تفسير سورة عبس

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة عبس من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة عبس
وهي مكية، والله أعلم.

قَوْله تَعَالَى: ﴿عبس وَتَوَلَّى﴾ هُوَ الرَّسُول فِي قَول الْجَمِيع، وَمعنى عبس: كلح وَجهه، وَتَوَلَّى أَي: أعرض، وَالْمعْنَى: أظهر الْكَرَاهَة.
وَقَوله: ﴿أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ قَالَ الزّجاج مَعْنَاهُ: لِأَن جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَنصب على أَنه مفعول، وَهُوَ عبد الله بن أم مَكْتُوم فِي قَول [الْجَمِيع].
وَسبب نزُول الْآيَة " هُوَ أَن النَّبِي كَانَ يكلم رجلا من أَشْرَاف الْمُشْركين، ويدعوه إِلَى الْإِسْلَام - قَالَ عَطاء: كَانَ عتبَة بن ربيعَة، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ أبي بن خلف، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة وَأبي بن خلف - وَكَانَ يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام، وَيقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن، وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه كَانَ عِنْده جمَاعَة من أَشْرَاف قُرَيْش، وَكَانَ يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام، وَاشْتَدَّ طمعه فيهم، فجَاء عبد الله بن أم مَكْتُوم، وَجعل يَقُول: يَا رَسُول الله، عَلمنِي مِمَّا علمك الله، أَرْشدنِي.
وَفِي رِوَايَة، أَنه جَاءَ مَعَ قائده، فَأَشَارَ النَّبِي إِلَى قائده أَن كَفه، فَدفع فِي ظهر قائده، وَأَقْبل النَّبِي ".
155
﴿وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى (٣) أَو يذكر فتنفعه الذكرى (٤) أما من اسْتغنى (٥) فَأَنت لَهُ تصدى (٦) وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى (٧) وَأما من جَاءَك يسْعَى (٨) وَهُوَ يخْشَى (٩) ﴾.
وَفِي بعض الرِّوَايَات عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَن الَّذِي كَانَ يكلمهُ ويدعوه إِلَى الْإِسْلَام كَانَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، فَلَمَّا دخل ابْن أم مَكْتُوم فِي خطابه، وَجعل يُكَرر عَلَيْهِ قَوْله: عَلمنِي أَرْشدنِي، كره رَسُول الله ذَلِك حَتَّى ظَهرت الْكَرَاهَة فِي وَجهه، وَعَبس وَأعْرض عَنهُ، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة معاتبا لَهُ فِيمَا فعله.
وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ وَذهب.
156
وَقَوله: ﴿وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى﴾ أَي: يتزكى، وَالْمرَاد مِنْهُ ابْن أم مَكْتُوم.
وَقَوله: ﴿يزكّى﴾ أَي: يقبل مَا تذكره بِهِ وتعلمه، وَقيل: يتَطَهَّر.
وَقَوله: ﴿أَو يذكر﴾ مَعْنَاهُ: أَو يتَذَكَّر.
وَقَوله: ﴿فتنفعه الذكرى﴾ أَي: تَنْفَعهُ التَّذْكِرَة والعظة.
وَالْمعْنَى: أَنَّك تعرض عَنهُ إِعْرَاض من لَا يَنْفَعهُ تَعْلِيمه وتذكيره، وَلَا تَدْرِي لَعَلَّه يَنْفَعهُ التَّعْلِيم والتذكير، فَعَلَيْك أَن تعلمه وتذكره.
وَقَوله: ﴿أما من اسْتغنى﴾ يَعْنِي: من أظهر الِاسْتِغْنَاء عَنْك.
وَقَوله: ﴿فَأَنت لَهُ تصدى﴾ أَي: تتعرض وَتقبل عَلَيْهِ، وَقيل: إِن أَصله تصدد فقلبت إِحْدَى الدالين يَاء.
