تفسير سورة آل عمران

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

﴿الم﴾ يَقُول أَنا الله أعلم بِخَبَر وَفد بني نَجْرَان وَيُقَال قسم أقسم بِهِ أَن الله وَاحِد لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ
﴿الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ﴾ الَّذِي لَا يَمُوت وَلَا يَزُول ﴿القيوم﴾ الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكتاب﴾ جِبْرِيل بِالْكتاب ﴿بِالْحَقِّ﴾ لتبيان الْحق وَالْبَاطِل ﴿مُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ لما قبله من الْكتب ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة﴾ جملَة على مُوسَى بن عمرَان ﴿وَالْإِنْجِيل﴾ جملَة على عِيسَى بن مَرْيَم
﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل مُحَمَّد وَالْقُرْآن ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ لبني إِسْرَائِيل من الضَّلَالَة ﴿وَأَنْزَلَ الْفرْقَان﴾ على مُحَمَّد مُتَفَرقًا بالحلال وَالْحرَام ﴿إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن وهم وَفد بني نَجْرَان ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَالله عَزِيزٌ﴾ منيع بالنقمة ﴿ذُو انتقام﴾ ذُو نقمة مِنْهُم
﴿إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْض﴾ من خبر وَفد بني نَجْرَان ﴿وَلاَ فِي السمآء﴾ من خبر الْمَلَائِكَة
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ﴾ يخلقكم (فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَآءُ) قَصِيرا أَو طَويلا حسنا أَو قبيحاً ذكرا أَو انثى شقيا أَو سعيد ﴿لَا إِلَه﴾ لَا مُصَور وَلَا خَالِي ﴿إِلاَّ هُوَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ بتصوير مَا فِي الْأَرْحَام
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكتاب﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ
42
﴿مِنْهُ﴾ من الْقُرْآن ﴿آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ﴾ مبينات بالحلال وَالْحرَام لم تنسخ يعْمل بهَا ﴿هُنَّ أُمُّ الْكتاب﴾ أصل الْكتاب وَإِمَام فِي كل كتاب يعْمل بهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى ﴿قُل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم﴾ الْآيَة ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ مَا اشتبهت على الْيَهُود من نَحْو حِسَاب الْجمل مثل آلم المص ق المر والر وَيُقَال منسوخات لَا يعْمل بهَا ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ﴾ وهم الْيَهُود كَعْب بن الْأَشْرَف وحيي بن أَخطب وجدي بن أَخطب ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ شكّ وَخلاف وميل عَن الْهدى ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ من الْقُرْآن ﴿ابْتِغَاء الْفِتْنَة﴾ طلب الْكفْر والشرك والاستقامة على مَا هم عَلَيْهِ من الضَّلَالَة ﴿وابتغاء تَأْوِيلِهِ﴾ طلب عَاقِبَة هَذِه الْأمة لكَي يرجع الْملك إِلَيْهِم ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ عَاقِبَة هَذِه الْأمة ﴿إِلاَّ الله﴾ انْقَطع الْكَلَام ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ ﴿والراسخون فِي الْعلم﴾ البالغون بِعلم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه (يَقُولُونَ) آمنا بِهِ الْقُرْآن ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ نزل الْمُحكم والمتشابه ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ﴾ يتعظ بأمثال الْقُرْآن ﴿إِلاَّ أُوْلُواْ الْأَلْبَاب﴾ ذَوُو الْعُقُول من النَّاس عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه
43
﴿رَبَّنَا﴾ وَيَقُولُونَ أَيْضا يَا رَبنَا ﴿لاَ تُزِغْ قُلُوبنَا﴾ لَا تمحي قُلُوبنَا عَن دينك ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ لدينك ﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً﴾ ثبتنا على دينك ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب﴾ للْمُؤْمِنين الَّذين قبلنَا وَيُقَال الْوَهَّاب النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام لمُحَمد
﴿رَبَّنَآ﴾ وَيَقُولُونَ يَا رَبنَا ﴿إِنَّكَ جَامِعُ النَّاس﴾ بعد الْمَوْت ﴿لِيَوْمٍ﴾ فِي يَوْم ﴿لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ ﴿إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت والحساب والصراط وَالْمِيزَان وَالْجنَّة وَالنَّار
﴿إِن الَّذين كفرُوا﴾ يَعْنِي كَعْب ابْن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه وَيُقَال أَبُو جهل وَأَصْحَابه ﴿لَن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم﴾ كَثْرَة أَمْوَالهم ﴿وَلَا أَوْلَادهم﴾ كَثْرَة أَوْلَادهم ﴿مِّنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار﴾ حطب النَّار
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ كصنع آل فِرْعَوْن وَيَقُول صنع بك قَوْمك كَذبُوك وشتموك كَمَا صنع قوم مُوسَى بمُوسَى كذبوه وشتموه ونصنع بهم يَوْم بدر كَمَا صنعنَا بِقوم مُوسَى يَوْم الْغَرق ﴿وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قوم مُوسَى ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بِالْكتاب وَالرَّسُول الَّذِي بعثنَا إِلَيْهِم ﴿فَأَخَذَهُمُ الله﴾ أهلكهم الله ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ بتكذيبهم ﴿وَالله شَدِيدُ الْعقَاب﴾ إِذا عاقب
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ تقتلون يَوْم بدر ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المهاد﴾ الْفراش والمصير
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿آيَةٌ﴾ عَلامَة لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فِي فِئَتَيْنِ﴾ جمعين جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان ﴿التقتا﴾ يَوْم بدر ﴿فِئَةٌ﴾ جمَاعَة ﴿تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَكَانُوا ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ وَجَمَاعَة أُخْرَى كَافِرَة بِاللَّه وَالرَّسُول أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه وَكَانُوا تِسْعمائَة وَخمسين رجلا ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ يرَوْنَ أنفسهم ﴿مِّثْلَيْهِمْ﴾ مثل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿رَأْيَ الْعين﴾ عيَانًا ظَاهرا بِالْعينِ وَيُقَال لَهَا وَجه آخر يَقُول قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ بني قُرَيْظَة وَالنضير ستغلبون بِالْقَتْلِ والإجلاء وَتُحْشَرُونَ بعد الْمَوْت إِلَى جَهَنَّمْ وَبِئْسَ المِهَاد الْفراش والمصير أخْبرهُم بذلك قبل يَوْم بدر بِسنتَيْنِ ثمَّ نزل قَدْ كَانَ لَكُمْ يَا معشر الْيَهُود آيةٌ عَلامَة لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فِئَتَيْنِ جمعين جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان الْتَقَتَا يَوْم بدر فِئَةٌ جمَاعَة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه تقَاتل فِي سَبِيل الله فِي طَاعَة وَأُخْرَى كَافِرَة وَجَمَاعَة أُخْرَى كَافِرَة بِاللَّه وَالرَّسُول أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه ترونهم رأيتموهم يَا معشر الْيَهُود مِّثْلَيْهِمْ مثل أَصْحَاب مُحَمَّد رَأْيَ الْعَيْنِ عيَانًا ظَاهرا ﴿وَالله يُؤَيِّدُ﴾ يُقَوي ﴿بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِي نصْرَة الله لمُحَمد يَوْم بدر ﴿لَعِبْرَةً لأُوْلِي الْأَبْصَار﴾ فِي الدّين يَعْنِي الْمُؤمنِينَ وَيُقَال لمن أبْصر بِالْعينِ
ثمَّ ذكر مَا زين للْكفَّار من نعيم الدُّنْيَا فَقَالَ
43
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ حسن للنَّاس فِي قُلُوبهم ﴿حُبُّ الشَّهَوَات﴾ اللَّذَّات ﴿مِنَ النِّسَاء﴾ يَعْنِي من الْإِمَاء وَالنِّسَاء ﴿والبنين﴾ يَعْنِي العبيد والبنين ﴿والقناطير المقنطرة﴾ يَعْنِي الْأَمْوَال الْمَجْمُوعَة ﴿مِنَ الذَّهَب وَالْفِضَّة﴾ وَيُقَال يَعْنِي الْأَمْوَال المضروبة المنقشة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْقِنْطَار وَاحِد وَهُوَ ملْء مسك ثَوْر ذَهَبا أَو فضَّة وَيُقَال ألف وَمِائَتَا مِثْقَال والقناطير ثَلَاثَة والمقنطرة تِسْعَة ﴿وَالْخَيْل المسومة﴾ يَعْنِي الْخَيل الرواتع الحسان المعلمة ﴿والأنعام﴾ يَعْنِي الْغنم وَالْبَقر وَالْإِبِل ﴿والحرث﴾ يَعْنِي الزَّرْع والمزرعة ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَنْفَعَة للنَّاس فِي الدُّنْيَا ثمَّ تفنى وَيُقَال ذَلِك هَذَا للَّذي ذكرت مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا يَقُول بَقَاؤُهُ كبقاء مَتَاع الْبَيْت مثل الْقدح والسكرجة وَغير ذَلِك ﴿وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب﴾ الْمرجع فِي الْآخِرَة يَعْنِي الْجنَّة لمن ترك ذَلِك
44
ثمَّ بيَّن نعيم الْآخِرَة وبقاءها وفضلها كَمَا بَين نعيم الدُّنْيَا فَقَالَ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد للْكفَّار ﴿أَؤُنَبِّئُكُم﴾ أخْبركُم ﴿بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُم﴾ مِمَّا ذكرت لكم من زِينَة الدُّنْيَا ﴿لِلَّذِينَ اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه ﴿عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ﴾ بساتين ﴿تجْرِي﴾ تطرد ﴿من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أنهارالخمر وَالْعَسَل وَاللَّبن وَالْمَاء ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ وَلَهُم أَزوَاج مهذبة من الْحيض والأدناس ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله﴾ ورضا رَبهم أكبر مِمَّا هم فِيهِ من النَّعيم ﴿وَالله بَصِيرٌ بالعباد﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ وبمكانهم فِي الْجنَّة وبأعمالهم فِي الدُّنْيَا
ثمَّ وَصفهم فَقَالَ ﴿الَّذين يَقُولُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿إِنَّنَآ آمَنَّا﴾ بك وبرسولك ﴿فَاغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ فِي الْجَاهِلِيَّة وَمَا بعد الْجَاهِلِيَّة ﴿وقنا عَذَاب النَّار﴾ دفع عَنَّا عَذَاب النَّار
﴿الصابرين﴾ على أَدَاء فَرَائض الله وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَيُقَال الصابرين على المرازي ﴿والصادقين﴾ فِي إِيمَانهم ﴿والقانتين﴾ لمطيعين لله وَلِلرَّسُولِ (والمنفقين) أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله ﴿والمستغفرين﴾ الْمُصَلِّين (بالأسحار) التَّطَوُّع
ثمَّ وحد نَفسه فَقَالَ ﴿شَهِدَ الله﴾ وَإِن لم يشْهد أحد غَيره ﴿أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة﴾ يشْهدُونَ بذلك ﴿وأولو الْعلم﴾ والنبيون والمؤمنون يشْهدُونَ بذلك ﴿قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ أَمر أَن لَا يعبد غَيره
﴿إِنَّ الدِّينَ﴾ المرضي ﴿عِندَ الله الْإِسْلَام﴾ وَيُقَال شهد الله أَن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام مقدم ومؤخر وَشهد بذلك الْمَلَائِكَة والنبيون والمؤمنون نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجلَيْنِ من أهل الشَّام طلبا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي شَهَادَة أكبر فِي كتاب الله فَبين الله ذَلِك فَأَسْلمَا ﴿وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الْإِسْلَام وَمُحَمّد ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم﴾ بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ حسداً بَينهم ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿فَإِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب﴾ شَدِيد الْعقَاب
ثمَّ ذكر خصومتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دين الْإِسْلَام يُقَال ﴿فَإنْ حَآجُّوكَ﴾ خاصموك يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الدّين ﴿فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾ أخلصت ديني وعملي ﴿للَّهِ وَمَنِ اتبعن﴾ أَيْضا ﴿وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿والأميين﴾ يَعْنِي الْعَرَب ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ أتسلمون كَمَا أسلمنَا فَقَالَ الله ﴿فَإِنْ أَسْلَمُواْ﴾ كَمَا أسلمتم ﴿فَقَدِ اهتدوا﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عَن ذَلِك ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ﴾ التَّبْلِيغ عَن الله ﴿وَالله بَصِيرٌ بالعباد﴾ بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن
﴿إِنَّ الَّذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيين﴾ يَعْنِي يتولون الَّذين كَانُوا يقتلُون النَّبِيين من آبَائِهِم ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ بِلَا جرم ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذين يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿مِنَ النَّاس﴾ من الَّذين آمنُوا بالنبيين ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
﴿أُولَئِكَ الَّذين حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بطلت حسناتهم
44
﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ يَعْنِي لَا يثابون بهَا فِي الْآخِرَة ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ من مانعين من عَذَاب الله
45
ثمَّ ذكر إِعْرَاض بني قُرَيْظَة وَالنضير من أهل خَيْبَر عَن الرَّجْم فَقَالَ ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تنظر يَا مُحَمَّد ﴿إِلَى الَّذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكتاب﴾ أعْطوا علما بِمَا فِي التَّوْرَاة من الرَّجْم وَغَيره ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله﴾ الْقُرْآن ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ بِالرَّجمِ كَمَا فِي كِتَابهمْ على الْمُحصن والمحصنة اللَّذين زَنَيَا فِي خَيْبَر ﴿ثُمَّ يتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ يعرض طَائِفَة مِنْهُم بَنو قُرَيْظَة وَأهل خَيْبَر عَن الحكم ﴿وَهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ مكذبون بذلك
