تفسير سورة سورة البقرة من كتاب صفوة التفاسير
المعروف بـصفوة التفاسير
.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
ﰡ
التفسير: ابتدأت السورة الكريمة بذكر أوصاف المتقين، وابتداء السورة بالحروف العظيمة ﴿الم﴾ وتصديرها بهذه الحروف الهجائية يجذب أنظار المعرضين عن هذا القرآن، إِذ يطرق أسماعهم لأول وهلة ألفاظ غير مألوفة في تخاطبهم، فينتبهوا إِلى ما يُلقى إليهم من آياتٍ بينات، وفي هذه الحروف وأمثالها تنبيهٌ على «إعجاز القرآن» فإِن هذا الكتاب منظومٌ من عين ما ينظمون منه كلامهم، فإِذا عجزوا عن الإِتيان بمثله، فذلك أعظم برهان على إِعجاز القرآن. يقول العلامة ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور بياناً لإِعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وهو قول جمع من المحققين، وقد قرره الزمخشري في تفسيره الكشاف ونصره أتم نصر، وإِليه ذهب الإِمام «ابن تيمية» ثم قال: ولهذا كلُّ سورة افتتحت بالحروف، فلا بدَّ أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيانُ إعجازه وعظمته مثل ﴿الم ذَلِكَ الكتاب﴾ ﴿المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١ - ٢] ﴿الم تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم﴾ [لقمان: ١ - ٢] {حم والكتاب المبين إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ
25
إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان: ١ - ٣] وغير ذلك من الآيات الدالة على إعجاز القرآن. ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ هذا القرآن المنزل عليك يا محمد هو الكتابُ الذي لا يدانيه كتاب ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي لا شك في أنه من عند الله لمن تفكر وتدبر، أو ألقى السمع وهو شهيد ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي هادٍ للمؤمنين المتقين، الذين يتقون سخط الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويدفعون عذابه بطاعته، قال ابن عباس: المتقون هم الذين يتقون الشرك، ويعملون بطاعة الله، وقال الحسن البصري: اتقوا ما حُرِّم عليهم، وأدَّوْا ما افتُرض عليهم.. ثم بيَّن تعالى صفات هؤلاء المتقين فقال ﴿الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب﴾ أي يصدقون بما غاب عنهم ولم تدركه حواسهم من البعث، والجنة، والنار، والصراط، والحساب، وغير ذلك من كل ما أخبر عنه القرآن أو النبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ﴿وَيُقِيمُونَ الصلاوة﴾ أي يؤدونها على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها، وخشوعها وآدابها قال ابن عباس: إقامتُها: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أي ومن الذي أعطيناهم من الأموال ينفقون ويتصدقون في وجوه البر والإِحسان، والآية عامة تشمل الزكاة، والصدقة، وسائر النفقات، وهذا اختيار ابن جرير، وروي عن ابن عباس أن المراد بها زكاة الأموال، قال ابن كثير: كثيراً ما يقرن تعالى بين الصلاة والإِنفاق من الأموال، لأن الصلاة حقُّ الله وهي مشتملة على توحيده وتمجيده والثناء عليه، والإِنْفاقُ هو الإِحسان إلى المخلوقين وهو حق العبد، فكلٌ من النفقات الواجبة، والزكاة المفروضة داخل في الآية الكريمة ﴿والذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي يصدقونه بكل ما جئت به عن الله تعالى ﴿وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ أي وبما جاءت به الرسل من قبلك، لا يفرّقون بين كتب الله ولا بين رسله ﴿وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ أي ويعتقدون اعتقاداً جازماً لا يلابسه شك أو ارتياب بالدار الآخرة التي تتلو الدنيا، بما فيها من بعثٍ وجزاءٍ، وجنةٍ، ونار، وحساب، وميزان، وإِنما سميت الدار الآخرة لأنها بعد الدنيا ﴿أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي أولئك المتصفون بما تقدم من الصفات الجليلة، على نور وبيان وبصيرة من الله ﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي وأولئك هم الفائزون بالدرجات العالية في جنات النعيم.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - المجاز العقلي ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أسند الهداية للقرآن وهو من الإِسناد للسبب، والهادي في الحقيقة هو الله ربُّ العالمين ففيه مجاز عقلي.
٢ - الإِشارة بالبعيد عن القريب ﴿ذَلِكَ الكتاب﴾ للإِيذان بعلو شأنه، وبعد مرتبته في الكمال، فنُزِّل بُعْد المرتبة منزلة البعد الحسي.
٣ - تكرير الإِشارة ﴿أولئك على هُدًى﴾ ﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ للعناية بشأن المتقين، وجيء بالضمير ﴿هُمُ﴾ ليفيد الحصر كأنه قال: هم المفلحون لا غيرهم.
٤ - التيئيس من إيمان الكفار ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ فالجملة سيقت للتنبيه على غلوهم في الكفر والطغيان، وعدم استعدادهم للإِيمان، ففيها تيئيس وإِقناط من إِيمانهم.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - المجاز العقلي ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أسند الهداية للقرآن وهو من الإِسناد للسبب، والهادي في الحقيقة هو الله ربُّ العالمين ففيه مجاز عقلي.
٢ - الإِشارة بالبعيد عن القريب ﴿ذَلِكَ الكتاب﴾ للإِيذان بعلو شأنه، وبعد مرتبته في الكمال، فنُزِّل بُعْد المرتبة منزلة البعد الحسي.
٣ - تكرير الإِشارة ﴿أولئك على هُدًى﴾ ﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ للعناية بشأن المتقين، وجيء بالضمير ﴿هُمُ﴾ ليفيد الحصر كأنه قال: هم المفلحون لا غيرهم.
٤ - التيئيس من إيمان الكفار ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ فالجملة سيقت للتنبيه على غلوهم في الكفر والطغيان، وعدم استعدادهم للإِيمان، ففيها تيئيس وإِقناط من إِيمانهم.
26
٥ - الاستعارة التصريحية اللطيفة ﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ﴾ شبَّه قلوبهم لتأبّيها عن الحق، واسماعهم وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغشَّى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، واستعار لفظ الختم والغشاوة لذلك بطريق الاستعارة التصريحية.
27
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى صفاتِ المؤمنين في الآيات السابقة، أعقبها بذكر صفات الكافرين، ليظهر الفارق الواضح بين الصنفين، على طريقة القرآن الكريم في المقارنة بين الأبرار والفجار، والتمييز بينَ أهل السعادة وأهل الشقاوة «وبضدها تتميز الأشياء».
التفسِير: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ﴾ أي إن الذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي يتساوى عندهم ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ أي سواءٌ أَحذرتهم يا محمد بن عذاب الله وخوفتهم منه أم لم تحذرهم ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا يصدقون بما جئتهم به، فلا تطمع في إيمانهم، ولا تذهب نفسك تذهب نفسك عليهم حسرات، وفي هذا تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن تكذيب قوله له... ثم بيَّن تعالى العلة في سبب عدم الإيمان فقال ﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ﴾ أي طبع على قلوبهم فلا يدخل فيها نور، ولا يشرق فيها إيمان قال المفسرون: الختمُ التغطيةُ والطبعُ، وذلك أن القلوب إذا كثرت عليها الذنوب طمست نور البصيرة فيها، فلا يكون للإِيمان إِليها مسلكٌ، ولا للكفر عنها مخلص كما قال تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] ﴿وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ أي وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غطاء، فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون، لأن أسماعهم وأبصارهم كأنها مغطَّاة بحجب كثيفة، لذلك يرون الحقَّ فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه قال أبو حيان: شبَّه تعالى قلوبهم لتأبيها عن الحقِّ، وأسماعهم لإِضرابها عن سماع داعي الفلاح، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغطَّى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، وذلك لأنها كانت - مع صحتها وقوة إدراكها - ممنوعة عن قبول الخير وسماعه، وتلمح نوره، وهذا بطريق الاستعارة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ أي ولهم في الآخِرة عذاب شديدٌ لا ينقطع، بسبب كفرهم وإجرامهم وتكذيبهم بآيات الله.
التفسِير: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ﴾ أي إن الذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي يتساوى عندهم ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ أي سواءٌ أَحذرتهم يا محمد بن عذاب الله وخوفتهم منه أم لم تحذرهم ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا يصدقون بما جئتهم به، فلا تطمع في إيمانهم، ولا تذهب نفسك تذهب نفسك عليهم حسرات، وفي هذا تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن تكذيب قوله له... ثم بيَّن تعالى العلة في سبب عدم الإيمان فقال ﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ﴾ أي طبع على قلوبهم فلا يدخل فيها نور، ولا يشرق فيها إيمان قال المفسرون: الختمُ التغطيةُ والطبعُ، وذلك أن القلوب إذا كثرت عليها الذنوب طمست نور البصيرة فيها، فلا يكون للإِيمان إِليها مسلكٌ، ولا للكفر عنها مخلص كما قال تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] ﴿وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ أي وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غطاء، فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون، لأن أسماعهم وأبصارهم كأنها مغطَّاة بحجب كثيفة، لذلك يرون الحقَّ فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه قال أبو حيان: شبَّه تعالى قلوبهم لتأبيها عن الحقِّ، وأسماعهم لإِضرابها عن سماع داعي الفلاح، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغطَّى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، وذلك لأنها كانت - مع صحتها وقوة إدراكها - ممنوعة عن قبول الخير وسماعه، وتلمح نوره، وهذا بطريق الاستعارة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ أي ولهم في الآخِرة عذاب شديدٌ لا ينقطع، بسبب كفرهم وإجرامهم وتكذيبهم بآيات الله.
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰇ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰈ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﰉ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰊ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰋ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﰌ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰍ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰎ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰏ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰐ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ
ﰑ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﰒ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ
ﰓ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى في أول السورة صفات المؤمنين، وأعقبها بذكر صفات الكافرين، ذكر هنا «المنافقين» وهم الصنف الثالث، الذين يُظهرون الإيمان ويُبطنون الكفر، وأطنب بذكرهم في ثلاث عشرة آية لينبه إِلى عظيم خطرهم، وكبير ضررهم، ثم عقَّب ذلك بضرب مثلين زيادة في الكشف والبيان، وتوضيحاً لما تنطوي عليه نفوسهم من ظلمة الضلال والنفاق، وما يئول إليه حالهم من الهلاك والدمار.
اللغَة: ﴿يُخَادِعُونَ﴾ الخِداع: المكر والاحتيال وإِظهار خلاف الباطن، وأصله الإِخفاء ومنه سُمي الدهرُ خادعاً لما يخفي من غوائله، وسُمي المِخْدع مِخْدعاً لتستر أصحاب المنزل فيه ﴿مَّرَضٌ﴾ المرض: السُّقْم وهو ضد الصحة وقد يكون حسياً كمرض الجسم، أو معنوياً كمرض النفاق ومرض الحسد والرياء، قال ابن فارس: المرضُ كلُّ ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علةٍ، أو نفاق: أو تقصير في أمر ﴿تُفْسِدُواْ﴾ الفساد: العدول عن الاستقامة وهو ضد الصلاح ﴿السفهآء﴾ جمع سفيه وهو الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة، بمواضع المنافع والمضار، وأصل السَّفه، الخِفَّة، والسفيه: الخيف العقل قال علماء اللغة: السَّفه خفةٌ وسخافة رأى يقتضيان نقصان العقل، والحِلْمُ يقابله ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ الطغيان: مجاوزة الحد في كل شيء ومنه ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء﴾ [الحاقة: ١١] أي ارتفع وعلا وجاوز حده، والطاغية: الجبار العنيد ﴿يَعْمَهُونَ﴾ العَمَة: التحير والتردُّد في الشيء يقال: عَمِه يَعْمَه فهو عَمِه قال رؤبة: «أعمى الهدى بالحائرين العُمَّه» قال الفخر الرازي: العَمَهُ مثل العمى، إِلا أَن العَمَى عام في البصر والرأي، والعَمَه في الرأي خاصة، وهو التردد والتحير لا يدري أين يتوجه ﴿اشتروا﴾ حقيقة الاشتراء: الاستبدال، وأصله بذل الثمن لتحصيل الشيء المطلوب، والعرب تقول لمن استبدل شيئاً بشيء اشتراه قال الشاعر:
اللغَة: ﴿يُخَادِعُونَ﴾ الخِداع: المكر والاحتيال وإِظهار خلاف الباطن، وأصله الإِخفاء ومنه سُمي الدهرُ خادعاً لما يخفي من غوائله، وسُمي المِخْدع مِخْدعاً لتستر أصحاب المنزل فيه ﴿مَّرَضٌ﴾ المرض: السُّقْم وهو ضد الصحة وقد يكون حسياً كمرض الجسم، أو معنوياً كمرض النفاق ومرض الحسد والرياء، قال ابن فارس: المرضُ كلُّ ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علةٍ، أو نفاق: أو تقصير في أمر ﴿تُفْسِدُواْ﴾ الفساد: العدول عن الاستقامة وهو ضد الصلاح ﴿السفهآء﴾ جمع سفيه وهو الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة، بمواضع المنافع والمضار، وأصل السَّفه، الخِفَّة، والسفيه: الخيف العقل قال علماء اللغة: السَّفه خفةٌ وسخافة رأى يقتضيان نقصان العقل، والحِلْمُ يقابله ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ الطغيان: مجاوزة الحد في كل شيء ومنه ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء﴾ [الحاقة: ١١] أي ارتفع وعلا وجاوز حده، والطاغية: الجبار العنيد ﴿يَعْمَهُونَ﴾ العَمَة: التحير والتردُّد في الشيء يقال: عَمِه يَعْمَه فهو عَمِه قال رؤبة: «أعمى الهدى بالحائرين العُمَّه» قال الفخر الرازي: العَمَهُ مثل العمى، إِلا أَن العَمَى عام في البصر والرأي، والعَمَه في الرأي خاصة، وهو التردد والتحير لا يدري أين يتوجه ﴿اشتروا﴾ حقيقة الاشتراء: الاستبدال، وأصله بذل الثمن لتحصيل الشيء المطلوب، والعرب تقول لمن استبدل شيئاً بشيء اشتراه قال الشاعر:
| فإِن تزعميني كنتُ أجهلُ فيكم | فإِني اشتريتُ الحلمَ بعدِك بالجهل |
| إِذا سقط السماء بأرضِ قومٍ | رعيناه وإِن كانوا غِضابا |
سَبَبُ النّزول: قال ابن عباس: نزلت هذه الآيات في منافقي أهل الكتاب منهم «عبد الله بن أُبي ابن سلول، ومعتب بن قشير، والجد بن قيس» كانوا إِذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ويقولون: إنّا لنجد في كتابنا نعته وصفته.
التفسير: ﴿وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله﴾ أي ومن الناس فريق يقولون بألسنتهم صدَّقنا بالله وبما أنزل على رسوله من الآيات البينات ﴿وباليوم الآخر﴾ أي وصدَّقنا بالبعث والنشور ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي وما هم على الحقيقة بمصدقين ولا مؤمنين، لأنهم يقولون ذلك قولاً دون اعتقاد، وكلاماً دون تصديق قال البيضاوي: هذا هو القسم الثالث المذبذب بين القسمين، وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله، لأنّهم موَّهوا الكفر وخلطوا به خداعاً واستهزاء، ولذلك أطال في بيان خبثهم وجهلهم، واستهزأ بهم وتهكَّم بأفعالهم، وسجَّل عليهم الضلال والطغيان، وضرب لهم الأمثال ﴿يُخَادِعُونَ الله والذين آمَنُوا﴾ أي يعملون عمل المخادِع بإِظهار ما أظهروه من الإِيمان مع إِصرارهم على الكفر، يعتقدون - بجهلهم - أنهم يدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين، وما عملوا أن الله لا يُخدع لأنه لا تخفى عليه خافية قال ابن كثير: النفاق هو إظهار الخير، وإِسرارُ الشر وهو أنواع: اعتقادي وهو الذي يخلّد صاحبه في النار، وعملي وهو من أكبر الذنوب والأوزار، لأن المنافق يخالف قولُه فعلَه، وسرُّه علانيته، وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن بها نفاق بل كان خلافه ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم﴾ أي وما يخدعون في الحقيقة إِلا أنفسهم لأن وبال فعلهم راجع عليهم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي ولا يُحسّون بذلك ولا يفطنون إِليه، لتمادي غفلتهم، وتكامل حماقتهم ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً﴾ أي في قلوبهم شك ونفاق فزادهم الله رجساً فوق رجسهم، وضلالاً فوق ضلالهم، والجملةُ دعائية قال ابن أسلم: هذا مرضٌ في الدين، وليس مرضاً في الجسد، وهو الشك الذي دخلهم في الإِسلام فزادهم الله رجساً وشكاً ﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ أي ولهم عذابٌ مؤلمٌ بسبب كذبهم في دعوى الإيمان، واستهزائهم بآيات الرحمن.. ثم شرع تعالى في بيان قبائحهم، وأحوالهم الشنيعة فقال {وَإِذَا قِيلَ
29
لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض} أي وإِذا قال لهم بعض المؤمنين: لا تسعوا في الأرض بالإِفساد بإِثارة الفتن، والكفر والصَدِّ عن سبيل الله قال ابن مسعود: الفسادُ في الأرض هو الكفرُ، والعملُ بالمعصية، فمن عصى الله فقد أفسد في الأرض ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ أي ليس شأننا الإِفسادُ أبداً، وإنما نحن أناسٌ مصلحون، نسعى للخير والصلاح فلا يصح مخاطبتنا بذلك قال البيضاوي: تصوُّروا الفساد بصورة الصلاح، لما في قلوبهم من المرض فكانوا كمن قال الله فيهم ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾ [فاطر: ٨] ولذلك ردَّ الله عليهم أبلغ ردٍّ بتصدير الجملة بحرفيْ التأكيد ﴿أَلا﴾ المنبهة و ﴿إنَّ﴾ المقررة، وتعريف الخبر، وتوسيط الفصل، والاستدراك بعدم الشعور فقال ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ أي أَلاَ فانتبهوا أيها الناس، إِنهم هم المفسدون حقاً لا غيرهم، ولكنْ لا يفطنون ولا يحُسون، لانطماسِ نور الإِيمان في قلوبهم ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ الناس﴾ أي وإِذا قيل للمنافقين: آمنوا إِيماناً صادقاً لا يشوبه نفاقٌ ولا رياء، كما آمن أصحاب النبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وأخلصوا في إيمانكم وطاعتكم لله ﴿قالوا أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السفهآء﴾ الهمزة للإِنكار مع السخرية والاستهزاء أي قالوا أنؤمن كإِيمان هؤلاء الجهلة أمثال «صهيب، وعمار، وبلال» ناقصي العقل والتفكير؟! قال البيضاوي: وإِنما سفَّهوهم لاعتقادهم فسادَ رأيهم، أو لتحقير شأنهم، فإِن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موالي كصهيب وبلال ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ أي ألا إِنهم هم السفهاء حقاً، لأن من ركب متن الباطل كان سفيهاً بلا امتراء، ولكن لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أبلغ في العمى، والبعد عن الهدى.
أكَّد وَنبَّه وحصر السفاهة فيهم، ثم قال تعالى منبهاً إلى مصانعتهم ونفاقهم ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا﴾ أي وإِذا رأوا المؤمنين وصادفوهم أظهروا لهم الإِيمان والموالاة نفاقاً ومصانعة ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ﴾ أي وإِذا انفردوا ورجعوا إِلى رؤسائهم وكبرائهم، أهلِ الضلالِ والنفاق ﴿قالوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ أي قالوا لهم نحن على دينكم وعلى مثل ما أنتم عليه من الاعتقاد، وإِنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإِظهار الإِيمان، قال تعالى رداً عليهم ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ أي الله يجازيهم على استهزائهم بالإِمهال ثم بالنكال قال ابن عباس: يسخر بهم للنقمة منهم ويُملي لهم كقوله ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٣] قال ابن كثير: هذا إِخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه، فاللفظ متفق والمعنى مختلف، وإِليه وجهوا كل ما في القرآن من نظائر مثل ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] ومثل ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤] فالأول ظلم والثاني عدل ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي ويزيدهم - بطريق الإِمهال والترك - في ضلالهم وكفرهم يتخبطون ويتردّدون حيارى، لا يجدون إِلى ويزيدهم - منه سبيلاً لأن الله طبع على قلوبهم وأعمى أبصارهم، فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ أي استبدلوا الكفر بالإيمان، وأخذوا الضلالة ودفعوا ثمنها
أكَّد وَنبَّه وحصر السفاهة فيهم، ثم قال تعالى منبهاً إلى مصانعتهم ونفاقهم ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا﴾ أي وإِذا رأوا المؤمنين وصادفوهم أظهروا لهم الإِيمان والموالاة نفاقاً ومصانعة ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ﴾ أي وإِذا انفردوا ورجعوا إِلى رؤسائهم وكبرائهم، أهلِ الضلالِ والنفاق ﴿قالوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ أي قالوا لهم نحن على دينكم وعلى مثل ما أنتم عليه من الاعتقاد، وإِنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإِظهار الإِيمان، قال تعالى رداً عليهم ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ أي الله يجازيهم على استهزائهم بالإِمهال ثم بالنكال قال ابن عباس: يسخر بهم للنقمة منهم ويُملي لهم كقوله ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٣] قال ابن كثير: هذا إِخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه، فاللفظ متفق والمعنى مختلف، وإِليه وجهوا كل ما في القرآن من نظائر مثل ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] ومثل ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤] فالأول ظلم والثاني عدل ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي ويزيدهم - بطريق الإِمهال والترك - في ضلالهم وكفرهم يتخبطون ويتردّدون حيارى، لا يجدون إِلى ويزيدهم - منه سبيلاً لأن الله طبع على قلوبهم وأعمى أبصارهم، فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ أي استبدلوا الكفر بالإيمان، وأخذوا الضلالة ودفعوا ثمنها
30
الهدى ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ أي ما ربحت صفقتُهم في هذه المعارضةِ والبيع ﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ أي وما كانوا راشدين في صنيعهم ذلك، لأنهم خسروا سعادة الدارين، ثم ضرب تعالى مثلين وضَّح فيهما خسارتهم الفادحة فقال ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً﴾ أي مثالهم في نفاقهم وحالهم العجيبة فيه كحال شخص أوقد ناراً ليستدفئ بها ويستضيء، فما اتقدت حتى انطفأت، وتركته ظلام دامس وخوفٍ شديد ﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ أي فلما أنارتْ المكان الذي حوله فأبصر وأمِن، واستأنس بتلك النار المشعة المضيئة ذهب الله بنورهم أي أطفأهم الله بالكلية، فتلاشت النار وعُدم النور ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ أي وأبقارهم في ظلماتٍ كثيفة وخوف شديد، يتخبطون فلا يهتدون قال ابن كثير: ضرب الله للمنافقين هذا المثل، فشبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إِلى العمى، بمن استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها، وتأنس بها وأبصر ما عن يمينه وشماله.
