن ما حدث فيها يجري مثله كل يوم في هذه الحياة، ألا ترى أن قتل الغلام وهو صغير لا ذنب له يشبه الطاعون الذي يهلك الأمم ويفتك بها فتكا ذريعا، والبهائم التي تفتك بها السباع أو تأكلها الناس، ولو تأمل الناس حكمة ذلك لعلموا أنهم لو بقوا على الأرض مائة عام أو نحوها ولم يمت منهم أحد لضاقت بهم الأرض، ولماتوا جوعا، ولأكل الابن أباه، ولأصبحت الأرض منتنة قذرة، ولهلك الناس جميعا، وأن أكل كواسر الطير لصغارها ليخلو الجو والأرض من الحيوانات المزدحمة، ولولا ذلك لأصبحت الأرض مضرة بالناس والحيوان، فاقتناصها رحمة ونعمة على الناس.
وأن خرق السفينة التي هي لمساكين أشبه بموت بقرة فلاح فقير بجانبه رجل غني لم تصب بقرته بسوء، وذلك إنما يكون لحكم لا يعلمها إلا الله، وقد يكون منها أن الفقير حين موته يخرج من هذا العالم خفيفا لا يحزنه شيء، وأن الغني إذا لم يهذب نفسه تكون روحه مجذوبة إلى هذا العالم متطلعة إلى ما فيه، فيصير في حسرة حين موته.
وأن ذكر الجدار وإقامته تشيران إلى كل من نرى أنه ليس أهلا للنعمة ظاهرا وقد أغدقت عليه، فأهل هذه القرية اللؤماء الأشحاء ليسوا أهلا للإكرام.
وخلاصة ما قاله الخضر : إن هذه الأعمال ليست من جنس أعمال الناس، بل هي من أعمال الله، وإنما كنت واسطة فيها، فهي نماذج لفعل ربكم في هذه الحياة.

﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ٧٩ ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ٨٠ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ( ٨١ ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾[ الكهف : ٧٩- ٨٢ ]
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأمور التي رآها موسى عليه السلام حين صاحب الخضر، وذكر ما كان من اعتراض موسى عليه مرة بعد أخرى، وقد كان أعلمه من قبل أنه لا يستطيع معه صبرا، وكان من جراء ذلك أنه فارقه ولم يستطع صحبته – أردف ذلك بتفسير ما أشكل عليه أمره، مما ينكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر على حكمة باطنة، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم يحكمون بناء على الظواهر كما قال النبي ( ص ) :" نحن نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر ".
وأحكام هذا العالم مبينة على الأسباب الحقيقية الواقعة في نفس الأمر، وهذه لا يطلع الله عليها إلا بعض خواص عباده، ومن ثم اعترض موسى على ما رأى ولم يعلم ما آتاه الله الخضر من قوة عقلية قذر بها أن يشرف على بواطن الأمور، ويطلع على حقائق الأشياء، فكانت مرتبة موسى في معرفة الشرائع والأحكام بناء على الظواهر، ومرتبة هذا العالم الموقوف على بواطن وحقائق الأشياء، والاطلاع على أسرارها الكامنة.
وخلاصة المسائل الثلاث : إنه حين يتعارض ضرران يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى، فلو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها الملك وفاتت منافعها بتاتا، ولو لم يقتل ذلك الغلام لكان بقاؤه مفسدة لوالديه في دينهم ودنياهم، ولأن المشقة الحاصلة بإقامة الجدار أقل ضررا من سقوطه، إذ بالسقوط كان يضيع مال أولئك الأيتام.
ومجمل الأمر في ذلك : إن الله أطلع الخضر على بواطن الأشياء وحقائقها في أنفسها، وهذا لا يمكن تعلمه إلا بتصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب عن العلائق الجسمية، ومن ثم قال في صفة علمه :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾[ الكهف : ٦٥ ] وموسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم، ليعلمه أن كمال المعرفة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليها في الواقع.
تفسير المفردات :
خشينا : أي خفنا. أن يرهقهما : أي يحملهما. طغيانا : أي مجاوزة للحدود الإلهية.
الإيضاح :
﴿ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ﴾ أي وأما الغلام فإنه كان كافرا وكان أبواه مؤمنين فخفنا أن يحملهما حبه على متابعته على الكفر.
قال قتادة : قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب، وفي الحديث :" لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان له خيرا له "، وقال تعالى :﴿ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ﴾[ البقرة : ٢١٦ ].
وخلاصة ذلك : إنا قد علمنا أنه لو أدرك وبلغ لدعا أبويه إلى الكفر فأجاباه ودخلا معه في دينه لفرط حبهما له.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تنبيه : لذكر هذه القصة في الكتاب الكريم فوائد :
( ١ ) ألا يعجب المرء بعمله، وألا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه، فلعل فيه سرا لا يعرفه.
( ٢ ) إن فيها تأديبا لنبيه بترك طلب الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذبوه واستهزؤوا به وبكتابه، لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا، واستحقاقهم من الله في الآخرة الخزي والعذاب الدائم.
( ٣ ) إن ما حدث فيها يجري مثله كل يوم في هذه الحياة، ألا ترى أن قتل الغلام وهو صغير لا ذنب له يشبه الطاعون الذي يهلك الأمم ويفتك بها فتكا ذريعا، والبهائم التي تفتك بها السباع أو تأكلها الناس، ولو تأمل الناس حكمة ذلك لعلموا أنهم لو بقوا على الأرض مائة عام أو نحوها ولم يمت منهم أحد لضاقت بهم الأرض، ولماتوا جوعا، ولأكل الابن أباه، ولأصبحت الأرض منتنة قذرة، ولهلك الناس جميعا، وأن أكل كواسر الطير لصغارها ليخلو الجو والأرض من الحيوانات المزدحمة، ولولا ذلك لأصبحت الأرض مضرة بالناس والحيوان، فاقتناصها رحمة ونعمة على الناس.
وأن خرق السفينة التي هي لمساكين أشبه بموت بقرة فلاح فقير بجانبه رجل غني لم تصب بقرته بسوء، وذلك إنما يكون لحكم لا يعلمها إلا الله، وقد يكون منها أن الفقير حين موته يخرج من هذا العالم خفيفا لا يحزنه شيء، وأن الغني إذا لم يهذب نفسه تكون روحه مجذوبة إلى هذا العالم متطلعة إلى ما فيه، فيصير في حسرة حين موته.
وأن ذكر الجدار وإقامته تشيران إلى كل من نرى أنه ليس أهلا للنعمة ظاهرا وقد أغدقت عليه، فأهل هذه القرية اللؤماء الأشحاء ليسوا أهلا للإكرام.
وخلاصة ما قاله الخضر : إن هذه الأعمال ليست من جنس أعمال الناس، بل هي من أعمال الله، وإنما كنت واسطة فيها، فهي نماذج لفعل ربكم في هذه الحياة.

﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ٧٩ ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ٨٠ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ( ٨١ ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾[ الكهف : ٧٩- ٨٢ ]
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأمور التي رآها موسى عليه السلام حين صاحب الخضر، وذكر ما كان من اعتراض موسى عليه مرة بعد أخرى، وقد كان أعلمه من قبل أنه لا يستطيع معه صبرا، وكان من جراء ذلك أنه فارقه ولم يستطع صحبته – أردف ذلك بتفسير ما أشكل عليه أمره، مما ينكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر على حكمة باطنة، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم يحكمون بناء على الظواهر كما قال النبي ( ص ) :" نحن نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر ".
وأحكام هذا العالم مبينة على الأسباب الحقيقية الواقعة في نفس الأمر، وهذه لا يطلع الله عليها إلا بعض خواص عباده، ومن ثم اعترض موسى على ما رأى ولم يعلم ما آتاه الله الخضر من قوة عقلية قذر بها أن يشرف على بواطن الأمور، ويطلع على حقائق الأشياء، فكانت مرتبة موسى في معرفة الشرائع والأحكام بناء على الظواهر، ومرتبة هذا العالم الموقوف على بواطن وحقائق الأشياء، والاطلاع على أسرارها الكامنة.
وخلاصة المسائل الثلاث : إنه حين يتعارض ضرران يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى، فلو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها الملك وفاتت منافعها بتاتا، ولو لم يقتل ذلك الغلام لكان بقاؤه مفسدة لوالديه في دينهم ودنياهم، ولأن المشقة الحاصلة بإقامة الجدار أقل ضررا من سقوطه، إذ بالسقوط كان يضيع مال أولئك الأيتام.
ومجمل الأمر في ذلك : إن الله أطلع الخضر على بواطن الأشياء وحقائقها في أنفسها، وهذا لا يمكن تعلمه إلا بتصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب عن العلائق الجسمية، ومن ثم قال في صفة علمه :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾[ الكهف : ٦٥ ] وموسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم، ليعلمه أن كمال المعرفة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليها في الواقع.
تفسير المفردات :
زكاة : أي طهارة من الذنوب. رحما : أي رحمة كالكثر و الكثرة.
الإيضاح :
﴿ فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ﴾ أي قال هذا العالم : أردنا أن يرزق الله هذين الأبوين ولدا يكون خيرا من هذا الولد دينا وصلاحا وأقرب عطفا ورحمة بأبويه، وبرا بهما وشفقة عليهما.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تنبيه : لذكر هذه القصة في الكتاب الكريم فوائد :
( ١ ) ألا يعجب المرء بعمله، وألا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه، فلعل فيه سرا لا يعرفه.
( ٢ ) إن فيها تأديبا لنبيه بترك طلب الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذبوه واستهزؤوا به وبكتابه، لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا، واستحقاقهم من الله في الآخرة الخزي والعذاب الدائم.
( ٣ ) إن ما حدث فيها يجري مثله كل يوم في هذه الحياة، ألا ترى أن قتل الغلام وهو صغير لا ذنب له يشبه الطاعون الذي يهلك الأمم ويفتك بها فتكا ذريعا، والبهائم التي تفتك بها السباع أو تأكلها الناس، ولو تأمل الناس حكمة ذلك لعلموا أنهم لو بقوا على الأرض مائة عام أو نحوها ولم يمت منهم أحد لضاقت بهم الأرض، ولماتوا جوعا، ولأكل الابن أباه، ولأصبحت الأرض منتنة قذرة، ولهلك الناس جميعا، وأن أكل كواسر الطير لصغارها ليخلو الجو والأرض من الحيوانات المزدحمة، ولولا ذلك لأصبحت الأرض مضرة بالناس والحيوان، فاقتناصها رحمة ونعمة على الناس.
وأن خرق السفينة التي هي لمساكين أشبه بموت بقرة فلاح فقير بجانبه رجل غني لم تصب بقرته بسوء، وذلك إنما يكون لحكم لا يعلمها إلا الله، وقد يكون منها أن الفقير حين موته يخرج من هذا العالم خفيفا لا يحزنه شيء، وأن الغني إذا لم يهذب نفسه تكون روحه مجذوبة إلى هذا العالم متطلعة إلى ما فيه، فيصير في حسرة حين موته.
وأن ذكر الجدار وإقامته تشيران إلى كل من نرى أنه ليس أهلا للنعمة ظاهرا وقد أغدقت عليه، فأهل هذه القرية اللؤماء الأشحاء ليسوا أهلا للإكرام.
وخلاصة ما قاله الخضر : إن هذه الأعمال ليست من جنس أعمال الناس، بل هي من أعمال الله، وإنما كنت واسطة فيها، فهي نماذج لفعل ربكم في هذه الحياة.

﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ٧٩ ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ٨٠ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ( ٨١ ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾[ الكهف : ٧٩- ٨٢ ]
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأمور التي رآها موسى عليه السلام حين صاحب الخضر، وذكر ما كان من اعتراض موسى عليه مرة بعد أخرى، وقد كان أعلمه من قبل أنه لا يستطيع معه صبرا، وكان من جراء ذلك أنه فارقه ولم يستطع صحبته – أردف ذلك بتفسير ما أشكل عليه أمره، مما ينكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر على حكمة باطنة، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم يحكمون بناء على الظواهر كما قال النبي ( ص ) :" نحن نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر ".
وأحكام هذا العالم مبينة على الأسباب الحقيقية الواقعة في نفس الأمر، وهذه لا يطلع الله عليها إلا بعض خواص عباده، ومن ثم اعترض موسى على ما رأى ولم يعلم ما آتاه الله الخضر من قوة عقلية قذر بها أن يشرف على بواطن الأمور، ويطلع على حقائق الأشياء، فكانت مرتبة موسى في معرفة الشرائع والأحكام بناء على الظواهر، ومرتبة هذا العالم الموقوف على بواطن وحقائق الأشياء، والاطلاع على أسرارها الكامنة.
وخلاصة المسائل الثلاث : إنه حين يتعارض ضرران يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى، فلو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها الملك وفاتت منافعها بتاتا، ولو لم يقتل ذلك الغلام لكان بقاؤه مفسدة لوالديه في دينهم ودنياهم، ولأن المشقة الحاصلة بإقامة الجدار أقل ضررا من سقوطه، إذ بالسقوط كان يضيع مال أولئك الأيتام.
ومجمل الأمر في ذلك : إن الله أطلع الخضر على بواطن الأشياء وحقائقها في أنفسها، وهذا لا يمكن تعلمه إلا بتصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب عن العلائق الجسمية، ومن ثم قال في صفة علمه :﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾[ الكهف : ٦٥ ] وموسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم، ليعلمه أن كمال المعرفة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليها في الواقع.
تفسير المفردات :
عن أمري : أي عن رأيي واجتهادي. ما لم تسطع : أي تستطع ماضيه اسطاع، الذي أصله استطاع.
الإيضاح :
﴿ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ﴾ أي إن الداعي إلى إقامة الجدار أنه كان تحته كنز، وكان ليتيمين في المدينة، وكان أبوهما امرءا صالحا، فأراد الله إبقاء ذلك الكنز على ذينك اليتيمين رعاية لحقهما ولصلاح أبيهما، فأمرني بإقامة الجدار لتلك المصالح ؛ إذ لو سقط الجدار لضاع الكنز وقد كان مشرفا على السقوط.
﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ أي وما فعلت الذي رأيتني أفعله عن رأيي، ومن تلقاء نفسي، بل فعلته عن أمر الله إياي به، لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم لا تجوز إلا بالوحي والنص القاطع.
﴿ ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ﴾ أي هذا الذي ذكرت لك من الأسباب التي من أجلها فعلت الأفعال التي استنكرتها، هو بيان ما تؤول إليه الأفعال التي ضقت بها ذرعا، ولم تصبر حتى أخبرك بها ابتداء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تنبيه : لذكر هذه القصة في الكتاب الكريم فوائد :
( ١ ) ألا يعجب المرء بعمله، وألا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه، فلعل فيه سرا لا يعرفه.
( ٢ ) إن فيها تأديبا لنبيه بترك طلب الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذبوه واستهزؤوا به وبكتابه، لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا، واستحقاقهم من الله في الآخرة الخزي والعذاب الدائم.
( ٣ ) إن ما حدث فيها يجري مثله كل يوم في هذه الحياة، ألا ترى أن قتل الغلام وهو صغير لا ذنب له يشبه الطاعون الذي يهلك الأمم ويفتك بها فتكا ذريعا، والبهائم التي تفتك بها السباع أو تأكلها الناس، ولو تأمل الناس حكمة ذلك لعلموا أنهم لو بقوا على الأرض مائة عام أو نحوها ولم يمت منهم أحد لضاقت بهم الأرض، ولماتوا جوعا، ولأكل الابن أباه، ولأصبحت الأرض منتنة قذرة، ولهلك الناس جميعا، وأن أكل كواسر الطير لصغارها ليخلو الجو والأرض من الحيوانات المزدحمة، ولولا ذلك لأصبحت الأرض مضرة بالناس والحيوان، فاقتناصها رحمة ونعمة على الناس.
وأن خرق السفينة التي هي لمساكين أشبه بموت بقرة فلاح فقير بجانبه رجل غني لم تصب بقرته بسوء، وذلك إنما يكون لحكم لا يعلمها إلا الله، وقد يكون منها أن الفقير حين موته يخرج من هذا العالم خفيفا لا يحزنه شيء، وأن الغني إذا لم يهذب نفسه تكون روحه مجذوبة إلى هذا العالم متطلعة إلى ما فيه، فيصير في حسرة حين موته.
وأن ذكر الجدار وإقامته تشيران إلى كل من نرى أنه ليس أهلا للنعمة ظاهرا وقد أغدقت عليه، فأهل هذه القرية اللؤماء الأشحاء ليسوا أهلا للإكرام.
وخلاصة ما قاله الخضر : إن هذه الأعمال ليست من جنس أعمال الناس، بل هي من أعمال الله، وإنما كنت واسطة فيها، فهي نماذج لفعل ربكم في هذه الحياة.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
ذكرا : أي نبأ مذكورا وهو القرآن.
الإيضاح :﴿ ويسألونك عن ذي القرنين ﴾ أي تسألك قريش بتلقين اليهود سؤال اختبار وامتحان.
﴿ قل سأتلو عليكم منه ذكرا ﴾ أي قل لهؤلاء المتعنتين : سأقص عليكم قصصا وافيا جامعا لما تريدون، أعلمنيه ربي وأخبرني به.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
ومكنه ومكن له : كنصحه ونصح له : أي مهد له الأسباب وجعله قادرا على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي. سببا : أي طريقا يوصله إليه من علم أو قدرة أو آلة.
الإيضاح :
ثم فصل ذلك فقال :
﴿ إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ﴾ أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف شاء، بحيث يصل إلى جميع مسالكها، ويظهر على سائر ملوكها، وآتيناه من كل شيء أراده من مهام ملكه وبسطة سلطانه طريقا يوصله إليه، فآتيناه العلم والقدرة والآلات التي توصله إلى ذلك.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
سببا : أي طريقا يوصله إليه من علم أو قدرة أو آلة.
الإيضاح :
﴿ فأتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب من عين حمئة ﴾ أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع طريقا يوصله إليه، حتى إذا بلغ منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يمكن تجاوزه، ووقف على حافة البحر المحيط الأطلنطي – المحيط الأطلسي – وجد الشمس تغرب في عين ذات حمأة وطين أسود.
وخلاصة ذلك : إنه بلغ بلادا لا بلاد بعدها تغرب عليها الشمس، إذ لم يكن عمران إلا ما عرفوه عند بحر الظلمات، فهو قد سار إلى بلاد تونس ثم مراكش ووصل إلى البحر فوجد الشمس كأنها تغيب فيه، وهو أزرق اللون كأنه طين وماء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٥:قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.

تفسير المفردات :

سببا : أي طريقا يوصله إليه من علم أو قدرة أو آلة.

الإيضاح :

﴿ فأتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب من عين حمئة ﴾ أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع طريقا يوصله إليه، حتى إذا بلغ منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يمكن تجاوزه، ووقف على حافة البحر المحيط الأطلنطي – المحيط الأطلسي – وجد الشمس تغرب في عين ذات حمأة وطين أسود.
وخلاصة ذلك : إنه بلغ بلادا لا بلاد بعدها تغرب عليها الشمس، إذ لم يكن عمران إلا ما عرفوه عند بحر الظلمات، فهو قد سار إلى بلاد تونس ثم مراكش ووصل إلى البحر فوجد الشمس كأنها تغيب فيه، وهو أزرق اللون كأنه طين وماء.


تفسير المفردات :
حمئة : أي ذات حمأة وهي الطين الأسود. حسنا : أي أمرا ذا حسن.
الإيضاح :
﴿ ووجد عندها قوما ﴾ أي ووجد عند تلك العين قوما كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل، وأن يدعوهم إلى الإيمان، وهذا تفصيل قوله :
﴿ قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ﴾أي قلنا له بطريق الإلهام : إما أن تقتلهم إن هم لم يقروا بوحدانيتي ويذعنوا لك فيما تدعوهم إليه من طاعتي، وإما أن تأمر بتعليمهم طريق الهدى والرشاد، وتبصيرهم بالشرائع والأحكام.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
نكرا : أي منكرا فظيعا.
الإيضاح :
﴿ قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ﴾أي قال ذو القرنين لبعض خاصته وبطانته : أما من ظلم نفسه فأصر على الشرك بربه فسنعذبه بالقتل، ثم يرجع إلى ربه في الآخرة فيعذبه عذابا منكرا في نار جهنم.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
الحسنى : أي المثوبة الحسنى. يسرا : أي سهلا ميسرا غير شاق.
الإيضاح :
﴿ وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ﴾ أي وأما من صدق بالله ووحدانيته وعمل عملا صالحا في الدارين فله المثوبة الحسنى جزاء وفاقا على تلك الخلال الجميلة التي عملها في دنياه، وسنعلمه في الدنيا ما يتيسر لنا تعليمه مما يقربه إلى ربه، ويلين له قلبه، ولا يشق عليه فعله مشقة كبيرة كالصلاة والزكاة والجهاد ونحوها.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
سببا : أي طريقا يوصله إليه من علم أو قدرة أو آلة.
الإيضاح :
﴿ ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ﴾أي ثم قفل راجعا من مغرب الشمس وسلك طريقا موصلا إلى مشرقها، حتى إذا بلغ الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولا من المعمور، وجدها تطلع على قوم ليس لهم بناء يكنهم، ولا أشجار تظلهم وتسترهم عن حر الشمس، فليس لهم سقوف ولا جبال تمنع من وقوع أشعة الشمس عليهم، لأن أرضهم لا تحمل بنيانا، بل لهم سروب يغيبون فيها حين طلوع الشمس، و يظهرون حين غروبها، فهم حين طلوع الشمس يتعذر عليهم التصرف في المعاش، و حبن غروبها ويشتغلون بتحصيل مهماتهم، وأحوالهم على الضد من أحوال الناس.
وخلاصة ذلك : إنه بلغ غاية المعمور من الأرض جهة المشرق ووجد قوما لا لباس لهم ولا بناء، فهم عراة في العراء أو في سراديب في الأرض.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٩:قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.