قَوْله: ﴿وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى﴾ أَي: وَمَا عَلَيْك أَلا يسلم، وَالْمعْنَى أَنه لَو لم يسلم ذَلِك الَّذِي أَقبلت عَلَيْهِ، لم يكن عَلَيْك من ذَلِك شَيْء.
وَقَوله: ﴿وَأما من جَاءَك يسْعَى﴾ أَي: يطْلب الْخَيْر.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ يخْشَى﴾ أَي: يخَاف الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿فَأَنت عَنهُ تلهى﴾ أَي: تعرض، وَقيل: تشتغل عَنهُ بِغَيْرِهِ.
وَمن هَذَا مَا
156
﴿فَأَنت عَنهُ تلهى (١٠) كلا إِنَّهَا تذكرة (١١) فَمن شَاءَ ذكره (١٢) فِي صحف مكرمَة (١٣) ﴾. روى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: إِذا رَأَيْت الله اسْتَأْثر عَلَيْك بِشَيْء فاله عَنهُ - أَي: اتركه وَأعْرض عَنهُ، وَقد قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: " كَانَ النَّبِي بعد ذَلِك إِذا جَاءَهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم بسط رِدَاءَهُ وَقَالَ: يَا من عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي ".
واستخلفه على الْمَدِينَة مرَّتَيْنِ، وَقيل مَرَّات حِين خرج إِلَى الْغَزْو.
وَفِي بعض التفاسير: " أَن النَّبِي مَا رئى بعد ذَلِك متصديا لغنى، وَلَا معرضًا عَن فَقير ".
157
قَوْله تَعَالَى: ﴿كلا﴾ قَالَ الْحسن: حَقًا، وَقيل: الْمَعْنى هُوَ للردع والزجر يَعْنِي: لَيْسَ يَنْبَغِي أَن يكون الْأَمر على هَذَا، وَهُوَ مَا سبق ذكره.
وَقَوله: ﴿إِنَّهَا تذكرة﴾ أَي: هَذِه السُّورَة تذكرة، وَقيل: الأنباء والقصص تذكرة.
وَقَوله: ﴿فَمن شَاءَ ذكره﴾ أَي: فَمن شَاءَ الله ألهمه وَذكره.
وَقَوله: ﴿فِي صحف﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن، وَقيل: الأنباء والقصص، فعلى القَوْل الأول قَوْله ﴿فَمن شَاءَ ذكره﴾ ينْصَرف إِلَى الْقُرْآن.
والصحف جمع صحيفَة.
وَقَوله: ﴿مكرمَة﴾ أَي: كَرِيمَة على الله، وَقيل: مكرمَة لِأَنَّهَا نزلت من رب كريم.
وَقَوله: ﴿مَرْفُوعَة﴾ يجوز أَن يكون الْمَعْنى مَرْفُوعَة فِي الْمَكَان، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى مَرْفُوعَة الْقدر والمنزلة عِنْد الله تَعَالَى.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿مطهرة﴾ قَالَ الْحسن: مطهرة من كل دنس، وَقيل: مطهرة أَي: مصونة من أَن تنالها أَيدي الْكفَّار الأنجاس.
وَقَوله: ﴿بأيدي سفرة﴾ السّفر هِيَ الْمَلَائِكَة الَّذين يسفرون بِالْوَحْي بَين الله وَبَين رَسُوله، وَيُقَال للْكتاب سفر، وللمصلح بَين الْجَمَاعَة سفير، وَهُوَ مَأْخُوذ من تبين الْأَمر وإيضاحه، يُقَال: سفرت الْمَرْأَة عَن وَجههَا إِذا كشفته، وَيُقَال: أَسْفر الصُّبْح إِذا أَضَاء،
157
﴿مَرْفُوعَة مطهرة (١٤) بأيدي سفرة (١٥) كرام بررة (١٦) قتل الْإِنْسَان مَا أكفره (١٧) ﴾.
وَمِنْه قَول نوبَة بن حمير:
﴿إِذا مَا جِئْت ليلى تبرقعت فقد رَابَنِي مِنْهَا الْغَدَاة سفورها﴾.
أَي: ظُهُورهَا.
وَقَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك: ﴿بأيدي سفرة﴾ : هم الْقُرَّاء الَّذين يقرءُون الْآيَات.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: ﴿مَرْفُوعَة مطهرة﴾ سَمَّاهَا مَرْفُوعَة مطهرة؛ لِأَنَّهَا أنزلت من اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقيل: سفرة هم مَلَائِكَة موكلون بالأسفار من كتب الله تَعَالَى، وَمِنْه أسفار مُوسَى، وَاحِدهَا سفر. وَقَالَ الشَّاعِر:
(فَمَا أدع السفارة بَين قومِي وَمَا أَمْشِي بغش إِن مشيت)
وَسمي التَّفْسِير بَين الِاثْنَيْنِ سفيرا؛ لِأَنَّهُ يظْهر عَمَّا فِي قلب هَذَا وَعَما فِي قلب الآخر ليصلح بَينهمَا.
158
وَقَوله: ﴿كرام بررة﴾ فَقَوله: ﴿كرام﴾ صفة الْمَلَائِكَة أَي: كرام على الله، وَقَوله: ﴿بررة﴾ أَي: مُطِيعِينَ، وَهُوَ فِي معنى قَوْله: ﴿لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون﴾ وَفِي بعض الْكتب أَن فِي السَّمَاء مَلَائِكَة بِأَيْدِيهِم الصُّحُف يقرءُون الْقُرْآن وعبادتهم ذَلِك، وَهَذَا رَاجع إِلَى مَا بَينا من قبل قَول الضَّحَّاك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قتل الْإِنْسَان مَا أكفره﴾ ثمَّ بَين الله تَعَالَى من العبر والآيات فِي الْآدَمِيّ مَا لَا يَنْبَغِي أَن يكفر مَعهَا.
وَقَوله: ﴿قتل﴾ أَي: لعن، وَالْإِنْسَان هُوَ الْكَافِر، وَقيل: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَقيل: أُميَّة بن خلف.
وروى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس " أَن الْآيَة نزلت فِي عتبَة بن أبي لَهب لما أنزل الله تَعَالَى سُورَة " والنجم " قَالَ عتبَة: أَنا أكفر بِالنَّجْمِ إِذا هوى، فَقَالَ النَّبِي: " اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك "، وروى أَنه قَالَ: " اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ أَسد الغاضرة " - والغاضرة مَوضِع - ثمَّ إِنَّه خرج بعد ذَلِك فِي رفْقَة، فَلَمَّا بلغ ذَلِك
158
﴿من أَي شَيْء خلقه (١٨) من نُطْفَة خلقه فقدره (١٩) ثمَّ السَّبِيل يسره (٢٠) ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره (٢١) ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره (٢٢) ﴾. الْموضع ذكر قَول الرَّسُول، فَأمر أهل الرّفْقَة أَن يحرسوه تِلْكَ اللَّيْلَة فَفَعَلُوا، وَجَاء الْأسد وثب وثبة وَصَارَ على ظَهره وافترسه ".
وَقَوله: ﴿مَا أكفره﴾ وَيجوز أَن يكون أَيْضا على وَجه التوبيخ، وَإِن كَانَ اللَّفْظ لفظ الِاسْتِفْهَام فَالْمَعْنى: أَي شَيْء أكفره بِاللَّه، وَقد أرَاهُ من قدرته مَا أرَاهُ.