. فبينا هو كذلك إِذْ طفئت ناره، وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى، واستحبابهم الغيَّ على الرشد، وفي هذا المثل دلالةً على أنهم آمنوا ثم كفروا، ولذلك ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات الشك والكفر والنفاق لا يهتدون إِلى سبيل خير، ولا يعرفون طريق النجاة ﴿صُمٌّ﴾ أي هم كالصم لا يسمعون خيراً ﴿بُكْمٌ﴾ أي كالخرص لا يتكلمون بما ينفعهم ﴿عُمْيٌ﴾ أي كالعمي لا يبصرون الهدى ولا يتبعون سبيله ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يرجعون عما هم فيه من الغي والضلال، ثم ثنَّى تعالى بتمثيل آخر لهم زيادة في الكشف والإِيضاح فقال ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء﴾ أي أو مثلهم في حيرتهم وترددهم كمثل قومٍ أصابهم مطر شديد، أظلمت له الأرض، وأرعدت له السماء، مصحوبٍ بالبرق والرعد والصواعق ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ أي في ذلك السحاب ظلماتٌ داجية، ورعدٌ قاصف، وبرقٌ خاطف ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق﴾ أي يضعون رءوس أصابعهم في آذانهم لدفع خطر الصواعق، وذلك من فرط الدهشة والفزع كأنهم يظنون أن ذلك ينجيهم ﴿حَذَرَ الموت﴾ أي خشية الموت من تلك الصواعق المدمرة ﴿والله مُحِيطٌ بالكافرين﴾ جملة اعتراضية أي والله تعالى محيط بهم بقدرته، وهم تحت إرادته ومشيئته لا يفوتونه، كما لا يفوتُ من أحاط به الأعداء من كل جانب ﴿يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ أي يقارب البرقُ لشدته وقوته وكثرة لمعانه أن يذهب بأبصارهم فيأخذها بسرعة ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ أي كلما أنار لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ أي وإذا اختفى البرق وفتر لمعانه وقفوا عن السير وثبتوا في مكانهم.. وفي هذا تصوير لما هم فيه من غاية التحير والجهل، فإِذا صادفوا من البرق لمعة - مع خوفهم أن يخطف أبصارهم - انتهزوها فرصة فَخَطَوْا خطواتٍ يسيرة وإِذا خفي وفتر لمعانة وقفوا عن السير، وثبتوا في أماكنهم خشية التردي في حفرة ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ أي لو أراد الله لزاد في قصف الرعد فأصمهم وذهب بأسماعهم، وفي ضوء البرق فأعمارهم وذهب بأبصارهم ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي إِنه تعالى قادر على كل شيء، لا يعجزه أحدٌ في الأرض ولا في السماء قال ابن جرير: إنما
. فبينا هو كذلك إِذْ طفئت ناره، وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى، واستحبابهم الغيَّ على الرشد، وفي هذا المثل دلالةً على أنهم آمنوا ثم كفروا، ولذلك ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات الشك والكفر والنفاق لا يهتدون إِلى سبيل خير، ولا يعرفون طريق النجاة ﴿صُمٌّ﴾ أي هم كالصم لا يسمعون خيراً ﴿بُكْمٌ﴾ أي كالخرص لا يتكلمون بما ينفعهم ﴿عُمْيٌ﴾ أي كالعمي لا يبصرون الهدى ولا يتبعون سبيله ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يرجعون عما هم فيه من الغي والضلال، ثم ثنَّى تعالى بتمثيل آخر لهم زيادة في الكشف والإِيضاح فقال ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء﴾ أي أو مثلهم في حيرتهم وترددهم كمثل قومٍ أصابهم مطر شديد، أظلمت له الأرض، وأرعدت له السماء، مصحوبٍ بالبرق والرعد والصواعق ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ أي في ذلك السحاب ظلماتٌ داجية، ورعدٌ قاصف، وبرقٌ خاطف ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق﴾ أي يضعون رءوس أصابعهم في آذانهم لدفع خطر الصواعق، وذلك من فرط الدهشة والفزع كأنهم يظنون أن ذلك ينجيهم ﴿حَذَرَ الموت﴾ أي خشية الموت من تلك الصواعق المدمرة ﴿والله مُحِيطٌ بالكافرين﴾ جملة اعتراضية أي والله تعالى محيط بهم بقدرته، وهم تحت إرادته ومشيئته لا يفوتونه، كما لا يفوتُ من أحاط به الأعداء من كل جانب ﴿يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ أي يقارب البرقُ لشدته وقوته وكثرة لمعانه أن يذهب بأبصارهم فيأخذها بسرعة ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ أي كلما أنار لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ أي وإذا اختفى البرق وفتر لمعانه وقفوا عن السير وثبتوا في مكانهم.. وفي هذا تصوير لما هم فيه من غاية التحير والجهل، فإِذا صادفوا من البرق لمعة - مع خوفهم أن يخطف أبصارهم - انتهزوها فرصة فَخَطَوْا خطواتٍ يسيرة وإِذا خفي وفتر لمعانة وقفوا عن السير، وثبتوا في أماكنهم خشية التردي في حفرة ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ أي لو أراد الله لزاد في قصف الرعد فأصمهم وذهب بأسماعهم، وفي ضوء البرق فأعمارهم وذهب بأبصارهم ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي إِنه تعالى قادر على كل شيء، لا يعجزه أحدٌ في الأرض ولا في السماء قال ابن جرير: إنما
31
وصف تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع، لأنه حذَّر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إِذهاب أسماعهم وأبصارهم قادر.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
أولاً: المبالغة في التكذيب لهم ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ كان الأصل أن يقول: «وما آمنوا» ليطابق قوله من يقول «آمنا» ولكنه عدل عن الفعل إلى الاسم لإِخراج ذواتهم من عداد المؤمنين وأكده بالباء للمبالغة في نفي الإِيمان عنهم.
ثانياً: الاستعارة التمثيلية ﴿يُخَادِعُونَ الله﴾ شبَّه حالهم مع ربهم في إِظهار الإِيمان وإِخفاء الكفر بحال رعيةٍ تخادع سلطانهم واستعير اسم المشبَّه به للمشبه بطريق الاستعارة.
ثالثاً: صيغة القصر ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ وهذا من نوع «قصر الموصوف على الصفة» أي نحن مصلحون ليس إِلاَّ.
رابعاً: الكناية اللطيفة ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ المرضُ في الأجسام حقيقة وقد كنى به عن النفاق لأن المرض فسادٌ للبدن، والنفاق فساد للقلب.
خامساً: تنويع التأكيد ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون﴾ جاءت الجملة مؤكدة بأربع تأكيدات ﴿ألا﴾ التي تفيد التنبيه، و ﴿إِنَّ﴾ التي هي للتأكيد، وضمير الفصل ﴿هُمُ﴾ ثم تعريف الخبر ﴿المفسدون﴾ ومثلها في التأكيد ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء﴾ وهذا ردٌّ من الله تعالى عليهم بأبلغ ردٌّ وأحكمه.
سادساً: المشاكلة ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ سمَّى الجزاء على الاستهزاء استهزاءً بطريق المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى.
سابعاً: الاستعارة التصريحية ﴿اشتروا الضلالة بالهدى﴾ المراد استبدلوا الغيَّ بالرشاد، والكفر بالإِيمان فخسرت صفقتهم ولم تربح تجارتهم فاستعار لفظ الشراء للاستبدال ثم زاده توضيحاً بقوله ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ وهذا هو الترشيح الذي يبلغ بالاستعارة الذروة العليا.
ثامنا: التشبيه التمثيلي ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً﴾ وكذلك ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾ شبه في المثال الأول المنافق بالمستوقد للنار، وإِظهاره الإِيمان بالإِضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وفي المثال الثاني شبَّه الإِسلام بالمطر لأن القلوب تحيا به كحياة الأرض بالماء، وشبَّه شبهات الكفار بالظلمات، وما في القرآن من الوعد والوعيد والبرق.. الخ.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
أولاً: المبالغة في التكذيب لهم ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ كان الأصل أن يقول: «وما آمنوا» ليطابق قوله من يقول «آمنا» ولكنه عدل عن الفعل إلى الاسم لإِخراج ذواتهم من عداد المؤمنين وأكده بالباء للمبالغة في نفي الإِيمان عنهم.
ثانياً: الاستعارة التمثيلية ﴿يُخَادِعُونَ الله﴾ شبَّه حالهم مع ربهم في إِظهار الإِيمان وإِخفاء الكفر بحال رعيةٍ تخادع سلطانهم واستعير اسم المشبَّه به للمشبه بطريق الاستعارة.
ثالثاً: صيغة القصر ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ وهذا من نوع «قصر الموصوف على الصفة» أي نحن مصلحون ليس إِلاَّ.
رابعاً: الكناية اللطيفة ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ المرضُ في الأجسام حقيقة وقد كنى به عن النفاق لأن المرض فسادٌ للبدن، والنفاق فساد للقلب.
خامساً: تنويع التأكيد ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون﴾ جاءت الجملة مؤكدة بأربع تأكيدات ﴿ألا﴾ التي تفيد التنبيه، و ﴿إِنَّ﴾ التي هي للتأكيد، وضمير الفصل ﴿هُمُ﴾ ثم تعريف الخبر ﴿المفسدون﴾ ومثلها في التأكيد ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء﴾ وهذا ردٌّ من الله تعالى عليهم بأبلغ ردٌّ وأحكمه.
سادساً: المشاكلة ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ سمَّى الجزاء على الاستهزاء استهزاءً بطريق المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى.
سابعاً: الاستعارة التصريحية ﴿اشتروا الضلالة بالهدى﴾ المراد استبدلوا الغيَّ بالرشاد، والكفر بالإِيمان فخسرت صفقتهم ولم تربح تجارتهم فاستعار لفظ الشراء للاستبدال ثم زاده توضيحاً بقوله ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ وهذا هو الترشيح الذي يبلغ بالاستعارة الذروة العليا.
ثامنا: التشبيه التمثيلي ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً﴾ وكذلك ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾ شبه في المثال الأول المنافق بالمستوقد للنار، وإِظهاره الإِيمان بالإِضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وفي المثال الثاني شبَّه الإِسلام بالمطر لأن القلوب تحيا به كحياة الأرض بالماء، وشبَّه شبهات الكفار بالظلمات، وما في القرآن من الوعد والوعيد والبرق.. الخ.
32
تاسعاً: التشبيه البليغ ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ أي هم كالصم والبكم العمي في عدم الاستفادة من هذه الحواس حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
عاشراً: المجار المرسل ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم﴾ وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء أي رؤوس أصابعهم لأن دخول الأصبع كلها في الأذن لا يمكن.
الحادي عشر: توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات، وهذا له وقع في الأذن حسن، وأثر في النفس رائع مثل ﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ الخ وهو من المحسنات البديعية.
الفوَائِد: الأولى: الغاية من ضرب المثل: تقريب البعيد، وتوضيح الغامض حتى يصبح كالأمر المشاهد المحسوس، وللأمثال تأثير عجيب في النفس
﴿وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون﴾ [العنكبوت: ٤٣].
الثانية: وصف تعالى المنافقين في هذه الآيات بعشرة أوصاف كلها شنيعة وقبيحة تدل على رسوخهم في الضلال وهي (الكذب، الخداع، المكر، السَّفه، الاستهزاء الإِفساد في الأرض، الجهل، الضلال، التذبذب، السخرية بالمؤمنين) أعاذنا الله من صفات المنافقين.
الثالثة: حكمة كفه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عن قتل المنافقين مع أنهم كفار وعلمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأعيان بعضهم ما أخرجه البخاري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال لعمر: «أكره أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه) ».
لطيفَة: قال العلامة ابن القيم: تأمل قوله تعالى ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ ولم يقل: «ذهب الله بنارهم» مع أنه مقتضى السياق ليطابق أول الآية ﴿استوقد نَاراً﴾ فإِِن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب الله بما فيها من الإِشراق وهو «النور» وأبقى ما فيها من الإِحراق وهو «النارية» ! ﴿وتأمل كيف قال {بِنُورِهِمْ﴾ ولم يقل بضوئهم، لأن الضوء زيادةٌ في النور، فلو قيل: ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل} ! وتأمل كيف قال ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ فوحَّد النور ثم قال ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ فجمعها، فإِن الحقَّ واحد هو صراط الله المستقيم، الذي لا صراط يوصل سواه، بخلاف طُرُق الباطل فإِنها متعددة ومتشعبة، ولهذا أفرد سبحانه «الحقَ» وجمع «الباطل» في آيات عديدة مثل قوله تعالى ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور﴾ [المائدة: ١٦] وقوله ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [الأنعام: ١] وقوله ﴿وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] فجمع سبل الباطل ووحَّد سبيل الحق.
عاشراً: المجار المرسل ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم﴾ وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء أي رؤوس أصابعهم لأن دخول الأصبع كلها في الأذن لا يمكن.
الحادي عشر: توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات، وهذا له وقع في الأذن حسن، وأثر في النفس رائع مثل ﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ الخ وهو من المحسنات البديعية.
الفوَائِد: الأولى: الغاية من ضرب المثل: تقريب البعيد، وتوضيح الغامض حتى يصبح كالأمر المشاهد المحسوس، وللأمثال تأثير عجيب في النفس
﴿وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون﴾ [العنكبوت: ٤٣].
الثانية: وصف تعالى المنافقين في هذه الآيات بعشرة أوصاف كلها شنيعة وقبيحة تدل على رسوخهم في الضلال وهي (الكذب، الخداع، المكر، السَّفه، الاستهزاء الإِفساد في الأرض، الجهل، الضلال، التذبذب، السخرية بالمؤمنين) أعاذنا الله من صفات المنافقين.
الثالثة: حكمة كفه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عن قتل المنافقين مع أنهم كفار وعلمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأعيان بعضهم ما أخرجه البخاري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال لعمر: «أكره أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه) ».
لطيفَة: قال العلامة ابن القيم: تأمل قوله تعالى ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ ولم يقل: «ذهب الله بنارهم» مع أنه مقتضى السياق ليطابق أول الآية ﴿استوقد نَاراً﴾ فإِِن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب الله بما فيها من الإِشراق وهو «النور» وأبقى ما فيها من الإِحراق وهو «النارية» ! ﴿وتأمل كيف قال {بِنُورِهِمْ﴾ ولم يقل بضوئهم، لأن الضوء زيادةٌ في النور، فلو قيل: ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل} ! وتأمل كيف قال ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ فوحَّد النور ثم قال ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ فجمعها، فإِن الحقَّ واحد هو صراط الله المستقيم، الذي لا صراط يوصل سواه، بخلاف طُرُق الباطل فإِنها متعددة ومتشعبة، ولهذا أفرد سبحانه «الحقَ» وجمع «الباطل» في آيات عديدة مثل قوله تعالى ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور﴾ [المائدة: ١٦] وقوله ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [الأنعام: ١] وقوله ﴿وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] فجمع سبل الباطل ووحَّد سبيل الحق.
33
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ
ﰔ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﰕ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﰖ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰗ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰘ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى الأصناف الثلاثة «المؤمنين، والكافرين، والمنافقين» وذكر ما تميزوا به من سعادة أو شقاوة، أو إيمان أو نفاق، وضرب الأمثال ووضَّح طرق الضلال أعقبه هنا بذكر الأدلة والبراهين على وحدانية ربِّ العالمين، وعَرَّف الناس بنعمة ليشكروه عليها، وأقبل عليهم بالخطاب ﴿يَاأَيُّهَا الناس﴾ وهو خطاب لجميع الفئات ممتناً عليهم بما خلق ورزق، وأبرز لهم «معجزة القرآن» بأنصع بيان وأوضح برهان ليقتلع من القلوب جذور الشك والارتياب.
اللغَة: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ الخلق: الإِيجاد والاختراع بلا مثال، وأصله في اللغة التقدير يقال: خَلَق النعل إذا قدَّرها وسوَّاها بالمقياس، وخلق الأديمَ للسقاء إذا قدَّره قال الحجاج ما خلقتُ إِلا فريتُ، ولا وعدتُ إِلا وفيتُ «أي ما قدرت شيئاً إِلا أمضيته، ولا وعدت بشيء إِلا وفيت به. ﴿فِرَاشاً﴾ الفراش: الوطاءُ والمهاد الذي يقعد عليه الإِنسان وينام ﴿بِنَآءً﴾ البناء: ما يُبنى من قبةٍ أو خباءٍ أو بيت ﴿أَندَاداً﴾ جمع نِدّ وهو الكفء والمثيل والنظير ومنه قول علماء التوحيد» ليس للهِ نِدٌّ ولا ضِدّ «قال حسان:
وقال الزمخشري:» النِدُّ: المثل ولا يقال إلا للمخالف المناوئ قال جرير: أتماً تجعلون إلىَّ نداً؟ ﴿وَقُودُهَا﴾ الوَقْود: الحطب الذي توقد به النار قال القرطبي: الوَقود بالفتح الحطب، وبالضم مصدر بمعنى التوقد ﴿أُعِدَّتْ﴾ هيئت، وأعددنا هيأنا قال البيضاوي: ﴿أُعِدَّتْ﴾ هُيَئت لهم وجُعلت عُدَّة لعذابهم ﴿وَبَشِّرِ﴾ البشارة: الخبر السارُّ الذي يتغير به بشرة الوجه من السرور، وإِذا استعمل في الشر فهو تهكم مثل ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الانشقاق: ٢٤] ﴿أَزْوَاجٌ﴾ جمع زوج ويطلق على الذكر والأنثى ﴿اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ [البقرة: ٣٥] فالمرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة قال الأصمعي: لا تكاد العرب تقول زوجة ﴿خَالِدُونَ﴾ باقون دائمون.
التفِسير: يقول تعالى منبهاً العبادَ إِلى دلائل القدرة والوحدانية ﴿يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ أي يا معشر بني آدم اذكروا نِعَم الله الجليلة عليكم، واعبدوا الله ربكم الذي ربَّاكم وأنشأكم بعد أن لم
اللغَة: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ الخلق: الإِيجاد والاختراع بلا مثال، وأصله في اللغة التقدير يقال: خَلَق النعل إذا قدَّرها وسوَّاها بالمقياس، وخلق الأديمَ للسقاء إذا قدَّره قال الحجاج ما خلقتُ إِلا فريتُ، ولا وعدتُ إِلا وفيتُ «أي ما قدرت شيئاً إِلا أمضيته، ولا وعدت بشيء إِلا وفيت به. ﴿فِرَاشاً﴾ الفراش: الوطاءُ والمهاد الذي يقعد عليه الإِنسان وينام ﴿بِنَآءً﴾ البناء: ما يُبنى من قبةٍ أو خباءٍ أو بيت ﴿أَندَاداً﴾ جمع نِدّ وهو الكفء والمثيل والنظير ومنه قول علماء التوحيد» ليس للهِ نِدٌّ ولا ضِدّ «قال حسان:
| أتهجوه ولستَ له بندٍّ | فشرُّكهما لخيركما الفِداء |
التفِسير: يقول تعالى منبهاً العبادَ إِلى دلائل القدرة والوحدانية ﴿يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ أي يا معشر بني آدم اذكروا نِعَم الله الجليلة عليكم، واعبدوا الله ربكم الذي ربَّاكم وأنشأكم بعد أن لم
34
تكونوا شيئاً، اعبدوه بتوحيده، وشكره، وطاعته ﴿الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي الذي أوجدكم بقدرته من العدم، وخلق من قبلكم من الأمم ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي لتكونوا في زمرة المتقين، الفائزين بالهدى والفلاح قال البيضاوي: لما عدَّد تعالى فِرَق المكلفين، أقبل عليهم بالخطاب على سبيل الالتفات، هزاً للسامع، وتنشيطاً له، واهتماماً بأمر العبادة وتفخيماً لشأنها، وإِنما كثر النداء في القرآن ب ﴿يَاأَيُّهَا﴾ لاستقلاله بأوجهٍ من التأكيد، وكل ما نادى الله له عباده من حيث إِنها أمور عظام من حقها أن يتفطنوا لها، ويقبلوا بقلوبهم عليها وأكثرهم عنها غافلون حقيقٌ بأن يُنادى له بالآكد الأبلغ، ثمَّ عدَّد تعالى نِعَمه عليهم فقال: ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً﴾ أي جعلها مهاداً وقراراً، تستقرون عليها وتفترشونها كالبساط المفروش مع كرويتها، وإلا ما أمكنكم العيش والاستقرار عليها قال البيضاوي: جعله مهيأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط، وذلك لا يستدعي كونها مسطَّحة لأن كروية شكلها مع عظم حجمها لا يأبى الافتراش عليها ﴿والسماء بِنَآءً﴾ أي وسقفاً للأرض مرفوعاً فوقها كهيئة القبة ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ أي مطراً عذباً فراتاً أنزله بقدرته من السحاب ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ﴾ أي فأخرج بذلك المطر أنواع الثمار والفواكه والخضار غذاءً لكم ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي فلا تتخذوا معه شركاء من الأصنام والبشر تشركونهم مع الله في العبادة، وأنتم تعلمون أنها لا تَخْلُق شيئاً ولا تَرْزق، وأنَّ الله هو الخالق الرازق وحده، ذو القوة المتين قال ابن كثير: شرع تعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه هو المنعم على عبيدة بإِخراجهم من العدم، وإِسباغة عليهم النِّعَم، والمرادُ بالسَّماء هنا السحاب، فهو تعالى الذي أنزل المطر من السحاب في وقته عند احتياجهم إِليه، فأخرج لهم به أنواع الزروع والثمار ورزقاً لهم ولأنعامهم، ومضمونه أنه الخالق الرازق مالكُ الدار وساكنيها ورازقهم، فبهذا يستحق أن يُعبد وحده ولا يُشرك به غيره.
ثم ذكر تعالى بعد أدلة التوحيد الحجة على النبوة، وأقام البرهان على إِعجاز القرآن فقال ﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا﴾ أي وإِذا كنتم أيها الناس في شك وارتياب من صدق هذا القرآن، المعجز في بيانه، وتشريعه، ونظمه، الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ أي فأتوا بسورةٍ واحدةٍ من مثل هذا القرآن، في البلاغة والفصاحة والبيان ﴿وادعوا شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ الله﴾ أي وادعوا أعوانكم وأنصاركم الذين يساعدونكم على معارضة القرآن غير الله سبحانه، والمراد استعينوا بمن شئتم غيره تعالى قال البيضاوي: المعنى أدعوا للمعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إِنسكم وجِنكم وآلهتكم غيرَ اللهِ سُبحانه وتعالى، فإِنه لا يقدر أن يأتي بمثله إِلا الله ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي أنه مختلق وأنه من كلام البشر، وجوابُه محذوف دلَّ عليه ما قبله ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ﴾ أي فإِن لم تقدروا على الإِتيان بمثل سورةٍ من سوره، وعجزتم في الماضي عن الإِتيان بما يساويه أو يدانيه، مع استعانتكم بالفصحاء والعباقرة والبلغاء {
ثم ذكر تعالى بعد أدلة التوحيد الحجة على النبوة، وأقام البرهان على إِعجاز القرآن فقال ﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا﴾ أي وإِذا كنتم أيها الناس في شك وارتياب من صدق هذا القرآن، المعجز في بيانه، وتشريعه، ونظمه، الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ أي فأتوا بسورةٍ واحدةٍ من مثل هذا القرآن، في البلاغة والفصاحة والبيان ﴿وادعوا شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ الله﴾ أي وادعوا أعوانكم وأنصاركم الذين يساعدونكم على معارضة القرآن غير الله سبحانه، والمراد استعينوا بمن شئتم غيره تعالى قال البيضاوي: المعنى أدعوا للمعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إِنسكم وجِنكم وآلهتكم غيرَ اللهِ سُبحانه وتعالى، فإِنه لا يقدر أن يأتي بمثله إِلا الله ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي أنه مختلق وأنه من كلام البشر، وجوابُه محذوف دلَّ عليه ما قبله ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ﴾ أي فإِن لم تقدروا على الإِتيان بمثل سورةٍ من سوره، وعجزتم في الماضي عن الإِتيان بما يساويه أو يدانيه، مع استعانتكم بالفصحاء والعباقرة والبلغاء {
35
وَلَن تَفْعَلُواْ} أي ولن تقدروا في المستقبل أيضاً على الإِتيان بمثله، والجملة اعتراضية للإِشارة إلى عجز البشر في الحاضر والمستقبل كقوله: ﴿لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ [الإسراء: ٨٨] أي معيناً قال ابن كثير: تحداهم القرآن وهم أفصح الأمم ومع هذا عجزوا، و ﴿لَن﴾ لنفي التأبيد في المستقبل أي ولن تفعلوا ذلك أبداً، وهذه أيضاً معجزة أخرى وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً، غير خائفٍ ولا مشفق أنَّ هذا القرآن لا يُعارضُ بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين، وكذلك وقع الأمر لم يُعارض من لدنه إلى زماننا هذا، ومن تدبّر القرآن وجد فيه من وجه الإِعجاز فنوناً طاهرة وخفية، من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، والقرآنُ جميعه فصيح في غاية نهايات الفصاحة والبيان عند من يعرف كلام العرب، ويفهم تصاريف الكلام ﴿فاتقوا النار﴾ أي فخافوا عذاب الله، واحذروا نار الجحيم التي جعلها الله جزاء المكذبين ﴿وَقُودُهَا الناس والحجارة﴾ أي اتقوا النار التي مادتُها التي تُشعل بها وتُضرم لإِيقادها هي الكفار والأصنام التي عبدوها من دون الله كقوله تعالى:
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قال مجاهد: حجارةٌ من كبريت أنتن من الجيفة يعذبون بها مع النار ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ أي هُيّئت تلك النارُ وأُرصدت للكافرين الجاحدين، ينالون فيها ألوان العذاب المهين.
