تفسير سورة فصّلت

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وتسمى سورة السجدة وسورة المصابيح مكية وهي أربع وخمسون آية وسبعمائة وست وتسعون كلمة وثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون حرفا.

سورة فصلت
وتسمى سورة السجدة وسورة المصابيح مكية وهي أربع وخمسون آية وسبعمائة وست وتسعون كلمة وثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون حرفا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة فصلت (٤١): الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧)
قوله عز وجل: حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ أي بينت وميزت وجعلت معاني مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد قُرْآناً عَرَبِيًّا أي باللسان العربي لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي إنما أنزلناه على العرب بلغتهم ليفهموا منه والمراد ولو كان بغير لسانهم ما فهموه بَشِيراً وَنَذِيراً نعتان للقرآن أي بشيرا لأولياء الله بالثواب ونذيرا لأعدائه بالعقاب فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ أي عنه فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أي لا يصغون إليه تكبرا وَقالُوا يعني مشركي مكة قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ أي أغطية مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ أي فلا نفقه ما تقول وَفِي آذانِنا وَقْرٌ أي صمم فلا نسمع ما تقول والمعنى أنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ أي خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول فَاعْمَلْ أي أنت على دينك إِنَّنا عامِلُونَ أي على ديننا قُلْ يا محمد إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي كواحد منكم يُوحى إِلَيَّ أي لولا الوحي ما دعوتكم، قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ أي توجهوا إليه بطاعته ولا تميلوا عن سبيله وَاسْتَغْفِرُوهُ أي من ذنوبكم وشرككم وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ قال ابن عباس: لا يقولون لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس، والمعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد. وقيل: لا يقرون بالزكاة المفروضة ولا يرون إتيانها واجبا يقال الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك، وقيل: معناه لا ينفقون في طاعة الله ولا يتصدقون، وقيل: لا يزكون أعمالهم وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أي جاحدون بالبعث بعد الموت.
قوله عز وجل :﴿ كتاب فصلت آياته ﴾ أي بينت وميزت وجعلت معاني مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد ﴿ قرآناً عربياً ﴾ أي باللسان العربي ﴿ لقوم يعلمون ﴾ أي إنما أنزلناه على العرب بلغتهم ليفهموا منه والمراد ولو كان بغير لسانهم ما فهموه.
﴿ بشيراً ونذيراً ﴾ نعتان للقرآن أي بشيراً لأولياء الله بالثواب ونذيراً لأعدائه بالعقاب ﴿ فأعرض أكثرهم ﴾ أي عنه ﴿ فهم لا يسمعون ﴾ أي لا يصغون إليه تكبراً.
﴿ وقالوا ﴾ يعني مشركي مكة ﴿ قلوبنا في أكنة ﴾ أي أغطية ﴿ مما تدعونا إليه ﴾ أي فلا نفقه ما تقول ﴿ وفي آذاننا وقر ﴾ أي صمم فلا نسمع ما تقول والمعنى أنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ﴿ ومن بيننا وبينك حجاب ﴾ أي خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول ﴿ فاعمل ﴾ أي أنت على دينك ﴿ إننا عاملون ﴾ أي على ديننا.
﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ إنما أنا بشر مثلكم ﴾ أي كواحد منكم ﴿ يوحى إليّ ﴾ أي لولا الوحي ما دعوتكم، قال الحسن : علمه الله تعالى التواضع ﴿ إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه ﴾ أي توجهوا إليه بطاعته ولا تميلوا عن سبيله ﴿ واستغفروه ﴾ أي من ذنوبكم وشرككم ﴿ وويل للمشركين ﴾.
﴿ الذين لا يؤتون الزكاة ﴾ قال ابن عباس : لا يقولون لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس، والمعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد. وقيل : لا يقرون بالزكاة المفروضة ولا يرون إتيانها واجباً يقال الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك، وقيل : معناه لا ينفقون في طاعة الله ولا يتصدقون، وقيل : لا يزكون أعمالهم ﴿ وهم بالآخرة هم كافرون ﴾ أي جاحدون بالبعث بعد الموت.

[سورة فصلت (٤١): الآيات ٨ الى ١١]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال ابن عباس: غير مقطوع، وقيل: غير منقوص، وقيل: غير ممنون عليهم به، وقيل: غير محسوب. قيل نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن العمل والطاعة يكتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه (خ) عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير مرة ولا مرتين يقول «إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر كتب الله تعالى له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم».
قوله عز وجل: قُلْ أَإِنَّكُمْ استفهام بمعنى الإنكار وذكر عنهم شيئين منكرين أحدهما الكفر بالله تعالى وهو قوله تعالى لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وثانيهما وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً إثبات الشركاء والأنداد له والمعنى كيف يجوز جعل هذه الأصنام الخسيسة أندادا لله تعالى مع أنه تعالى هو الذي خلق الأرض في يومين يعني الأحد والاثنين ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ أي هو رب العالمين وخالقهم المستحق للعبادة لا الأصنام المنحوتة من الخشب والحجر وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها أي من فوق الأرض وَبارَكَ فِيها أي في الأرض بكثرة الخيرات الحاصلة فيها وهو ما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار وخلق أصناف الحيوانات وكل ما يحتاج إليه وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أي قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم وقيل قدر في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة وقيل قدر البر لأهل قطر من الأرض والتمر لأهل قطر آخر والذرة لأهل قطر والسمك لأهل قطر وكذلك سائر الأقوات.
قيل إن الزراعة أكثر الحرف بركة لأن الله تعالى وضع الأقوات في الأرض قال الله تعالى: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي مع اليومين الأولين فخلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وهما يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فصارت أربعة أيام رد الآخر على الأول في الذكر سَواءً لِلسَّائِلِينَ معناه سواء لمن سأل عن ذلك أي فهكذا الأمر سواء لا زيادة فيه ولا نقصان جوابا لمن سأل في كم خلقت الأرض والأقوات ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي عمد إلى خلق السماء وَهِيَ دُخانٌ ذلك الدخان كان بخار الماء، قيل كان العرش قبل خلق السموات والأرض على الماء فلما أراد الله تعالى أن يخلق السموات والأرض أمر الريح فضربت الماء فارتفع منه بخار كالدخان فخلق منه السماء ثم أيبس الماء فخلقه أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها سبعا.