تفسير المفردات :

سببا : أي طريقا يوصله إليه من علم أو قدرة أو آلة.

الإيضاح :

﴿ ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ﴾أي ثم قفل راجعا من مغرب الشمس وسلك طريقا موصلا إلى مشرقها، حتى إذا بلغ الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولا من المعمور، وجدها تطلع على قوم ليس لهم بناء يكنهم، ولا أشجار تظلهم وتسترهم عن حر الشمس، فليس لهم سقوف ولا جبال تمنع من وقوع أشعة الشمس عليهم، لأن أرضهم لا تحمل بنيانا، بل لهم سروب يغيبون فيها حين طلوع الشمس، و يظهرون حين غروبها، فهم حين طلوع الشمس يتعذر عليهم التصرف في المعاش، و حبن غروبها ويشتغلون بتحصيل مهماتهم، وأحوالهم على الضد من أحوال الناس.
وخلاصة ذلك : إنه بلغ غاية المعمور من الأرض جهة المشرق ووجد قوما لا لباس لهم ولا بناء، فهم عراة في العراء أو في سراديب في الأرض.


تفسير المفردات :
سترا : أي بناء وكانوا إذا طلعت الشمس تغوروا في المياه، وإذا غربت خرجوا.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
خبرا : أي علما يتعلق بظواهره وخفاياه.
الإيضاح :
﴿ كذلك ﴾أي إن أمر ذي القرنين كما وصفنا من قبل من بلوغه طرفي المشرق والمغرب، ومن فعله الأفاعيل التي ذكرت، فهو قد بلغ الغاية في رفعة الشأن وبسطة الملك مما لم يتح لكثير غيره.
﴿ وقد أحطنا بما لديه خبرا ﴾ أي ونحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه لا يخفى علينا شيء منها وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض كما قال :﴿ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ﴾[ آل عمران : ٥ ].
وخلاصة ذلك : إنه كما وصف وفوق ما وصف، بما لا يحيط بعلمه إلا اللطيف الخبير.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
سببا : أي طريقا يوصله إليه من علم أو قدرة أو آلة.
الإيضاح :
﴿ ثم أتبع سببا ﴾أي ثم سلك طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا من مطلع الشمس إلى الشمال.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
السدين : أي الجبلين. يفقهون : يفهمون.
الإيضاح :
﴿ حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ﴾ أي حتى إذا وصل بين الجبلين، - وقد تقدم وصف مكانهما بالتحديد كما رآه السائحون في القرن الخامس عشر الميلادي – وجد من دونهما أمة من الناس لا يكادون يفهمون كلام أتباعه ولا كلام غيرهم، لبعد لغتهم عن لغات غيرهم، مع قلة فطنتهم، إذ لو كان لهم فطنة لفهموا ما يراد من القول بالقرائن وفحوى الحال.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
خرجا : أي جعلا من أموالنا على سبيل التبرع. والخراج : ما لزمك أداؤه. بقوة : أي بما يتقوى به على المقصود من الآلات والناس.
الإيضاح :
﴿ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ﴾ أي قال مترجموهم إن يأجوج ومأجوج يفسدون أرضنا بالقتل والتخريب وأخذ الأقوات وسائر ضروب الإفساد. تقدم تحقيق القول في ذلك.
﴿ فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ﴾ أي فهل تحب أن نجعلك جعلا من أموالنا فتجعل بيننا وبينهم حاجزا يمنعهم من الوصول إلينا ؟
وخلاصة ذلك : إنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه حتى يجعل بينهم وبينهم سدا.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
ردما : أي حاجزا حصينا. والردم : أكبر من السد وأوثق، يقال، ثوب مردم أي في رقاع فوق رقاع.
الإيضاح :
﴿ قال ما مكني فيه ربي خير ﴾أي قال ذو القرنين : إن ما مكنني فيه ربي من بسطة الملك والسلطان ووفرة المال، خير مما تبذلونه لي من الخراج، فلا حاجة بي إليه، وهذا نحو ما قاله سليمان عليه السلام :﴿ أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم ﴾[ النمل : ٣٧ ].
والدول القوية يجب أن تحافظ على الدول الضعيفة، ولا تأخذ منها مالا ما دامت قادرة على إغاثتها.
وخلاصة ذلك : ما أنا فيه خير مما تبذلونه.
﴿ فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ﴾ أي ولكن ساعدوني بفعلة وصناع يحسنون العمل والبناء، أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج سدا منيعا، وحاجزا حصينا أمنع مما تريدون.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
وزبر : واحدها زبرة بضم فسكون، كغرفة وهي : القطعة العظيمة. والصدفين : واحدها صدف، وهو جانب الجبل. قطرا : أي نحاسا مذابا، وقيل : رصاصا مذابا.
الإيضاح :
ثم بين تلك القوة التي طلبها فقال :
﴿ آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا ﴾ أي جيئوني يقطع الحديد، فلما جاؤوه بها أخذ يبني شيئا فشيئا حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويا لهما في العلو، قال للعملة : انفخوا بالكيران في زبر الحديد التي وضعت بين الصدفين، ففعلوا وما زالوا كذلك حتى صارت كالنار اشتعالا وتوهجا، فصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه بعض، وسد الفجوات التي بين الحديد وصار جبلا صلدا.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
أن يظهروه : أي أن يعلوه ويرقوه فوقه لارتفاعه وملاسته.
الإيضاح :
﴿ فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ﴾ أي إن يأجوج ومأجوج ما قدروا أن يصعدوا من فوق السد لارتفاعه وملاسته، و لا استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
رحمة : أي أثر رحمة. دكاء : أي مثل دكاء وهي الناقة لا سنام لها ؛ والمراد بها الأرض المستوية. حقا : أي ثابتا واقعا لا محالة.
الإيضاح :
﴿ قال هذا رحمة من ربي ﴾أي قال ذو القرنين لأهل تلك الديار : هذا السد نعمة من الله ورحمة بعباده، إذ صار حاجزا بينكم وبين يأجوج ومأجوج يمنعهم من أن يعيثوا في الأرض فسادا.
﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ﴾ أي فإذا دنا وقت خروجهم من وراء السد جعله ربي بقدرته وسلطانه أرضا مستوية، فسلط عليهم منهم أو من غيرهم من يهدمه ويسوي به الأرض.
﴿ وكان وعد ربي حقا ﴾ أي وكان كل ما وعد به سبحانه حقا ثابتا لا ريب في تحققه، وقد جاء وعده تعالى بخروج جنكيزخان وسلائله فعاثوا في الأرض فسادا من الشرق والغرب وفعلوا الأفاعيل بالدولة الإسلامية، وأزالوا معالم الخلافة من بغداد كما علمت ذلك فيها سلف.
وقد ذكر المؤرخون أن سبب خروج جنكيزخان أن سلطان خوارزم السلجوقي قتل رسله وتجاره المرسلين من بلاده، وسلب أموالهم، وأغار على أطراف بلاده، فاغتاظ، وكتب إلى السلطان كتابا قال فيه : كيف تجرأتم على أصحابي ورجالي، وأخذتم تجاري ومالي... أتحركون الفتنة النائمة وتنبهون الشرور الكامنة.. أو ما جاءكم عن نبيكم : وعليكم أن تمنعوا من السفاهة غنيكم، وعن ظلم الضعيف قويكم، أوما بلغكم عنه مرشدوكم : اتركوا الترك ما تركوكم، وكيف تؤدون الجار وتسيؤون الجوار. ونبيكم قد أوصى به.. ألا إن الفتنة نائمة فلا توقظوها، وهذه وصاياي إليكم فعوها واحفظوها، وتلافؤوا التلف قبل أن ينهض داعي الانتقام، وينفتح عليكم سد يأجوج ومأجوج، وسينصر الله المظلوم ولينسلن عليكم يأجوج ومأجوج من كل حدب اه ملخصا.
روى البخاري عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب جحش أن رسول الله ( ص ) دخل عليها يوما فزعا يقول :" لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا "، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. قالت زينب : فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون فقال :" نعم إذا كثر الخبث ".
ولقد اتسع ذلك الفتح من هذا التاريخ شيئا فشيئا حتى فتح عن آخره في القرن السابع الهجري، وخرج هؤلاء القوم كما قدمنا، وقد عثر على آثاره كما علمت فيما سلف.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج و سدهما :
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ )فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم فيها من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني إفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( ٩٨ ) * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾[ الكهف : ٨٣ – ٩٨ ].
المعنى الجملي : هذه القصة رابعة ثلاثة من القصص التي ذكرت في هذه السورة، وقد قدمنا أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يطلبون إليهم ما يمتحنون به النبي ( ص ) فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح ؟ فنزلت سورة الكهف.
وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة لا بد من بيان أمور تمس الحاجة إليها : من ذو القرنين ؟ من يأجوج ومأجوج ؟ أين سد ذي القرنين ؟

