تفسير سورة الفرقان

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آيها سبع وسبعون نزلت بعد سورة يس
هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة، وهي ٦٨، ٦٩، ٧٠.
ومناسبتها لما قبلها من وجوه :
( ١ ) إنه سبحانه اختتم السورة السابقة بكونه مالكا لما في السماوات والأرض مصرفا له على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة مع النظام البديع والوضع الأنيق، وأنه سيحاسب عباده يوم القيامة على ما قدموا من العمل خيرا كان أو شرا، وافتتح هذه بما يدل على تعاليه في ذاته وصفاته وأفعاله وعلى حبه لخير عباده بإنزال القرآن لهم هاديا وسراجا منيرا.
( ٢ ) اختتم السورة السالفة بوجوب متابعة المؤمنين للرسول ( ص ) مع مدحهم على ذلك وتحذيرهم من مخالفة أمره خوف الفتنة والعذاب الأليم، وافتتح هذه بمدح الرسول وإنزال الكتاب عليه لإرشادهم إلى سبيل الرشاد، وذم الجاحدين لنبوته بقولهم : إنه رجل مسحور، وإنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق إلى آخر ما قالوا.
( ٣ ) في كل من السورتين وصف السحاب وإنزال الأمطار وإحياء الأرض الجرز فقال في السالفة :﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ﴾إلخ [ النور : ٤٣ ] وقال في هذه :﴿ وهو الذي أرسل الريح بشرا ﴾إلخ[ الفرقان : ٤٨ ].
( ٤ ) ذكر في كل منهما وصف أعمال الكافرين يوم القيامة وأنها لا تجزيهم فتيلا ولا قطميرا فقال في الأولى :﴿ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ﴾إلخ[ النور : ٣٩ ] وقال في هذه :﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾[ الفرقان : ٢٣ ].
( ٥ ) وصف النشأة الأولى للإنسان في أثنائهما فقال في الأولى :﴿ و الله خلق كل دابة من ماء ﴾ [ النور : ٤٥ ] و في الثانية :﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا ﴾ [ الفرقان : ١-٢ ]

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( ١ ) الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ﴾[ الفرقان : ١- ٢ ].
المعنى الجملي : حوت هذه السورة توحيد الله وإثبات نبوة محمد ( ص )، وبيان صفات النبي، والرد على من أنكروا نبوته ( ص )، ثم بيان أحوال يوم القيامة وما يكون فيها من الأهوال، ثم ختمت بأوصاف عباده المخلصين الذين يمشون على الأرض هونا، ثم ذكر جلال الله، وتصرفه في خلقه، وتفرده بالخلق والتقدير.
تفسير المفردات :
تبارك : من البركة، وهي كثرة الخير لعباده، بإنعامه عليهم وإحسانه إليهم كما قال :﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ﴾[ النحل : ١٨ ]. والفرقان : هو القرآن، سمي بذلك لأنه فرق في الإنزال كما قال :﴿ وقرآنا فرقناه لنقرأه على الناس على مكث ﴾[ الإسراء : ١٠٦ ]. على عبده : أي على رسوله ( ص )، ووصفه بذلك تشريفا له بكونه في أقصى مراتب العبودية، وتنبيها إلى أن الرسول لا يكون إلا عبدا للمرسل، وفيه رد على النصارى الذين يدعون ألوهية عيسى عليه السلام، للعالمين : أي الثقلين من الإنس والجن. فقدره : أي هيأه لما أعده له من الخصائص والأفعال.
الإيضاح :
﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ حمد سبحانه نفسه على ما نزله على رسوله من القرآن الكريم، لينذر به الثقلين الجن والإنس ويخوفهم بأسه، وإنما ذكر الإنذار ولم يذكر التبشير مع أن الرسول مرسل بهما، ومن قبل أن السورة بصدد بيان حال المعاندين المتخذين لله ولدا و الطاعنين في كتبه ورسله واليوم الآخر.
وخلاصة ذلك : تعالى عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها تنزيل القرآن المعجز الناطق بعلو شأنه، وسمو صفاته، وابتناء أفعاله على أساس الحكم والمصالح، على عبده محمد ( ص )، لينذر به الناس ويخوفهم بأسه، ووقائعه بمن خلا قبلهم من الأمم.
ونحو الآية قوله :﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ( ١ ) قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ﴾[ الكهف : ١- ٢ ].

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( ١ ) الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ﴾[ الفرقان : ١- ٢ ].
المعنى الجملي : حوت هذه السورة توحيد الله وإثبات نبوة محمد ( ص )، وبيان صفات النبي، والرد على من أنكروا نبوته ( ص )، ثم بيان أحوال يوم القيامة وما يكون فيها من الأهوال، ثم ختمت بأوصاف عباده المخلصين الذين يمشون على الأرض هونا، ثم ذكر جلال الله، وتصرفه في خلقه، وتفرده بالخلق والتقدير.
الإيضاح :
ثم وصف سبحانه نفسه بأربع صفات من صفات الكبرياء :
( ١ ) ﴿ الذي له ملك السماوات والأرض ﴾أي له السلطان القاهر عليهما، فله القدرة التامة فيهما وفيما حوياه إيجادا وإعداما وأمرا ونهيا بحسب ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
( ٢ ) ﴿ ولم يتخذ ولدا ﴾أي ولم يكن له ولد كما زعم الذين قالوا ذلك للمسيح وعزير، والملائكة، كما حكى الله عنهم في قوله :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ﴾[ التوبة : ٣٠ ] وقوله :﴿ ألربك البنات ولهم البنون ( ١٤٩ ) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ( ١٥٠ ) ألا إنهم من إفكهم ليقولون ( ١٥١ ) ولد الله وإنهم لكاذبون ( ١٥٢ ) أصطفى البنات على البنين ﴾[ الصافات : ١٤٩- ١٥٣ ].
( ٣ ) ﴿ ولم يكن له شريك في الملك ﴾أي وما كان لله شريك في ملكه وسلطانه يصلح أن يعبد من دونه، فأفردوا له العبادة و أخلصوها له دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والملائكة والجن والإنس.
وفي هذا رد على مشركي العرب الذين كانوا يقولون في تلبيتهم للحج :" لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك ".
( ٤ ) ﴿ وخلق كل شيء فقدره تقديرا ﴾أي وأوجد كل شيء بحسب ما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة، وهيأه لما أراد به من الخصائص والأفعال التي تليق به، فأعد الإنسان للإدراك والفهم، والتدبر في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصناعات المختلفة، والانتفاع بما في ظاهر الأرض وباطنها، وأعد صنوف الحيوان للقيام بأعمال مختلفة تليق بها وبإدراكها.
والخلاصة : إن كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل سيء تحت قهره وتسخيره وتقديره، ومن كان كذلك فكيف يخطر بالبال أو يدور في الخلد كونه سبحانه والدا له أو شريكا له في ملكه كما قال :﴿ بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ﴾[ الأنعام : ١٠١ ]
﴿ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴾[ الفرقان : ٣ ].
الإيضاح :
بعد أن وصف سبحانه نفسه بصفات العزة والجلال، وبين وجه الحق في ذلك أردفه حكاية أباطيل عبدة الأوثان الذين اتخذوا من دونه آلهة، تعجيبا لأولي النهى من حالهم، وتنبيها إلى خطأ أفعالهم، وتسفيها لأحلامهم، فقد انحرفوا عن منهج الحق وركبوا المركب الذي لا يركبه إلا كل آفن الرأي، مسلوب العقل.
وقد أبان سبحانه ما بها من النقص من وجوه متعددة :
( ١ ) إنها لا تخلق شيئا، والإله يكون قادرا على الخلق و الإيجاد.
( ٢ ) إنها مخلوقة، والمخلوق محتاج، والإله يجب أن يكون غنيا عن كل ما سواه.
( ٣ ) إنها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، فضلا عن أن تملك ذلك لغيرها، ومن كل كذلك فلا فائدة في عبادته وإجلاله وتعظيمه.
( ٤ ) إنها لا تقدر على التصرف في شيء ما، فلا تستطيع إماتة الأحياء، ولا إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم، ومن كل كذلك فكيف يسمى إلها، وتعطى له خصائص الآلهة من الخضوع لعظمته والإخبات لجلاله ؟
وعلى الجملة فعبدة الأصنام قد تركوا عبادة الخالق المالك لكل شيء، المتصرف فيه بقدرته وسلطانه، وعبدوا ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وليس بعد هذا من حماقة، ولا يرضى بمثله من له مسكة من عقل، ولا أثارة من علم.
﴿ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءؤ ظلما وزورا ( ٤ )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ٥ ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ﴾[ لفرقان : ٤- ٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن تكلم أولا في التوحيد، ثم في الرد على عبدة الأوثان، أردف ذلك الرد على الطاعنين في نبوة محمد ( ص )، وقد قسموا مطاعنهم قسمين : مطاعن القرآن، ومطاعن فيمن نزل عليه القرآن.
روي أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث إذ هو قال هذه المقالة، وعنى بالقوم الآخرين عداسا مولى حويطب بن عبد العزى، ويسارا مولى العلاء بن الحضرمي، وأبا فكيهة الرومي، وكانوا من أهل الكتاب يقرؤون التوراة ويحدثون أحاديث منها، فأسلموا، وكان النبي يتعهدهم ويختلف إليهم، فمن ثم قال النضر ما قال.
تفسير المفردات :
الافتراء : الاختلاق والكذب، من قولهم : افتريت الأديم – الجلد – إذا قطعته للإفساد. جاؤوا : أي أتوا. والظلم : وضع الشيء في غير موضعه، إذ هم قد نسبوا القبيح إلى من كان مبرأ منه. والزور : الكذب.
الإيضاح :
﴿ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ﴾أي وقال الكافرون : إن هذا القرآن ليس من عند الله، بل اختلقه محمد، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب ممن أسلموا، وكان يتعهدهم ويختلف إليهم " تقدم ذكر أسمائهم " فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته وأسلوبه الخاص.
فرد الله عليهم مقالهم فقال :
﴿ فقد جاؤوا وزورا ﴾أي فقد وضعوا الأشياء في غير مواضعها، وكذبوا على ربهم، إذ جعلوا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إفكا مفترى من قبل البشر، وكيف يتقولون ذلك على الرسول وقد تحداهم أن يأتوا بمثله، وهم ذوو اللسن والفصاحة والغاية في البلاغة، فعجزوا أن يأتوا بمثله، ولو كان ذلك في مكنتهم ما ادخروا وسعا في معارضته، وقد ركبوا الصعب و الذلول ليدحضوا حجته، ويبطلوا دعوته، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولو كان محمد ( ص ) قد استعان في ذلك بغيره لأمكنهم أيضا أن يستعينوا هم بغيرهم فما مثله في اللغة إلا مثلهم فلما لم يفعلوا علم أنه قد بلغ الغاية التي لا تجارى وانتهى إلى حد الإعجاز إلى أنه اشتمل على الحكم والأحكام التي فيها سعادة البشر في معاشهم ومعادهم، كما اشتمل على أخبار من أمور الغيب التي لا تصل إليها مدارك البشر ولا عقولهم.
﴿ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءؤ ظلما وزورا ( ٤ )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ٥ ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ﴾[ لفرقان : ٤- ٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن تكلم أولا في التوحيد، ثم في الرد على عبدة الأوثان، أردف ذلك الرد على الطاعنين في نبوة محمد ( ص )، وقد قسموا مطاعنهم قسمين : مطاعن القرآن، ومطاعن فيمن نزل عليه القرآن.
روي أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث إذ هو قال هذه المقالة، وعنى بالقوم الآخرين عداسا مولى حويطب بن عبد العزى، ويسارا مولى العلاء بن الحضرمي، وأبا فكيهة الرومي، وكانوا من أهل الكتاب يقرؤون التوراة ويحدثون أحاديث منها، فأسلموا، وكان النبي يتعهدهم ويختلف إليهم، فمن ثم قال النضر ما قال.
تفسير المفردات :
والأساطير : واحدها أسطار أو أسطورة كأحدوثة، وهو ما سطره المتقدمون. اكتتبها : أي أمر بكتابتها. تملى عليه : أي تلقى عليه بعد اكتتابها ليحفظها. بكرة وأصيلا : أي صباحا ومساء، والمراد دائما.
الإيضاح :
وبعد أن حكى عنهم قولهم في الافتراء بإعانة قوم آخرين عليه، حكى عنهم طريق تلك الإعانة :
﴿ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ﴾أي وقال المشركون الذين قالوا إن هذا إلا إفك مفترى : أي ما هذا إلا أحاديث الأولين الذين كانوا يسطرونها في كتبهم من نحو أحاديث رستم واسفنديار، اكتتبها من اليهود فهي تستنسخ منهم وتقرأ عليه ليحفظها غدوة وعشيا، أي قبل انتشار الناس وحين يأتون إلى مساكنهم، وقد عنوا بذلك أنها تملى عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذه جرأة عظيمة منهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وقد يكون مرادهم أنها تملي عليه دائما.
﴿ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءؤ ظلما وزورا ( ٤ )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ٥ ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ﴾[ لفرقان : ٤- ٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن تكلم أولا في التوحيد، ثم في الرد على عبدة الأوثان، أردف ذلك الرد على الطاعنين في نبوة محمد ( ص )، وقد قسموا مطاعنهم قسمين : مطاعن القرآن، ومطاعن فيمن نزل عليه القرآن.
روي أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث إذ هو قال هذه المقالة، وعنى بالقوم الآخرين عداسا مولى حويطب بن عبد العزى، ويسارا مولى العلاء بن الحضرمي، وأبا فكيهة الرومي، وكانوا من أهل الكتاب يقرؤون التوراة ويحدثون أحاديث منها، فأسلموا، وكان النبي يتعهدهم ويختلف إليهم، فمن ثم قال النضر ما قال.
الإيضاح :
﴿ قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ﴾ أي قل لهم ردا وتحقيقا للحق : ليس ذلك كما تزعمون، بل هو أمر سماوي أنزله الذي لا يعزب عن عمله شيء وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع لا تحوم حوله الأفكار، ومن ثم أعجزكم بفصاحته وبلاغته، كما أخبركم فيه بمغيبات مستقبلة، وأمور مكنونة، لا يوفق عليها إلا بتوفيق العليم الخبير.
وقد وصف سبحانه نفسه بإحاطة علمه بجميع المعلومات الخفية، فالجلية المعلومة من باب أولى، إيذانا بانطواء ما أنزله على أسرار مطوية عن عقول البشر.
﴿ إنه كان غفورا رحيما ﴾أي إنكم استوجبتم العذاب بمكايدتكم لرسوله، لكنه لم يعجله لكم رحمة بكم، رجاء توبتكم وغفران ذنوبكم، ولولا ذلك لصب عليكم العذاب صبا.
وفي هذا إيماء إلى أن هذه الذنوب مع بلوغها الغاية في العظم مغفورة إن تابوا وأن رحمته واصلة إليهم بعدها، فلا ييأسوا منها بما فرط منهم مع إصرارهم على ما هم عليه من معاداة الرسول ومخاصمته.
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
الإيضاح :
حكى الله هنا أن المشركين ذكروا خمس صفات لنبي تمنع النبوة في زعمهم :
( ١ ) ﴿ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ﴾أي أي شيء ميزه عنا وجعله يدعي النبوة مع أنه يأكل كما نأكل ويشرب كما نشرب ؟
( ٢ ) ﴿ ويمشي في الأسواق ﴾لابتغاء الرزق كما نفعل فهو مثلنا، فمن أين له الفضل علينا ؟ وهم يقصدون بذلك استبعاد الرسالة عنه، لمنافاتها للأكل والشرب وطلب المعاش، وكأنهم قالوا : إن صح ما يدعيه، فما باله لم يخالف حاله حالنا ولم يؤت ميزة دوننا ؟
وما هذا منهم إلا لضعف عقولهم وقصور إدراكهم، فإن الرسل لم يمتازوا بأمور حسية، بل بصفات روحية، وفضائل نفسية، فطرهم الله عليها توجب صفاء عقولهم وطهارة نفوسهم، يرشد إلى ذلك قوله تعالى :﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾[ فصلت : ٦ ].
( ٣ ) ﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ﴾أي فهلا أنزل إليه ملك من عند الله يكون شاهدا على صدق ما يدعيه، ويرد على من يخالفه، وشبيه بهذا ما قال فرعون عن موسى :﴿ فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾[ الزخرف : ٥٣ ]
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
تفسير المفردات :
مسحورا : أي سحر فاختل عقله.
الإيضاح :
( ٤ ) ﴿ أو يلقى إليه كنز ﴾أي وهلا أنزل عليه كنز من السماء ينفق منه حتى لا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش.
( ٥ ) ﴿ أو تكون له جنة يأكل منها ﴾أي وهلا كان له بستان يعيش من غلته كما يعيش المياسير من الناس.
قال صاحب الكشاف : إنهم طلبوا أن يكون الرسول ملكا، ثم نزلوا عن ملكيته إلى صحبة ملك يعينه، ثم نزلوا عن ذلك إلى كونه مرفودا بكنز، ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل ويرتزق منه اه.
وعن ابن عباس قال : إن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البحتري والأسود بن المطلب، وزمعة بن الأسود و الوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بم وائل ومنبه بن الحجاج اجتمعوا، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه و خاصموه حتى تعذروا منه، فبعثوا إليه أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك، قال فجاءهم رسول الله ( ص )، فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب به الشرف فنحن نسودك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك ؟ فقال رسول الله ( ص ) :" ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم ". قالوا : يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فسل لربك، وسل لنفسك أن يبعث معك ملكا يصدقك فيما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال لهم رسول الله ( ص ) :" ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا ". فأنزل الله في ذلك هذه الآية. أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر.
وبعد أن حكى عنه أولا أنهم يثبتون له كمال العقل ولكنهم ينتقصونه بصفات في شؤون الدنيا، حكى عنه ثانيا أنهم نفوا عنه العقل بتاتا وادعوا أنه مختل الشعور والإدراك، وإلى هذا أشار بقوله :
﴿ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ﴾أي قال الكافرون الظالمون لأنفسهم بنسبتهم إلى الرسول ( ص ) ما هو منه براء، وما يدل العقل والمشاهد على نفيه عنه : ما تتبعون إلا رجلا سحر فاختل عقله فهو لا يعي ما يقول، ومثله لا يطاع له رأي، وهذا منهم ترق في انتقاصه، وأنه لا يصلح للنبوة بحال.
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
تفسير المفردات :
الأمثال : أي الأقاويل العجيبة الجارية لغرابتها مجرى الأمثال. فضلوا : أي فبقوا متحيرين في ضلالهم.
الإيضاح :
ولما ذكر ضلالتهم التفت إلى رسوله ( ص ) مسليا بقوله :
﴿ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ﴾أي انظر واعجب لهم : كيف جرؤوا على التفوه بتلك الأقاويل العجيبة، فاخترعوا لك صفات وأحوالا بعيدة كل البعد عن صفاتك التي أنت عليها، فضلوا بذلك عن طريق الهدى وصاروا حائرين لا يدرون ماذا يقولون ولا ما يقدحون به نبوتك إلا مثل ذلك السخف والهذر.
والخلاصة : إن ما أتوا به لا يصلح أن يكون قادحا في نبوتك ولا مطعنا فيك، فإن كان لهم مطعن في المعجزات التي أتيت بها فليفعلوا، ولكن أنى لهم ذلك ؟
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
الإيضاح :
ثم رد على ما اقترحوا من الجنة و الكنز بقوله :
﴿ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ﴾أي كثر خير ربك، فإن شاء وهب لك في الدنيا خيرا مما اقترحوا فإن أراد جعل لك في الدنيا مثل ما وعدك به في الآخرة، فأعطاك جنات تجري من تحتها الأنهار، وآتاك القصور الشامخة والصياصي التي لا يصل إلى مثلها أكثرهم مالا وأعزهم نفرا، ولكن الله لم يشأ ذلك لأنه أراد أن يكون عطاؤه لك في الدار الباقية الدائمة، لا في الدار الزائلة الفانية، وإنما كانت مما ذكروا، لكثرتها وجريان الأنهار من تحت أشجارها وبناء المساكن الرفيعة فيها، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرا.
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
تفسير المفردات :
أعتدنا : أي هيأنا. والسعير : النار الشديدة الاشتعال.
الإيضاح :
ثم انتقل من ذلك إلى كلامهم في البعث وأمر الساعة مبينا بذلك السبب في عدم تصديقهم برسوله فقال :
﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾أي ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة : إنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل، ولا يتأملون فيها.
ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان فقال :
﴿ وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ﴾أي إنا أعددنا لمن كذب بالبعث والحشر، والنشر والحساب والجزاء نارا تسعر وتتقد عليهم، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ ؛ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألما.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال :" إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثوا على ركبتيه فيقول : رب لا أسألك اليوم إلا نفسي ".
وإذا ألقوا منها في مكان ضيق قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل، استغاثوا وقالوا يا ثبوراه، أي يا هلاكنا احضر فهذا وقتك، فيقال لهم : لا تنادوا هلاكا واحدا وادعوا هلاكا كثيرا، أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم منه واحدا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
والخلاصة : إن الله قد أعد لمن كذب بالقيامة نارا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا منها في مكان ضيق وهم مقرنون في السلاسل والأغلال تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل :" أشد من الموت ما يتمنى معه الموت " فيقال لهم حينئذ : لا تدعوا هلاكا واحدا فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكا كثيرا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك، وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.