فإن قلت هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل خلق السماء وقوله وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق السماء فكيف الجمع بينهما.
قلت الجواب المشهور أنه تعالى خلق الأرض أولا ثم خلق السماء بعدها ثم بعد خلق السماء دحا الأرض ومدها.
وجواب آخر وهو أن يقال إن خلق السماء مقدم على خلق الأرض فعلى هذا يكون معنى الآية خلق الأرض في يومين، وليس الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين فقط بل هو عبارة عن التقدير أيضا فيكون المعنى قضى أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء فعلى هذا يزول الإشكال والله أعلم بالحقيقة فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً أي ائتيا ما أمرتكما به أي افعلاه وقيل افعلا ما أمرتكما طوعا وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ معناه أتينا بما فينا طائعين فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل.
قوله عز وجل :﴿ قل أئنكم ﴾ استفهام بمعنى الإنكار وذكر عنهم شيئين منكرين أحدهما الكفر بالله تعالى وهو قوله تعالى ﴿ لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ﴾ وثانيهما ﴿ وتجعلون له أنداداً ﴾ إثبات الشركاء والأنداد له والمعنى كيف يجوز جعل هذه الأصنام الخسيسة أنداداً لله تعالى مع أنه تعالى هو الذي خلق الأرض في يومين يعني الأحد والاثنين ﴿ ذلك رب العالمين ﴾ أي هو رب العالمين وخالقهم المستحق للعبادة لا الأصنام المنحوتة من الخشب والحجر.
﴿ وجعل فيها رواسي ﴾ أي جبالاً ثوابت ﴿ من فوقها ﴾ أي من فوق الأرض ﴿ وبارك فيها ﴾ أي في الأرض بكثرة الخيرات الحاصلة فيها وهو ما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار وخلق أصناف الحيوانات وكل ما يحتاج إليه ﴿ وقدر فيها أقواتها ﴾ أي قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم وقيل قدر في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة وقيل قدر البر لأهل قطر من الأرض والتمر لأهل قطر آخر والذرة لأهل قطر والسمك لأهل قطر وكذلك سائر الأقوات.
قيل إن الزراعة أكثر الحرف بركة لأن الله تعالى وضع الأقوات في الأرض قال الله تعالى :﴿ وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ﴾ أي مع اليومين الأولين فخلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وهما يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فصارت أربعة أيام رد الآخر على الأول في الذكر ﴿ سواء للسائلين ﴾ معناه سواء لمن سأل عن ذلك أي فهكذا الأمر سواء لا زيادة فيه ولا نقصان جواباً لمن سأل في كم خلقت الأرض والأقوات.
﴿ ثم استوى إلى السماء ﴾ أي عمد إلى خلق السماء ﴿ وهي دخان ﴾ ذلك الدخان كان بخار الماء، قيل كان العرش قبل خلق السماوات والأرض على الماء فلما أراد الله تعالى أن يخلق السماوات والأرض أمر الريح فضربت الماء فارتفع منه بخار كالدخان فخلق منه السماء ثم أيبس الماء فخلقه أرضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبعاً.
فإن قلت هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل خلق السماء وقوله ﴿ والأرض بعد ذلك دحاها ﴾ مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق السماء فكيف الجمع بينهما.
قلت الجواب المشهور أنه تعالى خلق الأرض أولا ثم خلق السماء بعدها ثم بعد خلق السماء دحا الأرض ومدها.
وجواب آخر وهو أن يقال إن خلق السماء مقدم على خلق الأرض فعلى هذا يكون معنى الآية خلق الأرض في يومين، وليس الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين فقط بل هو عبارة عن التقدير أيضا فيكون المعنى قضى أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء فعلى هذا يزول الإشكال والله أعلم بالحقيقة﴿ فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ﴾ أي ائتيا ما أمرتكما به أي افعلاه وقيل افعلا ما أمرتكما طوعا وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع﴿ قالتا أتينا طائعين ﴾ معناه أتينا بما فينا طائعين فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل.
قيل قال الله تعالى لهما أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمرك ونباتك.
قيل قال الله تعالى لهما أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمرك ونباتك.
[سورة فصلت (٤١): الآيات ١٢ الى ١٤]
فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤)
وقوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ أي أتمهن وفرغ من خلقهن فِي يَوْمَيْنِ وهما الخميس والجمعة وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها قال ابن عباس خلق في كل سماء خلقا من الملائكة وخلق ما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله تعالى وقيل أوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أي التي تلي الأرض بِمَصابِيحَ أي بكواكب تشرق كالمصابيح وَحِفْظاً أي وجعلناها يعني الكواكب حفظا للسماء من الشياطين الذين يسترقون السمع ذلِكَ أي الذي ذكر من صنعه وخلقه تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ أي في ملكه الْعَلِيمِ أي بخلقه وفيه إشارة إلى كمال القدرة والعلم.
قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ أي خوفتكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ أي هلاكا مثل هلاكهم والصاعقة المهلكة من كل شيء إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ يعني إلى عاد وثمود مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ يعني ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وهم الرسل الذين أرسلوا إليهم وهما هود وصالح وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشا كانوا يمرون على بلادهم أَلَّا أي بأن لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً يعني لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة بدل هؤلاء الرسل فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: «قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه ثم أتينا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه فلما خرج إليه قال: يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كان ما بك للرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رئيسا ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمدا أبدا وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب»
وقال محمد بن كعب القرظي: حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا
قوله تعالى :﴿ فإن أعرضوا ﴾ يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان ﴿ فقل أنذرتكم ﴾ أي خوفتكم ﴿ صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ أي هلاكاً مثل هلاكهم والصاعقة المهلكة من كل شيء.
