هذه السورة مكية كلها. وهي فيها من أخبار السابقين ما يثير الخيال ويدهش اللب ؛ فهي أخبار تكشف عن مجاهيل مضت مع الغابرين الأولين مما لا علم لبشر أمي كرسول الله محمد ( ص ) بذلك إلا أن يتلقى تلك الأخبار من ربه.
ومن جهة أخرى : فإن هاتيك الأخبار في ذاتها وكيفية وقوعها، إن هي إلا ضرب من ضروب الإعجاز الحسي الذي يخرج عن دائرة الكون في قوانينه ونواميسه.
على أن الخبر الأظهر والأكبر في هذه السورة ما سميت السورة كلها به وهو الكهف، وأصحابه الفتية المؤمنون الأبرار الذين هاجروا ديارهم وأهليهم هربا من الكفر والبغيض. الكفر الذي تنفر منه الطبائع السليمة ؛ وتشمئز من المكث في سلطانه فطرة الطيبين الصالحين من الناس كأصحاب الكهف. ثم نستيقن بعد ذلك أن عقيدة التوحيد الخالص، لهي الحافز المحقق الذي يزجي بالمرء إلى ابتغاء الحق والصواب ونشدان الخير مهما تكن الظروف. وأنها الإحساس المؤثر العظيم الذي يكمن في أغوار الإنسان ليسير في الأرض مهتديا مستبصرا دون تعثر أو تخبط أو اضطراب. إن عقيدة التوحيد لهي التي تؤلف بين العباد أعظم تأليف كيما يكون الناس جميعا إخوة مؤتلفين متحدين. لاجرم أن قصة الفتية الأبرار من أصحاب الكهف لهي أسطع صورة تكشف للعقول على مر الزمن عن سداد العقيدة الصحيحة السليمة، وعن مدى تأثيرها البالغ في التأليف بين قلوب العباد، ولترسيخ المودة والرحمة والتعارف بينهم. وأن العقيدة وحدها مطردة لكل أسباب الشقاء والبغضاء والقلق وغير ذلك من ظواهر الشر والسوء التي تسود البشرية الضالة عن منهج الله.
وبغير العقيدة الصحيحة السليمة، عقيدة التوحيد الخالص ؛ لسوف تظل البشرية تائهة في الظلام، سادرة في البلاء بكل صوره وأشكاله حتى تفيء إلى دين الله ومنهجه المستقيم. منهج الحق والرحمة والنجاة.
وفي فضل سورة الكهف وقراءتها، أخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء عن النبي ( ص ) قال : " من قرأ العشر الأوائل من سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال ".
ﰡ
﴿ الحمد لله الذي أنزل وعلى عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ( ١ ) قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ( ٢ ) ماكثين فيه أبدا ( ٣ ) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( ٤ ) ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ( ٥ ) ﴾ ذكر ابن إسحاق سبب نزول هذه السورة المباركة عن ابن عباس قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم : سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله ( ص ) ووصفوا لهم أمره وبعض قوله وقالا : إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالوا لهم : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ؛ فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فرجل متقول تروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم ؛ فإنهم قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم ؛ فإنه رجل متقوّل فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فجاءوا رسول الله ( ص ) فقالوا : يا محمد أخبرنا : فسألوه عما أمروهم به. فقال لهم رسول الله ( ص ) : " أخبركم غدا عما سألتم عنه " ولم يستثن. فانصرفوا عنه ومكث رسول الله ( ص ) خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله ( ص ) مكث الوحي وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة. ثم جاء جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح١.
قوله :( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ) هذا ثناء من الله على نفسه المجيدة ؛ فهو سبحانه المحمود في كل الأحوال وقد حمد نفسه ؛ إذ أنزل كتابه المبارك على رسول الله محمد ( ص ) ليكون للناس خير هاد وأعظم دليل ( ولم يجعل له عوجا ) الواو، للعطف وعوجا، حال. والتقدير : أنزل الكتاب على عبده غير مجعول له عوجا قيما٢. والمعنى : أن الله أنزل القرآن على العالمين ولم يجعل فيه أيما اعوجاج أو زيغ ولم يحتمل شيئا من ضعف أو نقص ؛ بل جعله الله مستقيما معتدلا شاملا لكل وجوه الخير والحق، مجانبا لكل احتمالات الشر والباطل وبذلك يصلح عليه حال البشرية ؛ فيصيروا إلى السعادة والنجاة في الدارين. وهو قوله سبحانه :( قيما )
٢ - البيان لابن الأنباري جـ٢ ص ٩٩..
قوله :( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) ( بأسا )، مفعول ثان للفعل ينذر والمفعول الأول محذوف وتقديره : لينذركم بأسا شديدا من لدنه١ ؛ أي لينذر من خالفه وكذب به شديد العقاب في الدنيا والآخرة ( من لدنه ) أي من عند الله المنتقم الجبار الذي يؤاخذ العصاة والمجرمين بما كسبوا فيذيقهم عذابه العاجل، فضلا عما يؤخره لهم من أليم العقاب في الآخرة ( من لدنه ) أي من عند الله المنتقم الجبار الذي يؤاخذ العصاة والمجرمين بما كسبوا فيذيقهم عذابه العاجل، فضلا عما يؤخره لهم من أليم العقاب في الآخرة ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ) جاء هذا القرآن الحكيم المبارك ليحمل البشرى للمؤمنين الذين يتبعون ما أنزل الله في كتابه فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ( أن لهم أجرا حسنا ) أعد الله للمؤمنين العاملين الصالحات خير الجزاء وهو الجنة
٢ - تفسير ابن كثير جـ٣ ص ٧١ وتفسير النسفي جـ٣ ص ٣ وفتح القدير جـ٣ ص ٢٧٠..
والمراد من ذلك : التذكير بأن الدنيا دار اختبار ومرور، وأنها العاجلة الفانية الغرور، الصائرة إلى الزوال المحتوم عما قريب. فلا تبئس بما يفعله الظالمون من جحود وتمرد. ومما هو خليق ذكره هنا ان ابتئاس المسلم واشتداد حزنه وغضبه مما يفعله الظالمون من فرط الجحود والعصيان، لهو سمة ظاهرة تكشف عن إخلاص النية لله، وعن مبلغ التشبث بعقيدة الإسلام التي يستمسك بها المسلمون الغيورون في كل الأحوال. إن اغتمام المسلم مما يجده في نفسه من بالغ الحزن والأسى مما يقترفه الظالمون المجرمون في حق الإسلام والمسلمين من تشويه وكيد وإبادة واستئصال ؛ لهو دليل على صدق القلب الموصول بالله، المحب لدينه وشرعه. وما ينبغي لمسلم أن يواجه الجرائم والفظائع التي ينزلها الظالمون الطغاة في ساحة الإسلام والمسلمين بفتور وتبلد. فمن ذا الذي لا يعبأ بأرزاء المسلمين وويلاتهم إلا من تخبو في صدره جذوة العقيدة، ويموت في نفسه الإحساس بالإيمان.
وشأن المسلم المخلص الغيور أن يغضب ويأسى ويبئس مما يفعله الطغاة والمجرمون في حق الإسلام والمسلمين على أن لا يفْضي الإفراط في الحزن والغضب إلى الهلكة وذهاب النفس حسرات.
معنى ( أم )، ههنا، الاستفهام على الإنكار ؛ أي أحسبتَ يا محمد أن واقعة أهل الكهف كانت عجيبة ؟ فلا تحسب ذلك ؛ فإن تلك الواقعة في جانب ما خلقناه ليست عجيبة. أو لا يعظم ذلك عندك بتعظيم السائلين الكافرين له. فما خلق الله من سموات وأرض وما فيهما وما بينهما أعظم من قصة أهل الكهف. وذلك أن مشركين سألوا النبي ( ص ) عن فتية قد فقدوا، وعن ذي القرنين، وعن الروح، ثم نزلت الآية في شأن ذلك ؛ إذ قال الله لنبيه : أحسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ؟ إنهم ليسوا بعجب من آياتنا، فما خلقناه في الكون من آيات عظام أشد عجبا مما حسبوه.
أما الكهف : فهو البيت المنقور في الجبل وجمعه كهوف١، أو هو الغار في الجبل، وهو الذي أوى إليه هؤلاء الفتية المؤمنون الذين فروا بدينهم إلى خارج البلد والأهل خشية الفتنة. وأما الرقيم، فهو اسم الوادي الذي فيه الكهف. وقيل : الجبل الذي فيه الكهف. وقيل : الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصة أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف.
أما الكلب الذي كان معهم : فقد روي أنه كان كلب صيد لهم. وقيل : إنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم والقول الأول أشبه بالصحيح.
ويستفاد من هذه الآية : جواز الفرار بالدين وهجر الأهل والأوطان، ومغادرة الديار والصحب والخلان خشية الفتنة. وذلك أن تحيق بالمسلمين ظواهر شتى من الفتنة فيوشك معها أن يفتن المسلم عن دينه فيسقط في مهاوي الضلال والفساد، أو الزيغ عن العقيدة. ولنا في رسول الله ( ص ) في ذلك خير أسوة ؛ إذا خرج بدينه ومعه الفئة المؤمنون المهجرة، لما حاقت بهم المحن والشدائد التي تحول بين المرء والقيام بعبادة ربه وطاعته ؛ فقد هجروا الأوطان والأهل والأولاد، طلبا للنجاة بدينهم وخشية من فتنة الكافرين لهم. فالهجرة في مثل هذه الحال جائزة إن كان في الأرض متسع يتحقق فيه الأمن والطمأنينة وتغيب فيه بوادر الخوف والمحنة والفتنة. أما إذا عمت الفتنة فغشيت عموم البلاد ولم يكن في الأرض من موضع إلا وتعشش فيه الفتنة وتلُوح في أجوائه المحن فما على المؤمنين بعد ذلك إلا الاصطبار والاحتمال، راكنين في كل أمورهم إلى الله وحده مستمدين منه العون والتثبيت والتأييد ؛ فهو سبحانه ضمين أن يعينهم ويقويهم وأن يجعلهم من الثابتين على دينه. جعلنا الله من الثابتين المخلصين الصابرين على دينه إلى يوم نلقاه.
