تفسير سورة الحشر

تفسير التستري
تفسير سورة سورة الحشر من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الحشر
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢]
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢)
قوله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [٢] قال: أي يخربون قلوبهم ويبطلون أعمالهم باتباعهم البدع وهجرانهم طريقة الاقتداء بالنبيين.
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ [٢] أي بمجانبة المؤمنين ومشاهدتهم ومجالستهم فيحرمون بركاتهم.
فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [٢] فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ [فاطر: ٨] بالخذلان وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ [فاطر: ٨] بالمعونة، وليس لكم من الأمر شيء.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٧]
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)
قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [٧] قال: أصول مذهبنا ثلاث: أكل الحلال، والاقتداء بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في الأخلاق والأفعال، وإخلاص النية في جميع الأعمال «١».
وقال: ألزموا أنفسكم ثلاثة أشياء، فإن خير الدنيا والآخرة فيها: صحبتها بالأمر والنهي بالسنة، وإقامة التوحيد فيها وهو اليقين، وعلماً فيه اتصال الروح، وصاحب هذه الثلاثة أعلم بما في بطن الأرض مما على ظهرها، ونظره في الآخرة أكثر من نظره في الدنيا، وهو في السماوات أشهر بين الملائكة منه في الأرض بين أهله وقرابته. فقيل: ما العلم الذي فيه إيصال الروح؟ قال:
علم قيام الله عليه والرضا.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٩]
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)
قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [٩] قال: يعني مجاعة وفقراً. تقول العرب: فلان مخصوص إذا كان فقيراً، فيؤثرون رضا الله على هواهم، والإيثار شاهد الحب.
وقد حكي عن وهيب بن الورد «٢» أنه قال: يقول الله تعالى: «وعزتي وعظمتي وجلالي، ما من عبد آثر هواي على هواه إلا قللت همومه وجمعت عليه ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه،
(١) تقدم في تفسير الآية (٧١) من سورة التوبة أنه قال: (أصولنا مذهبنا ستة أشياء) وانظر أيضا طبقات الصوفية ١/ ١٧٠.
(٢) وهيب بن الورد بن أبي الورد المخزومي، بالولاء، (... - ١٥٣ هـ) : من العباد الحكماء. من أهل مكة.
ووفاته بها. (الحلية ٨/ ١٤٠).
وجعلت الغنى بين عينيه، واتجرت له من وراء كل تاجر. وعزتي وجلالي، ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كثرت همومه، وفرقت عليه ضيعته، ونزعت الغنى من قلبه، وجعلت الفقر بين عينيه، ثم لا أبالي في أي واد هلك» «١».
قوله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٩] قال: أي ومن يوق حرص نفسه وبخلها على شيء هو غير الله وغير ذكره، فأولئك هم الباقون مع الله حياة طيبة بحياة طيبة.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٤]
لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤)
قوله تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [١٤] قال: أهل الحق مجتمعون، وأهل الباطل متفرقون أبداً، وإن اجتمعوا في أبدانهم وتوافقوا في الظاهر، فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز:
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [١٤].
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١٨ الى ١٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [١٨] قال:
يسأل الله تعالى العبد عن حق نفسه، وحق العلم الذي بينه وبين ربه، وحق العقل، فمن كان له فليؤدِّ حق نفسه وحق العلم الذي بينه وبين ربه بحسن النظر لنفسه في عاقبة أمره.
وحكي عن الحسن أنه قال: إذا مات ابن آدم قالت بنو آدم: ما ترك، وقالت الملائكة: ما قدم؟.
قوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ [١٩] عند الذنوب فَأَنْساهُمْ [١٩] الله الاعتذار وطلب التوبة.
قال: ما من عبد أذنب ذنبا ولم يتب إلا جره ذلك الذنب إلى ذنب آخر وأنساه الذنب الأول، وما من عبد عمل حسنة إلا جرته تلك الحسنة إلى حسنة أخرى، وبصره عقله تقصيره في الحسنة الأولى، لكي يتوب من تقصيره في حسناته الماضية، وإن كانت خالية صحيحة.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢٢]
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢)
قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [٢٢] قال: الغيب السر، والشهادة العلانية.
وقال تعالى أيضاً: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [٢٢] عالم بالدنيا والآخرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) نوادر الأصول ٤/ ٢٥- ٢٦ وصفوة الصفوة ٢/ ٢٢٠ والحلية ٨/ ١٤٧.
Icon