ذو القرنين :

يرى من العلماء والمؤرخين أنه إسكندر بن فيلبس الرومي تلميذ أرسطاطاليس الفيلسوف المسمى بالمعلم الأول الذي انتشرت فلسفته في الأمة الإسلامية، وقد كان قبل الميلاد بنحو٣٣٠ سنة، وكان من أهل مقدونيا، وحارب الفرس واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك، ثم حكم مصر وبنى الإسكندرية، والدليل على ذلك : أنه لم يعرف التاريخ أن أحدا من الملوك دوخ العالم وسار شرقا وغربا وأكثر المعمور غيره.
ويرى أبو الريحان البيروني المنجم في كنابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " أنه من حمير واسمه أبو بكر بن إفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول :
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم مرشد
فرأى مآب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد( ١ )
وسمي ذا القرنين لانه بلغ قرني الشمس.
( ١ ) الخلب : الطين. والثأط : الحمأة. والحرمد : الأسود
والدليل على أنه حميري أن الأذواء إنما يعرفون في بلاد حمير دون بلاد اليونان، وهو من الدولة الحميرية التي حكمت من سنة( ١١٥ ق م ) إلى ( ٥٥٢ ب م ) من الطبقة الثانية منها، وملوكها يسمون التبابعة واحدهم تبع ( بضم التاء وتشديد الباء ).

يأجوج و مأجوج :

يأجوج : هم التتر. وماجوج : هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا بما يلي بلاد التركستان.
وقذ ذكر مؤرخوا العرب والإفرنج أن هذه الأمم كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفدوا الأرض، ودمروا كثيرا من الأمم، فمنهم الأمم المتوحشة التي انحدرت من الهضبات المرتفعة من آسيا الوسطى وذهبت إلى أوروبا في العهد القديم كأمة التحيت والسمريان والهون، وكثيرا ما أغاروا على بلاد الصين وآسيا الغربية التي كانت مقر الأنبياء.
ثم لم يزالوا في حدود بلادهم لا يتجاوزونها بعد زمن النبوة، إلى أن ظهر فيهم الداهية الرحالة( تموجين ) الذي لقب نفيه جنكيزخان – ملك العالم – بلغة المغول ؛ فخرج في أوائل القرن السابع من الهجرة من الهضبات المرتفعة والجبال الشاهقة التي في آسيا الوسطى، فأخضع الصين الشمالية أولا، ثم ذهب إلى البلاد الإسلامية فأخضع السلطان قطب الدين بن أرميلان من الملوك السلجوقية ملك خوارزم، وفعل بهذه الدولة من الفظائع ما لم يسمع بمثله التاريخ.
ولما مات جنكيزخان قام مقامه ابنه ( أقطاي ) وأغار ابن أخيه ( باتو ) على بلاد الروس سنة ( ٧٢٣ هـ ) ودمر بولنيا وبلاد المجر وأحرق وخرب.
وبعد أن مات أقطاي قام مقامه ( جالوك )فحارب الروم وألزم ملكها دفع الجزية ثم مات ( جالوك ) فقام مقامه إبن أخيه ( منجو ) فكلف أخويه ( كيلاي ) و( هولاكوا ) أن يستمرا في طريق الفتح، فاخضع كيلاي بلاد الصين، وزحف هولاكو على الممالك الإسلامية ومقر الخلافة العباسية، وكان الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، فأخذ بغداد عنوة في أواسط القرن السابع من الهجرة، وأسلمت للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهارا، وطرحوا كتب العلم في دجلة وجعلوها جسرا يمرون عليه بخيولهم وبذلك انتهت الخلافة العباسية ببغداد.
ولما استولت ذرية جنكيزخان على آسيا كلها وأوروبا الشرقية، اقتسموا بينهم ما فتحوه، وأنشؤوا أربع ممالك، فاختصت أسرة كيلاي بالصين، والمغول وملك جافاقاي أخو أقطاي تركستان، وملكت ذرية باطرخان البلاد التي على شواطيء نهر فلجا، وصارت الروسيا تدفع لها الجزية زمنا طويلا، وأخذ هولاكو بلاد الفرس وبغداد حتى بلاد الشام، وقد لخصنا ذلك من دائرة المعارف وابن خلدون وابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا.

سد ذي القرنين :