﴿ذَلِك﴾ الْإِعْرَاض والتكذيب وَالْعَذَاب ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّار﴾ لن تصيبنا النَّار فِي الْآخِرَة ﴿إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ قدر أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ قوم من الْيَهُود لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات وَهِي سَبْعَة أَيَّام من أَيَّام الْآخِرَة كل يَوْم ألف سنة الَّتِي عبد آباؤهم الْعجل فِيهَا ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ﴾ يَعْنِي ثباتهم على دين الْيَهُودِيَّة ﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ الترؤهم هَذَا وَيُقَال تَأْخِير الْعَذَاب
﴿فَكَيْفَ﴾ يصنعون يَا مُحَمَّد ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ بعد الْمَوْت ﴿لِيَوْمٍ﴾ فِي يَوْم ﴿لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ ﴿وَوُفِّيَتْ﴾ وفرت ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة وفاجرة ﴿مَّا كَسَبَتْ﴾ مَا عملت من خير أَو شَرّ ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يزدْ على سيئاتهم
﴿قُلِ اللَّهُمَّ﴾ قل يَا الله أم بِنَا أَي اقصد بِنَا إِلَى الْخَيْر ﴿مَالِكَ الْملك﴾ يَا مَالك الْمُلُوك وَالْملك ﴿تُؤْتِي الْملك مَن تَشَآءُ﴾ تُعْطِي الْملك من تشَاء يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ﴿وَتَنزِعُ الْملك مِمَّنْ تَشَآءُ﴾ تَأْخُذ الْملك مِمَّن تشَاء من أهل فَارس وَالروم ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ﴾ يَعْنِي عبد الله بن أبي ابْن سلول وَأَصْحَابه وَأهل فَارس وَالروم ﴿بِيَدِكَ الْخَيْر﴾ الْعِزّ والذل وَالْملك وَالْغنيمَة والنصرة والدولة ﴿إِنَّكَ على كُلِّ شَيْء﴾ من الْعِزّ والذل وَالْملك وَالْغنيمَة والنصرة والدولة ﴿قَدِيرٌ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله ابْن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق فِي قَوْله بعد فتح مَكَّة من أَيْن يكون لَهُم ملك فَارس وَالروم وَيُقَال نزلت فِي قُرَيْش لقَولهم كسْرَى ينَام على فرش الديباج فَإِن كنت نَبيا فَأَيْنَ ملكك
ثمَّ بَين قدرته فَقَالَ ﴿تولج اللَّيْل فِي النَّهَار﴾ يَقُول تزيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل ﴿وَتُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل﴾ يَقُول تزيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت﴾ يَقُول تخرج النَّسمَة من النُّطْفَة ﴿وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ﴾ النُّطْفَة من الْإِنْسَان وَيُقَال تخرج الْحَيّ الدَّجَاجَة من الْمَيِّت من الْبَيْضَة وَتخرج الْمَيِّت الْبَيْضَة من الْحَيّ من الدَّجَاجَة وَيَقُول وَتخرج الْحَيّ السنبلة من الْمَيِّت من الْحبَّة وَتخرج الْمَيِّت الْحبَّة من الْحَيّ من السنبلة ﴿وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بِلَا قُوَّة وَلَا هنداز وَلَا منَّة وَيُقَال توسع المَال على من تشَاء بِلَا حرج وتكليف
﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ يَقُول لَا يَنْبَغِي أَن تتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿الْكَافرين﴾ الْيَهُود ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ فِي التعزز والكرامة ﴿مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك﴾ للولاية والكرامة ﴿فَلَيْسَ مِنَ الله﴾ من كَرَامَة الله وَرَحمته وذمته ﴿فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ﴾ تُرِيدُونَ أَن تنجوا ﴿مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ نجاة بِاللِّسَانِ دون الْقلب ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ﴾ فِي تقية من دم الْحَرَام وَفرج الْحَرَام وَمَال الْحَرَام وَشرب الْخمر وَشَهَادَة الزُّور والشرك بِاللَّه ﴿وَإِلَى الله الْمصير﴾ الْمرجع بعد الْمَوْت
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِن تُخْفُوا﴾ تسروا ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ مَا فِي قُلُوبكُمْ من البغض والعداوة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَوْ تُبْدُوهُ﴾ تظهروه بالشتم والطعن وَالْحَرب ﴿يَعْلَمْهُ الله﴾ يحفظه الله عَلَيْكُم ويجزكم بذلك ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخَيْر وَالشَّر والسرر وَالْعَلَانِيَة ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وثوابهم وعقابهم ﴿قَدِيرٌ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود
﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً﴾ مَكْتُوبًا فِي ديوانها ﴿وَمَا عملت من سوء﴾
45
من قَبِيح أَيْضا تَجدهُ مَكْتُوبًا فِي ديوانها ﴿تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا﴾ بَين النَّفس ﴿وَبَيْنَهُ﴾ بَين الْفِعْل الْقَبِيح ﴿أَمَدَاً بَعِيداً﴾ أَََجَلًا طَويلا من مطلع الشَّمْس إِلَى مغْرِبهَا ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ﴾ عِنْد الْمعْصِيَة ﴿وَالله رَؤُوفُ بالعباد﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ
46
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله﴾ وَدينه ﴿فَاتبعُوني﴾ فاتبعوا ديني ﴿يُحْبِبْكُمُ الله﴾ يزدكم الله حبا إِلَى حبكم ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ فِي الْيَهُودِيَّة ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْيَهُود لقَولهم نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه على دينه فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ عبد الله بن أبي يَأْمُرنَا مُحَمَّد أَن نحبه كَمَا أحبت النَّصَارَى الْمَسِيح وَقَالَت الْيَهُود يُرِيد مُحَمَّد أَن نتخذه رَبًّا حناناً كَمَا اتَّخذت النَّصَارَى عِيسَى حناناً فَأنْزل الله فِي قَوْلهم
﴿قُلْ أَطِيعُواْ الله﴾ فِي الْفَرَائِض ﴿وَالرَّسُول﴾ فِي السّنَن ﴿فإِن تَوَلَّوْا﴾ أَعرضُوا عَن طاعتهما ﴿فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْكَافرين﴾ الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ فَلَمَّا
نزلت هَذِه الْآيَة قَالَت الْيَهُود نَحن على دين آدم مُسلمين فَأنْزل الله ﴿إِنَّ الله اصْطفى آدَمَ﴾ اخْتَار آدم بِالْإِسْلَامِ ﴿وَنُوحاً﴾ بِالْإِسْلَامِ ﴿وَآلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ أَوْلَاد إِبْرَاهِيم بِالْإِسْلَامِ ﴿وَآل عمرَان﴾ مُوسَى وهرون بِالْإِسْلَامِ ﴿عَلَى الْعَالمين﴾ عالمي زمانهم وَيُقَال لَيْسَ عمرَان أَبَا مُوسَى وهرون
﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ بَعْضهَا على دين بعض وَولد بَعْضهَا من بعض ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لمقالة الْيَهُود نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه على دينه ﴿عَلِيمٌ﴾ بعقوبتهم وبمن هُوَ على دينه
وَاذْكُر يَا مُحَمَّد ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَة عِمْرَانَ﴾ حنة أم مَرْيَم ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ﴾ جعلت لَك ﴿مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ خَادِمًا لمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيع﴾ للدُّعَاء ﴿الْعَلِيم﴾ بالإجابة وَبِمَا فِي بَطْني
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ ولدتها فَإِذا هِيَ جَارِيَة ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَى﴾ ولدتها جَارِيَة ﴿وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ بِمَا ولدت ﴿وَلَيْسَ الذّكر﴾ فِي الْخدمَة والعورة ﴿كالأنثى﴾ كالجارية ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ﴾ أعتصمها بك وأمنعها بك ﴿وَذُرِّيَّتَهَا﴾ إِن كَانَ لَهَا ذُرِّيَّة ﴿مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم﴾ اللعين
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ أَي أحسن إِلَيْهَا حَتَّى قبلهَا مَكَان الْغُلَام ﴿وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً﴾ غذاها فِي الْعِبَادَة بِالسِّنِينَ والشهور وَالْأَيَّام والساعات غذَاء حسنا ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ ضمهَا إِلَيْهِ للتربية ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب﴾ يَعْنِي بَيتهَا الَّذِي كَانَت تعبد فِيهِ ﴿وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً﴾ فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف مثل الْقصب وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء مثل الْعِنَب ﴿قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَكِ هَذَا﴾ من أَيْن لَك هَذَا فِي غير حِينه ﴿قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله﴾ أَتَانِي بِهِ جِبْرِيل ﴿إنًّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ﴾ يُعْطي من يَشَاء فِي حِينه وَفِي غير حِينه ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بِلَا تَقْدِير وَلَا هدز
﴿هُنَالِكَ﴾ عِنْد ذَلِك ﴿دَعَا﴾ وطمع ﴿زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي﴾ أَعْطِنِي ﴿مِن لَّدُنْكَ﴾ من عنْدك ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ ولدا صَالحا ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدعآء﴾ مُجيب الدُّعَاء
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة﴾ يَعْنِي جِبْرِيل ﴿وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب﴾ فِي الْمَسْجِد ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ بِولد يُسمى بِيَحْيَى ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله﴾ بِعِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يكون بِكَلِمَة من الله مخلوقاً بِلَا أَب ﴿وَسَيِّداً﴾ حَلِيمًا عَن الْجَهْل ﴿وَحَصُوراً﴾ لم يكن لَهُ شَهْوَة إِلَى النِّسَاء ﴿وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحين﴾ من الْمُرْسلين
﴿قَالَ رَبِّ﴾ قَالَ زَكَرِيَّا لجبريل يَا سَيِّدي ﴿أَنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ﴾ من أَيْن يكون لي ولد ﴿وَقَدْ بَلَغَنِي الْكبر﴾ وَقد أدركني الْكبر ﴿وامرأتي عَاقِرٌ﴾ عقيم لَا تَلد ﴿قَالَ﴾ جِبْرِيل ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا قلت لَك ﴿الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ كَمَا يَشَاء
﴿قَالَ﴾ زَكَرِيَّا ﴿رَبِّ﴾ أَي يَا رب ﴿اجْعَل لي آيَةً﴾ عَلامَة فِي حَبل امْرَأَتي ﴿قَالَ آيَتُكَ﴾ علامتك فِي حَبل امْرَأَتك ﴿أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاس﴾ لَا تقدر أَن تكلم النَّاس
46
﴿ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ من غير خرس ﴿إِلاَّ رَمْزاً﴾ إِلَّا تحريكاً بالشفتين والحاجبين والعينين وَالْيَدَيْنِ وَيُقَال إِلَّا كِتَابَة على الأَرْض ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ﴾ بِاللِّسَانِ وَالْقلب ﴿كَثِيراً﴾ على كل حَال ﴿وَسَبِّحْ بالْعَشي وَالْإِبْكَار﴾ صلى غدْوَة وعشياً كَمَا كنت تصلي
47
﴿وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة﴾ يَعْنِي جِبْرِيل ﴿يَا مَرْيَم إِنَّ الله اصطفاك﴾ يُقَال اختارك بِالْإِسْلَامِ وَالْعِبَادَة ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ من الْكفْر والشرك والأدناس وَيُقَال أنجاك من الْقَتْل ﴿واصطفاك﴾ اختارك ﴿على نِسَآءِ الْعَالمين﴾ عالمي زَمَانك بِوِلَادَة عِيسَى
﴿يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّكِ﴾ أطيعي لِرَبِّك شكرا لذَلِك وَيُقَال أطيلي الْقيام فِي الصَّلَاة شكرا لِرَبِّك ﴿واسجدي واركعي﴾ مَعْنَاهُ واركعي واسجدي بامركوع وَالسُّجُود ﴿مَعَ الراكعين﴾ مَعَ أهل الصَّلَاة
﴿ذَلِك﴾ هَذَا الَّذِي ذكرت من خبر مَرْيَم وزَكَرِيا ﴿مِنْ أَنَبَآءِ الْغَيْب﴾ من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك يَا مُحَمَّد ﴿نُوحِيهِ إِلَيكَ﴾ يَقُول نرسل جِبْرِيل بِهِ إِلَيْك ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ﴾ يَعْنِي عِنْد الْأَحْبَار ﴿إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ﴾ فِي جري المَاء ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ﴾ يَأْخُذ ﴿مَرْيَمَ﴾ للتربية ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ عِنْدهم ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحجَّةِ لتربية مَرْيَم
﴿إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة﴾ يَعْنِي جِبْرِيل ﴿يَا مَرْيَم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ﴾ بِولد يكون بِكَلِمَة من الله مخلوقاً ﴿اسْمه الْمَسِيح﴾ يُسمى الْمَسِيح لِأَنَّهُ يسيح فِي الْبلدَانِ وَيُقَال الْمَسِيح الْملك ﴿عِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا﴾ لَهُ الْقدر والمنزلة فِي الدُّنْيَا عِنْد النَّاس ﴿وَالْآخِرَة﴾ وَفِي الْآخِرَة عِنْد الله لَهُ الْقدر والمنزلة ﴿وَمِنَ المقربين﴾ إِلَى الله فِي جنَّة عدن
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاس فِي المهد﴾ فِي الْحجر ابْن أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِنِّي عبد الله ومسيحه ﴿وَكَهْلاً﴾ بعد ثَلَاثِينَ سنة بِالنُّبُوَّةِ ﴿وَمِنَ الصَّالِحين﴾ من الْمُرْسلين
﴿قَالَتْ رَبِّ﴾ قَالَت مَرْيَم لجبريل يَا سَيِّدي ﴿أَنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾ من أَيْن يكون لي غُلَام ولد ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ بالحلال وَلَا بالحرام ﴿قَالَ﴾ جِبْرِيل ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا قلت لَك ﴿الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ كَمَا يَشَاء ﴿إِذَا قضى أَمْراً﴾ إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا مِنْك بِلَا أَب ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ولدا بِلَا أَب
﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكتاب﴾ كتب الْأَنْبِيَاء وَيُقَال الْكِتَابَة ﴿وَالْحكمَة﴾ الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال حِكْمَة الْأَنْبِيَاء قبله ﴿والتوراة﴾ فِي بطن أمه ﴿وَالْإِنْجِيل﴾ بعد خُرُوجه من بطن أمه
﴿وَرَسُولاً﴾ بعد ثَلَاثِينَ سنة ﴿إِلَى بني إِسْرَائِيلَ﴾ فَلَمَّا جَاءَهُم قَالَ ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لنبوتي قَالُوا وَمَا الْعَلامَة قَالَ ﴿أَنِّي أَخْلُقُ﴾ إِنِّي أصور ﴿لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير﴾ كشبه الطير ﴿فَأَنفُخُ فِيهِ﴾ كنفخ النَّائِم ﴿فَيَكُونُ طَيْراً﴾ فَيصير طيراً يطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ﴿بِإِذْنِ الله﴾ بِأَمْر الله فصور لَهُم خفاشاً فَقَالُوا هَذَا سحر فَهَل عنْدك غَيره قَالَ نعم ﴿وأبرئ﴾ أصحح ﴿الأكمه﴾ الَّذِي لم يزل أعمى ﴿والأبرص﴾ أَيْضا ﴿وأحيي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله﴾ باسم الله الْأَعْظَم يَا حَيّ يَا قيوم فَلَمَّا فعل ذَلِك قَالُوا هَذَا سحر فَهَل عنْدك غَيره قَالَ نعم ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ﴾ أخْبركُم ﴿بِمَا تَأْكُلُونَ﴾ غدْوَة وَعَشِيَّة ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾ ترفعون من غداء لعشاء وَمن عشَاء لغداء ﴿فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا قلت لكم ﴿لآيَةً﴾ لعلامة ﴿لَّكُمْ﴾ لنبوتي ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ مُصدقين
﴿وَمُصَدِّقاً﴾ وجئتكم مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ بِالدينِ ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة﴾ قبلي من التَّوْرَاة وَسَائِر الْكتب ﴿وَلأُحِلَّ لَكُم﴾ أرخص وَأبين لكم ﴿بَعْضَ الَّذِي﴾ تَحْلِيل بعض الَّذِي ﴿حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ مثل لحم الْإِبِل وشحوم الْبَقر وَالْغنم والسبت وَغير ذَلِك
47
﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا الله﴾ فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم بِهِ وتوبوا إِلَيْهِ ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ وَاتبعُوا أَمْرِي وديني
48
﴿إِنَّ الله رَبِّي﴾ هُوَ رَبِّي ﴿وَرَبُّكُمْ فاعبدوه﴾ فوحدوه ﴿هَذَا﴾ التَّوْحِيد ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
﴿فَلَمَّآ أَحَسَّ﴾ علم ﴿عِيسَى مِنْهُمُ الْكفْر﴾ وَرَأى مِنْهُم الْقَتْل حِين أَرَادوا قَتله وَيُقَال أَحَسَّ سمع مِنْهُم تكْرَار الْكفْر ﴿قَالَ﴾ عِيسَى ﴿مَنْ أَنْصَارِي﴾ من أعواني ﴿إِلَى الله﴾ مَعَ الله على أعدائه ﴿قَالَ الحواريون﴾ أصفياؤه القصارون وهم اثْنَا عشر رجلا ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ الله﴾ أعوانك مَعَ الله على أعدائه ﴿آمَنَّا بِاللَّه واشهد﴾ اعْلَم أَنْت يَا عِيسَى ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ مقرون لله بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿آمَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ﴾ من الْكتاب يَعْنِي الْإِنْجِيل ﴿وَاتَّبَعنَا الرَّسُول﴾ دين الرَّسُول عِيسَى ﴿فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين﴾ فاجعلنا مَعَ السَّابِقين الْأَوَّلين الَّذين شهدُوا قبلنَا وَيُقَال فاجعلنا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَمَكَرُواْ﴾ أَرَادوا يَعْنِي الْيَهُود قتل عِيسَى ﴿وَمَكَرَ الله﴾ أَرَادَ الله قتل صَاحبهمْ قطيانوس ﴿وَالله خَيْرُ الماكرين﴾ أقوى المريدين وَيُقَال أفضل الصانعين
﴿إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ﴾ مقدم ومؤخر يَقُول إِنِّي رافعك ﴿إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ﴾ منجيك ﴿مِنَ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بك ﴿وَجَاعِلُ الَّذين اتبعوك﴾ اتبعُوا دينك ﴿فَوْقَ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِالْحجَّةِ والنصرة ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة﴾ ثمَّ متوفيك قابضك بعد النُّزُول وَيُقَال متوفي قَلْبك من حب الدُّنْيَا ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ بعد الْمَوْت ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ فأقضي بَيْنكُم ﴿فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ﴾ فِي الدّين ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾ تخاصمون
﴿فَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه وَرَسُوله مُحَمَّد وَعِيسَى ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا﴾ بِالسَّيْفِ والجزية ﴿وَالْآخِرَة﴾ بالنَّار ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ من مانعين من عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿وَأَمَّا الَّذين آمَنُوا﴾ بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول مُحَمَّد وَعِيسَى ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم خَالِصا ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ يوفرهم ﴿أُجُورَهُمْ﴾ ثوابهم فِي الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين بظلمهم بظلمهم وشركهم
﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت يَا مُحَمَّد من خبر عِيسَى ﴿نَتْلُوهُ عَلَيْكَ﴾ ننزل عَلَيْك جِبْرِيل بِهِ ﴿مِنَ الآيَاتِ﴾ يَقُول من آيَات الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَالذكر الْحَكِيم﴾ الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام وَيُقَال مُوَافقا للتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُقَال اللَّوْح الْمَحْفُوظ
ثمَّ بَين تخليق عِيسَى بِلَا أَب لقَوْل وَفد بني نَجْرَان ائتنا بِحجَّة من الْقُرْآن على قَوْلك إِن عِيسَى لَيْسَ ولد الله فَقَالَ الله ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى﴾ مثل تخلق عِيسَى ﴿عِندَ الله﴾ بِلَا أَب ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ بِلَا أَب وَأم ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ﴾ لعيسى ﴿كُن فَيَكُونُ﴾ ولدا بِلَا أَب
﴿الْحق﴾ هُوَ الْخَبَر الْحق ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ أَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه ﴿فَلاَ تَكُنْ مِّن الممترين﴾ من الشاكين فِيمَا بيّنت لَك من تخليق عِيسَى بِلَا أَب
ثمَّ ذكر خُصُومَة وَفد بني نَجْرَان مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا بَين لَهُم أَن مثله عِنْد الله كَمثل آدم فَقَالُوا لَيْسَ كماتقول أَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه فَقَالَ الله ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ﴾ فَمن خاصمك فِيهِ فِي عِيسَى ﴿مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم﴾ من الْبَيَان بِأَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا﴾ نخرج أبناءنا ﴿وَأَبْنَآءَكُمْ﴾ أخرجُوا أَنْتُم أبناءكم ﴿وَنِسَآءَنَا﴾ نخرج نِسَاءَنَا ﴿وَنِسَآءَكُمْ﴾ أخرجُوا أَنْتُم نساءكم ﴿وَأَنْفُسَنَا﴾ نخرج بِأَنْفُسِنَا ﴿وأَنْفُسَكُمْ﴾ اخْرُجُوا أَنْتُم بِأَنْفُسِكُمْ ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ نَتَضَرَّع ونجتهد فِي الدُّعَاء
48
﴿فَنَجْعَل﴾ فَنقل ﴿لَّعْنَةُ الله﴾ فِيمَا بَيْننَا ﴿عَلَى الْكَاذِبين﴾ على الله فِي عِيسَى
49
﴿إِنَّ هَذَا﴾ الَّذِي ذكرت يَا مُحَمَّد من خبر عِيسَى ووفد بني نَجْرَان ﴿لَهُوَ الْقَصَص الْحق﴾ الْخَبَر الْحق بِأَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه ﴿وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ الله﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ أَمر الله أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الحكم حكم عَلَيْهِم الْمُلَاعنَة فتولوا عَن ذَلِك وَلم يخرجُوا فِي الْمُلَاعنَة مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأَنهم علمُوا أَنهم كاذبون وَأَن مُحَمَّدًا نَبِي صَادِق مُرْسل وَصفته ونعته فِي كِتَابهمْ
فَقَالَ الله ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عَن دعوتكم إِلَى الْمُلَاعنَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين﴾ بنصارى بني نَجْرَان
ثمَّ دعاهم إِلَى التَّوْحِيد فَقَالَ ﴿قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ﴾ لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿سَوَآءٍ﴾ عدل ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله﴾ أَن لَا نوحد إِلَّا الله ﴿وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً﴾ من المخلوقين ﴿وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً﴾ لَا يُطِيع أحد منا أحدا من الرؤساء فِي مَعْصِيّة الله ﴿مِّن دُونِ الله﴾ فَأَبَوا عَن ذَلِك أَيْضا فَقَالَ الله ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أَعرضُوا ونأوا عَن التَّوْحِيد ﴿فَقُولُواْ اشْهَدُوا﴾ اعلموا أَنْتُم ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد
ثمَّ ذكر خصومتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقَوْلهمْ إِنَّا مُسلمُونَ على دين إِبْرَاهِيم وَادعوا ذَلِك فِي التَّوْرَاة فَقَالَ الله ﴿يَا أهل الْكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ﴾ تخاصمون ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ فِي دين إِبْرَاهِيم ﴿وَمَآ أُنزِلَتِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ﴾ بعد إِبْرَاهِيم ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أَنه لَيْسَ فيهمَا أَن إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا
﴿هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ﴾ أَنْتُم هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿حَاجَجْتُمْ﴾ خاصمتم ﴿فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ﴾ فِي كتابكُمْ أَن مُحَمَّدًا نَبِي مُرْسل وَأَن إِبْرَاهِيم لم يكن يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا فجحدتم ذَلِك ﴿فَلِمَ تُحَآجُّونَ﴾ فَلم تخاصمون ﴿فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ فِي كتابكُمْ فتقولون إِن إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ﴿وَالله يَعْلَمُ﴾ أَن إِبْرَاهِيم لم يكن يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا ﴿وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أَنه كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا
ثمَّ بَين الله تَكْذِيب قَوْلهم فَقَالَ ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً﴾ على دين الْيَهُود ﴿وَلاَ نَصْرَانِيّاً﴾ على دين النَّصَارَى ﴿وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً﴾ حَاجا ﴿مُّسْلِماً﴾ مخلصاً ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين﴾ على دينهم
ثمَّ بَين من هُوَ على دين إِبْرَاهِيم فَقَالَ ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاس﴾ أَحَق النَّاس ﴿بِإِبْرَاهِيمَ﴾ بدين إبراهيهم ﴿لَلَّذِينَ اتَّبعُوهُ﴾ فِي زَمَانه ﴿وَهَذَا النَّبِي﴾ مُحَمَّد على دينه ﴿وَالَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن أَيْضا على دين إِبْرَاهِيم ﴿وَالله وَلِيُّ الْمُؤمنِينَ﴾ حافظهم وناصرهم
ثمَّ ذكر دَعْوَة كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه أَصْحَاب رَسُول الله معَاذًا وَحُذَيْفَة وَعمَّارًا بعد يَوْم أحد إِلَى دينهم الْيَهُودِيَّة عَن دينهم الْإِسْلَام فَقَالَ ﴿وَدَّت﴾ تمنت ﴿طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ أَن يضلوكم عَن دينكُمْ الْإِسْلَام ﴿وَمَا يُضِلُّونَ﴾ عَن دين الله ﴿إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بذلك وَيُقَال لَا يعلمُونَ أَن الله يخبر نبيه بذلك
﴿يَا أهل الْكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ تعلمُونَ فِي كتابكُمْ أَن مُحَمَّدًا نَبِي مُرْسل
﴿يَا أهل الْكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ﴾ لم تخلطون الْبَاطِل مَعَ الْحق فِي كتابكُمْ صفة مُحَمَّد ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحق﴾ وَلم تكتمون صفة مُحَمَّد ونعته ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك فِي كتابكُمْ
ثمَّ ذكر مقَالَة كَعْب وَأَصْحَابه فِي تَحْويل الْقبْلَة فَقَالَ ﴿وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب﴾ كَعْب وَأَصْحَابه من الرؤساء لسفلتهم ﴿آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَجْهَ النَّهَار﴾ أول النَّهَار وَهُوَ صَلَاة الْفجْر ﴿واكفروا آخِره﴾
49
يَعْنِي صَلَاة الظّهْر يَقُولُونَ آمنُوا بالقبلة الَّتِي صلى إِلَيْهَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه صَلَاة الْفجْر وانفروا آخِره بالقبلة لأخرى الَّتِي صلوا إِلَيْهَا صَلَاة الظّهْر ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لكَي يرجع عامتهم إِلَى دينكُمْ وقبلتكم
50
﴿وَلاَ تؤمنوا﴾ لَا تصدقوا أحدا بِالنُّبُوَّةِ ﴿إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ الْيَهُودِيَّة وقبلتكم بَيت الْمُقَدّس ﴿قل﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد معنى الْيَهُود ﴿إِنَّ الْهدى هُدَى الله﴾ إِن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلة الله هِيَ الْكَعْبَة ﴿أَن يُؤْتى﴾ أَن يعْطى ﴿أَحَدٌ﴾ من الدّين والقبلة ﴿مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ﴾ أعطيتم يَا أَصْحَاب مُحَمَّد ﴿أَوْ يُحَآجُّوكُمْ﴾ أَو أَن يخاصموكم الْيَهُود بِهَذَا الدّين والقبلة ﴿عِندَ رَبِّكُمْ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿قُلْ﴾ أَيْضا يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ الْفضل﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وقبلة إِبْرَاهِيم ﴿بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ﴾ يُعْطِيهِ من يَشَاء يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ﴿وَالله وَاسِعٌ﴾ لعطيته ﴿عَلِيمٌ﴾ بِمن يُعْطي
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ يخْتَار لدينِهِ ﴿مَن يَشَآءُ﴾ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ﴿وَالله ذُو الْفضل﴾ ذُو الْمَنّ ﴿الْعَظِيم﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام على مُحَمَّد
ثمَّ ذكر أَمَانَة أهل الْكتاب وخيانتهم فَقَالَ ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكتاب﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ﴾ تبايعه بملء مسك ثَوْر ذَهَبا ﴿يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ بِغَيْر عناء وَلَا تَعب وَلَا يستحله وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ﴾ تبايعه ﴿بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ لَا يردهُ إِلَيْك ويستحله ﴿إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً﴾ ملحاً متقاضياً وَهُوَ كَعْب وَأَصْحَابه ﴿ذَلِك﴾ الاستحلال والخيانة ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيين سَبِيلٌ﴾ فِي أَخذ أَمْوَال الْعَرَب حرج ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَنهم كاذبون بذلك
﴿بلَى﴾ رد عَلَيْهِم ﴿مَنْ أوفى بِعَهْدِهِ﴾ يَقُول وَلَكِن من أوفى بعهده فِيمَا بَينه وَبَين الله أَو بَينه وَبَين النَّاس ﴿وَاتَّقَى﴾ عَن نقض الْعَهْد بالخيانة وَترك الْأَمَانَة ﴿فَإِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ عَن نقض الْعَهْد والخيانة وَترك الْأَمَانَة وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
ثمَّ ذكر عقوبتهم يَعْنِي عُقُوبَة الْيَهُود فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله﴾ بِنَقْض عهد الله ﴿وَأَيْمَانِهِمْ﴾ عهودهم مَعَ الْأَنْبِيَاء ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عرضا يَسِيرا من المأكلة ﴿أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ﴾ لَا نصيب لَهُم ﴿فِي الْآخِرَة﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله﴾ يَوْم الْقِيَامَة بِكَلَام طيب ﴿وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ بِالرَّحْمَةِ ﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ لَا يبرئهم من الْيَهُودِيَّة وَلَا يصلح بالهم وَلَهُمْ ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم وَيُقَال نزلت فِي عَبْدَانِ بن الأشوع وامرىء الْقَيْس لخصومة كَانَت بَينهمَا وَنزلت فِي الْيَهُود أَيْضا
﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ﴾ من الْيَهُود ﴿لَفَرِيقاً﴾ طَائِفَة كَعْبًا وَأَصْحَابه ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ﴾ يحرفُونَ ألسنتهم ﴿بِالْكتاب﴾ بِقِرَاءَة صفة الرِّجَال فِي الْكتاب ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ لكَي تظنه السفلة أَنه ﴿مِنَ الْكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكتاب وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَن لَيْسَ ذَلِك فِي كِتَابهمْ وَيُقَال نزلت فِي الحبرين الفقيرين اللَّذين غيرا صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة
ثمَّ نزل فِي مقالتهم نَحن على دين إِبْرَاهِيم وأمرنا إِبْرَاهِيم بِهَذَا الدّين فَقَالَ الله ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ من الْأَنْبِيَاء ﴿أَن يُؤْتِيهُ الله﴾ يُعْطِيهِ الله ﴿الْكتاب وَالْحكم﴾ الْفَهم ﴿والنبوة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي﴾ عبيدا لي ﴿مِن دُونِ الله وَلَكِن كُونُواْ﴾ وَلَكِن أَمرهم أَن يَكُونُوا ﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ عُلَمَاء فُقَهَاء عاملين ﴿بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ﴾ النَّاس ﴿الْكتاب﴾ من الْكتاب وَيُقَال تعلمُونَ الْكتاب ﴿وَبِمَا كُنْتُم تدرسون﴾ تقرءون من الْكتاب
﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ﴾ يَا معشر قُرَيْش وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلَائِكَة﴾ بَنَات الله ﴿والنبيين أَرْبَاباً أيأمركم بالْكفْر﴾ كَيفَ أَمركُم إِبْرَاهِيم بالْكفْر ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ بعد إِذْ أَمركُم بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ يَقُول مَا بعث الله رَسُولا إِلَّا أَمر ذَلِك الرَّسُول بِالْإِسْلَامِ لَا باليهودية والنصرانية وَعبادَة الْأَصْنَام كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْكفَّار وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي مقَالَة الْيَهُود لمُحَمد تَأْمُرنَا أَن نحبك ونعبدك كَمَا عبدت النَّصَارَى الْمَسِيح وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ
ثمَّ بَين الله ميثاقه يَوْم تلى على النَّبِيين فِي مُحَمَّد ونعته وَصفته فَقَالَ ﴿وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيين﴾ يَقُول أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين أَن يبين بَعضهم لبَعض صفة مُحَمَّد ونعته وفضله ﴿لَمَآ آتَيْتُكُم﴾ يَقُول حِين أَعطيتكُم ﴿مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام ﴿ثُمَّ﴾ تأخذون أَيْضا على أمتكُم أَن إِذا ﴿جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ﴾ مُوَافق بِالتَّوْحِيدِ ﴿لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من الْكتاب ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ يَقُول لتقرن بِهِ وبفضله ﴿وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾ بِالسَّيْفِ على أعدائه وببيان صفته ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ﴾ قَالَ الله لَهُم أقبلتم ﴿وَأَخَذْتُمْ على ذَلِكُم﴾ مَا قلت ﴿إِصْرِي﴾ عهدي ﴿قَالُوا﴾ أَي النَّبِيُّونَ ﴿أَقْرَرْنَا﴾ قبلنَا ﴿قَالَ﴾ الله ﴿فَاشْهَدُوا﴾ على ذَلِكُم ﴿وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدين﴾ على ذَلِك فَأشْهد الله بَعضهم على بعض بذلك وَشهد هُوَ بِنَفسِهِ على ذَلِك فَبين كل نَبِي لأمته ذَلِك وَأشْهد كل نَبِي أمته بَعضهم على بعض بذلك وَشهد كل نَبِي بِنَفسِهِ على ذَلِك
﴿فَمَنْ تولى﴾ من الْأُمَم ﴿بَعْدَ ذَلِك﴾ عَن الْمِيثَاق ﴿فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الناقضون الْكَافِرُونَ
ثمَّ ذكر خُصُومَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وسؤالهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اينا على دين إِبْرَاهِيم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلا الْفَرِيقَيْنِ بريئان من دين إِبْرَاهِيم فَقَالُوا لَا نرضى بذلك فَقَالَ الله ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ الله﴾ الْإِسْلَام ﴿يَبْغُونَ﴾ يطْلبُونَ عنْدك ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ﴾ أقرّ بِالْإِسْلَامِ والتوحيد ﴿مَن فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ من الْمُؤمنِينَ ﴿طَوْعاً﴾ أهل السَّمَوَات بالطوع ﴿وَكَرْهاً﴾ أهل الأَرْض بالكره وَيُقَال المخلصون بالطوع والمنافقون بالكره وَيُقَال الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام بالطوع وَالَّذين أدخلُوا فِي الْإِسْلَام بِالسَّيْفِ بالكره ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ بعد الْمَوْت
ثمَّ بَين حكم الْإِيمَان لكَي يكون دلَالَة لَهُم إِلَى الْإِيمَان فَقَالَ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿آمَنَّا بِاللَّه﴾ وَحده لَا شريك لَهُ ﴿وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾ وَبِمَا أنزل علينا الْقُرْآن ﴿وَمَآ أُنزِلَ على إِبْرَاهِيمَ﴾ بإبراهيم وَكتابه ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ وَكتابه ﴿وَإِسْحَاقَ﴾ وَكتابه ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ وَكتابه ﴿والأسباط﴾ أَوْلَاد يَعْقُوب وكتابهم ﴿وَمَا أُوتِيَ﴾ أعطي ﴿مُوسَى﴾ بمُوسَى وَكتابه ﴿وَعِيسَى﴾ بِعِيسَى وَكتابه ﴿والنبيون﴾ بجملة النَّبِيين وكتابهم ﴿مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ لَا نكفر بِأحد من الْأَنْبِيَاء وَيُقَال لَا نفرق بَينهم وَبَين الله بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد مخلصون لَهُ بِالدينِ
﴿وَمَن يَبْتَغِ﴾ يطْلب ﴿غَيْرَ الْإِسْلَام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنَ الخاسرين﴾ من المغبونين بذهاب الْجنَّة وَمَا فِيهَا وَلُزُوم النَّار وَمَا فِيهَا
﴿كَيْفَ يَهْدِي الله﴾ لدينِهِ ﴿قَوْماً كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ بِاللَّه ﴿وشهدوا أَنَّ الرَّسُول﴾ مُحَمَّدًا ﴿حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَينَات﴾ الْبَيَان وَالْكتاب ﴿وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين بِدِينِهِ من لم يكن أَهلا لذَلِك
﴿أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله﴾ عَذَاب الله ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ ولعنة الْمَلَائِكَة ﴿وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ ولعنة الْمُؤمنِينَ
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ فِي اللَّعْنَة ﴿لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ يؤجلون من الْعَذَاب
﴿إِلاَّ الَّذين تَابُواْ﴾ من الْكفْر والشرك ﴿مِن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد الارتداد ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ وحدوا الله بالإخلاص ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾
51
لمن تَابَ مِنْهُم ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
52
﴿إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه ﴿بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ بِاللَّه ﴿ثُمَّ ازدادوا كُفْراً﴾ ثمَّ استقاموا على الْكفْر ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ مَا أَقَامُوا على ذَلِك ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضآلون﴾ عَن الْهدى وَالْإِسْلَام
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول ﴿وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول ﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْض﴾ وزن الأَرْض ﴿ذَهَباً وَلَوِ افتدى بِهِ﴾ يَقُول لَو نادوا بِهِ لتبقية أنفسهم لَا يقبل مِنْهُم ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ من مانعين من عَذَاب الله نزلت من قَوْله وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا إِلَى هَهُنَا فِي عشرَة نفر من الْمُنَافِقين طعمة وَأَصْحَابه رجعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة مرتدين عَن دينهم الْإِسْلَام فَمَاتَ بَعضهم على ذَلِك وَقتل بَعضهم على ذَلِك وَأسلم بَعضهم بعد ذَلِك
ثمَّ حث الْمُؤمنِينَ على النَّفَقَة فِي سَبِيل الله فَقَالَ ﴿لَن تَنَالُواْ الْبر﴾ يَعْنِي مَا عِنْد الله من الثَّوَاب والكرامة وَالْجنَّة حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون من المَال وَيُقَال لن تنالوا الْبر لن تبلغوا إِلَى التَّوَكُّل وَالتَّقوى ﴿حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ﴾ شَيْئا من المَال ﴿فَإِنَّ الله بِهِ﴾ وبنياتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ يَقُول أَي شَيْء تُرِيدُونَ بِهِ وَجه الله أَو مِدْحَة النَّاس
﴿كُلُّ الطَّعَام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ﴾ كل طَعَام حَلَال الْيَوْم على مُحَمَّد وَأمته كَانَ حَلَالا على بني إِسْرَائِيل أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ﴾ يَعْقُوب ﴿على نَفْسِهِ﴾ بِالنذرِ ﴿مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاة﴾ من قبل نزُول التَّوْرَاة على مُوسَى حرم يَعْقُوب لحم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا على نَفسه فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُود فَقَالَ مَا الَّذِي حرم إِسْرَائِيل على نَفسه من الطَّعَام فَقَالُوا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه شَيْئا من الطَّعَام وكل مَا هُوَ الْيَوْم حرَام علينا من نَحْو لحم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا وشحوم الْبَقر وَالْغنم وَغير ذَلِك كَانَ حَرَامًا على كل نَبِي من آدم إِلَى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِم وتستحلونه أَنْتُم وَادعوا تَحْرِيم ذَلِك فِي التَّوْرَاة فَقَالَ الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿قل﴾ لَهُم ﴿فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها﴾ فاقرءوا تَحْرِيم مَا ادعيتم فِيهَا ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِيمَا تدعون فَلم يَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ وَعَلمُوا أَنهم كَانُوا كاذبين لَيْسَ فِيهَا مَا يَقُولُونَ
فَقَالَ الله ﴿فَمَنِ افترى﴾ اختلق ﴿عَلَى الله الْكَذِب مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ من بعد الْبَيَان فِي التَّوْرَاة أَنهم كاذبون ﴿فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الْكَافِرُونَ الْكَاذِبُونَ على الله
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿صَدَقَ الله﴾ فِي قَوْله مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِياً وَلاَ نصْرَانِياً وَيُقَال قل يَا مُحَمَّد صدق الله فِيمَا قَالَ من التَّحْرِيم والتحليل ﴿فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ دين إِبْرَاهِيم ﴿حَنِيفاً﴾ يَعْنِي مُسلما ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين﴾ على دينهم
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ﴾ مَسْجِد ﴿وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ بني للْمُؤْمِنين ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ يَقُول الَّذِي هُوَ ببكة وبكة هُوَ مَوضِع الْكَعْبَة وَإِنَّمَا سمي بكة لِأَن النَّاس يَبْكُونَ بَعضهم على بعض من الزحام فِي الطوف ﴿مُبَارَكاً﴾ يَعْنِي مَوضِع الْكَعْبَة فِيهِ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة ﴿وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ قبْلَة لكل نَبِي وَرَسُول وصديق وَمُؤمن
﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ عَلَامَات مبينات وَله ﴿مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ وحطيم إِسْمَاعِيل وَالْحجر الْأسود ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ من أَن يهاج فِيهِ ﴿وَللَّهِ على النَّاس﴾ عل الْمُؤمنِينَ ﴿حِجُّ الْبَيْت﴾ الذّهاب إِلَى الْبَيْت ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ بلاغاً وسيراً بالزاد وَالرَّاحِلَة وَترك الفقة لِعِيَالِهِ إِلَى أَن يرجع ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن وبفريضة الْحَج ﴿فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَن الْعَالمين﴾ عَن إِيمَانهم وحجهم
﴿قل يَا أهل الْكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَالله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ فِي الْكفْر من الكتمان والمعاصي
﴿قل يَا أهل الْكتاب لِمَ تَصُدُّونَ﴾ تصرفون ﴿عَن سَبِيلِ الله﴾ عَن دين الله وطاعته ﴿مَنْ آمَنَ﴾ بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ تطلبونها غياً وزيفاً ﴿وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ﴾ تعلمُونَ ذَلِك فِي الْكتاب
52
﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ﴾ بساه ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ فِي الْكفْر من الكتمان والمعاصي نزلت هَذِه الْآيَة فِي الَّذين دعوا عماراً وَأَصْحَابه إِلَى دينهم الْيَهُودِيَّة
53
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً﴾ طَائِفَة ﴿مِّنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا التَّوْرَاة ﴿يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمَانكُمْ﴾ بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ ﴿كَافِرين﴾ حَتَّى تَكُونُوا كَافِرين بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾ بِاللَّه على وَجه التَّعَجُّب ﴿وَأَنْتُمْ تتلى﴾ تقْرَأ ﴿عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله﴾ الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَفِيكُمْ﴾ مَعكُمْ ﴿رَسُولُهُ﴾ مُحَمَّد ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّه﴾ وَمن يتَمَسَّك بدين الله وَكتابه ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ فقد أرشد إِلَى طَرِيق قَائِم بَيْضَاء وَهُوَ الْإِسْلَام وَيُقَال فقد ثَبت عَلَيْهِ نزلت هَذِه الْآيَة فِي معَاذ وَأَصْحَابه
ثمَّ نزل فِي أَوْس وخزرج الْخُصُومَة كَانَت بَينهم فِي الْإِسْلَام افتخر فيهم ثَعْلَبَة بن غنم وَسعد بن أبي زِيَادَة بِالْقَتْلِ والغارة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله﴾ أطِيعُوا الله ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ وَحقّ تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى وَأَن يشْكر فَلَا يكفر وَأَن يذكر فَلَا ينسى وَيُقَال أطِيعُوا الله كَمَا يَنْبَغِي ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد مخلصون بهما
﴿واعتصموا بِحَبْلِ الله﴾ تمسكوا بدين الله وَكتابه ﴿جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا﴾ فِي الدّين ﴿واذْكُرُوا نعْمَة الله﴾ منَّة الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ ﴿إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً﴾ فِي الْجَاهِلِيَّة ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ ﴿فأصبحتم﴾ نصرتم ﴿بِنِعْمَتِهِ﴾ بدين الْإِسْلَام ﴿إِخْوَاناً﴾ فِي الدّين ﴿وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّار﴾ على طرف هوة من النَّار يَعْنِي الشط وَهُوَ الْكفْر ﴿فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا﴾ فأنجاكم مِنْهَا بِالْإِيمَان ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ أمره وَنَهْيه ومنته ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة
ثمَّ أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالصُّلْح فَقَالَ ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ﴾ لَا تزل مِنْكُم ﴿أُمَّةٌ﴾ جمَاعَة ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر﴾ إِلَى الصُّلْح وَالْإِحْسَان ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر﴾ عَن الْكفْر والشرك وَترك اتِّبَاع الرَّسُول ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخطة وَالْعَذَاب
﴿وَلاَ تَكُونُواْ﴾ مُتَفَرّقين فِي الدّين ﴿كَالَّذِين تَفَرَّقُواْ وَاخْتلفُوا﴾ فِي الدّين كتفرق الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الدّين ﴿مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَينَات﴾ بَيِّنَات مَا فِي كِتَابهمْ من الْإِسْلَام ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أعظم مَا يكون
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ فِي يَوْم تبيض وُجُوه قوم ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ فِي يَوْم تسود وُجُوه قوم ﴿فَأَمَّا الَّذين اسودت وُجُوهُهُمْ﴾ تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة ﴿أَكْفَرْتُمْ﴾ بِاللَّه ﴿بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ بِاللَّه ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بِاللَّه
﴿وَأَمَّا الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله﴾ فِي جنَّة الله ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون
﴿تِلْكَ آيَاتُ الله﴾ هَذِه آيَات الله الْقُرْآن ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ ننزل جِبْرِيل بهَا عَلَيْك ﴿بِالْحَقِّ﴾ لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل ﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ﴾ أَن يكون مِنْهُ ظلما على الْعَالمين على الْجِنّ وَالْإِنْس
﴿وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾
53
من الْخلق والعجائب ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور﴾ فِي الْآخِرَة
54
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ أَنْتُم خير أمة ﴿أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ كَانَت للنَّاس ثمَّ بَين خَيرهمْ فَقَالَ ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد ﴿وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر﴾ عَن الْكفْر والشرك وَمُخَالفَة الرَّسُول ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه﴾ وبجملة الْكتب وَالرسل ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكتاب﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ مِمَّا هم عَلَيْهِ ﴿مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الْكَافِرُونَ الناقضون الْعَهْد
﴿لَن يَضُرُّوكُمْ﴾ لن ينقصوكم الْيَهُود ﴿إِلاَّ أَذًى﴾ بِاللِّسَانِ بالشتم والطعن ﴿وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ﴾ فِي الدّين ﴿يُوَلُّوكُمُ الأدبار﴾ منهزمين ﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ لَا يمْنَعُونَ من سيفكم وسبيكم إيَّاهُم
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة﴾ جعلت عَلَيْهِم مذلة الْجِزْيَة ﴿أَيْنَ مَا ثقفوا﴾ وجدوا لَا يقدرُونَ أَن يقومُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ الله﴾ إلاَّ بِالْإِيمَان بِاللَّه ﴿وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاس﴾ عهد من الْأُمَرَاء بالجزية ﴿وباؤوا بِغَضَبٍ﴾ استوجبوا بلعنة ﴿مِّنَ الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المسكنة﴾ جعل عَلَيْهِم زِيّ الْفقر ﴿ذَلِك﴾ المذلة بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله) بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَيَقْتُلُونَ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ بِلَا جرم ﴿ذَلِك﴾ الْغَضَب والمسكنة ﴿بِمَا عَصَوْاْ﴾ الله فِي السبت ﴿وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمَحَارِم
﴿لَيْسُواْ سَوَآءً﴾ أَي لَيْسَ من آمن من أهل الْكتاب كمن لم يُؤمن ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ﴾ يَقُول مِنْهُم أمة جمَاعَة عدُول مهتدية بتوحيد الله وَهُوَ عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه ﴿يَتلون﴾ يقرءُون ﴿آيَاتِ الله﴾ الْقُرْآن ﴿آنَآءَ اللَّيْل﴾ سَاعَات اللَّيْل فِي الصَّلَاة ﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ يصلونَ لله
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّه﴾ وبجملة الْكتب وَالرسل ﴿وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر﴾ عَن الْكفْر والشرك وَاتِّبَاع الجبت والطاغوت ﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات﴾ يبادرون فِي الطَّاعَات ﴿وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحين﴾ من صالحي أمة مُحَمَّد وَيُقَال مَعَ صالحي أمة مُحَمَّد فِي الْجنَّة مثل أبي بكر وَأَصْحَابه
﴿وَمَا يَفْعَلُواْ﴾ يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ مِمَّا ذكرت وَيُقَال من إِحْسَان إِلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه ﴿فَلَنْ يُكْفَروهُ﴾ لن ينسى ثَوَابه بل يثابوا ﴿وَالله عَلِيمٌ بالمتقين﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
﴿إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن كَعْب وَأَصْحَابه ﴿لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم﴾ كَثْرَة أَمْوَالهم ﴿وَلَا أَوْلَادهم﴾ كَثْرَة أَوْلَادهم ﴿من الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون
﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ يَقُول مثل نَفَقَة الْيَهُود فِي الْيَهُودِيَّة ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ﴾ حر أَو برد ﴿أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ﴾ زرع قوم ﴿ظلمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بِمَنْع حق الله مِنْهُ ﴿فَأَهْلَكَتْهُ﴾ أحرقته كَذَلِك الشّرك يهْلك النَّفَقَة كَمَا أهلكت الرّيح الزَّرْع ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ الله﴾ بذهاب مَنْفَعَة زرعهم ونفقتهم ﴿وَلَكِن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
54
بالْكفْر وَمنع حق الله من الزَّرْع
55
ثمَّ نهى الله الْمُؤمنِينَ الْأَنْصَار وَغَيرهم عَن محادثة الْيَهُود وإفشاء السِّرّ إِلَيْهِم فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿بِطَانَةً﴾ وليجة ﴿مِّن دُونِكُمْ﴾ من دون الْمُؤمنِينَ المخلصين ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ لَا يتركون الْجهد فِي فسادكم ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ تمنوا أَن أثمتم وأشركتم كَمَا أشركوا ﴿قَدْ بَدَتِ﴾ ظَهرت ﴿البغضآء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ على ألسنتهم بالشتم والطعن ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ﴾ مَا يضمرون فِي قُلُوبهم من البغض والعداوة ﴿أَكْبَرُ﴾ من ذَلِك ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ﴾ أَي عَلامَة الْحَسَد ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ مَا يقْرَأ عَلَيْكُم وَيُقَال قد بَينا لكم الْآيَات يَعْنِي الْأَمر وَالنَّهْي إِنْ كُنْتُمْ تعقلون لكَي تعلمُوا مَا آمركُم بِهِ
﴿هَا أَنْتُم أولاء﴾ أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود لقبل الْمُصَاهَرَة وَالرضَاعَة ﴿وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ لقبل الدّين ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكتاب كُلِّهِ﴾ تقرون بجملة الْكتاب وَالرسل وهم لَا يقرونَ بذلك ﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ﴾ يَعْنِي مُنَافِق الْيَهُود ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن وَأَن صفته ونعته فِي كتَابنَا ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ﴾ رَجَعَ بَعضهم إِلَى بعض ﴿عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل﴾ أَطْرَاف الْأَصَابِع ﴿مِنَ الغيظ﴾ من الحنق ﴿قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ﴾ بحنقكم ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ بِمَا فِي الْقُلُوب من البغض والعداوة
﴿إِن تَمْسَسْكُمْ﴾ تصبكم ﴿حَسَنَةٌ﴾ الْفَتْح وَالْغنيمَة ﴿تَسُؤْهُمْ﴾ ساءهم ذَلِك يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ ﴿وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ﴾ الْقَحْط والجدوبة وَالْقَتْل والهزيمة ﴿يَفْرَحُواْ بِهَا﴾ يعجبوا بهَا ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ﴾ على أذاهم ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ مَعْصِيّة الله ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ عداوتهم وصنيعتهم شَيْئا ﴿إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ من الْمُخَالفَة والعداوة ﴿مُحِيطٌ﴾ عَالم
﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ خرجت من الْمَدِينَة يَوْم أحد ﴿تبوئ الْمُؤمنِينَ﴾ تتَّخذ للْمُؤْمِنين بِأحد ﴿مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ أمكنة لقِتَال عدوهم ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لمقالتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بِمَا يُصِيبكُم وبترككم المركز
﴿إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ﴾ أضمرت قبيلتان من الْمُؤمنِينَ بَنو سَلمَة وَبَنُو حَارِثَة ﴿أَن تَفْشَلاَ﴾ أَن تجبنا عَن قتال الْعَدو يَوْم أحدٌ ﴿وَالله وليهما﴾ حفاظهما ولاهما عَن ذَلِك ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله فِي النُّصْرَة وَالْفَتْح
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ﴾ يَوْم بدر ﴿وَأَنْتُمْ أَذِلَّة﴾ قَليلَة ثلثمِائة وَثَلَاث عشر رجلا ﴿فَاتَّقُوا الله﴾ فاخشوا الله فِي أَمر الْحَرْب وَلَا تخالفوا السُّلْطَان الَّذِي مَعكُمْ ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا نصرته وَنعمته
﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يَوْم أحد ﴿أَلَنْ يَكْفِيكُمْ﴾ مَعَ عَدوكُمْ ﴿أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾ أَن ينصركم ربكُم ﴿بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَة مُنزَلِينَ﴾ من السَّمَاء لنصرتكم
﴿بلَى﴾ يكفيكم ﴿إِن تَصْبِرُواْ﴾ مَعَ نَبِيكُم فِي الْحَرْب ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ مَعْصِيَته ومخالفته ﴿وَيَأْتُوكُمْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ من وَجه مَكَّة ﴿يُمْدِدْكُمْ﴾ ينصركم ﴿رَبُّكُمْ﴾ على عَدوكُمْ ﴿بِخَمْسَةِ آلَاف مِّنَ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ﴾ معلمين وَيُقَال متعممين بعمائم الصُّوف
﴿وَمَا جَعَلَهُ الله﴾ مَا ذكر الله المدد ﴿إِلاَّ بشرى لَكُمْ﴾ بالنصرة ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾ لتسكن ﴿قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ بالمدد ﴿وَمَا النَّصْر﴾ بِالْمَلَائِكَةِ ﴿إِلاَّ مِنْ عِنْد الله﴾
55
من الله ﴿الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ بالنصرة والدولة لمن يَشَاء وَيُقَال الْحَكِيم بِمَا أَصَابَكُم يَوْم أحد
56
﴿لِيَقْطَعَ طَرَفاً﴾ يَقُول لَو نزل المدد لم ينزل إِلَّا ليقْتل جمعا ﴿مِّنَ الَّذين كفرُوا﴾ كفار مَكَّة ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ يهزمهم ﴿فَيَنقَلِبُواْ﴾ يرجِعوا ﴿خَآئِبِينَ﴾ من الدولة وَالْغنيمَة
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمر شَيْءٌ﴾ لَيْسَ بِيَدِك التَّوْبَة وَالْعَذَاب إِن تدع على المنهزمين يَوْم أحد من الرُّمَاة وَغَيرهم ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ يَقُول إِن شَاءَ الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم فَتَجَاوز عَنْهُم ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ بترك المركز ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ بترك المركز وَيُقَال نزلت فِي الجبين عصية وذكوان دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم حِين قتلوا أَصْحَابه
﴿وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ لمن كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿ويعذب من يشآء﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿يَآ أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ يَعْنِي ثقيفاً ﴿لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً﴾ على الدِّرْهَم ﴿مُّضَاعَفَةً﴾ فِي الْأَجَل ﴿وَاتَّقوا الله﴾ واخشوا الله فِي أكل الرِّبَا ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب
﴿وَاتَّقوا النَّار﴾ اخشوا النَّار فِي أكل الرِّبَا ﴿الَّتِي أُعِدَّتْ﴾ خلقت ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ بِاللَّه وبتحريم الرِّبَا
﴿وَأَطِيعُواْ الله وَالرَّسُول﴾ فِي تَحْرِيم الرِّبَا وَفِي تَركه ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا وتنجوا فَلَا تعذبوا
﴿وسارعوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ بَادرُوا بِالتَّوْبَةِ من الرِّبَا وَسَائِر الذُّنُوب إِلَى تجَاوز من ربكُم ﴿وَجَنَّةٍ﴾ وَإِلَى جنَّة بِعَمَل صَالح وَترك الرِّبَا ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ لَو وصل بَعْضهَا إِلَى بعض ﴿أُعِدَّتْ﴾ خلقت ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَأكل الرِّبَا
ثمَّ بَينهم فَقَالَ ﴿الَّذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء﴾ يَقُول يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله فِي الْيُسْر والعسر ﴿والكاظمين الغيظ﴾ الكاظمين غيظهم المرددين حدتهم فِي أَجْوَافهم ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس﴾ عَن المملوكين ﴿وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ إِلَى المملوكين والأحرار
ثمَّ نزل فِي رجل من الْأَنْصَار لأجل نظرة ولمسة وقبلة أَصَابَهَا من امْرَأَة الرجل الثَّقَفِيّ فَقَالَ ﴿وَالَّذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ مَعْصِيّة ﴿أَوْ ظلمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بالنظرة واللمسة والقبلة ﴿ذَكَرُواْ الله﴾ خَافُوا الله ﴿فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ﴾ تَابُوا من ذنوبهم ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوب﴾ ذنُوب التائب ﴿إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ﴾ من الْمعْصِيَة ﴿وَهُمْ يعلمُونَ﴾ أَنَّهَا مَعْصِيّة الله
﴿أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ لذنوبهم ﴿وَجَنَّاتٌ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ دائمين فِي الْجنَّة لايموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ ثَوَاب التائبين الْجنَّة وَمَا ذكر
﴿قَدْ خَلَتْ﴾ قد مَضَت فِي الْأُمَم الَّذين مضوا ﴿مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ بالثواب وَالْمَغْفِرَة لمن تَابَ وَالْعَذَاب والهلاك لمن لم يتب ﴿فَسِيرُواْ فِي الأَرْض فانظروا﴾ وتفكروا ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ كَيفَ صَار آخر أَمر ﴿المكذبين﴾ بالرسل الَّذين لم يتوبوا من تكذيبهم
﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ هَذَا الْقُرْآن بَيَان بالحلال وَالْحرَام للنَّاس ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَمَوْعِظَةٌ﴾ عظة وَنهي ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
ثمَّ عزاهم فِيمَا أَصَابَهُم يَوْم أحد فَقَالَ ﴿وَلاَ تَهِنُوا﴾ لَا تضعفوا مَعَ عَدوكُمْ ﴿وَلاَ تَحْزَنُوا﴾ على مَا فاتكم من الْغَنَائِم يَوْم أحد يثبكم فِي الْآخِرَة وَلَا على مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ آخر الْأَمر لكم بالنصرة والدولة
56
﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ أَن النُّصْرَة والدولة من الله
57
﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ إِن أَصَابَكُم جرح يَوْم أحد ﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم﴾ فقد أصَاب أهل مَكَّة يَوْم بدر ﴿قَرْحٌ﴾ جرح ﴿مِّثْلُهُ﴾ مثل مَا أَصَابَكُم يَوْم أحد ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّام﴾ أَيَّام الدُّنْيَا ﴿نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس﴾ بالدولة نديل الْمُؤمنِينَ على الْكَافرين والكافرين على الْمُؤمنِينَ ﴿وَلِيَعْلَمَ الله﴾ لكَي يرى الله ﴿الَّذين آمَنُواْ﴾ فِي زمن الْجِهَاد ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ﴾ يكرم من يَشَاء مِنْكُم بِالشَّهَادَةِ ﴿وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين وَدينهمْ ودولتهم
﴿وَلِيُمَحِّصَ الله﴾ لكَي يغْفر الله ﴿الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمَا يصيبهم فِي الْجِهَاد ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافرين﴾ يهْلك الْكَافرين فِي الْحَرْب
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿أَن تَدْخُلُواْ الْجنَّة﴾ بِلَا قتال ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله﴾ لم ير الله ﴿الَّذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ يَوْم أحد فِي سَبِيل الله ﴿وَيَعْلَمَ الصابرين﴾ وَلم ير الصابرين على قتال عدوهم مَعَ نَبِيّهم يَوْم أحد
﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت﴾ فِي الْحَرْب ﴿مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ﴾ يَوْم أحد ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ الْقِتَال وَالْحَرب يَوْم أحد ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ إِلَى سيوف الْكفَّار فانهزمتم مِنْهُم وَلم تثبتوا مَعَ نَبِيكُم
ثمَّ نزل فِي مقالتهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغنَا يَا نَبِي الله أَنَّك قد قتلت فَلذَلِك انهزمنا فَقَالَ الله ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ﴾ قد مَضَت من قبل مُحَمَّد ﴿الرُّسُل أَفإِنْ مَّاتَ﴾ مُحَمَّد ﴿أَوْ قُتِلَ﴾ فِي سَبِيل الله ﴿انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ﴾ أترجعون أَنْتُم إِلَى دينكُمْ الأول ﴿وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ﴾ يرجع إِلَى دينه الأول ﴿فَلَن يَضُرَّ الله﴾ فَلَنْ ينقص الله رُجُوعه ﴿شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ﴾ الْمُؤمنِينَ بإيمَانهمْ وجهادهم
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ﴾ يَقُول لَا تَمُوت نفس ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ بِإِرَادَة الله وقضائه ﴿كِتَاباً مُّؤَجَّلاً﴾ مؤقتاً كِتَابَة أَجله ورزقه سَوَاء لَا يسْبق أَحدهمَا صَاحبه ﴿وَمَن يُرِدْ﴾ بِعَمَلِهِ وجهاده ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ مَنْفَعَة الدُّنْيَا ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ نعطه من الدُّنْيَا مَا يُرِيد وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب ﴿وَمَن يُرِدْ﴾ بِعَمَلِهِ وجهاده ﴿ثَوَابَ الْآخِرَة﴾ مَنْفَعَة الْآخِرَة ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ نعطه من الْآخِرَة مَا يُرِيد ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ الْمُؤمنِينَ بإيمَانهمْ وجهادهم
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ﴾ وَكم من نَبِي ﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ جموع كَثِيرَة من الْكفَّار ﴿فَمَا وَهَنُواْ﴾ مَا ضعف الْمُؤْمِنُونَ ﴿لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ من الْقَتْل والجراحة وَيُقَال وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيْ قتل مَعَه ربيون كثير يَقُول كم من نَبِي قتل وَكَانَ مَعَه جموع كَثِيرَة من الْمُؤمنِينَ فَمَا وهنوا فَمَا ضعف الْمُؤْمِنُونَ لمآ أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله من قتل نَبِيّهم فِي طَاعَة الله ﴿وَمَا ضَعُفُواْ﴾ عجزوا عَن قتال عدوهم ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ مَا ذلوا لعدوهم وَيُقَال مَا تضعفوا وَمَا خضعوا لعدوهم ﴿وَالله يُحِبُّ الصابرين﴾ على قتال عدوهم مَعَ نَبِيّهم
﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ﴾ قَول الْمُؤمنِينَ بعد مَا قتل نَبِيّهم ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿اغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ دون الْكَبَائِر ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ بالعظائم من ذنوبنا يَعْنِي الْكَبَائِر ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ فِي الْحَرْب ﴿وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين﴾
﴿فَآتَاهُمُ الله﴾ أَعْطَاهُم الله ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ بِالْفَتْح وَالْغنيمَة ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَة﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد
﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي حُذَيْفَة وَعمَّارًا ﴿إِن تُطِيعُواْ الَّذين كَفَرُواْ﴾
57
يَعْنِي كَعْبًا وَأَصْحَابه ﴿يَرُدُّوكُمْ على أَعْقَابِكُمْ﴾ يرجعوكم إِلَى دينكُمْ الأول الْكفْر ﴿فَتَنقَلِبُواْ﴾ فترجعوا ﴿خَاسِرِينَ﴾ مغبونين بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والعقوبة من الله
58
﴿بَلِ الله مَوْلاَكُمْ﴾ حافظكم ولاكم على ذَلِك وينصركم عَلَيْهِم ﴿وَهُوَ خَيْرُ الناصرين﴾ أقوى الناصرين بالنصرة
ثمَّ ذكر هزيمَة الْكفَّار يَوْم أحد قَالَ ﴿سَنُلْقِي﴾ سنقذف ﴿فِي قُلُوبِ الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿الرعب﴾ المخافة مِنْكُم حَتَّى انْهَزمُوا ﴿بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ كتابا وَلَا رَسُول ﴿وَمَأْوَاهُمُ﴾ منزلهم ﴿النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمين﴾ منزل الْكَافرين بالنَّار
ثمَّ ذكر وعده الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد فَقَالَ ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ﴾ يَوْم أحد ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ تقتلونهم فِي أول الْحَرْب ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأَمْره ونصرته ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ جبنتم عَن قتال الْعَدو ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمر﴾ اختلفتم فِي أَمر الْحَرْب ﴿وَعَصَيْتُمْ﴾ الرَّسُول بترك المركز ﴿مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ﴾ النُّصْرَة وَالْغنيمَة ﴿مِنكُم﴾ من الرُّمَاة ﴿مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ بجهاده ووقوفه وهم الَّذين تركُوا المركز لقبل الْغَنِيمَة ﴿وَمِنْكُمْ﴾ من الرُّمَاة ﴿مَّن يُرِيدُ الْآخِرَة﴾ بجهاده ووقوفه وَهُوَ عبد الله ابْن جُبَير وَأَصْحَابه الَّذين ثبتوا مكانهم حَتَّى قتلوا ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ بالهزيمة وقلبهم عَلَيْكُم ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ ليختبركم بِمَعْصِيَة الرُّمَاة ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ﴾ لم يستأصلكم ﴿وَالله ذُو فَضْلٍ﴾ ذُو من ﴿عَلَى الْمُؤمنِينَ﴾ إِذْ يَسْتَأْصِلهُمْ على الرُّمَاة
ثمَّ ذكر إعراضهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخَافَة عدوهم فَقَالَ ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ أَي تبعدون فِي الأَرْض وَيُقَال تصعدون الْجَبَل بعد الْهَزِيمَة ﴿وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ﴾ لَا تلتفتون إِلَى مُحَمَّد وَلَا تقفون لَهُ ﴿وَالرَّسُول﴾ مُحَمَّد ﴿يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ من خلفكم يَا معشر الْمُؤمنِينَ أَنا رَسُول الله قفوا فَلم تقفوا ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ﴾ زادكم الله غماً على غم غم إشراف خَالِد بن الْوَلِيد بغم الْقَتْل والهزيمة ﴿لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ﴾ من الْغَنِيمَة ﴿وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ﴾ ولكي لَا تحزنوا على مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة ﴿وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فِي الْجِهَاد والهزيمة
