تفسير سورة الأنعام

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة الأنعام مكية وآياتها ١٦٥
ومن هنا ننتقل إلى ( سورة الأنعام ) وهي في طليعة سور القرآن الكريم التي نزلت بمكة قبل الهجرة، بل إن ما نزل من القرآن بمكة متأخرا عنها يعتبر مبنيا عليها في نظر المحققين من علماء الشريعة، نظير ( سورة البقرة ) التي يعتبر ما نزل من القرآن الكريم بالمدينة بعدها مبنيا عليها أيضا.
وكما أن سورة البقرة هي الركيزة الأولى للشريعة الإسلامية، فإن " سورة الأنعام " هي الركيزة الأولى للعقيدة الإسلامية، ومنها استخرج العلماء قواعد التوحيد وأصول الدين، على حد ما قاله الشاطبي في " الموافقات ".
وقد أطلق عليها اسم سورة " الأنعام " والله أعلم، لما ورد فيها من الآيات الكريمة التي تحدد موقف الإسلام من الأنعام، وتندد بموقف الشرك والمشركين منها، وذلك مثل قوله تعالى :﴿ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، ساء ما يحكمون ﴾، ومثل قوله تعالى :﴿ وأنعم حرمت ظهورها، وأنعم لا يذكرون اسم الله عليها، افتراء عليه، سيجزيهم بما كانوا يفترون ﴾ ومثل قوله تعالى ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، كلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾.
وقد تناول كتاب الله في الثمن الأول من سورة الأنعام – وهو الذي يدخل في حصة اليوم – توضيح العقيدة الإسلامية فيما يخص الكون والمكون، والخلق والخالق، ﴿ وهو الله، في السماوات وفي الأرض، يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ﴾ كما تناول الحديث فيه موقف المشركين والكافرين من عقيدة التوحيد، وإصرارهم على الإعراض عنها والتكذيب بها ﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾. ووصف كتاب الله في هذا السياق أنواع العناد وأساليب الجدل التي لجأ إليها خصوم العقيدة الإسلامية ﴿ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ﴾ وأخيرا أكد الحق سبحانه وتعالى ما ينتظرهم في النهاية من الوقوف بين يديه، وما ينالهم من خسران وبوار ﴿ ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ﴾.

