ﰡ
مدنية، وآيها: خمس آيات، وحروفها: ثلاثة وسبعون حرفًا، وكلمها: ثلاث وعشرون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
روي أن بنات لَبيد بنِ الأعصم اليهودي كنَّ ساحرات، وهن اللواتي سحرْنَ مع أبيهن (١) رسولَ الله - ﷺ -، وعَقَدْنَ له إحدى عشرة عقدة، فروي أنّه لبث فيه ستة أشهر، واشتد عليه، حتّى إنّه ليُخَيَّلُ إليه أنّه فعلَ الشيءَ وما فعلَه، وكان تسلُّط السحرِ على ظاهره وجوارحِه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، فأنزل الله إحدى عشرة آية بعدد العقد هُنَّ المعوذتان، وأمره أن يتعوذ بهما، فجعل كلما يقرأ آية، انحلت عقدة، ووجد - ﷺ - خفة حتّى انحلت عنه العقدة الأخيرة، فقام كأنما أنشط من عقال (٢).﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)﴾.
[١] فقال تعالى (٣): ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾ أستجير ﴿بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ الصُّبح؛ لأنّ
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" (١٠/ ٣٣٨)، و"روح المعاني" للألوسي (٣٠/ ٢٨٣). وروى قصة سحر لبيدٍ النبيَّ - ﷺ -: البخاريّ (٥٤٣٣)، كتاب: الطب، باب: السحر، ومسلم (٢١٨٩)، كتاب: السّلام، باب: السحر، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) في "ت": "قوله تعالى".
* * *
﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)﴾.
[٢] ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ (ما) بمعنى الّذي يعمُّ كلَّ موجود له شر. وقرأ بعض المعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الشر (مِنْ شَرٍّ) بالتنوين (١) (ما خَلَقَ) على النَّفْي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، فالله (٢) خالقُ كلِّ شيء.
* * *
﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣)﴾.
[٣] ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ﴾ هو القمر ﴿إِذَا وَقَبَ﴾ خسفَ واسودَّ.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أخذ رسولُ الله - ﷺ - بيدي، فأشار إلى القمر، فقال: يا عائشة! تعوَّذِي بالله من شرِّ هذا؛ فإن هذا الغاسِقُ إذا وَقَبَ" (٣).
* * *
﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)﴾.
[٤] ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ السواحر اللواتي ينفثْنَ في عقد
(٢) في "ت": "الله".
(٣) رواه الترمذي (٣٣٦٦)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة المعوذتين، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٦١)، وغيرهما.
* * *
﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ أظهر حسده، وعمل بمقتضاه، والحسد أخبثُ الطبائع، وهو تمني زوال النعمة عن مستحقها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا.
قال - ﷺ -: "الحسدُ يأكلُ الحسنات كما تأكلُ النارُ الحطبَ" (٣).
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(٣) رواه أبو داود (٤٩٠٣)، كتاب: الأدب، باب: في الحسد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وإسناده ضعيف. انظر: "فيض القدير" للمناوي (٣/ ١٢٥).
قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: "ما رأيت ظالمًا أشبهَ بمظلومٍ من الحاسد، غَمٌّ دائم، ونفسٌ متتِابع" (٢).
وأول ذنب عُصي الله تعالى به في السَّماء: حسدُ إبليس لآدم، فأخرجه من الجنَّة، فطرد (٣)، وصار به شيطانًا رجيمًا، وفي الأرض: حسدُ قابيل لأخيه هابيل، فقتله.
وعين الحاسد في الأغلب لا تضر، قال بعضهم: كلّ أحد يمكن أن ترضيه إِلَّا الحاسد؛ فإنّه لا يُرضيه إِلَّا زوالُ النعمة عنك.
وأنشد بعضهم:
فَكُلٌّ أُداريهِ على حسبِ حالِهِ | سِوى حاسدٍ (٤) فَهْيَ الّتي لا أَنالُها |
وكيفَ يُداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ | إذا كانَ لا يُرضيه إِلَّا زَوالهُا |
(٢) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٦٦٣٥) لكن عن الخليل بن أحمد.
(٣) "فطرد" زيادة من "ت".
(٤) في "ت": "حاسدي".
(٥) انظر: "تفسير الثعالبي" (٤/ ٤٥٣).
وروي أن المراد بالحاسد إذا حسد: اليهود؛ فإنهم كانوا يحسدون النّبيّ - ﷺ -، والله أعلم.
* * *
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".