ثم لما ذكر ما أعدَّه لأعدائه، عطف عليه بذكر ما أعدَّه لأوليائه، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب، للمقارنة بين حال الأبرار والفجار فقال ﴿وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي وبَشِّرْ يا محمد المؤمنين المتقين، الذين كانوا في الدنيا محسنين، والذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح ﴿أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي بأن لهم حدائق وبساتين ذاتِ أشجار ومساكن، تجري من تحت قصورها ومساكنها أنهار الجنة ﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً﴾ أي كلما أعطوا عطاءً ورُزقوا رزقاً من ثمار الجنة ﴿قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ أي هذا مثلُ الطعام الي قُدِّم إلينا قبل هذه المرة قال المفسرون: إِن أهل الجنة يُرزقون من ثمارها، تأتيهم به الملائكة، فإِِذا قُدّم لهم مرة ثانية قالوا: هذا الذي أتيتمونا به من قبل فتقول الملائكة: كلْ يا عبد الله فاللونٌ واحدٌ والطعم مختلف قال تعالى: ﴿وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ أي متشابهاً في الشكل والمنظر، لا في الطعم والمَخْبر قال ابن جرير: يعني في اللون والمرأة وليس يشبهه في الطعم قال ابن عباس: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إِلا في الأسماء ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ أي ولهم في الجنة زوجاتٌ من الحور العين مطهَّرات من الأقذار والأدناس الحسية والمعنوية قال ابن عباس: مطهَّرة من القذر والأذى وقال مجاهد: مطهَّرة من الحيض والنفاس، والغائط والبول والنخام، وورد أن نساء الدنيا المؤمنات يكنَّ يوم القيامة أجمل من الحور العين كما قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً﴾ [الواقعة: ٣٥ - ٣٧] ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي دائمون، وهذا هو تمام السعادة، فإِنهم مع هذا النعيم في مقام أمين، يعيشون مع زوجاتهم في هناءٍ خالد لا يعتريه انقطاع.
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قال مجاهد: حجارةٌ من كبريت أنتن من الجيفة يعذبون بها مع النار ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ أي هُيّئت تلك النارُ وأُرصدت للكافرين الجاحدين، ينالون فيها ألوان العذاب المهين.
ثم لما ذكر ما أعدَّه لأعدائه، عطف عليه بذكر ما أعدَّه لأوليائه، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب، للمقارنة بين حال الأبرار والفجار فقال ﴿وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي وبَشِّرْ يا محمد المؤمنين المتقين، الذين كانوا في الدنيا محسنين، والذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح ﴿أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي بأن لهم حدائق وبساتين ذاتِ أشجار ومساكن، تجري من تحت قصورها ومساكنها أنهار الجنة ﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً﴾ أي كلما أعطوا عطاءً ورُزقوا رزقاً من ثمار الجنة ﴿قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ أي هذا مثلُ الطعام الي قُدِّم إلينا قبل هذه المرة قال المفسرون: إِن أهل الجنة يُرزقون من ثمارها، تأتيهم به الملائكة، فإِِذا قُدّم لهم مرة ثانية قالوا: هذا الذي أتيتمونا به من قبل فتقول الملائكة: كلْ يا عبد الله فاللونٌ واحدٌ والطعم مختلف قال تعالى: ﴿وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ أي متشابهاً في الشكل والمنظر، لا في الطعم والمَخْبر قال ابن جرير: يعني في اللون والمرأة وليس يشبهه في الطعم قال ابن عباس: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إِلا في الأسماء ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ أي ولهم في الجنة زوجاتٌ من الحور العين مطهَّرات من الأقذار والأدناس الحسية والمعنوية قال ابن عباس: مطهَّرة من القذر والأذى وقال مجاهد: مطهَّرة من الحيض والنفاس، والغائط والبول والنخام، وورد أن نساء الدنيا المؤمنات يكنَّ يوم القيامة أجمل من الحور العين كما قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً﴾ [الواقعة: ٣٥ - ٣٧] ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي دائمون، وهذا هو تمام السعادة، فإِنهم مع هذا النعيم في مقام أمين، يعيشون مع زوجاتهم في هناءٍ خالد لا يعتريه انقطاع.
36
البَلاَغَة: ١ - ذكر الربوبية ﴿اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ مع إضافته إِلى المخاطبين للتفخيم والتعظيم.
٢ - الإِضافة ﴿على عَبْدِنَا﴾ للتشريف والتخصيص، وهذا أشرف وصفٍ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
٣ - التعجيز ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ خرج الأمر عن صيغته إِلى معنى التعجيز، وتنكيرُ السور لإِرادة العموم والشمول.
٤ - المقابلة اللطيفة ﴿جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً والسماء بِنَآءً﴾ فقد قابل بين الأرض والسماء، والفراش والبناء، وهذا من المحسنات البديعية.
٥ - الجملة الاعتراضية ﴿وَلَن تَفْعَلُواْ﴾ لبيان التحدي في الماضي والمستقبل وبيان العجز التام في جميع العصور والأزمان.
٦ - الإيجاز البديع بذكر الكناية ﴿فاتقوا النار﴾ أي فإن عجزتم فخافوا نار جهنم بتصديقكم بالقرآن.
٢ - الإِضافة ﴿على عَبْدِنَا﴾ للتشريف والتخصيص، وهذا أشرف وصفٍ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
٣ - التعجيز ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ خرج الأمر عن صيغته إِلى معنى التعجيز، وتنكيرُ السور لإِرادة العموم والشمول.
٤ - المقابلة اللطيفة ﴿جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً والسماء بِنَآءً﴾ فقد قابل بين الأرض والسماء، والفراش والبناء، وهذا من المحسنات البديعية.
٥ - الجملة الاعتراضية ﴿وَلَن تَفْعَلُواْ﴾ لبيان التحدي في الماضي والمستقبل وبيان العجز التام في جميع العصور والأزمان.
٦ - الإيجاز البديع بذكر الكناية ﴿فاتقوا النار﴾ أي فإن عجزتم فخافوا نار جهنم بتصديقكم بالقرآن.
37
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰙ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰚ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰛ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰜ
المنَاسَبَة: لّما بينّ تعالى بالدليل الساطع، والبرهان القاطع، أن القرآن كلام الله لا يتطرأ إِليه شك، وإِنه كتاب معجز أنزله على خاتم المرسلين، وتحداهم أن يأتوا بمثل سورةٍ من أقصر سوره، وذكر هنا شبهة أوردها الكفار للقدح فيه وهي أنه جاء في القرآن ذكر (النحل، والذباب، والعنكبوت، والنمل) الخ وهذه الأمور لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فضلاً عن كلام ربّ الأرباب، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة، وردَّ عليهم بأنَّ صغر هذه الأشياء لا يقدح في فصاحة القرآن وإِعجازه، إِذا كان ذكر المثل مشتملاً على حِكَمٍ بالغة.
اللغَةَ: ﴿لاَ يَسْتَحْى﴾ الحياء: تغير وانكسار يعتري الإِنسان من خوف ما يعاب به ويذم، والمراد به هنا لازمه وهو الترك، قال الزمخشري: أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي
اللغَةَ: ﴿لاَ يَسْتَحْى﴾ الحياء: تغير وانكسار يعتري الإِنسان من خوف ما يعاب به ويذم، والمراد به هنا لازمه وهو الترك، قال الزمخشري: أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي
37
من ذكرها لحقارتها ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ فما دونها في الصغر ﴿الفاسقين﴾ أصل الفسق في كلام العرب: الخروج عن الشيء، والمنافق فاسق لخروجه عن طاعة ربه، قال الفراء: الفاسق مأخوذ من قولهم فسقت الرطبة من قشرها أي خرجت، ويسمى الفاسق فاسقاً لخروجه عن طاعة الله، وتسمى الفأرة فويسقه لخروجها لأجل المضرة. ﴿يَنقُضُونَ﴾ النقض: فسخ التركيب وإِفساد ما أبرمته من بناءٍ، أو حبلٍ، أو عهد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾ [النحل: ٩٢] وقال ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] أي فبنقضهم الميثاق ﴿عَهْدَ﴾ العهد: المَوْثق الذي يعطيه الإِنسان لغيره ويقال عهد إِليه أي أوصاه ﴿الميثاق﴾ [الرعد: ٢٠] العهد المؤكد باليمين وهو أبلغ من العهد. ﴿استوى﴾ الاستواء في الأصل: الاعتدال والاستقامة يقال: استوى العود إِذا قام واعتدل، واستوى إِليه كالسهم إِذا قصده قصداً مستوياً، وقال ثعلب: الاستواء: الإِقبال على الشيء. ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ خلقهن وأتقنهن وقيل معناه: صيّرهن.
سَبَبُ النزّول: لما ذكر الله تعالى الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، وما أراد بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ فأنزل الله الآية.
التفسِير: يقول تعالى في الرد على مزاعم اليهود والمنافقين ﴿إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا﴾ أي إن الله لا يستنكف ولا يمتنع عن أن يضرب أيُّ مثلٍ كان، بأي شيءٍ كان، صغيراً كان أو كبيراً ﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ أي سواء كان هذا المثل بالبعوضة أو بما هو دونها في الحقارة والصغر، فكما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها ﴿فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ﴾ أما المؤمنون فيعلمون أن الله حق، لا يقول غير الحق، وأن هذا المثل من عند الله ﴿وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً﴾ ؟ وأما الذين كفروا فيتعجبون ويقولون: ماذا أراد الله من ضرب الأمثال بمثل هذه الأشياء الحقيرة؟ قال تعالى في الرد عليهم ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ أي يضل بهذا المثل كثيراً من الكافرين لكفرهم به، ويهدي به كثيراً من المؤمنين لتصديقهم به، فيزيد أولئك ضلالة، وهؤلاء هدىً ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين﴾ أي ما يضل بهذا المثل أو بهذا القرآن إِلا الخارجين عن طاعة الله، الجاحدين بآياته، ثم عدّد تعالى أوصاف هؤلاء الفاسقين فقال ﴿الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ أي ينقضون ما عهده إِليهم في الكتب السماوية، من الإِيمان بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من بعد توكيده عليهم، أو ينقضون كل عهد وميثاق من الإِيمان بالله، والتصديق بالرسل، والعمل بالشرائع ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ من صلة الأرحام والقرابات، واللفظ عام في كل قطيعة لا يرضاها الله كقطع الصلة بين الأنبياء، وقطع الأرحام، وترك موالاة المؤمنين ﴿ويفسدون في الأرض﴾ بالمعاصي، والفتن، والمنع عن الإيمان، وإثارة الشبهات
سَبَبُ النزّول: لما ذكر الله تعالى الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، وما أراد بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ فأنزل الله الآية.
التفسِير: يقول تعالى في الرد على مزاعم اليهود والمنافقين ﴿إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا﴾ أي إن الله لا يستنكف ولا يمتنع عن أن يضرب أيُّ مثلٍ كان، بأي شيءٍ كان، صغيراً كان أو كبيراً ﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ أي سواء كان هذا المثل بالبعوضة أو بما هو دونها في الحقارة والصغر، فكما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها ﴿فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ﴾ أما المؤمنون فيعلمون أن الله حق، لا يقول غير الحق، وأن هذا المثل من عند الله ﴿وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً﴾ ؟ وأما الذين كفروا فيتعجبون ويقولون: ماذا أراد الله من ضرب الأمثال بمثل هذه الأشياء الحقيرة؟ قال تعالى في الرد عليهم ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ أي يضل بهذا المثل كثيراً من الكافرين لكفرهم به، ويهدي به كثيراً من المؤمنين لتصديقهم به، فيزيد أولئك ضلالة، وهؤلاء هدىً ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين﴾ أي ما يضل بهذا المثل أو بهذا القرآن إِلا الخارجين عن طاعة الله، الجاحدين بآياته، ثم عدّد تعالى أوصاف هؤلاء الفاسقين فقال ﴿الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ أي ينقضون ما عهده إِليهم في الكتب السماوية، من الإِيمان بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من بعد توكيده عليهم، أو ينقضون كل عهد وميثاق من الإِيمان بالله، والتصديق بالرسل، والعمل بالشرائع ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ من صلة الأرحام والقرابات، واللفظ عام في كل قطيعة لا يرضاها الله كقطع الصلة بين الأنبياء، وقطع الأرحام، وترك موالاة المؤمنين ﴿ويفسدون في الأرض﴾ بالمعاصي، والفتن، والمنع عن الإيمان، وإثارة الشبهات
38
حول القرآن ﴿أولئك هُمُ الخاسرون﴾ أي أولئك المذكورون، الموصوفون بتك الأوصاف القبيحة هم الخاسرون لأنهم استبدلوا الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة، فصاروا إِلى النار المؤبدة ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله﴾ استفهام للتوبيخ والإِنكار والمعنى كيف تجحدون الخالق، وتنكرون الصانع ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً﴾ أي وقد كنتم في العدم نُطفاً في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ أي أخرجكم إِلى الدنيا ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند انقضاء الآجال ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ بالبعث من القبور ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ للحساب والجزاء يوم النشور.
ثم ذكر تعالى برهاناً على البعث فقال ﴿هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً﴾ أي خلق لكم الأرض وما فيها لتنتفعوا بكل ما فيها، وتعتبروا بأن الله هو الخالق الرازق ﴿ثُمَّ استوى إِلَى السمآء﴾ أي ثم وجّه إرادته إلى السماء ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سماوات﴾ أي صيّرهن وقضاهن سبع سماوات محكمة البناء وذلك دليل القدرة الباهرة ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي وهو عالم بكل ما خلق وذرأ، أفلا تعتبرون بأن القادر على خلق ذلك - وهي أعظم منكم - قادر على إعادتكم؟! بلى إنه على كل شيء قدير.
البَلاَغَة: ١ - قوله ﴿لاَ يَسْتَحْى﴾ مجاز من باب إِطلاق الملزوم وإِرادة اللازم، والمعنى: لا يترك فعبّر بالحياء عن الترك، لأن الترك من ثمرات الحياء، ومن استحيا من فعل شيء تركه.
٢ - قوله ﴿يَنقُضُونَ عَهْدَ الله﴾ فيه (استعارة مكنية) حيث شبه العهد بالحبل، وحذف المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو النقض على سبيل الاستعارة المكنية.
٣ - قوله ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله﴾ هو من باب (الالتفات) للتوبيخ والتقريع، فقد كان الكلام بصيغة الغيبة ثم التفت فخاطبهم بصيغة الحضور، وهو ضرب من ضروب البديع.
٤ - قوله ﴿عَلِيمٌ﴾ من صيغ المبالغة، ومعناه الواسع العلم الذي أحاط علمه بجميع الأشياء، قال أبو حيان: وصف تعالى نفسه ب (عالم وعليم وعلام) وهذان للمبالغة، وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في (علامة) ولا يجوز وصفه به تعالى.
الفوَائِد: الأولى: قال الزمخشري: التمثيل إِنما يصار إِليه لما فيه من كشف المعنى، ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب، فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إِلا أمراً تستدعيه حال المتمثل له، ألا ترى إِلى الحق لما كان أبلج واضحاً جلياً، كيف تمثَّل له بالضياء والنور؟ وإِلى الباطل لما كان بضد صفته كيف تمثّل له بالظلمة؟ ولما كان حال الآلهة التي جعلها الكفار أنداداً لله تعالى ليس أحقر منها وأقل، لذلك ضرب لها المثل ببيت العنكبوت في الضعف والوهن ﴿كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً﴾ [العنكبوت: ٤١] وجعلت أقل من الذباب وأخسَّ قدراً ﴿لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج: ٧٣] والعجبُ منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور، والحشرات والهوام، وهذه أمثال العرب بين أيديهم سائرة في حواضرهم وبواديهم.
ثم ذكر تعالى برهاناً على البعث فقال ﴿هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً﴾ أي خلق لكم الأرض وما فيها لتنتفعوا بكل ما فيها، وتعتبروا بأن الله هو الخالق الرازق ﴿ثُمَّ استوى إِلَى السمآء﴾ أي ثم وجّه إرادته إلى السماء ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سماوات﴾ أي صيّرهن وقضاهن سبع سماوات محكمة البناء وذلك دليل القدرة الباهرة ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي وهو عالم بكل ما خلق وذرأ، أفلا تعتبرون بأن القادر على خلق ذلك - وهي أعظم منكم - قادر على إعادتكم؟! بلى إنه على كل شيء قدير.
البَلاَغَة: ١ - قوله ﴿لاَ يَسْتَحْى﴾ مجاز من باب إِطلاق الملزوم وإِرادة اللازم، والمعنى: لا يترك فعبّر بالحياء عن الترك، لأن الترك من ثمرات الحياء، ومن استحيا من فعل شيء تركه.
٢ - قوله ﴿يَنقُضُونَ عَهْدَ الله﴾ فيه (استعارة مكنية) حيث شبه العهد بالحبل، وحذف المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو النقض على سبيل الاستعارة المكنية.
٣ - قوله ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله﴾ هو من باب (الالتفات) للتوبيخ والتقريع، فقد كان الكلام بصيغة الغيبة ثم التفت فخاطبهم بصيغة الحضور، وهو ضرب من ضروب البديع.
٤ - قوله ﴿عَلِيمٌ﴾ من صيغ المبالغة، ومعناه الواسع العلم الذي أحاط علمه بجميع الأشياء، قال أبو حيان: وصف تعالى نفسه ب (عالم وعليم وعلام) وهذان للمبالغة، وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في (علامة) ولا يجوز وصفه به تعالى.
الفوَائِد: الأولى: قال الزمخشري: التمثيل إِنما يصار إِليه لما فيه من كشف المعنى، ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب، فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إِلا أمراً تستدعيه حال المتمثل له، ألا ترى إِلى الحق لما كان أبلج واضحاً جلياً، كيف تمثَّل له بالضياء والنور؟ وإِلى الباطل لما كان بضد صفته كيف تمثّل له بالظلمة؟ ولما كان حال الآلهة التي جعلها الكفار أنداداً لله تعالى ليس أحقر منها وأقل، لذلك ضرب لها المثل ببيت العنكبوت في الضعف والوهن ﴿كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً﴾ [العنكبوت: ٤١] وجعلت أقل من الذباب وأخسَّ قدراً ﴿لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج: ٧٣] والعجبُ منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور، والحشرات والهوام، وهذه أمثال العرب بين أيديهم سائرة في حواضرهم وبواديهم.
39
الثانية: قدّم الإِضلال على الهداية ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ ليكون أول ما يقرع أسماعهم من الجواب أمراً فظيعاً يسوءهم ويفتُّ في أعضادهم، وأوثرت صيغة الاستقبال إِيذاناً بالتجدد والاستمرار، أفاده العلامة أبو السعود.
الثالثة: قال ابن جزي في التسهيل: وهذه الآية ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ثُمَّ استوى إِلَى السمآء﴾ تقتضي أنه خلق السماء بعد الأرض، وقوله تعالى ﴿والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات: ٣٠] ظاهره خلاف ذلك، والجواب من وجهين: أحدهما أن الأرض خلقت قبل السماء، ودحيت بعد ذلك فلا تعارض، والآخر تكون ﴿ثُمَّ﴾ لترتيب الأخبار.
الثالثة: قال ابن جزي في التسهيل: وهذه الآية ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ثُمَّ استوى إِلَى السمآء﴾ تقتضي أنه خلق السماء بعد الأرض، وقوله تعالى ﴿والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات: ٣٠] ظاهره خلاف ذلك، والجواب من وجهين: أحدهما أن الأرض خلقت قبل السماء، ودحيت بعد ذلك فلا تعارض، والآخر تكون ﴿ثُمَّ﴾ لترتيب الأخبار.
40
المنَاسَبَة: لما امتنَّ تعالى على العباد بنعمة الخلق والإِيجاد وأنه سخر لهم ما في الأرض جميعاً، وأخرجهم من العدم إِلى الوجود، أتبع ذلك ببدء خلقهم، وامتنَّ عليهم بتشريف أبيهم وتكريمه، بجعله خليفة، وإِسكانه دار الكرامة، وإِسجاد الملائكة تعظيماً لشأنه، ولا شك أن الإِحسان إِلى الأصل إِحسان إِلى الفرع، والنعمة على الآباء نعمة على الأبناء، ولهذا ناسب أن يذكّرهم بذلك، لأنه من وجوه النعم التي أنعم بها عليهم.
اللغَة: ﴿وَإِذْ﴾ ظرف زمان منصوب بفعل محذوف تقديره: اذكر حين أو اذكر وقت، وقد يصرح بالمحذوف كقوله تعالى: ﴿واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ﴾ [الأنفال: ٢٦] قال المبرد: إذا جاء «إِذْ» مع مستقبل كان معناه ماضياً نحو قوله ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] معناه إِذْ مكروا، وإِذا جاء «إِذا» مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى﴾ [النازعات: ٣٤] و ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله﴾ [النصر: ١] أي يجيء. ﴿خَلِيفَةً﴾ الخليفة: من يخلف غيره وينوب منابه، فعيل بمعنى فاعل والتاء للمبالغة، سمي خليفة لأنه مستخلف عن الله عَزَّ وَجَلَّ في إجراء الأحكام وتنفيذ الأوامر الربانية قال تعالى ﴿ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض﴾ [ص: ٢٦] الآية ﴿وَيَسْفِكُ﴾ السفك: الصب والإِراقة لا يستعمل إِلا في الدم قال في المصباح: وسفك الدم: أراقة وبابه ضرب ﴿نُسَبِّحُ﴾ التسبيح: تنزيه الله وتبرئته
اللغَة: ﴿وَإِذْ﴾ ظرف زمان منصوب بفعل محذوف تقديره: اذكر حين أو اذكر وقت، وقد يصرح بالمحذوف كقوله تعالى: ﴿واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ﴾ [الأنفال: ٢٦] قال المبرد: إذا جاء «إِذْ» مع مستقبل كان معناه ماضياً نحو قوله ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] معناه إِذْ مكروا، وإِذا جاء «إِذا» مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى﴾ [النازعات: ٣٤] و ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله﴾ [النصر: ١] أي يجيء. ﴿خَلِيفَةً﴾ الخليفة: من يخلف غيره وينوب منابه، فعيل بمعنى فاعل والتاء للمبالغة، سمي خليفة لأنه مستخلف عن الله عَزَّ وَجَلَّ في إجراء الأحكام وتنفيذ الأوامر الربانية قال تعالى ﴿ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض﴾ [ص: ٢٦] الآية ﴿وَيَسْفِكُ﴾ السفك: الصب والإِراقة لا يستعمل إِلا في الدم قال في المصباح: وسفك الدم: أراقة وبابه ضرب ﴿نُسَبِّحُ﴾ التسبيح: تنزيه الله وتبرئته
40
عن السوء، وأصله من السَّبْح وهو الجري والذهاب قال تعالى ﴿إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً﴾ [المزمل: ٧] فالمسَبِّح جارٍ في تنزيه الله تعالى ﴿وَنُقَدِّسُ﴾ التقديس: التطهير ومنه الأرض المقدسة، وروح القدس، وضده التنجيس، وتقديس الله معناه: تمجيده وتعظيمه وتطهير ذكره عما لا يليق به وفي صحيح مسلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يقول في ركوعه وسجوده «سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكةِ والرُّوح» ﴿أَنْبِئُونِي﴾ أخبروني والنبأ: الخبر الهام ذو الفائدة العظيمة قال تعالى ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص: ٦٧] ﴿تُبْدُونَ﴾ تظهرون ﴿تَكْتُمُونَ﴾ تخفون ومنه كتم العلم أي اخفاؤه.