الربع الأخير من الحزب الثالث عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يثبت الله عبودية المخلوقات كلها للإله الواحد الأحد، فله ما سكن وله ما تحرك في الليل والنهار، من كافة العوالم وجميع الأفلاك، ما علا منها وما سفل، وما نطق وما لم ينطق ﴿ وله ما سكن في الليل والنهار، وهو السميع العليم ﴾ السميع لدبيب أضعف الجراثيم والحشرات، والعليم بأخفى الخفايا من الهواجس والخطرات.
وفي ثاني آية منه يلقن كتاب الله للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ما يفحم به
المشركين المعاندين، فيتساءل في لهجة الاستنكار والاستغراب كيف يتخذ الإنسان وليا له غير الله، وكيف يستنصر بمن سواه، والله هو مبدع السماوات والأرض الذي يرزق الخلق ويطعمهم، وهو مع ذلك وفوق ذلك غني عنهم جميعا، ثم يعلن إلى رسوله الأمين بشرى البشائر، بأنه المرشح الوحيد، لأن يكون المسلم الأول، وهو الرائد والقائد لقافلة المسلمين ﴿ قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم، قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ﴾.
وفي ثالث آية منه يضرب رسول الله المثل لغيره من المؤمنين، حيث يعبر عما يمتلئ به قلبه من الخوف الشديد من معصية الله، وما يرجوه بطاعته من رحمته ورضاه، وإذا كان الرسول – وهو من هو في القرب من ربه – متقلبا بين الخوف والرجاء، فما بالك بمن ينتسبون إلى الإسلام من العصاة الألداء، ﴿ قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه، وذلك الفوز المبين ﴾.
وفي رابع آية منه يقرر كتاب الله مبدأ جوهريا في الإسلام، ألا وهو أن العبد في قبضة الله وبين يديه، بحيث لا يملك غيره له نفعا ولا ضرا، فلا يناله من الحظوظ – بعد اتخاذ الأساليب العادية – إلا ما سبق إليه قلم القدرة الإلهية، وقضت به الحكمة الربانية، ﴿ وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير، وهو القادر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:وفي رابع آية منه يقرر كتاب الله مبدأ جوهريا في الإسلام، ألا وهو أن العبد في قبضة الله وبين يديه، بحيث لا يملك غيره له نفعا ولا ضرا، فلا يناله من الحظوظ – بعد اتخاذ الأساليب العادية – إلا ما سبق إليه قلم القدرة الإلهية، وقضت به الحكمة الربانية، ﴿ وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير، وهو القادر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:وفي رابع آية منه يقرر كتاب الله مبدأ جوهريا في الإسلام، ألا وهو أن العبد في قبضة الله وبين يديه، بحيث لا يملك غيره له نفعا ولا ضرا، فلا يناله من الحظوظ – بعد اتخاذ الأساليب العادية – إلا ما سبق إليه قلم القدرة الإلهية، وقضت به الحكمة الربانية، ﴿ وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير، وهو القادر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير ﴾.
ثم ينتقل كتاب الله إلى مجادلة المشركين وتحديهم، حثا لهم على الإيمان بالقرآن وبمنزل القرآن، فيسألهم هل هناك شاهد يشهد بالحق وينطق بالصدق، أكبر وأحق من الحق سبحانه وتعالى الذي هو خير الشاهدين ؟
ولا شك أن مجرد الفكر السليم والفطرة التي فطر الله الناس عليها يدفعان بالإنسان، مهما بلغ من الجحود والعناد، إلى الاعتراف والاقتناع بأن شهادة الخالق هي فوق شهادة كل مخلوق كيفما كان ﴿ قل أي شيء أكبر شهادة قل الله، شهيد بيني وبينكم، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ومن بلغ ﴾ بعد قوله تعالى ﴿ لأنذركم به ﴾ معناه أن القرآن الكريم الذي أوحى الله به إلى رسوله لم ينزل لإنذار المشركين وحدهم، ثم تنتهي مهمته ويصبح بعد ذلك مهجورا، بل إنه نزل لإنذار المشركين العرب وكافة المشركين، ولإنذار الأولين والآخرين، السابقين واللاحقين، فهو نذير لكل من بلغه من الناس إلى يوم الدين. قال محمد ابن كعب : " من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمه ". وروى قتادة في قوله تعالى :﴿ لأنذركم به ومن بلغ ﴾ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( بلغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله ).
وانتقل كتاب الله بعد ذلك إلى ما أعلنه أهل الكتاب من تجاهل القرآن وتظاهر بإنكاره، بالرغم من أنهم يعرفون حقيقته معرفة اليقين دون الشك، فقد نقلت إليهم بشارة الأنبياء والرسل السابقين أخبار ظهور خاتم الأنبياء والمرسلين، وأخبار نزول خاتم الكتب المنزلة. وبذلك صح القول فيهم بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وذلك مضرب المثل في المعرفة، فالآباء لا يجهلون صور أبنائهم الذين يعايشونهم، ولا يغيب عنهم شيء من ملامحهم وطباعهم، بل يعرفون أمرهم دون تردد ولا توقف، لكن ما استولى على " أهل الكتاب " من روح التعصب، وما سيطر عليهم من الأهواء والأغراض، وما أصابهم من الخيبة بانتقال الرسالة منهم إلى العرب من ذرية إسماعيل، أعمى أعينهم عن رؤية النور، فلم يهتدوا سبيلا، ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ﴾ ﴿ ومنهم من يستمع إليك، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا، وإن يروا كل آية لا يؤمنون بها، حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:وانتقل كتاب الله بعد ذلك إلى ما أعلنه أهل الكتاب من تجاهل القرآن وتظاهر بإنكاره، بالرغم من أنهم يعرفون حقيقته معرفة اليقين دون الشك، فقد نقلت إليهم بشارة الأنبياء والرسل السابقين أخبار ظهور خاتم الأنبياء والمرسلين، وأخبار نزول خاتم الكتب المنزلة. وبذلك صح القول فيهم بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وذلك مضرب المثل في المعرفة، فالآباء لا يجهلون صور أبنائهم الذين يعايشونهم، ولا يغيب عنهم شيء من ملامحهم وطباعهم، بل يعرفون أمرهم دون تردد ولا توقف، لكن ما استولى على " أهل الكتاب " من روح التعصب، وما سيطر عليهم من الأهواء والأغراض، وما أصابهم من الخيبة بانتقال الرسالة منهم إلى العرب من ذرية إسماعيل، أعمى أعينهم عن رؤية النور، فلم يهتدوا سبيلا، ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ﴾ ﴿ ومنهم من يستمع إليك، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا، وإن يروا كل آية لا يؤمنون بها، حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾.
ثم يصف كتاب الله حال خصوم الإسلام، وما يضعونه في طريق انتشار دعوته من العراقيل والمعوقات، فهم لا ينتفعون بالدعوة الإسلامية في أنفسهم، وهم لا يتركون غيرهم يقبل عليها وينتفع بها، بل إنهم ليصدون الناس عنها صدا ﴿ وهم ينهون عنه وينئون عنه ﴾ الأمر الذي لا يتفق ولا ينسجم مع ادعائهم أن دعوة الإسلام مجرد أسطورة من الأساطير، فالأسطورة المختلقة والقصة المكذوبة خير للناس أن يسمعوها ويقفوا على ما فيها من اختلاق وكذب، ليعرضوا عنها إلى الأبد. أما أن يقول خصوم الإسلام : إن الإسلام أسطورة، ثم يتخذوا جميع الوسائل لضرب الحصار من حوله، ومنع الناس وإلهائهم عن سماع دعوته، فذلك دليل ضمني على أن دعوة الإسلام حق وصدق، وأنها تدخل الآذان من غير استئذان، فتستولي على المشاعر والقلوب.
ويعقب كتاب الله على ما يضعه خصوم الدعوة الإسلامية من معوقات في طريقها، مبينا أن الخسارة كل الخسارة والهلاك كل الهلاك إنما هو لمن وقف في وجه دعوة الإسلام، فلم ينتفع بهدايتها، ولم يستنر بنورها، وإلا فالإسلام غني عنه ﴿ وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ﴾﴿ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾.
وما دام الحديث جاريا عن كفر الكافرين، وتكذيب المشركين، وتعويق المعوقين، وعناد المعاندين، فإن السياق مناسب كل المناسبة لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولتثبيت فؤاده على الحق، ولمواساته على ما يصيبه من أذى بالغ في سبيل الله، وهكذا يتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة فيقول ﴿ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾ ويقول ﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين ﴾ وهكذا يكشف الحق سبحانه وتعالى عن حقيقة كبرى، ألا وهي أن خصوم الرسالة المحمدية لا يعتقدون أن الرسول كاذب غير صادق، ولا يعتقدون أن الرسالة كذب لا حق، بل إنهم ليؤمنون بصدق الرسالة في قرارة أنفسهم، ولكنهم يتظاهرون بتكذيبه وتكذيبها جحودا وعنادا﴿ حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ﴾.
ويتحدث كتاب الله في سياق المواساة لرسوله عما لحق الرسل من قبله في سبيل الرسالات التي أرسلوا بها من العنت والأذى، وما انتهى إليه أمر الله معهم من نصر مؤزر وفتح مبين، وذلك قوله تعالى :﴿ ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبإ المرسلين ﴾.
الربع الأول من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
يبتدئ هذا الربع، بتقرير حقيقة ثابتة، ألا وهي أن السبيل إلى تلقي الدعوة والاستجابة لها هو تفتح العقل لإدراك ما يعرض عليه واستيعابه، وتفتح الحواس للإحساس بما تتلقاه من المحسوسات والمشاهدات واستيعابها، فإذا تعطلت ملكة العقل في أي إنسان عن وظيفتها الأساسية، وإذا تعطلت الحواس الظاهرة والباطنة عن نشاطها العادي، لم يبق لدى الإنسان أية وسيلة أخرى للإدراك ولا للإحساس، وبالتالي يتعذر عليه أن يتلقى الدعوة ويتفهمها، فضلا على أن يستجيب لها ويتجاوب معها، فقد تعطل فكره وتعطلت حواسه، وهو بمنزلة من مات موتا حقيقيا، وإن كان لا يزال معدودا بين الأحياء حياة ظاهرة.
وإذن فأمام الدعوة الإسلامية صنفان من الناس، أحياء لا يزالون يتمتعون بملكاتهم وحواسهم، وعندهم استعداد للفهم والتفاهم، وهؤلاء معقد الأمل والرجاء في نصر الدعوة الإسلامية، ﴿ لينذر من كان حيا ﴾ وهناك أموات أحاطت بهم الضلالات والأوهام من كل جانب، فدمرت فيهم جميع الملكات، وعطلت في أنفسهم جميع الطاقات، وضربت من حولهم حصارا تاما لا يبقى معه أي منفذ تصل إليهم عن طريقه هذه الدعوة، ولا أية نافذة يطلون منها على حقيقة الكون والمكون، وهؤلاء وإن كانوا لا يزالون في الدنيا فهم موتى موتا معنويا وروحيا، وسيظلون على موتهم المعنوي هذا إلى أن تتم موتتهم الجسمية الأولى، ولن يبعثوا من موتهم المعنوي ثم موتهم الجسمي إلا يوم يحل موعد البعث والنشر والحشر يوم القيامة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ إنما يستجيب الذين يسمعون ﴾ أي الذين لا تزال ملكاتهم غير معطلة ﴿ والموتى يبعثهم الله ﴾ أي الذين تعطلت ملكاتهم لا يستجيبون للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم موتى، والميت لا يجيب إلا عندما يبعث ويحشر أمام الله ﴿ ثم إليه ترجعون ﴾.
ويواصل كتاب الله في هذه السورة عرض شبهات المشركين في سياق الحكاية عنهم بلفظ ﴿ قالوا ﴾ أي قال المشركون لرسول الله.
ثم يعرض بعد ذلك حقائق الإيمان التي يتلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، ليبطل شبهات المشركين، مسبوقة بكلمة ﴿ قل ﴾ أي قل لهم يا محمد.
وها هنا يحكي كتاب الله ما يطالب به المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم من تنزيل الآيات عليهم، وهم يقصدون بذلك أن يأتيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بخوارق العادات والمعجزات المادية، بدلا من آيات الوحي المبين، إذ إن كثيرا منهم بلغوا من التحجر والتبلد والانحطاط الفكري ما جعلهم لا يكتفون بآيات الوحي المبين، التي تقنع العقول وتثلج الصدور، فيجيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قادر على أن يأتيهم بالخوارق والمعجزات المادية، كما أتى بها للأمم السالفة من قبل، إلا أن المنهاج الجديد الذي جاءت به الدعوة الإسلامية – وهو خاتمة الرسالات إلى الناس كافة – هو عرض الحقائق الإيمانية على الإنسانية جمعاء، وحث الإنسان أينما كان على تفهم هذه الحقائق، ومعرفة صدقها وأحقيتها عن طريق التفكير بها، والنظر في دلائلها، والمقارنة بينها وبين بقية العقائد، فقد مضى العهد الذي كان فيه البشر لا يزالون أطفالا أو أشباه أطفال لا تقنعهم إلا المعجزات المادية وخوارق العادات التقليدية، وها قد أقبل مع ظهور الإسلام عهد جديد للبشرية، هو عهد إعدادها للنضج، وتهيئتها للرشد، والأخذ بيدها في سبيل هدايتها إلى الحق، عن طريق الانتفاع بنفس الطاقات الكامنة فيها، وتسخير العقل والقلب والضمير والحواس الظاهرة والباطنة لإدراك حقائق الإيمان، إدراكا منبثقا من أعماق الإنسان، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن المشركين ﴿ وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه ﴾ وقوله تعالى في رد الرسول صلى الله عليه وسلم على طلبهم ﴿ قل إن الله قادر على أن ينزل آية ﴾. ثم يأتي التعقيب بقوله تعالى :﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾.
ويأخذ كتاب الله في التنبيه على بعض الحقائق الكونية التي تساعد الإنسان على الوصول بنفسه إلى إدراك عقيدة التوحيد الأساسية، متى أحسن التأمل فيها، واستخلص العبرة منها.
-الحقيقة الأولى- أنه ما من جنس جنس، ونوع نوع، وصنف صنف من أجناس الأحياء وأنواعها وأصنافها إلا وله من الخصائص والصفات المشتركة، والنواميس الثابتة لسائر أطوار حياته ما يجعله ﴿ أمة واحدة ﴾ مشابهة لما في النوع الإنساني نفسه، من أمم مختلفة الألسنة ومختلفة الألوان. ولا تقل حكمة الله في بقية خلقه، وعنايته بتدبير أمره، عن عنايته بالإنسان وتدبيره لأمره، وحكمته في خلقه.
-الحقيقة الثانية – أن كل ما خلق الله من عوالم الأحياء على تعدد أجناسها، وتنوع أنواعها، واختلاف أصنافها، هو في نهاية الأمر كما في بدايته شيء واحد متماثل، ونظام واحد متكامل، لأنه انبثق عن خالق واحد نفخ فيه الروح، له الخلق والأمر، وهو الحي القيوم.
-الحقيقة الثالثة- أن الحق سبحانه وتعالى الذي انفرد بخلق كل شيء قد انفرد أيضا بتدبير كل شيء، فما من شيء صغر أو كبر، جل أو حقر، إلا وهو محل العناية الإلهية، بحيث لا يلحقه أدنى تفريط ولا إهمال ﴿ وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ﴾. وما من جزء من أجزاء الكون إلا وهو يسير إلى مصيره المحتوم، وفق تدبير محكم ونظام مرسوم، لا يتخلف عنه قلامة ظفر، فمشيئة الله هي القانون الحتمي الأول، وتدبير الله هو القانون الحتمي الأخير.
وبديهي أن إدراك هذه الحقائق الثلاث كاف لأن يجعل من له مسكة من العقل، وأقل حظ من التفكير، وأبسط نصيب من الملاحظة، مؤمنا بالله من أعماق قلبه حق الإيمان، بعيدا كل البعد عن الشرك بالله وعبادة الأصنام والأوثان، ولا يصعب عليه أن يستخلص هذه الحقائق جميعا من قوله تعالى :﴿ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ثم إلى ربهم يحشرون ﴾ يمكن أن يحمل على أنه وارد في سياق ما سبق من قوله تعالى :﴿ والموتى يبعثهم الله ﴾. وقوله تعالى :﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ فيكون مرده كسابقه إلى الأحياء بأجسامهم، الموتى بقلوبهم، وهم المشركون الذين لا يستيقظون من سباتهم العميق إلا على أهوال النشر والحشر.
ويمكن أن يعود الضمير فيه إلى أقرب مذكور، ويحمل على معنى أن الأحياء من غير الإنسان ستحشر أيضا كما يحشر الإنسان، على حد قوله تعالى :﴿ وإذا الوحوش حشرت ﴾ وكلا المعنيين صحيح لغة وشرعا.
الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " : " عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " :" عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " :" عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " :" عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " :" عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " :" عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:الربع الثاني من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في أول آية من هذا الربع، يتحدث كتاب الله عن ﴿ مفاتح الغيب ﴾ التي انفرد بعلمها الحق سبحانه وتعالى دون خلقه ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ والحديث عنها وارد في سياق الآيات التي مرت في الربع الماضي تعلن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ادعاء علم الغيب، وتعرف المشركين بأن النبوة والرسالة ليست نوعا من أنواع الكهانة التي اعتادوها فيما بينهم، والتي قامت في أساسها على التضليل والتزييف وادعاء العلم بما كان وما سيكون ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾﴿ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ أصل من أصول العقائد الإسلامية، وركن من أركان الدين، كما قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ المعافري.
و " الغيب " ما خفي أمره على العقول، ولم ينكشف كنهه للحواس، وحجبه الله عن البصائر والأبصار، وكما أن للبصر حدا لا يتجاوزه فكذلك للبصيرة حد لا تتعداه، و " مفاتح الغيب " ما يتوصل به إلى علم الغيب، وقد وقعت الإشارة إلى أمهات الغيب بكل وضوح في قوله تعالى في سورة لقمان :﴿ إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير ﴾.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى آخر الآية.
و " أم الغيب " الكبرى، على حد تعبير ابن العربي المعافري هي الساعة وما تضمنت من النشر والحشر والموقف والحساب، وما يؤول إليه أمر الخلق من العقاب والثواب، فلا أمارة على الساعة ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المصدوق عن ربه من " أشراط الساعة وأماراتها " ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
و " أم الغيب الثانية " تنزيل الغيث، وما يترتب عليه من الإحياء الإنبات، وما يسبقه من إنشاء الرياح وتسييرها، وتأليف السحب وإلقاحها، وتوزيع قطراتها على بقاع الأرض ومن فيها. ﴿ وينزل الغيث ﴾ فهذه لا أمارة عليها ثابتة، ولا علامة قاطعة.
و " أم الغيب الثالثة " ما تنطوي عليه الأرحام، وما يجري تدبيره فيها بأمر الله من خلق النطفة وتدريجها في أطوار الخلقة طورا بعد طور، حتى تستوي ذكرا أو أنثى، فرادى أو توائم، فهذه لا أمارة عليها، ولا علامة تهدي إليها مهما ادعى المدعون وتنبأ المتنبئون ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾.
و " أم الغيب الرابعة " ما أخفاه الله عن خلقه من كسب الغد المجهول بما فيه من عمل ورزق، و " الغد " هنا يصدق على الغد القريب والغد البعيد، فكم من غني ظن أنه تحصن بغناه من تقلبات الدهر، فافتقر إلى ما عند الناس، وكم من فقير ظن أنه لن يخرج من عالم البؤساء فأغناه الله وأعطاه، وكم من قوي معتز بقوته أصبح منهار الأعصاب مهدود القوى، وكم من ضعيف بات خائر العزيمة فاتر الهمة، فآتاه لله من حوله حولا ومن قوته قوة، وهذا الأمر مغيب عن الإنسان بالرغم من حرصه الشديد على معرفة كل شيء يتعلق بعمله وكسبه ووسائل عيشه، وما يرتبط بذلك من سرور أو غم، وهلاك أو نجاة، وربح أو خسارة وتوفيق أو خذلان، فكائنات الغد كلها تحت حجاب الله، ولا يعلم حقيقة أمرها سواه ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾.
و " أم الغيب الخامسة " ما أخفاه الله عن خلقه من عاقبة كل إنسان، إذ رب العزة وحده، وهو الذي انفرد بعلم هذه العاقبة، كيف تكون ومتى تكون، وأين تكون فلا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب أين يقبض الله روحه، هل سيموت ويدفن في المشرق أم في المغرب، هل سيموت في البر أم في البحر، أم في الجو، ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، متى يحل أجله، هل في هذا اليوم، أم في هذا الشهر، أم في هذا العام، أم في غيره من الأيام والشهور والأعوام. ولا أحد من الناس يعرف، لا بالضبط ولا بالتقريب، كيف يختم له بالخاتمة الحسنى أو بغيرها، وهل إذا كان مطيعا سيختم عليه بنفس الطاعة والإيمان، أم أنه سيختم عليه – والعياذ بالله – بالكفر والعصيان، فلا أمارة ولا علامة في هذا الميدان، تهدئ روع الإنسان أيا كان﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾.
فهذه مقامات الغيب وأمهاته الخمس التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل في طاقة المخلوق سبيلا محققا وقاطعا للوصول إليها، بل خبأها تحت أستار الأقدار، لحكمته الباهرة، وقدرته الظاهرة ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " في كتابه " أحكام القرآن " :" عند الله تعالى علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ فكل من قال : إنه ينزل الغيث غدا- أي على جهة اليقين، لا مجرد الاحتمال – فهو كافر. ومن قال : إنه يعلم ما في الأرحام وادعى ذلك واجبا في الخلقة فهو كافر. ومن ادعى ما يكسبه الإنسان في مستقبل العلم فهو كافر ".
وهكذا كل ما فيه تظاهر بادعاء معرفة الغيب عن بينة ويقين، وتطاول على هتك حجب أستاره دون كتاب مبين.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع تلفت نظر الإنسان إلى عجائب البر والبحر، وما احتوى عليه كل منهما من العوالم والآفاق، ما ظهر منها وما بطن، ما عرف منها وما لم يعرف.
كما تلفت نظره إلى عالم النبات وما يتعاوره من موت وإحياء، ونماء وفناء، وإلى البذور التي تنموا تحت الأرض في الظلمات، كما تنموا الأجنة في بطون الأمهات، منبهة إلى أن ذلك كله- على سعته وتنوعه- من مشمولات علم الله الذي أحاط بكل شيء علما، وسجله في كتاب تخطيطه الأزلي اسما ومسمى ﴿ يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ﴾ أي يعلم ما اكتسبته جوارحكم ﴿ وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ﴾ أي توفته الملائكة الموكلون بذلك ﴿ وهم لا يفرطون ﴾ أي ينزلون الأرواح في منازلها بأمر الله، فأرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ أي ردوا إلى مولاهم الحقيقي الذي يدينون له بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، إذ أنشأهم من عدم، ونفخ فيهم من روحه كيف شاء، ثم قبض روحهم إليه متى شاء ﴿ ألا له الحكم، وهو أسرع الحاسبين ﴾ فلا تعويق أمام الله ولا مماطلة ولا إبطاء، في إجراء المحاسبة وإصدار الحكم وإعلان الجزاء.
ثم يحذر كتاب الله الغافلين المتجاهلين لحكمه وحكمته، المتمردين على دينه وشريعته، بأنه قادر على أن يؤدبهم بسوط عذابه فجأة، ومن حيث لا ينتظرون.
فهذا " العذاب التأديبي " من الله لن يأتيهم من اليمين أو الشمال، حتى يعدوا له عدته، ويأخذوا له أهبته، وإنما ينقض عليهم كالصاعقة من فوق رؤوسهم، بحيث لا يستطيعون له قمعا، أو ينفجر كالبركان من تحت أرجلهم بحيث لا يستطيعون له دفعا، وإذا لم يأتهم العذاب لا من فوقهم ولا من تحتهم، فإنه يأتيهم من بينهم، فيذوق بعضهم العذاب من نفس البعض الآخر وعلى أيديهم، وذلك هو عذاب الاختلاف والتفرقة إلى شيع متعادية متباغضة، وأحزاب متخالفة متعارضة، يحارب بعضها بعضا، ويفتن بعضها بعضا، ويأكل بعضها بعضا، إلى أن يفني بعضها بعضا.


وهذا التحذير الإلهي الخطير هو الذي يتضمنه بإيجاز وإعجاز قوله تعالى في هذا الربع ﴿ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ﴾.
ومما جاء في نفس المعنى في سورة الملك :﴿ آمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور، أم آمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا، فستعلمون كيف نذير ﴾.
وروى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى :﴿ عذابا من فوقكم ﴾ ما يفيد أنه هو العذاب الذي يصيب صغار الناس على يد كبارهم، وفي تفسير قوله تعالى :﴿ أو من تحت أرجلكم ﴾ ما يفيد أنه هو العذاب الذي يصيب كبار الناس على يد صغارهم، ولم ينكر ابن جرير الطبري بعدما نقل هذا القول أن له وجها صحيحا، إذ لا شك أن هذا نوع من العذاب الأليم الذي تبتلى به الأمم، كلما انحرفت عن سبيل الله، ولا يرفع عنها إلا بالعودة إلى حدود الله :﴿ انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ﴾.
الربع الثالث من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
تناولت الآيات الكريمة الواردة في آخر الربع الماضي قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وكيف هداه الله عن طريق الفطرة السليمة التي فطره عليها إلى الدلائل القاطعة على عقيدة الوحدانية، وبطلان الشرك والوثنية، وكيف أخذ يندد في قرارة نفسه بمعبودات قومه واحدا بعد الآخر، وكيف وجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ﴿ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ﴾.
وفي بداية هذا الربع، تشير الآيات الكريمة إلى المرحلة التالية التي تبعت تلك المرحلة الأولى، فمن مرحلة التفكر والتأمل والنظر المجرد، التي تحدثت عنها الآيات السابقة، ينتقل إبراهيم الخليل إلى مرحلة المناظرة والمجادلة عن الحق، فيما بينه وبين قومه، وهذه المرحلة هي موضوع الآيات الأولى من ربعنا اليوم ﴿ وحاجه قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدين ﴾.
ونظرا لما أكرم الله به إبراهيم الخليل، إذ جعله ﴿ من الموقنين ﴾ لا من الشاكين ولا من المترددين، فإن جوابه لقومه كان يحمل كل معاني الاستغراب من موقفهم، وكل علامات الرفض لدعاواهم، وهذا ما يفسر قوله الصادر عن إيمان كامل، واطمئنان تام ﴿ أتحاجوني في الله وقد هدان ﴾ فهل من العقل السليم أن يهتدي الإنسان، ثم يترك الهدى لينغمس في الضلال ؟
وتمضي الآيات الكريمة في نفس السياق، لتشير إلى أن قوم إبراهيم أخذوا يخوفونه من غضب معبوداتهم ومن انتقامها، على غرار ما قالته عاد لنبيها هود ﴿ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴾ فما كان من إبراهيم الخليل إلا أن أعلن بلهجة المؤمن بربه، الواثق بحمايته من أذى الشيطان وحزبه، أنه لا يخاف معبوداتهم في قليل ولا كثير، لأن معبوداتهم لا تضر ولا تنفع، ولا تعي ولا تسمع، ﴿ ولا أخاف ما تشركون به ﴾ على غرار ما قاله هود لقومه عاد ﴿ فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ﴾، وإنما يخاف إبراهيم ربه وحده دون سواه، فهو الذي لا يفلت من قبضته شيء، ولا يغيب عن علمه شيء ﴿ إلا أن يشاء ربي شيئا، وسع ربي كل شيء علما ﴾.
ثم يوجه إبراهيم الخليل إلى قومه سؤالا يفحمهم ولا يجدون عنه أي جواب مقنع، إذ يتساءل أمامهم من هو الذي يجدر به الخوف والفزع ؟ هل الذي يعبد المعبودات السخيفة ويشركها بالله، وهي مثال العجز والضعف والجهل، أم الذي يعبد الله فاطر السماوات والأرض، القادر على كل شيء والعالم بكل شيء، دون أن يشرك به شيئا ؟
من الذي يلزمه أن يخاف ويتردد ؟ هل الذي لا يملك أدنى حجة يستند إليها في عبادة الأوثان والأصنام، أم الذي يملك كل الحجج على وحدانية الله الواحد الأحد، وألوهية الفرد الصمد ؟
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
﴿ وكيف أخاف ما أشركتم، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ﴾.
ويستخلص إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام نتيجة حواره لقومه وإفحامه لهم متسائلا : أي الفريقين أحق بالأمن وأيهما أحق بالخوف ؟ هل الفريق الذي يستند إلى ركن الإيمان الركين، وحصن اليقين الحصين، أم الفريق الذي يستند إلى الفراغ، ويملأ قلبه وعقله بالفراغ، هل الفريق الذي يسير في وئام وانسجام مع تعاليم الله وأوامره المطابقة لنواميسه الثابتة في الكون، فلا يصطدم معها في شيء، أم الفريق الذي يتنكر لنواميس الكون وتعاليم المكون، فيصطدم في طريقه وسلوكه بكل شيء وفي كل لحظة، ويعيش في حرب مستعرة تدور رحاها فيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين ربه ؟ فهو في صراع لا يفتر، واضطراب لا يقف، وحيرة لا تنتهي ﴿ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ﴾.
ويأتي الجواب المنطقي الصريح والوحيد، مضمنا في قوله تعالى :﴿ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ﴾ فمن آمن بالله إيمانا كاملا وأسلم وجهه لله إسلاما تاما، ولم يشرك بالله غيره، لا في عبادته ولا في محبته، ولا في رجائه وخوفه، واستند إلى ركن الإيمان بالله الركين، وحصن اليقين في الله الحصين، تعهد الله له بالأمن والهداية في الدنيا والآخرة، وجعله من الآمنين والمهتدين، ﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ﴾ ومن أشرك بالله غيره في عبادة، أو محبة، أو رجاء أو خوف، أو تعلق بأي وجه من الوجوه، كان قلق النفس، مضطرب البال، ولم يزل طيلة حياته متعثر الخطى، أسيرا للوساوس، غريقا في الأوحال.
جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :( لما نزلت هذه الآية :﴿ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ﴾ شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا يستفسرونه قائلين :( وأينا لم يظلم نفسه ؟ ) إذ فهموا من كلمة " ظلم " مجرد ظلم النفس ولو بارتكاب الصغائر، فنبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن معنى هذه الآية يؤخذ من آية أخرى تفسرها أحسن تفسير، وهي قوله تعالى في سورة لقمان، ﴿ يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم ﴾ وبذلك يكون معنى ﴿ ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ﴾ : أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك ).
وبعدما أفحم إبراهيم الخليل قومه وغلبهم في معرض الحجاج عن عقيدة التوحيد التي لا عقيدة تعدلها قوة وصحة، ووضوحا وبساطة، عقب كتاب الله على ذلك بقوله ﴿ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء، إن ربك حكيم عليم ﴾.
ويتولى كتاب الله وصف الحالة الأليمة التي يكون عليها المشركون وهم في غمرات الموت وسكراتها، من الاضطراب والحيرة والخيبة والذعر والفزع، وما يسلطه عليهم الملائكة الموكلون بهم من ألوان التعذيب ساعة الاحتضار، وما يطالبونهم به من القيام بإخراج أرواحهم بأنفسهم، بعد أن تأبى أرواحهم مفارقة أجسادهم من تلقاء نفسها، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ﴾، نظير قوله تعالى في سورة محمد ﴿ فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ﴾ الآية.
ثم ينطق كتاب الله بتقريع المشركين الظالمين، وتوبيخهم على ما ارتكبوه في حق الله بشركهم، من الظلم العظيم، مبينا أن إهانة الله لهم هي خير جزاء يجازيهم به على تكبرهم، وذلك قوله تعالى :﴿ اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ﴾. وأخيرا يتوجه الخطاب الإلهي إليهم، مسجلا عليهم أنهم رغما عما كانوا يعتمدون عليه من الشفعاء والأنصار، فقد عادوا إلى الله كما خلقهم أول مرة، عزلا وفرادى دون مال ولا متاع، ولا أهل ولا أولاد ولا نفوذ ولا جاه، ولا رفقاء ولا شفعاء، فلا شفيع معهم من أولئك الشفعاء المرموقين الذين زعموا أن لهم فيهم حظا مع الله، وإذن فهم في منتهى الفقر، وفي منتهى العزلة، وفي منتهى الخيبة، موكلون إلى أنفسهم، قد انقطع بينهم وبين الناس كل حبل، وانفصمت كل رابطة تربطهم بالآخرين، وليست أمامهم إلا حقيقة الحقائق، وهم وحدهم في مواجهة الحق الأكبر الذي لا حق دونه، ولا حق فوقه، وذلك قوله تعالى :﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:ويتولى كتاب الله وصف الحالة الأليمة التي يكون عليها المشركون وهم في غمرات الموت وسكراتها، من الاضطراب والحيرة والخيبة والذعر والفزع، وما يسلطه عليهم الملائكة الموكلون بهم من ألوان التعذيب ساعة الاحتضار، وما يطالبونهم به من القيام بإخراج أرواحهم بأنفسهم، بعد أن تأبى أرواحهم مفارقة أجسادهم من تلقاء نفسها، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ﴾، نظير قوله تعالى في سورة محمد ﴿ فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ﴾ الآية.
ثم ينطق كتاب الله بتقريع المشركين الظالمين، وتوبيخهم على ما ارتكبوه في حق الله بشركهم، من الظلم العظيم، مبينا أن إهانة الله لهم هي خير جزاء يجازيهم به على تكبرهم، وذلك قوله تعالى :﴿ اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ﴾. وأخيرا يتوجه الخطاب الإلهي إليهم، مسجلا عليهم أنهم رغما عما كانوا يعتمدون عليه من الشفعاء والأنصار، فقد عادوا إلى الله كما خلقهم أول مرة، عزلا وفرادى دون مال ولا متاع، ولا أهل ولا أولاد ولا نفوذ ولا جاه، ولا رفقاء ولا شفعاء، فلا شفيع معهم من أولئك الشفعاء المرموقين الذين زعموا أن لهم فيهم حظا مع الله، وإذن فهم في منتهى الفقر، وفي منتهى العزلة، وفي منتهى الخيبة، موكلون إلى أنفسهم، قد انقطع بينهم وبين الناس كل حبل، وانفصمت كل رابطة تربطهم بالآخرين، وليست أمامهم إلا حقيقة الحقائق، وهم وحدهم في مواجهة الحق الأكبر الذي لا حق دونه، ولا حق فوقه، وذلك قوله تعالى :﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ﴾.