تفسير المفردات :

أعتدنا : أي هيأنا. والسعير : النار الشديدة الاشتعال.

الإيضاح :

ثم انتقل من ذلك إلى كلامهم في البعث وأمر الساعة مبينا بذلك السبب في عدم تصديقهم برسوله فقال :
﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾أي ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة : إنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل، ولا يتأملون فيها.
ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان فقال :
﴿ وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ﴾أي إنا أعددنا لمن كذب بالبعث والحشر، والنشر والحساب والجزاء نارا تسعر وتتقد عليهم، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ ؛ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألما.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال :" إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثوا على ركبتيه فيقول : رب لا أسألك اليوم إلا نفسي ".
وإذا ألقوا منها في مكان ضيق قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل، استغاثوا وقالوا يا ثبوراه، أي يا هلاكنا احضر فهذا وقتك، فيقال لهم : لا تنادوا هلاكا واحدا وادعوا هلاكا كثيرا، أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم منه واحدا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
والخلاصة : إن الله قد أعد لمن كذب بالقيامة نارا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا منها في مكان ضيق وهم مقرنون في السلاسل والأغلال تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل :" أشد من الموت ما يتمنى معه الموت " فيقال لهم حينئذ : لا تدعوا هلاكا واحدا فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكا كثيرا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك، وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.


تفسير المفردات :
رأتهم : أي إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد، من قولهم : دور تتراءى أي تتناظر، ومنه قوله ( ص ) :" إن المؤمن والكافر لا تتراءى نارهما " أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى، إذ يجب على المؤمن مجانبة الكافر والمشرك في أمور الدين. و التغيظ : إظهار الغيظ، والمراد صوت التغيظ. والزفير : إخراج النفس بعد مده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.

تفسير المفردات :

أعتدنا : أي هيأنا. والسعير : النار الشديدة الاشتعال.

الإيضاح :

ثم انتقل من ذلك إلى كلامهم في البعث وأمر الساعة مبينا بذلك السبب في عدم تصديقهم برسوله فقال :
﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾أي ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة : إنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل، ولا يتأملون فيها.
ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان فقال :
﴿ وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ﴾أي إنا أعددنا لمن كذب بالبعث والحشر، والنشر والحساب والجزاء نارا تسعر وتتقد عليهم، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ ؛ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألما.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال :" إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثوا على ركبتيه فيقول : رب لا أسألك اليوم إلا نفسي ".
وإذا ألقوا منها في مكان ضيق قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل، استغاثوا وقالوا يا ثبوراه، أي يا هلاكنا احضر فهذا وقتك، فيقال لهم : لا تنادوا هلاكا واحدا وادعوا هلاكا كثيرا، أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم منه واحدا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
والخلاصة : إن الله قد أعد لمن كذب بالقيامة نارا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا منها في مكان ضيق وهم مقرنون في السلاسل والأغلال تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل :" أشد من الموت ما يتمنى معه الموت " فيقال لهم حينئذ : لا تدعوا هلاكا واحدا فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكا كثيرا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك، وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.


تفسير المفردات :
مقرنين : أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم في السلاسل. والثبور : الهلاك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.

تفسير المفردات :

أعتدنا : أي هيأنا. والسعير : النار الشديدة الاشتعال.

الإيضاح :

ثم انتقل من ذلك إلى كلامهم في البعث وأمر الساعة مبينا بذلك السبب في عدم تصديقهم برسوله فقال :
﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾أي ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة : إنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل، ولا يتأملون فيها.
ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان فقال :
﴿ وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ﴾أي إنا أعددنا لمن كذب بالبعث والحشر، والنشر والحساب والجزاء نارا تسعر وتتقد عليهم، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ ؛ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألما.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال :" إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثوا على ركبتيه فيقول : رب لا أسألك اليوم إلا نفسي ".
وإذا ألقوا منها في مكان ضيق قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل، استغاثوا وقالوا يا ثبوراه، أي يا هلاكنا احضر فهذا وقتك، فيقال لهم : لا تنادوا هلاكا واحدا وادعوا هلاكا كثيرا، أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم منه واحدا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
والخلاصة : إن الله قد أعد لمن كذب بالقيامة نارا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا منها في مكان ضيق وهم مقرنون في السلاسل والأغلال تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل :" أشد من الموت ما يتمنى معه الموت " فيقال لهم حينئذ : لا تدعوا هلاكا واحدا فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكا كثيرا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك، وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.