﴿ إذ جاءتهم الرسل ﴾ يعني إلى عاد وثمود ﴿ من بين أيديهم ﴾ يعني الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم ﴿ ومن خلفهم ﴾ يعني ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وهم الرسل الذين أرسلوا إليهم وهما هود وصالح وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشاً كانوا يمرون على بلادهم ﴿ أن لا ﴾ أي بأن لا ﴿ تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴾ يعني لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة بدل هؤلاء الرسل ﴿ فإنا بما أرسلتم به كافرون ﴾ روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال :«قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه ثم أتينا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علماً وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه فلما خرج إليه قال : يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كان ما بك للرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رئيساً ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمداً أبداً وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى ﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب » وقال محمد بن كعب القرظي : حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيداً حليماً قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون قالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه وكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعيبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاستمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها فقال صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا مالاً وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا وإن كان هذا الذي بك رئياً تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب أو لعل هذا شعر جاش به صدرك فنعذرك فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد حتى إذا فرغ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم، قال : فاستمع مني، قال : فافعل، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته ﴾ [ فصلت : ١-٣ ] ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت وألقى يده خلف ظهره معتمداً عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد ثم قال أسمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وارءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت بمثله قط ما هو بشعر ولا بسحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني يا معشر قريش خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله محمد يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم ".
لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أن أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم يزيدون ويكثرون قالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه وكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعيبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاستمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها فقال صلّى الله عليه وسلّم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا وإن كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب أو لعل هذا شعر جاش به صدرك فنعذرك فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد حتى إذا فرغ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: فافعل، فقال: بسم الله الرّحمن الرّحيم حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت وألقى يده خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السجدة فسجد ثم قال أسمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط ما هو بشعر ولا بسحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني يا معشر قريش خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله محمد يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم».
[سورة فصلت (٤١): الآيات ١٥ الى ١٦]
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦)
قوله عز وجل: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً وذلك أن هودا هددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا وكانوا ذوي أجسام طوال قال الله تعالى ردا عليهم أَوَلَمْ يَرَوْا أي أو لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أي عاصف شديد الصوت وقيل هي الريح الباردة فقيل إن الريح ثمانية، فأربع منها عذاب وهي الريح الصرصر والعاصف والقاصف والعقيم وأربع منها رحمة وهي الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات قيل أرسل عليهم من الريح على قدر خرق الخاتم فأهلكوا جميعا فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ أي نكدات مشؤومات ذات نحس وقيل ذات غبار وتراب ثائر لا يكاد يبصر فيه وقيل أمسك الله عز وجل عنهم المطر ثلاث سنين ودأبت عليهم الريح من غير مطر لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ أي عذاب الذل والهوان وذلك مقابل لقوله فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي ذلك الذي نزل بهم من الخزي والهوان في الحياة الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى أي أشد إهانة وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ أي لا يمنعون من العذاب.
[سورة فصلت (٤١): آية ١٧]
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ قال ابن عباس بينا لهم سبيل الهدى وقيل دللناهم على الخير والشر فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أي اختاروا الكفر على الإيمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ أي ذي الهوان بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي من الشرك.
﴿ فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً ﴾ أي عاصفاً شديد الصوت وقيل هي الريح الباردة فقيل إن الريح ثمانية، فأربع منها عذاب وهي الريح الصرصر والعاصف والقاصف والعقيم وأربع منها رحمة وهي الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات قيل أرسل عليهم من الريح على قدر خرق الخاتم فأهلكوا جميعاً ﴿ في أيام نحسات ﴾ أي نكدات مشؤومات ذات نحس وقيل ذات غبار وتراب ثائر لا يكاد يبصر فيه وقيل أمسك الله عز وجل عنهم المطر ثلاث سنين ودأبت عليهم الريح من غير مطر ﴿ لنذيقهم عذاب الخزي ﴾ أي عذاب الذل والهوان وذلك مقابل لقوله ﴿ فاستكبروا في الأرض بغير الحق ﴾ ﴿ في الحياة الدنيا ﴾ أي ذلك الذي نزل بهم من الخزي والهوان في الحياة الدنيا ﴿ ولعذاب الآخرة أخزى ﴾ أي أشد إهانة ﴿ وهم لا ينصرون ﴾ أي لا يمنعون من العذاب.
﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ قال ابن عباس بينا لهم سبيل الهدى وقيل دللناهم على الخير والشر ﴿ فاستحبوا العمى على الهدى ﴾ أي اختاروا الكفر على الإيمان ﴿ فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ﴾ أي ذي الهوان ﴿ بما كانوا يكسبون ﴾ أي من الشرك.

[سورة فصلت (٤١): الآيات ١٨ الى ٢٤]

وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ أي يتقون الشرك والأعمال الخبيثة وهم صالح ومن آمن معه من قومه.
قوله تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يساقون ويدفعون وقيل يحبس أولهم حتى يلحق آخرهم حَتَّى إِذا ما جاؤُها يعني النار شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ أي بشراتهم وقيل فروجهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ معناه أن الجوارح تنطق بما كتمت الألسن من عملهم (م) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال «كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه عز وجل يقول يا رب ألم تجرني من الظلم، قال فيقول بلى فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين عليك شهودا قال فيختم على فيه ويقال لأعضائه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل» وَقالُوا يعني الكفار الذين يجرون إلى النار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ معناه أن القادر الذي خلقكم أول مرة في الدنيا وأنطقكم ثم أعادكم بعد الموت قادر على إنطاق الأعضاء والجوارح وهو قوله تعالى: وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وقيل تم الكلام عند قوله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ثم ابتدأ بقوله وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وقيل إنه ليس من جواب الجلود وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أي تستخفون وقيل معناه تظنون أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ والمعنى أنكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم ولا تظنون أنها تشهد عليكم وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر (ق). عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال «اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله تعالى يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا فأنزل الله تعالى: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ
قيل الثقفي هو عبد ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله تعالى: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون أَرْداكُمْ أي أهلككم قال ابن عباس طرحكم في النار فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ثم أخبر عن حالهم بقوله تعالى فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أي مسكن وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا أي يسترضوا ويطلبوا العتبى والمعتب هو الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي المرضيين.