كانت البلاد التي شرقي البحر الأسود يسكنها قوم من الصقالية ( السلاف ) وكان هناك منبع بالقرب من مدينة ( باب الأبواب ) أو ( دربت ) بجبل قوقاف وقد كشفوه في القرن الحاضر وهو غير السد الشهير الذي بناه ذو القرنين، فإن هذا وراء جيجون في عمالة ( بلخ ) واسمه ( باب الحديد ) بمقربة من مدينة ( ترمذ ) وقد اجتازه تيمورلنك بجيشه، ومر به أيضا ( شاه روخ ) وكان في بطانته العالم الألماني ( سيلد برجر ) وذكر السد في كتابه وكان ذلك في أوائل القرن الخامس عشر، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني ( كلافيجو ) في رحلته سنة ١٤٠٣ وكان رسولا من ملك كستيل ( قشتالة ) بالأندلس إلى تيمورلنك، وقال إن سد مدينة ( باب الحديد ) على الطريق الموصل بين سمرقند والهند انتهى ملخصا من مقتطف سنة ١٨٨٨ م.
وبذلك تعلم أن السد موجود فعلا، وأن هذا معجزة للقرآن الكريم حقا، وهي إحدى المعجزات التي أيدها التاريخ وعلم تقويم البلدان، وقد قال النبي ( ص ) :" ويل للعرب من شر قد اقترب " وقد صدق رسوله، فأزال هؤلاء المغول دولة العرب وانتهت بقتل المستعصم آخر ملوكها، وبقي خليفة رسمي في مصر، وزال ملكهم بتاتا في حدود الألف، وتفرق ملك الإسلام شذر مذر، ولم تحفظه إلا الدولة العثمانية بعد العرب وقد كون أولئك التتار أغلب المسلمين في الهند والصين وأغلب آسيا، فهم كما ورثوا بلادهم ورثوا دينهم.
تفسير المفردات :
يموج : أي يضطرب اضطراب البحر. والصور : قرن ينفخ فيه.
الإيضاح :
﴿ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ﴾أي ويوم يدك السد يخرج هؤلاء من ورائه يموجون في الناس، ويفسدون عليهم زروعهم ويتلفون أموالهم، وهذا بمعنى قوله في سورة الأنبياء :﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ﴾[ الأنبياء : ٩٦ ]أي وهم من كل مرتفع من الأرض يسرعون في النزول من الآكام والمرتفعات، وتلك حال تنطبق على قوم جنكيزخان، فقد كان خروجهم من هضبات أسيا الوسطى، كما تقدم نقلا عن مؤرخي العرب والإفرنج.
كل هذا قبل النفخ في الصور بزمن مجهول غير معلوم.
﴿ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾ أي فإذا دنا ميقات الساعة نفخ في الصور وجمعنا الناس جمعا، وأحضرناهم للحساب كما قال :﴿ قل إن الأولين والآخرين ( ٤٩ ) لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ﴾[ الواقعة : ٤٩- ٥٠ ]وقوله :﴿ وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ﴾[ الكهف : ٤٧ ].
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.
تفسير المفردات :
عرضنا : أي أظهرنا وأبرزنا.
الإيضاح :
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾أي وأبرزنا جهنم يوم نفخ في الصور، وأظهرناها للكافرين بالله، حتى يروا أهوالها وشديد نكالها، ويسمعوا لها تغيظا وزفيرا، وفي هذا تعجيل للهم والحزن، ومعرفة أنهم مواقعوها، ولا يجدون عنها مصرفا.
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.
تفسير المفردات :
غطاء : أي غشاوة محيطة بها. عن ذكري : أي عن الآيات الموصلة إلى ذكري بتوحيدي وتمجيدي.
الإيضاح :
ثم بين أوصافهم التي استحقوا بها هذا الجزاء فقال :
﴿ الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ﴾ أي إن هذا العذاب إنما نالهم من جراء أنهم كانوا لا ينظرون في آيات الله فيتفكروا فيها، ولا يتأملون حججه فيعتبروا بها، وينيبوا إلى ربهم، وينقادوا لأمره ونهيه، وكانوا لا يطيقون أن يسمعوا ذكر الله الذي ذكرهم به، وبيانه الذي بينه لهم في آي كتابه، فتغافلوا و تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق كما قال :﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ﴾[ الزخرف : ٣٦ ].
ذاك أنهم لما دنسوا أنفسهم باجتراح المعاصي والآثام، وأطاعوا وساوس الشيطان، وما نصبه لهم من الحبائل، طبع الله على قلوبهم وجعل على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة.
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.
تفسير المفردات :
أولياء : أي معبودات يقونهم بأسي. أعتدنا : أي هيأنا. نزلا : أي طعاما يتمتعون به حين ورودهم إلى ربهم.
الإيضاح :
ثم بين أن ما اعتمدوا عليه من المعبودات الأخرى لا يجديهم نفعا فقال :
﴿ أفحسب الدين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ﴾ أي أفظن الذين كفروا بي، واتخذوا عبادي الذين هم في قبضتي وتحت سلطاني كالملائكة وعيسى – معبودات من دوني – أظنوا أن ذلك يجديهم نفعا، أو يرفع عنهم ما يحل بهم من النكال والوبال ؟
وخلاصة هذا : أظنوا أن ذلك الاتخاذ ينفعهم، وأنه لا يغضبني ؟ كلا.
ثم أكد هذا الانكار بقوله :
﴿ إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ﴾ أي إنا هيأنا لهؤلاء الكافرين جهنم عوضا مما أعدوه لأنفسهم من الأولياء الذين اتخذوهم زادا ليوم المعاد.
والخلاصة : إنا أعتدنا لهم مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والدخر عدة هي جهنم وبئس المصير.
وفي ذلك تهكم بهم، وتخطئة لهم في حسابهم ذلك، وإيماء إلى أن لهم وراء جهنم ألوانا أخرى من العذاب، وما جهنم إلا أنموذج منه.
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.
الإيضاح :
ثم ذكر سبحانه ما فيه تنبيه إلا جهلهم فقال :
﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾ أي قل أيها الرسول لهؤلاء الذين يجادلونك بالباطل من أهل الكتابين اليهود والنصارى : هل نخبركم بالذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبغون به ثوابا وفضلا، فنالوا به هلاكا وبوارا كالمشتري سلعة يرجو بها ربحا، فخاب رجاؤه، وخسر بيعه، ووكس في الذي رجا فضله ؟
وخلاصة ذلك : إنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به، وظنوا أنهم بفعلهم هذا مطيعون له، وأنهم يحسنون صنعا، ثم استبان لهم أنهم كانوا مخطئين، وفي ضلال مبين، وأن سعيهم الذي سعوه في الدنيا ذهب هباء، فلم يجدهم نقيرا ولا قطميرا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٣:
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.

الإيضاح :

ثم ذكر سبحانه ما فيه تنبيه إلا جهلهم فقال :
﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾ أي قل أيها الرسول لهؤلاء الذين يجادلونك بالباطل من أهل الكتابين اليهود والنصارى : هل نخبركم بالذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبغون به ثوابا وفضلا، فنالوا به هلاكا وبوارا كالمشتري سلعة يرجو بها ربحا، فخاب رجاؤه، وخسر بيعه، ووكس في الذي رجا فضله ؟
وخلاصة ذلك : إنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به، وظنوا أنهم بفعلهم هذا مطيعون له، وأنهم يحسنون صنعا، ثم استبان لهم أنهم كانوا مخطئين، وفي ضلال مبين، وأن سعيهم الذي سعوه في الدنيا ذهب هباء، فلم يجدهم نقيرا ولا قطميرا.

﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.
تفسير المفردات :
ولقائه : أي حين البعث والحشر وما يتبع ذلك.
الإيضاح :
ثم بين السبب في بطلان سعيهم فقال :
﴿ أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ﴾ أي إن هؤلاء الأخسرين أعمالا هم الذين كفروا بالدلائل المنبثة في الآفاق والأنفس التي تدعوا إلى توحيده، وكفروا بالبعث والحساب وما يتبع ذلك من أمور الآخرة، ومن ثم حبطت أعمالهم، فلم يكن لها ثواب ينفع أصحابها، بل لهم منها عذاب وخزي طويل، ولا تثقل بها موازينهم، لأن الموازين إنما تثقل بالأعمال الصالحة وليس لهم منها شيء.
﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء من ذكري وكانوا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾[ الكهف : ١٠٠- ١٠٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة ينفخ في الصور لقيام الخلق من قبورهم بعد أن تقطعت أوصالهم وتمزقت أجسامهم، وجمعهم في صعيد واحد للحساب والجزاء – قفى على ذلك ببيان أنه إذ ذاك يبرز النار للكافرين بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم، من قبل أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه، وأن ما عملوه من تلك الأعمال الباطلة نافع لهم، وكل ذلك وهم وخيال، فلا فائدة منه في ذلك اليوم، ولا نقيم له إذ ذاك وزنا.
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال :" كيف أنعم وصاحب القرن التقم قرنه، وحنى الجبهة وأصغى الأذن، متى يؤمر أن ينفخ ؟ ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن أن يقلوه من الأرض ما قدروا عليه ". قال : فأبلس – بئس وتحير – أصحاب رسول الله ( ص ) وشق عليهم، قال : فقال رسول الله ( ص ) :" قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا " والحديث يشير إلى قرب الساعة وأنها أوشكت تجيء.
تفسير المفردات :
الهزؤ : السخرية والاحتقار.
الإيضاح :
ثم بين مآلهم بسبب كفرهم وسائر معاصيهم إثر بيان أعمالهم المحبطة بذلك الكفر فقال :
﴿ ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾ أي إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم رسل الله ومعجزاتهم التي أظهرها على أيديهم هزؤا وسخرية، فلم يكتفوا بالكفر بها، بل ارتكبوا هذه الحماقة التي هي أعظم أنواع الاحتقار.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( ١٠٧ ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ( ١٠٨ ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ( ١٠٩ ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعلم عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾[ الكهف : ١٠٧- ١١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعده للكفار من العذاب في جهنم، جزاء كفرهم بربهم، واستهزائهم برسله وآياته، أردف ذلك بما يرغب المؤمنين في العمل الصالح من جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا على إنابتهم إليه وإخباتهم له، أأأ ثم ختم السورة ببيان حال القرآن الذي ذكر فيه الدلائل والبينات على وحدانيته وإرساله الرسل والبعث والجزاء للدلالة على عظيم فضله، ومزيد إنعامه ثم أعقب ذلك ببيان أن العمل لا يتقبل إذا صاحبه أمران : أن يكون خالصا لوجهه تعالى، وأن يكون مبرأ من الشرك الخفي والجلي.
روى البخاري ومسلم أن النبي ( ص ) قال :" من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي من عمل عملا مراءاة للناس، وليشهر به شهره الله يوم القيامة.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله( ص ) يقول :" إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ".
تفسير المفردات :
الفردوس : البستان بالرومية. وقال السدي : إنه الكرم بالنبطية وأصله فرداسا.
الايضاح :
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ﴾ أي إن الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين فيما جاؤوا به، وعملوا صالح الأعمال ابتغاء المثوبة من ربهم – لهم بساتين الفردوس في أعلى الجنة وأوسطها منزلا.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) :" إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس، فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن تبارك وتعالى، منه تفجر الأنهار "
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( ١٠٧ ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ( ١٠٨ ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ( ١٠٩ ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعلم عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾[ الكهف : ١٠٧- ١١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعده للكفار من العذاب في جهنم، جزاء كفرهم بربهم، واستهزائهم برسله وآياته، أردف ذلك بما يرغب المؤمنين في العمل الصالح من جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا على إنابتهم إليه وإخباتهم له، أأأ ثم ختم السورة ببيان حال القرآن الذي ذكر فيه الدلائل والبينات على وحدانيته وإرساله الرسل والبعث والجزاء للدلالة على عظيم فضله، ومزيد إنعامه ثم أعقب ذلك ببيان أن العمل لا يتقبل إذا صاحبه أمران : أن يكون خالصا لوجهه تعالى، وأن يكون مبرأ من الشرك الخفي والجلي.
روى البخاري ومسلم أن النبي ( ص ) قال :" من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي من عمل عملا مراءاة للناس، وليشهر به شهره الله يوم القيامة.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله( ص ) يقول :" إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ".
تفسير المفردات :
حولا : أي تحولا
الايضاح :
﴿ خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ﴾ أي لابثين فيها أبدا لا يبغون عنها تحولا إلى غيرها، قال ابن عباس : لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى.
وخلاصة هذا : إنه لا مكان أعز منها عندهم، ولا أرفع شأنا حتى تنازعهم إليه أنفسهم، وتطمح إليه أبصارهم.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( ١٠٧ ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ( ١٠٨ ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ( ١٠٩ ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعلم عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾[ الكهف : ١٠٧- ١١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعده للكفار من العذاب في جهنم، جزاء كفرهم بربهم، واستهزائهم برسله وآياته، أردف ذلك بما يرغب المؤمنين في العمل الصالح من جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا على إنابتهم إليه وإخباتهم له، أأأ ثم ختم السورة ببيان حال القرآن الذي ذكر فيه الدلائل والبينات على وحدانيته وإرساله الرسل والبعث والجزاء للدلالة على عظيم فضله، ومزيد إنعامه ثم أعقب ذلك ببيان أن العمل لا يتقبل إذا صاحبه أمران : أن يكون خالصا لوجهه تعالى، وأن يكون مبرأ من الشرك الخفي والجلي.
روى البخاري ومسلم أن النبي ( ص ) قال :" من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي من عمل عملا مراءاة للناس، وليشهر به شهره الله يوم القيامة.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله( ص ) يقول :" إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ".
تفسير المفردات :
والمداد : ما يمد به الشيء ؛ واختص بما تمد به الدواة من الحبر. كلمات ربي : معلوماته غير المتناهية.
الايضاح :
ثم نبه إلى عظيم شان القرآن بقوله :
﴿ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ﴾ أي قل لهم أيها الرسول : لو كان ماء البحر مدادا للقلم الذي تكتب به كلمات ربي وعلومه لنفد ماء البحر قبل أن تنفد تلك الكلمات، ولو مددنا ماء البحر بمثل ما فيه من الماء مددا وعونا، لأن مجموع المتناهيين متناه، وعلوم الله وحكمته لا نهاية لها، والمتناهى لا يفي البتة بغير المتناهي.
ونحو الآية قوله :﴿ ولو أنما الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ﴾[ لقمان : ٢٧ ]