تفسير المفردات :
والثبور : الهلاك.
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
تفسير المفردات :
وجنة الخلد : هي التي لا ينقطع نعيمها.
الإيضاح :
وبعد أن وصف عقاب المكذبين بالساعة، أردفه ما يؤكد حسرتهم وندامتهم فقال :
﴿ قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ﴾أي قل لهؤلاء المكذبين تهكما بهم وتحسيرا لهم على ما فاتهم : أهذه النار التي وصفت لكم خير أم جنة الخلد التي يدوم نعيمها ولا يبيد، وقد وعدها من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما به أمره ونهاه ؟
ثم حقق أمرها تأكيدا للبشارة بقوله :
﴿ كانت لهم جزاء ومصيرا ﴾أي كانت هذه الجنة لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بطاعته، وثوابا لهم على تقواه، ومرجعا لهم ينتقلون إليه في الآخرة.
﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ٧ ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( ٨ ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( ٩ ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( ١٠ ) بل كذبوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( ١١ ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( ١٢ ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( ١٣ ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( ١٤ ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ( ١٥ ) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ﴾[ الفرقان : ٧- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره ثم فند تلك الشبه وبين سخفها وأنها لا تصلح مطعنا في النبي، ثم حكى عنهم نوعا ثالثا من أباطيلهم وهو تكذيبهم بيوم القيامة، ثم وصف ما اعد للكافرين فيه مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى يسمعون لها تغيظا وزفيرا، ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، و ندائهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه، ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم : مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
تفسير المفردات :
مسؤولا : أي جديرا أن يسأل و يطلب، لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون.
الإيضاح :
ثم وصف مقدار تنعمهم فيها بقوله :
﴿ لهم فيها ما يشاؤون خالدين ﴾أي لهم في جنة الخلد ما يشتهون من مأكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ونحو ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهم فيها خالدون أبدا بلا انقطاع ولا زوال.
﴿ كان على ربك وعدا مسؤولا ﴾ أي وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم حين سألوه بقولهم، ﴿ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسولك ﴾[ آل عمران : ١٩٤ ].
﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( ١٧ ) قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ( ١٨ ) فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصيرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾[ الفرقان : ١٧- ١٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعد لأولئك المكذبين بيوم القيامة من الشدائد والأهوال في النار ودعائهم على أنفسهم بالويل والثبور، أردفه ذكر أحوالهم مع معبوداتهم من دون الله وتوبيخهم على عبادة من عبدوا من الملائكة وغيرهم، ثم ذكر أن معبوداتهم تكذبهم فيما نسبوه إليهم، ثم بين أن العابدين لا يستطيعون دفع العذاب عن أنفسهم ولا يجدون من يستنصرون به.
تفسير المفردات :
ضل السبيل : فقده وخرج عنه.
الإيضاح :
﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ﴾أي واذكر لقومك تخويفا وتحذيرا يوم يحشر عابدو الأصنام والملائكة وعيسى وعزير وأضرابهم من العقلاء الذين عبدوا من دون اله، ثم يقال لأولئك المعبودين : أأنتم دعوتم عبادي إلى الغي والضلال حتى دسوا أنفسهم وهلكوا، أم هم الذين ضلوا سبيل الرشد والحق، وسلكوا سبيل الهلاك بإعراضهم عن اتباع الرسول ؟ فأجاب المعبودين :﴿ قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ﴾.
﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( ١٧ ) قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ( ١٨ ) فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصيرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾[ الفرقان : ١٧- ١٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعد لأولئك المكذبين بيوم القيامة من الشدائد والأهوال في النار ودعائهم على أنفسهم بالويل والثبور، أردفه ذكر أحوالهم مع معبوداتهم من دون الله وتوبيخهم على عبادة من عبدوا من الملائكة وغيرهم، ثم ذكر أن معبوداتهم تكذبهم فيما نسبوه إليهم، ثم بين أن العابدين لا يستطيعون دفع العذاب عن أنفسهم ولا يجدون من يستنصرون به.
تفسير المفردات :
والذكر : ما ذكر به الناس على ألسنة أنبيائهم. بورا : أي هالكين وهو لفظ يستوي فيه الواحد والجمع.
الإيضاح :
﴿ قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ﴾ أي قال المعبودون على طريق التعجب مما قيل لهم، لأنهم ملائكة أو أنبياء معصومون، فما أبعدهم عن الإضلال : تنزهت ربنا مما نسب إليك هؤلاء المشركون، ما كان يليق بنا ونحن لا نتخذ من دونك أولياء أن ندعوا غيرنا إلى ذلك، ولكنك ربنا أكثرت عليهم وعلى آبائهم نعمك ليعرفوا حقها ويشكروك، فاستغرقوا في الشهوات، وانهمكوا في اللذات وغفلوا عن ذكرك والإيمان بك، فكانوا من الهالكين، فحينئذ يقال لأولئك العابدين.
﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( ١٧ ) قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ( ١٨ ) فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصيرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾[ الفرقان : ١٧- ١٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما أعد لأولئك المكذبين بيوم القيامة من الشدائد والأهوال في النار ودعائهم على أنفسهم بالويل والثبور، أردفه ذكر أحوالهم مع معبوداتهم من دون الله وتوبيخهم على عبادة من عبدوا من الملائكة وغيرهم، ثم ذكر أن معبوداتهم تكذبهم فيما نسبوه إليهم، ثم بين أن العابدين لا يستطيعون دفع العذاب عن أنفسهم ولا يجدون من يستنصرون به.
تفسير المفردات :
صرفا : أي دفعا للعذاب. يظلم : أي يكفر.
الإيضاح :
﴿ فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ﴾أي فقد كذبكم أيها الكافرون من زعمتم أنهم أضلوكم ودعوكم إلى عبادتهم فيما تقولون، فما تستطيعون صوف العذاب عن أنفسكم ولا تجدون من ينصركم ويدفع عقاب الله عنكم.
والخلاصة : إنكم لا تستطيعون النجاة، لا بالهرب ولا بالانتصار لأنفسكم، فأنتم معذبون لا محالة.
ثم عمم سبحانه الحكم وخاطب جميع المكلفين فقال :
﴿ ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾أي ومن يكفر منكم أيها المكلفون فيعبد مع الله إلها غيره كهؤلاء الذين كذبوا بيوم القيامة نذقه في الآخرة عذابا كبيرا بقدر قدره، ولا تصل العقول إلى معرفة كنهه.
﴿ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ﴾[ الفرقان : ٢٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مقالتهم التي طعنوا فيها رسوله بقولهم :﴿ ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ﴾ زاعمين أن هذا مما لا ينبغي للرسول أن يفعل مثله، أردف ذلك الاحتجاج عليهم بأن محمدا ليس بدعا في الرسل، فكلهم كانوا يفعلون فعله.
وفي هذا تسلية للرسول ( ص ) وتصبير له على أذاهم.
ثم بين أن سنته أن يبتلي بعض الناس ببعض، فيبتلي الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم، فيناصبوهم العداء ويردوهم، ليعلم أيهم يصبر وأيهم يجزع ؟ وهو البصير بحال الصابرين وحال الجازعين.
الإيضاح :
﴿ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ﴾أي إن جميع من سبقك من الرسل كانوا يأكلون الطعام للتغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، ولم يقل أحد إن ذلك نقص لهم يغض من كرامتهم ويزري بهم، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم في هذا، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة، وخصائصهم السامية، وآدابهم العالية، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات، وباهر المعجزات، مما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة نافذة على صدق ما جاؤوا به من عند ربهم، فمحمد ( ص ) ليس بدعا من الرسل، إذ يأكل ويمشي في الأسواق، وليس هذا بذم ولا مطعن في صدق رسالته كما تزعمون.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ﴾[ يوسف : ١٠٩ ] وقوله :﴿ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ﴾[ الأنبياء : ٨ ]
ثم سلى رسوله على قولهم :﴿ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتبصرون ﴾أي وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، فجعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرا وحرمناه من لذات الحياة ونعيمها، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم ما أعطيه الغني، والملك بصبره على ما أوتيه الرسل من الكرامة، وكيف يكون رضى كل منهم بما أعطى وقسم له، وطاعته ربه على حرمانه مما أعطى سواه، ومن جراء هذا لم أعط محمدا الدنيا وجعلته يمشي في الأسواق يطلب المعاش، لأبتليكم وأختبر طاعتكم إياه إلى ما دعاكم إليه وهو لم يرج منكم عرضا من أعراض الدنيا، ولو أعطيتها إياه لسارع كثير منكم إلى اتباعه، طمعا في أن ينال شيء من دنياه.
والخلاصة : لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي حتى لا يخالفوا لفعلت، لكني أردت أن أبتلي العباد بهم، وأبتليهم بالعباد، فينالهم منهم الأذى، ويناصبوهم العداء، فاصبروا على البلاء، فقد علمتم ما وعد الله به الصابرين.
﴿ وكان ربك بصيرا ﴾أي وربك أيها الرسول بصير بمن يجزع، وبمن يصبر على ما امتحن به من المحن، ويجازي كلا بما يستحق من عقاب أو ثواب.
روى مسلم أن النبي ( ص ) قال :" انظر إلى أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هم فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ".
اللهم اجعلنا من الصابرين على أذى السفهاء، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وارزقنا من لدنك قناعة وغنى نربأ بهما عما في أيدي الناس، وثبت أقدامنا في فهم كتابك، وبلغنا ما نرجوه من إرشاد عبادك بما نقدم لهم من نور يهتدون به إلى صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وصل ربنا على محمد وآله.
ثم تفسير هذا الجزء بحلوان من أرباض القاهرة قاعدة الديار المصرية، لثلاث خلون من صفر سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، ولله الحمد أولا وآخرا.
الجزء التاسع عشر
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا( ٢١ )يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا( ٢٢ )وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا( ٢٣ )أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ﴾الفرقان :( ٢١-٢٤ ).
تفسير المفردات : لا يرجون : أي لا يخافون، كما جاء في قوله :﴿ ما لكم لا ترجون لله وقارا ﴾( نوح : ١٣ )، واللقاء : مقابلة الشيء ومصادفته ولقاءنا، أي : لقاء جزائنا، واستكبروا في أنفسهم : أي أوقعوا الاستكبار في شأن أنفسهم بعدّها كبيرة الشأن، والعتوّ : تجاوز الحد في الظلم تجاوزا بلغ أقصى الغاية حيث كذبوا الرسول الذي جاء بالوحي ولم يكترثوا بالمعجزات التي أتاهم بها.
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه أباطيل المشركين السالفة بطعنهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم :﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ﴾
( الفرقان : ٧ ) أردف ذلك بذكر سخافات أخرى لهم في هذا الصدد فقالوا : هلا أنزل علينا الملائكة فيخبرونا بصدقه، أو نرى ربنا فينبئنا بذلك، ثم بين أن هذا عتو عظيم منهم، ثم أعقب هذا ببيان أنهم سيرون الملائكة حين الهول يوم الجزاء والحساب حين يقولون لهم : لا بشرى لكم اليوم بل فيه منعكم من كل خير، فإن ما قدمتم من عمل صالح في الدنيا صار هباء منثورا، ثم أخبر بما يكون لأهل الجنة من خير المستقر، وحسن المقيل في ظل ظليل، ونعم لا مقطوعة ولا ممنوعة، حين يقولون :﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾( الزمر : ٧٤ )ولعل في ذكر هذا ما يكون حافزا لهم على مراجعة أنفسهم وتخمير الرأي، ليرشدوا إلى طريق السداد ويقلعوا عما هم فيه من هوى متبع وشيطان مطاع.
الإيضاح :﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ﴾أي : وقال الذين ينكرون البعث والحشر ويطعنون في صدق الرسول فيما أوحي به إليه : هلا أنزل علينا الملائكة فيخبرونا بأن محمدا صادق فيما يدّعي، فإنا في شك من أمره، وفي ريب مما يخبر به، وإن لم يكن هذا فلنر ربنا ونعلم أنه هو حقا بأمارات لا يعتريها لبس ثم يقول لنا : إني أرسلت إليكم محمدا من لدني بشيرا ونذيرا، فإن تم لنا ذلك صدّقناه وآمنا به، وما مقصدهم من هذا وذاك إلا التمادي في الإنكار والعناد والعتوّ ومن ثم قال :
﴿ لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا ﴾أي والله لقد استكبروا في شأن أنفسهم، وتجاوزوا الحد في الظلم والطغيان تجاوزا بلغ أقصى الغاية، تكذيبا برسوله وشموخا بأنوفهم عن أن ينصاعوا إليه ويتبعوه، ولم يأبهوا بباهر معجزاته، ولا كثرة آياته وإنهم لقد بلغوا غاية القحة في الطلب، وفي الحق إن شأنهم لعجب، وإن العقل ليحار في أمرهم، ويدهش لقصور عقولهم، وسذاجة آرائهم، وضعف أحلامهم، ﴿ أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ﴾( الطور : ٣٢ )ولله در القائل :
ومن جهلت نفسه قدره *** رأى غيره منه ما لا يرى
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ﴾( غافر : ٥٦ ).
تفسير المفردات : حجرا محجورا : كلمة تقولها العرب حين لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة هائلة، يقصدون بها الاستعاذة من وقوع ذلك الخطب الذي يلحقهم والمكروه الذي يلمّ بدارهم : أي نسأل الله أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا.
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه أباطيل المشركين السالفة بطعنهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم :﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ﴾
( الفرقان : ٧ ) أردف ذلك بذكر سخافات أخرى لهم في هذا الصدد فقالوا : هلا أنزل علينا الملائكة فيخبرونا بصدقه، أو نرى ربنا فينبئنا بذلك، ثم بين أن هذا عتو عظيم منهم، ثم أعقب هذا ببيان أنهم سيرون الملائكة حين الهول يوم الجزاء والحساب حين يقولون لهم : لا بشرى لكم اليوم بل فيه منعكم من كل خير، فإن ما قدمتم من عمل صالح في الدنيا صار هباء منثورا، ثم أخبر بما يكون لأهل الجنة من خير المستقر، وحسن المقيل في ظل ظليل، ونعم لا مقطوعة ولا ممنوعة، حين يقولون :﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾( الزمر : ٧٤ )ولعل في ذكر هذا ما يكون حافزا لهم على مراجعة أنفسهم وتخمير الرأي، ليرشدوا إلى طريق السداد ويقلعوا عما هم فيه من هوى متبع وشيطان مطاع.
الإيضاح : ثم بين أنهم سيلقون الملائكة حين الهول يوم القيامة لا على الوجه الذي طلبوه، ولا على الصورة التي اقترحوها، بل على وجه آخر لم يمر ببالهم فقال :
﴿ يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ﴾أي يوم يرى هؤلاء المجرمون الملائكة فلا بشرى لهم بخير، إذ يقولون لهم : حجرا محجورا أي محرم عليكم البشرى بالغفران والجنة، أي جعلهما الله حراما عليكم، إذ هما لا يكونان إلا لمن اعترف بوحدانية الله وصدق رسوله.
والخلاصة : لا بشرى يومئذ للكافرين وتقول لهم الملائكة : حرام أن نبشركم بما نبشر به المتقين.