159
وَقَوله: ﴿من أَي شَيْء خلقه﴾ مَعْنَاهُ: أَفلا يتفكر هَذَا الْكَافِر من أَي شَيْء خلقه الله تَعَالَى، ثمَّ بَين من أَي شَيْء خلقه،
وَقَوله: ﴿من نُطْفَة خلقه﴾، وَقَوله تَعَالَى: ﴿فقدره﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: سوى خلقه من يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَسَائِر جوارحه الظَّاهِرَة والباطنة، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿خلقك فسواك﴾ وَقيل: فقدره أَي: وضع كل شَيْء مَوْضِعه، وهيأ لَهُ مَا يصلحه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ السَّبِيل يسره﴾ أَكثر أهل التَّفْسِير على أَن المُرَاد مِنْهُ هُوَ الْخُرُوج من الرَّحِم، وَقيل مَعْنَاهُ: يسر لَهُ سَبِيل الْخَيْر، وَقيل: بَين لَهُ سَبِيل الشقاوة والسعادة، قَالَه مُجَاهِد، وَالَّذِي تقدمه قَول الْحسن.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره﴾ أَي: جعل لَهُ قبرا يدْفن فِيهِ، يُقَال: قبرت فلَانا إِذا دَفَنته، وأقبرته إِذا جعلت لَهُ موضعا يدْفن فِيهِ.
قَالَ الْأَعْشَى:
وَقَوله: ﴿ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره﴾ أَي: أَحْيَاهُ وَبَعثه.
قَالَ الْأَعْشَى:
(لَو أسندت مَيتا إِلَى نحرها عَاشَ وَلم ينْقل إِلَى قابر)
159
﴿كلا لما يقْض مَا أمره (٢٣) فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه (٢٤) أَنا صببنا المَاء صبا (٢٥) ثمَّ شققنا الأَرْض شقا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا (٢٧) ﴾.
160
وَقَوله: ﴿كلا لما يقْض مَا أمره﴾ يَعْنِي: لم يفعل مَا أمره الله تَعَالَى.
قَالَ مُجَاهِد: لَيْسَ أحد من الْخلق يفعل كل مَا أمره الله تَعَالَى.
وَعَن ابْن عَبَّاس: ﴿كلا لما يقْض مَا أمره﴾ أَي: مَا أَخذ عَلَيْهِ من الْعَهْد يَوْم الْمِيثَاق.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه﴾ أَي: فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى الطَّعَام والعلف الَّذِي خلقه الله تَعَالَى لحياة الْخلق، وَعَن ابْن عَبَّاس مَعْنَاهُ: فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه أَي: إِلَى مَا يخرج مِنْهُ كَيفَ انْقَلب من الطّيب إِلَى الْخَبيث.
وَعَن الْحسن: أَن الله تَعَالَى وكل ملكا فَإِذا جلس الْإِنْسَان على حَاجته ثنى رقبته لينْظر إِلَى مَا يخرج مِنْهُ ذكره النقاش.
وَأورد أَيْضا: أَن أَبَا الْأسود الدؤَلِي سَأَلَ عمرَان بن الْحصين لم ينظر الْإِنْسَان إِلَى مَا يخرج مِنْهُ؟ فَلم يدر عمرَان مَا يجِيبه بِهِ، ثمَّ ذهب عمرَان إِلَى الْمَدِينَة، فَذكر ذَلِك لأبي بن كَعْب فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة: ﴿فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه﴾ ثمَّ قَالَ: ينظر ليعلم إِلَى مَا صَار مَا بخل بِهِ.
وَقَوله: ﴿أَنا صببنا المَاء صبا﴾ قرئَ بِكَسْر الْألف وَفتحهَا؛ فَقَوله بِالْكَسْرِ " إِنَّا " على الِابْتِدَاء، وَقَوله: ﴿أَنا﴾ بِالْفَتْح مَنْصُوب على الْبَدَل من الطَّعَام كَأَنَّهُ قَالَ: فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى أَنا صببنا، ذكره الْفراء.
وَقيل مَعْنَاهُ: فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه لأَنا صببنا.
وَقَوله: ﴿صببنا المَاء صبا﴾ أَي: أجريناه إِجْرَاء.
وَقَوله: ﴿ثمَّ شققنا الأَرْض شقا﴾ أَي: بِخُرُوج النَّبَات.
وَقَوله: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا﴾ هُوَ الْبر وَالشعِير، وكل مَا هُوَ قوت النَّاس.
وَقَوله: ﴿وَعِنَبًا﴾ هُوَ الْعِنَب الْمَعْرُوف.
وَقَوله: ﴿وَقَضْبًا﴾ هُوَ القت بلغَة أهل مَكَّة، وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ الرّطبَة - وَهُوَ
160
﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِق غلبا (٣٠) وَفَاكِهَة وَأَبا (٣١) مَتَاعا لكم ولأنعامكم (٣٢) فَإِذا جَاءَت الصاخة (٣٣) ﴾. قَول مَعْرُوف - وَسمي قضبا؛ لِأَنَّهُ يقضب أَي: يقطع وينبت، ثمَّ يقطع وينبت هَكَذَا.
161
وَقَوله: ﴿وَزَيْتُونًا﴾ وَهُوَ الزَّيْتُون الْمَعْرُوف.
وَقَوله: ﴿وَنَخْلًا وَحَدَائِق غلبا﴾ الحديقة كل بُسْتَان يتحوط عَلَيْهِ، وَمَا لَا يكون محوطا عَلَيْهِ لَا يكون حديقة.
وَقَوله: ﴿غلبا﴾ أَي: غِلَاظ الْأَعْنَاق، يُقَال: رجل أغلب إِذا كَانَ شَدِيدا غليظ الرَّقَبَة.
وَقيل: " غلبا " ملتفة أَي: دخل بَعْضهَا فِي بعض.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وقوله :( وزيتونا ) وهو الزيتون المعروف.
وقوله :( ونخلا وحدائق غلبا ) الحديقة كل بستان يتحوط عليه، وما لا يكون محوطا عليه لا يكون حديقة.
وقوله :( غلبا ) أي : غلاظ الأعناق، يقال : رجل أغلب إذا كان شديدا غليظ الرقبة. وقيل :" غلبا " ملتفة أي : دخل بعضها في بعض.

وَقَوله: وَفَاكِهَة وَأَبا) الْفَاكِهَة هِيَ الثِّمَار، وَالْأَب هِيَ الْكلأ.
قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد: الْأَب مرعى الْأَنْعَام، وَقيل: الْأَب للبهائم بِمَنْزِلَة الْفَاكِهَة للنَّاس.
وَقَالَ (الضَّحَّاك) : الْأَب التِّين، وَعَن الْحسن: أَن الْفَاكِهَة مَا طَابَ واحلو لي من الثِّمَار.
وَمن الْمَعْرُوف أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَفَاكِهَة وَأَبا﴾ ثمَّ قَالَ: قد عرفت الْفَاكِهَة فَمَا الْأَب؟ ثمَّ قَالَ: يَا ابْن الْخطاب، هَذَا وَالله هُوَ (التَّكْذِيب)، وَألقى الْعَصَا من يَده.
وَقَوله: ﴿مَتَاعا لكم ولأنعامكم﴾ أَي: مَنْفَعَة لكم ولأنعامكم.
وَقَوله: ﴿فَإِذا جَاءَت الصاخة﴾ هِيَ اسْم من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة، ذكره ابْن عَبَّاس مثل الطامة والحاقة وَالْقَارِعَة وأشباهها، وَقيل: الصاخة هِيَ الداهية الَّتِي يعجز عَنْهَا الْخلق، وَقيل: الصاخة الصاكة، يُقَال: صخ فلَانا إِذا صَكه.
161
﴿يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه (٣٤) وَأمه وَأَبِيهِ (٣٥) وصاحبته وبنيه (٣٦) لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه (٣٧) وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة (٣٨) ﴾.
قَالَ الشَّاعِر:
(حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا يَا عجبا للْمَيت الناشر)
(يَا جارتي هَل لَك أَن تجالدي جلادة كالصخ بالجلامد)
أَي: كالصك، وَقيل: إِن الصاخة صَيْحَة إسْرَافيل تصك الأسماع، وَعَن بَعضهم: أَن الصاخة مَا يصخ لَهُ كل شَيْء أَي: ينصت يُقَال: رجل أصخ أَي أَصمّ.
162
وَقَوله: ﴿يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ وصاحبته وبنيه﴾ يفر مِنْهُم لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يَنْفَعهُمْ وَينْتَفع بهم.
قيل: يفر لِئَلَّا يرَوا الهوان الَّذِي ينزل فِيهِ، وَقيل: يفر مِنْهُم ضجرا لعظم مَا هُوَ فِيهِ، وَفِي بعض التفاسير: أَن قَوْله: ﴿من أَخِيه﴾ قابيل من هابيل.
وَقَوله: ﴿وَأمه﴾ هُوَ الرَّسُول من أمه.
وَقَوله: ﴿وَأَبِيهِ﴾ هُوَ إِبْرَاهِيم - صلوَات الله عَلَيْهِ - من أَبِيه.
وَقَوله: ﴿وصاحبته﴾ هُوَ لوط - عَلَيْهِ السَّلَام - من زَوجته.
وَقَوله: ﴿وبنيه﴾ هُوَ آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - من بنيه المفسدين، وَقيل: هُوَ نوح - عَلَيْهِ السَّلَام - من ابْنه.
وقوله :( وأمه ) هو الرسول صلى الله عليه و سلم من أمه. وقوله :( وأبيه ) هو إبراهيم - صلوات الله عليه - من أبيه.
وقوله :( وصاحبته ) هو لوط - عليه السلام - من زوجته. وقوله :( وبنيه ) هو آدم - عليه السلام - من بنيه المفسدين، وقيل : هو نوح - عليه السلام - من ابنه.
وَقَوله: ﴿لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه﴾ أَي: شَيْء يَكْفِيهِ ويشغله، وَقَالَ القتيبي: شَيْء يصرفهُ عَن غَيره، والشأن: هُوَ الْأَمر الْعَظِيم، يُقَال: فلَان فِي شَأْن، أَي: فِي أَمر عَظِيم.
وَقُرِئَ فِي الشاذ: " يعنيه " من عَنى يَعْنِي بِالْعينِ غير مُعْجمَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة﴾ أَي: [ذَات] فرحة مسرورة، وَقيل: نيرة، وَقيل: هُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم تبيض وُجُوه﴾ أَي: وُجُوه يَوْمئِذٍ تبيض.
162
﴿ضاحكة مستبشرة (٣٩) ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة (٤٠) ترهقها قترة (٤١) أُولَئِكَ هم الْكَفَرَة الفجرة (٤٢) ﴾.
163
وَقَوله: ﴿ضاحكة مستبشرة﴾ أَي: من السرُور والفرح.
وَقَوله: ﴿ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة﴾ أَي: كسوف وَسَوَاد.
وَقَوله: ﴿ترهقها قترة﴾ أَي: تعلوها الكآبة والحزن، وَقيل: هُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَتسود وُجُوه﴾ عَن عَطاء الخرساني: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة﴾ لِكَثْرَة مَا أغبرت فِي الدُّنْيَا بِالْحَقِّ.
وَقَوله: ﴿ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة﴾ من كَثْرَة مَا ضحِكت فِي الْبَاطِل.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ هم الْكَفَرَة الفجرة﴾ يَعْنِي: أَصْحَاب الْوُجُوه هم الَّذين كفرُوا بِاللَّه وفجروا، وَالله أعلم.
163

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿إِذا الشَّمْس كورت (١) وَإِذا النُّجُوم انكدرت (٢) ﴾.
تَفْسِير سُورَة (كورت)
وَهِي مَكِّيَّة
روى عبد الرَّزَّاق، عَن عبد الله بن بجير، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الصَّنْعَانِيّ قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: قَالَ رَسُول الله: " من سره أَن ينظر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ رأى عين ذَلِك الْيَوْم فليقرأ: ﴿إِذا الشَّمْس كورت﴾ و ﴿إِذا السَّمَاء انفطرت﴾ و (إِذا السَّمَاء انشقت).
قَالَ رَضِي الله عَنهُ أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد الْقفال، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس السنجي الطَّحَّان، أخبرنَا الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري، أخبرنَا عبد الرَّزَّاق.
164
Icon