روي أن اليهود قالوا : يا محمد تزعم أننا قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك ﴿ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ﴾ [ البقرة : ٢٦٩ ] ثم تقول :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] يريدون بذلك الاعتراض بوجود التناقض فأنزل الله الآية ردا عليهم.
وقد أثبت العلم الحديث ما يتبين منه أن في كل عالم من العوالم الأرضية والسماوية ما لا يحصى من النعم على عباده، وعليك آن تلقي سمعك إلى آخر الآراء التي اهتدى إليها العلماء في العصر الحاضر.
قال الأستاذ جينس الانكليزي المدرس لعلوم الرياضيات التطبيقية في جامعة بنسلفانيا بأمريكا في ٧ مارس ١٩٢٨ وهي أحدث الآراء في منشأ الكائنات وعدم التناهي في الزمان والمكان ما خلاصته :
( ١ ) إن عمر الأرض نحو ألفي مليون سنة.
( ٢ ) إن الإنسان لم يعش على الأرض إلا منذ ثلاثمائة ألف سنة فحسب.
( ٣ ) إن الشمس ستظل بعد ألف ألف مليون سنة كما هي الآن تقريبا، وتدور الأرض حولها كما هي الآن.
( ٤ ) الإنسان في المستقبل يكون أحكم من الإنسان الحاضر بثلاثة ملايين مرة على الأقل، فسينظم معيشته وفق حال الكرة الأرضية إذ ذاك.
( ٥ ) مما تقدم نعلم أن الإنسان حديث العهد بالولادة على الأرض، فهو طفل في علومه ومعارفه، وكل هم هذا الطفل كان موجها إلى غذائه ومسكنه، وهو يجهل العوالم الأخرى، ولكنه الآن عرف أن هناك عوالم أخرى لا نهاية لها، وأن معرفته بها تافهة جد التفاهة، وربما عاش بعد الآن ألفي مليون سنة على الأرض، وبعبارة أخرى إنه يعيش مدة تعادل عمر الأرض في الماضي.
( ٦ ) الأجرام التي حولنا لها نهاية، أما الفضاء الذي بعدها فلا نهاية له، فالشمس والكواكب والمجرات لها نهاية، ولكن وراءها فضاء لا نهاية له.
( ٧ ) الأجرام العلوية التي نراها والتي لا نراها كروية الشكل كقطرة الماء وكرة الأرض والشمس.
( ٨ ) الإشارات اللاسلكية التي تنبعث من جهاز لاسلكي كبير تدور حول الكرة الأرضية في أقل من سبع ثانية، وتعود إلى النقطة التي بدأت منها، وهكذا نحن لو اخترقنا هذه العوالم رجعنا إلى مبدإ سفرنا.
( ٩ ) إننا لو صنعنا منظارا قويا – تلسكوبا – لنرى الأجرام السماوية، لرأينا النجوم بهيئتها التي كانت عليها حينما أرسلت إلينا النور قبل ملايين السنين.
( ١٠ ) إن الإنسان اليوم طفل في العلوم، وربما علم في المستقبل ما لا يتخيله الآن.
( ١١ ) إن سرعة النور في الثانية الواحدة ١٨٦ ألف ميل، ومثله في ذلك الكهرباء اللاسلكية، لأنهما شيء واحد في جوهرهما، ويرجح أن النور يسير حول الفضاء الكروي مائة ألف مليون سنة، أي إن النور يدور في هذا العام المملوء بالأجرام العلوية الذي مجموعه كرة واحدة مدة مائة ألف مليون سنة مع العلم بأنه يدور حول الأرض في سبع ثانية، فما أبعد النسبة بين سبع ثانية، وبين مائة ألف مليون سنة.
إلا أن الأرقام لا تقدر أن تحصي المسافة المحصورة بين أي نقطتين كانتا على محيط الفضاء الكروي.
( ١٢ ) الشمس أكبر من الأرض حجما بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وما هي إلا حبة رمل على شاطئ هذا الفضاء الكروي، وهي واحدة من أسرة من أسر الكائنات التي في الفضاء الكروي التي قدرها العلامة " سيرز " بثلاثين ألف مليون مجموعة، وشمسنا وتوابعها حبة رمل في مجموعة واحدة من هذه الثلاثين ألف مليون مجموعة.
( ١٣ ) إن هناك سدما لولبية في خارج المجرة، وهي مجموعة من النجوم التي تم نشوءها أولا تزال في طور التكوين، وفي بعضها من المادة ما يكفي لخلق ألف مليون شمس كشمسنا.
( ١٤ ) يقول هويل : إن مرقب – تلسكوب – مونت ويلسون بأمريكا يريك نحو مليونين من تلك السدم، وإذا تمكن الإنسان من صنع مرقب أكبر من هذا فإنه يرى بلا شك ملايين كثيرة أخرى منها، وفيها من المادة ما يكفي لخلق ملايين الشموس و الأجرام الفلكية، ويقول : إذا أردت أن تعرف عدد النجوم التي تسبح في الفضاء على وجه التقريب، فضع رقم ٢ وعل يمينه ٢٤ صفرا، وهذا العدد يغطي الجزر البريطانية إلى عمق مئات من الأمتار.
( ١٥ ) أضعف النجوم المعروفة هي نجم " وولف " ونوره جزء من عشرين جزءا من نور الشمس، ونور النجم " دورادوس " يساوي ثلاثمائة ألف ضعف بالنسبة للنور المنبثق من الشمس.
وأصغر النجوم هو نجم " فان مانن " وحجمه كحجم الأرض، وأكبر النجوم الجوزاء، وهي أكبر من الشمس خمسا وعشرين مليون مرة، ونسبة نورها إلى نور الشمس كنسبة نور المصابيح الكهربائية إلى نور حشرة " الحباحب ".
( ١٦ ) إن الشمس تخرج أشعة تعادل قوتها خمسين حصانا من كل بوصة مربعة، وبعض النجوم التي هي أعظم من الشمس تشع نورا من البوصة المربعة يساوي قوة ثلاثين ألف حصان لكل بوصة مربعة.
( ١٧ ) إن الشمس تفقد كل يوم من المادة بسبب خروج الأشعة منها ما يساوي ٢٥٠ مليون طن في الدقيقة، ففي اليوم تفقد ٣٦٠ ألف مليون طن.
( ١٨ ) يظن أن عمر الشمس الآن عشرة ألف مليون سنة، ويمكن أن تعيش ملايين ملايين السنين دون أن تنطفئ.
( ١٩ ) عمر الأجرام الفلكية يختلف من خمسة آلاف مليون سنة إلى عشرة آلاف مليون سنة اه.
هذه آراء علماء الفلك في العصر الحاضر استنبطوها بالحساب تارة، وبوجه التقريب تارة أخرى، مما يرشد إلى تفسير قوله تعالى :" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي " الآية.
فهذه هي الكلمات الإلهية التي أدهشت الألباب، وضاعت الأعمار في البحث عن علم شيء منها، ولا يزال الناس في عماية من أمرها، ولم يصلوا إلا إلى معرفة القليل كما قال :﴿ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾ [ آل عمران : ٦٦ ].
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( ١٠٧ ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ( ١٠٨ ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ( ١٠٩ ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعلم عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾[ الكهف : ١٠٧- ١١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعده للكفار من العذاب في جهنم، جزاء كفرهم بربهم، واستهزائهم برسله وآياته، أردف ذلك بما يرغب المؤمنين في العمل الصالح من جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا على إنابتهم إليه وإخباتهم له، أأأ ثم ختم السورة ببيان حال القرآن الذي ذكر فيه الدلائل والبينات على وحدانيته وإرساله الرسل والبعث والجزاء للدلالة على عظيم فضله، ومزيد إنعامه ثم أعقب ذلك ببيان أن العمل لا يتقبل إذا صاحبه أمران : أن يكون خالصا لوجهه تعالى، وأن يكون مبرأ من الشرك الخفي والجلي.
روى البخاري ومسلم أن النبي ( ص ) قال :" من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي من عمل عملا مراءاة للناس، وليشهر به شهره الله يوم القيامة.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله( ص ) يقول :" إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ".
تفسير المفردات :
والرجاء : طمع حصول ما فيه مسرة مستقبلة. ولقاء ربه : هو البعث وما يتبعه.
الايضاح :
﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾ أي قل لهم أيها الرسول : إنما أنا بشر مثل ما انتم كذلك، و لا أدعي الإحاطة بكلمات الله جلت قدرته، و لا علم لي إلا ما علمني ربي، وأن الله أوحي إلي أن معبودكم الذي يجب أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا هو معبود واحد لا ثاني له و لا شريك.
﴿ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾ أي فمن كان يطمح في ثواب الله على طاعته فليخلص له العبادة، وليفرد له الربوبية، و لا يشرك به سواه، لا إشراكا جليا كما فعل الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، و لا إشراكا خفيا كما فعل أهل الرياء ممن يطلب بعمله الدنيا، وهذا هو الشرك الأصغر كما صح في الحديث، وروي مستفيضا في الأخبار من أن كل عمل أريد به الدنيا لا يقبل، فقد أخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) يرويه عن ربه قال :" أنا خير الشركاء، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا بريء منه وهو للذي أشرك " نسأل المولى القدير أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، لا يراد به رضا أحد من خلقه.
Icon