تفسير المفردات : وقدمنا : أي عمدنا وقصدنا والهباء كما قال الراغب : دقاق التراب وما انبثّ في الهواء ولا يبدو إلا في أثناء ضوء الشمس من كوّة ونحوها.
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه أباطيل المشركين السالفة بطعنهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم :﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ﴾
( الفرقان : ٧ ) أردف ذلك بذكر سخافات أخرى لهم في هذا الصدد فقالوا : هلا أنزل علينا الملائكة فيخبرونا بصدقه، أو نرى ربنا فينبئنا بذلك، ثم بين أن هذا عتو عظيم منهم، ثم أعقب هذا ببيان أنهم سيرون الملائكة حين الهول يوم الجزاء والحساب حين يقولون لهم : لا بشرى لكم اليوم بل فيه منعكم من كل خير، فإن ما قدمتم من عمل صالح في الدنيا صار هباء منثورا، ثم أخبر بما يكون لأهل الجنة من خير المستقر، وحسن المقيل في ظل ظليل، ونعم لا مقطوعة ولا ممنوعة، حين يقولون :﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾( الزمر : ٧٤ )ولعل في ذكر هذا ما يكون حافزا لهم على مراجعة أنفسهم وتخمير الرأي، ليرشدوا إلى طريق السداد ويقلعوا عما هم فيه من هوى متبع وشيطان مطاع.
الإيضاح : ثم بين السبب في وبالهم وخسرانهم حينئذ فقال :
﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾أي فعمدنا إلى محاسن أعمالهم التي قاموا بها في الدنيا كصلة الرحم، وإغاثة ملهوف ومن على أسير ونحو ذلك مما لو كانوا عملوها مع الإيمان لنالوا ثوابها فجعلناه كالهباء المنثور لا يجدي ولا يفيد.
وخلاصة ذلك : إنه تعالى جعل مثل هؤلاء الكفار ومثل أعمالهم التي عملوها حال كفرهم مثل قوم حالفوا سلطانهم واستعصوا عليه، فقصد عليه إلى ما بين أيديهم فأفسده وجعله شذر مذر، ولم يترك له أثرا ولا عينا. وبعد أن بين حال الكافرين حينئذ ذكر حال أضدادهم المؤمنين فقال :﴿ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ﴾.
تفسير المفردات : المستقر : المكان الذي يستقر فيه المرء في أكثر الأوقات للجلوس والمحادثة، والمقيل : المكان الذي يؤوى إليه للاستمتاع بالأزواج والتمتع بحديثهن سمي بذلك لأن التمتع به يكون وقت القائلة غالبا.
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه أباطيل المشركين السالفة بطعنهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم :﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ﴾
( الفرقان : ٧ ) أردف ذلك بذكر سخافات أخرى لهم في هذا الصدد فقالوا : هلا أنزل علينا الملائكة فيخبرونا بصدقه، أو نرى ربنا فينبئنا بذلك، ثم بين أن هذا عتو عظيم منهم، ثم أعقب هذا ببيان أنهم سيرون الملائكة حين الهول يوم الجزاء والحساب حين يقولون لهم : لا بشرى لكم اليوم بل فيه منعكم من كل خير، فإن ما قدمتم من عمل صالح في الدنيا صار هباء منثورا، ثم أخبر بما يكون لأهل الجنة من خير المستقر، وحسن المقيل في ظل ظليل، ونعم لا مقطوعة ولا ممنوعة، حين يقولون :﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾( الزمر : ٧٤ )ولعل في ذكر هذا ما يكون حافزا لهم على مراجعة أنفسهم وتخمير الرأي، ليرشدوا إلى طريق السداد ويقلعوا عما هم فيه من هوى متبع وشيطان مطاع.
الإيضاح : وبعد أن بين حال الكافرين حينئذ ذكر حال أضدادهم المؤمنين فقال :
﴿ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ﴾أي إن منازل أهل الجنة خير من منازل أولئك المشركين الذين يفتخرون بأموالهم وما أوتوا من الترف والنعيم في الدنيا، وأحسن فيها قرارا حين القائلة من مثلها لهم في الدنيا، لما يتزين به مقيلهم من حسن الصور وجمال التنوّق والأبّهة والزخرف وغيرها من المحاسن التي لا يوجد مثلها في الدنيا في بيوت المترفين، ولما فيه من نعيم لا يشوبه كدر ولا تنغيص بخلاف مقيل الدنيا.
﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا( ٢٥ ) الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا( ٢٦ ) ويوم يعَضّ الظالم على يديه يقولُ يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلا( ٢٧ ) يا ويلتَى لَيْتَني لم أتخذ فلانا خليلا( ٢٨ ) لقد أضلَّني عن الذكْرِ بعد إذ جاءني وكان الشيطانُ للإنسان خذولا ﴾( الفرقان : ٢٥-٢٩ ).
المعنى الجملي :
بعد أن بين سبحانه في سابق الآيات أن المشركين طلبوا إنزال الملائكة أردف هذا ببيان أنهم ينزلون حين ينتهي هذا العالم الدنيوي، ويختل نظام الأفلاك، والأرض والسماوات، ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب، فيعض الكافر على يديه نادما على ما فات، ويتمنى أن لو كان قد أطاع الرسول فيما أمر ونهى ولم يكن قد أطاع شياطين الإنس والجن الذين أضلوه السبيل وخذلوه عن الوصول إلى محجة الصواب.
الإيضاح :﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام ﴾أي : واذكر أيها الرسول لقومك أهوال هذا اليوم حين تكون شمسنا وكواكبنا والشموس الأخرى وسياراتها أشبه بالغمام، لأنها تصير هباء متفرقة في الجو، وترجع سيرتها الأولى، أي تتحلل وترجع في الجو كما كانت، ويختل نظام هذا العالم المشاهد، كما قال تعالى :﴿ وفُتحت السماءُ فكانت أبوابا( ١٩ )وسُيّرت الجبالُ فكانت سرابا ﴾( النبأ : ١٩-٢٠ ).
﴿ ونزل الملائكة تنزيلا ﴾بصحائف أعمال العباد، لتقدّم لدى العرض والحساب وتكون شاهدة عليهم لدى فصل القضاء.
المعنى الجملي :
بعد أن بين سبحانه في سابق الآيات أن المشركين طلبوا إنزال الملائكة أردف هذا ببيان أنهم ينزلون حين ينتهي هذا العالم الدنيوي، ويختل نظام الأفلاك، والأرض والسماوات، ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب، فيعض الكافر على يديه نادما على ما فات، ويتمنى أن لو كان قد أطاع الرسول فيما أمر ونهى ولم يكن قد أطاع شياطين الإنس والجن الذين أضلوه السبيل وخذلوه عن الوصول إلى محجة الصواب.
الإيضاح :﴿ الملك يومئذ الحق للرحمن ﴾أي الملك الحق في هذا اليوم ملك الرحمان، فله السلطان القاهر والاستيلاء العام ظاهرا وباطنا، ولا ملك لغيره في هذا اليوم وهو الذي يقضي بين عباده بالعدل، ولا شفيع ولا نصير :﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ﴾( غافر : ١٧ ).
ثم ذكر الهول الذي ينال الكافرين حينئذ فقال :
﴿ وكان يوما على الكافرين عسيرا ﴾أي وكان ذلك اليوم شديد الهول على الكافرين، لأنه يوم عدل وفصل للقضاء، وهو على المؤمنين يسير، لما ينالهم فيه من الكرامة والبشرى، وفي الحديث :" إنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا ".
ونحو الآية قوله :﴿ فذلك يومئذ يوم عسير( ٩ )على الكافرين غير يسير ﴾( المدثر : ٩-١٠ ).
المعنى الجملي :
بعد أن بين سبحانه في سابق الآيات أن المشركين طلبوا إنزال الملائكة أردف هذا ببيان أنهم ينزلون حين ينتهي هذا العالم الدنيوي، ويختل نظام الأفلاك، والأرض والسماوات، ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب، فيعض الكافر على يديه نادما على ما فات، ويتمنى أن لو كان قد أطاع الرسول فيما أمر ونهى ولم يكن قد أطاع شياطين الإنس والجن الذين أضلوه السبيل وخذلوه عن الوصول إلى محجة الصواب.
الإيضاح : ثم بين شدة ندم المشركين وعظيم حسرتهم في هذا اليوم :
﴿ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ﴾أي وفي هذا اليوم يعض المشرك بربه على يديه ندما وأسفا على ما فرط في جنب الله، وعلى ما أعرض عنه من الحق الواضح الذي جاء به رسوله ويقول : ليتني اتخذت مع الرسول طريقا إلى النجاة ولم تتشعب بي طرق الضلالة.
المعنى الجملي :
بعد أن بين سبحانه في سابق الآيات أن المشركين طلبوا إنزال الملائكة أردف هذا ببيان أنهم ينزلون حين ينتهي هذا العالم الدنيوي، ويختل نظام الأفلاك، والأرض والسماوات، ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب، فيعض الكافر على يديه نادما على ما فات، ويتمنى أن لو كان قد أطاع الرسول فيما أمر ونهى ولم يكن قد أطاع شياطين الإنس والجن الذين أضلوه السبيل وخذلوه عن الوصول إلى محجة الصواب.
الإيضاح :﴿ يا ويلتاي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ﴾أي يا هلكتي احضري فهذا أوانك، ليتني لم أتخذ فلانا الذي أضلني وصرفني عن طريق الهدى خليلا وصديقا.
ومن الأخلاء الشياطين، ولا فارق بين شياطين الإنس وشياطين الجن، ومن هؤلاء أبيّ بن خلف، فقد روي أن عقبة بن أبي معيط كان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاه إلى ضيافته فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل، وكان أبيّ صديقه فعاتبه، وقال له : صبأت فقال : لا والله ولكن أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له فقال : لا أرضى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه، فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فأسر يوم بدر فأمر عليا فقتله، وقتل أبي بن خلف بيده الشريفة يوم أحد، طعنه بحربة فوقعت في ترقوته فلم يخرج منه دم كثير واحتقن الدم في جوفه فجعل يخور كما يخور الثور، فأتى أصحابه حتى احتملوه وهو يخور، فما لبث إلا يوما أو نحوه حتى ذهب إلى النار " فأنزل الله الآية.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يحشر المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالّ " أخرجه أبو داود والترمذي.
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقيّ " وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :" مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ". ثم بين علة هذا التمني بقوله :﴿ لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ﴾أي لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن بعد إذ جاءني من ربي.
المعنى الجملي :
بعد أن بين سبحانه في سابق الآيات أن المشركين طلبوا إنزال الملائكة أردف هذا ببيان أنهم ينزلون حين ينتهي هذا العالم الدنيوي، ويختل نظام الأفلاك، والأرض والسماوات، ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب، فيعض الكافر على يديه نادما على ما فات، ويتمنى أن لو كان قد أطاع الرسول فيما أمر ونهى ولم يكن قد أطاع شياطين الإنس والجن الذين أضلوه السبيل وخذلوه عن الوصول إلى محجة الصواب.
الإيضاح :﴿ لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ﴾أي لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن بعد إذ جاءني من ربي.
ثم أخبر عن طبيعة الشيطان ودأبه فقال :
﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾أي وكان من عادة الشيطان أن يخذل الإنسان فيصرفه عن الحق ويدعوه إلى الباطل ثم لا ينقذه مما يحل به من البلاء، ولا ينجيه منه.
﴿ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا( ٣٠ ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ﴾( الفرقان٣٠-٣١ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مقالاتهم الباطلة، وتعنتهم الظالم في الرسول من نحو قولهم :" لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا "، وقولهم " ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق "، وقولهم في القرآن :" إن هو إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون "، وقولهم فيه :" إن هو إلا أساطير الأولين اكتتبها "، أعقب ذلك بشكاية الرسول إلى ربه بأن قومه قد هجروا كتابه، ولم يلتفتوا إلى ما فيه من هداية لهم، ورعاية لمصالحهم في دينهم ودنياهم، ثم سلاه سبحانه على ذلك بأن هذا ليس دأب قومك فحسب، بل إن كثيرا من الأمم قد فعلوا مع رسلهم مثل هذا، فاقتد بأولئك الأنبياء ولا تجزع، ثم وعده وعدا كريما بأن يهديه إلى مطلبه، وينصره على عدوه، وكفى به هاديا ونصيرا.
الإيضاح :﴿ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ﴾أي وقال الرسول مشتكيا إلى ربه :" رب إن قومي الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك وأمرتني بإبلاغه إليهم، قد هجروا كتابك وتركوا الإيمان بك، ولم يأبهوا بوعدك ووعيدك بل أعرضوا عن استماعه واتباعه ".
وفي ذكره صلى الله عليه وسلم بلفظ﴿ الرسول ﴾تحقيق للحق، ورد عليهم، إذ كان ما أوردوه قدحا في رسالته صلى الله عليه وسلم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مقالاتهم الباطلة، وتعنتهم الظالم في الرسول من نحو قولهم :" لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا "، وقولهم " ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق "، وقولهم في القرآن :" إن هو إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون "، وقولهم فيه :" إن هو إلا أساطير الأولين اكتتبها "، أعقب ذلك بشكاية الرسول إلى ربه بأن قومه قد هجروا كتابه، ولم يلتفتوا إلى ما فيه من هداية لهم، ورعاية لمصالحهم في دينهم ودنياهم، ثم سلاه سبحانه على ذلك بأن هذا ليس دأب قومك فحسب، بل إن كثيرا من الأمم قد فعلوا مع رسلهم مثل هذا، فاقتد بأولئك الأنبياء ولا تجزع، ثم وعده وعدا كريما بأن يهديه إلى مطلبه، وينصره على عدوه، وكفى به هاديا ونصيرا.
الإيضاح : ثم سلى رسوله على ما يلاقيه من الشدائد والأهوال، بأن له في سلفه من الأنبياء قبله أسوة بقوله :
﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ﴾أي كما جعلنا لك أعداء من المشركين يتقولون عليك ما يتقولون من الترهات والأباطيل ويفعلون من السخف ما يفعلون جعلنا لكل نبي من الأنبياء الذين سلفوا وأوتوا من الشرائع ما فيه هدى للبشر - أعداء لهم من شياطين الإنس والجن، وكانوا لهم بالمرصاد، وقاوموا دعوتهم{ وكان حقا علينا نصر المؤمنين( الروم : ٤٧ ).
فلا تجزع أيها الرسول فإن هذا دأب الأنبياء قبلك، واصبر كما صبروا، قال ابن عباس : كان عدو النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا جهل، وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى.
ونحو الآية قوله :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا ﴾( الأنعام : ١١٢ ).
ثم وعده بالهداية والنصر والتأييد وغلبته لأعدائه فقال :
﴿ وكفى بربك هاديا ونصيرا ﴾أي وكفاك ربك هاديا لك إلى مصالح الدين والدنيا، وسيبلغك أقصى ما تطلب من الكمال، وسينصرك على أعدائك، وستكون لك الغلبة عليهم آخرا، فلا يهولنك كثرة عددهم، فإني لا محالة جاعل كلمة الله هي العليا وكلمة أعدائه هي السفلى، فاصبر لأمري، وامض لتبليغ رسالتي، حتى يبلغ الكتاب أجله.
﴿ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا( ٣٢ ) ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا( ٣٣ ) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ﴾( الفرقان : ٣٢-٣٤ ).
تفسير المفردات : جملة واحدة : أي دفعة واحدة، " لنثبت به فؤادك " : أي لنقوي به قلبك، " ورتلناه " : أي أتينا ببعضه إثر بعض على تؤدة ومهل، من قوله ثغر مرتّل، أي متفلج الأسنان.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعنهم في الكتاب الكريم كقولهم " إن هو إلا إفك مبين "، وقولهم " هو أساطير الأولين " - قفي على ذلك بذكر شبهة أخرى لهم وهي كقولهم : لو كان القرآن من عند الله حقا لأنزله جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة على موسى والإنجيل جملة على عيسى والزبور على داود، فرد الله عليهم مقالتهم، وبين لهم فوائد إنزاله منجّما، فذكر منها تثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم بتيسير الحفظ، وفهم المعنى، وضبط الألفاظ، إلى نحو أولئك، ثم وعده بأنهم كلما جاؤوا بشبهة دحضها بالجواب الحق، والقول الفصل الذي يكشف عن وجه الصواب، وبعدئذ ذكر حال المشركين وأنهم حين يحشرون يكونون في غاية الذل والهوان ويجرّون على وجوههم إلى جهنم وهم مصفّدون بالسلاسل والأغلال.
الإيضاح :﴿ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ﴾أي وقال اليهود : هلا أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة كما أنزلت الكتب السالفة على الأنبياء كذلك، وهذا زعم باطل، ودعوى داحضة، فإن هذه الكتب نزلت متفرقة ؛ فقد أنزلت التوراة منجمة في ثماني عشر سنة كما تدل على ذلك نصوص التوراة، وليس هناك دليل قاطع على خلاف ذلك من كتاب أو سنة كما نزل القرآن، لكنهم معاندون أو جاهلون لا يدرون كيف نزلت كتب الله على أنبيائه وهو اعتراض بما لا طائل تحته، لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو متفرقا.
فرد الله عليهم ما قالوا وأشار إلى السبب الذي لأجله نزل منجما فقال :﴿ كذلك لنثبت به فؤادك ﴾أي أنزلناه كذلك لنقوي قلبك به بإعادته وحفظه كما قال :﴿ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ﴾( الإسراء : ١٠٦ ).
وخلاصة تلك الفوائد :
١-إنه عليه الصلاة والسلام لما كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، فلو نزل عليه القرآن جملة واحدة كان من الصعب عليه أن يضبطه، وجاز عليه السهو والغلط.
٢-إنه أنزل هكذا ليكون حفظه له أكمل ويكون أبعد من المساهلة وقلة التحصيل.
٣-إنه لو أنزل جملة على الخلق لنزلت الشرائع بأسرها دفعة واحدة عليهم ولا يخفى ما في ذلك من حرج عليهم بكثرة التكاليف مرة واحدة، ولكن بإنزاله منجّما جاء التشريع رويدا رويدا فكان احتمالهم له أيسر ومرانهم عليه أسهل.
٤-إنه عليه الصلاة والسلام إذا شاهد جبريل الفينة بعد الفينة قوي قلبه على أداء ما حمل به، وعلى الصبر على أعباء النبوة، وعلى احتمال أذى قومه، وقدر على الجهاد الذي استمر عليه طوال حياته الشريفة.
٥-إنه أنزل هكذا بحسب الأسئلة والوقائع، فكان في ذلك زيادة بصر لهم في دينهم.
٦-إنه لما نزل هكذا، وتحداهم بنجومه وبما ينزل منه، وعجزوا عن معارضته - كان عجزهم عن معارضته جملة أجدر وأحق في نظر الرأي الحصيف.
٧-إن بعض أحكام الشريعة جاء في بدء التنزيل وفق حال القوم الذين أنزلت عليهم، وبحسب العادات التي كانوا يألفونها، فلما أضاء الله بصائرهم بهدي رسوله تغيرت بعض أحوالهم واستعدت أنفسهم لتشريع يزيدهم طهرا على طهر، ويذهب عنهم رجس الجاهلية الذي كانوا فيه، فجاء ذلك التشريع الجديد الكامل المناسب لتلك الحال الجديدة، ولو نزل القرآن جملة لم يتسن شيء من هذا.
﴿ ورتلناه ترتيلا ﴾أي وأنزلناه عليك هكذا على مهل، وقرأناه بلسان جبريل شيئا فشيئا في ثلاث وعشرين سنة.
تفسير المفردات : بمثل : أي بنوع من الكلام جار مجرى المثل في تنميقه وتحسينه، ورشاقة لفظه وصدق معناه، تفسيرا : أي إيضاحا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعنهم في الكتاب الكريم كقولهم " إن هو إلا إفك مبين "، وقولهم " هو أساطير الأولين " - قفي على ذلك بذكر شبهة أخرى لهم وهي كقولهم : لو كان القرآن من عند الله حقا لأنزله جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة على موسى والإنجيل جملة على عيسى والزبور على داود، فرد الله عليهم مقالتهم، وبين لهم فوائد إنزاله منجّما، فذكر منها تثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم بتيسير الحفظ، وفهم المعنى، وضبط الألفاظ، إلى نحو أولئك، ثم وعده بأنهم كلما جاؤوا بشبهة دحضها بالجواب الحق، والقول الفصل الذي يكشف عن وجه الصواب، وبعدئذ ذكر حال المشركين وأنهم حين يحشرون يكونون في غاية الذل والهوان ويجرّون على وجوههم إلى جهنم وهم مصفّدون بالسلاسل والأغلال.
الإيضاح : وبعد أن أبان فساد قولهم بالدليل الواضح أعقبه بما يقوّي قلبه إزاء المشركين، وأنه قد كتب له الفلج عليهم، فهم محجوجون في كل آن، وقولهم مدفوع على كل وجه فقال :
﴿ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ﴾أي ولا يأتيك هؤلاء المشركون بصفة غريبة من الصفات التي يقترحونها، ويريدون بها القدح في نبوتك إلا دحضناها بالحق الذي يدفع قولهم ويقطع عروق أسئلتهم السخيفة، ويكون أحسن بيانا مما يقولون.
ونحو الآية قوله :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾( الأنبياء : ١٨ ).
والخلاصة : إنهم لا يقترحون اقتراحا من مفاسد مقترحاتهم، إلا أتيناك بما يدفعه، ويوضح بطلانه.
وبعد أن وصفوا رسوله بتلك الأوصاف السالفة تحقيرا له- سلاه على ذلك، وطلب إليه أن يقول لهم.
تفسير المفردات : يحشرون على وجوههم إلى جهنم : أي يسحبون على وجوههم ويجرّون إليها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعنهم في الكتاب الكريم كقولهم " إن هو إلا إفك مبين "، وقولهم " هو أساطير الأولين " - قفي على ذلك بذكر شبهة أخرى لهم وهي كقولهم : لو كان القرآن من عند الله حقا لأنزله جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة على موسى والإنجيل جملة على عيسى والزبور على داود، فرد الله عليهم مقالتهم، وبين لهم فوائد إنزاله منجّما، فذكر منها تثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم بتيسير الحفظ، وفهم المعنى، وضبط الألفاظ، إلى نحو أولئك، ثم وعده بأنهم كلما جاؤوا بشبهة دحضها بالجواب الحق، والقول الفصل الذي يكشف عن وجه الصواب، وبعدئذ ذكر حال المشركين وأنهم حين يحشرون يكونون في غاية الذل والهوان ويجرّون على وجوههم إلى جهنم وهم مصفّدون بالسلاسل والأغلال.
الإيضاح :﴿ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ﴾أي إني لا أقول لكم كما تقولون ولا أصفكم بمثل ما تصفونني به، بل أقول لكم : إن الذين يسحبون إلى جهنم ويجرّون بالسلاسل والأغلال هم شر مكانا وأضل سبيلا، فانظروا بعين الإنصاف، وفكّروا من أولى بهذه الأوصاف منا ومنكم ؟ لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا، وسبيلكم أضل من سبيلنا.
وهذا من نسق قوله تعالى :﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾( سبأ : ٢٤ ).
ويسمّون هذا الأسلوب في المناظرة بإرخاء العنان للخصم، ليسهل إفحامه وإلزامه.
روى الترمذي عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف : صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم "، قيل : يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم ؟ قال :" إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك " والمراد أن الملائكة عليهم السلام تسحبهم وتجرّهم على وجوههم إلى جهنم، أو يكون الحشر على الوجوه عبارة عن الذلة والخزي والهوان، أو هو من قول العرب مرّ فلان على وجهه إذا لم يدر أين يذهب.
قصص بعض الأنبياء مع أممهم :
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا( ٣٥ ) فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا( ٣٦ ) وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية واعتدنا للظالمين عذابا أليما( ٣٧ ) وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا( ٣٨ ) وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا( ٣٩ ) ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا ﴾( الفرقان : ٣٥-٤٠ ).
تفسير المفردات : قال الزجاج : الوزير من يرجع إليه للاستعانة برأيه.
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في دلائل وحدانيته ونفي الأنداد، وفي النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفي أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفي النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون في ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحلّ بهم من العذاب مثل ما حلّ بمن قبلهم إذا هم تمادوا في تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.
وقد ذكر من ذلك خمس قصص : قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
الإيضاح : قصة موسى وهارون عليهما السلام :
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ﴾أي ولقد أنزلنا على موسى التوراة كما أنزلنا عليك الفرقان، وجعلنا معه أخاه هارون معينا وظهيرا له، ولا تنافي بين هذه الآية وقوله :﴿ ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ﴾( مريم : ٥٣ )فإنه وإن كان نبيا فالشريعة لموسى عليه السلام وهو تابع له فيها، كما أن الوزير متبع لسلطانه.
ثم ذكر ما أمرا به من تبليغ الرسالة مع بيان أن النصر لهما آخرا على أعدائهما.
تفسير المفردات : والتدمير : كسر الشيء على وجه لا يمكن معه إصلاحه، وأعتدنا : هيأنا وأعددنا.
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في دلائل وحدانيته ونفي الأنداد، وفي النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفي أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفي النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون في ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحلّ بهم من العذاب مثل ما حلّ بمن قبلهم إذا هم تمادوا في تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.
وقد ذكر من ذلك خمس قصص : قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
الإيضاح :﴿ فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ﴾أي فقلنا لهما اذهبا إلى فرعون وقومه الذين كذبوا بدلائل التوحيد المودعة في الأنفس والآفاق، فلما ذهبا إليهم كذبوهما فأهلكناهم أشد إهلاك.
ونحو الآية قوله :﴿ دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ﴾( محمد : ١٠ ).
وفي ذلك تسلية لرسوله وأنه ليس أول من كذب من الرسل، فله أسوة بمن سلف منهم.
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في دلائل وحدانيته ونفي الأنداد، وفي النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفي أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفي النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون في ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحلّ بهم من العذاب مثل ما حلّ بمن قبلهم إذا هم تمادوا في تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.
وقد ذكر من ذلك خمس قصص : قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
الإيضاح : قصة نوح عليه السلام.
﴿ وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية ﴾أي وكذلك فعلنا بقوم نوح حين كذبوا رسولنا نوحا عليه السلام، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ويحذرهم نقمته :﴿ وما آمن معه إلا قليل ﴾( هود : ٤٠ )فأغرقناهم ولم نترك منهم أحدا إلا أصحاب السفينة وجعلناهم عبرة للناس كما قال :﴿ إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية( ١١ ) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ﴾ ( الحاقة : ١١-١٢ )أي أبقينا لكم السفينة، لتذكروا نعمة الله عليكم بإنجائكم من الغرق وجعلكم من ذرية من آمن به وصدّق بأمره.
وفي قوله :﴿ كذبوا الرسل ﴾وهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا وهو نوح - إيماء إلى أن من كذّب رسولا واحدا فقد كذب جميع الرسل، إذ لا فرق بين رسول وآخر، إذ جميعهم يدعو إلى توحيد الله ونبذ الأصنام والأوثان قاله الزجاج.
ثم ذكر مآل المكذبين فقال :
﴿ وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ﴾أي وأعددنا لكل من كفر بالله ولم يؤمن برسله عذابا أليما في الآخرة.
وفي ذلك رمز إلى أن قريشا سيحل بهم من العذاب في الدنيا والآخرة مثل ما حل بأولئك المكذبين إذا لم يرعووا عن غيّهم.
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في دلائل وحدانيته ونفي الأنداد، وفي النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفي أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفي النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون في ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحلّ بهم من العذاب مثل ما حلّ بمن قبلهم إذا هم تمادوا في تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.
وقد ذكر من ذلك خمس قصص : قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
تفسير المفردات : الرس : البئر غير المطوية( غير المبنية ) والجمع رساس. قال أبو عبيدة : والمراد بهم كما قال قتادة أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس : والفلج فتلوا نبيهم فهلكوا، وهم بقية ثمود قوم صالح.
الإيضاح : قصص عاد وثمود وأصحاب الرس وغيرهم :
﴿ وعاد وثمود وأصحاب الرس ﴾أي ودمّرنا عادا قوم هود عليه السلام بالريح الصرصر العاتية، وثمود قوم صالح بالصيحة، وأهلكنا أصحاب الرس الذين كانوا باليمامة وقتلوا نبيهم.
واختار ابن جرير أنهم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج وسيأتي ذكر قصصهم.
﴿ وقرونا بين ذلك كثيرا ﴾أي وأمما كثيرة أهلكناهم لما كذبوا رسلنا.
تفسير المفردات : والتتبير : التفتيت والتكسير، قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرّته ومنه التّبر لفتات الذهب والفضة.
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في دلائل وحدانيته ونفي الأنداد، وفي النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفي أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفي النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون في ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحلّ بهم من العذاب مثل ما حلّ بمن قبلهم إذا هم تمادوا في تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.
وقد ذكر من ذلك خمس قصص : قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
الإيضاح : ثم ذكر أنه أنذر أولئك المكذبين وحذرهم قبل أن أوقع بهم فقال :
﴿ وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ﴾أي وكل هؤلاء أوضحنا لهم حججنا، وبينا لهم أدلتنا، وأزحنا عنهم الأعذار، فتمادوا في كفرهم وطغيانهم، فأهلكناهم أفظع الإهلاك وأشده.
تفسير المفردات : القرية : هي سدوم أعظم قرى قوم لوط، لا يرجون : أي لا يتوقعون، والنشور : البعث للحساب والجزاء.
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في دلائل وحدانيته ونفي الأنداد، وفي النبوة وأجاب عن شبهات المنكرين لها، وفي أحوال يوم القيامة وأهوالها التي يلقاها الكافرون، وفي النعيم الذي يتفضل به على عباده المتقين، أردف ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوهم فحل بهم النكال والوبال، ليكون في ذلك عبرة لقومه المشركين الذين كذبوا رسوله حتى لا يحلّ بهم من العذاب مثل ما حلّ بمن قبلهم إذا هم تمادوا في تكذيبهم وأصرّوا على بغيهم وطغيانهم.
وقد ذكر من ذلك خمس قصص : قصة موسى مع فرعون وقومه. وقصة نوح وقومه. وقصة هود مع قومه عاد. وقصة صالح مع قومه ثمود. وقصة أصحاب الرس.
الإيضاح : ثم ذكر مشركي مكة بما يرونه من العبر في حلّهم وترحالهم وما يشاهدونه مما حل بأولئك الأمم المكذبة من المثلات فقال :
﴿ ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء ﴾أي وتالله لقد مرّ هؤلاء المكذبون في رحلة الصيف على سذوم أعظم قرى قوم لوط وقد أهلكها الله بأن أمطر عليها حجارة من سجيل، لأن قومها كانوا يعملون الخبائث، وحذرهم لوط، فما أغنت عنهم الآيات والنذر.
ثم وبخهم على تركهم التذكر حين مشاهدة ما يوجبه فقال :
﴿ أفلم يكونوا يرونها ﴾أي أفلم يروا ما نزل بتلك القرية من عذاب الله بتكذيب أهلها رسول ربهم فيعتبروا ويتذكروا ويراجعوا التوبة من كفرهم وتكذيبهم لرسوله.
ثم أبان أن عدم التذكر لم يكن سببه عدم الرؤية، بل منشؤه إنكار البعث والنشور فقال :
﴿ بل كانوا لا يرجون نشورا ﴾أي إنهم ما كذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عند الله، لأنهم لم يكونوا رأوا ما حل بالقرية التي وصفت، بل كذبوه من قبل أنهم قوم لا يخافون نشورا بعد الممات، ولا يوقنون بعقاب ولا ثواب فيردعهم ذلك عما يأتون من معاصي الله.
﴿ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا( ٤١ ) إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا( ٤٢ ) أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا( ٤٣ ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾( الفرقان : ٤١-٤٤ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعن المشركين في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد شبهاتهم في ذلك أردف هذا بيان أن ذلك ما كفاهم، وليتهم اقتصروا عليه، بل زادوا على ذلك الاستهزاء به والحطّ من قدره حتى لقد قال بعضهم لبعض : أهذا الذي بعث الله رسولا ؟ بل لقد غالوا في ذلك فسمّوا دعوته إضلالا، فرد الله عليهم مقالهم وأبان لهم أنه سيظهر لهم حين مشاهدة العذاب من الضال ومن المضل ؟ ثم عجّب رسوله من شناعة أحوالهم بعد حكاية أقوالهم وأفعالهم القبيحة، وأرشد إلى أن مثل هؤلاء يبعد أن يزدجروا عما هم فيه من الغيّ بنصحك وإرشادك، فإن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون وما هم إلا كالأنعام أو أضل منها سبيلا.
روي أن الآية الأولى نزلت في أبي جهل ومن معه فإنه كان إذا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه قال مستهزئا﴿ أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾.
الإيضاح :﴿ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾أي وإذا رآك هؤلاء المشركون الذين قصصت عليك قصصهم اتخذوك موضع هزؤ وسخرية وقالوا احتقارا لشأنك هذه المقالة. ثم ذكر ما زاد قبحه في زعمهم فقال :﴿ إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعن المشركين في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد شبهاتهم في ذلك أردف هذا بيان أن ذلك ما كفاهم، وليتهم اقتصروا عليه، بل زادوا على ذلك الاستهزاء به والحطّ من قدره حتى لقد قال بعضهم لبعض : أهذا الذي بعث الله رسولا ؟ بل لقد غالوا في ذلك فسمّوا دعوته إضلالا، فرد الله عليهم مقالهم وأبان لهم أنه سيظهر لهم حين مشاهدة العذاب من الضال ومن المضل ؟ ثم عجّب رسوله من شناعة أحوالهم بعد حكاية أقوالهم وأفعالهم القبيحة، وأرشد إلى أن مثل هؤلاء يبعد أن يزدجروا عما هم فيه من الغيّ بنصحك وإرشادك، فإن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون وما هم إلا كالأنعام أو أضل منها سبيلا.
روي أن الآية الأولى نزلت في أبي جهل ومن معه فإنه كان إذا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه قال مستهزئا﴿ أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾.
الإيضاح :﴿ إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها ﴾أي ويقولون إنه قد كاد يصدّنا عن عبادة آلهتنا لولا صبرنا على عبادتها وثباتنا على ديننا.
وفي هذا إيماء إلى وجوه من الفائدة :
١-إنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الاحتفال في الدعوة إلى التوحيد وإظهار المعجزات، وإقامة الحجج والبينات، مبلغا شارفوا به أن يتركوا دينهم لولا فرط عنادهم وتناهي عتوهم ولجاجهم.
٢-الدلالة على تناقضهم واضطرابهم، فإن استفهامهم السابق ما يدل على التحقير له، وفي آخر كلامهم ما يدل على قوة حجته، ورجاجة عقله، فذكره تحميق لهم وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه.
وبعد أن حكى مقالتهم سفه آراءهم من وجوه ثلاثة :
أ-﴿ وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ﴾أي إنهم حين يشاهدون العذاب الذي استوجبوه بكفرهم وعنادهم سيعلمون من الضال ومن المضل ؟ وفي هذا رد لقولهم إن كاد ليضلنا عن آلهتنا، كما أن فيه وعيدا شديدا على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر.
ب-﴿ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ﴾.
ج-﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعن المشركين في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد شبهاتهم في ذلك أردف هذا بيان أن ذلك ما كفاهم، وليتهم اقتصروا عليه، بل زادوا على ذلك الاستهزاء به والحطّ من قدره حتى لقد قال بعضهم لبعض : أهذا الذي بعث الله رسولا ؟ بل لقد غالوا في ذلك فسمّوا دعوته إضلالا، فرد الله عليهم مقالهم وأبان لهم أنه سيظهر لهم حين مشاهدة العذاب من الضال ومن المضل ؟ ثم عجّب رسوله من شناعة أحوالهم بعد حكاية أقوالهم وأفعالهم القبيحة، وأرشد إلى أن مثل هؤلاء يبعد أن يزدجروا عما هم فيه من الغيّ بنصحك وإرشادك، فإن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون وما هم إلا كالأنعام أو أضل منها سبيلا.
روي أن الآية الأولى نزلت في أبي جهل ومن معه فإنه كان إذا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه قال مستهزئا﴿ أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾.
الإيضاح :﴿ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ﴾أي انظر في حال هذا الذي جعل هواه إلهه، بأن أطاعه وبنى عليه أمر دينه، وأعرض عن استماع الحجة الباهرة، والبرهان الجلي الواضح، واعجب ولا تأبه به، فإنك لن تكون حفيظا على مثل هذا تزجره عما هو عليه من الضلال وترشده إلى الصراط السويّ.
وخلاصة ذلك : كأنه سبحانه يقول لرسوله : إن هذا الذي لا يرى معبودا له إلا هواه، لا تستطيع أن تدعوه إلى الهدى، وتمنعه من متابعة الهوى، إن عليك إلا البلاغ.
ونحو الآية قوله :﴿ لست عليهم بمصيطر ﴾( الغاشية : ٢٢ )وقوله﴿ وما أنت عليهم بجبار ﴾( ق : ٤٥ )وقوله :﴿ لا إكراه في الدين ﴾( البقرة : ٢٥٦ ).
وفي هذا الأسلوب تعجيب لرسوله من سوء أحوالهم بعد أن حكى قبيح أقوالهم وأفعالهم وتنبيه إلى سوء عاقبتهم.
قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول فأنزل الله الآية.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مطاعن المشركين في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد شبهاتهم في ذلك أردف هذا بيان أن ذلك ما كفاهم، وليتهم اقتصروا عليه، بل زادوا على ذلك الاستهزاء به والحطّ من قدره حتى لقد قال بعضهم لبعض : أهذا الذي بعث الله رسولا ؟ بل لقد غالوا في ذلك فسمّوا دعوته إضلالا، فرد الله عليهم مقالهم وأبان لهم أنه سيظهر لهم حين مشاهدة العذاب من الضال ومن المضل ؟ ثم عجّب رسوله من شناعة أحوالهم بعد حكاية أقوالهم وأفعالهم القبيحة، وأرشد إلى أن مثل هؤلاء يبعد أن يزدجروا عما هم فيه من الغيّ بنصحك وإرشادك، فإن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون وما هم إلا كالأنعام أو أضل منها سبيلا.
روي أن الآية الأولى نزلت في أبي جهل ومن معه فإنه كان إذا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه قال مستهزئا﴿ أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾.
الإيضاح :﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾ أي بل أتظن أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من الآيات، أو يعقلون ما تتضمنه من المواعظ الداعية إلى الفضائل ومحاسن الأخلاق، حتى تجتهد في دعوتهم وتحتفل بإرشادهم وتذكيرهم، وتطمع في إيمانهم ؛ فما حالهم إلا حال البهائم في تركهم للتدبر فيما يشاهدون من البينات والحجج، بل هم أضل منها سبيلا، هي قد تنقاد لصاحبها الذي يتعهّدها، وتعرف من يحسن إليها ومن يسيء، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وتأوي إلى معاطنها ومرابضها، لكن هؤلاء لا ينقادون لخالقهم ورازقهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم وإساءة الشيطان لهم، وهو الذي قد زين لهم اتباع الشهوات - إلى أنهم لا يرجون ثوابا، ولا يخافون عقابا، إلى أن جهالة الأنعام مقصورة عليها، وجهالة هؤلاء تؤدي إلى وقوع الفتنة والفساد، وصدّ الناس عن سنن السّداد، ووقوع الهرج والمرج بين العباد، إلى أن البهائم إذ لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك، بخلاف هؤلاء فإنهم اعتقدوا البطلان عنادا ومكابرة وتعصبا وغمطا للحق، إلى أنها لم تعطّل قوة من القوى المودعة فيها، فلا تقصير من قبلها عن الكمال، أما هؤلاء فهم مبطلون لقواهم العقلية مضيعون للفطرة التي فطر الله الناس عليهما، وقد قالوا : الملائكة روح وعقل، والبهائم نفس وهوى، والبشر مجمع أكل للابتلاء والاختبار، فإن غلبته النفس والهوى فضلته الأنعام، وإن غلبته الروح والعقل فضل الملائكة الكرام.
وتخصيص الأكثر بالذكر، لأنه قد كان منهم من آمن، ومنهم من عقل الحق وكابر، استكبارا وخوفا على الرياسة.
﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا( ٤٥ ) ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا( ٣٦ ) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا( ٤٧ )وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا( ٤٨ ) لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا( ٤٩ ) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا( ٥٠ ) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا( ٥١ ) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا( ٥٢ ) وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا( ٥٣ ) وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعلناه نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ﴾( الفرقان : ٤٥-٥٤ ).
تفسير المفردات : ألم تر : أي ألم تنظر، إلى ربك : أي إلى صنعه، مد : بسط، الظل : ما يحدث من مقابلة جسم كثيف كجبل أو بناء أو شجر للشمس من حين ابتداء طلوعها حتى غروبها، ساكنا : أي ثابتا على حاله في الطول والامتداد بحيث لا يزول ولا تذهبه الشمس، دليلا : أي علامة.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح :
‍١-﴿ ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل ﴾أي انظر أيها الرسول إلى صنع ربك، كيف أنشأ الظل لكل مظلّ من طلوع الشمس حتى غروبها، فاستخدمه الإنسان للوقاية من لفح الشمس وشديد حرارتها.
﴿ ولو شاء لجعله ساكنا ﴾أي ولو شاء لجعله ثابتا على حال واحدة لا يتغير، لكنه جعله متغير في ساعات النهار المختلفة، وفي الفصول المتعاقبة، ومن ثم اتخذ مقياسا للزمن منذ القدم، فاتخذ المصريون( المسلات )وقاسوا بها أوقات النهار على أوضاع مختلفة، وطرق حكيمة منوّعة، واتخذ العرب المزاول لمعرفة أوقات الصلاة فقالوا : يجب الظهر عند الزوال : أي إذا تحول الظل إلى جانب المشرق، والعصر حين بلوغ ظل كل شيء مثله عند الأئمة عدا أبا حنيفة الذي قال : لا يجب إلا إذا بلغ ظل كل شيء مثيله.
﴿ ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ﴾أي ثم جعلنا طلوع الشمس دليلا على ظهور الظل ومشاهدته للحس والعيان، والأشياء تستبين بأضدادها فلولا الشمس لما عرف الظل، ولولا الظلمة ما عرف النور.
تفسير المفردات : قبضناه : أي محوناه، يسيرا : أي على مهل قليلا قليلا، بحسب سير الشمس في فلكها.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح :
﴿ ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ﴾أي ثم أنزلناه بضوء الشمس يسيرا يسيرا، ومحوناه على مهل جزءا فجزءا بحسب سير الشمس.
تفسير المفردات : تفسير المفردات : تفسير المفردات : والسبات : الموت لما في النوم من زوال الإحساس، والنشور : البعث.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح :
٢-﴿ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ﴾أي ومن آثار قدرته، وروائع رحمته الفائضة على خلقه، أن جعل لنفعكم الليل كاللباس يستركم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل النوم كالموت لتعطيله الحواس ووظائفها المختلفة كما قال :﴿ وهو الذي يتوفاكم بالليل ﴾( الأنعام : ٦٠ )وقال :﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴾( الزمر : ٤٢ )وجعل النهار زمان بعث من ذلك الموت.
وخلاصة ذلك : جعلنا موتكم بالنوم في الليل، وجعلنا نشوركم : أي انبعاثكم من النوم الذي يشبه الموت بالنهار، إذ ينشر الخلق للمعاش كما ينشرون بعد الموت للحساب. قال لقمان لابنه : كما تنام فتوقظ، كذلك تموت فتنشر.
ونحو الآية قوله :﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ﴾ ( القصص : ٧٣ )الآية.
تفسير المفردات : بشرا :( تخفيف بشر بضمتين )واحدها بشور كرسل ورسول : أي مبشرات والرحمة : المطر، بين يديه : أي قدامه، طهورا : أي يتطهر به.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح : ٣-﴿ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ﴾أي والله الذي أرسل الرياح مبشرات بقدوم الأمطار.
﴿ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾الطهور اسم لما يتطهر به كالوقود لما توقد به النار والوضوء لما يتوضأ به، أي وأنزلنا من السحاب ماء تتطهرون به في غسل ملابسكم وأجسامكم، وتنتفعون به في طبخ مطاعمكم، وتشربونه عذبا فراتا.
روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في البحر :" هو الطّهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
تفسير المفردات : والبلدة : الأرض، والميت : التي لا نبات فيها، والأنعام : الإبل والبقر والغنم، وخصها بالذكر لأنها ذخيرتنا. ومعاش أكثر أهل المدر منها، وأناسيّ : واحدهم إنسان( أصله أناسين أبدلت النون ياء وأدغمت في الياء ).
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح :﴿ لنحيي به بلدة ميتا ﴾أي وأنزلناه لنحيي به أرضا طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها، وبذلك الماء تزدهر بالشجر والنبات والأزهار، وذلك أشبه بالحياة للإنسان والحيوان.
ونحو الآية قوله :﴿ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾( الحج : ٥ )وقوله﴿ فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها ﴾( الروم : ٥٠ ).
﴿ ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا ﴾أي وليشرب منه الحيوان والإنسان، وأخر ذكر الإنسان عن النبات والحيوان لحاجته إليهما في حياته، ولأنهم إذا ظفروا بماء يسقي أرضهم ومواشيهم لم يعدموا ما يكون منه سقياهم.
تفسير المفردات : وصرفناه : أي حولناه في أوقات مختلفة إلى بلدان متعددة، ليذكروا : أي ليعتبروا، كفورا : أي كفرانا للنعمة وإنكارا لها، نذيرا : أي نبيا ينذر أهلها.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح :﴿ ولقد صرفنا بينهم ﴾أي ولقد صرفنا المطر بين الناس على أوضاع شتى، فلا تمر ساعة في ليل ولا نهار إلا كان فيه دليل على آثار قدرتنا، فننزله على قوم ونحجبه عن آخرين، فنحن صرفناه بينهم كما صرفنا الليل والنهار، فالشمس تجري من عند قوم وتذهب إلى آخرين :﴿ صنع الله الذي أتقن كل شيء ﴾( النمل : ٨٨ ).
إلى أن الماء يكون جامدا يشبه الحجر، وسائلا يشبه الزيت وسائر المائعات، وحينا بخاريا يشبه الهواء، وهو أيضا غاد ورائح في الجو وفي الأنهار وفي الغدران وفي أجسام النبات والحيوان والإنسان.
﴿ ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾أي صرّفناه بينهم، ليعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيشكروا، ولكن أكثر الناس أبوا إلا جحودا للنعمة وكفرانا بخالقها.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح : ثم بين منته على رسوله وأنه كلفه الأحمال الثقال من أعباء النبوة ليزداد شرفا ويعظم قدرا فقال :
﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ﴾أي ولو أردنا أن نرسل رسولا إلى أهل كل قرية لفعلنا وخفت عنك أعباء النبوة، ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة، لتستوجب بصبرك ما أعددناه لك من الكرامة والمنزلة الرفيعة، فقابل ذلك بشكر النعمة، وبالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق كما قال :" قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " وجاء في الصحيحين :" بعثت إلى الأحمر والأسود " أي إلى العجم والعرب.
والخلاصة : إنا عظّمناك بهذا الأمر، وجعلناك مستقلا بأعبائه، لتحوز ما ادّخر لك من عظيم جزائه، وكبير مثوبته فعليك بالمجاهدة والمثابرة، ولا عليك من تلقّيهم الدعوة بالإعراض والمشاكسة.
آيها سبع وسبعون نزلت بعد سورة يس
هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة، وهي ٦٨، ٦٩، ٧٠.

ومناسبتها لما قبلها من وجوه :

( ١ ) إنه سبحانه اختتم السورة السابقة بكونه مالكا لما في السماوات والأرض مصرفا له على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة مع النظام البديع والوضع الأنيق، وأنه سيحاسب عباده يوم القيامة على ما قدموا من العمل خيرا كان أو شرا، وافتتح هذه بما يدل على تعاليه في ذاته وصفاته وأفعاله وعلى حبه لخير عباده بإنزال القرآن لهم هاديا وسراجا منيرا.
( ٢ ) اختتم السورة السالفة بوجوب متابعة المؤمنين للرسول ( ص ) مع مدحهم على ذلك وتحذيرهم من مخالفة أمره خوف الفتنة والعذاب الأليم، وافتتح هذه بمدح الرسول وإنزال الكتاب عليه لإرشادهم إلى سبيل الرشاد، وذم الجاحدين لنبوته بقولهم : إنه رجل مسحور، وإنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق إلى آخر ما قالوا.
( ٣ ) في كل من السورتين وصف السحاب وإنزال الأمطار وإحياء الأرض الجرز فقال في السالفة :﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ﴾إلخ [ النور : ٤٣ ] وقال في هذه :﴿ وهو الذي أرسل الريح بشرا ﴾إلخ[ الفرقان : ٤٨ ].
( ٤ ) ذكر في كل منهما وصف أعمال الكافرين يوم القيامة وأنها لا تجزيهم فتيلا ولا قطميرا فقال في الأولى :﴿ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ﴾إلخ[ النور : ٣٩ ] وقال في هذه :﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾[ الفرقان : ٢٣ ].
( ٥ ) وصف النشأة الأولى للإنسان في أثنائهما فقال في الأولى :﴿ و الله خلق كل دابة من ماء ﴾ [ النور : ٤٥ ] و في الثانية :﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا ﴾ [ الفرقان : ١-٢ ]
الإيضاح :﴿ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ﴾أي فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من موافقتهم على مذاهبهم وآرائهم، وجاهدهم بالشدة والعنف، لا بالملاينة والمداراة لتكسب ودّهم ومحبتهم، وعظهم بما جاء به القرآن من المواعظ والزواجر، وذكّرهم بأحوال الأمم المكذبة لرسلها، وذلك منتهى الجهاد الذي لا يقادر قدره.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ﴾( التوبة : ٧٣ ).
والخلاصة : إنك مبعوث إلى الناس كافة، لتنذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم، فاجتهد في دعوتك، ولا تتوان فيها، ولا تحفل بوعيدهم، فإن الله ناصرك عليهم ومظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون.
تفسير المفردات : والمرج : من قولهم مرج فلان دابته إذا تركها وشأنها، فرات : أي مفرط العذوبة، أجاج : أي شديد الملوحة برزخا : أي حاجزا، حجرا محجورا : أي تنافرا شديدا فلا يبغي أحدهما على الآخر ولا يفسد الملح العذب.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح : ٤-﴿ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ﴾أي ومن آثار نعمته على خلقه أن خلى البحرين متجاورين متلاصقين وجعلهما لا يمتزجان، ومنع الملح من تغيير عذوبة العذب وإفساده إياه، وحجزه عنه بقدرته، فكأن بينهما حاجزا يمنع أحدهما من إفساد الآخر، وكأن بينهما ساترا يجعله لا يبغي عليه.
والخلاصة : إنه تعالى جعل البحرين مختلطين في مرأى العين، منفصلين في التحقيق بقدرته تعالى بحيث لا يختلط الملح بالعذب ولا العذب بالملح، ولا يتغير طعم أحدهما بالآخر ولا يفسده.
ونحو الآية قوله في سورة الرحمان :﴿ مرج البحرين يلتقيان( ١٩ ) بينهما برزخ لا يبغيان( ٢٠ ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾( الرحمان : ١٩-٢١ ).
تفسير المفردات : نسبا وصهرا : أي ذكورا ينسب إليهم، وإناثا يصاهر بهن.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا، وتتوارد علينا ليلا ونهارا، وتكون دليلا علة وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح : ٥-﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ﴾أي وهو الذي جعل الماء جزءا من مادة الإنسان، ليقبل الأشكال المختلفة، والأوضاع المنوّعة وقسمه قسمين ذوي نسب ينسب إليهم وهم الذكور، وذوات صهر يصاهر بهن وهن الإناث كما قال :﴿ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ﴾( القيامة : ٣٩ )وكان الله قديرا، إذ خلق من مادة واحدة بشرا عجيب الصنع، بديع الخلق، كبير العقل، عظيم التفكير، سخّر ما على ظاهر الأرض وباطنها لنفعه وفائدته﴿ وسخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه ﴾( الجاثية : ١٣ ).
﴿ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا( ٥٥ ) وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا( ٥٦ ) قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا( ٥٧ ) وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا( ٥٨ ) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان فسأل به خبيرا( ٥٩ ) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا( ٦٠ ) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا( ٦١ ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ﴾( الفرقان : ٥٥-٦٢ ).
تفسير المفردات : الظهير والمظاهر : المعاون فهو يعاون الشيطان على ربه : أي على رسوله بالعداوة.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح :﴿ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ﴾أي ويعبد هؤلاء المشركون من دون الله آلهة لا تنفعهم إذا هم عبدوها، ولا تضرهم إن تركوا عبادتها، فهم عبدوها لمجرد التشهي والهوى، وتركوا عبادة من أنعم عليهم بهذه النعمة التي لا كفاء لأدناها، ومن ذلك ما ذكره قبل بقوله :﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ﴾( الفرقان : ٤٥ )إلى آخر الآيات.
ثم ذكر لهم جرما آخر فقال :
﴿ وكان الكافر على ربه ظهيرا ﴾أي وكانوا مظاهرين الشيطان، على معصية الرحمان، وذلك دأبهم وديدنهم، فهم يعاونون المشركين، ويكونون أولياء لهم على رسوله وعلى المؤمنين، بمساعدتهم على الفجور وارتكاب الآثام، وخذلان المؤمنين إذا أرادوا منعها والتنفير منها كما قال :﴿ وإخوانهم يمدونهم في الغي ﴾( الأعراف : ٢٠٢ ).
وقد يكون المعنى : وكان الكافر على ربه هيّنا ذليلا لا قدر له ولا وزن له عنده من قول العرب : ظهرت به، أي جعلته خلف ظهرك ولم تلتفت إليه، ومنه قوله تعالى :﴿ واتخذتموه وراءكم ظهريا ﴾( هود : ٩٢ )أي هينا، وقول الفرزدق :
تميم بن قيس لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا عليّ جوابها
قال ابن عباس نزلت الآية في أبي الحكم بن هشام الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل بن هشام.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح : ثم بين عظيم حمقهم ونفورهم ممن جاء لجلب الخير لهم ودفع الأذى عنهم فقال :
﴿ وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ﴾أي كيف تطلبون العون على الله ورسوله والله قد أرسل رسوله لنفعكم، إذ قد بعثه ليبشركم على فعل الطاعات، وينذركم على فعل المعاصي، فتستحقوا الثواب وتبتعدوا عن العقاب.
وخلاصة ذلك : لا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء من يرجو نفعه في دينه ودنياه.
وفي هذا تسلية لرسوله حتى لا يحزن على عدم إيمانهم.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح : ثم أمر رسوله أن يبين لهم أنه مع كونه يريد نفعهم لا يبغي لنفسه نفعا فقال :
﴿ قل ما أسألكم عليه من أجر ﴾أي قل لمن أرسلت إليهم : لا أسألكم على ما جئت به من عند ربي أجرا، فتقولوا إنما يدعونا ليأخذ أموالنا، ومن ثم لا نتبعه حتى لا يكون له في أموالنا مطمع.
﴿ إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ﴾أي لكن من شاء منكم أن يتقرب إلى الله بالإنفاق في الجهاد وغيره، ويتخذ ذلك سبيلا إلى رحمته ونيل ثوابه فليفعل.
وخلاصة ذلك : لا أسألكم عليه أجرا لنفسي، وأسألكم أن تطلبوا الأجر لأنفسكم باتخاذ السبيل إلى ربكم لنيل مثوبته ومغفرته.
وبعد أن بين له أن الكافرين متظاهرون على إيذائه - أمره بالتوكل عليه في دفع المضارّ وجلب المنافع فقال :﴿ وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ﴾.
تفسير المفردات : وسبح بحمده : أي ونزهه وصفه بصفات الكمال، ويقال كفى بالعلم جمالا : أي حسبك، فلا تحتاج معه إلى غيره. والخبير بالشيء : العليم بظاهره وباطنه وبكل ما يتصل به.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح :﴿ وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ﴾أي وتوكل على ربك الدائم الباقي رب كل شيء ومليكه، واجعله ملجأك وذخرك، وفوّض إليه أمرك، واستسلم له، واصبر على ما نابك فيه، فإنه كافيك وناصرك ومبلغك ما تريد، ونزّهه عما يقوله هؤلاء المشركون من الصاحبة والولد، فهو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، كما تنزهه عن الأنداد والشركاء من الأصنام والأوثان فهو لا كفء له ولا ند :﴿ ولم يكن له كفوا أحد ﴾( الإخلاص : ٤ ).
وقد علمت قبل أن التوكل اعتماد العبد على الله في كل الأمور، والأسباب وسائط أمرنا باتباعها من غير اعتماد عليها.
ونحو الآية قوله :﴿ والله يعصمك من الناس ﴾( المائدة : ٦٧ ).
وفي قوله :﴿ الحي ﴾إيماء إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل على من لم يتصف بالحياة من صنم أو وثن، ولا على من لا بقاء له ممن يموت، لأنه إذا مات ضاع من توكل عليه.
وحكى عن بعض السلف أنه قرأ هذه الآية فقال : لا ينبغي لذي لب أن يثق بعدها بمخلوق.
ثم أنذرهم وحذّرهم بأن ربهم محص أعمالهم عليهم، ومجازيهم عليها يوم القيامة فقال :
﴿ وكفى به بذنوب عباده خبيرا ﴾أي وحسبك بالحي الذي لا يموت خبيرا بذنوب خلقه ما ظهر منها وما بطن، فهو لا يخفى عليه شيء منها، وهو محصيها عليهم ومجازيهم عليها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فلا عليك إن آمنوا أو كفروا.
وفي هذا سلوة لرسوله، ووعيد لأولئك الكافرين على سوء أفعالهم، وإعراضهم عن اتباع رسوله ومناصبته العداء، وكأنه قيل : إذا أقدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه في مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح : ثم وصف نفسه بذكر أفعاله التي تجعله حقيقا أن يتوكل عليه فقال :
﴿ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ﴾تقدم إيضاح هذا في سور يونس وهود وطه، ولكن يلاحظ هنا أنه تعالى وصف نفسه بالأبدية والعلم الشامل، ثم بخلق السماوات والأرض ليقرر وجوب التوكل عليه ويؤكده، فإن من أحدث هذه الأجرام العظيمة على ذلك النمط البديع وجعلها مرفوعة بغير عمد في تلك الأيام، وقد كان قديرا على إبداعها دفعة واحدة بقدرته التي لا تقف على كنهها العقول جدير بأن يتوكّل عليه ويفوّض أمره إليه.
﴿ الرحمان ﴾أي عظيم الرحمة بكم، والحدب عليكم، فلا تعبدوا إلا إياه ولا تتوكلوا إلا عليه.
وخلاصة ذلك : توكلوا على من لا يموت وهو رب كل شيء وخالقه وخالق السماوات السبع على ارتفاعها واتساعها وما فيها من عوالم لا يعلم كنهها إلا هو، وخالق الأرضين السبع على ذلك الوضع البديع في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ويقضي بالحق.
﴿ فاسأل به خبيرا ﴾أي فاسأل عن خلق ما ذكر خبيرا به يخبرك بحقيقته وهو الله سبحانه، لأنه لا يعلم تفاصيل تلك المخلوقات إلا هو، فالأيام التي تم فيها الخلق إنما هي أطوار ستة سار عليها طورا بعد طور وحالا بعد أخرى كما يرشد إلى ذلك قوله :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾( الحج : ٤٧ )والاستواء على العرش لا يراد به الجلوس عليه بل تمام التصرف فيه.
فمن كان محدود الفكر فليقف عند ظاهر اللفظ ويترك البحث فيه، ومن كان حصيف الرأي طليق الفكر فليجدّ في البحث والدرس وسؤال أهل الذكر من العلماء ليعلم المراد من ذلك على قدر ما تصل إليه طاقة البشر.
وبعد أن ذكر سبحانه إحسانه إليهم وإنعامه عليهم ذكر ما أبدوه من الكفر في موضع الشكر فقال :﴿ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح :﴿ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان ﴾أي وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم : اجعلوا خضوعكم وتعظيمكم للرحمان خالصا دون الآلهة والأوثان، قالوا على طريق التجاهل : وما الرحمان ؟أي نحن لا نعرف الرحمان فنسجد له.
ونحو هذا قول فرعون :﴿ وما رب العالمين ﴾( الشعراء : ٢٣ )حين قال له موسى عليه السلام :﴿ إني رسول من رب العالمين ﴾( الأعراف : ١٠٤ )وهو قد كان عليما به كما يؤذن بذلك قول موسى له :﴿ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ﴾( الإسراء : ١٠٢ ).
ثم عجبوا أن يأمرهم بذلك وأنكروه عليه بقولهم :
﴿ أنسجد لما تأمرنا ﴾أي أنسجد للذي تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه.
ثم بين أنه كلما أمرهم بعبادته ازدادوا عنادا واستكبارا فقال :
﴿ وزادهم نفورا ﴾أي وزادهم هذا الأمر بالسجود نفورا وبعدا مما دعوا إليه، وقد كان من حقه أن يكون باعثا لهم على القبول ثم الفعل.
وكان سفيان الثوري يقول في هذه الآية : إلهي زدني لك خضوعا، ما زاد عداك نفورا.
روى الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سجدوا، فلما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين.
وبعد أن حكى عنهم مزيد النفرة من السجود له، ذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود لمن له تلك الخصائص فقال :﴿ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ﴾.
تفسير المفردات : والبروج : منازل السيارات الاثني عشر المعروفة التي جمعها بعضهم في قوله :
حمل الثور جوزة السرطان ورعى الليث سنبل الميزان
ورمى عقرب بقوس لجدي نزح الدلو بركة الحيتان
فهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وهي منازل الكواكب السيارة السبعة وهي : المريخ وله الحمل والعقرب، والزهرة : ولها الثور والميزان، وعطارد : وله الجوزاء والسنبلة، والقمر : وله السرطان، والشمس : ولها الأسد، والمشتري : وله القوس والحوت، وزحل : وله الجدي والدلو.
وهي في الأصل القصور العالية فأطلقت عليها على طريق التشبيه، والسراج : الشمس.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح :﴿ تبارك الذي جعل السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ﴾أي تقدس ربنا الذي جعل في السماء نجوما كبارا عدها المتقدمون نحو ألف وعدها علماء العصر الحاضر بعد كشف آلات الرصد الحديثة( التلسكوبات )أكثر من مائتي ألف ألف ولا يزال البحث يكشف كل حين منها جديدا، وجعل فيها شمسا متوقدة وقمرا مضيئا.
ثم ذكر آية أخرى من آيات قدرته وفيها الدليل على وحدانيته فقال :﴿ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ﴾.
تفسير المفردات : خلفة : أي يخلف أحدهما الآخر ويقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه أدلة التوحيد، وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات، وعظيم المشاهدات، التي تدل على بديع قدرته، وجليل حكمته - أعاد الكرة مرة أخرى، وبين شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم، إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون من غيّهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظّمون إلا الأحجار والأوثان وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمان ؛ وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرا.
ثم أمر رسوله بألا يرهب وعيدهم ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه، ويسبح بحمده، وينزهه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.
الإيضاح :﴿ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ﴾أي وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقبين يخلف أحدهما الآخر، فيكون في ذلك عظة لمن أراد أن يتعظ باختلافهما ويتذكر آلاء الله فيهما ويتفكر في صنعه، أو أراد أن يشكر نعمة ربه ليجني ثمار كل منهما، إذ لو جعل أحدهما دائما لفاتت فوائد الآخر، ولحصلت السآمة والملل، وفتر العزم الذي يثيره دخول وقت الآخر ؛ إلى نحو أولئك من الحكم التي أحكمها العلي الكبير.
وفي الحديث الصحيح :" إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ".
وعن الحسن : من فاته عمل من التذكر والشكر بالنهار كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب، وروى أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى فقيل له : صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ! فقال : إنه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه وتلا هذه الآية :﴿ وجعلنا الليل والنهار ﴾( الإسراء : ١٢ )الخ.
﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما( ٦٣ ) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما( ٦٤ ) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما( ٦٥ ) إنها ساءت مستقرا ومقاما( ٦٦ ) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما( ٦٧ ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما( ٦٨ )يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا( ٦٩ ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما( ٧٠ ) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا( ٧١ ) والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما( ٧٢ )والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا( ٧٣ ) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما( ٧٤ ) أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما( ٧٥ )خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما( ٧٦ ) قل ما يعبئوا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ﴾ ( الفرقان : ٦٣-٧٧ ).
تفسير المفردات : الهون : الرفق واللين والمراد أنهم يمشون في سكينة ووقار، ولا يضربون بأقدامهم أشرا وبطرا، الجاهلون : أي السفهاء، سلاما : أي سلام توديع ومتاركة لا سلام تحية كقول إبراهيم لأبيه :﴿ سلام عليك ﴾( مريم : ٤٧ ).
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : وصف الله سبحانه عباده المخلصين الذين استوجبوا المثوبة منه وجازاهم على ذلك الجزاء بصفات تسع :
١-﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا ﴾أي وعباد الله الذين حق لهم الجزاء والمثوبة من ربهم هم الذين يمشون في سكينة ووقار، لا يضربون بأقدامهم كبرا، ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا.
روي أن عمر رضي الله عنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال : إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله، وقد مدح الله أقواما فقال :﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا ﴾فاقصد في مشيتك.
وقال ابن عباس : هم المؤمنون الذين يمشون علماء حلماء ذوي وقار وعفة.
وفي الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس في الإيضاع، -السير السريع- وفي صفته صلى الله عليه وسلم : إنه كان إذا زال زال تقلعا، ويخطوا تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب التقلع : رفع الرجل بقوة، والتكفؤ : الميل إلى سنن القصد، والهون : الرفق والوقار، والذريع : الواسع الخطا، أي إنه كان يرفع رجله بسرعة في مشيه ويمد خطوه خلاف مشية المختال وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة ومن ثم قيل كأنما ينحط من صبب قاله القاضي عياض في الشفاء ".
وخلاصة هذا : إنهم لا يتكبرون ولا يتجبرون ولا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا.
٢-﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾أي وإذا سفه عليهم السفهاء بالقول السيئ لم يقابلوهم بمثله، بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلما.
وعن الحسن البصري : هم حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا ولم يسفهوا، هذا نهاركم فكيف ليلهم ؟ خير ليل، صفّوا أقدامهم، وأجروا دموعهم، يطلبون إلى الله جل ثناؤه فكاك رقابهم.
قال ابن العربي : لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولا نهوا عن ذلك بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أندية المشركين ويحييهم ويدانيهم ولا يداهنهم.
تفسير المفردات : ويبيتون : أي يدركهم الليل ناموا أو لم يناموا كما يقال بات فلان قلقا.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ولما ذكر تعالى ما بينهم وبين الخلق ذكر ما بينهم وبينه فقال :
٣-﴿ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ﴾أي والذين يبيتون ساجدين قائمين لربهم أي يحيون الليل كله أو بعضه بالصلاة، وخص العبادة بالبيتوتة، لأن العبادة بالليل أخمص وأبعد عن الرياء، وقال ابن عباس : من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدا قائما : وقال الكلبي : من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعا بعد العشاء فقد بات ساجدا قائما.
ونحو الآية قوله :﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾( السجدة : ١٦ )وقوله :﴿ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون( ١٧ )وبالأسحار هم يستغفرون ﴾( الذاريات : ١٧-١٨ )وقوله :﴿ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه ﴾( الزمر : ٩ ).
تفسير المفردات : غراما : أي هلاكا لازما، قال : الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ٤-﴿ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ﴾أي والذين يدعون ربهم أن يصرف عنهم عذاب جهنم وشديد آلامها. وفي هذا مدح لهم ببيان أنهم مع حسن معاملتهم للخلق واجتهادهم في عبادة الخالق وحده لا شريك له، يخافون عذابه ويبتهلون إليه في صرفه عنهم محتفلين بأعمالهم كما قال في شأنهم :﴿ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ﴾( المؤمنون : ٦٠ ).
ثم بين أن سبب سؤالهم ذلك لوجهين :
أ-﴿ إن عذابها كان غراما ﴾أي إن عذابها كان هلاكا دائما، وخسرانا ملازما.
ب-﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح :﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾أي إنها بئس المنزل مستقرا وبئس المقيل مقاما : أي إنهم يقولون ذلك عن علم، وإذا فهم أعرف بعظم قدر ما يطلبون، فيكون ذلك أقرب إلى النجح.
قال الحسن : قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم، وقال محمد بن كعب : طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فأخذ ثمنه بإدخالهم النار.
تفسير المفردات :
والإسراف : مجاوزة الحد في النفقة بالنظر لنظرائه في المال، والتقتير : التضييق والشح، قواما : أي وسطا وعدلا.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ٥-﴿ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ﴾أي والذين هم ليسوا بالمبذّرين في إنفاقهم، فلا ينفقون فوق الحاجة، ولا ببخلاء على أنفسهم وأهليهم فيقصّرون فيما يجب نحوهم، بل ينفقون عدلا وسطا، وخير الأمور أوسطها، وقد قيل :
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقيل :
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجل
قال يزيد بن أبي حبيب : أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع، ويقوّيهم على عبادة ربهم، ومن اللباس ما يستر عوراتهم، ويكفهم من الحر والبرد، وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوّجه ابنته فاطمة : ما نفقتك ؟ قال عمر : الحسنة بين سيئتين، ثم تلا هذه الآية، وقال لابنه عاصم : يا بني كل في نصف بطنك، ولا تطرح ثوبا حتى تستخلقه، ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم.
تفسير المفردات : لا يدعون : أي لا يشركون، والآثام : الإثم والمراد جزاؤه.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ٦-﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾أي والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر فيشركون في عبادتهم إياه، بل يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة.
﴿ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾أي ولا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها، كالكفر بعد الإيمان، والزنى بعد الإحصان، وقتل النفس بغير حق.
﴿ ولا يزنون ﴾فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج.
روى البخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر ؟ قال :" أن تجعل لله ندا وهو خلقك "، قلت : ثم أيّ ؟ قال :" أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك "، قلت : ثم أيّ ؟ قال :" أن تزاني حليلة جارك ". فأنزل الله تصديق ذلك :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾الآية.
وقد نفى عنهم هذه القبائح مع أنه وصفهم بالصفات السالفة من حسن معاملتهم للناس ومزيد خوفهم من الله وإحياء الليل يقتضي نفيها عنها، تعريضا بما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم، وتنبيها إلى الفرق بين سيرة المؤمنين وسيرة المشركين، فكأنه قيل : وعباد الرحمان الذين لا يدعون مع الله إلها آخر وأنتم تدعون، ولا يقتلون وأنتم تقتلون الموؤودة، ولا يزنون وأنتم تزنون.
روى مسلم عن ابن عباس : أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا، إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت :
﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ﴾ونزل﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا ﴾( الزمر : ٥٣ )الآية. وقد قال ابن عباس وسعيد بن جبير إن هذه نزلت في وحشي قاتل حمزة.
تفسير المفردات : مهانا : أي ذليلا مستحقرا.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ثم توعد سبحانه من يفعل مثل هذه الأفعال بشديد العقاب فقال :
﴿ ومن يفعل ذلك يلق آثاما*يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ﴾أي ومن يفعل خصلة من خصال الفجور السالفة، يلق في الآخرة جزاء إثمه وذنبه الذي ارتكبه، بل سيضاعف له ربه العذاب يوم القيامة ويجعله خالدا أبدا في النار مع المهانة والاحتقار، فيجتمع له العذاب الجسمي والعذاب الروحي.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : وبعد أن أتم تهديد الفجار على هذه الأوزار أتبعه بترغيب الأبرار في التوبة والرجوع إلى حظيرة المتقين فيفوزون بجنات النعيم فقال :
﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ﴾أي لكن من رجع عن هذه الآثام مع إيمانه وعمله الصالحات فأولئك يمحو الله سوابق معاصيه بالتوبة ويثبت له لواحق طاعته.
قال الحسن : قال قوم هذا التبديل في الآخرة وليس كذلك.
وقال الزجاج : ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.
وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إن السيئات تبدل بحسنات "، وروى معاذ أنه صلى الله عليه وسلم قال :" أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ".
والخلاصة : إنه يعفو عن عقابه، ويتفضل بثوابه، والله واسع المغفرة لعباده، فيثيب من أناب إليه بجزيل الثواب، ويبعد عنه شديد العقاب.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح :﴿ ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ﴾أي ومن تاب عن المعاصي التي فعلها، وندم على ما فرط منه، وزكى نفسه بصالح الأعمال، فإنه يتوب إلى الله توبة نصوحا، مقبولة لديه، ماحية للعقاب، محصلة لجزيل الثواب، إلى أنه ينير قلبه بنور من عنده يهديه إلى سواء السبيل، ويوفقه للخير، ويبعده عن الضير.
وفي هذا تعميم لقبول التوبة من جميع المعاصي بعد أن ذكر قبولها من أمهاتها.
تفسير المفردات : لا يشهدون الزور : أي لا يقيمون الشهادة الكاذبة والمراد أنهم لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، واللغو ما ينبغي أن يلغي ويطرح مما لا خير فيه، كراما : أي مكرمين أنفسهم عن الخوض فيه.
٦٣
الإيضاح : ٧-﴿ والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾أي والذين لا يؤدون الشهادات الكاذبة، ولا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، ويكرمون أنفسهم عن سماع اللغو وما لا خير فيه كاللغو في القرآن وشتم الرسول والخوض فيما لا ينبغي، وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه، ( يطليه بمادة سوداء )ويحلق رأسه ويطوف به السوق.
ونحو الآية قوله :﴿ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾( القصص : ٥٥ ).
تفسير المفردات : والخرور : السقوط على غير نظام وترتيب.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ٨-﴿ والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ﴾أي والذين إذا ذكروا بها أكبوا عليها سامعين بآذان واعية، مبصرين بعيون راعية.
وفي هذا تعريض بما عليه الكفار والمنافقون الذين إذا سمعوا كلام الله لم يتأثروا به ولم يتحولوا عما كانوا عليه، بل يستمرون على كفرهم وعصيانهم وجهلهم وضلالهم، فكأنهم صم لا يسمعون، وعمي لا يبصرون.
تفسير المفردات : وقرة العين : يراد بها الفرح والسرور، والإمام : يستعمل للمفرد والجمع والمراد الثاني أي أئمة يقتدى بهم في إقامة مراسم الدين.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ٩-﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ﴾أي والذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له - وصادق الإيمان إذا رأى أهله قد شاركوه في الطاعة قرت لهم عينه، وسر قلبه، وتوقّع نفعهم له في الدنيا حيا وميتا، وكانوا من اللاحقين به في الآخرة ويسألون أيضا أن يجعلهم أئمة يقتدى بهم في إقامة مراسم الدين بما يفيض عليهم من واسع العلم، وبما يوفقهم إليه من صالح العمل.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به من بعده، وصدقة جارية ".
والخلاصة : إنهم طلبوا من ربهم أمرين - أن يكون لهم من أزواجهم وذرياتهم من يعبدونه فتقر بهم أعينهم في الدنيا والآخرة وأن يكونوا هداة مهتدين، دعاة إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر.
تفسير المفردات : والغرفة : كل بناء عال مرتفع ويراد بها الدراجات الرفيعة.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح : ولما بين سبحانه صفات المتقين المخلصين ذكر إحسانه إليهم بقوله :
﴿ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ﴾أي أولئك المتصفون بصفات الكمال، الموسومون بفضائل الأخلاق والآداب، يجزون المنازل الرفيعة، والدرجات العالية، بصبرهم على فعل الطاعات، واجتنابهم للمنكرات، ويبتدرون فيها بالتحية والإكرام، ويلقّون التوفير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام.
ونحو الآية قوله :﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب( ٢٣ ) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾( الرعد : ٢٣-٣٤ ).
ثم بين أن هذا النعيم دائم لهم لا ينقطع فقال :﴿ خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح :﴿ خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ﴾أي مقيمين فيها لا يظعنون ولا يموتون، حسنت منظرا، وطابت مقيلا ومنزلا.
ونحو الآية قوله :﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾ ( هود : ١٠٨ ).
ولما شرح صفات المتقين وأثنى عليهم أمر رسوله أن يقول لهم :﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ﴾.
تفسير المفردات : ما يعبأ بكم : أي لا يعتد بكم، دعاؤكم : أي عبادتكم، لزاما : أي لازما يحيق بكم حتى يكبكم في النار.
المعنى الجملي : بعد أن وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له عز اسمه - ذكر هنا أوصاف خلص عباده المؤمنين، وبين ما لهم من فاضل الصفات، وكامل الأخلاق، التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم ؛ وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئب إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة ونيل النعيم كنفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.
الإيضاح :﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ﴾أي لهؤلاء الذين أرسلت إليهم : إن الفائزين بتلك النعم الجليلة التي يتنافس فيها المتنافسون، إنما نالوها بما ذكر من تلك المحاسن، ولولاها لم يعتد بهم ربهم، ومن ثم لا يعبأ بكم إذا لم تعبدوه، فما خلق الإنسان إلا ليعبد ربه ويطيعه وحده لا شريك له كما قال :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾( الذاريات : ٥٦ ).
﴿ فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ﴾أي أما وقد خالفتم حكمي، وعصيتم أمري، ولم تعملوا عمل أولئك الذين ذكروا من قبل وكذبتم رسولي، فسوف يلزمكم أثر تكذيبهم، وهو العقاب الذي لا مناص منه، فاستعدوا له، وتهيئوا لذلك اليوم، فكل آت قريب.
وخلاصة ذلك : لا يعتد بكم ربي لولا عبادتكم إياه، أما وقد قصر الكافرون منكم في العبادة، فسيكون تكذيبهم مفضيا لعذابهم وهلاكهم في الدنيا والآخرة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل ربنا على محمد وآله.
Icon