التفِسير: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ أي اذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً﴾ أي خالق في الأرض ومتخذ فيها خليفة يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم أو قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ أي قالوا على سبيل التعجب والاستعلام: كيف تستخلف هؤلاء، وفيهم من يفسد في الأرض بالمعاصي ﴿وَيَسْفِكُ الدمآء﴾ أي يريق الدماء بالبغي والاعتداء!! ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ أي ننزهك عما لا يليق بك متلبسين بحمدك ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أي نعظم أمرك ونطهرّ ذكرك مما نسبه إِليك الملحدون ﴿قَالَ إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أعلم من المصالح ما هو خفيٌ عليكم، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها ﴿وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا﴾ أي أسماء المسمّيات كلها قال ابن عباس: علّمه اسم كل شيء حتى القصعة والمغرفة ﴿عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة﴾ أي عرض المسميات على الملائكة وسألهم على سبيل التبكيت ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي﴾ أي أخبروني ﴿بِأَسْمَآءِ هؤلاء﴾ أي بأسماء هذه المخلوقات التي ترونها ﴿إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي في زعمكم أنكم الملائكة، وخصّه بالمعرفة التامة دونهم، من معرفة الأسماء والأشياء، والأجناس، واللغات، ولهذا اعترفوا بالعجز والقصور ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ﴾ أي ننزهك يا ألله عن النقص ونحن لا علم لنا إلا ما علمتنا إِياه ﴿الحكيم﴾ الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ﴿قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ أي أعلمهم بالأسماء التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بتقاصر هممهم عن بلوغ مرتبتها ﴿فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ أي أخبرهم بكل الأشياء، وسمَّى كل شيء باسمه، وذكر حكمته التي خلق لها ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض﴾ أي قال تعالى للملائكة: ألم أنبئكم بأني أعلم ما غاب في السماوات والأرض عنكم ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ أي ما تظهرون ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ أي تسرون من دعواكم أن الله لا يخلق خلقاً أفضل منكم، روي أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام، رأت الملائكة فطرته العجيبة، وقالوا: ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقاً إِلا كنا أكرم عليه منه.
التفِسير: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ أي اذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً﴾ أي خالق في الأرض ومتخذ فيها خليفة يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم أو قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ أي قالوا على سبيل التعجب والاستعلام: كيف تستخلف هؤلاء، وفيهم من يفسد في الأرض بالمعاصي ﴿وَيَسْفِكُ الدمآء﴾ أي يريق الدماء بالبغي والاعتداء!! ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ أي ننزهك عما لا يليق بك متلبسين بحمدك ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أي نعظم أمرك ونطهرّ ذكرك مما نسبه إِليك الملحدون ﴿قَالَ إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أعلم من المصالح ما هو خفيٌ عليكم، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها ﴿وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا﴾ أي أسماء المسمّيات كلها قال ابن عباس: علّمه اسم كل شيء حتى القصعة والمغرفة ﴿عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة﴾ أي عرض المسميات على الملائكة وسألهم على سبيل التبكيت ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي﴾ أي أخبروني ﴿بِأَسْمَآءِ هؤلاء﴾ أي بأسماء هذه المخلوقات التي ترونها ﴿إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي في زعمكم أنكم الملائكة، وخصّه بالمعرفة التامة دونهم، من معرفة الأسماء والأشياء، والأجناس، واللغات، ولهذا اعترفوا بالعجز والقصور ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ﴾ أي ننزهك يا ألله عن النقص ونحن لا علم لنا إلا ما علمتنا إِياه ﴿الحكيم﴾ الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ﴿قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ أي أعلمهم بالأسماء التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بتقاصر هممهم عن بلوغ مرتبتها ﴿فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ أي أخبرهم بكل الأشياء، وسمَّى كل شيء باسمه، وذكر حكمته التي خلق لها ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض﴾ أي قال تعالى للملائكة: ألم أنبئكم بأني أعلم ما غاب في السماوات والأرض عنكم ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ أي ما تظهرون ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ أي تسرون من دعواكم أن الله لا يخلق خلقاً أفضل منكم، روي أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام، رأت الملائكة فطرته العجيبة، وقالوا: ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقاً إِلا كنا أكرم عليه منه.
41
البَلاَغَة: ١ - التعرض بعنوان الربوبية ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ مع الإضافة إلى الرسول عليه السلام للتشريف والتكريم لمقامه العظيم وتقديم الجار والمجرور ﴿لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ للاهتمام بما قُدّم، والتشويق إلى ما أُخّر.
٢ - الأمر في قوله تعالى ﴿أَنْبِئُونِي﴾ خرج عن حقيقته إِلى التعجيز والتبكيت.
٣ - ﴿فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ فيه مجاز بالحذف والتقدير: فأنبأهم بها فلما أنبأهم حذف لفهم المعنى.
٤ - ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ هو من باب التغليب لأن الميم علامة الجمع للعقلاء الذكور، ولو لم يغلّب لقال ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ أو عرضهن.
٥ - إِبراز الفعل في قوله ﴿إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات﴾ ثم قال ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ للإِهتمام بالخبر والتنبيه على إِحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء، ويسمى هذا بالإِطناب.
٦ - تضمنت آخر هذه الآية من علم البديع ما يسمى ب «الطباق» وذلك في كلمتي ﴿تُبْدُونَ﴾ و ﴿تَكْتُمُونَ﴾.
الفوَائِد: الأولى: قال بعض العلماء: في إِخبار الله تعالى للملائكة عن خلق آدم واستخلافه في الأرض، تعليمٌ لعباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها.
الثانية: الحكمة من جعل آدم عليه السلام خليفة هي الرحمة بالعباد - لا لافتقار الله - وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة، ولا بواسطة مَلَك، فمن رحمته ولطفه وإِحسانه إِرسال الرسل من البشر.
الثالثة: قال الحافظ ابن كثير: وقول الملائكة ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ الآية ليس هذا على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، وإِنما هو سؤال استعلام واستكشاف عين الحكمة في ذلك، يقولون: ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض؟ وقال في التسهيل: وإِنما علمت الملائكة أن بني آدم يفسدون بإِعلام الله إِياهم بذلك، وقيل: كان في الأرض جنٌ فأفسدوا، فبعث الله إِليهم ملائكة فقتلتهم، فقاس الملائكة بني آدم عليهم.
الرابعة: سئل الشعبي: هل لإِبليس زوجة؟ قال: ذلك عرسٌ لم أشهده؟ قال: ثم قرأتُ قوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي﴾ [الكهف: ٥٠] فعلمت أنه لا يكون له ذرية إِلا من زوجة، فقلت: نعم.
٢ - الأمر في قوله تعالى ﴿أَنْبِئُونِي﴾ خرج عن حقيقته إِلى التعجيز والتبكيت.
٣ - ﴿فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ فيه مجاز بالحذف والتقدير: فأنبأهم بها فلما أنبأهم حذف لفهم المعنى.
٤ - ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ هو من باب التغليب لأن الميم علامة الجمع للعقلاء الذكور، ولو لم يغلّب لقال ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ أو عرضهن.
٥ - إِبراز الفعل في قوله ﴿إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات﴾ ثم قال ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ للإِهتمام بالخبر والتنبيه على إِحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء، ويسمى هذا بالإِطناب.
٦ - تضمنت آخر هذه الآية من علم البديع ما يسمى ب «الطباق» وذلك في كلمتي ﴿تُبْدُونَ﴾ و ﴿تَكْتُمُونَ﴾.
الفوَائِد: الأولى: قال بعض العلماء: في إِخبار الله تعالى للملائكة عن خلق آدم واستخلافه في الأرض، تعليمٌ لعباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها.
الثانية: الحكمة من جعل آدم عليه السلام خليفة هي الرحمة بالعباد - لا لافتقار الله - وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة، ولا بواسطة مَلَك، فمن رحمته ولطفه وإِحسانه إِرسال الرسل من البشر.
الثالثة: قال الحافظ ابن كثير: وقول الملائكة ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ الآية ليس هذا على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، وإِنما هو سؤال استعلام واستكشاف عين الحكمة في ذلك، يقولون: ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض؟ وقال في التسهيل: وإِنما علمت الملائكة أن بني آدم يفسدون بإِعلام الله إِياهم بذلك، وقيل: كان في الأرض جنٌ فأفسدوا، فبعث الله إِليهم ملائكة فقتلتهم، فقاس الملائكة بني آدم عليهم.
الرابعة: سئل الشعبي: هل لإِبليس زوجة؟ قال: ذلك عرسٌ لم أشهده؟ قال: ثم قرأتُ قوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي﴾ [الكهف: ٥٠] فعلمت أنه لا يكون له ذرية إِلا من زوجة، فقلت: نعم.
42
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰡ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰢ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰣ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ
ﰤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰥ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰦ
المنَاسَبَة: أشارت الآيات السابقة إلى أن الله تعالى خصّ آدم عليه السلام بالخلافة، كما خصّه بعلم غزير وقفت الملائكة عاجزة عنه، وأضافت هذه الآيات الكريمة بيان نوع آخر من التكريم أكرمه الله به ألا وهو أمر الملائكة بالسجود له، وذلك من أظهر وجوه التشريف والتكريم لهذا النوع الإنساني ممتلأ في أصل البشرية آدم عليه السلام.
اللغَة: ﴿اسجدوا﴾ أصل السجود: الانحناء لمن يُسجد له والتعظيم، وهو في اللغة: التذلل والخضوع، وفي الشرع: وضع الجبهة على الأرض ﴿إِبْلِيسَ﴾ اسم للشيطان وهو أعجمي، وقيل إنه مشتق من الإِبلاس وهو الإياس ﴿أبى﴾ امتنع، والإِباء: الامتناع مع التمكن من الفعل ﴿واستكبر﴾ الاستكبار: التكبر والتعاظم في النفس ﴿رَغَداً﴾ واسعاً كثيراً لا عناء فيه، والرغد: سعة العيش، يقال: رغد عيش القوم إِذا كانوا في رزقٍ واسع قال الشاعر:
﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ أصله من الزلل وهو عثور القدم يقال: زلت قدمه أي زلقت ثم استعمل في ارتكاب الخطيئة مجازاً يقال: زلّ الرجل إِذا أخطأ وأتى ما ليس له إتيانه، وأزله غيره: إِذا سبّب له ذلك ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾ موضع استقرار ﴿وَمَتَاعٌ﴾ المتاع ما يتمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوه ﴿فتلقى﴾ التلقي في الأصل: الاستقبال تقول خرجنا نتلقى الحجيج أي نستقبلهم، ثم استعمل في أخذ الشيء وقبوله تقول: تلقيت رسالة من فلان أي أخذتها وقبلتها ﴿فَتَابَ﴾ التوبة في أصل اللغة الرجوع، وإذا عديت بعن كان معناها الرجوع عن المعصية، وإِذا عديت بعلى كان معناها قبول التوبة.
التفِسير: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك حين قلنا للملائكة ﴿اسجدوا لأَدَمَ﴾ أي سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ أي سجدوا جميعاً له غير إبليس ﴿أبى واستكبر﴾ أي امتنع مما أمر به وتكبر عنه ﴿وَكَانَ مِنَ الكافرين﴾ أي صار بإبائه واستكباره من الكافرين حيث استقبح أمر الله بالسجود لآدم ﴿وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ أي أسكن في جنة الخلد مع زوجك حواء ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾ أي كلا من ثمار الجنة أكلاً رغداً واسعاً ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي من أي مكان في الجنة أردتما الأكل فيه ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ أي لا تأكلا من هذه الشجرة قال ابن عباس: هي الكرمة ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ أي فتصيروا من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله {
اللغَة: ﴿اسجدوا﴾ أصل السجود: الانحناء لمن يُسجد له والتعظيم، وهو في اللغة: التذلل والخضوع، وفي الشرع: وضع الجبهة على الأرض ﴿إِبْلِيسَ﴾ اسم للشيطان وهو أعجمي، وقيل إنه مشتق من الإِبلاس وهو الإياس ﴿أبى﴾ امتنع، والإِباء: الامتناع مع التمكن من الفعل ﴿واستكبر﴾ الاستكبار: التكبر والتعاظم في النفس ﴿رَغَداً﴾ واسعاً كثيراً لا عناء فيه، والرغد: سعة العيش، يقال: رغد عيش القوم إِذا كانوا في رزقٍ واسع قال الشاعر:
| بينما المرء تراه ناعماً | يأمن الأحداث في عيشٍ رغد |
التفِسير: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك حين قلنا للملائكة ﴿اسجدوا لأَدَمَ﴾ أي سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ أي سجدوا جميعاً له غير إبليس ﴿أبى واستكبر﴾ أي امتنع مما أمر به وتكبر عنه ﴿وَكَانَ مِنَ الكافرين﴾ أي صار بإبائه واستكباره من الكافرين حيث استقبح أمر الله بالسجود لآدم ﴿وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ أي أسكن في جنة الخلد مع زوجك حواء ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾ أي كلا من ثمار الجنة أكلاً رغداً واسعاً ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي من أي مكان في الجنة أردتما الأكل فيه ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ أي لا تأكلا من هذه الشجرة قال ابن عباس: هي الكرمة ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ أي فتصيروا من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله {
43
فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا} أي أوقعهما في الزلة بسببها وأغواهما بالأكل منها هذا إذا كان الضمير عائداً إلى الشجرة، أما إذا كان عائداً إلى الجنة فيكون المعنى أبعدهما وحوّلهما من الجنة ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أي من نعيم الجنة ﴿وَقُلْنَا اهبطوا﴾ أي اهبطوا من الجنة إلى الأرض والخطاب لآدم وحواء وإبليس ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ أي الشيطان عدوّ لكم فكونوا أعداء له كقوله
﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً﴾ [فاطر: ٦] ﴿وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ﴾ أي لكم في الدنيا موضع استقرار بالإقامة فيها ﴿وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾ أي تمتع بنعيمها إلى وقت انقضاء آجالكم ﴿فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ أي استقبل آدم دعوات من ربه ألهمه إياها فدعاه بها وهذه الكلمات مفسّرة في موطن آخر في سورة الأعراف ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الآية: ٢٣] الآية ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ أي قبل ربه توبته ﴿إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم﴾ أي إِن الله كثير القبول للتوبة، واسع الرحمة للعباد ﴿قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً﴾ كرر الأمر بالهبوط للتأكيد ولبيان أنَّ إقامة آدم وذريته في الأرض لا في الجنة ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ أي رسول أبعثه لكم، وكتاب أنزله عليكم ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ﴾ أي من آمن بي وعمل بطاعتي ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي لا ينالهم خوف ولا حزن في الآخرة ﴿والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ أي جحدوا بما أنزلت وبما أرسلت ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي هم مخلدون في الجحيم أعاذنا الله منها.
البَلاَغة: أولاً: صيغة الجمع ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ للتعظيم، وهي معطوفة على قوله ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ [البقرة: ٣٠] وفيه التفات من الغائب إلى المتكلم لتربية وإظهار الجلالة.
ثانياً: أفادت الفاء في قوله ﴿فَسَجَدُواْ﴾ أنهم سارعوا في الامتثال ولم يتثبطوا فيه، وفي الآية إيجاز بالحذف أي فسجدوا له وكذلك ﴿أبى﴾ مفعوله محذوف أي أبى السجود.
ثالثاً: قوله ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ المنهي عنه هو الأكل من ثمار الشجرة، وتعليق النهي بالقرب منها ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ لقصد المبالغة في النهي عن الأكل، إذ النهي عن القرب نهي عن الفعل بطريق أبلغ كقوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى﴾ [الإسراء: ٣٢] فنهى عن القرب من الزنى ليقطع الوسيلة إلى ارتكابه.
رابعاً: التعبير بقوله ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أبلغ في الدلالة على فخامة الخيرات مما لو قيل: من النعيم أو الجنة، فإن من أساليب البلاغة في الدولة على عظم الشيء أن يعبّر عنه بلفظ مبهم نحو ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ لتذهب نفس السامع في تصور عظمته وكماله إلى أقصى ما يمكنها أن تذهب إِليه.
خامساً: ﴿التواب الرحيم﴾ من صيغ المبالغة أي كثير التوبة واسع الرحمة.
الفوَائِد: الأولى: كيف يصح السجود لغير الله؟ والجواب أن سجود الملائكة لآدم كان للتحية وكان سجود تعظيم وتكريم لا سجود صلاةٍ وعبادة، قال الزمخشري: السجود لله تعالى على سبيل
﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً﴾ [فاطر: ٦] ﴿وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ﴾ أي لكم في الدنيا موضع استقرار بالإقامة فيها ﴿وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾ أي تمتع بنعيمها إلى وقت انقضاء آجالكم ﴿فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ أي استقبل آدم دعوات من ربه ألهمه إياها فدعاه بها وهذه الكلمات مفسّرة في موطن آخر في سورة الأعراف ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الآية: ٢٣] الآية ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ أي قبل ربه توبته ﴿إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم﴾ أي إِن الله كثير القبول للتوبة، واسع الرحمة للعباد ﴿قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً﴾ كرر الأمر بالهبوط للتأكيد ولبيان أنَّ إقامة آدم وذريته في الأرض لا في الجنة ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ أي رسول أبعثه لكم، وكتاب أنزله عليكم ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ﴾ أي من آمن بي وعمل بطاعتي ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي لا ينالهم خوف ولا حزن في الآخرة ﴿والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ أي جحدوا بما أنزلت وبما أرسلت ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي هم مخلدون في الجحيم أعاذنا الله منها.
البَلاَغة: أولاً: صيغة الجمع ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ للتعظيم، وهي معطوفة على قوله ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ [البقرة: ٣٠] وفيه التفات من الغائب إلى المتكلم لتربية وإظهار الجلالة.
ثانياً: أفادت الفاء في قوله ﴿فَسَجَدُواْ﴾ أنهم سارعوا في الامتثال ولم يتثبطوا فيه، وفي الآية إيجاز بالحذف أي فسجدوا له وكذلك ﴿أبى﴾ مفعوله محذوف أي أبى السجود.
ثالثاً: قوله ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ المنهي عنه هو الأكل من ثمار الشجرة، وتعليق النهي بالقرب منها ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ لقصد المبالغة في النهي عن الأكل، إذ النهي عن القرب نهي عن الفعل بطريق أبلغ كقوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى﴾ [الإسراء: ٣٢] فنهى عن القرب من الزنى ليقطع الوسيلة إلى ارتكابه.
رابعاً: التعبير بقوله ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أبلغ في الدلالة على فخامة الخيرات مما لو قيل: من النعيم أو الجنة، فإن من أساليب البلاغة في الدولة على عظم الشيء أن يعبّر عنه بلفظ مبهم نحو ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ لتذهب نفس السامع في تصور عظمته وكماله إلى أقصى ما يمكنها أن تذهب إِليه.
خامساً: ﴿التواب الرحيم﴾ من صيغ المبالغة أي كثير التوبة واسع الرحمة.
الفوَائِد: الأولى: كيف يصح السجود لغير الله؟ والجواب أن سجود الملائكة لآدم كان للتحية وكان سجود تعظيم وتكريم لا سجود صلاةٍ وعبادة، قال الزمخشري: السجود لله تعالى على سبيل
44
العبادة، ولغيره على وجه التكرمة كما سجدت الملائكة لآدم، ويعقوب وأبناؤه ليوسف.
الثانية: قال بعض العارفين: سابق العناية لا يؤثر فيه حدوث الجناية، ولا يحط عن رتبة الولاية، فمخالفة آدم التي أوجبت له الإِخراج من دار الكرامة لم تخرجه عن حظيرة القدس، ولم تسلبه رتبة الخلافة، بل أجزل الله له في العطية فقال
﴿ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ﴾ [طه: ١٢٢] وقال الشاعر:
الثالثة: هل كان إِبليس من الملائكة؟ الجواب: اختلف المفسرون على قولين: ذهب بعضهم إِلى أنه من الملائكة بدليل الاستثناء ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ وقال آخرون: الاستثناء منقطع وإِبليس من الجن وليس من الملائكة وإِليه ذهب الحسن وقتادة واختاره الزمخشري، قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين، ونحن نرجح القول الثاني للأدلة الآتية: ١ - الملائكة منزهون عن المعصية ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: ٦] وإِبليس قد عصى أمر ربه ٢ - الملائكة خلقت من نور وإِبليس خلق من نار فطبيعتهما مختلفة ٣ - الملائكة لا ذرية لهم وإِبليس له ذرية ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي﴾ [الكهف: ٥٠] ؟ ٤ - النص الصريح الواضح في سورة الكهف على أنه من الجن وهو قوله تعالى ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ﴾ [الآية: ٥٠] وكفى به حجة وبرهاناً.
الثانية: قال بعض العارفين: سابق العناية لا يؤثر فيه حدوث الجناية، ولا يحط عن رتبة الولاية، فمخالفة آدم التي أوجبت له الإِخراج من دار الكرامة لم تخرجه عن حظيرة القدس، ولم تسلبه رتبة الخلافة، بل أجزل الله له في العطية فقال
﴿ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ﴾ [طه: ١٢٢] وقال الشاعر:
| وإِذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ | جاءت محاسنة بألف شفيع |
45
المنَاسَبَة: من بداية هذه الآية إلى آية /١٤٢/ ورد الكلام عن بني إسرائيل، وقد تحدث القرآن الكريم بالإِسهاب عنهم فيما يقرب من جزءٍ كامل، وذلك يدل على عناية القرآن بكشف حقائق اليهود، وإِظهار ما انطوت عليه نفوسهم الشريرة من خبثٍ وكيد وتدمير حتى يحذرهم المسلمون، أما وجه المناسبة فإِن الله تعالى لما دعا البشر إِلى عبادته وتوحيده، وأقام للناس الحجج الواضحة على وحدانيته ووجوده، ثم ذكّرهم بما أنعم به على أبيهم آدم عليه السلام، دعا بني إِسرائيل خصوصاً - وهم اليهود - إِلى الإِيمان بخاتم الرسل وتصديقه فيما جاء به عن الله، لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، وقد تفنّن في مخاطبتهم فتارة دعاهم بالملاطفة، وتارة بالتخويف، وتارة بالتذكير بالنعم عليهم وعلى آبائهم، وأخرى بإقامة الحجة والتوبيخ على سوء أعمالهم وهكذا انتقل من التذكير بالنعم العامة على البشرية في تكريم أبي الإِنسانية، إلى التذكير بالنعم الخاصة على بني إسرائيل.
اللغَة: اسم أعجمي ومعناه: عبد الله وهو اسم ﴿يعقوب﴾ عليه السلام، وقد
اللغَة: اسم أعجمي ومعناه: عبد الله وهو اسم ﴿يعقوب﴾ عليه السلام، وقد
45
صرَّح به آل عمران ﴿إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ﴾ [الآية: ٩٣] ﴿وَأَوْفُواْ﴾ الوفاء: الإِتيان بالشيء على التمام والكمال، يقال أوفى ووفّى أي أداه وافياً تاماً. ﴿تَلْبِسُواْ﴾ اللَّبْس: الخلط تقول العرب: لبَسْتُ الشيء بالشيء خلطته، والتبس به اختلطَ، قال تعالى ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩] وفي المصباح: لَبِسَ الثواب من باب تعب لُبْساً بضم اللام، ولَبَسْتُ عليه الأمر لَبْساً من باب ضرب خلطته، والتبس الأمر: أشكل. ﴿الزكاة﴾ مشتقة من زكا الزرع يزكو أي نما لأن إخراجها يجلب البركة، أي هي من الزكاة أي الطهارة لأنها تطهر المال قال تعالى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٦].
التفسير: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي يا أولاد النبي الصالح يعقوب ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ اذكروا ما أنعمت به عليكم وعلى آبائكم من نعم لا تعد ولا تحصى ﴿وَأَوْفُواْ بعهدي﴾ أي أدّوا ما عاهدتموني عليه من الإِيمان والطاعة ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب ﴿وَإِيَّايَ فارهبون﴾ أي اخشوني دون غيري ﴿وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ﴾ من القرآن العظيم ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ أي من التوراة في أمور التوحيد والنبوة ﴿وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ أي أول من كفر من أهل الكتاب فحقكم أن تكونوا أول من آمن ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي لا تستبدلوا بآياتي البينات التي أنزلتها عليكم حطام الدنيا الفانية ﴿وَإِيَّايَ فاتقون﴾ أي خافون دون غيري ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل﴾ أي لا تخلطوا الحق المنزل من الله بالباطل الذي تخترعونه، ولا تحرفوا ما في التوراة بالهتان الذي تفترونه ﴿وَتَكْتُمُواْ الحق﴾ أي ولا تخفوا ما في كتابكم من أوصاف محمد عليه السلام ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنه حق أو حال كونكم عالمين بضرر الكتمان ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَآتُواْ الزكاة واركعوا مَعَ الراكعين﴾ أي أدوا ما وجب عليكم من الصلاة والزكاة، وصلوا مع المصلين بالجماعة، أو مع أصحاب محمد عليه السلام.