الربع الأخير من الحزب الرابع عشر
في المصحف الكريم
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
ومنها قوله تعالى :﴿ فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى توزيع الحياة اليومية بين الليل البهيم المناسب للسكون، والنهار المشرق الملائم للحركة ﴿ يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ﴾ كما يتضمن الإشارة إلى أسباب هذا التوزيع وحكمته، وإلى آثاره العميقة في حياة الإنسان والحيوان والنبات.
ومنها قوله تعالى ﴿ والشمس والقمر حسبانا ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى ما تسير عليه الشمس ويسير عليه القمر في حركتهما وتنقلاتهما ودورانهما من نظام مرسوم، وحساب مقنن مقدر معلوم، لا يتغير ولا يضطرب ﴿ هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل ﴾﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون ﴾.
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
ومنها قوله تعالى :﴿ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى مواقع النجوم في السماء، وكيف يهتدي الناس بواسطتها في غمرات البحر وسط الغيوم المتلبدة، والسحب الكثيفة، وفي متاهات البر داخل الصحارى وفي جوف الأدغال، وسط الزوابع والأعاصير.
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
ومنها قوله تعالى :﴿ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى نشأة النفس البشرية عن أصل واحد، ثم تفرعها إلى ذكر وأنثى، ثم إلى أجناس وألوان ولغات، " فمستقر " في أرحام النساء و " مستودع " في أصلاب الرجال، وما تشتمل عليه هذه النشأة من عجائب وحكم، في بدايتها وفي تسلسلها وفي تنوعها ﴿ هذا خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من دونه ﴾.
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
ومنها قوله تعالى :﴿ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى أن ماء المطر، رغما عن كونه واحدا في طبيعته، متماثلا في تركيبه وماهيته، ينشأ عنه، بإذن الله وتسخيره، ما لا يحصى من أصناف النباتات التي يعيش عليها الإنسان والحيوان، مع اختلاف الأحجام والطعوم والألوان، ﴿ فأخرجنا منه خضرا، نخرج منه حبا متراكبا، ومن النخل من طلعها قنوان دانية، وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ﴾﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾ وفي هذا المعنى ورد أيضا قوله تعالى :﴿ وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
وأقل تفكير في هذه العطايا الإلهية، والهبات الربانية المتوالية، يبعث الإنسان على الإيمان بالله والاعتراف بربوبيته، ويدفعه إلى محبته وطاعته، فالإنسان في كل حركة من حركاته، أو سكنة من سكناته، إنما يتقلب في نعمة الله الوافرة، وفي رحمته الواسعة، ولو وكل إلى نفسه لحظة واحدة، بل لو حرم من إمداد الحق ثانية واحدة، لذهب في خبر كان، ولم يبق منه عين ولا أثر.
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
أما المجموعة الثانية في هذا الربع، وهي الآيات التي يدور الحديث فيها عن التنديد بالشرك والمشركين، فمنها قوله تعالى :﴿ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى ما كان شائعا بين مشركي العرب من الاعتقاد في تأثير الجن، وفي أن لهم القدرة على الضر والنفع بواسطة الكهان والأصنام والأوثان، وها هنا تستغرب الآية أن يكون الجن شركاء لله وأندادا له، وهم لا يزيدون عن أن يكونوا من جملة عباده المخلوقين المقهورين، ﴿ وهو القاهر فوق عباده ﴾.
ومنها قوله تعالى :﴿ وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى عقيدة وثنية أخرى اختلقها المشركون، وتابعهم عليها بعض أهل الكتاب، ألا وهي نسبة البنين والبنات إلى الحق سبحانه وتعالى الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، كقول المشركين " الملائكة بنات الله " وقول اليهود " عزيز ابن الله " وقول النصارى : " المسيح ابن الله " ﴿ سبحانه وتعالى عما يصفون، بديع السماوات والأرض، أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٠:في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
أما المجموعة الثانية في هذا الربع، وهي الآيات التي يدور الحديث فيها عن التنديد بالشرك والمشركين، فمنها قوله تعالى :﴿ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى ما كان شائعا بين مشركي العرب من الاعتقاد في تأثير الجن، وفي أن لهم القدرة على الضر والنفع بواسطة الكهان والأصنام والأوثان، وها هنا تستغرب الآية أن يكون الجن شركاء لله وأندادا له، وهم لا يزيدون عن أن يكونوا من جملة عباده المخلوقين المقهورين، ﴿ وهو القاهر فوق عباده ﴾.
ومنها قوله تعالى :﴿ وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى عقيدة وثنية أخرى اختلقها المشركون، وتابعهم عليها بعض أهل الكتاب، ألا وهي نسبة البنين والبنات إلى الحق سبحانه وتعالى الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، كقول المشركين " الملائكة بنات الله " وقول اليهود " عزيز ابن الله " وقول النصارى :" المسيح ابن الله " ﴿ سبحانه وتعالى عما يصفون، بديع السماوات والأرض، أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ﴾.