على أن أحوالا من الفتن تعرض للمسلمين في كثير من الأحيان عبر تاريخهم الطويل مع الكفر والكافرين. وهي فتن تسلك منحى آخر أشد خطرا وكيدا للإسلام والمسلمين. وهي فتنة التشويه والتشكيك في هذا الدين، وحملات السوء والكذب التي يشيعها الحاقدون والمتربصون على الإسلام ليحملوا البشرية والمسلمين خصوصا على الارتياب في هذا الدين، مما يفضي إلى إضعاف العقيدة الإسلامية في نفوس أصحابها المسلمين. كزماننا هذا الذي طغت فيه الأكاذيب والدسائس وكل ظواهر التشويه والتشكيك في الإسلام مما يكيده له خصومه المتربصون المنتشرون في سائر أنحاء الأرض، من وثنيين وملحدين وصليبيين واستعماريين وصهيونيين وماسون. كل أولئك بارعون في التدسس وهم يتحسسون بحثا عن ثغرات في بعض تعاليم الإسلام وأحكامه ؛ ليجدوا فيها مواطن ينفذون منها للطعن في هذا الدين العظيم.
وفي مثل هذه الأحوال من حملات الطغاة والمفسدين والأشرار على الإسلام، وجب على الفئة المؤمنة الواعية في المسلمين أن ينبروا للرد على ما يفتريه المربيون والخراصون على الإسلام. وجب عليهم أن لا ينثنوا ولا يترددوا في الدفاع عن تعاليم الإسلام. وذلك في ثبات ودراية وشجاعة. واجب المسلمين في مثل هذه الأحوال العصيبة التي تلمّ بالإسلام أن لا يفروا ولا ينعزلوا عن ساحة المواجهة التي يحتدم فيها الصراع بين الإسلام وخصومه الذين يكيدون له بالكذب والتشويه والتخريص، وإشاعة الأباطيل. ومثل هذه الواقع لا يحتمل الإبطاء أو الفرار أو الاعتزال في خور وتبلّد ؛ فإنه لا ينثني عن مواجهة الخراصين المتربصين بالرد المنطقي المفحم إلا كل متخاذل خائر.
قوله :( فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ) سألوا الله أن تغشاهم رحمته بما يسبغه عليهم من نعمة الرعاية والكلاءة والرزق والأمن من الأعداء.
قوله :( وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) سألوا الله أن يهبهم في حالهم العصبية هذه ( رشدا ) أي سدادا وتوفيقا ليكونوا مهديين راشدين سالمين من السوء والفتنة.
٢ - تفسير الطبري جـ١٥ ص ١٣٧ والكشاف جـ٢ ص ٤٧٤..
قوله :( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها ) ذكر بعض المفسرين أن هؤلاء الفتية كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم، وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها، وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه. فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم، والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السماوات والأرض. فجعل كل منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية. حتى اجتمعوا كلهم على قدر تحت ظل شجرة. وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان. وقد جاء في حديث البخاري عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : قال رسول الله ( ص ) : " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " ١. ولما عرف بهم قومهم وشوا بأمرهم إلى الملك فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق، وأمرهم باتباع دينه وتوعدهم على رفض ذلك بالقتل فقالوا له في عزم وثبات ما قاله الله :( ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) ( شططا )، منصوب على أنه صفقة لمصدر محذوف، وتقديره : قولا شططا. وقيل : منصوب بالفعل ( قلنا ) ٢ والشطط، في اللغة، مجاوزة القدر في كل شيء٣ وهو الجور والظلم. والشطوط، معناه البعد. واشتط ؛ أي أبعد. والمراد به هنا : الإفراط في الظلم والافتراء، والإبعاد في الجور والكذب.
٢ -البيان لابن الأنباري جـ٢ ص ١٠١..
٣ - المصباح جـ١ ص ٣٣٥ ومختار الصحاح ٣٣٨..
قوله :( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) من أشد ظلما ممن اختلق الكذب على الله فأشرك معه آلهة مصطنعة أخرى.
الوجه الثاني : أن تكون اسما موصولا، فيكون التقدير : وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم الذي يعبدونه. وهو استثناء من غير الجنس.
الوجه الثالث : أن تكون نافية. فيكون التقدير : وإذا اعتزلتموهم غير عابدين إلا الله، فتكون الواو واو الحال١ ؛ أي أن هذا كلام معترض فيه إخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله ( فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ) أي إذا فارقتم قومكم المشركين وجانبتم عبادتهم وشركهم فاذهبوا إلى الكهف واجعلوه مثوى لكم ( ينشر لكم ربكم من رحمته ) يبسط الله عليكم من واسع رحمته ما يصونكم ويحفظكم ويدرأ عنكم شر قومكم الظالمين ( ويهيء لكم من أمركم مرفقا ) أي ييسر الله لكم مما أنتم فيه من الكرب والضيق وخوف الفتنة ( مرفقا ) المرفق، كل ما يرتفق به وينتفع ويستعان٢.
٢ - المعجم الوسيط جـ١ ص ٣٦٢..
( تزاور )، بالتخفيف، جملة فعلية في محل نصب على الحال من الشمس١، و ( تزاور )، يعني تميل. وهو من الازورار، والتزاور، والزور، بفتح الزاي، وهو الميل والانحراف. ومنه الزور، بضم الزاي ؛ أي الميل عن الصدق٢. و ( تقرضهم )، من القرض وهو القطع أو الترك. والمعنى : أن أصحاب الكهف كانوا راقدين في كهفهم الذي هيأه الله لهم ويسر لهم أن يأووا إليه، فكانوا داخله في كلاءة من الأذى والبلى والضرر. ذلك أن الكهف كان على الهيئة التي يستكن فيها هؤلاء الفتية فلا تمسهم الشمس. وهو قوله :( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ) أي أنت أيها المخاطب ترى الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم ذات اليمين ؛ أي يمين الكهف ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) تقرضهم من القرض وهو القطع ؛ أي إذا غربت الشمس فإنها عند غروبها تتركهم وتعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال ؛ أي شمال الكهف. وبعبارة أخرى : فإنها تخلّفهم شمالا وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها٣ ؛ فهي بذلك لا تصيبهم عند طلوع الشمس وهو أول النهار، ولا عند غروبها وهو آخر النهار.
وبذلك قد حفظ الله أصحابه الكهف من أن يقع عليهم ضوء الشمس. ولو وقع عليهم أو أصابهم لفسدت أجسامهم وأتى عليها البلى والتلف ( وهم في فجوة ) أي وهم راقدون في متسع من الكهف لا تصيبهم الشمس فتؤذيهم بلظاها الحارق. وهذه آية من آيات الله تتجلى في مثل هذه الكرامة الربانية التي منّ الله بها على هؤلاء الفتية الأبرار، بما يكشف عن قدرته سبحانه ؛ فهو الحفيظ لعباده المؤمنين به، المتوكلين عليه، اللاجئين إلى جنابه، الهاربين من الفتنة وظلم الأشرار إلى رحابه. وهو جل وعلا ( خير حافظا وهو أرحم الراحمين ).
قوله :( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) يهدي الله من آمن به وأذعن لأمره وجاهد في سبيله طلبا لرضاه ؛ يهديه إلى سبيل الرشاد كأصحاب الكهف. أما ذو الطبع الزائغ المعوج الذي يجنح للجحود وفعل المعاصي فلن يكن له من نصير يهديه أو يرشده٤.
٢ - القاموس المحيط جـ٢ ص ٤٣..
٣ - مختار الصحاح ص ٥٢٩..
٤ - تفسير الرازي جـ٢١ ص ١٠٠ وفتح القدير جـ ٣ ص ٣٧٣ وتفسير ابن كثير جـ٣ ص ٧٣..
قوله :( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ( ذراعيه )، منصوب ؛ لأنه مفعول لاسم الفاعل ( باسط ). والوصيد، معناه الفناء١ ؛ فقد كان كلبهم يربض بفناء الكهف باسطا ذراعيه كعادة الكلاب راقدا مثلهم طيلة هذه السنين. على أن هذا المذكور في الآية كلب على الحقيقة، وليس المجاز. وقد صحبهم في الخروج والمسير حتى بلغوا الكهف، وهو مستأنس بهم، متودد إليهم، فنالته البركة بفضل هذه الصحبة الكريمة لأناس أطهار كرام. حتى بات يُذكر على ألسنة المؤمنين على مر الزمان. وحسبه تكريما وبركة أن يأتي ذكره في القرآن في معرض الثناء والاحترام.
أما الكلاب عموما فقد نهى الشرع عن اقتنائها لما فيها من نجاسة، وبسبب إيذائها للناس بنباحها وعقرها. على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة أو جنب. ويستثنى من الكلاب ما كان للصيد أو الحراسة فلا بأس في اقتنائه.
قوله :( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) ( فرارا )، منصوب على المصدر. و ( رعبا )، منصوب على التمييز، أو على أنه مفعول ثان ؛ فقد ألقى الله المهابة على أصحاب الكهف وهم رقود. مفتحة عيونهم. فلو نظر إليهم أحد لأدبر هاربا مذعورا ولا متلأ قلبه فزعا، ولغشيه من الخوف ما يغشى المذعورين الوجلين لهول المنظر الرعيب. وقد ألبسهم الله هذه المهابة كيلا يدنوا منهم أحد ولا تلمسهم يد لامس ؛ فهم على حالهم هذه حتى يقضي الله فيهم ما يشاء، ليكون للناس فيهم آية وعبرة، وليعلموا أن الله قادر على فعل ما يشاء ؛ سواء في ذلك ما انسجم مع الطبيعة في قوانينها الأساسية، أو ما كان خارقا لقوانين الطبيعة ونواميسها كالذي حصل لأصحاب الكهف الذين ظلوا رقودا سنين طوالا٢.
٢ - تفسير الطبري جـ١٥ ص ١٤١، ١٤٢ وتفسير القرطبي جـ١٠ ص ٣٦٩ – ٣٧٣..