البَلاَغة: أولاً: في إِضافة النعمة إِليه سبحانه ﴿نِعْمَتِيَ﴾ إِشارة إِلى عظم قدرها، وسعة بِرّها، وحسن موقعها لأن الإِضافة تفيد التشريف كقوله ﴿بَيتُ الله﴾ و ﴿نَاقَةُ الله﴾ [الأعراف: ٧٣].
ثانياً قوله ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي﴾ الشراء هنا ليس حقيقياً بل هو على سبيل الاستعارة كما تقدم في قوله ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ [البقرة: ١٦].
ثالثاً: تكرير الحق في قوله ﴿تَلْبِسُواْ الحق﴾ وقوله ﴿وَتَكْتُمُواْ الحق﴾ لزيادة تقبيح المنهي عنه إذ في التصريح ما ليس في الضمير من التأكيد ويسمى هذا الإِطناب أضعف من سواه.
رابعاً: قوله ﴿واركعوا مَعَ الراكعين﴾ هو من باب تسمية الكل باسم الجزء أي صلوا مع المصلين أطلق الركوع وأراد به الصلاة ففيه مجاز مرسل.
خامساً: ﴿وَإِيَّايَ فارهبون﴾ و ﴿وَإِيَّايَ فاتقون﴾ يفيد الاختصاص.
فَائِدَة: قال بعض العارفين: عبيد النّعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكّر بني إِسرائيل بنعمه عليهم، حتى يعرفوا نعمة المنعم فقال ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ﴾ وأما أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد
التفسير: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي يا أولاد النبي الصالح يعقوب ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ اذكروا ما أنعمت به عليكم وعلى آبائكم من نعم لا تعد ولا تحصى ﴿وَأَوْفُواْ بعهدي﴾ أي أدّوا ما عاهدتموني عليه من الإِيمان والطاعة ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب ﴿وَإِيَّايَ فارهبون﴾ أي اخشوني دون غيري ﴿وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ﴾ من القرآن العظيم ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ أي من التوراة في أمور التوحيد والنبوة ﴿وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ أي أول من كفر من أهل الكتاب فحقكم أن تكونوا أول من آمن ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي لا تستبدلوا بآياتي البينات التي أنزلتها عليكم حطام الدنيا الفانية ﴿وَإِيَّايَ فاتقون﴾ أي خافون دون غيري ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل﴾ أي لا تخلطوا الحق المنزل من الله بالباطل الذي تخترعونه، ولا تحرفوا ما في التوراة بالهتان الذي تفترونه ﴿وَتَكْتُمُواْ الحق﴾ أي ولا تخفوا ما في كتابكم من أوصاف محمد عليه السلام ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنه حق أو حال كونكم عالمين بضرر الكتمان ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَآتُواْ الزكاة واركعوا مَعَ الراكعين﴾ أي أدوا ما وجب عليكم من الصلاة والزكاة، وصلوا مع المصلين بالجماعة، أو مع أصحاب محمد عليه السلام.
البَلاَغة: أولاً: في إِضافة النعمة إِليه سبحانه ﴿نِعْمَتِيَ﴾ إِشارة إِلى عظم قدرها، وسعة بِرّها، وحسن موقعها لأن الإِضافة تفيد التشريف كقوله ﴿بَيتُ الله﴾ و ﴿نَاقَةُ الله﴾ [الأعراف: ٧٣].
ثانياً قوله ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي﴾ الشراء هنا ليس حقيقياً بل هو على سبيل الاستعارة كما تقدم في قوله ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ [البقرة: ١٦].
ثالثاً: تكرير الحق في قوله ﴿تَلْبِسُواْ الحق﴾ وقوله ﴿وَتَكْتُمُواْ الحق﴾ لزيادة تقبيح المنهي عنه إذ في التصريح ما ليس في الضمير من التأكيد ويسمى هذا الإِطناب أضعف من سواه.
رابعاً: قوله ﴿واركعوا مَعَ الراكعين﴾ هو من باب تسمية الكل باسم الجزء أي صلوا مع المصلين أطلق الركوع وأراد به الصلاة ففيه مجاز مرسل.
خامساً: ﴿وَإِيَّايَ فارهبون﴾ و ﴿وَإِيَّايَ فاتقون﴾ يفيد الاختصاص.
فَائِدَة: قال بعض العارفين: عبيد النّعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكّر بني إِسرائيل بنعمه عليهم، حتى يعرفوا نعمة المنعم فقال ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ﴾ وأما أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد
46
ذكّرهم بالمنعم فقال ﴿فاذكروني أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] ليتعرفوا من المنعم على النعمة وشتان بين الأمرين.
47
اللغَة: ﴿بالبر﴾ البِرُّ: سعة الخير والمعروف ومنه البرُّ والبِّرية للسعة، وهو اسم جامع لأعمال الخير، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما وفي الحديث «البِرُّ لا يبلى والذنب لا ينسى» ﴿وَتَنْسَوْنَ﴾ : تتركون والنسيان يأتي بمعنى الترك كقوله ﴿نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] وهو المراد هنا ويأتي بمعنى ذهاب الشيء من الذاكرة كقوله ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه: ١١٥] ﴿تَتْلُونَ﴾ : تقرءون وتدرسون ﴿الخاشعين﴾ الخاشع: المتواضع وأصله من الاستكانة والذل قال الزجاج: الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه، وخشعت الأصوات: سكنت ﴿يَظُنُّونَ﴾ الظنُّ هنا بمعنى اليقين لا الشك، وهو من الأضداد قال أبو عبيدة: العرب تقول لليقين ظنٌّ، وللشك ظن وقد كثر استعمال الظن بمعنى اليقين ومنه ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٠] ﴿فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف: ٥٣]، ﴿شَفَاعَةٌ﴾ الشفاعة مأخوذة من الشَّفع ضد الوتر، وهي ضم غيرك إلى جاهك وسيلتك ولهذا سميت شفاعة، فهي إِذاً إِظهارٌ لمنزلة الشفيع عند المشفّع ﴿عَدْلٌ﴾ بفتح العين فداء وبكسرها معناه: المِثْل يقال: عِدْل وعديل للذي يماثلك.
المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل، وفي هذه الآيات ذمٌ وتوبيخ لهم على سوء صنيعهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون الناس إِلى الهدى والرشاد ولا يتبعونه.
سَبَبُ النّزول: نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا: اثبتوا على دين محمد فإِنه حق، فكانوا يأمرون الناس بالإِيمان ولا يفعلونه.
التفِسير: يخاطب الله أحبار اليهود فيقول لهم على سبيل التقريع والتوبيخ ﴿أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر﴾ أي أتدعون الناس إِلى الخير وإِلى الإيمان بمحمد ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب﴾ أي حال كونكم تقرءون التوراة وفيها صفة ونعت محمد عليه السلام ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح فترجعون عنه؟! ثم بيَّن لهم تعالى طريق التغلب على الأهواء والشهوات، والتخلص من حب الرياسة وسلطان المال فقال {
المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل، وفي هذه الآيات ذمٌ وتوبيخ لهم على سوء صنيعهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون الناس إِلى الهدى والرشاد ولا يتبعونه.
سَبَبُ النّزول: نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا: اثبتوا على دين محمد فإِنه حق، فكانوا يأمرون الناس بالإِيمان ولا يفعلونه.
التفِسير: يخاطب الله أحبار اليهود فيقول لهم على سبيل التقريع والتوبيخ ﴿أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر﴾ أي أتدعون الناس إِلى الخير وإِلى الإيمان بمحمد ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب﴾ أي حال كونكم تقرءون التوراة وفيها صفة ونعت محمد عليه السلام ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح فترجعون عنه؟! ثم بيَّن لهم تعالى طريق التغلب على الأهواء والشهوات، والتخلص من حب الرياسة وسلطان المال فقال {
47
واستعينوا} أي اطلبوا المعونة على أموركم كلها ﴿بالصبر والصلاة﴾ أي بتحمل ما يشق على النفس من تكاليف شرعية، وبالصلاة التي هي عماد الدين ﴿وَإِنَّهَا﴾ أي الصلاة ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾ أي شاقة وثقيلة ﴿إِلاَّ عَلَى الخاشعين﴾ أي المتواضعين المستكينين الذين صفت نفوسهم لله ﴿الذين يَظُنُّونَ﴾ أي يعتقدون اعتقاداً جازماً لا يخالجه شك ﴿أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ﴾ أي سيلقون ربهم يوم البعث فيحاسبهم على أعمالهم ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ أي معادهم إِليه يوم الدين. ثم ذكّرهم تعالى بنعمه وآلائه العديدة مرة أخرى فقال ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ بالشكر عليها بطاعتي ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ أي فضلت آباءكم ﴿عَلَى العالمين﴾ أي عالمي زمانهم بإِرسال الرسل، وإِنزال الكتب، وجعلهم سادة وملوكاً، وتفضيل الآباء شرفٌ للأبناء ﴿واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ أي خافوا ذلك اليوم الرهيب الذي لا تقضي فيه نفسٌ عن أخرى شيئاً من الحقوق ﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ أي لا تقبل شفاعة في نفس كافرة بالله أبداً ﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ أي لا يقبل منها فداء ﴿وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ أي ليس لهم من يمنعهم وينجيهم من عذاب الله.
ثانياً: أتى بالمضارع ﴿أَتَأْمُرُونَ﴾ وإِن كان قد وقع ذلك منهم لأن صيغة المضارع تفيد التجدد والحدوث، وعبّر عن ترك فعلهم بالنسيان ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ مبالغة في الترك فكأنه لا يجري لهم على بال، وعلقه بالأنفس توكيداً للمبالغة في الغفلة المفرطة، ولا يخفى ما في الجملة الحالية ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب﴾ من التبكيت والتقريع والتوبيخ.
ثالثاً: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين﴾ هو من باب عطف الخاص على العام لبيان الكمال، لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور، فلما قال ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ﴾ [البقرة: ٤٠] عمَّ جميع النعم فلما عطف ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ كان من باب عطف الخاص على العام.
رابعاً: ﴿واتقوا يَوْماً﴾ التنكير للتهويل أي يوماً شديد الهول، وتنكير النفس ﴿نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ﴾ ليفيد العموم والإقناط الكلي.
الفوَائِدَ: الفائدة الأولى: قال القرطبي: إِنما خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويهاً بذكرها وقد كان عليه السلام إِذ حزبه (أغمّه) أمرٌ فَزَع إلى الصلاة، وكان يقول: «أرحنا بها يا بلال»
الثانية: قال علي كرم الله وجهه: «قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك» ومن دعا غيره إِلى الهدى ولم يعمل به كان كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه قال الشاعر:
وقال أبو العتاهية:
ثانياً: أتى بالمضارع ﴿أَتَأْمُرُونَ﴾ وإِن كان قد وقع ذلك منهم لأن صيغة المضارع تفيد التجدد والحدوث، وعبّر عن ترك فعلهم بالنسيان ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ مبالغة في الترك فكأنه لا يجري لهم على بال، وعلقه بالأنفس توكيداً للمبالغة في الغفلة المفرطة، ولا يخفى ما في الجملة الحالية ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب﴾ من التبكيت والتقريع والتوبيخ.
ثالثاً: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين﴾ هو من باب عطف الخاص على العام لبيان الكمال، لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور، فلما قال ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ﴾ [البقرة: ٤٠] عمَّ جميع النعم فلما عطف ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ كان من باب عطف الخاص على العام.
رابعاً: ﴿واتقوا يَوْماً﴾ التنكير للتهويل أي يوماً شديد الهول، وتنكير النفس ﴿نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ﴾ ليفيد العموم والإقناط الكلي.
الفوَائِدَ: الفائدة الأولى: قال القرطبي: إِنما خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويهاً بذكرها وقد كان عليه السلام إِذ حزبه (أغمّه) أمرٌ فَزَع إلى الصلاة، وكان يقول: «أرحنا بها يا بلال»
الثانية: قال علي كرم الله وجهه: «قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك» ومن دعا غيره إِلى الهدى ولم يعمل به كان كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه قال الشاعر:
| ابدأُ بنفسك فانهها عن غيّها | فإِذا انتهت عنه فأنت حكيم |
| فهناك يقبل إِن وعظتَ ويقتدى | بالرأي منك وينفع التعليم |
| وصفتَ التُّقَى حتَّى كأَنَّك ذو تُقَى | وريحُ الخطايا من ثيابك تَسْطَع |
| وغيرُ تَقيٍّ يأْمر النَّاسَ | بالتُّقَى طَبيبٌ يداوي النَّاس وهُوَ عليل |
| إِن السماحة والمروءة والندى | في قبَّة ضربت على ابن الحشرج |
الفوَائِد: الأولى: حكى المفسرون أقوالاً كثيرة في الحجر الذي ضربه موسى فجرت منه العيون ما هو؟ وكيف وصفه؟ وقد ضربنا صفحاً عن هذا الأقوال والذي يكفي في فهم معنى الآية أن واقعة انفجار الماء إِنما كان على وجه «المعجزة» وأن الحجر الذي ضربه موسى كان من الصخر الأصم الذي ليس من شأنه الانفجار بالماء، وهنا تكون المعجزة أوضح، والبرهان أسطع قال الحسن البصري: لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه قال: وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة.
الثانية: فإِن قيل ما الحكمة في جعل الماء اثنتي عشرة عيناً؟ والجواب: أن قوم موسى كانوا كثيرين وكانوا في الصحراء، والناس إِذا اشتدت بهم الحاجة إِلى الماء ثم وجدوه فإنه يقع بينهم تشاجر وتنازع، فأكمل الله هذه النعمة بأن عيّن لكل سبط منهم ماءً معيناً على عددهم لأنهم كانوا اثني عشر سبطاً، وهم ذرية أبناء يعقوب الاثني عشر والله أعلم.
الثالثة: ذهب بعض المفسرين إِلى أن المراد بالفوم في قوله ﴿وَفُومِهَا﴾ الحنطة والأرجح أن المراد به الثوم بدليل قراءة ابن مسعود ﴿وثومها﴾ وبدليل اقتران البصل بعده قال الفخر الرازي:
55
الثوم أوفق للعدس والبصل من الحنطة، واستدل القرطبي على ذلك بقول حسان:
يعني الثوم والبصل.
| وأنتم أُناسٌ لئامُ الأصول | طعامكم الفوم والحوقل |
56
المنَاسَبَة: لمّا ذكرهم تعالى بالنعم الجليلة العظيمة، أردف ذلك ببيان ما حلَّ بهم من نقم، جزاء كفرهم وعصيانهم وتمردهم على أوامر الله، فقد كفروا النعمة، ونقضوا الميثاق، واعتدوا في السبت فمسخهم الله إِلى قردة، وهكذا شأن كل أمةٍ عتت عن أمر ربها وعصت رسله.
اللغَة: ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ الميثاق: العهد المؤكد بيمين ونحوه، والمراد به هنا العمل بأحكام التوراة ﴿الطور﴾ هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بحزمٍ وعزم ﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ التولي: الإِعراض عن الشيء والإِدبار عنه ﴿خَاسِئِينَ﴾ جمع خاسئ وهو الذليل المهين قال أهل اللغة: الخاسئ: الصاغر المبعد المطرود كالكلب إِذا دنا من الناس قيل له: اخسأ أي تباعد وانطرد صاغراً. ﴿نَكَالاً﴾ النكال: العقوبة الشديدة الزاجرة ولا يقال لكل عقوبة نكالٌ حتى تكون زاجرة رادعة.
التفِسير: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين أخذنا منكم العهد المؤكد على العمل بما في التوراة ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور﴾ أي نتفناه حتى أصبح كالظلة فوقكم وقلنا لكم ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾ أي اعملوا بما في التوراة بجد وعزيمة ﴿واذكروا مَا فِيهِ﴾ أي احفظوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي لتتقوا الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، أو رجاء منكم أن تكونوا من فريق المتقين ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذلك﴾ أأعرضتم عن الميثاق بعد أخذه ﴿فَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي بقبول التوبة ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ بالعفو عن الزلة ﴿لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين﴾ أي لكنتم من الهالكين في الدنيا والآخرة ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت﴾ أي عرفتم ما فعلنا بمن عصى أمرنا حين خالفوا واصطادوا يوم السبت وقد نهيناهم عن ذلك ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ أي مسخناهم قردة بعد أن كانوا بشراً مع الذلة والإِهانة ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي المسخة ﴿نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ أي عقوبة زاجرة لمن يأتي بعدها من الأمم ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ أي جعلنا مسخهم قردة عبرة لمن شهدها
اللغَة: ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ الميثاق: العهد المؤكد بيمين ونحوه، والمراد به هنا العمل بأحكام التوراة ﴿الطور﴾ هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بحزمٍ وعزم ﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ التولي: الإِعراض عن الشيء والإِدبار عنه ﴿خَاسِئِينَ﴾ جمع خاسئ وهو الذليل المهين قال أهل اللغة: الخاسئ: الصاغر المبعد المطرود كالكلب إِذا دنا من الناس قيل له: اخسأ أي تباعد وانطرد صاغراً. ﴿نَكَالاً﴾ النكال: العقوبة الشديدة الزاجرة ولا يقال لكل عقوبة نكالٌ حتى تكون زاجرة رادعة.
التفِسير: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين أخذنا منكم العهد المؤكد على العمل بما في التوراة ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور﴾ أي نتفناه حتى أصبح كالظلة فوقكم وقلنا لكم ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾ أي اعملوا بما في التوراة بجد وعزيمة ﴿واذكروا مَا فِيهِ﴾ أي احفظوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي لتتقوا الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، أو رجاء منكم أن تكونوا من فريق المتقين ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذلك﴾ أأعرضتم عن الميثاق بعد أخذه ﴿فَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي بقبول التوبة ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ بالعفو عن الزلة ﴿لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين﴾ أي لكنتم من الهالكين في الدنيا والآخرة ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت﴾ أي عرفتم ما فعلنا بمن عصى أمرنا حين خالفوا واصطادوا يوم السبت وقد نهيناهم عن ذلك ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ أي مسخناهم قردة بعد أن كانوا بشراً مع الذلة والإِهانة ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي المسخة ﴿نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ أي عقوبة زاجرة لمن يأتي بعدها من الأمم ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ أي جعلنا مسخهم قردة عبرة لمن شهدها
56
وعاينها وعبرة لمن جاء بعدها ولم يشاهدها ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي عظةً وذكرى لكل عبدٍ صالحٍ متّقٍ لله سبحانه وتعالى.
البَلاَغَة: أولاً: ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾ فيه إِيجاز بالحذف أي قلنا لهم خذوا فهو كما قال الزمخشري على إرادة القول.
ثانياً: ﴿كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ خرج الأمر عن حقيقته إِلى معنى الإِهانة والتحقير، وقال بعض المفسرين: هذا أمر تسخيرٍ وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم من حقيقة البشرية إِلى حقيقة القردة.
ثالثاً: ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ كناية عمن أتى قبلها أو أتى بعدها من الأمم والخلائق، أو عبرة لمن تقدم ومن تأخر.
الفوَائِد: الأولى: قال القفال: إِنما قال ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ ولم يقل «مواثيقكم» لأنه أراد ميثاق كل واحدٍ منكم كقوله
﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر: ٦٧] أي يخرج كل واحدٍ منكم طفلاً.
الثانية: قال بعض أهل اللطائف: كانت نفوس بني إِسرائيل من ظلمات عصيانها تخبط في عشواء حالكة الجلباب، وتخطر من غلوائها وعلوّها في حلتي كبرٍ وإِعجاب، فلما أُمروا بأخذ التوراة ورأوا ما فيها من أثقال ثارت نفوسهم فرفع الله عليهم الجبل فوجدوه أثقل مما كلِّفوه، فهان عليهم حمل التوراة قال الشاعر:
إِلى الله يُدعَى بالبراهينِ من أَبى فإِن لم يُجبْ نادته بيض الصَّوارم
الثالثة: إِنما خصَّ المتقين بإِضافة الموعظة إِليهم ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ لأنهم هم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير قال تعالى ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ [الذاريات: ٥٥].
البَلاَغَة: أولاً: ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾ فيه إِيجاز بالحذف أي قلنا لهم خذوا فهو كما قال الزمخشري على إرادة القول.
ثانياً: ﴿كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ خرج الأمر عن حقيقته إِلى معنى الإِهانة والتحقير، وقال بعض المفسرين: هذا أمر تسخيرٍ وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم من حقيقة البشرية إِلى حقيقة القردة.
ثالثاً: ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ كناية عمن أتى قبلها أو أتى بعدها من الأمم والخلائق، أو عبرة لمن تقدم ومن تأخر.
الفوَائِد: الأولى: قال القفال: إِنما قال ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ ولم يقل «مواثيقكم» لأنه أراد ميثاق كل واحدٍ منكم كقوله
﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر: ٦٧] أي يخرج كل واحدٍ منكم طفلاً.
الثانية: قال بعض أهل اللطائف: كانت نفوس بني إِسرائيل من ظلمات عصيانها تخبط في عشواء حالكة الجلباب، وتخطر من غلوائها وعلوّها في حلتي كبرٍ وإِعجاب، فلما أُمروا بأخذ التوراة ورأوا ما فيها من أثقال ثارت نفوسهم فرفع الله عليهم الجبل فوجدوه أثقل مما كلِّفوه، فهان عليهم حمل التوراة قال الشاعر:
إِلى الله يُدعَى بالبراهينِ من أَبى فإِن لم يُجبْ نادته بيض الصَّوارم
الثالثة: إِنما خصَّ المتقين بإِضافة الموعظة إِليهم ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ لأنهم هم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير قال تعالى ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ [الذاريات: ٥٥].
57
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﱂ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﱃ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﱄ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﱅ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﱆ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱇ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﱈ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﱉ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى بعض قبائح اليهود وجرائمهم، من نقض المواثيق، واعتدائهم في السبت، وتمردهم على الله عَزَّ وَجَلَّ في تطبيق شريعته المنزلة، أعقبه بذكر نوعٍ آخر من مساوئهم ألا وهو مخالفتهم للأنبياء وتكذيبهم لهم، وعدم مسارعتهم لامتثال الأوامر التي يوحيها الله إِليهم، ثم كثرة اللجاج والعناد للرسل صلوات الله عليهم، وجفاؤهم في مخاطبة نبيهم الكريم موسى عليه السلام، إلى آخر ما هنالك من قبائح ومساوئ.
اللغَة: ﴿هُزُواً﴾ الهزؤ: السخرية بضم الزاي وقلب الهمزة واواً ﴿هُزُواً﴾ مثل ﴿كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] والمعنى على حذف مضاف أي أأتخذنا موضع هزؤ، أو يحمل المصدر على معنى اسم المفعول أي أتجعلنا مهزوءاً بنا ﴿فَارِضٌ﴾ الفارض: الهزمة المسنة التي كبرت وطعنت في السن كذا في لسان العرب قال الشاعر:
﴿عَوَانٌ﴾ وسط ليست بمسنَّة ولا صغيرة، وقيل هي التي ولدت بطناً أو بطنين، ﴿فَاقِعٌ﴾ الفقوع: شدة الصفرة يقال: أصفر فاقع أي شديد الصفرة كما يقال: أحمر قانٍ أي شديد الحمرة قال الطبري: وهو نظير النصوع في البياض ﴿ذَلُولٌ﴾ أي مذللة للعمل يقال: دابة ذلول أي ريّضة زالت صعوبتها فقوله ﴿لاَّ ذَلُولٌ﴾ أي لم تذلّل لإِثارة الأرض أي لحرثها ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من السلامة أي خالصة ومبرأة من العيوب ﴿شِيَةَ﴾ الشِّية: اللمعة المخالفة لبقية اللون الأصلي قال الطبري: ﴿لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ أي لا بياض ولا سواد يخالف لونها ﴿فادارأتم﴾ أي تدافعتم واختلفتم وتنازعتم وأصلها تدارأتم أدغمت التاء في الدال، وأُتي بهمزة الوصل ليتوصل بها إِلى النطق بالسكن فصار أدّارأتم، ومعنى الدرء: الدفع لأن كلاً من الفريقين كان يدرأ على الآخر أي يدفع وفي الحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» ﴿قَسَتْ﴾ القسوة: الصلابة ونقيضها الرقة ﴿يَشَّقَّقُ﴾ التشقق: التصدع بطولٍ أو عرض ﴿يَهْبِطُ﴾ الهبوط: النزول من أعلى إِلى أسفل.
«معجزة إحياء الميت وقصة البقرة»
ذكر القصة: روى ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال: «كان رجل من بني إِسرائيل عقيماً لا يولد له وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلاً فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال ذوو الرأي منهم والنُّهى: علام يقتل بعضنا بعضاً وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ قال: ولو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شدّدوا فشدَّد الله
اللغَة: ﴿هُزُواً﴾ الهزؤ: السخرية بضم الزاي وقلب الهمزة واواً ﴿هُزُواً﴾ مثل ﴿كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] والمعنى على حذف مضاف أي أأتخذنا موضع هزؤ، أو يحمل المصدر على معنى اسم المفعول أي أتجعلنا مهزوءاً بنا ﴿فَارِضٌ﴾ الفارض: الهزمة المسنة التي كبرت وطعنت في السن كذا في لسان العرب قال الشاعر:
| لعمري لقد أعطيتَ ضيفك فارضاً | تُساق إِليه ما تقوم على رجل |
| ولم تعطه بكراً فيرضى سمينةً | فكيف تُجازى بالمودة والفضل؟ |
«معجزة إحياء الميت وقصة البقرة»
ذكر القصة: روى ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال: «كان رجل من بني إِسرائيل عقيماً لا يولد له وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلاً فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال ذوو الرأي منهم والنُّهى: علام يقتل بعضنا بعضاً وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ قال: ولو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شدّدوا فشدَّد الله
58
عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً، فاشتروها بملء جلدها ذهباً فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ قال: هذا وأشار على ابن أخيه ثم مال ميتاً، فلم يعط من ماله شيئاً فلم يورث قاتل بعد» وفي رواية «فأخذوا الغلام فقتلوه».
التفسير: ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قال لكم نبيكم موسى إِن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ﴿قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً﴾ أي فكان جوابكم الوقح لنبيكم أن قلتم: أتهزأ بنا يا موسى ﴿قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ أي ألتجئ إلى الله أن أكون في زمرة المستهزئين الجاهلين ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ أي ما هي هذه البقرة وأي شيء صفتها؟ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾ أي لا كبيرة هرمة، ولا صغيرة لم يلقحها الفحل ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ أي وسط بين الكبيرة والصغيرة ﴿فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ﴾ أي افعلوا ما أمركم به ربكم ولا تتعنتوا ولا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا﴾ أي ما هو لونها أبيض أم أسود أم غير ذلك؟ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ الناظرين﴾ أي إِنها بقرة صفراء شديدة الصفرة، حسن منظرها تسر كل من رآها. ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ أعادوا السؤال عن حال البقرة بعد أن عرفوا سنها ولونها ليزدادوا بياناً لوصفها، ثم اعتذروا بأن البقر الموصوف بكونه عواناً وبالصفرة الفاقعة كثيرٌ ﴿إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ أي التبس الأمر علينا فلم ندر ما البقرة المأمور بذبحها ﴿وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ﴾ أي سنتهدي إِلى معرفتها إِن شاء الله، ولو لم يقولوا ذلك لم يهتدوا إِليها أبداً كما ثبت في الحديث ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض وَلاَ تَسْقِي الحرث﴾ أي ليست هذه البقرة مسخرة لحراثة الأرض، ولا لسقاية الزرع ﴿مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ أي سليمة من العيوب ليس فيها لونٌ آخر يخالف لونها فهي صفراء كلها ﴿قَالُواْ الآن جِئْتَ بالحق﴾ أي الآن بينتها لنا بياناً شافياً لا غموض فيه ولا لبس قال تعالى
إِخباراً عنهم ﴿وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة ثم أخبر تعالى عن سبب أمرهم بذبح البقرة، وعما شهدوه من آيات الله الباهرة، فقال ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قتلتم نفسا ﴿فادارأتم فِيهَا﴾ أي تخاصتم وتدافعتم بشأنها، وأصبح كل فريق يدفع التهمة عن نفسه وينسبها لغيره ﴿والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ أي مظهر ما تخفونه ﴿فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا﴾ أي اضربوا القتيل بشيء من البقرة يحيا ويخبركم عن قاتله ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى﴾ أي كما أحيا هذا القتيل أمام أبصاركم يحي الموتى من قبورهم ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي يريكم دلائل قدرته لتتفكروا وتتدبروا وتعلموا أن الله على كل شيء قدير.
ثم أخبر تعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم فقال ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي صلبت قلوبهم يا معشر اليهود فلا يؤثر فيها وعظٌ ولا تذكير ﴿مِّن بَعْدِ ذلك﴾ أي من بعد رؤية المعجزات الباهرة ﴿فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ أي بعضها كالحجارة وبعضها أشد قسوة من الحجارة كالحديد ﴿وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار﴾ أي تتدفق منها الأنهار الغزيرة {وَإِنَّ مِنْهَا
التفسير: ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قال لكم نبيكم موسى إِن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ﴿قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً﴾ أي فكان جوابكم الوقح لنبيكم أن قلتم: أتهزأ بنا يا موسى ﴿قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ أي ألتجئ إلى الله أن أكون في زمرة المستهزئين الجاهلين ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ أي ما هي هذه البقرة وأي شيء صفتها؟ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾ أي لا كبيرة هرمة، ولا صغيرة لم يلقحها الفحل ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ أي وسط بين الكبيرة والصغيرة ﴿فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ﴾ أي افعلوا ما أمركم به ربكم ولا تتعنتوا ولا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا﴾ أي ما هو لونها أبيض أم أسود أم غير ذلك؟ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ الناظرين﴾ أي إِنها بقرة صفراء شديدة الصفرة، حسن منظرها تسر كل من رآها. ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ أعادوا السؤال عن حال البقرة بعد أن عرفوا سنها ولونها ليزدادوا بياناً لوصفها، ثم اعتذروا بأن البقر الموصوف بكونه عواناً وبالصفرة الفاقعة كثيرٌ ﴿إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ أي التبس الأمر علينا فلم ندر ما البقرة المأمور بذبحها ﴿وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ﴾ أي سنتهدي إِلى معرفتها إِن شاء الله، ولو لم يقولوا ذلك لم يهتدوا إِليها أبداً كما ثبت في الحديث ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض وَلاَ تَسْقِي الحرث﴾ أي ليست هذه البقرة مسخرة لحراثة الأرض، ولا لسقاية الزرع ﴿مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ أي سليمة من العيوب ليس فيها لونٌ آخر يخالف لونها فهي صفراء كلها ﴿قَالُواْ الآن جِئْتَ بالحق﴾ أي الآن بينتها لنا بياناً شافياً لا غموض فيه ولا لبس قال تعالى
إِخباراً عنهم ﴿وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة ثم أخبر تعالى عن سبب أمرهم بذبح البقرة، وعما شهدوه من آيات الله الباهرة، فقال ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قتلتم نفسا ﴿فادارأتم فِيهَا﴾ أي تخاصتم وتدافعتم بشأنها، وأصبح كل فريق يدفع التهمة عن نفسه وينسبها لغيره ﴿والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ أي مظهر ما تخفونه ﴿فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا﴾ أي اضربوا القتيل بشيء من البقرة يحيا ويخبركم عن قاتله ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى﴾ أي كما أحيا هذا القتيل أمام أبصاركم يحي الموتى من قبورهم ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي يريكم دلائل قدرته لتتفكروا وتتدبروا وتعلموا أن الله على كل شيء قدير.
ثم أخبر تعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم فقال ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي صلبت قلوبهم يا معشر اليهود فلا يؤثر فيها وعظٌ ولا تذكير ﴿مِّن بَعْدِ ذلك﴾ أي من بعد رؤية المعجزات الباهرة ﴿فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ أي بعضها كالحجارة وبعضها أشد قسوة من الحجارة كالحديد ﴿وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار﴾ أي تتدفق منها الأنهار الغزيرة {وَإِنَّ مِنْهَا
59
لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء} أي من الحجارة ما يتصدع إِشفاقاً من عظمة الله فينبع منه الماء ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله﴾ أي ومنها ما يتفتت ويتردّى من رءوس الجبال من خشية الله، فالحجارة تلين وتخشع وقلوبكم يا معشر اليهود لا تتأثر ولا تلين ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي أنه تعالى رقيب على أعمالهم لا تخفى عليه خافية، وسيجازيهم عليها يوم القيامة، وفي هذا وعيد تهديد.
البَلاَغَة: أولاً: قوله تعالى ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ من إِيجاز القرآن أن حذف من صدر هذه الجملة جملتين مفهومتين من نظم الكلام والتقدير: فطلبوا البقرة الجامعة للأوصاف السابقة وحصلوها، فلما اهتدوا إِليها ذبحوها وهذا من الإِيجاز بالحذف.
ثانياً: قوله تعالى ﴿والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ هذه الجملة اعتراضية بين قوله ﴿فادارأتم﴾ وقوله ﴿فَقُلْنَا اضربوه﴾ والجملة المعترضة بين ما شأنهما الاتصال تجيء تحلية يزداد بها الكلام البليغ حسناً، وفائدة الاعتراض هنا إِشعار المخاطبين بأن الحقيقة ستنجلي لا محالة.
ثالثاً: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ وصف القلوب بالصلابة والغلظ يراد منه نبُوُّها عن الاعتبار، وعدم تأثرها بالمواعظ ففيه استعارة تصريحية قال أبو السعود: القسوة عبارة عن الغلظ والجفاء والصلابة كما في الحجر استعيرت لِنُبُوِّ قلوبهم عن التأثر بالعظات والقوارع يالتي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور.
رابعاً: ﴿فَهِيَ كالحجارة﴾ فيه تشبيه يسمى (مرسلاً مجملاً) لأن أداة الشبه المذكورة ووجه الشبه محذوف.
خامساً: ﴿لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار﴾ أي ماء الأنهار، والعرب يطلقون اسم المحل كالنهر على الحال فيه كالماء والقرينة ظاهرة لأن التفجر إِنما يكون للماء ويسمى هذا مجازاً مرسلاً.
الفوَائِد: الفائدة الأولى: نبه قوله تعالى ﴿قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ على أن الاستهزاء بأمرٍ من أمورالدين جهل كبير، وقد منع المحققون من أهل العلم استعمال الآيات كأمثال يضربونها في مقام المزح والهزل، وقالوا إِنما أنزل القرآن للتدبر والخشوع لا للتسلي والتفكه والمزاح.
الثانية: الخطاب في قوله ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ لليهود المعاصرين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقد جرى على الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام، إِذ ينسب إِلى الخلف ما فعل السلف إِذا كانوا سائرين على نهجهم، راضين بفعلهم، وفيه توبيخ وتقريع للغابرين والحاضرين.
الثالثة: هذه الواقعة واقعة (قتل النفس) جرت قبل أمرهم بذبح البقرة، وإن وردت في الذكر بعده، والسرُّ في ذلك التشويق إِلى معرفة السبب في ذبح البقرة، والتكرير في التقريع والتوبيخ قال العلامة ابن السعود، وإِنما غُيِّر الترتيب لتكرير التوبيخ وتثنية التقريع، فإن كل واحدٍ من قتل النفس
البَلاَغَة: أولاً: قوله تعالى ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ من إِيجاز القرآن أن حذف من صدر هذه الجملة جملتين مفهومتين من نظم الكلام والتقدير: فطلبوا البقرة الجامعة للأوصاف السابقة وحصلوها، فلما اهتدوا إِليها ذبحوها وهذا من الإِيجاز بالحذف.
ثانياً: قوله تعالى ﴿والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ هذه الجملة اعتراضية بين قوله ﴿فادارأتم﴾ وقوله ﴿فَقُلْنَا اضربوه﴾ والجملة المعترضة بين ما شأنهما الاتصال تجيء تحلية يزداد بها الكلام البليغ حسناً، وفائدة الاعتراض هنا إِشعار المخاطبين بأن الحقيقة ستنجلي لا محالة.
ثالثاً: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ وصف القلوب بالصلابة والغلظ يراد منه نبُوُّها عن الاعتبار، وعدم تأثرها بالمواعظ ففيه استعارة تصريحية قال أبو السعود: القسوة عبارة عن الغلظ والجفاء والصلابة كما في الحجر استعيرت لِنُبُوِّ قلوبهم عن التأثر بالعظات والقوارع يالتي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور.
رابعاً: ﴿فَهِيَ كالحجارة﴾ فيه تشبيه يسمى (مرسلاً مجملاً) لأن أداة الشبه المذكورة ووجه الشبه محذوف.
خامساً: ﴿لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار﴾ أي ماء الأنهار، والعرب يطلقون اسم المحل كالنهر على الحال فيه كالماء والقرينة ظاهرة لأن التفجر إِنما يكون للماء ويسمى هذا مجازاً مرسلاً.
الفوَائِد: الفائدة الأولى: نبه قوله تعالى ﴿قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ على أن الاستهزاء بأمرٍ من أمورالدين جهل كبير، وقد منع المحققون من أهل العلم استعمال الآيات كأمثال يضربونها في مقام المزح والهزل، وقالوا إِنما أنزل القرآن للتدبر والخشوع لا للتسلي والتفكه والمزاح.
الثانية: الخطاب في قوله ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ لليهود المعاصرين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقد جرى على الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام، إِذ ينسب إِلى الخلف ما فعل السلف إِذا كانوا سائرين على نهجهم، راضين بفعلهم، وفيه توبيخ وتقريع للغابرين والحاضرين.
الثالثة: هذه الواقعة واقعة (قتل النفس) جرت قبل أمرهم بذبح البقرة، وإن وردت في الذكر بعده، والسرُّ في ذلك التشويق إِلى معرفة السبب في ذبح البقرة، والتكرير في التقريع والتوبيخ قال العلامة ابن السعود، وإِنما غُيِّر الترتيب لتكرير التوبيخ وتثنية التقريع، فإن كل واحدٍ من قتل النفس
60
المحرمة، والاستهزاء بموسى عليه السلام والافتيات على أمره جناية عظيمة جديرة بأن تنعى عليهم.
الرابعة: ذكر تعالى إِحياء الموتى في هذه السورة الكريمة في خمسة مواضع: أ - في قوله ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٦] ب - وفي هذه القصة ﴿فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا﴾ ج - وفي قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ﴿فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] د - وفي قصة عزير ﴿فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] هـ وفي قصة إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى﴾ [البقرة: ٢٦٠].
الخامسة: ﴿أوْ﴾ في قوله تعالى ﴿كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ بمعنى «بَلْ» أي بل أشد قسوة كقوله تعالى ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] وقال بعضهم: هي للترديد، أو التخيير فمن عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى كالحديد، ومن لم يعرفها شبهها بالحجارة أو قال: هي أقسى من الحجارة.
السادسة: ذهب بعض المفسرين إلى أن الخشية هنا حقيقية، وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها كقوله تعالى ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] وقال آخرون: بل هو من باب المجاز كقول القائل: قال الحائط للمسمار لم تشقني؟ قال: سل من يدقني والله أعلم؟
الرابعة: ذكر تعالى إِحياء الموتى في هذه السورة الكريمة في خمسة مواضع: أ - في قوله ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٦] ب - وفي هذه القصة ﴿فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا﴾ ج - وفي قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ﴿فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] د - وفي قصة عزير ﴿فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ [البقرة: ٢٥٩] هـ وفي قصة إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى﴾ [البقرة: ٢٦٠].
الخامسة: ﴿أوْ﴾ في قوله تعالى ﴿كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ بمعنى «بَلْ» أي بل أشد قسوة كقوله تعالى ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] وقال بعضهم: هي للترديد، أو التخيير فمن عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى كالحديد، ومن لم يعرفها شبهها بالحجارة أو قال: هي أقسى من الحجارة.
السادسة: ذهب بعض المفسرين إلى أن الخشية هنا حقيقية، وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها كقوله تعالى ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] وقال آخرون: بل هو من باب المجاز كقول القائل: قال الحائط للمسمار لم تشقني؟ قال: سل من يدقني والله أعلم؟
61
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﱊ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ
ﱋ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ
ﱌ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﱍ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﱎ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﱏ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﱐ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﱑ
المناسَبَة: لما ذكر تعالى عناد اليهود، وعدم امتثالهم لأوامرالله تعالى، ومجادلتهم للأنبياء الكرام، وعدم الانقياد والإِذعا، عقَّب ذلك بذكر بعض القبائح والجرائم التي ارتكبوها كتحريف
61
كلام الله تعالى، وادعائهم بأنهم أحباب الله، وأن النارلن تمسَّهم إِلا بضعة أيام قليلة، إلى آخر ما هم عليه من أماني كاذبة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وقد بدأ تعالى الآيات بتيئيس المسلمين من إِيمانهم لأنهم فطروا على الضلال، وجبلوا على العناد والمكابرة.
اللغَة: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ الطمع: تعلق النفس بشيء مطلوب تعلقاً قوياً، فإِذا اشتد فهو طمع، وإِذا ضعف كان رجاءً ورغبةً ﴿فَرِيقٌ﴾ الفريق: الجماعة وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ التحريف: التبديل والتغيير وأصله من الانحراف عن الشيء ﴿عَقَلُوهُ﴾ عقل الشيء أدركه بعقله والمراد فهموه وعرفوه ﴿أُمِّيُّونَ﴾ جمع أمي وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، سميَّ بذلك نسبة إِلى الأم، لأنه باقٍ على ما ولدته عليه أمه من عدم المعرفة ﴿أمانيّ﴾ جمع أمنية وهي ما يتمناه الإِنسان ويشتهيه، أو يقدّر في نفسه من مُنى ولذلك تطلق على الكذب قال أعرابي لإِنسان: «أهذا شيء رأيته أم تمنيته» أي اختلقته، وتأتي بمعنى قرأ قال حسان: تمنّى كتاب الله أول ليلة ﴿فَوَيْلٌ﴾ الويل: الهلاك والدماء وقيل: الفضيحة والخزي، وهي كلمة تستعمل في الشر والعذاب قال القاضي: هي نهاية الوعيد والتهديد كقوله ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] وقال سيبويه: ويلٌ لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها.
سَبَبُ النّزول: ١ - نزلت في الأنصار كانوا حلفاء لليهود وبينهم جوارٌ ورضاعة وكانوا يودون لو أسلموا فأنزل الله تعالى ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ الآية.
٢ - وروى مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون: إِن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإِنما نُعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإِنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى ﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾.
التفِسير: يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين فيقول ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ أي أترجون يا معشر المؤمنين أن يسلم اليهود ويدخلوا في دينكم ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله﴾ أي والحال قد كان طائفة من أحبارهم وعلمائهم يتلون كتاب الله ويسمعونه بيناً جلياً ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ أي يغيّرون آيات التوراة بالتبديل أو التأويل، من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم يرتكبون جريمة أي أنهم يخالفونه على بصيرة لا عن خطأ أو نسيان ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا﴾ أي إِذا اجتمعوا بأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال المنافقون من اليهود آمنا بأنكم على الحق، وأن محمداً هو الرسول المبشَّر به ﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ﴾ أي إذا انفرد واختلى بعضهم ببعض ﴿قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي قالوا عاتبين عليهم أتخبرون أصحاب محمد بما بيَّن الله لكم في التوراة من صفة محمد عليه السلام ﴿لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم في الآخرة في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟ أي أفليست لكم عقول تمنعكم من أن تحدثوهم بما يكون لهم في حجة عليكم؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم
اللغَة: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ الطمع: تعلق النفس بشيء مطلوب تعلقاً قوياً، فإِذا اشتد فهو طمع، وإِذا ضعف كان رجاءً ورغبةً ﴿فَرِيقٌ﴾ الفريق: الجماعة وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ التحريف: التبديل والتغيير وأصله من الانحراف عن الشيء ﴿عَقَلُوهُ﴾ عقل الشيء أدركه بعقله والمراد فهموه وعرفوه ﴿أُمِّيُّونَ﴾ جمع أمي وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، سميَّ بذلك نسبة إِلى الأم، لأنه باقٍ على ما ولدته عليه أمه من عدم المعرفة ﴿أمانيّ﴾ جمع أمنية وهي ما يتمناه الإِنسان ويشتهيه، أو يقدّر في نفسه من مُنى ولذلك تطلق على الكذب قال أعرابي لإِنسان: «أهذا شيء رأيته أم تمنيته» أي اختلقته، وتأتي بمعنى قرأ قال حسان: تمنّى كتاب الله أول ليلة ﴿فَوَيْلٌ﴾ الويل: الهلاك والدماء وقيل: الفضيحة والخزي، وهي كلمة تستعمل في الشر والعذاب قال القاضي: هي نهاية الوعيد والتهديد كقوله ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] وقال سيبويه: ويلٌ لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها.
سَبَبُ النّزول: ١ - نزلت في الأنصار كانوا حلفاء لليهود وبينهم جوارٌ ورضاعة وكانوا يودون لو أسلموا فأنزل الله تعالى ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ الآية.
٢ - وروى مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون: إِن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإِنما نُعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإِنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى ﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾.
التفِسير: يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين فيقول ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ أي أترجون يا معشر المؤمنين أن يسلم اليهود ويدخلوا في دينكم ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله﴾ أي والحال قد كان طائفة من أحبارهم وعلمائهم يتلون كتاب الله ويسمعونه بيناً جلياً ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ أي يغيّرون آيات التوراة بالتبديل أو التأويل، من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم يرتكبون جريمة أي أنهم يخالفونه على بصيرة لا عن خطأ أو نسيان ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا﴾ أي إِذا اجتمعوا بأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال المنافقون من اليهود آمنا بأنكم على الحق، وأن محمداً هو الرسول المبشَّر به ﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ﴾ أي إذا انفرد واختلى بعضهم ببعض ﴿قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي قالوا عاتبين عليهم أتخبرون أصحاب محمد بما بيَّن الله لكم في التوراة من صفة محمد عليه السلام ﴿لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم في الآخرة في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟ أي أفليست لكم عقول تمنعكم من أن تحدثوهم بما يكون لهم في حجة عليكم؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم
62
قال تعالى رداً عليهم وتوبيخاً ﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي ألا يعلم هؤلاء اليهود أن الله يعلم ما يخفون وما يظهرون، وأنه تعالى لا تخفى عليه خافية، فكيف يقولون ذلك ثم يزعمون الإِيمان!!
ولما ذكر تعالى العلماء الذين حرّفوا وبدّلوا، ذكر العوام الذين قلدوهم ونبّه أنهم في الضلال سواء فقال: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب﴾ أي ومن اليهود طائفة من الجهلة العوامّ، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ليطلعوا على ما في التوراة بأنفسهم ويتحققوا بما فيها ﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ أي إِلاَّ ما هم عليه من الأماني التي منّاهم بها أحبارهم، من أن الله يعفو عنهم ويرحمهم، وأن النار لن تمسهم إِلا أياماً معدودة، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، إلى غير ما هنالك من الأماني الفارغة ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ أي ما هم على يقين من أمرهم، بل هم مقلّدون للآباء تقليد أهل العمى والغباء.
ثم ذكر تعالى جريمة أولئك الرؤساء المضلّين، الذين أضلّوا العامة في سبيل حطام الدنيا فقال ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ أي هلاك وعذاب لأولئك الذين حرّفوا التوراة، وكتبوا تلك الآيات المحرفة بأيديهم ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله﴾ أي يقولون لأتباعهم الأميين هذا الذي تجدونه هو من نصوص التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، مع أنهم كتبوها بأيديهم ونسبوها إِلى الله كذباً وزوراً ﴿لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي لينالوا به عرض الدنيا وحطامها الفاني ﴿فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي فشدة عذاب لهم على ما فعلوا من تحريف الكتاب ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ أي وويل لهم مما يصيبون من الحرام والسحت ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾ أي لن ندخل النار إِلا أياماً قلائل، هي مدة عبادة العجل، أو سبعة أيام فقط ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً﴾ أي قل لهم يا محمد على سبيل الإِنكار والتوبيخ: هل أعطاكم الله الميثاق والعهد بذلك؟ فإذا كان قد وعدكم بذلك ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ﴾ لأن الله لا يخلف الميعاد ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أم تكذبون على الله فتقولون عليه ما لم يقله، فتجمعون بين جريمة التحريف لكلام الله، والكذب والبهتان عليه جل وعلا.
ثم بيَّن تعالى كذب اليهود، وأبطل مزاعمهم بأن النار لن تمسهم وأنهم لا يخلدون فيها فقال: ﴿بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ أي بلى تمسكم النار وتخلدون فيها، كما يخلد الكافر الذي عمل الكبائر، وكذلك كل من اقترف السيئات ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته﴾ أي غمرته من جميع جوانبه، وسدّت عليه مسالك النجاة، بأن فعل مثل فعلكم أيها اليهود ﴿فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي فالنار ملازمة لهم لا يخرجون منها أبداً ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي وأما المؤمنون الذين جمعوا بين الإِيمان، والعمل الصالح فلا تمسهم النار، بل هم في روضات الجنات يحبرون ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي مخلدون في الجنان لا يخرجون منها أبداً، اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
البَلاَغَة: أولاً: قوله ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ جملة مفيدة لكمال قبح صنيعهم، فتحريفهم للتوراة كان عن قصد وتصميم لا عن جهل أو نسيان، ومن يرتكب المعصية عن علم يستحق الذم والتوبيخ أكثر ممن يرتكبها وهو جاهل.
ولما ذكر تعالى العلماء الذين حرّفوا وبدّلوا، ذكر العوام الذين قلدوهم ونبّه أنهم في الضلال سواء فقال: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب﴾ أي ومن اليهود طائفة من الجهلة العوامّ، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ليطلعوا على ما في التوراة بأنفسهم ويتحققوا بما فيها ﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ أي إِلاَّ ما هم عليه من الأماني التي منّاهم بها أحبارهم، من أن الله يعفو عنهم ويرحمهم، وأن النار لن تمسهم إِلا أياماً معدودة، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، إلى غير ما هنالك من الأماني الفارغة ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ أي ما هم على يقين من أمرهم، بل هم مقلّدون للآباء تقليد أهل العمى والغباء.
ثم ذكر تعالى جريمة أولئك الرؤساء المضلّين، الذين أضلّوا العامة في سبيل حطام الدنيا فقال ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ أي هلاك وعذاب لأولئك الذين حرّفوا التوراة، وكتبوا تلك الآيات المحرفة بأيديهم ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله﴾ أي يقولون لأتباعهم الأميين هذا الذي تجدونه هو من نصوص التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، مع أنهم كتبوها بأيديهم ونسبوها إِلى الله كذباً وزوراً ﴿لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي لينالوا به عرض الدنيا وحطامها الفاني ﴿فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي فشدة عذاب لهم على ما فعلوا من تحريف الكتاب ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ أي وويل لهم مما يصيبون من الحرام والسحت ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾ أي لن ندخل النار إِلا أياماً قلائل، هي مدة عبادة العجل، أو سبعة أيام فقط ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً﴾ أي قل لهم يا محمد على سبيل الإِنكار والتوبيخ: هل أعطاكم الله الميثاق والعهد بذلك؟ فإذا كان قد وعدكم بذلك ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ﴾ لأن الله لا يخلف الميعاد ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أم تكذبون على الله فتقولون عليه ما لم يقله، فتجمعون بين جريمة التحريف لكلام الله، والكذب والبهتان عليه جل وعلا.
ثم بيَّن تعالى كذب اليهود، وأبطل مزاعمهم بأن النار لن تمسهم وأنهم لا يخلدون فيها فقال: ﴿بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ أي بلى تمسكم النار وتخلدون فيها، كما يخلد الكافر الذي عمل الكبائر، وكذلك كل من اقترف السيئات ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته﴾ أي غمرته من جميع جوانبه، وسدّت عليه مسالك النجاة، بأن فعل مثل فعلكم أيها اليهود ﴿فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي فالنار ملازمة لهم لا يخرجون منها أبداً ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي وأما المؤمنون الذين جمعوا بين الإِيمان، والعمل الصالح فلا تمسهم النار، بل هم في روضات الجنات يحبرون ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي مخلدون في الجنان لا يخرجون منها أبداً، اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
البَلاَغَة: أولاً: قوله ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ جملة مفيدة لكمال قبح صنيعهم، فتحريفهم للتوراة كان عن قصد وتصميم لا عن جهل أو نسيان، ومن يرتكب المعصية عن علم يستحق الذم والتوبيخ أكثر ممن يرتكبها وهو جاهل.
63
ثانياً: قوله ﴿يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ ذكر الأيدي هنا لدفع توهم المجاز، وللتأكيد بأن الكتابة باشروها بأنفسهم كما يقول القائل: كتبته بيميني، وسمعته بأذني.
ثالثاً: قوله ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فيه من المحسّنات البديعية ما يسمى ب (الطباق) حيث جمع بين لفظتي «يسرون» و «يعلنون» وهو من نوع طباع الإِيجاب.
رابعاً: التكرير في قوله ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ وقوله ﴿فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ وقوله ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ للتوبيخ والتقريع ولبيان أن جريمتهم بلغت من القبح والشناعة الغاية القصوى.
خامساً: قوله ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته﴾ هو من باب الاستعارة حيث شبّه الخطايا بجيش من الأعداء نزل على قوم من كل جانب فأحاط به إِحاطة السوار بالمعصم، واستعار لفظة الإِحاطة لغلبة السيئات على الحسنات، فكأنها أحاطت بها من جميع الجهات.
الفَوائِد: الفائدة الأولى: تحريف كلام الله يصدق بتأويله تأويلاً فاسداً، ويصدق بمعنى التغيير وتبديل كلام بكلام، وقد وقع من أحبار اليهود التحريف بالتأويل، وبالتغيير، كما فعلوا في صفته عليه السلام قال العلامة أبو السعود: روي أن أحبار اليهود خافوا زوال رياستهم فعمدوا إِلى صفة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في التوراة وكانت هي فيها «حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، أبيض ربعة» فغيرّوها وكتبوا مكانها «طوال، أزرق، سبط الشعر» فإِذا سألهم العامة عن ذلك قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفاً لما في التوراة فيكذبونه.
الثانية: التحريف بقسمية وقع في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل كما قال تعالى ﴿يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] أما التحريف بمعنى التأويل الباطل فقد وقع في القرآن من الجهلة أو الملاحدة، وأما التحريف بمعنى إِسقاط الآية ووضع كلام بدلها فقد حفظ الله منه كتابه العزيز
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
الثالثة: روى البخاري عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنه قال «لما فتحت خيبراً أهديت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شاةٌ فيها سمٌّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اجمعوا لي من كان من اليهود هنا، فقال لهم رسول الله: مَنْ أبوكم؟ قالوا: فلان قال: كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا: صدقتَ وبررت ثم قال لهم: هل أنتم صادقيَّ عن شيء إِن سألتكم عنه؟ قالوا نعم يا أبا القاسم، وإِن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفنا في أبينا، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبداً، ثم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: هل أنتم صادقيَّ عن شيء إِن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا نعم قال: فما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إِن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإِن كنت نبياً لم يضرك».
ثالثاً: قوله ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فيه من المحسّنات البديعية ما يسمى ب (الطباق) حيث جمع بين لفظتي «يسرون» و «يعلنون» وهو من نوع طباع الإِيجاب.
رابعاً: التكرير في قوله ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ وقوله ﴿فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ وقوله ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ للتوبيخ والتقريع ولبيان أن جريمتهم بلغت من القبح والشناعة الغاية القصوى.
خامساً: قوله ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته﴾ هو من باب الاستعارة حيث شبّه الخطايا بجيش من الأعداء نزل على قوم من كل جانب فأحاط به إِحاطة السوار بالمعصم، واستعار لفظة الإِحاطة لغلبة السيئات على الحسنات، فكأنها أحاطت بها من جميع الجهات.
الفَوائِد: الفائدة الأولى: تحريف كلام الله يصدق بتأويله تأويلاً فاسداً، ويصدق بمعنى التغيير وتبديل كلام بكلام، وقد وقع من أحبار اليهود التحريف بالتأويل، وبالتغيير، كما فعلوا في صفته عليه السلام قال العلامة أبو السعود: روي أن أحبار اليهود خافوا زوال رياستهم فعمدوا إِلى صفة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في التوراة وكانت هي فيها «حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، أبيض ربعة» فغيرّوها وكتبوا مكانها «طوال، أزرق، سبط الشعر» فإِذا سألهم العامة عن ذلك قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفاً لما في التوراة فيكذبونه.
الثانية: التحريف بقسمية وقع في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل كما قال تعالى ﴿يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] أما التحريف بمعنى التأويل الباطل فقد وقع في القرآن من الجهلة أو الملاحدة، وأما التحريف بمعنى إِسقاط الآية ووضع كلام بدلها فقد حفظ الله منه كتابه العزيز
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
الثالثة: روى البخاري عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنه قال «لما فتحت خيبراً أهديت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شاةٌ فيها سمٌّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اجمعوا لي من كان من اليهود هنا، فقال لهم رسول الله: مَنْ أبوكم؟ قالوا: فلان قال: كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا: صدقتَ وبررت ثم قال لهم: هل أنتم صادقيَّ عن شيء إِن سألتكم عنه؟ قالوا نعم يا أبا القاسم، وإِن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفنا في أبينا، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبداً، ثم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: هل أنتم صادقيَّ عن شيء إِن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا نعم قال: فما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إِن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإِن كنت نبياً لم يضرك».
64
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﱒ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﱓ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﱔ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﱕ
المنَاسَبَة: لا تزال الآيات الكريمة تعدّد جرائم اليهود، وفي هذه الآيات أمثلة صارخة على عدوانهم وطغيانهم وإِفسادهم في الأرض، فقد نقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة، وقتلوا النفس التي حرّم الله، واستباحوا أكل أموال الناس بالباطل، واعتدوا على إِخوانهم في الدين فأخرجوهم من الديار، فاستحقوا اللعنة والخزي والدمار.
اللغَة: ﴿مِيثَاقَ﴾ الميثاق: العهد المؤكد باليمين غاية التأكيد، فإِن لم يكن مؤكداً سمى عهداً ﴿حُسْناً﴾ الحُسْنُ: اسم عام جامعٌ لمعاني الخير، ومنه لين القول، والأدب الجميل، والخلق الكريم، وضده القُبْح والمعنى: قولوا قولاً حُسْناً فهو صفة لمصدر محذوف ﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ التولّي عن الشيء: الإِعراضُ عنه ورفضُه وعدم قبوله كقوله ﴿عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا﴾ [النجم: ٢٩] وفرّق بعضهم بين التولي والإِعراض فقال: التولي بالجسم، والإِعراضُ بالقلب ﴿تَظَاهَرُونَ﴾ تتعاونون وهو مضارع حذف منه أحد التاءين، كأن المتظاهرين يسند كل واحد منهما ظهره إِلى الآخر، والظهير: المعنى ﴿الإثم﴾ الذنب الذي يستحق صاحبه الملامة وجمعه آثام ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ تجاوز الحد في الظلم ﴿خِزْيٌ﴾ الخزي: الهوان والمقت والعقوبة.
التفِسير: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ﴾ أي اذكروا حين أخذنا على أسلافكم يا معشر اليهود العهد المؤكد غاية التأكيد ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله﴾ بأن لا تعبدوا غير الله ﴿وبالوالدين إِحْسَاناً﴾ أي وأمرناهم بأن يحسنوا إِلى الوالدين إِحساناً ﴿وَذِي القربى واليتامى والمساكين﴾ أي وأن يحسنوا أيضاً إلى الأقرباء، واليتامى الذين مات آباؤهم وهم صغار، والمساكين الذين عجزوا عن الكسب ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ أي قولاً حسناً بخفض الجناح، ولين الجانب، مع الكلام الطيّب ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي صلوا وزكّوا كما فرض الله عليكم من أداء الركنين العظيمين «الصلاة، والزكاة»
اللغَة: ﴿مِيثَاقَ﴾ الميثاق: العهد المؤكد باليمين غاية التأكيد، فإِن لم يكن مؤكداً سمى عهداً ﴿حُسْناً﴾ الحُسْنُ: اسم عام جامعٌ لمعاني الخير، ومنه لين القول، والأدب الجميل، والخلق الكريم، وضده القُبْح والمعنى: قولوا قولاً حُسْناً فهو صفة لمصدر محذوف ﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ التولّي عن الشيء: الإِعراضُ عنه ورفضُه وعدم قبوله كقوله ﴿عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا﴾ [النجم: ٢٩] وفرّق بعضهم بين التولي والإِعراض فقال: التولي بالجسم، والإِعراضُ بالقلب ﴿تَظَاهَرُونَ﴾ تتعاونون وهو مضارع حذف منه أحد التاءين، كأن المتظاهرين يسند كل واحد منهما ظهره إِلى الآخر، والظهير: المعنى ﴿الإثم﴾ الذنب الذي يستحق صاحبه الملامة وجمعه آثام ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ تجاوز الحد في الظلم ﴿خِزْيٌ﴾ الخزي: الهوان والمقت والعقوبة.
التفِسير: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ﴾ أي اذكروا حين أخذنا على أسلافكم يا معشر اليهود العهد المؤكد غاية التأكيد ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله﴾ بأن لا تعبدوا غير الله ﴿وبالوالدين إِحْسَاناً﴾ أي وأمرناهم بأن يحسنوا إِلى الوالدين إِحساناً ﴿وَذِي القربى واليتامى والمساكين﴾ أي وأن يحسنوا أيضاً إلى الأقرباء، واليتامى الذين مات آباؤهم وهم صغار، والمساكين الذين عجزوا عن الكسب ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ أي قولاً حسناً بخفض الجناح، ولين الجانب، مع الكلام الطيّب ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي صلوا وزكّوا كما فرض الله عليكم من أداء الركنين العظيمين «الصلاة، والزكاة»
65
لأنهما أعظم العبادات البدنية والمالية ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ أي ثم رفضتم وأسلافكم الميثاق رفضاً باتاً، وأعرضتم عن العمل بموجبه إِلاّ قليلاً منكم ثبتوا عليه ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ﴾ أي واذكروا أيضاً يا بني إِسرائيل حين أخذنا عليكم العهد المؤكد بأن لا يقتل بعضكم بعضاً ﴿وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ﴾ ولا يعتدي بعضكم على بعض بالإِخراج من الديار، والإِجلاء عن الأوطان ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ أي ثمّ اعترفتم بالميثاق وبوجوب المحافظة عليه، وأنتم تشهدون بلزومه ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي ثم نقضتم أيضاً الميثاق يا معشر اليهود بعد إقراركم به، فقتلتم إِخوانكم في الدين، وارتكبتم ما نهيتم عنه من القتل ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ﴾ أي كما طردتموهم من ديارهم من غير التفات إِلى العهد الوثيق ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بالإثم وَالْعُدْوَانِ﴾ أي تتعاونون عليهم بالمعصية والظلم ﴿وَإِن يَأتُوكُمْ أسارى تُفَادُوهُمْ﴾ أي إذا وقعوا في الأسر فاديتموهم، ودفعتم المال لتخليصهم من الأسر ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾ أي فكيف تستبيحون القتل والإِخراج من الديار، ولا تستبيحون ترك الأسرى في أيدي عدوهم؟ ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ ؟ أي أفتؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعض؟ والغرض التوبيخ لأنهم جمعوا بين الكفر والإيمان، والكفر ببعض آيات الله كفرٌ بالكتاب كله ولهذا عقّب تعالى ذلك بقوله ﴿فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا﴾ أي ما عقوبة من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض إِلا ذلٌ وهوان، ومقتٌ وغضب في الدنيا ﴿وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العذاب﴾ أي وهم صائرون في الآخرة إِلى عذاب أشدّ منه، لأنه عذاب خالد لا ينقضي ولا ينتهي ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وفيه وعيد شديد لمن عصى أوامر الله، ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك العصيان والعدوان فقال ﴿أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة﴾ أي أولئك الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة هم الذين استبدلوا الحياة الدنيا بالآخرة بمعنى اختاروها وآثروها على الآخرة ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب﴾ أي لا يُفتَّر عنهم العذاب ساعة واحدة ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أي وليس لهم ناصر ينصرهم، ولا مجير ينقذهم من عذاب الله الأليم.
تنبه: كانت (بنو قريظة) و (بنو النضير) من اليهود، فحالفت بنو قريظة الأوس، وبنو النضير الخزرج، فكانت الحرب إِذا نشبت بينهم قاتل كل فريق من اليهود مع حلفائه، فيقتل اليهودي أخاه اليهودي من الفريق الآخر، ويخرجونهم من بيوتهم، وينهبون ما فيها من الأثاث والمتاع والمال، وذلك حرام عليهم في دينهم وفي نص التوراة، ثم إِذا وضعت الحرب أوزارها افْتكُوا الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة ولهذا قال تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾.
البَلاَغَة: ١ - ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله﴾ خبرٌ في معنى النهي، وهو أبلغ من صريح النهي كما قال أبو السعود لما فيه من إِبهام أن المنهيَّ حقه أن يسارع إِلى الانتهاء فكأنه انتهى عنه، فجاء بصيغة الخبر وأراد به النهي.
تنبه: كانت (بنو قريظة) و (بنو النضير) من اليهود، فحالفت بنو قريظة الأوس، وبنو النضير الخزرج، فكانت الحرب إِذا نشبت بينهم قاتل كل فريق من اليهود مع حلفائه، فيقتل اليهودي أخاه اليهودي من الفريق الآخر، ويخرجونهم من بيوتهم، وينهبون ما فيها من الأثاث والمتاع والمال، وذلك حرام عليهم في دينهم وفي نص التوراة، ثم إِذا وضعت الحرب أوزارها افْتكُوا الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة ولهذا قال تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾.
البَلاَغَة: ١ - ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله﴾ خبرٌ في معنى النهي، وهو أبلغ من صريح النهي كما قال أبو السعود لما فيه من إِبهام أن المنهيَّ حقه أن يسارع إِلى الانتهاء فكأنه انتهى عنه، فجاء بصيغة الخبر وأراد به النهي.
66
٢ - ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ وقع المصدر موقع الصفة أي قولاً حسناً أو ذا حسنٍ للمبالغة فإِن العرب تضع المصدر مكان اسم الفاعل أو الصفة بقصد المبالغة فيقولون: هو عدل.
٣ - التنكير في قوله ﴿خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا﴾ للتفخيم والتهويل.
٤ - ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لأن من أراق دم غيره فكأنما أراق دم نفسه فهو من باب المجاز لأدنى ملابسة.
٥ - ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ﴾ الهمزة للإِنكار التوبيخي.
الفَوائِد: الفائدة الأولى: جاء الترتيب في الآية بتقديم الأهم فالأهم، فقدّم حق الله تعالى لأنه المنعم في الحقيقة على العباد، ثم قدم ذكر الوالدين لحقهما الأعظم في تربية الولد، ثم القرابة لأن فيهم صلة الرحم وأجر الإِحسان، ثم اليتامى لقلة حيلتهم، ثمّ المساكين لضعفهم ومسكنتهم.
الثانية: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ ولم يقل: وقولوا لإِخوانكم أو قولوا للمؤمنين حسناً ليدل على أنّ الأمر بالإِحسان عامٌ لجميع الناس، المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وفي هذا حضٌ على مكارم الأخلاق، بلين الكلام، وبسط الوجه، والأدب الجميل، والخلق الكريم قال أحد الأدباء.
٣ - التنكير في قوله ﴿خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا﴾ للتفخيم والتهويل.
٤ - ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لأن من أراق دم غيره فكأنما أراق دم نفسه فهو من باب المجاز لأدنى ملابسة.
٥ - ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ﴾ الهمزة للإِنكار التوبيخي.
الفَوائِد: الفائدة الأولى: جاء الترتيب في الآية بتقديم الأهم فالأهم، فقدّم حق الله تعالى لأنه المنعم في الحقيقة على العباد، ثم قدم ذكر الوالدين لحقهما الأعظم في تربية الولد، ثم القرابة لأن فيهم صلة الرحم وأجر الإِحسان، ثم اليتامى لقلة حيلتهم، ثمّ المساكين لضعفهم ومسكنتهم.
الثانية: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ ولم يقل: وقولوا لإِخوانكم أو قولوا للمؤمنين حسناً ليدل على أنّ الأمر بالإِحسان عامٌ لجميع الناس، المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وفي هذا حضٌ على مكارم الأخلاق، بلين الكلام، وبسط الوجه، والأدب الجميل، والخلق الكريم قال أحد الأدباء.
| بُنيَّ إِنَّ البرَّ شيءٌ هيّنُ | وجهٌ طليقٌ ولسانٌ ليّنُ |
| فصحوتُ عنْها بعد حبَّ داخلٍ | والحب تُشربُه فؤادَك داءُ |
| خليليَّ ما بال الدُّجَى لا يُزَحْزحُ | وما بالُ ضوء الصبح لا يتوضّح |
70
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} أي ولتجدنَّ اليهود أشدّ الناس حرصاً على الحياة، وأحرص من المشركين أنفسهم، وذلك لعلمهم بأنهم صائرون إِلى النار لإِجرامهم ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أي يتمنى الواحد منهم أن يعيش ألف سنة ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ﴾ أي وما طول العمر - مهما عمر - بمبعده ومنجيه من عذاب الله ﴿والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي مطّلع على أعمالهم فيجازيهم عليها ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ﴾ أي قل لهم يا محمد من كان عدواً لجبريل فإِنه عدو لله، لأن الله جعله واسطة بينه وبين رسله فمن عاداه فقد عادى الله ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله﴾ أي فإِن جبريل الأمين نزّل هذا القرآن على قلبك يا محمد بأمر الله تعالى ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية ﴿وَهُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وفيه الهداية الكاملة، والبشارة السارة للمؤمنين بجنات النعيم ﴿مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ أي من عادى الله وملائكته ورسله، وعادى على الوجه الأخص «جبريل وميكائيل» فهو كافر عدو لله ﴿فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ لأن الله يبغض من عادى أحداً من أوليائه، ومن عاداهم عاده الله، ففيه الوعيد والتهديد الشديد.
سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنه ليس نبيٌّ من الأنبياء إِلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبُك حتى نتابعك؟ قال: جبريل قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك فأنزل الله ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ الآية.
البَلاَغَة: ١ - ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل﴾ فيه استعارة مكنية، شبّه حبَّ عبادة العجل بمشروب لذيذ سائغ الشراب، وطوى ذكر المشبه به ورمز بشيء من لوازمه وهو الإِشراب على طريق الاستعارة المكنية، قال في تلخيص البيان: «وهذه استعارة والمراد وصف قلوبهم بالمبالغة في حب العجل فكأنها تشربت حبة فما زجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ».
٢ - ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ إِسناد الأمر إِلى الإِيمان تهكمٌ بهم كقوله ﴿أصلاوتك تَأْمُرُكَ﴾ [هود: ٨٧] وكذلك إِضافة الإِيمان إِليهم، أفاده الزمخشري.
٣ - التنكير في قوله ﴿على حَيَاةٍ﴾ للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين.
٤ - ﴿فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ الجملة واقعة في جواب الشرط وجيء بها إسمية لزيادة التقبيح لأنها تفيد الثبات، ووضع الظاهر موضع الضمير فقال ﴿عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ بدل عدوٌ لهم لتسجيل صفة الكفر عليهم، وأنهم بسبب عداوتهم للملائكة أصبحوا من الكافرين.
٥ - ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ وجاء بعد ذكر الملائكة فهو من باب ذكر الخاص بعد العام للتشريف والتعظيم.
سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنه ليس نبيٌّ من الأنبياء إِلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبُك حتى نتابعك؟ قال: جبريل قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك فأنزل الله ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ الآية.
البَلاَغَة: ١ - ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل﴾ فيه استعارة مكنية، شبّه حبَّ عبادة العجل بمشروب لذيذ سائغ الشراب، وطوى ذكر المشبه به ورمز بشيء من لوازمه وهو الإِشراب على طريق الاستعارة المكنية، قال في تلخيص البيان: «وهذه استعارة والمراد وصف قلوبهم بالمبالغة في حب العجل فكأنها تشربت حبة فما زجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ».
٢ - ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ إِسناد الأمر إِلى الإِيمان تهكمٌ بهم كقوله ﴿أصلاوتك تَأْمُرُكَ﴾ [هود: ٨٧] وكذلك إِضافة الإِيمان إِليهم، أفاده الزمخشري.
٣ - التنكير في قوله ﴿على حَيَاةٍ﴾ للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين.
٤ - ﴿فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ الجملة واقعة في جواب الشرط وجيء بها إسمية لزيادة التقبيح لأنها تفيد الثبات، ووضع الظاهر موضع الضمير فقال ﴿عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ بدل عدوٌ لهم لتسجيل صفة الكفر عليهم، وأنهم بسبب عداوتهم للملائكة أصبحوا من الكافرين.
٥ - ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ وجاء بعد ذكر الملائكة فهو من باب ذكر الخاص بعد العام للتشريف والتعظيم.
71
الفوَائِد: الأولى: ليس معنى السمع في قوله ﴿واسمعوا﴾ إِدراك القول فقط، بل المراد سماع ما أمروا به في النوراة سماع تدبرٍ وطاعةٍ والتزام فهو مؤكد ومقرر لقوله ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾.
الثانية: خصّ القلب بالذكر ﴿نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف كما قال تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ﴾ [الحج: ٤٦].
الثالثة: الحكمة في الإِتيان هنا ب «لن» ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً﴾ وفي الجمعة ب «لا» ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً﴾ [الآية: ٧] أن ادعاءهم هنا أعظم من ادعائهم هناك، فإِنهم ادعوا هنا اختصاصهم بالجنة، وهناك كونهم أولياء لله من دون الناس، فناسب هنا التوكيد بلن المفيدة للنفي في الحاضر والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفي.
الرابعة: الآية الكريمة من المعجزات لأنها إِخبار بالغيب وكان الأمر كما أخبر، ويكفي في تحقق هذه المعجزة أن لا يقع تمني الموت من اليهود الذين كانوا في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي الحديث الشريف «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار».
الثانية: خصّ القلب بالذكر ﴿نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف كما قال تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ﴾ [الحج: ٤٦].
الثالثة: الحكمة في الإِتيان هنا ب «لن» ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً﴾ وفي الجمعة ب «لا» ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً﴾ [الآية: ٧] أن ادعاءهم هنا أعظم من ادعائهم هناك، فإِنهم ادعوا هنا اختصاصهم بالجنة، وهناك كونهم أولياء لله من دون الناس، فناسب هنا التوكيد بلن المفيدة للنفي في الحاضر والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفي.
الرابعة: الآية الكريمة من المعجزات لأنها إِخبار بالغيب وكان الأمر كما أخبر، ويكفي في تحقق هذه المعجزة أن لا يقع تمني الموت من اليهود الذين كانوا في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي الحديث الشريف «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار».
72
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﱢ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﱣ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﱤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﱥ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﱦ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما جبل عليه اليهود، من خبث السريرة ونقض العهود، والتكذيب لرسل الله ومعاداة أوليائه، حتى انتهى بهم الحال إِلى عداوة السفير بين الله وبين خلقه وهو «جبريل» الأمين عليه السلام، أعقب ذلك ببيان أن من عادة اليهود عدم الوفاء بالعقود، وتكذيب الرسل، واتباع طرق الشعوذة والضلال، وفي ذلك تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث سلكوا معه هذه الطريقة، في عدم الأخذ بما انطوى عليه كتاب الله من التبشير ببعثة السراج المنير، وإِلزامهم الإِيمان به واتباعه، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، واتبعوا ما ألقت إليهم الشياطين من كتب السحر والشعوذة، ونسبوها
72
إِلى سليمان عليه السلام وهو منها بريء، وهكذا حالهم مع جميع الرسل الكرام، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.
اللغَة: ﴿نبذ﴾ النبذ: الطرق والإِلقاء ومنه سمي اللقيط منبوذاً لأنه ينبذ على الطريق قال الشاعر:
﴿تَتْلُواْ﴾ تحدّث وتروي من التلاوة بمعنى القراءة، أو من التلاوة بمعنى الاتباع قال الطبري: ولقول القائل: «هو يتلو كذا» في كلام العرب معنيان: أحدهما الاتباع كما تقول: تلوت فلاناً إِذا مشيت خلفه وتبعتَ أثره، والآخر: القراءة والدراسة كقولك: فلان يتلو القرآن أن يقرؤه ﴿السحر﴾ قال الجوهري: كلُّ ما لطف مأخذه ودقَّ فهو سحر، وسحره أيضاً بمعنى خدَعه وفي الحديث «إنّ من البيان لسحراً» ﴿فِتْنَةٌ﴾ : الابتلاء والاختبار ومنه قولهم: فتنتُ الذهب إِذا امتحنته بالنار لتعرف سلامته أو غشه ﴿خَلاَقٍ﴾ الخلاق: النصيب قال الزجاج: هو النصيب الوافر من الخير، وأكثر ما يستعمل في الخير ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ المثوبة: الثواب والجزاء.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي والله لقد أنزلنا إِليك يا محمد آيات واضحات دالاّت على نبوتك ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ الفاسقون﴾ أي وما يجحد بهذه الآيات ويكذب إلا الخارجون عن الطاعة الماردون على الكفر ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ أي أيكفرون بالآيات وهي في غاية الوضوح وكلّما أعطوا عهداً نقضه جماعة منهم؟ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي بل أكثر اليهود لا يؤمن بالتوراة الإِيمان الصادق لذلك ينقضون العهود والمواثيق ﴿وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله﴾ وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ أي مصدقاً للتوراة وموافقاً لها في أصول الدين ومقرراً لنبوة موسى عليه السلام ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كِتَابَ الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ أي طرح أحبارهم وعلماؤهم التوراة وأعرضوا عنها بالكلية لأنها تدل على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجحدوا وأصروا على إِنكار نبوته ﴿كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي كأنهم لا يعلمون من دلائل نبوته شيئاً ﴿واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ أي اتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ أي وما كان سليمان ساحراً ولا كفر بتعلمه السحر ﴿ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر﴾ أي ولكنّ الشياطين هم الذين علموا الناس السحر حتى فشا أمره بين الناس ﴿وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ أي وكما اتبع رؤساء اليهود السحر كذلك اتبعوا ما أنزل على الملَكْين وهما هاروت وماروت بمملكة بابل بأرض الكوفة، وقد أنزلهما الله ابتلاءً وامتحاناً للناس ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾ أي إن الملَكَيْن لا يعلمان أحداً من الناس السحر حتى يبذلا له النصيحة ويقولا إِن هذا الذي نصفه لك إِنما هو امتحان من الله وابتلاء، فلا تستعمله للإِضرار ولا تكفر بسببه، فمن تعلمه ليدفع ضرره عن الناس
اللغَة: ﴿نبذ﴾ النبذ: الطرق والإِلقاء ومنه سمي اللقيط منبوذاً لأنه ينبذ على الطريق قال الشاعر:
| إنّ الذين أمرتهم أن يعدلوا | نبذوا كتابك واستحلوا المَحْرما |
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي والله لقد أنزلنا إِليك يا محمد آيات واضحات دالاّت على نبوتك ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ الفاسقون﴾ أي وما يجحد بهذه الآيات ويكذب إلا الخارجون عن الطاعة الماردون على الكفر ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ أي أيكفرون بالآيات وهي في غاية الوضوح وكلّما أعطوا عهداً نقضه جماعة منهم؟ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي بل أكثر اليهود لا يؤمن بالتوراة الإِيمان الصادق لذلك ينقضون العهود والمواثيق ﴿وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله﴾ وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ أي مصدقاً للتوراة وموافقاً لها في أصول الدين ومقرراً لنبوة موسى عليه السلام ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كِتَابَ الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ أي طرح أحبارهم وعلماؤهم التوراة وأعرضوا عنها بالكلية لأنها تدل على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجحدوا وأصروا على إِنكار نبوته ﴿كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي كأنهم لا يعلمون من دلائل نبوته شيئاً ﴿واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ أي اتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ أي وما كان سليمان ساحراً ولا كفر بتعلمه السحر ﴿ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر﴾ أي ولكنّ الشياطين هم الذين علموا الناس السحر حتى فشا أمره بين الناس ﴿وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ أي وكما اتبع رؤساء اليهود السحر كذلك اتبعوا ما أنزل على الملَكْين وهما هاروت وماروت بمملكة بابل بأرض الكوفة، وقد أنزلهما الله ابتلاءً وامتحاناً للناس ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾ أي إن الملَكَيْن لا يعلمان أحداً من الناس السحر حتى يبذلا له النصيحة ويقولا إِن هذا الذي نصفه لك إِنما هو امتحان من الله وابتلاء، فلا تستعمله للإِضرار ولا تكفر بسببه، فمن تعلمه ليدفع ضرره عن الناس
73
فقد نجا، ومن تعلمه ليلحق ضرره بالناس فقد هلك وضل.
. قال تعالى ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المرء وَزَوْجِهِ﴾ أي يتعلمون منهما من علم السحر ما يكون سبباً في التفريق بين الزوجين، فبعد أن كانت المودة والمحبة بينهما يصبح الشقاق والفراق ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي وما هم بما استعملوه من السحر يضرون أحداً إِلا إِذا شاء الله ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ أي والحال أنهم بتعلم السحر يحصلون على الضرر لا على النفع ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ﴾ أي ولقد علم اليهود الذين نبذوا كتاب الله واستبدلوا به السحر، أنهم ليس لهم حظ من رحمة الله ولا من الجنة لأنهم آثروا السحر على كتاب الله ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولبئس هذا الشيء الذي باعوا به أنفسهم لو كان لهم علم أو فهم وإِدراك ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتقوا﴾ أي ولو أن أولئك الذين يتعلمون السحر آمنوا بالله وخافوا عذابه ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لأثابهم الله ثواباً أفضل مما شغلوا به أنفسهم من السحر، الذي لا يعود عليهم إِلا بالويل والخسار والدمار.
سَبَبُ النّزول: لما ذكر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سليمان في المرسلين، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً!! والله ما كان إِلا ساحراً فنزلت هذه الآية ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر﴾.
البَلاَغَة: ١ - ﴿رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله﴾ التنكير للتفخيم ووصفُ الرسول بأنه آتٍ من عند الله لإِفادة مزيد التعظيم.
٢ - ﴿وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ مثلٌ يُضرب للإِعراض عن الشيء جملةً تقول العرب: جعل هذا الأمر وراء ظهره أي تولى عنه معرضاً، لأن ما يجعل وراء الظهر لا ينظر إِليه، فهو كناية عن الإِعراض عن التوراة بالكلية.
٣ - ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ هذا جارٍ على الأسلوب المعروف في فنون البلاغة، من أن العالم بالشيء إذا لم يجر على موجب علمه قد ينزّل منزلة الجاهل به، وينفى عنه العلم كما ينفى عن الجاهلين.
٤ - ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله﴾ جيء بالجملة الإِسمية بدل الفعلية للدلالة على الثبوت والاستقرار.
فَائِدَة: الحكمة من تعليم الملكين الناس السحر، أن السحرة كثروا في ذلك العهد واخترعوا فنوناً غريبة من السحر، وربما زعموا أنهم أنبياء، فبعث الله تعالى المَلكْين ليعلما الناس وجوه السحر حتى يتمكنوا من التمييز بينه وبين المعجزة، ويعرفوا أن الذين يدّعون النبوة كذباً إِنما هم سحرة لا أنبياء.
. قال تعالى ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المرء وَزَوْجِهِ﴾ أي يتعلمون منهما من علم السحر ما يكون سبباً في التفريق بين الزوجين، فبعد أن كانت المودة والمحبة بينهما يصبح الشقاق والفراق ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي وما هم بما استعملوه من السحر يضرون أحداً إِلا إِذا شاء الله ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ أي والحال أنهم بتعلم السحر يحصلون على الضرر لا على النفع ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ﴾ أي ولقد علم اليهود الذين نبذوا كتاب الله واستبدلوا به السحر، أنهم ليس لهم حظ من رحمة الله ولا من الجنة لأنهم آثروا السحر على كتاب الله ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولبئس هذا الشيء الذي باعوا به أنفسهم لو كان لهم علم أو فهم وإِدراك ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتقوا﴾ أي ولو أن أولئك الذين يتعلمون السحر آمنوا بالله وخافوا عذابه ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لأثابهم الله ثواباً أفضل مما شغلوا به أنفسهم من السحر، الذي لا يعود عليهم إِلا بالويل والخسار والدمار.
سَبَبُ النّزول: لما ذكر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سليمان في المرسلين، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً!! والله ما كان إِلا ساحراً فنزلت هذه الآية ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر﴾.
البَلاَغَة: ١ - ﴿رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله﴾ التنكير للتفخيم ووصفُ الرسول بأنه آتٍ من عند الله لإِفادة مزيد التعظيم.
٢ - ﴿وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ مثلٌ يُضرب للإِعراض عن الشيء جملةً تقول العرب: جعل هذا الأمر وراء ظهره أي تولى عنه معرضاً، لأن ما يجعل وراء الظهر لا ينظر إِليه، فهو كناية عن الإِعراض عن التوراة بالكلية.
٣ - ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ هذا جارٍ على الأسلوب المعروف في فنون البلاغة، من أن العالم بالشيء إذا لم يجر على موجب علمه قد ينزّل منزلة الجاهل به، وينفى عنه العلم كما ينفى عن الجاهلين.
٤ - ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله﴾ جيء بالجملة الإِسمية بدل الفعلية للدلالة على الثبوت والاستقرار.
فَائِدَة: الحكمة من تعليم الملكين الناس السحر، أن السحرة كثروا في ذلك العهد واخترعوا فنوناً غريبة من السحر، وربما زعموا أنهم أنبياء، فبعث الله تعالى المَلكْين ليعلما الناس وجوه السحر حتى يتمكنوا من التمييز بينه وبين المعجزة، ويعرفوا أن الذين يدّعون النبوة كذباً إِنما هم سحرة لا أنبياء.
74
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﱧ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﱨ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﱩ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﱪ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﱫ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﱬ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﱭ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قبائح اليهود، وما اختصوا به من ضروب السحر والشعوذة، أعقبه ببيان نوع آخر من السوء والشر، الذي يضمرونه للنبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمسلمين، من الطعن والحقد والحسد، وتمني زوال النعمة عن المؤمنين، واتخاذهم الشريعة الغراء هدفاً للطعن والتجريح بسبب النسخ لبعض الأحكام الشرعية.
اللغَة: ﴿رَاعِنَا﴾ من المراعاة وهي الإِنظار والإِمهال، وأصلها من الرعاية وهي النظر في مصالح الإِنسان، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة مشتقة من الرعونة وهي الحُمْق ولذلك نهي عنها المؤمنون ﴿انظرنا﴾ من النظر والانتظار تقول: نظرتُ الرجل إِذا انتظرته وارتقبته أي انتظرنا وتأنَّ بنا ﴿يَوَدُّ﴾ يتمنى ويحب ﴿نَنسَخْ﴾ النسخ في اللغة: الإِبطال والإِزالة يقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته وفي الشرع: رفع حكم شرعي وتبديله بحكم آخر ﴿نُنسِهَا﴾ من أنسى الشيءَ جعله منسياً فهو من النسيان الذي هو ضد الذكر أي نمحها من القلوب ﴿وَلِيٍّ﴾ الولي: من يتولى أمور الإِنسان ومصالحه ﴿نَصِير﴾ النصير: المعين مأخوذ من قولهم نصره إِذا أعانه ﴿أَمْ﴾ بمعنى بل وهي تفيد الانتقال من جملة إلى جملة كقوله تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ [يونس: ٣٨] أي بل يقولون ﴿يَتَبَدَّلِ﴾ يقال: بدّل وتبدل واستبدل أي جعل شيئاً موضع آخر، وتبدل الكفر بالإِيمان معناه أخذه بدل الإِيمان ﴿سَوَآءَ السبيل﴾ أي وسط الطريق، والسواء من كل شيء: الوسط، والسبيل معناه الطريق ﴿فاعفوا﴾ العفو: ترك المؤاخذة على الذنب ﴿واصفحوا﴾ والصفح: ترك التأنيب عنه.
سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود قالوا: ألا تعجبون لأمر محمد؟ ﴿يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً، فما هذا القرآن إِلا كلام محمد بقوله من تلقاء نفسه، يناقض بعضه بعضاً فنزلت {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾.
التفسير: ﴿يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ هذا نداء من الله جل شأنه للمؤمنين يخاطبهم فيه فيقول {لاَ
اللغَة: ﴿رَاعِنَا﴾ من المراعاة وهي الإِنظار والإِمهال، وأصلها من الرعاية وهي النظر في مصالح الإِنسان، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة مشتقة من الرعونة وهي الحُمْق ولذلك نهي عنها المؤمنون ﴿انظرنا﴾ من النظر والانتظار تقول: نظرتُ الرجل إِذا انتظرته وارتقبته أي انتظرنا وتأنَّ بنا ﴿يَوَدُّ﴾ يتمنى ويحب ﴿نَنسَخْ﴾ النسخ في اللغة: الإِبطال والإِزالة يقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته وفي الشرع: رفع حكم شرعي وتبديله بحكم آخر ﴿نُنسِهَا﴾ من أنسى الشيءَ جعله منسياً فهو من النسيان الذي هو ضد الذكر أي نمحها من القلوب ﴿وَلِيٍّ﴾ الولي: من يتولى أمور الإِنسان ومصالحه ﴿نَصِير﴾ النصير: المعين مأخوذ من قولهم نصره إِذا أعانه ﴿أَمْ﴾ بمعنى بل وهي تفيد الانتقال من جملة إلى جملة كقوله تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ [يونس: ٣٨] أي بل يقولون ﴿يَتَبَدَّلِ﴾ يقال: بدّل وتبدل واستبدل أي جعل شيئاً موضع آخر، وتبدل الكفر بالإِيمان معناه أخذه بدل الإِيمان ﴿سَوَآءَ السبيل﴾ أي وسط الطريق، والسواء من كل شيء: الوسط، والسبيل معناه الطريق ﴿فاعفوا﴾ العفو: ترك المؤاخذة على الذنب ﴿واصفحوا﴾ والصفح: ترك التأنيب عنه.
سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود قالوا: ألا تعجبون لأمر محمد؟ ﴿يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً، فما هذا القرآن إِلا كلام محمد بقوله من تلقاء نفسه، يناقض بعضه بعضاً فنزلت {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾.
التفسير: ﴿يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ هذا نداء من الله جل شأنه للمؤمنين يخاطبهم فيه فيقول {لاَ
75
تَقُولُواْ رَاعِنَا} أي راقبنا وأمهلنا حتى نتمكن من حفظ ما تلقيه علينا ﴿وَقُولُواْ انظرنا﴾ أي انتظرنا وارتقبنا ﴿واسمعوا﴾ أي أطيعوا أوامر الله ولا تكونوا كاليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا ﴿وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي ولليهود الذين نالوا من الرسول وسبّوه، عذاب أليم موجع ﴿مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي ما يحب الكافرون من اليهود والنصارى ولا المشركون أن ينزّل عليكم شيء من الخير، بغضاً فيكم وحسداً لكم ﴿والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ﴾ أي يختص بالنوبة والوحي والفضل والإِحسان من شاء من عباده ﴿والله ذُو الفضل العظيم﴾ والله واسع الفضل والإِحسان ثم قال تعالى رداً على اليهود حين طعنوا في القرآن بسبب النسخ ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾ أي ما نبدّل من حكم آية فنغيره بآخر أو ننسها يا محمد أي نمحها من قلبك ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ أي نأت بخير لكم منها أيها المؤمنون بما هو أنفه لكم في العاجل أو الآجل، إِما برفع المشقة عنكم، أو بزيادة الأجر والثواب لكم ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي ألم تعلم أيها المخاطب أن الله عليم حكيم قدير، لا يصدر منه إِلا كل خير وإِحسان للعباد} ! ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ أي ألم تعلم أن الله هو المالك المتصرف في شئون الخلق يحكم بما شاء ويأمر بما شاء؟ ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ أي ما لكم وليٌّ يرعى شئونكم أو ناصر ينصركم غير الله تعالى فهو نعم الناصر والمعين ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ موسى مِن قَبْلُ﴾ أي بل أتريدون يا معشر المؤمنين أن تسألوا نبيكم كما سأل قوم موسى نبيهم من قبل ويكون مثلكم مثل اليهود الذين قالوا لنبيهم
﴿أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] فتضلوا كما ضلوا ﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان﴾ أي يستبدل الضلالة بالهدى ويأخذ الكفر بدل الإِيمان ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل﴾ أي فقد حاد عن الجادة وخرج عن الصراط السوي ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب﴾ أي تمنى كثير من اليهود والنصارى ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً﴾ أي لو يصيّرونكم كفاراً بعد أن آمنتم ﴿حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي حسداً منهم لكم حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق﴾ أي من بعد ما ظهر لهم بالبراهين الساطعة أن دينكم هو الحق ﴿فاعفوا واصفحوا﴾ أي اتركوهم وأعرضوا عنهم فلا تؤخذوهم ﴿حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ﴾ أي حتى يأذن الله لكم بقتالهم ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي قادر على كل شيء فينتقم منهم إِذا حان الأوان ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي حافظوا على عمودي الإِسلام وهما «الصلاة والزكاة» وتقربوا إِليه بالعبادة البدنية والمالية ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله﴾ أي ما تتقربوا إِلى الله من صلاة أو صدقة أو عمل صالح فرضاً كان أو تطوعاً تجدوا ثوابه عند الله ﴿إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي رقيب عليكم مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها يوم الدين.
البَلاَغَة: ١ - الإِضافة في قوله ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ للتشريف. وفيها تذكير للعباد بتربيته لهم.
٢ - تصدير الجملتين بلفظ الجلالة ﴿والله يَخْتَصُّ﴾ ﴿والله ذُو الفضل﴾ للإِيذان بفخامة الأمر.
٣ - ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ الاستفهام للتقرير والخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد أمته بدليل قوله تعالى ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله﴾.
٤ -
﴿أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] فتضلوا كما ضلوا ﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان﴾ أي يستبدل الضلالة بالهدى ويأخذ الكفر بدل الإِيمان ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل﴾ أي فقد حاد عن الجادة وخرج عن الصراط السوي ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب﴾ أي تمنى كثير من اليهود والنصارى ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً﴾ أي لو يصيّرونكم كفاراً بعد أن آمنتم ﴿حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي حسداً منهم لكم حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق﴾ أي من بعد ما ظهر لهم بالبراهين الساطعة أن دينكم هو الحق ﴿فاعفوا واصفحوا﴾ أي اتركوهم وأعرضوا عنهم فلا تؤخذوهم ﴿حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ﴾ أي حتى يأذن الله لكم بقتالهم ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي قادر على كل شيء فينتقم منهم إِذا حان الأوان ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي حافظوا على عمودي الإِسلام وهما «الصلاة والزكاة» وتقربوا إِليه بالعبادة البدنية والمالية ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله﴾ أي ما تتقربوا إِلى الله من صلاة أو صدقة أو عمل صالح فرضاً كان أو تطوعاً تجدوا ثوابه عند الله ﴿إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي رقيب عليكم مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها يوم الدين.
البَلاَغَة: ١ - الإِضافة في قوله ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ للتشريف. وفيها تذكير للعباد بتربيته لهم.
٢ - تصدير الجملتين بلفظ الجلالة ﴿والله يَخْتَصُّ﴾ ﴿والله ذُو الفضل﴾ للإِيذان بفخامة الأمر.
٣ - ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ الاستفهام للتقرير والخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد أمته بدليل قوله تعالى ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله﴾.
٤ -
76
وضع الاسم الجليل موضع الضمير ﴿إِنَّ الله﴾ ﴿مِّن دُونِ الله﴾ لتربية الروعة والمهابة في النفوس.
٥ - ﴿ضَلَّ سَوَآءَ السبيل﴾ من إضافة الصفة للموصوف أي الطريق المستوي، وفي التعبير به نهاية التبكيت والتشنيع لمن ظهر له الحق فعدل عنه إِلى الباطل.
الفوَائِد: الأولى: خاطب الله المؤمنين بقوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ �
٥ - ﴿ضَلَّ سَوَآءَ السبيل﴾ من إضافة الصفة للموصوف أي الطريق المستوي، وفي التعبير به نهاية التبكيت والتشنيع لمن ظهر له الحق فعدل عنه إِلى الباطل.
الفوَائِد: الأولى: خاطب الله المؤمنين بقوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ �