تفسير سورة المسد

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة المسد من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مكية، وآياتها خمس.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ تبّت يدا أبي لهب وتبّ ١ ما أغنى عنه ماله وما كسب ٢ سيصلى نارا ذات لهب ٣ وامرأته حمالة الحطب ٤ في جيدها حبل من مسد ﴾.
روي عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال : " يا صباحاه "، فاجتمعت إليه قريش. فقالوا : له : مالك ؟ قال : " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقون ؟ " قالوا : بلى. قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب : تبّا لك. ألهذا دعوتنا جميعا١، فأنزل الله عز وجل ﴿ تبّت يدا أبي لهب وتبّ ﴾تبت، من التّباب وهو الخسران والهلاك. وتبت يداه تبا أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا٢.
والمراد بيدي أبي لهب نفسه، فإنه يعبر عن النفس باليد، كقوله سبحانه :﴿ بما قدمت يداك ﴾ أي نفسك ﴿ وتبّ ﴾ أي هلك، فهي خبر، أما ﴿ تبت ﴾ الأولى فهي دعاء. أي أهلك الله أبا لهب وقد هلك. وأبو لهب اسمه عبد العزى، والعزى صنم. وذكر عن ابن عباس أنه قال : لما خلق الله عز وجل القلم، قال له : اكتب ما هو كائن. وكان فيما كتب ﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ﴾، وسئل الحسن البصري : هل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه.
وهذه الحقيقة عن كفران أبي لهب، وأنه لن يؤمن ولو مصانعة، برهان ساطع على أن القرآن حق، وأنه كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه، وأنه يأتيه الوحي من السماء. وأن أبا لهب لم يؤمن، ولو في الظاهر بلسانه أو مصانعة وعلى سبيل التكذيب لنبي الله وما أنزل إليه، ولو فعلها أبو لهب لأثار إيمانه المصطنع الريبة في قلوب الناس ؛ لكن الله يعلم أنه لن يؤمن البتة.
١ أسباب النزول للنيسابوري ص ٣٠٨..
٢ مختار الصحاح ص ٧٤..
قوله :﴿ ما أغنى ماله وما كسب ﴾ يعني لم ينفعه ماله، ولم يدفع عنه شيئا من عذاب الله ﴿ وما كسب ﴾ أي ما كسب من الولد. فإن ولد الرجل من كسبه. قال ابن عباس : لما أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بالنار قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي، فنزل قوله :﴿ ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴾ و( ما ) الأولى تحمل النفي والاستفهام. و( ما ) الثانية : يجوز أن تكون موصولية بمعنى الذي، أو مصدرية، أي ما أغنى عنه ماله وكسبه١.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٥٤٤..
قوله :﴿ سيصلى نارا ذات لهب ﴾ أي سيدخل نارا متلهّبة متسعّرة.
قوله :﴿ وامرأته حمّالة الحطب ﴾ امرأته، مرفوع بالعطف على الضمير في قوله :﴿ سيصلى ﴾، وحمالة منصوب على الذم، أي أذم حمالة الحطب١.
وامرأة أبي لهب هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. فقد كانت تحمل الحزمة من الحطب والشوك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل : كانت تمشي بالنميمة بين الناس. وقيل للمشاء بالنمائم، المفسد بين الناس : يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم العداوة، ويورث الشر والبغضاء.
١ نفس المصدر السابق..
قوله :﴿ في جيدها حبل من مسد ﴾ جيدها، يعني عنقها. والمسد معناه الليف١، فقد ذكر أنها كانت تعيّر النبي صلى الله عليه وسلم وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف، فخنقها الله به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار٢.
١ مختار الصحاح ص ٦٢٤..
٢ تفسير القرطبي جـ ٢٠ ص ٢٣٦- ٢٤٣ والكشاف جـ ٤ ص ٢٩٧..
Icon