في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
وأما المجموعة الثالثة في هذا الربع، وهي الآيات التي تتناول صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، فمنها قوله تعالى :﴿ بديع السماوات والأرض ﴾ أي مبدعها على غير مثال، لا سابق ولا لاحق، وقوله تعالى ﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير ﴾ أي أنه سبحانه وتعالى لا تحيط به أبصار الخلائق، وأن أكرم الصالحين من عباده بالنظر إليه، مصدقا لقوله تعالى :﴿ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ﴾. لكنهم بمقتضى طبيعتهم أعجز من أن يحيطوا بحقيقة الخالق وعظمته وجلاله، فكم من مرئيات من جنس المخلوقات يراها الإنسان بعيني رأسه ولكنه بالرغم عن رؤيته لها يعجز عن إدراك حقيقتها وكنهها، ولا يحيط بها إحاطة تامة، فما بالك بالخالق سبحانه وتعالى :﴿ ذلكم الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل ﴾.
في هذا الربع، تتناول مجموعة من الآيات الكريمة استعراض جملة من آيات القدرة الإلهية وأثار الحكمة الربانية في الخلق والإيجاد، والتدبير والإمداد، فمن فلق للحب والنوى، ومن إخراج الحي من الميت والميت من الحي، ومن إبراز آية النور ومحوها لآية الظلام، ومن تسيير للشمس والقمر بحسبان، ومن تزيين للسماء بالنجوم، ونصبها علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، ومن إنشاء للنفس البشرية ولكل ما تفرع عنها من مختلف الأجناس والأنواع، ومن إنزال للماء وما ينبت به من مختلف الألوان والأشكال والطعوم.
وتتناول مجموعة ثانية من آيات هذا الربع الحديث عن عقائد المشركين، وما نسبوه إلى الحق سبحانه وتعالى من بنين وبنات، وما أشركوه به من الجن، وما أقسموا به من الأيمان الكاذبة، على أنهم مستعدون للإيمان بالله، إذا نزلت عليهم بالخصوص آية تكون من خوارق العادات، نظير ما سبق نزوله على الأمم السالفة في عهد الأنبياء السابقين، كما تتناول نفس الآيات ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين والمشركين في المعاملة والمجادلة، وكيف ينبغي أن يكون موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بالأخص.
وتتناول مجموعة ثالثة من آيات هذا الربع عرض جزء مهم من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، تثبيتا لحقيقة الألوهية في النفوس، وتركيزا لها في القلوب.
فمن المجموعة الأولى :﴿ إن الله فالق الحب والنوى ﴾ وهو يتضمن الإشارة إلى سر الحياة الذي يسري في البذرة والنواة، والذي لا يعلم مصدره إلا الله، ولا يدرك كنهه سواه، على غرار قوله تعالى :﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ﴾ الآية.
ومنها قوله تعالى :﴿ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ﴾. وهو يتضمن الإشارة إلى أدب الدعوة في الإسلام، وأن المشركين بالرغم من سفاهة عقولهم وفساد عقائدهم لا ينبغي للمسلمين أن يوجهوا السب واللعن إلى معبوداتهم الباطلة، إذ لها من الحرمة في نفوس المشركين والقداسة في معتقداتهم ما قد يحملهم على مقابلة السب بمثله، واللعنة بأختها، وبذلك يكون المسلمون قد تسببوا في تجرؤ المشركين على مقام الله الأقدس، وجنابه الأعلى.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " : " اتفق العلماء على أن معنى هذه الآية : لا تسبوا آلهة الكفار فيسبوا إلهكم، وكذلك هو. فإن السب في غير الحجة فعل الأدنياء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( لعن الله الرجل الذي يسب والديه. قيل يا رسول الله : وكيف يسب والديه. قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ). فمنع الله في كتابه أحدا أن يفعل فعلا جائزا يؤدي إلى محظور، ولأجل هذا تعلق علماؤنا بهذه الآية في " سد الذرائع "، وهو كل عقد جائز في الظاهر يؤول أو يمكن أن يتوصل به إلى محظور.
الربع الأول من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.
بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.
ثم انتقلت الآيات الكريمة إلى وصف ما تلاقيه دعوة الأنبياء والرسل من دعايات مضادة يقوم بها أعداء الرسالات الإلهية وخصومها المفسدون في الأرض، مبينة أن هؤلاء الأعداء المتحالفين على محاربة الرسل ورسالاتهم هم أشرار الخلق من الإنس والجن، فهم حلف واحد متمرد على الله، متعاون على حرب رسله، وما من فريق منهم إلا هو يستوحي من الفريق الآخر كل ما يساعده على التغرير بضعفاء النفوس، وتضليل بسطاء العقول، ونبهت نفس الآيات إلى أن الذين ينكرون الحياة الآخرة ولا يؤمنون بالبعث هم الضحايا الأولون، والزبناء المختارون لهذا الحلف الضال، من شياطين الإنس والجن، فهم الذين يتقبلون وحي هؤلاء الشياطين برضى واطمئنان، وهم الذين يقترفون- بإيحاء منهم- كل ما يأتونه من المناكر والفواحش والضلالات، معرضين عن الله، متنكرين لجميع الرسالات، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون، ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ﴾.
بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.
واتجه خطاب الله إلى الحديث عن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ضلالات المشركين ودعاويهم الباطلة، والتأكيد على أنه غير مستعد للتحاكم إلى أهوائهم وأوهامهم، وأنه لا يرتضي حكما في النزاع القائم بينه وبين المشركين حول عقيدة التوحيد إلا الحق سبحانه وتعالى، فهو الحكم الوحيد الذي ترضى حكومته عند رسوله والمؤمنين، لاسيما وقد فصل في كتابه المبين الذي أنزل على رسوله الصادق الأمين بلسان عربي مبين، دلائل الحق الصراح الذي لا جدل فيه ولا مراء، والذي فيه غاية الهدى وكل الشفاء، وذلك قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :﴿ أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ﴾﴿ وهذا صراط ربك مستقيما، قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ﴾.
ثم نبه كتاب الله مرة أخرى إلى أن هذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الكتب، بل هو من جنس الكتب الإلهية التي أنزلها على رسله السابقة، فهو حلقة من سلسلة النور الممدودة من السماء إلى الأرض، وهو وإن كان خاتم الكتب الإلهية والمهيمن عليها فليس هو بأولها، بل إن هناك طائفة من أهل الأرض تعرف " بأهل الكتاب " تعرف الوحي وتعرف الرسالة، وعندها من بشارات الرسل السابقين بذلك ما يشفي ويكفي، وهي تعرف أن هذا القرآن الذي ختم الله به الوحي من عنده، جاء مصدقا لما بين يديه من الكتب والرسالات، وجاء بالحق من العقائد، والحق من الشعائر، والحق من الشرائع، والحق من أخبار الخليقة، والحق من قصص الأنبياء والرسل، فلا يصح أن يكون بعد ذلك كله موضع شك ولا تردد عند أحد من الناس. وذلك قوله تعالى :﴿ والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ﴾. وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ فلا تكونن من الممترين ﴾ وارد على غرار قوله تعالى في سورة يونس :﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك، لقد جاءك الحق من ربك، فلا تكونن من الممترين ﴾. وتعليقا على " حرف الشرط " ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل ﴾ أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا :( لا شك ولا أسأل ).
ومضى كتاب الله يوضح من خصائص القرآن ومميزاته ما يثلج صدور المؤمنين ويزيدهم يقينا بالحق، واطمئنانا إلى الحقيقة، فنبه إلى أن كلمات الله التي يتضمنها كتابه العزيز هي المثل الأعلى في الصدق، فلا يوجد ما هو أصدق منها، لا خبرا ولا توجيها، لا فرق في ذلك بين خبرها عن الغيب، ولا خبرها عن الماضي، ولا خبرها عن أطوار البشرية في حالتي شقائها وسعادتها، وحالتي ضلالها وهدايتها، ولا فرق في ذلك بين توجيهها للفرد المسلم، وتوجيهها للجماعة المسلمة، وتوجيهها للدولة الإسلامية، وتوجيهها للإنسانية جمعاء، فتوجيهاتها كلها حق وصدق، كما نبه كتاب الله إلى أن كلمات الله التي يتضمنها كتابه العزيز هي المثل الأعلى في العدل، فلا يوجد في أحكامها، ولا في تكاليفها، ولا في أوامرها، ولا في نواهيها، ولا في مبادئها التشريعية والأخلاقية، ما يناقض مبدأ العدل المطلق، الذي لا عدل فوقه ولا عدل سواه، إذ هو عدل الحكم العدل الذي هو أحكم الحاكمين ورب العالمين، فعدله ليس عدل طبقة ضد طبقة، ولا عدل جنس ضد جنس، ولا عدل لون ضد لون، ولا عدل ملة ضد ملة، وهو فوق الأهواء والشهوات، لأنه عدل " الكامل " الذي لا يلحقه أي نقص، و " الغني " الذي لا تضطره أي حاجة و " العادل " الذي لا يتصور منه أي ظلم.
بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.
ونبه كتاب الله في نفس هذا السياق إلى أن ما تحتوي عليه كلمات الله في كتابه المبين من صدق وعدل لا يمكن أن يلحقه نقض ولا إبطال، ولا تغيير ولا تبديل، ولا تحريف ولا تزوير، لأنها أحكام صادرة عن علم الله، وحكم منطوية على سر الله، وكلمات محفوظة بحفظ الله، وذلك قوله تعالى ﴿ وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته، وهو السميع العليم ﴾﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ﴾.
بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.
وانتقلت الآيات الكريمة إلى تقرير حقيقة اجتماعية وتاريخية كبرى، حتى لا يضل عنها المسلمون، ولا يختلط عليهم الحابل بالنابل، ألا وهي " معيار الحق " و " معيار الحقيقة " ليس هو كثرة القائلين بالقول، ولا كثرة المقلدين للرأي، فكم من الأكثريات والأغلبيات إنما تؤيد الباطل، دون الحق، وتسير وراء الأوهام، لا وراء الحقائق، وذلك في جميع عصور التاريخ، وبالنسبة لكافة الدعوات، بحيث كثيرا ما تكون القلة من الناس دون الكثرة هي المتمسكة بالحقيقة، والحريصة على الحق ﴿ ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ﴾ وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ﴾ ولم يكتف كتاب الله بتقرير هذه الحقيقة، مجردة من الحجة الدالة على صدقها، بل عقب عليها بما يكشف السر فيها، فبين أن أكثرية الناس إنما يكتفون في أحكامهم وتصرفاتهم بمجرد الظنون والأوهام، ولا يجدون لا من سعة من الوقت، ولا من سعة الفكر، ما يساعدهم على أن يتبينوا وجوه الضعف فيما يقال لهم وما يعرض عليهم من الآراء الملتوية، والأهواء المستعصية، فينقادون بسهولة لمن يوحون إليهم بتلك الآراء المدخولة، والأفكار المعلولة، من شياطين الإنس والجن، ويسايرون تيار الضلال والتزوير على غير علم، ودون أن يكونوا على بينة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون، إن ربك هو أعلم بمن يضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١١:الربع الأول من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٢:بعدما عرض كتاب الله في الربع الماضي على أنظار المشركين والكافرين آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق المحيطة بهم من حولهم، وما أنعم به على خلقه من النعم المتوالية والعطايا الدائمة، رحمة بهم وإحسانا إليهم. وبعدما تبين ما هم عليه من تحجر في الفكر، وقسوة في القلب، وإصرار على التمسك بالباطل، واستكبار عن قبول الحق، جاء كتاب الله في هذا الربع، مبينا أن من كان مثلهم تحجرا واستغلاقا، وعنادا وإصرارا، لا تنفع فيه، لا آيات الوحي الناطقة، ولا آيات الكون الصامتة، بل إن إجراء خوارق العادات من أجل إقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، لو وقع، تلبية لطلبهم، واستجابة لتحديهم، لما كان له إلا أثر سلبي في أنفسهم، فقد عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ ولو نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ﴾ أي عيانا ومشاهدة، ﴿ ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون ﴾ ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون، وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾.
ثم انتقلت الآيات الكريمة إلى وصف ما تلاقيه دعوة الأنبياء والرسل من دعايات مضادة يقوم بها أعداء الرسالات الإلهية وخصومها المفسدون في الأرض، مبينة أن هؤلاء الأعداء المتحالفين على محاربة الرسل ورسالاتهم هم أشرار الخلق من الإنس والجن، فهم حلف واحد متمرد على الله، متعاون على حرب رسله، وما من فريق منهم إلا هو يستوحي من الفريق الآخر كل ما يساعده على التغرير بضعفاء النفوس، وتضليل بسطاء العقول، ونبهت نفس الآيات إلى أن الذين ينكرون الحياة الآخرة ولا يؤمنون بالبعث هم الضحايا الأولون، والزبناء المختارون لهذا الحلف الضال، من شياطين الإنس والجن، فهم الذين يتقبلون وحي هؤلاء الشياطين برضى واطمئنان، وهم الذين يقترفون- بإيحاء منهم- كل ما يأتونه من المناكر والفواحش والضلالات، معرضين عن الله، متنكرين لجميع الرسالات، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون، ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ﴾.

الربع الثاني من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
والآيات التي تشير إلى هذا الموضوع في حصتنا اليوم هي قوله تعالى :﴿ ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ﴾ أي استكثرتم من إغواء الناس وتضليلهم، فأضللتم منهم كثيرا ﴿ وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض، وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال، النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله، إن ربك حكيم عليم ﴾، وقوله تعالى :﴿ يا معشر الجن والإنس ألم يأتيكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا، قالوا شهدنا على أنفسنا، وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾.
ومما يتصل بهذا المعنى وهذا الموضوع قوله تعالى في سورة الأحقاف :﴿ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا، فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق المستقيم، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء، أولئك في ضلال مبين ﴾ وهناك سورة خاصة يطلق عليها " سورة الجن "، وفيها جاء قوله تعالى :﴿ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا، يهدي إلى الرشد، فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ﴾، وقوله تعالى ﴿ وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
وفي هذا الربع جملة من الآيات الكريمة تعتبر تحذيرا صارخا وإنذارا بالغا من الحق سبحانه وتعالى لمن يخالفون أمره في كل الأجيال وفي مختلف العصور ﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
فمنها آية تنذر الظالمين الذين يعتدون على العباد ويضيعون حقوقهم، بأن الله يسلط عليهم ظلمة آخرين يضربون على أيديهم، وينتقمون منهم شر انتقام، وذلك قوله تعالى ﴿ وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ﴾ وكما يعم هذا الإنذار الأفراد والجماعات فإنه يعم الدول والحكومات سواء بسواء، وهذا المعنى هو الذي اقتبسه أحد الشعراء فقال : " وما ظالم إلا سيبلى بظالم " ومنها آية هي من قبيل " الإنذار قبل الإعذار " تشير إلى أن الحق سبحانه وتعالى لا يهلك الأمم ولا يبيدها تعسفا واعتباطا دون سابق هداية وإنذار، بل إنه ينبهها من غفلاتها المرة تلو المرة، ويذكرها بما آل إليه أمر الأمم السالفة التي تمردت على الله من خراب وتدمير، حتى إذا أصرت على إهمال دعوة الرسل، وهجرتها بالمرة، ورمت بها عرض الحائط، ولم تتعظ بالإنذارات المتوالية، جاءها الحق الماحق، والعذاب الساحق من عند الله، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ﴾ على غرار قوله تعالى :﴿ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ﴾ وطبقا لقوله تعالى :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
ومنها آية تنذر المتمردين على الله والمتعدين لحدوده، بالقضاء عليهم وإبادتهم، واستخلاف غيرهم بدلا منهم، متى فقدوا مؤهلات الخلافة عن الله في الأرض، وأخلوا بشروطها الجوهرية، وأول هذه الشروط الإصلاح دون الإفساد، وثانيها التعمير دون التدمير، وثالثها حفظ التوازن التام، وضمان الانسجام الكامل، بين نواميس الطبيعة وقوانين الشريعة.
وما دامت قدرة الله هي التي يدين لها الإنسان بدءا وختاما بإيجاده وإمداده، فإن هذه القدرة لا يعجزها إبادة أمة أو أمم متعددة متى كانت فاسدة، وتعويضها بغيرها من الأمم الصالحة لعمارة الأرض والاستخلاف فيها، وذلك قوله تعالى ﴿ وربك الغني ذو الرحمة، إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين، وإنما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين ﴾ على غرار قوله تعالى :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
ومنها آية تتضمن تقرير سنة من سنن الله في عباده، ألا وهي إمهاله للظالم دون إهماله، واستدراجه بتمكينه من وسائل التصرف، واستعماله لها أسوأ استعمال، حتى ينتهي إلى نهايته المحتومة، وهي أخذه أخذا وبيلا وذلك قوله تعالى :﴿ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل، فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار، ، إنه لا يفلح الظالمون ﴾ على غرار قوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم، إن كيدي متين، أولم يتفكروا ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
وفي هذا الربع جملة ثالثة من الآيات الكريمة تمس موضوع الحلال والحرام من الحرث والأنعام، فهذا الموضوع كانت الجاهلية قد استحدثت فيه بوحي من أهوائها الفاسدة، وخيالاتها المريضة، عددا لا يحصى من البدع الوثنية، والضلالات الاعتقادية، مما تولى الإسلام الرد عليه، وإقامة الحجة على فساده وإبطاله، منذ نشأة الإسلام الأولى.
وبمناسبة ذكر " الأنعام " والحديث عنها عدة مرات في هذه الآيات أطلق على هذه السورة كلها " سورة الأنعام " كما أشرنا إلى ذلك في مفتتح هذه السورة الكريمة.
وهذه الآيات تشير في جملتها إلى أن المشركين لسخافة عقولهم كانوا قد خصصوا من الحرث نصيبا لله، كما خصصوا منه للأوثان نصيبا، بحيث إذا حرثوا حرثا جعلوا منه لله جزءا وللوثن جزءا، غير أن نصيب الأوثان هو الذي كان يحظى عندهم بالأسبقية، بحيث إذا ضاع منه شيء عوضوه من النصيب الذي ينسبونه لله، وهكذا أساؤوا في مبدأ القسم أولا، لأن الحق سبحانه وتعالى غني عن خلقه، فهو مالك الملك والملكوت، ثم جاروا في قسمتهم الفاسدة ثانيا، إذ غلبوا جانب الأوثان، على جانب ما ينسبونه للرحمان، كما أن المشركين حرموا على أنفسهم عددا من الأنعام، ولا سيما البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فجعلوها للأوثان، وزعموا أنهم بعملهم هذا إنما يتقربون إلى الله زلفى، افتراءا عليه سبحانه في البداية والنهاية، وذلك قوله تعالى :﴿ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، ساء ما يحكمون ﴾.
في هذا الربع، جملة من الآيات الكريمة، يشمل الحديث فيها نوعين من المخلوقات، نوع الإنس الظاهر المعروف، ونوع الجن المستتر المجهول، والحديث هنا مسوق على أساس أن أشرار هذين النوعين من المخلوقات متصلون فيما بينهم اتصالا وثيقا، ومتعاونون تعاونا مستمرا، وعلى أساس أن كلا النوعين تتوجه إليهما الرسالة من عند الله، ويتوجه إليهما التكليف على قدم المساواة، وعلى أساس أن مصير الأشرار من كلا النوعين واحد، وهو العذاب الأليم والخلود في النار.
وواضح أن أمر هذا النوع المستتر المجهول من المخلوقات مما يسمى باسم الجن يعتبر جزءا من " عالم الغيب " الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله، طبقا للعقيدة الإسلامية، إلى أن يكشف الله أمره للناس إذا شاء ذلك، وفي هذا النوع وما شابهه يجب أن يقف المسلمون عند حدود ما تشير إليه نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الصحيحة، بدون زيادة ولا نقص، ولا توسع ولا تفصيل.
وغني عن البيان أن الإنسان رغما عن تطاول العصور وتعاقب الأجيال لا يزال علمه بالحياة والأحياء في مجموع الكون واقفا عند حد محدود، ولا يزال رواد البحث يحاولون اكتشاف ما هو مجهول في طبقات كوكبنا الأرضي نفسه الذي هو كوكب الإنسان، منذ أقدم الأزمان، علاوة على محاولتهم لاستكشاف ما هو مجهول من حياة الكواكب الأخرى، ولم تصل هذه الأبحاث إلى نتيجة حاسمة حتى الآن ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾.
ومن سخافات المشركين وافتراءاتهم على الله تقسيمهم للأنعام التي بأيديهم إلى عدة أقسام، فمنها ما يباح أكله وما لا يباح، ومنها ما يباح أكله للذكور دون الإناث، حتى إذا كان ميتة أكل منه الجميع، ومنها ما يباح الركوب عليه وما لا يباح، ومنها ما يجمع عند ذبحه بين ذكر الله وذكر الصنم، وما يقتصر فيه عند الذبح على ذكر الصنم وحده دون ذكر الله، وذلك ما حكاه عنهم كتاب الله، مستخفا بعقولهم، مستنكرا لمزاعمهم، حيث قال :﴿ وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم، وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراءا عليه، سيجزيهم بما كانوا يفترون، وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء، سيجزيهم وصفهم، إنه حكيم عليم ﴾.
الربع الثالث من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :

-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.

-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.

-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.

-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤١:الربع الثالث من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :


-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.


-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.


-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.


-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤١:الربع الثالث من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :


-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.


-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.


-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.


-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.

في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :

-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.

-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.

-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.

-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.
وبعدما أفحم كتاب الله المشركين بحججه البالغة، وسفه معتقداتهم الباطلة في مجال الحلال والحرام، من الحرث والأنعام، واصل تقريعهم بآياته البينات، وطالبهم بالحجة على ما يدعون – وهو يعلم أنهم لا يملكون حجة ولا علما – وإنما يملكون جهلا ووهما – كما طالبهم بالشهود على ما يدعون من أن الله حرم ما يحرمون وأحل ما يحلون – وهو يعلم أنهم لا يملكون شاهدا واحدا يثبت دعواهم، اللهم إلا إذا كان من شهود الزور المبطلين – ﴿ أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ﴾.
في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :

-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.

-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.

-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.

-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.
وختم كتاب الله الجدل معهم في هذا الربع بختامه المنطقي الوحيد، فقال تعالى :﴿ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، إن تتبعون إلا الظن، وإن أنتم إلا تخرصون، قل فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين، قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا، فإن شهدوا فلا تشهد معهم، ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٨:في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :


-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.


-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.


-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.


-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.
وختم كتاب الله الجدل معهم في هذا الربع بختامه المنطقي الوحيد، فقال تعالى :﴿ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، إن تتبعون إلا الظن، وإن أنتم إلا تخرصون، قل فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين، قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا، فإن شهدوا فلا تشهد معهم، ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٨:في هذا الربع، يعيد كتاب الله الكرة على عقائد المشركين وسخافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليهدمها من أساسها، تمهيدا لمحوها وإبادة آثارها من المجتمع، وإحلال تقاليد الإسلام الخالدة محلها إلى الأبد، على هدى من وحي الله، وبينة من دينه الحق، وشريعته الفاضلة، وقد بين كتاب الله في هذا الربع حقيقة الأمر في الحرث والنبات، وحقيقة الأمر في الحلال والحرام من أمر الأنعام.
ففي الموضوع الأول وهو موضوع الحرث والنبات قال تعالى :﴿ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفا أكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ﴾.
وهذه الآية تتضمن الإشارة إلى ما خلقه الله من أنواع النبات المختلفة، ما ينبت منها دون تدخل ولا عناية خاصة من جانب الإنسان، وما ينبت منها متوقفا على تجربة الإنسان التي هداه الله إليها، وعلى عنايته الخاصة ﴿ معروشات وغير معروشات ﴾ كما تتضمن نفس الآية الإشارة إلى ما أنشأه الله في النبات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والطعوم ﴿ مختلفا أكله ﴾ ﴿ متشابها وغير متشابه ﴾ مما هو دليل القدرة الواسعة، والنعمة السابغة، ثم قال تعالى :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ فدعا خلقه أولا إلى تناول ما أنعم به عليهم من النبات والثمرات لفائدتهم ولتغذيتهم، ولقضاء حاجاتهم المتنوعة، والمتفرعة على نجاح عملية الإنبات والإثمار، ودعا خلقه ثانيا إلى القيام بأداء حق الله في نفس تلك النباتات ونفس تلك الثمرات و " حق الله " هو في الحقيقة حق الضعفاء من خلقه، من الفقراء والمساكين، وكافة المحتاجين، وإنما أطلق عليه " حق الله " ضمانا منه سبحانه وتعالى لحقوق الضعفاء والمحرومين، حتى يكون من ضيع حقهم إنما ضيع حق الله، ومن أهمل شأنهم إنما أهمل شأن الله، وهو سبحانه الذي يتولى حسابه العسير، على النقير والقطمير ﴿ وكفى بالله حسيبا ﴾.
ثم قال تعالى : في نفس السياق ﴿ ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ تنبيها إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول هو إرشاد إلى عدم الإسراف في الأكل من الثمرات والنباتات، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا صحيا متعلقا بصحة المؤمن العامة، وسلامة جسمه، وثقوب ذهنه، فمن لم يسرف في الأكل وتوابعه، ولم يأخذ منه أكثر من حاجته تمتع بجسم سليم وعقل سليم، ومن أسرف في الأكل وتوابعه أسرع بخطاه إلى العطب والهلاك جسما وعقلا، وهذا المعنى يؤكده قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وكلوا واشربوا، إنه لا يحب المسرفين ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة ).
والأمر الثاني هو الإرشاد إلى عدم الإسراف في الحقوق الاجتماعية التي جعلها الله للغير، وإلى عدم التوسع فيها أكثر من المطلوب، إذا كان ذلك على حساب الحقوق الأخرى التي جعلها الله للنفس والأهل والعيال، وهذا يتضمن إرشادا إلهيا له مساس بحياة الفرد الاقتصادية. قال ابن جريج :" نزلت هذه الآية في ثابت ابن قيس جذ نخلا له. فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾ " رواه عنه ابن جرير الطبري، وقال إياس ابن معاوية :" ما جاوزت به أمر الله فهو سرف " وروى ابن جريج نفسه أيضا عن عطاء قوله :" نهوا عن السرف في كل شيء ". واختار ابن جرير الطبري قول عطاء : إنه نهى عن الإسراف في كل شيء. قال ابن كثير معقبا عليه :" ولا شك أنه صحيح " ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد ابن مالك الذي أراد أن يتصدق بثلثي ماله فراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقتصر على الثلث، ثم قال له :( والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ).
وفي الموضوع الثاني وهو موضوع الحلال والحرام من الأنعام جاء قوله تعالى :﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا، وكلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين ﴾ وقوله تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾.
وكما تناولت سورة الأنعام المكية هذا الموضوع في الآيات التي أشرنا إليها، فقد تناولته أيضا سورة البقرة وسورة المائدة المدنيتان، ومن مجموع هذه الآيات كلها وما تم فيها من تفصيل وبيان سابق ولاحق، يتبين من جهة : ما جاء به الإسلام من سماحة ورفع للحرج، بالنسبة إلى ما كانت عليه الوثنية الجاهلية وما كانت عليه اليهودية ولا تزال، كما يتبين من جهة أخرى ما دفع إليه الإسلام أتباعه من الإقبال على استثمار الثروة الحيوانية والانتفاع بها إلى أقصى الحدود في المآكل والملابس والمراكب والرياش والأثاث والمتاع.
وهكذا بين الله لعباده بصفته المنفرد وحده بالخلق، والمنفرد وحده بالأمر، أنه قد أنعم عليهم بما خلقه من بهيمة الأنعام بكافة أصنافها، لا فرق بين ذكرانها وإناثها، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام في الإسلام، بل إن الأنعام كلها يعمها حكم الإباحة وهي حلال طيب، اللهم إلا إذا أهل بها لغير الله، وذكر عليها اسم غير اسم الله، وكما أنعم الله بالأنعام على الإنسان ليتناول لحومها، فقد أنعم عليه بها ليركبها ويحمل أثقاله عليها، وليتخذ من أصوافها وأوبارها وشعورها وجلودها ملابس يلبسها ومفارش يفرشها ﴿ ومن الأنعام حمولة وفرشا ﴾ وفي هذا السياق حصر كتاب الله أنواع المأكولات المحرمة عند الاختيار وعدم الضطرار في أربعة أشياء :


-
أولها : الميتة التي كان المشركون يأكلونها ويفضلونها على الذبيحة، وتلحق بها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع مما سبق لنا تفسيره في سورة المائدة.


-
وثانيها : الدم المسفوح المهراق الجاري، وبهذا يخرج اللحم الذي يخالطه الدم فهو حلال، ومثله الكبد والطحال فهما حلال، لأنهما دمان غير سائلين.


-
وثالثها : لحم الخنزير، واللحم هنا يشمل بإطلاقه الشحم نفسه، فهو يدخل تحته دخولا معنويا وأوليا.


-
ورابعها : ما ذبح شركا ووثنية وفسقا، مما أهل به لغير الله ويلحق به ما ذبح على النصب، وما استقسم لحمه بالأزلام.
فهذه هي خلاصة الأحكام الإلهية التي أوحى الله بها إلى رسوله في شأن بهيمة الأنعام من الحيوان، التي خلقها الله وسخرها لمصلحة الإنسان، وما عداها من الأضاليل والأغاليط والأوهام الوثنية في هذا المقام إنما هو مجرد زور ومحض بهتان.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلى بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم ﴾، وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾، وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾ وجميع هذه الآيات واردة في سورة النحل، وهي من سور القرآن المكية.
وختم كتاب الله الجدل معهم في هذا الربع بختامه المنطقي الوحيد، فقال تعالى :﴿ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، إن تتبعون إلا الظن، وإن أنتم إلا تخرصون، قل فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين، قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا، فإن شهدوا فلا تشهد معهم، ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ﴾.

الربع الأخير من الحزب الخامس عشر
في المصحف الكريم
بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
ففيما يخص المجتمع الإسلامي أوصى الله المسلمين بالابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها كالزنى وما بطن كالمخادنة، وذلك صيانة للأعراض، وبعدا عن الاختلاط المرذول، المؤدي إلى اختلاط الأنساب واختلاط الدماء، كما أوصى الله المسلمين بصيانة أموال يتاماهم الذين هم وديعة الله في أيديهم، وبحسن إدارة أموالهم وتنميتها، إعانة لهم، وسعيا إلى تكوين مواطنين صالحين منهم، قادرين على مواجهة مسؤوليات الحياة عندما يبلغون رشدهم وأشدهم، وأوصاهم أيضا بأن لا يختلس بعضهم مال بعض، ولا يضيع بعضهم حق بعض، وذلك قوله تعالى :﴿ ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ﴾، وقوله تعالى، ﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ﴾.
وفيما يخص الدولة الإسلامية أوصى الله المسلمين بالمحافظة على أرواحهم، وإقرار الأمن العام في حياتهم، وعدم التقاتل والتهارش فيما بينهم، وإقامة العدل على الوجه الكامل في أحكامهم وتصرفاتهم، والحرص على الوفاء بعهودهم فيما بينهم بعضهم مع بعض، وفيما بينهم وبين غيرهم من الأمم والملل الأخرى، وذلك قوله تعالى :﴿ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾ وقوله تعالى :﴿ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا ﴾.
بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
وختم كتاب الله هذه الوصايا بوصية جامعة مانعة هي وجوب التزام المسلمين لدينهم، وضرورة تمسك المسلمين بوحدتهم، وذلك قوله تعالى ﴿ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ﴾، وقوله تعالى :﴿ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٣:بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
وختم كتاب الله هذه الوصايا بوصية جامعة مانعة هي وجوب التزام المسلمين لدينهم، وضرورة تمسك المسلمين بوحدتهم، وذلك قوله تعالى ﴿ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ﴾، وقوله تعالى :﴿ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ﴾.

بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
ونوه كتاب الله مرة أخرى في ختام هذه السورة بملة الإسلام، وهداية رسوله والمؤمنين إليها ﴿ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا، وما كان من المشركين ﴾.
بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
وضرب كتاب الله المثل للمسلمين كيف يتوجهون إليه في صلاتهم، وكيف يعبدون الله خاشعين مطيعين، وكيف يسخرون جميع طاقاتهم ومواهبهم في سبيله، وكيف يجب أن يحيوا ويموتوا من أجله وابتغاء مرضاته، فلقن الحق سبحانه وتعالى نبيه قائلا ليكون ذلك قدوة لأمته :﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين ﴾.
قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " تعليقا على هذه الآية : " فإن قيل : أوليس إبراهيم قبله ؟ قلنا : عنه أجوبة، أظهرها الآن إنه أول المسلمين من أهل ملته " ". وقال الزمخشري : " هو أول المسلمين، لأن إسلام كل نبي متقدم لإسلام أمته ". ونبه ابن العربي المعافري إلى أن من يستعمل هذا الابتهال عند افتتاح الصلاة ينبغي أن يقول في آخرها : " وأنا من المسلمين " ولا يقول " وأنا أول المسلمين " إذ ليس أحد بأولهم إلا محمدا صلى الله عليه وسلم " ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦١:بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
ونوه كتاب الله مرة أخرى في ختام هذه السورة بملة الإسلام، وهداية رسوله والمؤمنين إليها ﴿ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا، وما كان من المشركين ﴾.

بهذا الربع، ختمت " سورة الأنعام " التي تعتبر بمنزلة الأم لكل ما نزل بعدها بمكة من القرآن الكريم، جولتها الحاسمة ضد معتقدات المشركين وبدعهم الضالة، بعدما أصلتها نارا حامية من حجج الله البالغة، فتناثرت أشلاؤها، وتبخرت أهواؤها، وبرزت عقائد الشرك على حقيقتها سفها لا يلحقه سفه، وبلها لا يعدله بله، على حد ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، فجاء هذا الربع الأخير من سورة الأنعام بخلاصة الخلاصة ولب اللباب، وبما يشبه ذلك الحساب، يوضح خصائص الملة الإسلامية، ويجمل مبادئها النظرية والعلمية، ويحدد معالمها الاعتقادية والأخلاقية، وذلك في شكل وصايا إلهية لقنها الحق سبحانه وتعالى لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره بتلقينها لأمته من بعده وتبليغها للناس كافة، حتى يهتدوا بهديها، ويعوضوا ما هو شر وأذى من عقائد الشرك وبدعه، بما هو خير وأبقى من عقائد الإسلام وبدائعه، ﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾﴿ وذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.
ولهذا المعنى قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات ﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ورعيا للتناسب مع السياق الذي كانت عليه الآيات الكريمة في الربعين الماضيين، وهو سياق ما حرمته الجاهلية على نفسها من الحرث والأنعام، مما سفه وأبطله الإسلام، ابتدأ هذا الربع بقوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي قل يا محمد للمشركين إذا أردتم أن تعرفوا ما هو حرام عليكم، عن علم وبينة، وعلى هدى من الوحي الإلهي الصحيح، فتعالوا لتسمعوا كلام الله الجامع المانع، وتعرفوا ما هو أساس الحرام وأصله، وما هو الحرام الذي لا حرام يعدله ولا حرام يفوقه، ألا وهو الشرك، وها هو الحق سبحانه وتعالى : يوصيكم قبل كل شيء ﴿ ألا تشركوا به شيئا ﴾ فالشرك هو أب الحرام، والشرك هو منبع الحرام، والشرك هو الكمامة التي يضعها الشيطان على عين الإنسان وعقله وقلبه، فيقتاده كالبهيمة العجماء، ويوسوس إليه بما يشاء، ويسخره لما يشاء، ولولا الشرك لما نشأ عند المشركين هذا النظام الفوضوي الفاسد، ولا نشأت عندهم هذه التقاليد الاجتماعية السخيفة، ولا ثبتت في عقولهم هذه الأفكار الطفيلية الوضيعة، فالشرك هو علة العلل في الفساد الاعتقادي والأخلاقي والاجتماعي، ولا دواء له إلا عقيدة التوحيد الإسلامية، التي تحرر الفكر والعقل من سيطرة الخيالات والأحلام، وتحرر القلب والنفس من سيطرة الأهواء والأوهام، وتعرف الإنسان بوضعه الطبيعي الصحيح بين سلسلة المخلوقات، وبعلاقته الطبيعية مع الكون والمكون، والخلق والخالق، فينطلق لأداء رسالته متحررا من جميع العقد النفسية، واثقا من نفسه وواثقا بالعناية الإلهية ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
وبعدما حدد كتاب الله المحرمات وقصرها في هذا السياق على الشرك وحده، باعتبار أن الشرك هو أب المحرمات ومنبعها الأساسي، كما أن الخمر هي " أم الخبائث " ابتدأ يعرض جملة من الوصايا الإلهية التي لا يقوم الإسلام بدونها.
فأشار إلى حقوق الوالدين وما يجب على الأولاد لهما من معاملة كريمة و﴿ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾ كما أشار إلى حقوق الأولاد وما يجب على آبائهم من تضحية في سبيلهم، وبين كتاب الله أن نزول الفقر والإملاق بالوالدين لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل ما ولد لهم من الأولاد وسفك دمائهم، كما كان يفعل بعض المشركين بأولادهم عندما يصيبهم الفقر والإملاق ﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ﴾ فالله تعالى يتكفل برزق الوالدين الفقراء كما يتكفل برزق أولادهم، وهذه الوصية الإلهية مرتبطة بصالح الأسرة كل الارتباط، وهي دعوة صريحة إلى وجوب التكافل فيما بينها : تكافل الأولاد مع الوالدين، وتكافل الوالدين مع الأولاد، بحيث يكون كل من الطرفين في خدمة الآخر، مسرعا في كل وقت إلى معونته، مستعدا للتضحية في سبيله ونجدته دائما، وكذلك قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ﴾.
ومن لطائف التفسير في هذا المقام ما لاحظه ابن كثير رحمه الله من الفرق بين هذه الآية ﴿ نحن نرزقكم وإياهم ﴾ بتقديم رزق الآباء على الأبناء، والآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ بتقديم رزق الأولاد على الآباء، وهو أن الآية الوردة في هذا الربع تتحدث عن الآباء الفقراء فعلا، فجاء قوله تعالى : نحن نرزقكم وإياهم } بتقديم رزق الآباء على رزق الأولاد، لأنه هو الأهم هنا في السياق، بخلاف الآية الأخرى الواردة في سورة الإسراء، فقد جاء فيها ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ مما يدل على أن الآباء غير فقراء فعلا، وإنما يخشون الفقر بسبب الأولاد، فأمروا بأن لا يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر الذي يمكن أن يحدث لهم في مستقبل الأيام، ثم جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ أي نحن نرزق أولئك الأولاد كما نرزقكم، وكان البدء هنا برزق الأولاد للاهتمام بهم، حيث إن رزقهم هو محور الحديث، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فرزقهم على الله لا عليكم.
وانتقل كتاب الله من وصية الخاصة بالأسرة المسلمة إلى وصايا أخرى تتعلق بالمجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية على العموم.
وفي هذا الربع آية كريمة ينبغي الوقوف عندها وقفة خاصة، ألا وهي قوله تعالى :﴿ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب، وإنه لغفور رحيم ﴾، فقد حملها بعض المفسرين على استخلاف البشر عموما، وحملها بعضهم على استخلاف المسلمين خصوصا، وهي صالحة لكلا الوجهين عند التحقيق، إذ لا تعارض بينهما :
أما تفسيرها على الوجه الأول وهو أن الخطاب فيها موجه إلى عموم البشر، فمعناه أن الله تعالى قد اقتضت حكمته أن يتعاقب البشر على عمارة الأرض جيلا بعد جيل، بحيث لا ينقرض منهم جيل حتى يكون جيل آخر قد خلفه في عمارتها، إلى أن يحين أجل الفناء، لكل من عليها من الأحياء، كما تنبه الآية في نفس الوقت إلى ما يوجد من تفاوت بين الناس في الدرجات وفي المقامات، تبعا لتفاوتهم في الطباع والأخلاق، والطاقات والأرزاق، وتشير الآية بعد ذلك إلى ما يؤدي إليه هذا التفاوت من ابتلاء للبشر وامتحان، وسباق في الرهان، مما يتعرض معه الإنسان – إن أساء – للحساب والعقاب، وإن أحسن استحق المغفرة والرضوان، على غرار قوله تعالى في آية ثانية :﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ﴾ – " يونس – ١٤ " وقوله تعالى في آية ثالثة ﴿ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب ﴾ – " هود – ٦١ ".
وأما تفسيرها على الوجه الثاني، وهو أن الخطاب فيها موجه إلى المسلمين قبل غيرهم، فمعناه أن الله تعالى محقق وعده للمسلمين بالنصر والتمكين، والاستخلاف في الأرض على عباده المستضعفين، إن اهتدى المسلمون بهديه، ولم يخالفوا عن أمره ونهيه، ولم يتخلفوا عن الاستجابة لنداء الإيمان كلما دعاهم في السر والعلن، والإقامة والظعن، وإلا استحقوا العقاب بدل التواب، والنقمة بدل الرحمة، وهذا التفسير ينظر إلى قوله تعالى : في سورة النور الآية ٥٣ ﴿ وعد الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ﴾ وقوله تعالى في سورة الحج الآية ٣٩ ﴿ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور ﴾.
Icon