قوله :( ليتساءلوا بينهم قال قائل منكم كم لبثتم ) ( كم )، هنا ظرفية في موضع نصب للفعل لبثتم. وتقديره : كم يوما لبثتم١ اللام في ( ليتساءلوا ) لام الصيرورة وهي العاقبة. وقيل : للتعليل. والمعنى : ليسأل بعضهم بعضا عن المدة التي لبثوها رقودا في كهفهم. ولذلك ( قال قائل منهم كم لبثتم ) كم مدة لبثكم ؟ فأجاب الآخرون :( لبثنا يوما أو بعض يوم ) ظنوا هذه المدة وهي يوم أو بعضه ؛ لأن دخولهم إلى الكهف كان في أول النهار، واستيقاظهم كان آخره. لكنهم قد حصل لهم شيء من تردد في المدة الصحيحة فسلموا العلم بذلك إلى الله فهو علام الغيوب ؛ إذ قالوا ( ربكم أعلم بما لبثتم ) كأنهم ظنوا أن مدة نومهم كانت طويلة ولا يدري بحقيقتها إلا الله.
قوله :( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ) اللام في ( المدينة )، للعهد والمراد مدينتهم التي خرجوا منها هرابا. وقد ذكر أن اسمها أفسوس. والورق بكسر الراء، دراهم من فضة مضروبة أو غير مضروبة، جاءوا بها لدى خروجهم من المدينة.
قوله :( فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) ذكر أنهم قاموا من رقادهم جياعا فبادروا يطلبون الطعام : فسألوا مبعوثهم أن يشتري لهم ( أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) أي أطيب طعاما وأحله فليأتكم منه بقوت يقتاتون منه ( وليتلطف ولا يشعرون بكم أحدا ) وليتلطف من اللطف وهو الرفق. والتلطف في الأمر ؛ أي الترفق به. والمراد : ذهابه إلى المدينة وإيابه منها في ترفق وحذر ( ولا يشعرن بكم أحدا ) أي لا يعلمنّ بأمره أحدا.
أي كما أنمنا أصحاب الكهف وبعثناهم من رقدتهم، أطلعنا عليهم الناس ( ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ) فقد كان الناس حينئذ في شك من أمر الساعة ؛ فهم بين مصدق وجاحد. وقال بعضهم : تبعث الأرواح دون الأجساد. وقال آخرون : تبعث الأرواح والأجساد مجتمعة، فبعث الله أهل الكهف دلالة وآية على حقيقة البعث. وقد ذكر أن الذي ذهب إلى المدينة ليشتري لهم الطعام قد أذهلته الحيرة وغشيه العجب مما رأى، إذ رأى أن الناس جيلا بعد جيل وأمة بعد أمة قد تغيروا، وتغيرت كذلك معالم البلاد. فلم يعرف شيئا مما يعرفه من معالم البلد، ولم يعرف أحدا من الناس. ثم عمد إلى بائع طعام فدفع إليه ما معه من دراهم ليبيعه بها طعاما. فلما رآها البائع أنكرها ثم دفعها إلى جاره، فجعلوا يتداولونها بينهم فسألوه عن أمره، فلما حدثهم بخبره قاموا معه إلى الكهف ومعهم الملك وكان مسلما، فلما دخل عليهم فرحوا به وسلموا عليه ثم عادوا إلى مضاجعهم فأماتهم الله.
لقد كان خبرهم آية ظاهرة تشهد بأن وعد الله حق، وهو أن يبعث الناس من قبورهم وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وهو قوله :( إذ يتنازعون بينهم أمرهم ) ( إذ ) ظرف متعلق بالفعل ( أعثرنا ) أي أعثرنا أو علمنا هؤلاء المختلفين في حقيقة البعث وقيام الساعة فقد تنازعوا في أمرها فمن مثبت لها ومن مكذب. فجعل الله خبر أهل الكهف حجة ساطعة للمصدقين بقيام ساعة وخبر البعث. وقيل : تنازعوا فيما يفعلونه بهم بعد الاطلاع عليهم. وهو قوله :( فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ) قالوا حين توفاهم الله :( ابنوا عليهم بنيانا ) يسندّ به باب كهفهم فلا يتطرق إليهم الناس.
قوله :( ربهم أعلم بهم ) ذلك من قول المتنازعين في أمرهم ؛ إذ قالوا : الله أعلم بحقيقة هؤلاء الفتية من حيث أنسابهم وعددهم ومدة مكثهم.
قوله :( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) المراد بهم المسلمون ومعهم الملك ؛ إذ كان مسلما. فهم بذلك الغالبون على أمر من عداهم من الناس. وأولئك قد استقر رأيهم أن يبنوا مسجدا على باب الكهف فيصلي فيه المسلمون١.
على أن بناء المساجد على القبور والصلاة فيها مما حرمه الشرع ؛ فإن اتخاذ المسجد فوق القبر مدعاة لتعظيم القبر وصاحبه. أو هو سبب يسوق المشاعر والأذهان إلى تقديس القبور رويدا رويدا. فما تمرّ الأيام والسنون حتى يصير صاحب القبر مثار تعظيم بالغ كالذي حصل للأصنام ؛ إذ عُبدت من دون الله بعد أن كانت حجارة. فمثل هذا البناء حرام سدا للذريعة. وفي النهي عن البناء على القبور أخرج النسائي عن عائشة أن النبي ( ص ) قال : " لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وأخرج النسائي كذلك عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
ويكره تجصيص القبور. وتجصيصها يعني تبيضها بالجص وهو الجبس، أو الجير. ويكره أن يكتب اسم الميت على القبر. وهو قول أكثر أهل العلم. بخلاف أهل الظاهر ؛ إذ قالوا : لو نقش اسمه في حجر لم يكره٢. ودليل الكراهة ما أخرجه مسلم عن جابر قال : " نهى رسول الله ( ص ) أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه " وزاد سليمان بن موسى : " أو يكتب عليه " ولأن ذلك من باب الزينة ولا حاجة بالميت إليها.
ولا يجوز رفع القبر فوق الأرض إلا قدر شبر واحد ليعلم الناس أنه قبر فيترحموا عليه ولا يمشوا فوقه. وفي ذلك أخرج أبو داود ومسلم عن أبي هياج الأسدي قال : بعثني علي قال لي : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( ص ) : " أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته ".
على أن تسنيم القبر أفضل من تسطيحه، أي تربيعه. وهو قول الجمهور. ودليل ذلك ما رواه البيهقي عن سفيان بن التمار قال : " رأيت قبر النبي ( ص ) مسنما " وذهب الشافعية إلى أن التسطيح أفضل ؛ لأن النبي ( ص ) سطّح قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء من حصباء العرصة٣.
٢ - المجموع للنووي جـ٥ ص ٢٩٨ والبدائع جـ١ ص ٢٠ وأسهل المدارك جـ١ ص ٢٦٣ والمحلى لابن حزم جـ٥ ص ١٣٣..
٣ - شرح فتح القدير جـ٢ ص ١٤٠ وبلغة السالك على شرح الدردير جـ١ ص ١٩٩ والمغني جـ٢ ص ٥٠٤ والمجموع جـ٥ ص ٢٩٦..
ذلك إخبار من الله تعالى عن اختلاف الناس في عدة أهل الكهف. وهو قوله :( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) والضمير في ( سيقولون ) يراد به من خاض في هذه المسألة زمن الرسول ( ص ). فقد قيل : المراد بهم اليهود ؛ فهم الذين أشاروا على المشركين من قريش أن يسألوا النبي ( ص ) عن أهل الكهف. وقيل : المراد بهم النصارى، إذ اختلفوا فيما بينهم في عدتهم.
وسواء كان المراد اليهود أو النصارى أو المسلمين فإنه لا حاجة تدعو إلى الخوض في مثل هذه المسألة ؛ إذ لا جدوى كبيرة ترتجى من الوقوف على عدد أصحاب الكهف.
على أن القرآن الكريم قد ذكر لنا أقوالا ثلاثة في عدة أصحاب الكهف مما يدل على أنه لا قائل برابع. ويستدل أيضا من ظاهر الآية في هذه المسألة على أن القولين الأولين ضعيفان ؛ لأنه قال عقيب ذكرهما ( رجما بالغيب ) والرجم معناه التكلم بالظن. والرجم بالغيب هو القول ظنا من غير دليل ولا برهان٢، وبذلك فإن القول : إنهم ثلاثة أو خمسة، لا يتجاوز دائرة التخمين أو التكلم بلا علم ولا تدبّر وهو الرجم بالغيب. لكنه قد حكى القول الثالث وسكت عليه وهو قوله :( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ) فقد أخرج هذا القول من دائرة الرجم بالغيب، وهو الظن الذي لا يسعفه برهان أو حجة. فدل على أن القول بأنهم سبعة أقرب إلى الصواب، أو أنه هو الواقع.
وخير ما ينبغي أن يقال ههنا : إن الله أعلم بالصحيح ؛ فهو سبحانه أعلم بعدتهم وهو قوله :( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) أي لا يعلم حقيقة عدتهم إلا قليل من الناس.
قوله :( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) ( تمار ) : تجادل. وهو من المراء، والممارة بمعنى المناظرة والجدل. تمارى القوم ؛ أي تجادلوا٣. والمقصود بالمراء الظاهر : لين الحديث ؛ فلا يغلظ عليهم في الاحتجاج، ولا يكذبهم في تعيين ذلك العدد ؛ بل يجادلهم في سهولة ورفق.
قوله :( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) ( تستفت )، من الفتيا أو الفتوى. أفتى في المسألة : أبان الحكم فيها. واستفتاه ؛ أي سأله رأيه في مسألة٤. والمعنى : لا تسأل أحدا منهم عن قصة أهل الكهف ؛ فإنه لا علم لهم بذلك. وهم لا يقولون في ذلك إلا ما كان رجما بالغيب. وقد جاءك في ذلك الحق الذي لا شك، فيه فلا حاجة لمساءلتهم.
٢ - المصباح المنير جـ١ ص٢٣٧ ومختار الصحاح ص ٢٣٦..
٣ - المعجم الوسيط جـ٢ ص ٨٦٦..
٤ - المعجم الوسيط جـ٢ ص ٦٧٣..
قوله :( واذكر ربك إذا نسيت ) إذا نسيت كلمة الاستثناء وهي : إن شاء الله، أو بمشيئة الله، ثم ذكرتها فتداركها بالذكر وهو أن تقولها عقب زوال النسيان.
