تفسير سورة الكهف

آراء ابن حزم الظاهري في التفسير
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب آراء ابن حزم الظاهري في التفسير .
لمؤلفه ابن حزم . المتوفي سنة 456 هـ

قوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾
المسألة الثانية والستون : في حكم تعليق الطلاق بمشيئة الله تعالى.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن من علق طلاق امرأته بمشيئة الله تعالى لم يقع.
قال ابن حزم : ومن قال : أنت طالق إن شاء الله، أو قال : إلا أن يشاء الله، أو قال : إلا أن لا يشاء الله. فكل ذلك سواء، ولا يقع بشيء من ذلك طلاق.
برهان ذلك : قول الله عز وجل :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ﴾١ وقال تعالى :﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله ﴾٢ ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد إمضاء هذا الطلاق ليسره لإخراجه بغير استثناء.
فصح أنه تعالى لم يُرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته عز وجل.
وقد اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة كما قلنا، كما روينا من طريق أبي عبيد، نا معاذ بن معاذ، عن ورقاء بن عمر، عن ابن طاوس، عن أبيه فيمن قال لامرأته : أنت طاق إن شاء الله. قال :( له ثُنياه )٣ اه٤
١ الكهف (٢٣ -٢٤)..
٢ الإنسان ٣٠، والتكوير (٢٩)..
٣ رجال الإسناد:
القاسم بن سلام، بالتشديد، البغدادي، أبو عيبد الإمام المشهور، ثقة فاضل مصنف، من العاشرة، مات سنة (٢٢٤ هـ / خت دت) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٥٤٩٧).
معاذ بن معاذ العنبري سبقت ترجمته.
ورقاء بن عمر اليشكري، أبو البشر الكوفي، نزيل المدائن صدوق، في حديثه عن منصور لين، من السابعة / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٧٤٥٣).
عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة، مات سنة (١٣٢ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٤١٨).
طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم، الفارسي، يقال: اسمه: ذكوان، وطاوس لقب، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة (١٠٦ هـ وقيل: بعد ذلك / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٠٢٦).
تخريج الأثر:
أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٦/٢٨٩ (١١٣٢٦) بإسناد رجاله ثقات، وسعيد بن منصور في سننه ٢/١٢ (١٨١٤) بإسناد رجاله ثقات أيضا..

٤ انظر: المحلى (١١/٢٦٢-٢٦٣) باختصار..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:قوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾
المسألة الثانية والستون : في حكم تعليق الطلاق بمشيئة الله تعالى.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن من علق طلاق امرأته بمشيئة الله تعالى لم يقع.
قال ابن حزم : ومن قال : أنت طالق إن شاء الله، أو قال : إلا أن يشاء الله، أو قال : إلا أن لا يشاء الله. فكل ذلك سواء، ولا يقع بشيء من ذلك طلاق.
برهان ذلك : قول الله عز وجل :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ﴾١ وقال تعالى :﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله ﴾٢ ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد إمضاء هذا الطلاق ليسره لإخراجه بغير استثناء.
فصح أنه تعالى لم يُرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته عز وجل.
وقد اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة كما قلنا، كما روينا من طريق أبي عبيد، نا معاذ بن معاذ، عن ورقاء بن عمر، عن ابن طاوس، عن أبيه فيمن قال لامرأته : أنت طاق إن شاء الله. قال :( له ثُنياه )٣ اه٤
١ الكهف (٢٣ -٢٤)..
٢ الإنسان ٣٠، والتكوير (٢٩)..
٣ رجال الإسناد:
القاسم بن سلام، بالتشديد، البغدادي، أبو عيبد الإمام المشهور، ثقة فاضل مصنف، من العاشرة، مات سنة (٢٢٤ هـ / خت دت) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٥٤٩٧).
معاذ بن معاذ العنبري سبقت ترجمته.
ورقاء بن عمر اليشكري، أبو البشر الكوفي، نزيل المدائن صدوق، في حديثه عن منصور لين، من السابعة / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٧٤٥٣).
عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة، مات سنة (١٣٢ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٤١٨).
طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم، الفارسي، يقال: اسمه: ذكوان، وطاوس لقب، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة (١٠٦ هـ وقيل: بعد ذلك / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٠٢٦).

تخريج الأثر:

أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٦/٢٨٩ (١١٣٢٦) بإسناد رجاله ثقات، وسعيد بن منصور في سننه ٢/١٢ (١٨١٤) بإسناد رجاله ثقات أيضا..

٤ انظر: المحلى (١١/٢٦٢-٢٦٣) باختصار..

قوله تعالى :﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ﴾
المسألة الثالثة والستون : في هل كان إبليس - لعنه الله - ملكا ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن إبليس لم يكن ملكا يوما بل هو من الجن.
قال ابن حزم : وقد ادعى قوم أن إبليس كان ملكا فعصى، وحاشا لله من هذا ؛ لأن الله تعالى قد أكذب هذا القول بقوله تعالى ﴿ إلا إبليس كان من الجن ﴾١ وبقوله تعالى :﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ﴾٢ وبقوله تعالى :﴿ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ﴾٣ وبإخباره أنه خلق إبليس من نار السموم، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خلقت الملائكة من نور " ٤ والنور غير النار بلا شك، فصح أن الجن غير الملائكة، والملائكة كلهم خيار مكرمون بنص القرآن، والجن كالإنس فيهما مذموم ومحمود. اه٥
١ الكهف (٥٠)..
٢ الكهف (٥٠)..
٣ الأعراف (٢٧)..
٤ أخرجه مسلم في الزهد، باب: في أحاديث متفرقة (٧٤٢٠)..
٥ انظر: الفصل ٤/٦٤..
قوله تعالى :﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ﴾
المسألة الرابعة والستون : في الفرق بين المسكين والفقير.
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغينه، وأما الفقير فهو الذي لا يجد شيئا أصلا، فالمسكين أيسر حالا من الفقير.
قال ابن حزم : الفقراء : هم الذين لا شيء لهم أصلا، والمساكين : هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم.
برهان ذلك أنه ليس إلا موسر أو غني أو فقير أو مسكين في الأسماء، فهذه مرات أربع معلومة بالحس، فالموسر بلا خلاف : هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة. والغني : هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء ؛ لأنه في غنى عن غيره.
وكل موسر غني، وليس كل غني موسرا.
فإن قيل : لم فرقتم بين المسكين والفقير ؟
قلنا : لأن الله تعالى فرق بينهما، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما : إنهما شيء واحد، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس ؛ فإذ ذلك كذلك، فإن الله تعالى يقول :﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ﴾١ سماهم الله تعالى مساكين ولهم سفينة، ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف.
وبقي القسم الرابع، وهو من لا شيء له أصلا، ولم يبق من الأسماء إلا الفقير، فوجب ضرورة أنه ذاك.
روينا ما حدثناه عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية، ثنا أحمد بن شعيب، أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا عبد الأعلى، ثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه " ٢.
فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم به، فهو يصبر وينطوي، وهو محتاج ولا يسأل.
وقال تعالى :﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ﴾٣
فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلا ؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم، ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم.
فإن قيل : قال الله تعالى :﴿ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ﴾٤
قلنا : صدق الله تعالى، وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداء خلقين غسيلين لا يساويان درهما، فمن رآه كذلك ظنه غنيا، ولا يعد مالا ما لا بد منه، مما يستر العورة إذا لم تكن له قيمة٥. اه
١ مساكين قرأ العامة بتخفيف السين، جمع مسكين، وفرئ بتشديدها، جمع مساك، وهو الذي يمسك سكان السفينة، أو أنه الذي يدبغ المسوك، جمع مسك، وهي الجلود. انظر: الجامع لأحكام القرآن ١١/٣٤، والبحر المحيط ٦/١٥٣، والدر المصون ٧/٥٣٦..
٢ رجال الإسناد:
عبد الله بن ربيع سبقت ترجمته.
محمد بن معاوية سبقت ترجمته.
أحمد بن شعيب سبقت ترجمته.
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، حفيد نصر بن علي بن صهبان، الأزدي، الجهضمي، ثقة ثبت، طلب منه القضاء فامتنع، من العاشرة، مات سنة (٢٥٠ هـ أو بعدها / ع) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٧١٧٠).
عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، السامي، بالمهملة، أبو محمد، ثقة، من الثالثة، مات سنة (١٨٩ هـ / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٧٥٨).
معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وعاصم بن أبي النجود، وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة (١٥٤ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٦٨٥٧).
الزهري سبقت ترجمته.
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة، مات سنة (٩٤ أو ١٠٤ هـ /ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٨٢٠٣).
أبو هريرة رضي الله عنه سبقت ترجمته.
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في: الزكاة، باب: قول الله تعالى (لا يسألون الناس إلحافا) (١٤٧٦) (١٤٧٩) ومسلم في: الزكاة، باب: المسكين الذي لا يجد غنى (٢٣٩٠) (٢٣٩١)..

٣ الحشر (٨)..
٤ البقرة (٢٧٣)..
٥ المحلى (٦/٩٩-١٠٠)..
قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾
المسألة الخامسة والستون : في الخضر، هل كان نبيا أم وليا غير نبي ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى الخضر كان نبيا من الأنبياء عليهم السلام.
قال ابن حزم : والخضر عليه السلام نبي قد مات، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده.
قال الله عز وجل حاكيا عن الخضر :﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ فصحت نبوته.
وقال تعالى :﴿ ولكن رسول الله وخاتم النبيين ﴾١ ٢
١ الأحزاب (٤٠)..
٢ المحلى (١/١١٧)..
Icon