قوله تعالى :﴿ ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ﴾ أي يساقون ويدفعون وقيل يحبس أولهم حتى يلحق آخرهم.
﴿ حتى إذا ما جاؤوها ﴾ يعني النار ﴿ شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ﴾ أي بشراتهم وقيل فروجهم ﴿ بما كانوا يعملون ﴾ معناه أن الجوارح تنطق بما كتمت الألسن من عملهم ( م ) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال : هل تدرون مم أضحك قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه عز وجل يقول يا رب ألم تجرني من الظلم، قال فيقول بلى فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهداً مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً وبالكرام الكاتبين عليك شهوداً قال فيختم على فيه ويقال لأعضائه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل ».
﴿ وقالوا ﴾ يعني الكفار الذين يجرون إلى النار ﴿ لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ﴾ معناه أن القادر الذي خلقكم أول مرة في الدنيا وأنطقكم ثم أعادكم بعد الموت قادر على إنطاق الأعضاء والجوارح وهو قوله تعالى :﴿ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾ وقيل تم الكلام عند قوله ﴿ الذي أنطق كل شيء ﴾ ثم ابتدأ بقوله ﴿ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾ وقيل إنه ليس من جواب الجلود.
﴿ وما كنتم تستترون ﴾ أي تستخفون وقيل معناه تظنون ﴿ أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ﴾ والمعنى أنكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم ولا تظنون أنها تشهد عليكم ﴿ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر ( ق ). عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال «اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله تعالى يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا فأنزل الله تعالى :﴿ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ﴾ قيل الثقفي هو عبد ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله تعالى :﴿ وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم ﴾ أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ﴿ أرداكم ﴾ أي أهلككم قال ابن عباس طرحكم في النار ﴿ فأصبحتم من الخاسرين ﴾.
ثم أخبر عن حالهم بقوله تعالى ﴿ فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ﴾ أي مسكن ﴿ وإن يستعتبوا ﴾ أي يسترضوا ويطلبوا العتبى والمعتب هو الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل ﴿ فما هم من المعتبين ﴾ أي المرضيين.

[سورة فصلت (٤١): الآيات ٢٥ الى ٢٩]

وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)
وَقَيَّضْنا لَهُمْ أي بعثنا ووكلنا وقيل هيأنا لهم وسببنا لهم قُرَناءَ أي نظراء من الشياطين حتى أضلوهم فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أي من أمر الدنيا حتى آثروهم على الآخرة وَما خَلْفَهُمْ أي فدعوهم إلى التكذيب بالآخرة وإنكار البعث وقيل حسنوا لهم أعمالهم القبيحة الماضية والمستقبلة وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي وجب فِي أُمَمٍ أي مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني مشركي قريش لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس: والغطوا فيه من اللغط وهو كثرة الأصوات كان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر وقيل أكثروا الكلام حتى يتخلط عليه ما يقول وقيل والغوا فيه بالمكاء والصفير وقيل صيحوا في وجهه لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ يعني محمدا على قراءته فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ يعني بأسوأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي في الدنيا وهو الشرك ذلِكَ أي الذي ذكر من العذاب جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ ثم بين ذلك الجزاء فقال النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ أي دار الإقامة لا انتقال لهم عنها جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي في النار رَبَّنا أي يقولون يا ربنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنون إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنّا المعصية نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا أي في النار لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ أي في الدرك الأسفل من النار وقال ابن عباس: ليكونا أشد عذاب منا.
[سورة فصلت (٤١): الآيات ٣٠ الى ٣٣]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال أهل التحقيق كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته لأجل العمل به، ورأس المعرفة اليقينية معرفة الله تعالى وإليه الإشارة بقوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ورأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيما في الوسط غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط فتكون الاستقامة في أمر الدين والتوحيد فتكون في الأعمال الصالحة. سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال:
أن لا تشرك بالله شيئا وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب.
وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: استقاموا أخلصوا في العمل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أدوا الفرائض، وهو قول ابن عباس. وقيل استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه، وقيل:
استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله وكان الحسن إذا تلا هذه الآية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ قال ابن عباس عند الموت وقيل إذا قاموا من قبورهم وقيل البشرى تكون في
قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا ﴾ يعني مشركي قريش ﴿ لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ﴾ قال ابن عباس : والغطوا فيه من اللغط وهو كثرة الأصوات كان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم محمداً يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر وقيل أكثروا الكلام حتى يتخلط عليه ما يقول وقيل والغوا فيه بالمكاء والصغير وقيل صيحوا في وجهه ﴿ لعلكم تغلبون ﴾ يعني محمداً على قراءته.
﴿ فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ ﴾ يعني بأسوأ ﴿ الذين كانوا يعملون ﴾ أي في الدنيا وهو الشرك.
﴿ ذلك ﴾ أي الذي ذكر من العذاب ﴿ جزاء أعداء الله ﴾ ثم بين ذلك الجزاء فقال ﴿ النار لهم فيها دار الخلد ﴾ أي دار الإقامة لا انتقال لهم عنها ﴿ جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ﴾.