وروي عن ابن عباس قوله في الرجل يحلف : له أن يستثني ولو إلى سنة، استنادا إلى إطلاق هذه الآية. لكن قول ابن عباس هذا قد حمل على تدارك التبرك بالاستثناء ؛ فإن من السنة أن يقول المرء إن شاء الله ولو بعد سنة ليكون آتيا بسنة الاستثناء حتى لو كان بعد الحنث. وليس المقصود أن يكون الاستثناء رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة ؛ أي أن الاستثناء الذي يتغير به الحكم من حنث وكفارة فلا يصح إلا متصلا ؛ فإن من شروط صحة الاستثناء في اليمين الاتصال. وهو كون الاستثناء متصلا باليمين فلا يفصل بينهما كلام من غير صيغة الحلف، ولا أن يفصل بينهما سكون لغير ضرورة. فإن أقسم الحالف بالله ليفعلن كذا أو لا يفعل كذا ثم صمت صمتا طويلا يمكن الكلام فيه وكان ذلك لغير ضرورة أو حاجة، أو تكلم عقب الحلف كلاما من غير جنس اليمين ثم قال بعد ذلك : إن شاء الله ؛ فمثل هذا الاستثناء غير متصل باليمين بل هو منفصل فلا يؤثر في الحلف.
أما السكوت بعد اليمين لضرورة : فإنه لا يؤثر في صحة الاستثناء، ولا يكون الحالف بذلك حانثا. وذلك كما لو انقطع نفس الحالف عقيب الحلف ؛ أو انقطع صوته لعيّ أو عارض من عطش، أو سكت سكتة خفيفة من أجل التذكر. وهو قول الجمهور من العلماء١.
وثمة مسألة وهي : هل الاستثناء الذي يرفع اليمين المنعقدة بالله تعالى، رخصة من الله في اليمين خاصة لا تتعداه إلى غير ذلك من الأيمان ؟
ثمة قولان للعلماء في ذلك :
القول الأول : إن الاستثناء نافع في كل يمين كالطلاق والعتاق ؛ لأنها يمين تنعقد مطلقة، فإذا قرن بها ذكر الله على طريق الاستثناء كان ذاك مانعا من انعقادها كاليمين بالله. وهو قول الحنفية والشافعية. وقال به مالك وآخرون. ودليلهم في ذلك قول رسول الله ( ص ) : " من حلف فقال : إن شاء الله لم يحنث " ومثل هذه الأقسام يندرج في مفهوم اليمين. فلو قال الرجل : أنت طالق بمشيئة الله، أو إلا أن يشاء الله، أو ما شاء الله، أو بإرادة الله، أو بقضاء الله أو بقدرة الله ؛ فهذه كلها أيمان ويحلها الاستثناء.
القول الثاني : إن الاستثناء في الحلف بغير الله لا يؤثر ولا يفيد.
ودليل ذلك قوله تعالى :( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) ولا يدخل في هذه الأيمان سوى اليمين الشرعية وهي الحلف بالله وأسمائه وصفاته فقط. فالاستثناء الذي يرفع اليمين المنعقدة بالله تعالى إنما هو رخصة وردت في اليمين خاصة، ولا تنسحب على غيره من الأيمان كالطلاق والعتاق، وذهب إلى ذلك بعض المالكية. وقال به الحسن البصري وقتادة وسعيد بن المسيب وآخرون٢.
قوله :( وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ) وهذا دعاء يقوله للناس بعد الذكر، وجملته : عسى ربي أن يهديني لغير ما نسيته مما هو أقرب رشدا وأقرب خيرا ونفعا.
٢ - سبل السلام جـ٤ ص ١٠٤ وأعلام الموقعين جـ٤ ص ٥٧ وأحكام القرآن لابن العربي جـ٣ ص ١٢٢٤..
هذا إخبار من الله تعالى عن المدة التي لبثها أصحاب الكهف في كهفهم منذ رقودهم حتى يقظتهم فأعثر الله عليهم أهل ذلك الزمان. وهذه المدة ثلاثمائة سنة تزيد تسع سنين أخرى وذلك بالسنين الهلالية، ونظيرها من الشمسية ثلاثمائة سنة. أي ان التفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين. وذلك قال بعد الثلاثمائة :( وازدادوا تسعا ).
قوله :( أبصر به وأسمع ) أي ما أسمعه وأبصره.
وتقديره : أسمع به. وقد حذف اكتفاء بالأول عنه١. والمعنى : ما أبصره بكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع، فليس من أحد أبصر من الله ولا أسمع ؛ فهو لا يخفى عليه من ذلك شيء.
قوله :( ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ) الضمير في قوله :( لهم ) يعود على أهل السماوات والأرض. فما للعباد الذين خلقهم الله من نصير يتولى أمرهم ويدبّر شؤونهم ؛ بل الله وحده القاهر لعباده القادر على كل شيء. ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) ليس لله في قضائه شريك ؛ بل الله وحده يحكم كيف يشاء دون معقب ولا معين٢.
٢ - فتح القدير جـ٣ ص ٢٧٨ وتفسير النسفي جـ٣ ص ١٠ وتفسير ابن كثير جـ٣ ص ٧٩..
هذه قاعدة من قواعد الإسلام الثابتة التي لا تتبدل ولا يأتي عليها الزمان ؛ وهي تكريم الإنسان المؤمن أيما تكريم، بغض النظر عن سائر أوصافه وأحواله من الفقر أو القلة أو الذلة. فما يعبأ الإسلام بتصورات البشر الدنيوية واعتباراتهم الاجتماعية ؛ إذ يعظمون الأغنياء والرؤساء والكبراء وأولي المكانة والجاه، ويحقرون الفقراء والعالة والصعاليك، ويمتهنون المغلوبين والمقهورين من الخول والعبيد والملونين وإن كانوا من المؤمنين الطيبين !
لا يعبأ الإسلام بهذا التصور البشري القاصر المستهجن. إنما ينظر الإسلام للإنسان نظرة تقدير وتكريم لكونه إنسانا ( ولقد كرمنا بني آدم ) ثم يزيد الإسلام من تعظيم الإنسان إذ تحقق فيه سببان وهما الإيمان والعلم. فأكثر الناس إيمانا وأزيدهم علما لهو في ميزان الله مكرم مفضال، سواء كان في واقعه الاجتماعي خادما أو مملوكا أو صعلوكا أو عائلا مفتقرا أو دميما ملهوفا رثَّ مبتذل اللباس.
هذه حقيقة يرسخها الإسلام في واقع المسلمين لتكون قاعدة أساسية لا محيد عنها. لذلك يأمر الله نبيه محمدا ( ص ) أن يصبر نفسه مع الفقراء والمغلوبين والعالة من المؤمنين فلا يبرحهم أو يزدريهم، كما سأله فريق من وجهاء قريش وهم يؤزهم إلى سؤالهم هذا تصورهم الجاهلي السقيم الذي يميزون فيه بين العباد تبعا للمال أو الجاه أو السلطان. وهو قوله :( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) ( اصبر )، من الصبر، وهو الحبس ؛ أي احبس نفسك وثبتها مع المؤمنين الطائعين الذين يعبدون ربهم ( بالغداة والعشي ) أول النهار وآخره. والمراد جلوسه ( ص ) مع الذين يذكرون الله ويحمدونه ويسبحونه ويتذللون له بالدعاء بكرة وعشيا سواء كانوا أغنياء أو فقراء، أو ضعفاء، أو أقوياء، كبلال، وعمار، وصهيب، وخباب، وسلمان، وابن مسعود وغيرهم من المؤمنين المستضعفين في تصور الجاهليين.
قوله :( ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ) ( ولا تعد )، أي لا تجاوز. عداه يعدوه أي جاوزه. والتعدي معناه مجاوزة الشيء إلى غيره. عدّاه تعدية فتعدى أي تجاوز. وعدّ عما ترى أي اصرف بصرك عنه٢ والمراد : لا تعل عيناك عنهم، أو لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أهل الدنيا ( تريد زينة الحياة الدنيا ) في موضع نصب للحال. أي لا تصرف بصرك عنهم مبتغيا غيرهم من ذوي الهيئات والزينة وأولي الرياش وحسن المظهر.
قوله :( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) روي عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية أنه قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي. وذلك انه دعا النبي ( ص ) إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله الآية٣. والمعنى : لا تكن مطيعا لمن ختمنا على قلبه فبات غافلا عن الإيمان وعن ذكر ربه، كأمية بن خلف وأمثاله من أولي القلوب الغُلْف التي طبع عليها فلا تستجيب لذكرى ولا تتعظ من عبرة. وهو مع ذلك لا يتبع غير هواه ؛ إذ يؤثره على التوحيد وعلى الحق، فاختار الشرط والباطل. ( وكان أمره فرطا ) فرط، بضمتين ؛ أي مجاوز للحد. والمراد : أنه سادر في الباطل، مجاوز عن الحق، نابذ له وراء ظهره٤.
٢ - مختار الصحاح ص ٤١٩..
٣ - أسباب النزول للنيسابوري ص ٢٠٢..
٤ - تفسير النسفي جـ٣ ص ١١ وفتح القدير جـ٣ ص ٢٨٢.
والمراد ههنا القرآن، أو الإسلام ؛ فإنه الحق ؛ فهو الدين الرباني المتكامل الذي لا يعتريه خلل ولا ضعف ولا تشويه شائبة من عيوب البشر ونقائصهم. والذي ينطوي في مضمونه ومعناه على كل أسباب الخير والسعادة والنجاة للبشرية، سواء فيه العقيدة الراسخة المكينة السمحة، أو التشريع الكبير الواسع الذي يفضّ كل النزاعات ويتناول كل القضايا والمشكلات، ويقرر في واقع البشر كل ظواهر الأخوة والمودة والرحمة ليعيش الناس في كل زمان إخوانا متحابين متعاونين.
قوله :( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) والمراد من ذلك الوعيد والتهديد ؛ أي قد أبلغتكم دعوة ربكم وهو الحق الذي لا ريب فيه. فإن آمنتم فلسوف يُصار بكم إلى النجاة. وإن كفرتم وأدبرتم فما مصيركم إلا إلى الجحيم والهوان.
قوله :( إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) السرادق، معناه السور من نار. وذلك تهديد رعيب من الله للمشركين الخاسرين الذين يجحدون بآيات الله أو يصدون عن دينه صدا. أولئك ( اعتدنا ) أي أعددنا لهم النار وقد أحاط بهم سورها ؛ فهم غائرون في العذاب البئيس ؛ إذ تغشاهم النار فتلفح وجوههم وأبدانهم ويحيط بهم سورها الحارق المطبق من كل مكان، فلا يجد حينئذ مناصا ولا موئلا. وذلك لون من ألوان التعذيب الفظيع الذي يغشى المجرمين يوم القيامة.
( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ) المهل، معناه النحاس المذاب. وقيل : دردي الزيت١. وقيل : ماء أسود منتن غليظ بالغ الحرارة. والمعنى : أن هؤلاء المعذبين في النار لفرط ما يصيبهم من العطاش الشديد يطلبون الماء ليشربوا، فيسقون ماء شديد الحرارة كالمهل وهو ماء النار، وماؤها أسود غليظ فظيع الحرارة، كلما أدنوه من أفواههم ليشربوا سقطت جلدة وجوههم.
وهذا لون ثان من ألوان التعذيب الحارق الذي يشقى فيه الظالمون الخاسرون يوم القيامة ( بئس الشراب وساءت مرتفقا ) أي بئس هذا الشراب الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم. ( وساءت ) هذه النار ( مرتفقا ) أي ساءت متكئا ومنزلا ومقيلا٢ نسأل الله العافية والسلامة والنجاة.
٢ - تفسير الطبري جـ١٥ ص ١٥٩ وتفسير ابن كثير جـ٣ ص ٨٢..
بعد أن ذكر ما أعده للمشركين والجاحدين الأشقياء من العذاب المهين، ثنى بذكر المؤمنين السعداء الذين صدقوا الرسل واستجابوا لأوامر الله وعملوا الصالحات ؛ فإنه لا يضيع أجر من أحسن منهم عملا. وقيل :( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) كلام معترض فيكون الخبر
والمعنى : أن المؤمنين الصالحين، جزاؤهم عند الله محفوظ غير مضيع ؛ فقد أعد الله لهم جنات عدن. والعدن بمعنى الإقامة ؛ فهي دار إقامة لا تفنى ولا تتبدد ولا تزول. ويجد فيها المؤمنون الصالحون من السعادة وحسن الجزاء ما لا يطرأ على قلب بشر ولا تتخيله الأذهان. وهم أيضا ( يحلون فيها من أساور من ذهب ) وهذا صنف من أصناف النعمة والسعادة التي يتلذذ فيها المؤمنون في الجنة، وهي التحلية بأساور من ذهب. ولئن كان لباس الذهب والحرير في الدنيا محرما على الرجال ؛ فإنه يصير في الجنة متاحا للمؤمنين ليكون لهم أجمل حلية يتحلون بها. وهم كذلك يلبسون الثياب الخضر من السندس وهو الديباج الرقيق. وكذا الاستبرق وهو ما غلظ من الديباج. والديباج، كلمة فارسية. وهو ضرب من الثياب سداه ولحمته حرير. ١
قوله :( متكئين فيها على الأرائك ) ( الأرائك )، جمع أريكة، وهي سرير منجّد مزين في قبو أو بيت، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة٢، والحجلة : ساتر كالقبة يزين بالثياب والستور للعروس٣. والمعنى : أن المؤمنين يتنغمون في الجنة باتكائهم على الأسرة ليجدوا وهم جلوس فوقها كامل الإحساس بالراحة والسعادة ( نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) أي نعمت هذه الجنات التي أعدها الله للمؤمنين الصالحين وحسنت منزلا لهم ومقاما٤.
٢ - مختار الصحاح ص ١٤..
٣ - المعجم الوسيط جـ١ ص ١٥٨..
٤ - تفسير لابن كثير جـ٣ ص ٨٢ وتفسير القرطبي جـ١٠ ص ٣٩٦-٣٩٨..
هذا مثل ضربه الله للمؤمنين والكافرين ليكون عظة وذكرى لمن يدّكر أو يعتبر ؛ فقد مثّل الله حال الفريقين بحال رجلين جعل لأحدهما جنتين ؛ أي بساتين من أعناب وقد حفت بهما أشجار النخل الباسقة من كل الجهات زيادة في الجمال وحسن المنظر. وهو قوله :( واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) ( وحففناهما )، أي أطفنا بهما من جوانبهما. حف القوم بفلان وحفوا به، أي أطافوا به واستداروا كقوله سبحانه :( وترى الملائكة حافين من حول العرش ) حفّه بالشيء كما يحف الهودج بالثياب١. والمعنى : رزقنا أحدهما بساتين من كروم وجعلنا النخل حافا بهما ؛ أي محيطا بكهما من كل الجوانب ( وجعلنا بينهما زرعا ) أي جعلنا وسط الأعناب في البساتين زروعا لتكتمل الجنتان في حسنهما ووافر عطائهما.
خلالهما نهارا ) ( وفجرنا ) من التفجير وهو الانبجاس ؛ فجر الماء فانفجر ؛ أب بجسه فابنجس١ أي جعلنا الأنهار تنبجس في كل مكان وسط البساتين.
قوله :( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) أي لئن رجعت إلى ربي يوم القيامة- وهو غير موقن بقيامها في الأصل- ليكونن لي عند ربي ما هو خير من جنتي هاتين. وهو في ذلك يوهم نفسه أنه لم يٌعط هاتين الجنتين في هذه الدنيا إلا لكرامته على الله، ولكونه مفضلا مقربا من ربه، فلسوف يجد عنده بعد المعاد ( خيرا منها منقلبا ) ( منقلبا ) منصوب على التمييز. وهو المرجع والمرد١.
قوله :( لا قوة إلا بالله ) أي ما تيسر لك من عمارة هذه الجنة إنما هو بقوة الله وقدرته لا بقوتك وقدرتك. فإنه ما اجتمع للإنسان من مال أو خير أو نعمة فإنما ذلك كله كائن بمشيئة الله وعونه وتوفيقه ؛ فهو الخالق لكل شيء، الفعال لما يريد.
وفي فضل هذه العبارة وعظيم قدرها جاء في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله ( ص ) قال له : " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ". وروى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( ص ) : " من قال- يعني إذا خرج من بيته- باسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ يقال : كفيت ووقيت، وتنحّي عنه الشيطان ".
وزاد أبو داود فيه : فقال له : " هديت وكفيت ووقيت " وقال أنس بن مالك : قال النبي ( ص ) : " من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ؛ لم يضرّه عين ".
قوله :( إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ) ( إن )، شرطية، ( ترن ) مجزوم بالشرط،
وقيل : الحسبانة السحابة. والمراد : أن يرسل الله من السماء عذابا يأتي على جنتك بالتدمير والتخريب ( فتصبح صعيدا زلقا ) الصعيد، التراب، أو وجه الأرض٢، و ( زلقا ) أي ملساء لا يثبت عليهم قدم٣ ؛ أي تصبح جنتك أرضا ملساء لا نبات فيها، ولا يثبت عليها قدم لملامستها.
٢ - القاموس المحيط جـ٢ ص ٣١٨..
٣ - مختار الصحاح ص ٢٧٤..
٢ - تفسير القرطبي جـ١٠ ص ٤٠٧-٤٠٩ وتفسير الرازي جـ٢١ ص ١٢٨..
معنى ( وأحيط بثمره ) : أهلك كل ماله ؛ فقد تحقق بذلك ما أنذره به صاحبه المؤمن. وأصل العبارة من الإحاطة. نقول : أحاط به العدو ؛ أي استولى عليه وتمكن منه فأهلكه إهلاكا. وهنا قد أحاط بجنته الإهلاك والتدمير فتبددت وأتى عليها الخراب ( فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ) أصبح المكذب المغرور يضرب إحدى كفيه على الأخرى لشدة ما أصابه من الندم والتحسر. وتقليب الكفين حين الخسران والمصاب الجلل كناية عن الندم البالغ ؛ فإن من عظمت حسرته يصفق إحدى يديه على الأخرى. وإنما يفعل ذلك ندامة على ما أنفق في عمارة جنته ثم صار كل ذلك إلى الخراب.
قوله :( وهي خاوية على عروشها ) أي ساقطة على عروشها وخاوية بمعنى خالية. وقيل : ساقطة ؛ أي فهي ساقطة على عروشها١. ويمكن أن يكون المراد بالعروش عروش الكروم ؛ فهذه العروش قد سقطت ثم سقطت الجدران عليها. ويمكن أن يراد من العروش : السقوف وهي قد سقطت على الجدران.
قوله :( ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ) ليتني أيقنت أن الله حق وأنه وحده الخالق المعبود فلم أتخذ معه إلها آخر. وذلك بعد أن تذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن فأدرك أن الله أهلك جنته وابتلاه هذا البلاء بسبب جحوده وغروره وعصيانه ؛ فقد ندم مثل هذا الندم الشديد حين لم تنفعه الحسرة ولم يجده التمني والندم.
قوله :( هو خير ثوابا وخير عقابا ) الله خير جزاء في الدنيا والآخرة لمن آمن به والتجأ إليه منيبا مخبتا وهو كذلك خير عاقبة١.
هذا مثل كاشف يضربه الله للناس فيصف فيه حقيقة الدنيا في سرعة زوالها وانقضائها وأنها حطام دائر ما يلبث أن يفنى ويتبدد ليكون بعد ذلك أثرا بعد عين.
مثل يضربه الله للناس وفيهم المغرورون والغافلون والتائهون السادرون في الضلال والتفريط والغفلة، الغائرون في الشهوات والملذات بكل صورها وضروبها.
والحياة برمتها- في الحقيقة- أشبه بماء المطر النازل من السماء إلى الأرض ليختلط به نباتها المختلف. فينمو ويزهو ويستوي على سوقه ويكون في غاية النضارة والحسْن، ثم يأخذ بعد ذلك في الذبول والانحناء والتكسر ويأتي عليه الجفاف واليُبس ليصبح بعد ذلك ( هشيما تذروه الرياح ) من الهشم وهو كسر الشيء اليابس. والهشيم معناه النبات اليابس المتكسر، والشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف يشاء١.
قوله :( تذروه الرياح ) أي تسفّه وتفرقه ليتطاير في الفضاء وفي أجواء السماء ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) الله قادر على كل شيء. سواء في ذلك إنشاء الخلق أو إفناؤه أو أحياؤه من جديد.
هذه هي الدنيا حقيقتها ؛ فإنما هي مركبات من الأموال والأهواء والملذات والزخرف. أو هي أصناف مختلفة من الزينة والشهوات والتفاخر بالوجاهات والأموال وغير ذلك من المستلذات مما تشتهيه نفوس البشر. ثم قال ذلك كله إلى الفناء والزوال. وهكذا الإنسان يكون لا هيا سادرا في الشهوات والمستلذات وهو يمتد به العمر ليدنو به رويدا رويدا من الهرم وخرف الكبر. فما يلبث بعد ذلك أن يصير إلى الموت المحتوم. وحينئذ تفنى الأهواء والشهوات وتنقضي الحياة برمتها، ليحين بعد ذلك وقت الحساب والمساءلات بدءا بالقبر حيث الظلمة وهول العذاب فيه، ومرورا بالحشر وما فيه من فظائع الزحام والعطاش والذعر والكرب الشديد، وانتهاء بالحساب الفاصل، فإما إلى النجاة والجنة، وإما إلى الهوان والنار.
ومن أجل ذلك حُبب للناس التفاخر في كثرة المال. وكذلك البنون ؛ فهم محبوبون بالفطرة، ثم إنهم سبب يتقوى به الآباء ؛ إذ يطمحون في الظهور والاستعلاء، ويرغبون أن يكونوا من أولي المكانات والدرجات في المجتمعات التي لا ترعى غير المقاييس الشكلية الزائفة. ومن أجل ذلك كان المال والبنون زينة للناس يتفاخرون بها في حياتهم الدنيا. وهي زينة ما لها من مُكث ولا ديمومة. وإنما هي صائرة كلها إلى النهاية المنتظرة المحتومة وهي الفناء وموت الغافلين والمغرورين من أولي الطول والمفاخرة. وليس من باق بعد ذلك إلا الأعمال الصالحة التي تظل رفيقة المؤمنين العاملين فلا تبرحهم ثم تشهد لهم يوم القيامة بالخير والصلاح ليكونوا من الناجين والفائزين وهو قوله :( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) واختلفوا في المراد بالباقيات الصالحات. فقيل : هي الصلوات الخمس، وهو قول ابن عباس وآخرين. وقيل : هي الكلمات المأثورة : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفي ذلك أخرج ابن ماجه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ( ص ) : " عليك بسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ؛ فإنهن يحطن الخطايا كما تحط الشجرة ورقتها ".
وقيل :( والباقيات الصالحات ) يراد بهن البنات الصالحات ؛ فهن عند الله لآبائهن خير ثوابا وخير أملا في الآخرة لمن أحسن إليهن. وفي هذا الصدد روي عن النبي ( ص ) أنه قال : " لقد رأيت رجلا من أمتي أمر به إلى النار فتعلق به بناته وجعلن يصرخن ويقلن : رب إنه كان يحسن إلينا في الدنيا فرحمه الله بهن ".
وفي رواية عن ابن عباس أنا كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة. فالدنيا زينتها المال والبنون، ومقتضيات ذلك من أنواع اللذائذ والمفاخرات مما يفنى لا محالة، وينقضي بانقضاء الدنيا. وما بعد ذلك من الأعمال الصالحات ما بين صلوات وذكوات وصيام ومختلف وجوه العبادات، أو أمر بمعروف ونهي عن منكر، أو جهاد في سبيل الله، أو بر وإحسان، ومختلف ألوان الطاعات، فكل ذلك من الباقيات الصالحات التي تبقى راسخة في الميزان ليجدها المؤمنون الصادقون بين أيديهم يوم الحساب.
قوله :( وخير أملا ) ما تقدم ذكره من الصالحات خير ما يأمله الإنسان ؛ فهو المأمول النافع الباقي. أما غيره من آمال الدنيا ؛ فإنه غمام منقشع يصير إلى الزوال عما قريب١.
وتسير الجبال، يعني إذهابها وإزالتها عن وجه الأرض بأن تصبح هباء مبثوثا متطايرا في أرجاء الفضاء الواسع.
قوله :( وترى الأرض بارزة ) أي ظاهرة ماثلة لا يسترها شيء من جبال أو أشجار أو عمران، تمشيا مع حدث القيامة الجلل، الحدث المزلزل الفظيع الذي يتغير فيه وجه الكون وتتبدل فيه صورة السماوات والأرض مما يزيد من هول المنظر المرعب في هذا اليوم العصيب حيث الخوف والندم والإياس والاستحسار.
قوله :( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) ( نغادر )، نترك، ومنه الغدير ؛ فهو القطعة من الماء يغادرها السيل. وأغدره بمعنى تركه٢، فالله جل وعلا يجمع الناس يوم القيامة في أرض المحشر ليلاقوا الحساب، دون أن يترك منهم أحدا ؛ بل الله جامعهم جميعا سواء فيهم الكبراء والأمراء والزعماء وأولوا الجاه والطول، أو المرؤوسون والعالة والأراذل والمستضعفون، كل أولئك مجموعون يوم القيامة للحشر الذي تغيب فيه الجاهات والزعامات والاعتبارات الزائفة الكاذبة والموهومة.
٢ - مختار الصحاح ص ٤٦٩..
قوله :( بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) يقال ذلك على سبيل التوبيخ والتقريع والتعنيف لمنكري البعث الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة فتاهوا في الغي والباطل. أولئك ما كان ظنهم أن الساعة قائمة وأن الحساب ملاقيهم.
قوله :( ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) هؤلاء المجرمون الخاطئون ينادون يوم القيامة بالويل والندامة بسبب تفريطهم وخسرانهم، فيقولون : يا ويلنا ويا حسرتنا ( مال هذا الكتاب ) أي ما شأن هذا الكتاب لا يترك ولا يبقي ذنبا صغيرا ولا كبيرا من ذنوبنا إلا حفظه. وصغائر الذنوب محقراتها وهي اللمم كالمسيس ( المسّ ) والقُبل. أما الكبيرة فهي الزنا. على أن المؤمن المتعظ يحرص أن لا تطوقه الصغائر ومحقرات الذنوب ؛ فإنها تجتمع على المرء فتهلكه.
قوله :( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد ) كل ما عمله العباد في دنياهم يجدونه يوم القيامة في كتاب أعمالهم محفوظا ؛ فالله جل وعلا أعدل العادلين ؛ فهو لا يجوز في حكمه، ولا يجازي أحدا إلا بما يستحق١.
أي واذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم. وهو سجود تحية وتكريم وتشريف لا سجود إذعان وعبادة، فاستجابوا لما أمرهم الله به من السجود له، طائعين الله منيبين إليه ( إلا إبليس كان من الجن ) استثناء منقطع ؛ فإبليس ليس من جنس الملائكة في الأرجح ؛ فهم من نور، وأصل إبليس من نار. فالأصلان مختلفان تمام الاختلاف، متباينان كامل التباين. وشتان بين النور المضيء الساطع المشعشع، والنار اللاهبة اللافحة الحارقة. وقد قيل : كان إبليس من قبيلة يقال لها الجن. وقيل غير ذلك من الآثار التي جُلّها من الإسرائيليات مما لا ينبغي الركون إليه أو الاعتداد به.
والصواب أن إبليس من الجن استنادا إلى ظاهر الآية في قوله مبينا حقيقة إبليس ( كان من الجن ) وهذه جملة مستأنفة، تبين سبب فسق إبليس وهو كونه من الجن وليس من الملائكة. قال الحسن البصري في ذلك : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن كما أن آدم عليه السلام أصل البشر : قوله :( فسق عن أمر ربه ) فسق من الفسق، بالكسر وهو الترك لأمر الله تعالى، والعصيان والخروج عن طريق الحق. أو الفجور. وسميت الفأرة بالفويسقة ؛ لخروجها من جحرها على الناس١ ذلك هو إبليس ؛ فإنه بطبعه الخبيث نزّاع لإضلال العباد، حريص بالغ الحرص على إغوائهم وإفسادهم ليسلكوا سبيل الكفر والباطل فيكونوا شركاءه في جهنم.
قوله :( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدوا ) الهمزة، للإنكار والتعجب ؛ أي، أبعد هذا الإضلال والإغواء والإفساد والكيد من إبليس لكم، تتخذونه وذريته أعوانا بدلا عني ؛ إذ تطيعونه وتعصونني، وتسلكون سبيله في الشر والغي عوضا عن سبيل الله وهديه ( وهم لكم عدو ) في موضع نصب على الحال ؛ أي أتطيعون إبليس مع عداوته القديمة لكم وهو ما يزال يكيد لكم أشد الكيد حتى يطغيكم ويغويكم. أما المراد بذرية إبليس، فقيل : إنهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم. لكن لا نعلم كيفية التوالد وحصول الذرية. وقيل : المراد بذرية إبليس جنوده وأعوانه من الشياطين.
قوله :( بئس للظالمين بدلا ) فاعل ( بئس ) مضمر. وتقديره : بئس البدل بدلا للظالمين ذرية إبليس. و ( بدلا )، منصوب على التمييز٢. والمعنى : بئسما استبدلوا بعبادة الله إذا أطاعوا إبليس بدل طاعة الله٣.
٢ - البيان لابن الأنباري جت٢ ص ١١١..
٣ - تفسير الطبري جـ١٥ ص ١٦٩ وفتح القدير جـ٣ ص ٢٩٢ وتفسير النسفي جـ٣ ص ١٦..
والمعنى : أن هؤلاء الشركاء الذين عبدتموهم ليسوا إلا خلقا أمثالكم فلم أشركهم في الإلهية. ولو أشركتهم فيها لكانوا شركاء في خلق السماوات والأرض وكانوا مشاهدين خلق ذلك. لكنهم لم يشاهدوا خلق ذلك ولم يشاهدوا خلق أنفسهم، فكيف تعبدونهم.
قوله :( وما كنت متخذ المضلين عضدا ) العضد، من المعاضدة وهي المعاونة والمناصرة. اعتضد به أي استعان١.
أي لست مستعينا بالمخلوقين، وخص المضلين بالذكر لزيادة الذم والتوبيخ. والمعنى : ما استعنت بشركائكم المضلين على خلق السماوات والأرض وما كنت متخذا لي منهم أعوانا ؛ فإني أنا الخالق القادر المنزه عن الشركاء والأعوان والأقران.
