مدنية في قول الجمهور. وقال الكلبي هي مكية١
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
﴿ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : الظاهر فوق كل شيء لعلوه، والباطن إحاطته بكل شيء لقربه، قاله ابن حيان.
الثاني : أنه القاهر لما ظهر وبطن كما قال تعالى :﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِم فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾.
الثالث : العالم بما ظهر وما بطن.
﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٍ ﴾ يعني بالأول والآخر والظاهر والباطن.
ولأصحاب الخواطر في ذلك ثلاثة أوجه :
أحدها : الأول في ابتدائه بالنعم، والآخر في ختامه بالإحسان، والظاهر في إظهار حججه للعقول، والباطن في علمه ببواطن الأمور.
الثاني : الأول بكشف أحوال الآخرة حين ترغبون فيها، والآخر بكشف أحوال الدنيا حين تزهدون فيها، والظاهر على قلوب أوليائه حين يعرفونه، والباطن على قلوب أعدائه حين ينكرونه.
الثالث : الأول قبل كل معلوم، والآخر بعد كل مختوم، والظاهر فوق كل مرسوم، والباطن محيط بكل مكتوم.
(وتجزي سلاماً من مقدم قرضها | بما قدمت أيديهم وأزلت) |
(وإذا جوزيت قرضاً فاجزه | إنما يجزى الفتى ليس الجمل) |
أحدهما : معناه ولله ملك السموات والأرض.
الثاني : أنهما راجعان إليه بانقباض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق.
﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم منْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ١ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لا يستوي من أسلم من قبل فتح مكة وقاتل ومن أسلم بعد فتحها وقاتل، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني : يعني من أنفق ماله في الجهاد وقاتل، قاله قتادة.
وفي هذا الفتح قولان :
أحدهما : فتح مكة، قاله زيد بن أسلم.
الثاني : فتح الحديبية، قاله الشعبي، قال قتادة : كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك.
﴿ وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الحسنى الحسنة، قاله مقاتل.
الثاني : الجنة، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : أن الحسنى القبول والجزاء.
أحدها : أن القرض الحسن هو أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والله أكبر، رواه سفيان عن ابن حيان.
الثاني : أنه النفقة على الأهل، قاله زيد بن أسلم.
الثالث : أنه التطوع بالعبادات، قاله الحسن.
الرابع : أنه عمل الخير، والعرب تقول لي عند فلان قرض صدق أو قرض سوء، إذا فعل به خيراً أو شراً، ومنه قول الشاعر :
وتجزي سلاماً من مقدم قرضها | بما قدمت أيديهم وأزلت |
وفي قوله :﴿ حَسَناً ﴾ وجهان :
أحدهما : طيبة بها نفسه، قاله مقاتل.
الثاني : محتسباً لها عند الله، قاله الكلبي، وسمي قرضاً لاستحقاق ثوابه، قاله لبيد :
وإذا جوزيت قرضاً فاجزه | إنما يجزى الفتى ليس الجمل |
أحدهما : لصرفه في وجوه حسنة.
الثاني : لأنه لا مَنَّ فيه ولا أذى.
﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فيضاعف القرض لأن جزاء الحسنة عشر أمثالها.
الثاني : فيضاعف الثواب تفضلاً بما لا نهاية له.
﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : لم يتذلل في طلبه.
الثاني : لأنه كريم الخطر.
الثالث : أن صاحبه كريم.
١فلما سمعها أبو الدحداح تصدق بحديقة فكان أول من تصدق بعد هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية، فقالوا يا محمد، أفقير ربك يسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ٢ ﴾ الآية.
٢ آية ١٨١ آل عمران..
أحدها : أنه ضياء يعطيهم الله إياه ثواباً وتكرمة، وهذا معنى قول قتادة.
الثاني : أنه هداهم الذي قضاه لهم، قاله الضحاك.
الثالث : أنه نور أعمالهم وطاعتهم.
قال ابن مسعود : ونورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم مَن نوره مثل النخلة، [ ومنهم من يؤتى نوره١ كالرجل القائم ] وأدناهم نوراً مَن نوره على إبهام رجله يوقد تارة ويطفأ أخرى.
وقال الضحاك : ليس أحد يعطى يوم القيامة نوراً، فإذا انتهوا إلى الصراط أطفىء نور المنافقين، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن ينطفىء نورهم كما طفىء نور المنافقين، فقالوا :﴿ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ﴾.
وفي قوله :﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ وجهان :
أحدهما : ليستضيئوا به على الصراط، قاله الحسن.
والثاني : ليكون لهم دليلاً إلى الجنة، قاله مقاتل.
وفي قوله :﴿ بِأَيْمَانَهِم٢ ﴾ في الصدقات والزكوات وسبل الخير.
الرابع : بإيمانهم٣ في الدنيا وتصديقهم بالجزاء، قاله مقاتل.
قوله تعالى ﴿ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن نورهم هو بشراهم بالجنات.
الثاني : هي بشرى من الملائكة يتلقونهم بها في القيامة، قاله الضحاك.
٢ في الأصل سقوط هنا والمراد أنهم كانوا يتصدقون بأيديهم اليمنى أما القولان الثاني والثالث فقد سقطا وقال الطبري: وفي إيمانهم كتب أعمالهم..
٣ هذا على قراءة سهل بن سعد الساعدي وأبي حيوة بكسر الألف في "إيمانهم"..
(أبا هند فلا تعجل علينا | وأنظرنا نخبرك اليقينا) |
﴿ قَالُوا بَلَى وَلَكِنكُم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالنفاق، قاله مجاهد.
الثاني : بالمعاصي، قاله أبو سنان.
الثالث : بالشهوات، رواه أبو نمير الهمداني.
﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : بالحق وأهله، قاله قتادة.
الثاني : وتربصتم بالتوبة، قاله أبو سنان.
﴿ وَارْتَبْتُمْ ﴾ يعني شككتم في أمر الله.
﴿ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : خدع الشيطان، قاله قتادة.
الثاني : الدنيا، قاله ابن عباس.
الثالث :[ قولكم ] سيغفر لنا، قاله أبو سنان.
الرابع : قولهم اليوم١ وغداً.
﴿ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : الموت، قاله أبو سنان.
الثاني : إلقاؤهم في النار، قاله قتادة.
﴿ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الشيطان، قاله عكرمة.
الثاني : الدنيا، قاله الضحاك.
(ألم يأن لي يا قلب أن اترك الجهلا | وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا) |
أحدها : يلين القلوب بعد قسوتها، قاله صالح المري.
الثاني : يحتمل أنه يصلح الفساد.
الثالث : أنه مثل ضربه الله لإحياء الموتى. روى وكيع عن أبي رزين قال : قلت يا رسول الله كيف يحيى الله الأرض بعد موتها ؟ فقال :" يَا أَبَا رُزَينَ أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحَلٍ ثُم مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضْرَةً ؟ قال : بلى، قَالَ كَذَلِكَ يُحْيي اللَّهُ المَوتَى١ ".
﴿ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الذين آمنوا بالله ورسله هم الصديقون وهم الشهداء عند ربهم، قاله زيد بن أسلم.
الثاني : أن قوله :﴿ أولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ﴾ كلام تام.
وقوله :﴿ وَالشُّهَدَآءُ عِنَدَ رَبِّهِمْ ﴾ كلام مبتدأ وفيهم قولان :
أحدهما : أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب، قاله الكلبي.
الثاني : أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة.
وفي ما يشهدون به قولان :
أحدهما يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية، وهذا معنى قول مجاهد.
الثاني : يشهدون لأنبيائهم بتبليغ الرسالة إلى أممهم، قاله الكلبي.
وقال مقاتل قولاً ثالثاً : أنهم القتلى في سبيل الله لهم أجرهم عند ربهم يعني ثواب أعمالهم.
﴿ وَنُورُهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نورهم على الصراط.
الثاني : إيمانهم في الدنيا، حكاه الكلبي.
(كأن بلاد الله وهي عريضة | على الخائف المطلوب حلقة خاتم.) |
أحدها : النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أبو سعيد.
الثاني : الصف الأول، قاله رباح بن عبيد.
الثالث : إلى التكبيرة الأولى مع الإمام، قاله مكحول.
الرابع : إلى التوبة : قاله الكلبي.
﴿ وَجَنَةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ ﴾ ترغيباً في سعتها، واقتصر على ذكر العرض دون الطول لما في العرض من الدلالة على الطول، ولأن من عادة العرب أن تعبر عن سعة الشيء بعرضه دون طوله، قال الشاعر :
كأن بلاد الله وهي عريضة | على الخائف المطلوب حلقة خاتم١. |
أحدهما : الجنة، قاله الضحاك. الثاني : الدين، قاله ابن عباس.
وفي ﴿ مَن يَشَآءُ ﴾ قولان :
أحدهما : من المؤمنين، إن قيل إن الفضل الجنة.
الثاني : من جميع الخلق، إن قيل إنه الدين.
أحدهما : من الرزق الذي لم يقدر لكم، قاله ابن عباس، والضحاك.
الثاني : من العافية والخصب الذي لم يقض لكم، قاله ابن جبير.
﴿ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من الدنيا، قاله ابن عباس.
الثاني : من العافية والخصب، وهذا مقتضى قول ابن جبير.
وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ لِكَيْلاَ تَأسوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَاكُمْ ﴾ قال : ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً، والخير شكراً.
أحدها : الذين يبخلون يعني بالعلم، ويأمرون الناس بالبخل بألا يعلموا الناس شيئاً، قاله ابن جبير.
الثاني : أنهم اليهود بخلوا بما في التوارة من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي، والسدي.
الثالث : أنه البخل بأداء حق الله من أموالهم، قاله زيد بن أسلم.
الرابع : أنه البخل بالصدقة والحقوق، قاله عامر بن عبد الله الأشعري.
الخامس : أنه البخل بما في يديه، قال طاووس.
وفرق أصحاب الخواطر بين البخيل والسخي بفرقين :
أحدهما : أن البخيل الذي يلتذ بالإمساك، والسخي الذي يلتذ بالعطاء.
الثاني : أن البخيل الذي يعطي عند السؤال، والسخي الذي يعطي بغير سؤال.
أحدهما : أن الرأفة اللين، والرحمة الشفقة.
الثاني : أن الرأفة تخفيف الكل، والرحمة تحمل الثقل.
﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾ فيه قراءتان :
إحداهما : بفتح الراء وهي الخوف من الرهب.
الثانية : بضم الراء وهي منسوبة إلى الرهبان ومعناه أنهم ابتدعوا رهبانية ابتدؤوها.
وسبب ذلك ما حكاه الضحاك :[ أنهم ] بعد عيسى ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم من كان على منهاج عيسى فقتلوهم، فقال قوم بقوا بعدهم : نحن إذا نهيناهم قتلونا، فليس يسعنا المقام بينهم، فاعتزلوا النساء واتخذوا الصوامع، فكان هذا ما ابتدعوه من الرهبانية التي لم يفعلها من تقدمهم وإن كانوا فيها محسنين.
﴿ مَا كتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ أي لم تكتب عليهم وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها رفض النساء واتخاذ الصوامع، قاله قتادة.
الثاني : أنها لحوقهم بالجبال ولزومهم البراري، وروي فيه خبر مرفوع.
الثالث : أنها الانقطاع عن الناس والانفراد بالعبادة.
وفي الرأفة والرحمة التي جعلها في قلوبهم وجهان :
[ الأول ] : أنه جعلها في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها.
الثاني : جعلها بأن خلقها فيهم وقد مدحوا بالتعريض بها.
﴿ مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رضْوَانِ اللَّهِ ﴾ أي لم تكتب عليهم قبل ابتداعها ولا كتبت بعد ذلك عليهم.
الثاني : أنهم تطوعوا بها بابتداعها، ثم كتبت بعد ذلك عليهم، قاله الحسن.
﴿ فَمَا رَعَوْهَا حِقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم ما رعوها لتكذيبهم بمحمد.
الثاني : بتبديل دينهم وتغييرهم فيه قبل مبعث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عطية العوفي.
مدنية في قول الجميع إلا رواية عن عطاء أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي. وقال الكلبي: نزل جميعها بالمدينة غير قوله تعالى: ﴿وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾ نزلت بمكة. بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ من فَضْلِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من دين الله وهو الإسلام قاله مقاتل.
الثاني : من رزق الله، قاله الكلبي.
وفيه ثالث : أن الفضل نعم الله التي لا تحصى.