﴿ وقال الذين كفروا ﴾ أي في النار ﴿ ربنا ﴾ أي يقولون يا ربنا ﴿ أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس ﴾ يعنون إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنَّا المعصية ﴿ نجعلهما تحت أقدامنا ﴾ أي في النار ﴿ ليكونا من الأسفلين ﴾ أي في الدرك الأسفل من النار وقال ابن عباس : ليكونا أشد عذاب منا.
قوله عز وجل :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴾ قال أهل التحقيق كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته لأجل العمل به، ورأس المعرفة اليقينية معرفة الله تعالى وإليه الإشارة بقوله ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ﴾ ورأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيماً في الوسط غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط فتكون الاستقامة في أمر الدين والتوحيد فتكون في الأعمال الصالحة. سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب.
وقال عثمان رضي الله تعالى عنه : استقاموا أخلصوا في العمل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أدوا الفرائض، وهو قول ابن عباس. وقيل استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه، وقيل : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله وكان الحسن إذا تلا هذه الآية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة ﴿ تتنزل عليهم الملائكة ﴾ قال ابن عباس عند الموت وقيل إذا قاموا من قبورهم وقيل البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث ﴿ أن لا تخافوا ﴾ أي من الموت وقيل لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة ﴿ ولا تحزنوا ﴾ أي على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله وقيل لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فأنا أغفرها لكم ﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾.
﴿ نحن أولياؤكم ﴾ أي تقول الملائكة عند نزولهم بالبشرى نحن أولياؤكم أي أنصاركم وأحباؤكم وقيل تقول لهم الحفظة نحن كنا معكم ﴿ في الحياة الدنيا و ﴾ نحن أولياؤكم ﴿ في الآخرة ﴾ لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة ﴿ ولكم فيها ﴾ أي في الجنة ﴿ ما تشتهي أنفسكم ﴾ أي من الكرامات واللذات ﴿ ولكم فيها ما تدعون ﴾ أي تتمنون.
﴿ نزلاً ﴾ أي رزقاً والنزل رزق النزيل والنزيل هو الضيف ﴿ من غفور رحيم ﴾ قال أهل المعاني كل هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية جارية مجرى النزل والكريم إذا أعطى هذا النزل فما ظنك بما بعده من الألطاف والكرامة.
قوله تعالى :﴿ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ﴾ أي إلى طاعة الله تعالى وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل : هو المؤمن أجاب الله تعالى فيما دعاه إليه ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ﴿ وعمل صالحاً ﴾ في إجابته وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : أرى أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وقيل إن كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق فهو داخل في هذه الآية.
ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث أَلَّا تَخافُوا أي من الموت وقيل لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة وَلا تَحْزَنُوا أي على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله وقيل لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فأنا أغفرها لكم وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ أي تقول الملائكة عند نزولهم بالبشرى نحن أولياؤكم أي أنصاركم وأحباؤكم وقيل تقول لهم الحفظة نحن كنا معكم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَنحن أولياؤكم فِي الْآخِرَةِ
لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وَلَكُمْ فِيها
أي في الجنة ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
أي من الكرامات واللذات وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
أي تتمنون نُزُلًا أي رزقا والنزل رزق النزيل والنزيل هو الضيف مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ قال أهل المعاني كل هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية جارية مجرى النزل والكريم إذا أعطى هذا النزل فما ظنك بما بعده من الألطاف والكرامة.
قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ أي إلى طاعة الله تعالى وقيل هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل: هو المؤمن أجاب الله تعالى فيما دعاه إليه ودعا الناس إلى ما أجاب إليه وَعَمِلَ صالِحاً في إجابته وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أرى أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وقيل إن كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق فهو داخل في هذه الآية.
وللدعوة إلى الله تعالى مراتب:
الأولى: دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الله تعالى بالمعجزات وبالحجج والبراهين وبالسيف وهذه المرتبة لم تتفق لغير الأنبياء.
المرتبة الثانية: دعوة العلماء إلى الله تعالى بالحجج والبراهين فقط والعلماء أقسام علماء بالله وعلماء بصفات الله وعلماء بأحكام الله.
المرتبة الثالثة: دعوة المجاهدين إلى الله تعالى بالسيف فهم يجاهدون الكفار حتى يدخلوا في دين الله وطاعته.
المرتبة الرابعة: دعوة المؤذنين إلى الصلاة فهم أيضا دعاة إلى الله تعالى وإلى طاعته، وعمل صالحا، قيل:
العمل الصالح على قسمين قسم يكون من أعمال القلوب وهو معرفة الله تعالى وقسم يكون بالجوارح وهو سائر الطاعات وقيل: وعمل صالحا صلّى ركعتين بين الأذان والإقامة (ق). عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة وقال في الثالثة لمن شاء» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
«الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد» أخرجه أبو داود والترمذي، وقال هذا حديث حسن. وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ قيل ليس الغرض منه القول فقط بل يضم إليه اعتقاد القلب فيعتقد بقلبه دين الإسلام مع التلفظ به.
[سورة فصلت (٤١): الآيات ٣٤ الى ٣٨]
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨)
قوله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ يعني الصبر والغضب والحلم والجهل والعفو والإساءة
﴿ وما يلقاها ﴾ أي وما يلقى هذه الخصلة والفعلة وهي دفع السيئة بالحسنة ﴿ إلا الذين صبروا ﴾ أي على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام وما يلقاها ﴿ إلا ذو حظ عظيم ﴾ أي من الخير والثواب وقيل الحظ العظيم الجنة يعني ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة.
﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ﴾ النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه أي يبعثه إلى ما لا ينبغي ومعنى الآية وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن ﴿ فاستعذ بالله ﴾ أي من شره ﴿ إنه هو السميع ﴾ أي لاستعاذتك ﴿ العليم ﴾ بأحوالك.