قوله :( وجعلنا بينهم موبقا ) الموبق، المهلك، من الوبوق. وبق يبق وبوقا ؛ أي هلك. أوبقه بمعنى أهلكه١. والمراد به ههنا : حاجز بين المشركين، وما كانوا يعبدون أصنام. فقد قيل : كل شيء حاجز بين شيئين فهو موبق. وقيل : الموبق واد في جهنم بين المؤمنين والكافرين.
٢ - تفسير الطبري جـ١٥ ص ١٧٣..
قوله :( أو يأتيهم العذاب قبلا ) ( قبلا ). بضم القاف، منصوب على الحال ؛ أي عيانا. وقيل : فجأة. وقيل : جمع قبيل. وتقديره : أو يأتيهم العذاب قبيلا قبيلا، يتلو بعضه بعضا١ وعندئذ يصدقون ويستغفرون.
قوله :( ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ) ( الحق )، يراد به ههنا الإسلام أو النبوة. ويدحضوا، من الإدحاض وهو الإزلاق. دحضت حجته ؛ أي بطلت١.
والمعنى، أن المشركين والمكذبين يخاصمون خصامهم العنيد الفاجر، وهم إنما يحاجّون بالباطل ؛ إذ يصطنعون الحجج الفاسدة والأقاويل الضالة على سبيل المكابرة والمعاندة والتحدي، كقولهم للنبيين :( ما أنتم إلا بشر مثلنا ). أو سؤالهم عن فتية ذهبوا في أول الدهر ولم يظهر أمرهم، وعن الروح، ونحو ذلك من الأسئلة التي يصطنعها الجاحدون في معرض التكلف والمشاقة والحذلقة. ذلك كله ( ليدحضوا به الحق ) أي ليبطلوا هذا الدين بمجادلاتهم وخصاماتهم ويذهبوا به إذهابا.
وذلك هو ديدن المكذبين والجاحدين في كل زمان ؛ إذ يصطنعون المجادلات والخصامات والشبهات المكذوبة لينفروا البشرية من تعاليم الإسلام، وليثيروا في الأرض الشكوك والكراهية لهذا الدين العظيم.
قوله :( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) ما، مصدرية، وهي في موضع نصب لأنها معطوفة على ( آياتي ). وتقديره : واتخذوا آياتي وإنذاري إياهم هزوا. فهزوا، منصوب لأنه المفعول الثاني لقوله :( واتخذوا ) ٢ أي اتخذوا آيات الله وهي القرآن وما أنذروا به من الوعيد بالعذاب يوم القيامة ( هزوا ) أي موضع سخرية واستهزاء.
وكذلك يفعل المكذبون والمجرمون والجاحدون في كل زمان ؛ إذ يسخرون من آيات الله وحججه وأحكامه ومواعظه بعد أن يثيروا من حولها الأباطيل والأقاويل الظالمة المفتراة ليزهد الناس في دين الله وليرتد المسلمون عن دينهم الحق شر ارتداد٣.
وكيفما تمالأت قوى الشر والطغيان على الإسلام أو ائتمر به المجرمون والطواغيت ليكيدوا له أشنع كيد بمختلف الأسباب والأساليب ؛ فإن دين الإسلام لا جرم ظاهر على الدين كله، وأنه لا محالة منصور بعون الله القادر القاهر ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ).
٢ - البيان لابن الأنباري جـ٢ ص ١١٢..
٣ - تفسير القرطبي جـ١١ ص ٧..
قوله :( إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ) أي أغشينا قلوبهم بأغطية وذلك بالختم عليها فهم من الذين طبع الله على قلوبهم ( أن يفقهوه ) أي لئلا يفهموا هذا القرآن ( وفي آذانهم وقرا ) أي جعلنا في آذانهم ثقلا وهو الصمم المعنوي عن الهداية والحق وذلك بسبب نسيانهم وإعراضهم عن آيات الله وعن انشغالهم في الملذات والحطام الزائل. قوله :( وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) أي إن تدع هؤلاء العصاة المعاندين الذي أعرضوا عن آيات الله وعن دينه- إلى الإنابة إلى ربهم وإلى الاستقامة على محجة الإسلام العظيم ؛ فلن يستجيبوا لما دعوتهم إليه ؛ بل هم جامحون في الضلالة والمعصية، سادرون في اللجاجة والتمرد ؛ لأن الله قد طبع على قلوبهم بسبب كفرهم وجحودهم.
و ( أهلكناهم ) في موضع رفع خبر المبتدأ١ والمعنى : أن تلك القرى التي قصّ الله خبرها على رسول الله ( ص ) كقرى عاد وثمود ومدين وقوم لوط وقوم فرعون، أولئك قد أهلكهم الله إهلاكا ودمّر عليهم تدميرا بسبب تكذيبهم وعصيانهم وإعراضهم عن عقيدة التوحيد ( وجعلنا لمهلكهم موعدا ) أي جعل الله لمهلكهم ميقاتا معلوما لم يتجاوزوه.
ومثل هذا الحكم لا جرم ينسحب على كل أمة تستنكف عن دعوة الحق، وتعرض عن رسالة التوحيد، وتأبى إلا العتو والإعراض عن منهج الله٢.
٢ - تفسير الطبري جـ١٥ ص ١٧٤ وفتح القدير جـ٣ ص ٢٩٦..
فتى موسى هو يوشع بن نون. وكان فتاه ؛ لأنه كان يخدمه ويأخذ عنه العلم. وسبب قول موسى لفتاه هذا القول : أنه ذكر له أن هناك عبدا مؤمنا من عباد الله بمجمع البحرين لديه من العلم ما ليس عندك. فأراد موسى أن يرحل إليه ويتلقى منه العلم. وفي هذا الصدد روى البخاري عن أبي بن كعب ( رضي الله عنه ) أنه سمع رسول الله ( ص ) يقول : " إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسأل : أي الناس أعلم ؟ قال : أنا. فعتب الله عليه ؛ إذ لم يُرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى : يا رب كيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتا فتجعله بمكتل- زنبيل- فحيثما فقدت الحوت فهو تمّ " فأخذ حوته فجعله بمكتل، ثم انطلق ومعه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ). ونأتي على بقية القصة في تفسير الآيات التي تتعلق بها. وهذا قوله تعالى في ذلك :( وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ) ( موسى )، هو ابن عمران، كليم الله ورسوله إلى بني إسرائيل، وفتاه، يوشع بن نون. فقد قال موسى :( لا أبرح )، أي لا أزال أسير حتى أبلغ ملتقى البحرين وهما بحر فارس والروم ( أو أمضي حقبا ) يعني أسير دهرا من الزمن وجمعه أحقاب١.
وذلك أن الموضع الذي سلكه الحوت في الماء بقي فارغا وهو الذي مشى عليه موسى متبعا للحوت حتى أفضى به الطريق إلى الموضع الذي كان فيه الخضر.
٢ - مختار الصحاح ص ٢٩٣..
قوله :( واتخذ سبيله في البحر عجبا ) ( عجبا )، مفعول ثان للفعل. ( واتخذ ). أو منصوب على المصدر ؛ أي مضى الحوت في البحر مضيا يثير التعجب بسبب السرب الذي مشى فيه ؛ فقد وثب في البحر وبقي أثر جريه في الماء.
٢ - مختار الصحاح ص ٥٣٧..
وقيل غير ذلك مما أنعم الله به عليه. وآتاه الله ايضا العلم وهو الإخبار بالغيب مما استأثر الله بعلمه. وقيل : ما حصل له بطريق الإلهام١.
قوله :( لقد جئت شيئا نكرا ) أي منكرا، أو ظاهر النكارة.
وفي ذلك روى الشيخان عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن النبي ( ص ) قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
وروى الشيخان كذلك عن أبي شريح الخزاعي ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته " قالوا : وما جائزته يا رسول الله ؟ قال " يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة " ويستفاد من ذلك وجوب إتحاف١ الضيف وذلك بإطعامه وإيوائه مدته المستحقة وهي يوم وليلة. وما بعد ذلك من أيام فإنه يكرم فيها استحبابا.
قوله :( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) ( ينقض ) من الانقضاض وهو السقوط٢. وقد أسند الإرادة إلى الجدار من باب الاستعارة ؛ فقد كان الجدار مائلا يوشك أن يقسط ( فأقامه ) أي بناه فأعاده قائما. وقيل : هدمه ثم أخذ يبنيه من جديد ليرده قويا مستقيما، وقيل : مسحه بيده وأقامه فقام. وهذا وجه الكرامات الخارقة للعادة التي يجريها الله على أيدي أنبيائه أو أوليائه. ثم لم يصبر موسى عن الاعتراض على إقامة هذا الجدار الآيل للسقوط فقال له :( لو شئت لتخذت عليه أجرا ) أي ما كان ينبغي أن تعمل مجانا لهؤلاء البخلاء الأشحة فتبني لهم الجدار الآيل للسقوط ؛ بل كان أجدر أن تطلب الجعل منهم في مقابلة عملك لكي نرد عن أنفسنا الضرورة.
٢ - مختار الصحاح ص ٥٤٠..
أول هذه المسائل الثلاث مسألة السفينة ؛ فقد كانت لقوم ضعفاء يستحقون الشفقة عليهم. وقيل : كانوا أيتاما يعملون في البحر.
قوله :( فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) أي كنت قد خرقت السفينة لأجعلها ذات عيب ؛ فقد كان أمامهم ملك ظالم يغتصب كل سفينة صالحة فكونها معيبة بالخرق يحول دون أخذها.
( وأقرب رحما ) ( رحما )، معطوف على ( زكاة ) أي أعظم رحمة به.
قوله :( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجها كنزهما ) أسند الإرادة في بلوغ الحلم واستخراج الكنز إلى الله ؛ لأن بلوغ الحلم لا يكون إلا بقدرة الله، ولأن الله قد حفظ لهما كنزهما تحت الجدار ؛ إذ لم ينقضّ ولو انقضّ لخرج الكنز من تحته ( رحمة من ربك ) أي فعلت ما فعلته من بناء الجدار رحمة من الله باليتيمين ( وما فعلته عن أمري ) أي ما فعلت الذي فعلته من تلقاء نفسي واجتهادي وإنما فعلته بأمر الله.
قوله :( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) حذف التاء في تسطع للتخفيف. والمعنى : هذا تفسير ما أنكرته وضقت به ذرعا فلم تصبر حتى أخبرك بتأويله١.
أما من حيث زمانه فقيل : كان في زمن إبراهيم وإسماعيل. وروي أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. وكان وزيره الخضر. وقد ذكر أن ملوك الدنيا أربعة : مؤمنان وكافران. فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر. والكافران، نمرود وبختنصر، وسيملك الدنيا من هذه الأمة خامس وهو المهدي، لقوله تعالى :( ليظهره على الدين كله ).
وقد سأل المشركون واليهود رسول الله ( ص ) عن رجل طواف في الأرض من جملة أشياء بيناها سابقا ؛ فنزل البيان في ذلك.
قوله :( وآتيناه من كل شيء سببا ) السبب معناه الطريق الموصل إلى الأغراض والمقاصد ؛ فقد يسر الله لذي القرنين كل ما يحتاج إليه من الوسائل والطرق ؛ ففتح البلاد، وهزم الأعداء والظالمين، وأذل الشرك والمشركين.
وقال الرازي في هذا الصدد من تأويل هذه الآية : إنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك. وأيضا قال :( ووجد عندها قوما ) ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود. وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض. إذا ثبت هذا فنقول تأويل قوله :( تغرب في عين حمئة ) من وجوه :
الوجه الأول : أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.
الوجه الثاني : أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط بها البحر، فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار. ولا شك أن البحار الغربية قوية السخونة ؛ فهي حامية، وهي أيضا حمئة لكثرة ما فيها من الحمأة السوداء والماء. فقوله :( تغرب في عين حمئة ) إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط به البحر وهو موضع شديد السخونة٣.
قوله :( ووجد عندها قوما ) أي وجد عند العين الحمئة أمة من الأمم وكانوا كافرين فخيره الله في قتلهم أو الرفق بهم.
قوله :( قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) المصدر من قوله :( أن تعذب ) في موضع نصب بفعل مقدر. وقيل : في موضع رفع على تقدير مبتدأ وخبره محذوف٤.
ذلك من تمكين الله لذي القرنين ؛ إذ أظفره الله على البلاد وخيّره في هؤلاء القوم بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على كفرهم، وبين أن يحسن إليهم بالإكرام والرفق والمنّ. وقد قيل ذلك على سبيل الإلهام. لكن ذا القرنين اختار أن يعاملهم بالحق والعدل. وهو قوله :﴿ أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ﴾
٢ - قوله عن الشمس إنها تدور مع السماء حول الأرض لا يناقض النظريات العلمية الحديثة الثابتة والتي تقول بدوران الأرض حول الشمس؛ فإن الشمس والأرض تتبادلان الدوران. ذلك أن الشمس تدور حول نفسها؛ فهي بذلك في دوران دائم حتى يأذن الله لها بالثبت والتوقف والتكوير يوم القيامة. انسجاما مع قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها) وكذلك الأرض فإنها تدور حول نفسها وحول الشمس. فكل من الجرمين دائر في فلكه فسبحان الله ذي الملكوت، بديع السماوات والأرض..
٣ - تفسير القرطبي جـ١١ ص ٤٩، ٥٠ وتفسير الرازي جـ٢١ ص ١٦٧، ١٦٨..
٤ - البيان لابن الأنباري جـ٢ ص ١١٥..
قوله :( وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ) أي وجد من وراء السدين أمة من الناس لا يفقهون الحديث إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها ؛ لأن لغتهم غريبة ومجهولة ؛ فهم بذلك لا يفهمون عن غيرهم ولا يفهم غيرهم عنهم.
هؤلاء القوم المستعجمون قد فهم ذو القرنين مرادهم بالرغم من استعجام كلامهم، بما آتاه الله من أسباب في القدرة والفطانة والإلهام.
قوله :( فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ) الخرج في اللغة أو الخراج بمعنى الإتاوة. وجمع الخرج أخراج١. والمراد به الجعل أو النول أو النوال بمعنى العطاء ؛ فقد قالوا له في أدب وتواضع : هل نجمع لك من أموالنا جعلا أو مالا فنبذله لك لتقيم بيننا وبين يأجوج ومأجوج سدا أي ردما. والردم هو وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحو ذلك ليقوم بذلك جدار منيع أو حاجز حصين يحول دون نفاذ المفسدين إلى بلاد القوم.
وجملة ذلك : إيقاد النار على الحديد والحجارة حتى تحمى، ثم يُصب عليها النحاس المذاب فتستمسك هذه المركبات وتتلاحم فيما بينها أشد التلاحم فتكون في غاية المناعة والصلابة ليعز اقتحامه أو الظهور عليه. وهو قوله :﴿ فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ﴾
٢ - القاموس المحيط جـ٢ ص ١٢٣..
والمعنى : هذا السد الذي حال بين القوم والمفسدين، رحمة من الله بعباده ؛ إذ خولني هذا الإقدار والتمكين من تسويته فإذا جاء يوم القيامة جعل الله هذا السد ( دكاء ) أي مدكوكا مبسوطا مسوّى بالأرض ( وكان وعد ربي حقا ) وعد الله بقيام الساعة حقيقة لا ريب فيها. وهو كائن لا محالة. وهذا آخر كلام ذي القرنين٢.
٢ - البيان لابن الأنباري جـ٢ ص ١١٨..
و ( أولياء ) منصوب ؛ لأنه مفعول ثان١. والمعنى : أفظن الكافرون أن اتخاذهم أعوانا وأنصارا ومعبودين من دون الله كالملائكة وعيسى ابن مريم والعزير وغيرهم من العظماء والمتسلطين، بنافعهم أو منجيهم ؟ بئس ما ظنوا ؛ فإن ذلك لا ينفعهم ولا يغنيهم من العذاب والخسران شيئا. وهو قوله :( إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا ) قد أعد الله لهؤلاء الخاسرين يوم القيامة جهنم ؛ فهي شر منزل لهم وشر مقام٢.
٢ - تفسير النسفي جـ٣ ص ٢٦ وتفسير القرطبي جـ١١ ص٦٥.
الاستفهام للتوبيخ ؛ أي هل أخبركم من هم أشد الناس خسرانا يوم القيامة ؛ إنهم الذين عملوا أعمالا مصيرها الحبوط والبطلان، فضاعت بذلك هباء منثورا ؛ لقيامها على غير عقيدة صحيحة من الله ولا شريعة سليمة مرضية ومقبولة ؛ بل كانوا يتشبثون بعقائد الكفر والضلال.
عقائد قامت على الافتراء والأوهام والهوى، والكفران بخاتم النبيين وإمام المتقين والمجاهدين، وسيد الأنبياء والمرسلين، المتشفع وحده في الخلائق يوم الدين، محمد ( ص ). فكيف يستحق أن يوصف بالإيمان من كفر بدعوة الإسلام وكذب بنبوة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ؟ يستوي في ذلك الكافرون جميعا من الملحدين والوثنيين والمرتدين وأهل الكتاب. أولئك الذين كفروا بالإسلام وجحدوا بنبوة سيد الأنام، فهم لا يقيم الله أيما اعتبار أو وزن لأعمالهم وإن كانت تعدل الجبال. وإنما أساس القبول للأعمال أن تكون مشروعة منسجمة مع عقيدة التوحيد، غير مخالفة لمنهج الله ودينه القويم الإسلام. وثمة أساس ثان لقبول الأعمال وهو أن لا يبتغي العامل بعمله غير وجه الله أو مرضاته بعيدا كل البعد عن الرياء. وأيما رياء وإن صغر، فلا جرم أن يأتي على الأعمال كلها بالحبوط، وإن كانت هائلة.
قوله :( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) أي ليس لهم لهؤلاء الجاحدين المكذبين يوم القيامة أيما قدر أو اعتبار ؛ فهم لا يعبأ الله بهم ولا ينظر إليهم ؛ إذ هم منحدرون في دركات الخسران والنسيان والخساسة.
والمعنى : أنه لو كان ماء البحار كلها مدادا لتكتب به كلمات علم الله لفني ماء البحار وزال، وإن جيء إليها بأضعاف أخرى مضاعفة، وبقيت كلمات علم الله قائمة لا تنتهي ولا تفنى ؛ أي أن البحار كيفما تكن من الاتساع والعظمة ومعها أضعافها فإنها متناهية ولا تفنى ؛ أي أن البحار كيفما تكن من الاتساع والعظمة ومعها أضعافها فإنها متناهية لكن معلومات الله غير متناهية. والمتناهي لا يفي بغير المتناهي ؛ ذلك أن علم الله صفة ظاهرة من صفاته العظيمة. وهو سبحانه بكماله المطلق منزه عن النقائص والعيوب. وما ينبغي لكماله أن يتناهى علمه أو تحيط به القيود والحدود ؛ بل الله عليم بما جرى وما هو جار من أخبار وأحوال وعلوم وأسرار وأقدار وحقائق لا يعلمها إلا هو ؛ فعلمه المطلق لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأكوان والكائنات ؛ فهو بذلك لا يحصيه المداد ولو كان في سعة الأمواج والمحيطات.
قوله :( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ذكر عن طاووس في سبب نزول هذه الآية أن رجلا قال : يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يُرى مكاني ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبي ( ص ) فقال : إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به، فسكت رسول الله ( ص ) ولم يقل شيئا، فأنزل الله الآية١.
ويستدل من ذلك على فظاعة الإشراك في القصد عند فعل الأفعال فأيما فعل قُصد فيه مع الله أحد غيره فمآله الحبوط والإسقاط، وهو لا يغني صاحبه شيئا. وإنما شرط القبول للأعمال أن تكون خالصة لوجه الله ولا يبتغي بها فاعلون إلا مرضاة ربهم. أما أن يبتغي بها صاحبها إرضاء ربه وكسب السمعة أو الثناء من الناس ؛ فذلك ضرب من ضروب الرياء وهو إشراك في النية أو القصد.
وفي فظاعة الرياء ونكره روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) يرويه عن الله عز وجل أنه قال : " أنا خير الشركاء فمن عمل عملا أشرك فيه غيرى فأنا بريء منه وهو للذي أشرك " وروى الإمام أحمد أيضا عن محمد بن لبيد أن رسول الله ( ص ) قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال " الرياء. يقول الله يوم القيامة إذا جزء الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ". ٢
٢ - تفسير ابن كثير جـ٣ ص ١٠٨، ١٠٩ وتفسير القرطبي جـ١١ ص ٦٩ – ٧٢..