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فقالَ ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغم أَمَنَةً﴾ من الْعَدو ﴿نُّعَاساً يغشى طَآئِفَةً﴾ أَخذ طَائِفَة ﴿مِّنْكُمْ﴾ النعاس فَنَامَ من كَانَ مِنْكُم أهل الصدْق وَالْيَقِين ﴿وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ قد أخذتهم همة أنفسهم معتب ابْن قُشَيْر الْمُنَافِق وَأَصْحَابه لم يَأْخُذهُمْ النّوم ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّه غَيْرَ الْحق﴾ أَن لَا ينصر الله رَسُوله وَأَصْحَابه ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة﴾ كظنهم فِي الْجَاهِلِيَّة ﴿يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمر﴾ من النُّصْرَة والدولة ﴿مِن شَيْءٍ قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ الْأَمر﴾ الدولة والنصرة ﴿كُلَّهُ للَّهِ﴾ بيد الله ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم﴾ يسرون فِيمَا بَينهم ﴿مَّا لَا يبدون لَك﴾ مَالا يظهرون لَك مَخَافَة الْقَتْل ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمر﴾ من الدولة والنصرة ﴿شَيْءٌ مَا قتلنَا هَا هُنَا﴾ يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين ﴿لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ فِي الْمَدِينَة ﴿لَبَرَزَ﴾ لخرج ﴿الَّذين كُتِبَ﴾ قضي ﴿عَلَيْهِمُ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ إِلَى مقتلهم ومصارعهم بِأحد ﴿وَلِيَبْتَلِيَ الله﴾ ليختبر الله ﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ بِمَا فِي قُلُوب الْمُنَافِقين
58
﴿وَلِيُمَحِّصَ﴾ ليبين ﴿مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ من النِّفَاق ﴿وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر يَعْنِي الْمُنَافِقين وَيُقَال الرُّمَاة
59
ثمَّ ذكر المنهزمين يَوْم أحد فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ﴾ بالهزيمة عُثْمَان بن عَفَّان وَأَصْحَابه ﴿يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ﴾ جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان ﴿إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان﴾ زين لَهُم الشَّيْطَان أَن مُحَمَّدًا قتل فَانْهَزَمُوا سِتَّة فراسخ وَكَانُوا سِتَّة نفر ﴿بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ﴾ بتركهم المركز ﴿وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ﴾ إِذْ لم يَسْتَأْصِلهُمْ ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ مِنْهُم ﴿حَلِيم﴾ إِذْ لم يعجل لَهُم الْعقُوبَة
ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب مُحَمَّد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَكُونُواْ﴾ فِي الْحَرْب ﴿كَالَّذِين كَفَرُواْ﴾ فِي السِّرّ يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فِي الطَّرِيق إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ﴾ الْمُنَافِقين ﴿إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْض﴾ إِذا خَرجُوا مَعَ أَصْحَاب مُحَمَّد فِي سفر ﴿أَوْ كَانُواْ غُزًّى﴾ أَو خَرجُوا فِي غزَاة مَعَ نَبِيّهم ﴿لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا﴾ فِي الْمَدِينَة ﴿مَا مَاتُواْ﴾ فِي سفرهم ﴿وَمَا قُتِلُواْ﴾ فِي غزاتهم ﴿لِيَجْعَلَ الله ذَلِك﴾ يَقُول ليجعل الله ذَلِك الظَّن ﴿حَسْرَةً﴾ حزنا ﴿فِي قُلُوبِهِمْ وَالله يُحْيِي﴾ فِي السّفر ﴿وَيُمِيتُ﴾ فِي الْحَضَر ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ تَقولُونَ ﴿بَصِيرٌ﴾
﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ يَا معشر الْمُنَافِقين ﴿أَوْ مُتُّمْ﴾ فِي بُيُوتكُمْ وكنتم مُخلصين ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله﴾ لذنوبكم ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب ﴿خَيْرٌ﴾ لكم ﴿مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا من الْأَمْوَال
﴿وَلَئِنْ مُّتُّمْ﴾ فِي حضر أَو سفر ﴿أَوْ قُتِلْتُمْ﴾ فِي غزَاة ﴿لإِلَى الله تُحْشَرُونَ﴾ بعد الْمَوْت
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾ فبرحمة ﴿مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾ جَانِبك وجناحك ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً﴾ بِاللِّسَانِ ﴿غَلِيظَ الْقلب﴾ غليظاً بِالْقَلْبِ ﴿لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ لتفرقوا من عنْدك ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ عَن أَصْحَابك فِي شَيْء يكون مِنْهُم ﴿واستغفر لَهُمْ﴾ من ذَلِك الذَّنب ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمر﴾ فِي أَمر الْحَرْب ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ﴾ صرفت على شَيْء ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ بالنصر والدولة ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين﴾ عَلَيْهِ
﴿إِن يَنصُرْكُمُ الله﴾ مثل يَوْم بدر ﴿فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾ فَلَا يغلب عَلَيْكُم أحد من عَدوكُمْ ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ﴾ مثل يَوْم أحد ﴿فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم﴾ على عَدوكُمْ ﴿مِّنْ بَعْدِهِ﴾ من بعد خذلانه ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله بالنصرة والدولة
ثمَّ ذكر ظنهم بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يقسم لنا من الْغَنَائِم شَيْئا ولقبل ذَلِك تركُوا المركز فَقَالَ ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾ مَا جَازَ لنَبِيّ ﴿أَنْ يَغُلَّ﴾ أَن يخون أمته فِي الْغَنَائِم وَإِن قَرَأت أَن يغل يَقُول أَن تخونه أمته ﴿وَمَن يَغْلُلْ﴾ من الْغَنَائِم شَيْئا ﴿يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ حَامِلا لَهُ على عُنُقه ﴿ثُمَّ توفى﴾ توفر ﴿كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ بِمَا عملت من الْغلُول وَغَيره ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم
﴿أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله﴾ فِي أَخذ الْخمس وَترك الْغلُول ﴿كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ الله﴾ كمن اسْتوْجبَ عَلَيْهِم سخط الله بالغلول ﴿وَمَأْوَاهُ﴾ مصير الغال ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير﴾ صَارُوا إِلَيْهِ
﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله﴾
59
يَقُول لَهُم دَرَجَات عِنْد الله فِي الْجنَّة لمن ترك الْغلُول ودركات لمن غل ﴿وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ من الْغلُول وَغَيره
60
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ﴾ إِلَيْهِم ﴿رَسُولاً﴾ آدَمِيًّا مَعْرُوف النّسَب ﴿مِّنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ قرشياً عَرَبيا مثلهم ﴿يَتْلُو﴾ يقْرَأ ﴿عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿ويزكيهم﴾ يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ من الشّرك وَيَأْخُذ الزَّكَاة من الذُّنُوب ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكتاب﴾ الْقُرْآن ﴿وَالْحكمَة﴾ الْحَلَال وَالْحرَام ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ﴾ وَقد كَانُوا من قبل مَجِيء مُحَمَّد وَالْقُرْآن ﴿لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ لفي كفر بيِّن
ثمَّ ذكر مصيبتهم يَوْم أحد فَقَالَ ﴿أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ يَقُول حِين أَصَابَتْكُم مُصِيبَة يَوْم أحد ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ﴾ أهل مَكَّة يَوْم بدر ﴿مثلهَا﴾ مثل مَا أَصَابَكُم يَوْم أحد ﴿قُلْتُمْ أَنى هَذَا﴾ من أَيْن أَصَابَنَا هَذَا وَنحن لَهُ مُسلمُونَ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ بذنب أَنفسكُم بترككم المركز ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْعقُوبَة وَغَيرهَا ﴿قَدِيرٌ﴾
﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ﴾ الَّذِي أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة ﴿يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ﴾ جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان ﴿فَبِإِذْنِ الله﴾ فبإرادته وقضائه ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤمنِينَ﴾ لكَي يرى الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد
﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذين نَافَقُواْ﴾ لكَي يرى الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فِي رجوعهم إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ قَالَ لَهُم عبد الله بن جُبَير ﴿تَعَالَوْاْ﴾ إِلَى أحد ﴿قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا﴾ الْعَدو عَن حريمكم وذريتكم أَو كَثُرُوا الْمُؤمنِينَ ﴿قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ﴾ ثمَّ ﴿قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ﴾ إِلَى أحد ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ وَالْمُؤمنِينَ وَيُقَال رجوعهم إِلَى الْكفْر وَالْكفَّار يؤمئذ أقرب من رجوعهم إِلَى الْإِيمَان وَالْمُؤمنِينَ ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم﴾ بألسنتهم ﴿مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ صدق ذَلِك ﴿وَالله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ من الْكفْر والنفاق هم
﴿الَّذين قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ﴾ الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ ﴿وَقَعَدُواْ﴾ عَن الْجِهَاد ﴿لَوْ أَطَاعُونَا﴾ يعنون مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه بالقعود فِي الْمَدِينَة ﴿مَا قُتِلُوا﴾ فِي غزاتهم ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين ﴿فادرؤوا﴾ ادفعوا ﴿عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ﴾ لَا تَظنن ﴿الَّذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ يَوْم بدر وَيَوْم أحد ﴿أَمْوَاتاً﴾ كَسَائِر الْأَمْوَات ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ بل هم كالأحياء ﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ التحف
﴿فَرِحِينَ﴾ معجبين ﴿بِمَآ آتَاهُمُ الله﴾ بِمَا أَعْطَاهُم الله ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من كرامته ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ بَعضهم بِبَعْض ﴿بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ﴾ من إخْوَانهمْ الَّذين فِي الدُّنْيَا أَن يلْحقُوا بهم لِأَن الله بشرهم بذلك ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ إِذا خَافَ غَيرهم ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ إِذا حزن غَيرهم
﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله﴾ بِثَوَاب من الله ﴿وَفَضْلٍ﴾ وكرامة ﴿وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ﴾ لَا يبطل ﴿أَجْرَ الْمُؤمنِينَ﴾ فِي الْجِهَاد بِمَا يصيبهم فِي الْجِهَاد
ثمَّ ذكر موافاتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى فَقَالَ ﴿الَّذين اسْتَجَابُوا للَّهِ﴾ أجابوا لله بِالطَّاعَةِ ﴿وَالرَّسُول﴾ بالموافاة إِلَى بدر الصُّغْرَى ﴿مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقرح﴾ الْجرْح يَوْم أحد ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ﴾ وافوا
60
مِنْهُم) مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى ﴿وَاتَّقوا﴾ مَعْصِيّة الله وَمُخَالفَة الرَّسُول ﴿أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة وَنزل فيهم أَيْضا
61
﴿الَّذين قَالَ لَهُمُ النَّاس﴾ نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ ﴿إِنَّ النَّاس﴾ أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ﴾ باللطيمة واللطيمة سوق فِي قرب مَكَّة ﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾ بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ جَرَاءَة بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله﴾ ثقتنا بِاللَّه ﴿وَنِعْمَ الْوَكِيل﴾ الْكَفِيل بالنصرة
﴿فانقلبوا﴾ رجعُوا ﴿بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله﴾ بِثَوَاب من الله ﴿وَفَضْلٍ﴾ ربح مِمَّا تسوقوا بِهِ من السُّوق وَيُقَال غنيمَة ﴿لَّمْ يَمْسَسْهُمْ﴾ لم يصبهم فِي الذّهاب والمجيء ﴿سوء﴾ قتال وهزيمة ﴿وَاتبعُوا رِضْوَانَ الله﴾ فِي الموافاة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى ﴿وَالله ذُو فَضْلٍ﴾ ذُو منّ ﴿عَظِيمٍ﴾ بِدفع الْعَدو عَنْهُم
﴿إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان﴾ الَّذِي خوفكم الشَّيْطَان يَعْنِي نعيم بن مَسْعُود سَمَّاهُ الله شَيْطَانا لِأَنَّهُ كَانَ تَابعا للشَّيْطَان ولوسوسته ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ يَقُول يخوفكم بأوليائه الْكفَّار ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ﴾ بِالْخرُوجِ ﴿وَخَافُونِ﴾ بِالْجُلُوسِ ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ إِذْ كُنْتُم مُصدقين بأحيائه
ثمَّ ذكر مسارعة الْمُنَافِقين فِي الْولَايَة مَعَ الْيَهُود فَقَالَ ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ﴾ يَا مُحَمَّد وَلَا يغمك ﴿الَّذين يُسَارِعُونَ﴾ يبادرون ﴿فِي الْكفْر﴾ أَي مسارعة الْمُنَافِقين فِي الْولَايَة مَعَ الْيَهُود ﴿إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله﴾ لن ينقصوا الله بمسارعتهم فِي الْولَايَة مَعَ الْيَهُود ﴿شَيْئاً يُرِيدُ الله﴾ أَرَادَ الله ﴿أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ﴾ للْيَهُود الْمُنَافِقين ﴿حَظّاً﴾ نَصِيبا ﴿فِي الْآخِرَة﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ شَدِيد أَشد مَا يكون
﴿إِنَّ الَّذين اشْتَروا الْكفْر بِالْإِيمَان﴾ اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان هم المُنَافِقُونَ ﴿لَن يَضُرُّواْ الله﴾ لن ينقصوا الله باختيارهم الْكفْر ﴿شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
ثمَّ ذكر إمهاله لَهُم فِي الْكفْر فَقَالَ ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ لَا يظنن الْيَهُود ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ نمهلهم ونعطيهم من الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد ﴿خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ ونعطيهم من الْأَمْوَال ولأولاد ﴿ليزدادوا إِثْمَاً﴾ ذَنبا فِي الدُّنْيَا ودركات فِي الْآخِرَة ﴿وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يهانون بِهِ يَوْمًا فيوماً وَسَاعَة بعد سَاعَة وَيُقَال شَدِيد وَيُقَال نزلت من قَوْله وَلاَ يَحْزنكَ إِلَى هَهُنَا فِي مُشْركي أهل مَكَّة يَوْم أحد
ثمَّ ذكر مقَالَة الْمُشْركين لمُحَمد أَنْت تَقول لنا مِنْكُم كَافِر ومنكم مُؤمن فَبين لنا يَا مُحَمَّد من يُؤمن منا وَمن لَا يُؤمن فَقَالَ ﴿مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤمنِينَ﴾ والكافرين ﴿على مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ من الدّين حَتَّى يصير الْمُؤمن كَافِرًا وَالْكَافِر مُؤمنا إِن كَانَ فِي قَضَائِهِ كَذَلِك ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبيث مِنَ الطّيب﴾ الشقي من السعيد وَالْكَافِر من الْمُؤمن وَالْمُنَافِق من المخلص ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿عَلَى الْغَيْب﴾ على ذَلِك حَتَّى تعلمُوا من يُؤمن وَمن لَا يُؤمن ﴿وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي﴾ يصطفي ﴿من رسله من يَشَاء﴾ يَعْنِي مُحَمَّد فيطلعه على بعض ذَلِك بِالْوَحْي ﴿فَآمِنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ﴾ وبجملة الرُّسُل والكتب ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ﴾ بِاللَّه وبجملة الْكتب وَالرسل ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ الْكفْر والشرك ﴿فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة
ثمَّ ذكر بخلهم يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ بِمَا أَعْطَاهُم الله فَقَالَ ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ﴾ لَا يظنن ﴿الَّذين يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ الله﴾ أَعْطَاهُم الله ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من المَال ﴿هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ﴾ سَيجْعَلُ ﴿مَا بَخِلُواْ بِهِ﴾ من المَال يَعْنِي الذَّهَب وَالْفِضَّة طوقامن النَّار فِي عنقهم ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات وَيُقَال يَمُوت أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيبقى الْملك لله الْوَاحِد القهار ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْبُخْل والسخاء ﴿خَبِيرٌ﴾
ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود فنحَاص بن عازوراء وَأَصْحَابه حِين قَالُوا يَا مُحَمَّد إِن الله فَقير يطْلب منا الْقَرْض فَقَالَ ﴿لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذين قَالُوا﴾
61
يَعْنِي فنحَاص بن عازوراء وَأَصْحَابه ﴿إِنَّ الله فَقِيرٌ﴾ مُحْتَاج يطْلب منا الْقَرْض ﴿وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ﴾ وَلَا نحتاج إِلَى قرضه ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ﴾ سنحفظ عَلَيْهِم مَا قَالُوا فِي الْآخِرَة ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاء﴾ ونحفظ عَلَيْهِم قَتلهمْ الْأَنْبِيَاء ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ بِلَا جرم ﴿وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق﴾ الشَّديد
62
﴿ذَلِك﴾ الْعَذَاب ﴿بِمَا قَدَّمَتْ﴾ عملت ﴿أَيْدِيكُمْ﴾ فِي الْيَهُودِيَّة ﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ أَن يأخذكم بِلَا جرم
﴿الَّذين قَالُوا﴾ هم الَّذين قَالُوا يَعْنِي الْيَهُود ﴿إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا﴾ أمرنَا فِي الْكتاب ﴿أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ﴾ أَن لَا نصدق أحدا بالرسالة ﴿حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّار﴾ يعنون حَتَّى يأتينا بِنَار تَأْكُل القربان كَمَا كَانَت فِي زمن الْأَنْبِيَاء ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿وَبِالَّذِي قُلْتُمْ﴾ من القربان زَكَرِيَّا وَيحيى وَعِيسَى ﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾ يحيى وزَكَرِيا وَقد كَانَ القربان فِي زمانهم ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ فَقَالُوا مَا قتل آبَاؤُنَا الْأَنْبِيَاء زوراً
فَقَالَ الله ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ﴾ يَا مُحَمَّد بِمَا قلت لَهُم فَلَا تحزن بذلك ﴿فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ من قبلك﴾ كذبهمْ قَومهمْ ﴿جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي وعلامات النُّبُوَّة ﴿والزبر﴾ وبخبر كتب الْأَوَّلين ﴿وَالْكتاب الْمُنِير﴾ الْمُبين للْحَلَال وَالْحرَام
ثمَّ ذكر مَوْتهمْ وَمَا بعد الْمَوْت فَقَالَ ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ منفوسة ﴿ذَآئِقَةُ الْمَوْت﴾ تذوق الْمَوْت ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ﴾ توفون ﴿أُجُورَكُمْ﴾ ثَوَاب أَعمالكُم ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة فَمَن زُحْزِحَ﴾ عزل ونحي وَأبْعد ﴿عَنِ النَّار﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعَمَل الصَّالح ﴿وَأُدْخِلَ الْجنَّة فَقَدْ فَازَ﴾ بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا وَنَجَا من النَّار وَمَا فِيهَا ﴿وَما الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ لَيْسَ مَا فِي الدُّنْيَا من النَّعيم ﴿إِلاَّ مَتَاعُ الْغرُور﴾ إِلَّا كمتاع الْبَيْت فِي بَقَائِهِ مثل الخزف والزجاجة وَغير ذَلِك
ثمَّ ذكر أَذَى الْكفَّار لنَبيه ولأصحابه فَقَالَ ﴿لَتُبْلَوُنَّ﴾ لتختبرن ﴿فِي أَمْوَالِكُمْ﴾ فِي ذهَاب أَمْوَالكُم ﴿وَأَنْفُسِكُمْ﴾ وَفِيمَا يُصِيب أَنفسكُم من الْأَمْرَاض والأوجاع وَالْقَتْل وَالضَّرْب وَسَائِر البلايا ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى الشتم والطعن وَالْكذب والزور على الله ﴿وَمِنَ الَّذين أشركوا﴾ يَعْنِي مُشْركي الْعَرَب أَيْضا ﴿أَذًى كَثِيراً﴾ بالشتم وَالضَّرْب واللعن وَالْقَتْل وَالْكذب والزور على الله ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ﴾ على أذهم ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ مَعْصِيّة الله فِي الْأَذَى ﴿فَإِنَّ ذَلِك﴾ الصَّبْر وَالِاحْتِمَال ﴿مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾ من خير الْأُمُور وحزم أُمُورهم يَعْنِي الْمُؤمنِينَ
ثمَّ ذكر ميثاقه على أهل الْكتاب فِي الْكتاب بِبَيَان صفة نبيه ونعته فَقَالَ ﴿وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ صفة مُحَمَّد ونعته ﴿لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ لَا تكتمون صفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب ﴿فَنَبَذُوهُ﴾ فطرحوا كتاب الله وَعَهده ﴿وَرَاء﴾ خلف ﴿ظُهُورهمْ﴾ وَلم يعلمُوا بِهِ ﴿واشتروا بِهِ﴾ بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عرضا يَسِيرا من المأكلة ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ يختارون لأَنْفُسِهِمْ الْيَهُودِيَّة وكتمان صفة مُحَمَّد ونعته
ثمَّ ذكر طَلَبهمْ الثَّنَاء والمحمدة بِمَا لم يكن فيهم يَعْنِي الْيَهُود فَقَالَ ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ﴾ لَا تَظنن يَا مُحَمَّد ﴿الَّذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوا﴾ بِمَا غير واصفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ يحبونَ أَن يُقَال فيهم الْخَيْر وَلَا خير فيهم أَن يَقُولُوا هم على دين إِبْرَاهِيم ويحسنون إِلَى الْفُقَرَاء ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِمَفَازَةٍ﴾ بمباعدة ﴿مِّنَ الْعَذَاب وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾ وجيع
﴿وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾
62
خَزَائِن السَّمَوَات بالمطر وَالْأَرْض بالنبات ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وخزائنهما ﴿قَدِيرٌ﴾ ثمَّ بَين عَلامَة قدرته لكفار مَكَّة لقَولهم ائتنا بِآيَة يَا مُحَمَّد على مَا تَقول فَقَالَ
63
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات﴾ إِن فِيمَا خلق فِي السَّمَوَات من الْمَلَائِكَة وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب ﴿وَالْأَرْض﴾ وَفِي خلق الأَرْض وَمَا فِي الأَرْض من الْجبَال والبحور وَالشَّجر وَالدَّوَاب ﴿وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ وَفِي تقلب اللَّيْل وَالنَّهَار ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات لوحدانيته ﴿لأُوْلِي الْأَلْبَاب﴾ لِذَوي الْعُقُول من النَّاس
ثمَّ نعتهم فَقَالَ ﴿الَّذين يَذْكُرُونَ الله﴾ يصلونَ لله ﴿قِيَاماً﴾ إِذا اسْتَطَاعُوا ﴿وَقُعُوداً﴾ إِذا لم يستطيعوا قيَاما ﴿وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ إِذا لم يستطيعوا قيَاما وقعوداً ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ من الْعَجَائِب ﴿رَبَّنَآ﴾ يَقُولُونَ يَا رَبنَا ﴿مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ جزَافا ﴿سُبْحَانَكَ﴾ نزهوا الله ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ادْفَعْ عَنَّا عَذَاب النَّار
﴿رَبَّنَآ﴾ يَقُولُونَ يَا رَبنَا ﴿إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ أهنته ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾ للْمُشْرِكين ﴿من أنصار﴾ من مَانع مِمَّا يُرَاد بهم فِي الْآخِرَة وَالدُّنْيَا
﴿رَّبَّنَآ﴾ وَيَقُولُونَ يَا رَبنَا ﴿إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً﴾ يعنون مُحَمَّدًا ﴿يُنَادِي لِلإِيمَانِ﴾ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيد ﴿أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا﴾ بك وبكتابك وَرَسُولك ﴿فَاغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ الْكَبَائِر ﴿وَكَفِّرْ﴾ تجَاوز ﴿عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ دون الْكَبَائِر ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار﴾ اقبض أَرْوَاحنَا على الْإِيمَان واجمعنا مَعَ أَرْوَاح النبييين وَالصَّالِحِينَ
﴿رَبَّنَا﴾ وَيَقُولُونَ يَا رَبنَا ﴿وَآتِنَا﴾ أعطنا ﴿مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿وَلاَ تُخْزِنَا﴾ لَا تعذبنا ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ كَمَا تعذب الْكفَّار ﴿إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت وَمَا وعدت الْمُؤمنِينَ
﴿فَاسْتَجَاب لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ فِيمَا سَأَلُوهُ فَقَالَ ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ﴾ لَا أبطل ﴿عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ﴾ ثَوَاب عمل عَامل مِنْكُم (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) إِذْ كَانَ بَعْضكُم على دين بعض وأوليائه بعض ثمَّ بَين كرامته للمهاجرين فَقَالَ ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبعد النَّبِي ﴿وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ﴾ أخرجوهم كفار مَكَّة من مَنَازِلهمْ بِمَكَّة ﴿وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾ فِي طَاعَتي ﴿وَقَاتَلُواْ﴾ الْعَدو فِي سَبِيل الله ﴿وَقُتِلُواْ﴾ حَتَّى قتلوا فِي الْجِهَاد مَعَ نَبِي الله ﴿لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ ذنوبهم فِي الْجِهَاد ﴿وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿ثَوَاباً مِّن عِندِ الله﴾ جَزَاء لَهُم من الله ﴿وَالله عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَاب﴾ الْمرجع الصَّالح أحسن من جزائهم
ثمَّ ذكرهم فنَاء الدُّنْيَا ورغبهم عَنْهَا وَبَقَاء الْآخِرَة وحثهم على طلبَهَا فَقَالَ ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد خَاطب بِهِ مُحَمَّدًا وعنى أَصْحَابه ﴿تَقَلُّبُ الَّذين كَفَرُواْ فِي الْبِلَاد﴾ ذهَاب الْيَهُود وَالْمُشْرِكين ومجيئهم فِي التِّجَارَة
﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ مَنْفَعَة يسيرَة فِي الدُّنْيَا ﴿ثُمَّ مَأْوَاهُمْ﴾ مصيرهم ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد﴾ الْفراش والمصير
﴿لَكِنِ الَّذين اتَّقوا رَبَّهُمْ﴾ يَقُول وَالَّذين وحدوا رَبهم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ بساتين ﴿تجْرِي من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون ﴿نُزُلاً﴾ ثَوابًا ﴿مِّنْ عِندِ الله وَمَا عِنْد الله﴾
63
من الثَّوَاب ﴿خَيْرٌ لِّلأَبْرَار﴾ للموحدين مِمَّا أعطي الْكفَّار فِي الدُّنْيَا
64
ثمَّ نعت من آمن من أهل الْكتاب عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه فَقَالَ ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّه وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ الْقُرْآن ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ من الْكتاب التَّوْرَاة (خَاشِعِينَ للَّهِ) متواضعين ذليلين لله فِي الطَّاعَة ﴿لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عرضا يَسِيرا من المأكلة ﴿أُولَئِكَ لَهُم أجرهم﴾ ثوابهم ﴿عِنْد رَبهم﴾ فِي الْجنَّة ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب﴾ إِذا حاسب فحسابه سريع
ثمَّ حثهم على الصَّبْر فِي الْجِهَاد والمرازي فَقَالَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿اصْبِرُوا﴾ على الْجِهَاد مَعَ نَبِيكُم ﴿وَصَابِرُواْ﴾ كاثروا وغالبوا على عَدوكُمْ ﴿وَرَابِطُواْ﴾ أَنفسكُم على عَدوكُمْ مَعَ نَبِيكُم مَا أَقَامُوا وَيُقَال اصْبِرُوا على أَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمعاصِي وَصَابِرُوا غالبوا وكاثروا أهل الْأَهْوَاء والبدع وَرَابطُوا الْخُيُول فِي سَبِيل الله ﴿وَاتَّقوا الله﴾ أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم فَلَا تتركوه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب
السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا النِّسَاء وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة وكلماتها ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَأَرْبَعُونَ وحروفها سِتَّة عشر ألفا وَثَلَاثُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {
Icon