قوله تعالى :﴿ ومن آياته ﴾ أي ومن دلائل قدرته وحكمته الدالة على وحدانيته ﴿ الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ﴾ أي إنهما مخلوقان مسخران فلا ينبغي السجود لهما لأن السجود عبارة عن نهاية التعظيم ﴿ واسجدوا لله الذي خلقهن ﴾ أي المستحق للسجود والتعظيم هو الله خالق الليل والنهار والشمس والقمر ﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ يعني أن ناساً كانوا يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أن سجودهم لهذه الكواكب هو سجود لله عز وجل فنهوا عن السجود لهذه الوسايط وأمروا بالسجود لله الذي خلق هذه الأشياء كلها.
﴿ فإن استكبروا ﴾ أي عن السجود لله ﴿ فالذين عند ربك ﴾ يعني الملائكة ﴿ يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ﴾ أي لا يفترون ولا يملون.
( فصل )
وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة وفي موضع السجود فيها قولان للعلماء وهما وجهان لأصحاب الشافعي أحدهما أنه عند قوله تعالى :﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ وهو قول ابن مسعود والحسن وحكاه الرافعي عن أبي حنيفة وأحمد لأن ذكر السجدة قبله والثاني وهو الأصح عند أصحاب الشافعي وكذلك نقله الرافعي أنه عند قوله تعالى :﴿ وهم لا يسأمون ﴾ وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة لأن عنده يتم الكلام.
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال ابن عباس أمره بالصبر عند الغضب وبالحلم عند الجهل وبالعفو عند الإساءة فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي صديق قريب، قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب وذلك حيث لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم فصار وليا بالإسلام حميما بالقرابة وَما يُلَقَّاها أي وما يلقى هذه الخصلة والفعلة وهي دفع السيئة بالحسنة إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام وما يلقاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي من الخير والثواب وقيل الحظ العظيم الجنة يعني ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه أي يبعثه إلى ما لا ينبغي ومعنى الآية وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي من شره إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ أي لاستعاذتك الْعَلِيمُ بأحوالك.
قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أي ومن دلائل قدرته وحكمته الدالة على وحدانيته اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ أي إنهما مخلوقان مسخران فلا ينبغي السجود لهما لأن السجود عبارة عن نهاية التعظيم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ أي المستحق للسجود والتعظيم هو الله خالق الليل والنهار والشمس والقمر إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ يعني أن ناسا كانوا يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أن سجودهم لهذه الكواكب هو سجود لله عز وجل فنهوا عن السجود لهذه الوسائط وأمروا بالسجود لله الذي خلق هذه الأشياء كلها فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا أي عن السجود لله فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعني الملائكة يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ أي لا يفترون ولا يملون.
(فصل) وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة وفي موضع السجود فيها قولان للعلماء وهما وجهان لأصحاب الشافعي أحدهما أنه عند قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وهو قول ابن مسعود والحسن وحكاه الرافعي عن أبي حنيفة وأحمد لأن ذكر السجدة قبله والثاني وهو الأصح عند أصحاب الشافعي وكذلك نقله الرافعي أنه عند قوله تعالى: وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة لأن عنده يتم الكلام.
[سورة فصلت (٤١): الآيات ٣٩ الى ٤٣]
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣)
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ أي يميلون عن الحق فِي آياتِنا أي في أدلتنا قيل بالمكاء والتصدية واللغو واللغط وقيل يكذبون بآياتنا ويعاندون ويشاقون لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا تهديد ووعيد قيل نزلت في أبي جهل أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ هو أبو جهل خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ المعنى الذين يلحدون في آياتنا يلقون في النار والذين يؤمنون بآياتنا آمنون يوم القيامة قيل هو حمزة وقيل عثمان وقيل عمار بن ياسر اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ أمر تهديد ووعيد إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي إنه عالم بأعمالكم فيجازيكم عليها
قوله تعالى :﴿ إن الذين يلحدون ﴾ أي يميلون عن الحق ﴿ في آياتنا ﴾ أي في أدلتنا قيل بالمكاء والتصدية واللغو واللغط وقيل يكذبون بآياتنا ويعاندون ويشاقون ﴿ لا يخفون علينا ﴾ تهديد ووعيد قيل نزلت في أبي جهل ﴿ أفمن يلقى في النار ﴾ هو أبو جهل ﴿ خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة ﴾ المعنى الذين يلحدون في آياتنا يلقون في النار والذين يؤمنون بآياتنا آمنون يوم القيامة قيل هو حمزة وقيل عثمان وقيل عمار بن ياسر ﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ أمر تهديد ووعيد ﴿ إنه بما تعملون بصير ﴾ أي إنه عالم بأعمالكم فيجازيكم عليها.
﴿ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ﴾ يعني القرآن وفي جواب إن وجهان أحدهما أنه محذوف تقديره إن الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم، والثاني جوابه أولئك ينادون من مكان بعيد ثم أخذ في وصف الذكر فقال تعالى :﴿ وإنه لكتاب عزيز ﴾ قال ابن عباس : كريم على الله تعالى، وقيل : العزيز العديم النظير وذلك أن الخلق عجزوا عن معارضته وقيل أعزه الله بمعنى منعه فلا يجد الباطل إليه سبيلاً.
قوله تعالى ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ قيل الباطل هو الشيطان فلا يستطيع أن يغيره وقيل إنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيأتيه الباطل من خلفه فعلى هذا يكون معنى الباطل الزيادة والنقصان وقيل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يجيء بعده كتاب فيبطله وقيل معناه أن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتى يصل إليه وقيل : لا يأتيه الباطل عما أخبر فيما تقدم من الزمان ولا فيما تأخر ﴿ تنزيل من حكيم ﴾ أي في جميع أفعاله ﴿ حميد ﴾ أي إلى جميع خلقه بسبب نعمه عليهم ثم عزى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه.
فقال عز وجل :﴿ ما يقال لك ﴾ أي من الأذى والتكذيب ﴿ إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ﴾ يعني أنه قد قيل للأنبياء قبلك ساحر كما يقال لك وكذبوا كما كذبت ﴿ إن ربك لذو مغفرة ﴾ أي لمن تاب وآمن بك ﴿ وذو عقاب أليم ﴾ أي لمن أصر على التكذيب.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ يعني القرآن وفي جواب إن وجهان أحدهما أنه محذوف تقديره إن الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم، والثاني جوابه أولئك ينادون من مكان بعيد ثم أخذ في وصف الذكر فقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ قال ابن عباس: كريم على الله تعالى، وقيل: العزيز العديم النظير وذلك أن الخلق عجزوا عن معارضته وقيل أعزه الله بمعنى منعه فلا يجد الباطل إليه سبيلا وهو قوله تعالى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ قيل الباطل هو الشيطان فلا يستطيع أن يغيره وقيل إنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيأتيه الباطل من خلفه فعلى هذا يكون معنى الباطل الزيادة والنقصان وقيل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يجيء بعده كتاب فيبطله وقيل معناه أن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتى يصل إليه وقيل: لا يأتيه الباطل عما أخبر فيما تقدم من الزمان ولا فيما تأخر تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ أي في جميع أفعاله حَمِيدٍ أي إلى جميع خلقه بسبب نعمه عليهم ثم عزى الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم على تكذيبهم إياه فقال عز وجل: ما يُقالُ لَكَ أي من الأذى والتكذيب إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ يعني أنه قد قيل للأنبياء قبلك ساحر كما يقال لك وكذبوا كما كذبت إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ أي لمن تاب وآمن بك وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ أي لمن أصر على التكذيب.
[سورة فصلت (٤١): الآيات ٤٤ الى ٤٧]
وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧)
قوله عز وجل: وَلَوْ جَعَلْناهُ أي هذا الكتاب الذي تقرأه على الناس قُرْآناً أَعْجَمِيًّا يعني بغير لغة العرب لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ يعني هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمهاءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ يعني أكتاب أعجمي ورسول عربي وهذا استفهام إنكار والمعنى لو نزل الكتاب بلغة العجم لقالوا كيف يكون المنزل عليه عربيا والمنزل أعجميا، وقيل في معنى الآية: أنا لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا كيف أنزلنا الكلام العجمي إلى القوم العرب ولصح قولهم أن يقولوا قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر لأنا لا نفهمه ولا نحيط بمعناه، وأنا لما أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب وهم يفهمونه فكيف يمكنهم أن يقولوا قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر وقيل إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي وكان يهوديا أعجميا يكنى أبا فكيهة فقال المشركون إنما يعلمه يسار فضربه سيده وقال إنك تعلم محمدا فقال هو والله يعلمني فأنزل الله تعالى هذه الآية قُلْ يا محمد هُوَ يعني القرآن لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً يعني من الضلالة وَشِفاءٌ يعني لما في القلوب من مرض الشرك والشك وقيل شفاء من الأوجاع والأسقام وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى يعني صموا عن استماع القرآن وعموا عنه فلا ينتفعون به أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يعني كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم كذلك هؤلاء في قلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ يعني فمصدق به ومكذب كما اختلف قومك في كتابك وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني لفرغ من عذابهم وعجل
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ﴾ يعني فمصدق به ومكذب كما اختلف قومك في كتابك ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ يعني في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن ﴿ لقضي بينهم ﴾ يعني لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم ﴿ وإنهم لفي شك منه مريب ﴾ يعني من كتابك وصدقك.
﴿ من عمل صالحاً فلنفسه ﴾ يعني يعود نفع إيمانه وعمله لنفسه ﴿ ومن أساء فعليها ﴾ يعني ضرر إساءته أو كفره يعود على نفسه أيضاً ﴿ وما ربك بظلام للعبيد ﴾ يعني فيعذب غير المسيء.
قوله عز وجل :﴿ إليه يرد علم الساعة ﴾ يعني إذا سأل عنها سائل قيل له لا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله تعالى ولا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك ﴿ وما تخرج من ثمرات من أكمامها ﴾ أي من أوعيتها، وقال ابن عباس : هو الكفرى قبل أن ينشق ﴿ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ﴾ أي يعلم قدر أيام الحمل وساعاته ومتى يكون الوضع وذكر الحمل هو أم أنثى ومعنى الآية كما يرد إليه علم الساعة فكذلك يرد إليه علم ما يحدث من كل شيء كالثمار والنتاج وغيره.
فإن قلت قد يقول الرجل الصالح من أصحاب الكشف قولاً فيصيب فيه و كذلك الكهان و المنجمون.
قلت أما أصحاب الكشف إذا قالوا قولاً فهو من إلهام الله تعالى و إطلاعه إياهم عليه فكان من علمه الذي يرد إليه أما الكهان و المنجمون فلا يمكنهم القطع و الجزم في شيء مما يقولونه البتة، و إنما غايته ادعاء ظن ضعيف قد لا يصيب و علم الله تعالى هو العلم اليقين المقطوع به الذي لا يشركه فيه أحد ﴿ و يوم يناديهم ﴾ أي ينادي الله تعالى المشركين فيقول ﴿ أين شركائي ﴾ أي الذين تدعون أنها آلهة ﴿ قالوا ﴾ يعني المشركين ﴿ آذناك ﴾ أي أعلمناك ﴿ ما منا من شهيد ﴾ أي يشهد أن لك شريكاً و ذلك لما رأوا العذاب تبرؤوا من الأصنام.
إهلاكهم وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ يعني من كتابك وصدقك مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ يعني يعود نفع إيمانه وعمله لنفسه وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها يعني ضرر إساءته أو كفره يعود على نفسه أيضا وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ يعني فيعذب غير المسيء.
قوله عز وجل: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ يعني إذا سأل عنها سائل قيل له لا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله تعالى ولا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها أي من أوعيتها، وقال ابن عباس:
هو الكفرى قبل أن ينشق وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ أي يعلم قدر أيام الحمل وساعاته ومتى يكون الوضع وذكر الحمل هو أم أنثى ومعنى الآية كما يرد إليه علم الساعة فكذلك يرد إليه علم ما يحدث من كل شيء كالثمار والنتاج وغيره.
فإن قلت قد يقول الرجل الصالح من أصحاب الكشف قولا فيصيب فيه وكذلك الكهان والمنجمون.
قلت أما أصحاب الكشف إذا قالوا قولا فهو من إلهام الله تعالى واطلاعه إياهم عليه فكان من علمه الذي يرد إليه وأما الكهان والمنجمون فلا يمكنهم القطع والجزم في شيء مما يقولونه البتة، وإنما غايته ادعاء ظن ضعيف قد لا يصيب وعلم الله تعالى هو العلم اليقين المقطوع به الذي لا يشركه فيه أحد وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أي ينادي الله تعالى المشركين فيقول أَيْنَ شُرَكائِي أي الذين تدعون أنها آلهة قالُوا يعني المشركين آذَنَّاكَ أي أعلمناك ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ أي يشهد أن لك شريكا وذلك لما رأوا العذاب تبرؤوا من الأصنام.
[سورة فصلت (٤١): الآيات ٤٨ الى ٥٣]
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢)
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ أي يعبدون في الدنيا وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ أي مهرب.
قوله تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ أي لا يمل الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ يعني لا يزال يسأل ربه الخير وهو المال والغنى والصحة وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ أي الشدة والفقر فَيَؤُسٌ أي من روح الله تعالى قَنُوطٌ أي من رحمته وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا أي آتيناه خيرا وعافية وغنى مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ أي من بعد شدة وبلاء أصابه لَيَقُولَنَّ هذا لِي أي أستحقه بعملي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي ولست على يقين من البعث وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي يقول هذا الكافر أي فإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى أي الجنة والمعنى كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا قال ابن عباس لنوقفنهم على مساوي أعمالهم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ أي ذهب بنفسه وتكبر وتعظم وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ أي الشدة والفقر فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ أي كثير قُلْ أي قل يا محمد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي هذا القرآن ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ أي جحدتموه مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أي في خلاف للحق بعيد عنه والمعنى فلا أحد أضل منكم سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قال ابن عباس يعني منازل
قوله تعالى :﴿ لا يسأم الإنسان ﴾ أي لا يمل الكافر ﴿ من دعاء الخير ﴾ يعني لا يزال يسأل ربه الخير وهو المال والغنى والصحة ﴿ وإن مسه الشر ﴾ أي الشدة والفقر ﴿ فيؤوس ﴾ أي من روح الله تعالى ﴿ قنوط ﴾ أي من رحمته.
﴿ ولئن أذقناه رحمة منا ﴾ أي آتيناه خيراً وعافية وغنى ﴿ من بعد ضراء مسته ﴾ أي من بعد شدة وبلاء أصابه ﴿ ليقولن هذا لي ﴾ أي أستحقه بعملي ﴿ وما أظن الساعة قائمة ﴾ أي ولست على يقين من البعث ﴿ ولئن رجعت إلى ربي ﴾ يقول هذا الكافر أي فإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربي ﴿ إن لي عنده للحسنى ﴾ أي الجنة والمعنى كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة ﴿ فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ﴾ قال ابن عباس لنوقفنهم على مساوي أعمالهم ﴿ ولنذيقنهم من عذاب غليظ ﴾.
﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ﴾ أي ذهب بنفسه وتكبر وتعظم ﴿ وإذا مسه الشر ﴾ أي الشدة والفقر ﴿ فذو دعاء عريض ﴾ أي كثير.
﴿ قل ﴾ أي قل يا محمد لكفار مكة ﴿ أرأيتم إن كان من عند الله ﴾ أي هذا القرآن ﴿ ثم كفرتم به ﴾ أي جحدتموه ﴿ من أضل ممن هو في شقاق بعيد ﴾ أي في خلاف للحق بعيد عنه والمعنى فلا أحد أضل منكم.
﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق ﴾ قال ابن عباس يعني منازل الأمم الخالية ﴿ وفي أنفسهم ﴾ أي البلاء والأمراض وقيل ما نزل بهم يوم بدر وقيل في الآفاق هو ما يفتح من القرى والبلاد على محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين وفي أنفسهم هو فتح مكة ﴿ حتى يتبين لهم أنه الحق ﴾ يعني دين الإسلام، وقيل يتبين القرآن أنه من عند الله وقيل يتبين لهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم مؤيد من قبل الله تعالى وقيل في الآفاق يعني أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والأنهار والنبات وفي أنفسهم يعني من لطيف الحكمة وبديع الصنعة حتى يتبين لهم أنه الحق يعني لا يقدر على هذه الأشياء إلا الله تعالى :﴿ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾ يعني يشهد أن القرآن من عند الله تعالى، وقيل أولم يكفهم الدلائل الكثيرة التي أوضحها الله لهم على التوحيد وأنه شاهد لا يغيب عنه شيء.
الأمم الخالية وَفِي أَنْفُسِهِمْ أي البلاء والأمراض وقيل ما نزل بهم يوم بدر وقيل في الآفاق هو ما يفتح من القرى والبلاد على محمد صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين وفي أنفسهم هو فتح مكة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ يعني دين الإسلام، وقيل يتبين القرآن أنه من عند الله وقيل يتبين لهم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم مؤيد من قبل الله تعالى وقيل في الآفاق يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والأنهار والنبات وفي أنفسهم يعني من لطيف الحكمة وبديع الصنعة حتى يتبين لهم أنه الحق يعني لا يقدر على هذه الأشياء إلا الله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ يعني يشهد أن القرآن من عند الله تعالى، وقيل أولم يكفهم الدلائل الكثيرة التي أوضحها الله لهم على التوحيد وأنه شاهد لا يغيب عنه شيء.
[سورة فصلت (٤١): آية ٥٤]
أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)
أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أي في شك عظيم من القيامة أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ أي عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها، أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon