تفسير سورة الكهف

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
دروس من سورة الكهف
سورة مكية
المشهور بين العلماء أن سورة الكهف مكية كلها، وأنها من السور التي نزلت جملة واحدة كما جاء في الخبر الذي أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول :( نزلت سورة الكهف جملة ).
وقد روى ذلك أيضا عن بعض الصحابة واختاره الداني، ومشى عليه أكثر أهل التفسير والمتكلمين في علوم القرآن وهناك روايات أخرى تخالف هذا المشهور فتقرر أن السورة مكية إلا بعض آياتها، فإنه مدني.
وفي المصحف الفؤادي المطبوع بمصر، سورة الكهف مكية إلا آية ( ٣٨ ) ومن آية ( ٨٣ ) إلى غاية ( ‍١٠١ ) فمدنية، وآياتها( ١١٠ ) نزلت بعد الغاشية.
وقال الفيروبادي : السورة مكية بالاتفاق وفيها إحدى عشرة آية مختلف فيها بين مكيتها ومدنيتها.
وهي الآيات١٠٣، ٩٦٨٩، ٨٦، ٨٥، ٨٤، ٣٥، ٣٢، ٢٣، ٢٢، ١٣١
وينبغي أن يعلم أن كثيرا مما ذكر أنه مدني تضمنته سورة مكية، أو مكي تضمنته سورة مدنية، هو موضع خلاف بين العلماء ؛ لاختلاف الرواية فيه، أو لانبناء الحكم فيه على اجتهاد واستنباط من القائل به وفي ذلك يقول ابن الحصار فيما نقاه عنه السيوطي في الإتقان : كل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة، إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل٢.
القصص في سورة الكهف
القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة ؛ ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف وبعدها قصة أصحاب الجنتين ثم إشارة إلى قصة آدم وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين، ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة فهو وارد في إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية، ومعظم ما يتبقى من آيات السورة هو تعليق على القصص أو تعقيب عليه.
ويلتقي هذا القصص حول فكرة أساسية للقرآن وهي إثبات أن البعث حق وأن المؤمن يكافأ بحسن الجزاء، وأن الكافر يلقى جزاء عنته وكفره في الدنيا أو الآخرة.
قصة أصحاب الكهف
في قصة أصحاب الكهف يتجلى صدق الإيمان وقوة العقيدة والإعراض عن كل ما ينافيها إعراضا عمليا صارما، لا تردد فيه ولا مواربة، فتية رأوا قومهم في الضلال يعمهون، وفي ظلمات الشرك يتخبطون، لا حجة لهم ولا سلطان على ما يزعمون، وأحسوا في أنفسهم غيرة على الحق لم يستطيعوا معها أن يبقوا في هذه البيئة الضالة بأجسامهم، ولو خالفوها بقلوبهم، فتركوا أوطانهم وتركوا مصالحهم واعتزلوا قومهم وأهليهم، وخرجوا فارين متجنبين الشطط وأهل الشطط، وآثروا كهفا يأوون إليه في فجوة منه، لا يراهم فيه أحد، ولا يؤنسهم في وحدتهم إلا كلبهم.
ذلك هو مغزى القصة الخلقي، وفيه ما فيه من إرشاد وإيحاء وتمجيد لأخلاق الشرف والرجولة والثبات على العقيدة والتضحية في سبيلها.
أما المعنى العام الذي تتلقى فيه القصة مع غرض السورة فهو إثبات قدرة الله على مخالفة السنن التي ألفها الناس وظنوا أنها مستعصية عليه جل شأنه أن تبدل أو تحول كما هي مستعصية على كل مخلوق، وشتان بين قدرة الخالق والمخلوقين، وهذا ما تشير إليه القصة في ثناياها إذ يقول الله عز وجل :﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها... ﴾ ( الكهف : ٢١ ).
قصة موسى والخضر
أما قصة موسى وفتاه والعبد الصالح فلبابها ومغزاها هو إثبات قصور الخلق مهما سمت عقولهم، وكثرت علومهم أمام إحاطة الله وعلم الله. وهكذا ترتبط- في سياق السورة- قصة موسى والعبد الصالح، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله الذي يدبر الأمر بحكمته، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر الواقفون وراء الأستار، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار.
لقد وقف موسى خطيبا في بني إسرائيل فأجاد وأبدع في خطبته، فقال له أحد المستمعين : ما أفصحك يا نبي الله ! هل في الأرض من هو أكثر علما منك ؟ قال موسى : لا، فأخبره الله : أن في الأرض من هو أكثر علما منه، فقال موسى : يا رب، دلني عليه ؛ حتى أذهب إليه وأتعلم منه.
وضرب لنا موسى مثلا رائعا في الرحلة ؛ لطلب العلم، وتحمل الصعاب والمشتقات بهمة الرجال وعزيمة الأبطال.
إذا هم ألقى همه بين عينه ونكب عن ذكر العواقب جانبا
سار موسى مع تابع له هو يوشع بن نون ومعهما حوت في مكتل، وبلغ مجمع البحرين : بحر الروم وبحر القلزم. أي : البحر الأبيض والبحر الأحمر، أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر.
وفي المكان الذي أراد الله أن يلتقي فيه نبي بني إسرائيل بعبده الصالح، فقد موسى حوته وعاد ؛ ليبحث عنه فوجد رجلا نحيل الجسم، غائر العينين، عليه دلائل الصلاح والتقوى، فسلم عليه موسى، وتلطف معه في القول وأبدى رغبته في إتباعه ؛ ليتعلم منه العلم، فاشترط الخضر على موسى : الصبر والتريث فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. ( الكهف : ٦٩ ).
وانطلق موسى مع الخضر في سفينة جيدة، وفي غفلة من أهلها أخذ الخضر لوحين من خشب السفينة فخلعهما، فذكره موسى بأن هذا ظلم وفساد، فالتفت الخضر إليه وقال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. ( الكهف : ٧٢ ). فاعتذر موسى بالنسيان ووعد أن يرافقه مع الصبر والسكوت.
وصار الرجلان ثم قتل الخضر غلاما بريئا في عمر الزهر فاحتج موسى، وذكره الخضر بالشرط فسكت.
وفي الجولة الثالثة : دخل الرجلان قرية وكان الجوع قد اشتد بهما فطلبا من أهلها طعاما فأبوا إطعامهما ورأى الخضر جدارا متداعيا أوشك أن يقع فطلب من موسى مساعدته حتى بناه وأتم بناءه واعترض موسى على هذا العمل ؛ لأن أهل القرية لا يستحقون مثل هذا المعروف ؛ فهم بخلاء لؤماء، فينبغي أن يأخذ الخضر أجرا على بناء الجدار لهم، وافترق الرجلان بعد أن سمع موسى من الخضر سبب هذه الأعمال :
أما السفينة : فكانت ملكا لجماعة من المساكين يعتمدون عليها في كسب الرزق ووراءهم ملك ظالم يستولي على كل سفينة صالحة للعمل غصبا فخرق الخضر السفينة ؛ ليراها الملك عاطبة فيتركها ؛ ليستفيد بها أهلها، فهو عمل مؤلم في الظاهر ولكنه مفيد في الحقيقة والواقع.
وأما الغلام : فقد كان مفسدا وسيشب على الفساد والإفساد وكان أبواه مؤمنين، فأراد الله أن يقبض الغلام إلى جواره وأن يعوض والديه بنتا صالحة تزوجت نبيا وأنجبت نبيا.
وأما الجدار فكان ملكا لغلامين يتيمين تخدرا من رجل صالح كريم، وكان تحت الجدار كنز من المال ولو سقط الجدار ؛ لتبدد الكنز فأراد الله أن يقام الجدار ويجدد ؛ حتى يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما حلالا طيبا لهما.. ثم قال الخضر :﴿ وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾. ( الكهف : ٨٢ ).
وقد يتساءل الإنسان عن عمل الخضر عليه السلام، وهل هو مشروع على الإطلاق، وهل يجوز لمن علم في حادثة- ما- مثلما علمه العبد الصالح من حقيقة الأمر فيها أن يخالف الظاهر ؟
وقد اهتم بعض المفسرين بترديد أمثال هذه الأسئلة والمناقشات والإجابة عنها وتخريج ما يحتاج منها إلى تخريج، كأن الأمر أمر أحكام تشريعية أو بيان لموضوعات خلافية. والواقع أنه لم يقصد بهذه القصة إلا الإقناع بأن الإنسان مهما اتسع عقله وسمت مداركه وعلا منصبه، محدود في علمه، وأن كثيرا من الأمور يخفى عليه، وأن لله عبادا قد يخصهم بنوع من العلم لا يبذله لجميع الناس، ولا يستقيم حال الدنيا على بذله لجميع الناس.
قصة ذي القرنين
تلك قصة عبد مكّن الله له في الأرض وسخر له العلم والقوة والآلات والمواصلات وآتاه من كل شيء سببا. وقد استغل هذه الإمكانيات في عمل مثمر نافع يعم نفعه ويبقى أثره وقد تحرك ذو القرنين إلى المغرب غازيا فاتحا، محاربا مجاهدا وصار النصر في ركابه حتى انتهى إلى عين اختلط ماؤها وطينها فتراءى له أن الشمس تغرب فيها وتختفي وراءها وظن أنه ليس وراء هذه العين مكان للغزو ولا سبيل للجهاد، ولكنه رأى عندها قوما هاله كفرهم، وكبر عليه ظلمهم وفسادهم فخيره الله بين قتالهم أو إمهالهم ودعوتهم للعدل والإيمان، فاختار إمهالهم وقام فيهم مدة ضرب على يد الظالم ونصر المظلوم وأخذ بيد الضعيف، وأقام صرح العدل، ونشر لواء الإصلاح وقد وضع لهم دستور الحكم العادل فقال :
﴿ أما من ظلم فسوف نعذّبه ثم يردّ إلى ربّه فيعذّبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ﴾. ( الكهف : ٨٨، ٨٧ ).
وقد عاد ذو القرنين إلى الشرق فسار غازيا مجاهدا حتى انتهى إلى غاية العمران في الأرض وهناك أقواما تطلع الشمس عليهم، ولكن ليس لهم بيوت تسترهم، أو أشجار تظلهم ولعلهم كانوا على حال من الفوضى ونصيب من الجهل... فبسط حكمه عليهم ونفذ فيهم دستور العدل ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء الذي سبق ذكره، ثم تركهم إلى الشمال غازيا مجاهدا مظفرا منصورا، حتى انتهى إلى بلاد بين جبلين يسكنها أقوام لا تكاد تعرف لغاتهم، أو يفهم في الحديث مرماهم، ولكنهم قد جاوروا يأجوج ومأجوج، وهم قوم مفسدون في الأرض، وأوزاع من الخلق ضالون مضلون.
وقد لجأ الأقوام إلى ذي القرنين ؛ ليحول بينهم وبين المفسدين وشرطوا على أنفسهم نولا يدفعونه إليه، وأموالا يضعونها بين يديه ولكن ذا القرنين أجابهم إلى طلبهم ورد عطاءهم وقال لهم :﴿ ما مكني فيه ربي خير... ﴾ ( الكهف : ٩٥ ).
ثم طلب إليهم أن يعينوه على ما يفعل فحشدوا له الحديد والنحاس، والخشب والفحم، فوضع بين الجبلين قطع الحديد وحاطها بالفحم والخشب، ثم أوقد النار، وأفرغ عليه ذائب النحاس، واستوى كل ذلك بين الجبلين سدا منيعا قائما، ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تظهره ؛ لملاسته، أو تنقبه ؛ لمتانته، وأراح الله منهم شعبا كان يشكو من أذاهم، ويألم من عدوانهم.
ونظر ذو القرنين إلى العمل الضخم الذي قام به، فلم يأخذه البطر والغرور ولكنه ذكر الله فشكره، ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه وتبرأ من قوته إلى قوة الله، وأعلن عقيدته في البعث والحشر وإيمانه بأن الجبال والحواجز والسدود ستدك قبل يوم القيامة، فتعود الأرض سطحا أجردا مستويا وهكذا تختم هذه القصة بتأكيد قدرة الله على البعث.
﴿ قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقا ﴾. ( الكهف : ٩٨ ).
وبذلك تنتهي قصة ذي القرنين، النموذج الطيب للحاكم الصالح يمكنه الله في الأرض، وييسر له الأسباب، فيحتاج الأرض شرقا وغربا، ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر، ولا يطغى ولا يتبطر ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان، ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه. إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به، ويساعد المتخلفين، ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل، ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ودفع العدوان وإحقاق الحق. ثم يرجع كل خير يحقه الله على يديه إلى رحمة الله وفضله، ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته وأنه راجع إلى الله٣.
أهداف سورة الكهف
نزلت سورة الكهف بمكة في وقت اشتدت فيه حملة القرآن على المنكرين المكذبين بيوم الدين. وقد نزلت قبلها سورة الغاشية وهي سورة تبدأ وتنتهي بحديث الساعة، وإياب الناس جميعا إلى الله ؛ ليحاسبهم على ما قدموا.
ونزل

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ( ١ ) قيّما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجرا جسنا ( ٢ ) ماكثين فيه أبدا ( ٣ ) وينذر الذين قالوا اتّخذ الله ولدا ( ٤ ) ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ( ٥ ) فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ( ٦ ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوّهم أيّهم أحسن عملا ( ٧ ) وإنّا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( ٨ ) ﴾
المفردات :
عوجا : العوج : الميل والانحراف عن الاستقامة، فلا خلل في لفظة القرآن ولا في معناه.
التفسير :
‍١- ﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ﴾.
حمد الله تعالى نفسه : فهو أهل الحمد والثناء والتعظيم والإجلال ؛ فقد أنزل كتابه العزيز على رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ؛ وهو أعظم نعمة أنعمها على أهل الأرض ؛ إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، وجعله كتابا مستقيما لا عوج فيه ولا زيغ ؛ بل يهدي إلى صراط مستقيم، واضحا بينا جليا، فيه أخبار السابقين، وبه أحكام وآداب، وقصص وأمثال، وبه سنن الكون ونظام الحياة، وتشريع للعبادات والمعاملات، وطريق إلى سعادة الدنيا والآخرة.
المفردات :
قيما : مستقيما معتدلا، لا ميل فيه ولا زيغ، وعوجا وقيما حالان من الكتاب.
بأسا شديدا : عقوبة عاجلة في الدنيا، وآجلة في الأخرى.
من لدنه : من عند الله.
التفسير :
٢- ﴿ قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن له أجرا حسنا ﴾.
مستقيما لا اختلاف فيه ولا تفاوت ؛ بل بعضه يصدق بعضا، وبعضه يشهد لبعض، ومن وظيفة القرآن، إنذار الكافرين، وتخويفهم من العذاب والنكال، في الدنيا والآخرة.
أما وظيفة القرآن بالنسبة المؤمنين، الذين يعملون الأعمال الصالحة ؛ فيبشرهم بأن لهم الجزاء الحسن في الدنيا، والثواب الجزيل في الجنة، التي وعدها الله للمتقين.
وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع من أحسن عملا ﴾. ( الكهف : ٣٠ ).
٣- ﴿ ماكثين فيه أبدا ﴾.
أي : خالدين في الجنة خلودا أبديا، لا زوال له ولا انقضاء.
٤- ﴿ وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ﴾.
أي : ويخوّف ويحذر من بين هؤلاء الكافرين، من قالوا هذه المقالة الشنعاء : إن الله اتخذ ولدا، وهؤلاء ثلاث طرائف :
١- المشركون الذين قالوا : الملائكة بنات الله.
٢- اليهود القائلون : عزير ابن الله.
٣- النصارى القائلون : المسيح ابن الله.
وإنما خص هؤلاء مع دخوله في الإنذار السابق ؛ لفظاعة حالهم، وشناعة كفرهم وضلالهم.
المفردات :
كبرت كلمة : بضم الباء، أي : كبرت كلمتهم هذه وعظمت، وهذا أسلوب في الكلام، يدل على التعجب والاستغراب مما حدث ؛ من قول أو فعل.
التفسير :
٥- ﴿ ما لهم به من علم ولا لآبائهم... ﴾.
أي : ليس لهم على هذا القول دليل علمي أو عقلي، بل هو قول يقولونه جزافا ؛ بدون تروّ أو تبصّر، يقلدون فيه الآباء تقليدا أعمى، وليس لدى الآباء برهان أو حجة ؛ فتاهوا جميعا في بيداء الجهالة والضلالة.
﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ﴾.
أي : عظمت تلك المقالة الشنيعة، كلمة قبيحة ما أشنعها وأفظعها ! خرجت من أفواه أولئك المفترين، وهي في غاية الفساد والبطلان.
﴿ إن يقولون إلا كذبا ﴾. أي : ما يقولون إلا افتراء باطلا، بعيدا عن الحق والواقع.
المفردات :
باخع نفسك : أي : مهلك نفسك بحزنك عليهم.
على آثارهم : أي : من بعد تولّيهم عن الإيمان، وتباعدهم عنه.
بهذا الحديث : أي : بهذا القرآن.
الأسف : المبالغة في الحزن والغضب.
التفسير :
٦- ﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ﴾.
تأتي هذه الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم- عن إعراض قومه عن الهدى، مع حرصه على هدايتهم، والقرآن يوجه بأنك رسول مبلغ عن الله ؛ ليس عليك هداهم إن عليك إلا البلاغ ؛ فلا تهلك نفسك حزنا وحسرة بسبب توليهم عن الهدى، وعدم إيمنهم بالقرآن الكريم.
قال المراغي :
أي : إنك قد اشتد وجدك عليهم، وبلغت حالا من الأسى والحسرة ؛ صرت فيها أشبه بحال من يحدث نفسه : أن يبخعها أسى وحسرة عليهم، وما كان من حقك أن تفعل ذلك ؛ إن عليك إلا البلاغ٨.
وإذا تتبعنا آيات القرآن الكريم الواردة في هذا الموضوع ؛ وجدنا الرسول الأمين حريصا غاية الحرص على هداية قومه، وهم يتفلّتون من الهدى، وينطلقون إلى الضلال، في سرعة الفراش الذي يتهافت على النار، قال تعالى :﴿ فذكّر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر ﴾. ( الغاشية : ٢٢، ٢١ ).
وقال تعالى :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات... ﴾ ( فاطر : ٨ ).
وقال تعالى :﴿ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء... ﴾ ( البقرة : ٢٧٢ ).
٧- ﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ﴾.
أي : جعلنا ما عليها من زخارف ورياش ومتاع وذهب وفضة وغيرها ؛ من حيوان ونبات ومعادن، زينة لها ولأهلها ؛ لنختبر الناس في حياتهم الدنيا ؛ فمنهم : من يلتزم بهدى الله ؛ فيجمع المال من حقه، وينفقه في مصارفه العادية، ويطيع الله ويبتعد عما نهي عنه ؛ فهذا ناجح في الاختبار، وهو أهل لسعادة الدنيا والآخرة، ومنهم : من تغره الدنيا ويختار العاجلة ويمهل الآجلة ؛ فيرسب في الاختبار.
وقد بين القرآن الكريم : أن الله خلق الحياة والموت ؛ لابتلاء الناس واختبارهم ؛ قال تعالى :﴿ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ﴾. ( الملك : ٢، ١ ).
وجميع ما على وجه الأرض من مال وجاه وسلطان، وشباب وقوة وفتوة ؛ هي مادة ذلك الاختبار، وهذا مفهوم هذه الآية :﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ﴾.
روى البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الدنيا حلوة خضرة، والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون )٩.
وقال صلى الله عليه وسلم :( إن أخوف ما أخاف عليكم، ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ؛ قيل : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض ).
وروى البخاري : أن عمر كان يقول : اللهم، إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم، إني أسألك أن ننفقه في حقه١٠.
المفردات :
صعيدا : ترابا.
جرزا : لا نبات فيه.
التفسير :
٨- ﴿ وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ﴾.
يحشر الناس يوم القيامة على أرض مستوية، صماء لا نبات فيها ولا ماء. والأرض الآن تتزين بالزراعة، والنبات والأشجار، والأنهار، والنبات الأخضر، وسائر فنون الزينة، وعند نهاية الحياة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ويفنى الإنسان والحيوان والنبات وتنتهي الدنيا بكل ما فيها، ثم يكون البعث والحشر والجزاء، والثواب والعقاب، والجنة والنار.
قال تعالى :﴿ كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾. ( الرحمان : ٢٧، ٢٦ ).
وقال تعالى :﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفا. فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾ ( طه : ١٠٧، ١٠٥ ).
وقد وردت الآية السابعة والثامنة ؛ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنه قيل : لا تحزن فهناك في الآخرة جزاء عادل للأخيار والأشرار.
قال القرطبي :
الآية وردت ؛ لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى : لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها، فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانا واختبارا لأهلها، فمنهم من يتدبر ويؤمن، ومنهم من يكفر، ثم إن يوم القيامة بين أيديهم، فلا يعظمن عليك كفرهم ؛ فإنا سنجازيهم.
قصة أصحاب الكهف
تفيد كتب التفسير : أن ملكا جبارا يسمى : دقيانوس ؛ ظهر على بلدة من بلاد الروم تدعى :( طرطوس )، بعد زمن عيسى عليه السلام.
وكان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ويقتل كل مؤمن لا يستجيب لدعوته الضالة، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان، فلما رأى الفتية ذلك ؛ حزنوا حزنا شديدا وبلغ خبرهم الملك، فبعث في طلبهم، وهددهم بالقتل ؛ إن لم يعبدوا الأصنام، ويذبحوا للطواغيت، فوقفوا في وجهه وأظهروا إيمانهم وقالوا :﴿ ربّنا ربّ السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها ﴾. ( الكهف : ١٤ ).
فأمهلهم الملك يوما ؛ ليراجعوا أنفسهم، ويثوبوا إلى رشدهم، فهربوا ليلا، ومروا براع معه كلب فتبعهم، فلما كان الصباح أووا إلى الكهف وتبعهم الملك وجنده، فلما وصلوا إلى الكهف هاب الرجال وفزعوا من الدخول عليهم، فقال الملك : سدوا عليهم باب الغار ؛ حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا، وألقى الله على أهل الكهف النوم فبقوا نائمين- وهم لا يدرون- ثلاثمائة وتسع سنين، ثم أيقضهم الله، وظنوا أنهم قاموا يوما أو بعض يوم، فشعروا بالجوع فأرسلوا واحدا منهم يسمى :( تمليخا ) ؛ ليشتري لهم الطعام ونصحوه بالتخفي والحذر، واشترى تمليخا الطعام، ولما دفع النقود للبائع أخذ يقلب فيها ويقول : من أين حصلت على هذه النقود ؟ ! واجتمع الناس وأخذوا ينظرون لتلك النقود ويتعجبون، ثم قالوا : من أنت يا فتى لعلك وجدت كنزا ؟ فقال : لا والله ما وجدت كنزا إنها دراهم قومي، قالوا : إنها من عهد بعيد، ومن زمن الملك دقيانوس، قال : وما فعل دقيانوس ؟ قالوا : مات من قرون عديدة، قال : والله ما يصدقني أحد بما أقوله : لقد كنا فتية وأكرهنا الملك على عبادة الأوثان ؛ فهربنا منه عشية أمس فأوينا إلى الكهف، فأرسلني أصحابي اليوم ؛ لأشتري لهم طعاما، فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي، فتعجبوا من كلامه، ورفعوا أمره إلى الملك، وكان مؤمنا صالحا، خرج الملك في جنوده إلى الكهف، وشاهد الفتية يصلون، ولما انتهوا من صلاتهم ؛ عانقهم الملك، وأخبرهم أنه رجل مؤمن، وأن دقيانوس قد هلك من زمن بعيد، وسمع كلامهم وقصتهم، وعرف أن الله بعثهم ؛ ليكون أمرهم آية للناس١١.
ثم ألقى الله عليهم النوم وقبض أرواحهم، فقال الناس :﴿ لنتّخذنّ عليهم مسجدا ﴾. ( الكهف : ٢١ ).
إجمال القرآن لقصة أهل الكهف
﴿ أم حسبتم أنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ( ٩ ) إذ آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربّنا آتنا من لدنك رحمة وهيّئ لنا من أمرنا رشدا ( ١٠ ) فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ( ١١ ) ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ( ١٢ ) ﴾
المفردات :
أم : حرف يدل على الانتقال من كلام إلى آخر.
الكهف : الغار في الجبل.
الرقيم : لوح حجري رقمت فيه أسماؤهم.
التفسير :
٩- ﴿ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبا ﴾.
أي لا تظنّنّ يا محمد أن قصة أصحاب الكهف والرقيم، هي أعجب آياتنا وأغربها في الدلالة على القدرة ؛ فإن في خلق السماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر، وغير ذلك من الآيات المبثوثة في صفحات الكون ما يوفق قصة أصحاب الكهف.
قال مجاهد : أحسبت أنهم كانوا أعجب آياتنا ؟ قد كان في آياتنا ما هو أعجب١٢.
المفردات :
إذ آوى الفتية : أوى إلى المكان : اتخذه مأوى ومكانا له، والفتية : واحدهم : فتى وهو الشاب الحدث، وقد كانوا من أبناء أشراف الروم وعظمائهم، لهم أطواق وشارات من الذهب.
رشدا : هداية إلى الطريق الموصل للمطلوب.
التفسير :
١٠-﴿ إذ آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ﴾.
أي : أذكر حين لجأ الشباب إلى الغار في الجبل ؛ فرارا بدينهم وعقيدتهم، وقالوا : ربنا، أعطنا من خزائن رحمتك الخاصة : مغفرة ورزقا، وأصلح لنا أمرنا كله واجعلنا من الراشدين.
كما جاء في الحديث ( وما قضيت لنا ؛ فاجعل عاقبته رشدا )١٣.
وفي المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو :( اللهم، أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرينا من خزي الدنيا وعقاب الآخرة )١٤.
المفردات :
ضربنا على آذانهم : ألقينا عليها حجابا يمنع السماع، والمراد : أنمناهم نومة لا تنبههم الأصوات الموقظة.
عددا : أي : ذوات عدد والمراد : التكثير ؛ لأن القليل لا يحتاج إلى العد غالبا.
التفسير :
١١-﴿ فضربا على آذانهم في الكهف سنين عددا ﴾.
أي : ألقينا على آذانهم حجابا يمنعهم السماع، وأنمناهم نوما لا ينبههم فيه مختلف الأصوات في الكهف، سنين كثيرة معدودة.
المفردات :
بعثناهم : أيقظناهم وأثرناهم من نومهم.
الحزبين : أي : الفريقين أدق إحصاء للمدة التي ناموها في الكهف.
أحصى : أضبط لأوقات لبثهم.
أمدا : مدة لها حد وغاية.
التفسير :
١٢- ﴿ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ﴾.
أي : ثم أيقظناهم من رقدتهم ؛ لنعلم أي الطائفتين المتنازعتين في مدة لبثهم، أضبط في الإحصاء والعد لمدة هذا اللبث في الكهف.
وتفيد الآية، أنه كان هناك فريقان يتجادلان في شأنهم ثم لبثوا في الكهف فبعثوا ليتبيّن أي الفريقين أدق إحصاء، وليعرفوا ما صنع الله بهم من حفظ أبدانهم، فيزدادوا يقينا بكمال قدرته تعالى وعمله ؛ ويستبصروا في أمر البعث، ويكون ذلك لطفا لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفارهم.
ذلك هو ملخص القصة لفتية آمنوا بالله، وفروا بإيمانهم إلى كهف مظلم، فأكرمهم الله في جواره عددا من السنين، ثم بعثهم من رقدتهم ؛ ليذكر الناس بعجائب القدرة، وليعلموا أن قدرة الله لا حدود لها، وأن قدرته في خلق هذا الكون، وحفظ نظامه وتوازنه، أكمل وأجمل من الذي فعله مع أصحاب الكهف.
تفصيل قصة أصحاب الكهف
﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدى ( ١٣ ) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( ١٤ ) هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( ١٥ ) وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( ١٦ ) وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ( ١٧ ) وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملّئت منهم رعبا ( ١٨ ) ﴾
المفردات :
النبأ : الخبر العظيم.
بالحق : بالصدق.
التفسير :
١٣- ﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق... ﴾
أي : نحن وحدنا يا محمد نقص عليك خبرهم العجيب ؛ بالصدق دون زيادة ولا نقصان.
﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ﴾.
أي : إنهم شباب أخلصوا العبادة لخالقهم ؛ وأسلموا وجوههم لبارئهم، وآمنوا بالله تعالى إيمانا عميقا ؛ فزادهم الله إيمانا على إيمانهم، وهداية على هدايتهم.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾. ( محمد : ١٧ ).
قال ابن كثير :
ذكر الله تعالى : أنهم كانوا فتية، أي شبابا وهم أقبل للحق من الشيوخ، الذين عتوا في دين باطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله شبابا، وأما المشاييخ من قريش، فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يدخل في الإسلام منهم إلا القليل.
المفردات :
ربطنا : شددنا وقوّينا، وربط الله على قلبه، أي : قوّى عزيمته.
قاموا : وقفوا بين يدي ملكهم الجبار دقيانوس.
إلها : أي : معبودا آخر لا استقلالا ولا شريكا.
التفسير :
١٤- ﴿ وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ﴾.
أي : ألهمناهم قوة العزيمة وصدق الإيمان، وثبات اليقين، حين وقفوا أمام الملك الظالم ديقيانوس في ثبات وصدق، ولم يستجيبوا لدعوته لهم إلى عبادة الأوثان، بل أعلنوا إيمانهم بالله وحده لا شريك له، وقالوا :﴿ ربنا رب السماوات والأرض ﴾ هو وحده خالق السماوات والأرض والكون كله ؛ فينبغي أن نتوجه إليه وحده بالعبادة.
﴿ لن ندعو من دونه إلها ﴾. أي : لن نعبد من دون رب السماوات والأرض إلها، لا على طريق الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك ؛ إذ لا رب غيره ولا معبود سواه.
﴿ لقد قلنا إذن شططا ﴾.
أي : إذا دعونا غير الله، وعبدنا الأوثان أو الأصنام أو غيرهما ؛ لقد أبعدنا عن الحق، وتجاوزنا الصواب.
قال الآلوسي :
إنهم أشاروا بالجملة الأولى وهي :﴿ ربنا رب السماوات والأرض ﴾ إلى توحيد الربوبية.
وأشاروا بالجملة الثانية :{ لن ندعو من دونه إلها إلى توحيد الألوهية. ١ ه.
فهم يعبدون الله وحده سبحانه رب السماوات والأرض ولا يعبدون مع الله آلهة أخرى من الأوثان.
وعبدة الأصنام كانوا يؤمنون بوجود الله، وكانوا مع ذلك يعبدون آلهة أخرى يتقربون بعبادتنا إلى الله، وهو انحراف في العقيدة.
وقد حكى القرآن عنهم قوله :{ ولئن سألتم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله... ( لقمان : ٢٥، الزمر : ٣٨ ).
وقوله سبحانه حكاية عنهم :﴿ ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى ﴾. الزمر : ٣.
وكان أهل الجاهلية يقولون في تلبيتهم للحج : لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
المفردات :
اتخذوا من دونه آلهة : أي : نحتوا أصناما وعبدوها.
السلطان البين : الحجة الظاهرة.
التفسير :
١٥- ﴿ هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين... ﴾
إن هؤلاء الفتية لم يكتفوا بإعلان إيمانهم بالله، وتنزيهه عن كل شريك ؛ وتأكيد ذلك بأن عبادة غير الله شطط وغلو.
بل امتد إيمانهم وصدق عزيمتهم إلى انتقاد قومهم، الذين بلغ بهم السفه والجهل، أنهم أشركوا مع الله غيره ؛ فعبدوا أصناما من دون الله، هلاّ أتى هؤلاء السفهاء بحجة ظاهرة تؤيد دعواهم، بأن هذه الأصنام تصلح آلهة، لا شك أنهم لن يستطيعوا ذلك.
قال الزمخشري :
وقوله :﴿ لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن ﴾ تبكيت ؛ لأن الإتيان بالسلطان على صحة عبادة الأوثان محال، وهو دليل على فساد التقليد، وأنه لا بد في الدين من حجة ؛ حتى يصح ويثبت.
﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ﴾. أي : لا أظلم ممن افترى على الله الكذب ونسب إليه الشريك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ونلمح من الآيات الموقف الصادق لهؤلاء الفتية ؛ في ثباتهم على الحق، وانتقاد الباطل.
لقد تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر ؛ ولا حياة لهم في هذا الوسط ؛ إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها، وهم لا يطيقون كذلك أن يداروا القوم، ويعبدوا ما يعبدون من الآلهة، والأرجح أن أمرهم قد كُشف فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى الله، وأن يختاروا الكهف على زينة الحياة.
المفردات :
اعتزلتموهم : اجتنبتموهم، والاعتزال والتعزل : تجنب الشيء بالبدن أو بالقلب.
فأووا إلى الكهف : أي : التجئوا إليه.
ينشر لكم : يبسط لكم.
مرفقا : ما يرتفق وينتفع به.
التفسير :
١٦- ﴿ وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ﴾.
أي : وإذا فارقتموهم وخالفتموهم في عبادتهم غير الله ؛ ففارقوهم بأبدانكم، واتركوا ما أنتم فيه من مال ومتاع ورياش، وانتقلوا إلى الكهف حيث تتمكنون من عبادة الله وحده.
لقد آثروا الهدى والإيمان، وتركوا كل مظاهر الترف، والمتعة الدنيوية، ورحلوا إلى كهف مظلم، وهناك أخلصوا العبادة لله وحده، وتوكلوا حق التوكل على الله ؛ فآواهم الله وأسبل عليهم لطفه ورحمته، وأمدهم بما يرتفقون به وينتفعون به وصدق الله العظيم إذ يقول :
﴿ ومن يتقّ الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ﴾. ( الطلاق : ٣، ٢ ).
أخرج الطبراني وابن المنذر : عن ابن عباس قال : ما بعث الله نبيا إلا وهو شاب، وقرأ :﴿ قالوا سمعنا فتى يذكركم يقال له إبراهيم ﴾. ( الأنبياء : ٦٠ ).
﴿ وإذ قال موسى لفتاه... ﴾ ( الكهف : ٦٠ )
﴿ إنهم فتية... ﴾ ( الكهف : ١٣ ).
المفردات :
تزاور : تتنحى.
تقرضهم : تعدل عنهم وتتركهم ولا تقربهم.
فجوة : متسع من الكهف وفي وسطه ؛ بحيث لا تصيبهم الشمس لا في ابتداء النهار ولا في آخره.
التفسير :
١٧- ﴿ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه... ﴾
تعرض الآية مظهرا من مظاهر فضل الله على هؤلاء الفتية ؛ فالشمس عند طلوعها تنحرف عنهم ؛ حتى لا تحرقهم بحرها، وعند غروب الشمس أيضا ؛ تتركهم منحرفة عنهم إلى جهة الشمال.
والغرض أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها، ولا عند غروبها ؛ كرامة من الله ؛ لئلا تؤذيهم بحرّها.
﴿ وهم في فجوة منه ﴾. أي : هم في متسع من الكهف، وفي وسطه، بحيث لا تصيبهم الشمس لا في ابتداء النهار ولا في آخره، ولكن يسمح بدخول الهواء والنسيم لهم، ويقلبهم الله ؛ حتى لا تنال الأرض من جسومهم.
قال الطبري عن ابن عباس : لو أن الشمس تطلع عليهم، لأحرقتهم، ولو أنهم لا يقلبون ؛ لأكلتهم الأرض.
وللمفسرين في تأويل هذه الآية اتجاهان :
أولهما : أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال ؛ فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف، وإذا غربت كانت على شماله ؛ فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف، وكان الهواء الطيب والنسيم المرافق يصل.
ثانيهما : أن الشمس إذا طلعت، منع الله ضوءها من الوقوع عليهم، وكذا القول في حال غروبها، وكان ذلك كرامة عظيمة ؛ خص الله بها أصحاب الكهف.
فأصحاب الرأي الأول : يرجعون عدم وصول الشمس إليهم ؛ لأسباب طبيعية ؛ تجعل الشمس لا تصل إليهم.
أصحاب الرأي الثاني : يرجعون الأمر إلى فضل الله وإكرامه لهؤلاء الفتية ؛ فالله تعالى بقدرته منع ضوء الشمس من الوصول إليهم ؛ خرقا للعادة على سبيل التكريم لهم.
﴿ ذلك من آيات الله... ﴾
أي : هذا التوفيق لهؤلاء الفتية في اللجوء إلى الكهف، وإكرام الله لهم بحجب الشمس عنهم عند طلوعها وعند غروبها ؛ كل ذلك من آياته الكثيرة المبثوثة في الكون، والدالة على كمال قدرة الله تعالى ؛ وعلى أن الله تعالى يكرم أهله.
﴿ من يهد الله فهو المهتد... ﴾
أي : من يوفقه الله للهدى ؛ فهو المهتدي حقا، مثل فتية أهل الكهف ؛ هداهم الله إلى إيمانهم، وألهمهم الصواب والعزوف عن عبادة الأوثان، وهداهم إلى هذا الغار، وأكرمهم بفضله.
﴿ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ﴾. أي : من يضله الله عن طريق المستقيم، لسوء استعداده، فلن تجد له خليلا، ولا حليفا يرشده ؛ لأن التوفيق والخذلان بيد الله تعالى.
قال تعالى :﴿ من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ﴾. ( الأعراف : ١٧٨ ).
وقال سبحانه :{ من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه... ( الإسراء : ٩٧ ).
المفردات :
أيقاظا : متيقظين ؛ لتفتح عيونهم وتقلبهم.
رقود : نيام واحدهم : راقد.
باسط ذراعيه : مادّهما.
الوصيد : فناء الكهف.
الرعب : الخوف يملأ الصدر.
١٨- ﴿ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال... ﴾
أي : وتظنهم أيها المخاطب، لو قدر لك أن تراهم ؛ أيقظا منتبهين، والحال أنهم نيام.
﴿ ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ﴾.
أي : ويقلبهم الله من جانب إلى جانب ؛ لئلا تأكل الأرض أجسامهم، وعدد مرات التقليب لا يعلمه إلا الله تعالى، وما أورده المفسرون في ذلك لم يثبت عن طريق النقل الصحيح.
وجاء في تفسير بن كثير : قال بعض السلف : يقلبون في العام مرتين. ١ ه.
﴿ وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملّئت منهم رعبا ﴾.
أي : وكلبهم ملق يديه على الأرض، مبسوطتين غير مقبوضتين بفناء الكهف قريبا من باب الكهف ؛ كأنه يحرسهم وألقى الله عليهم المهابة.
ولو شاهدتهم وهم على تلك الحالة ؛ لفررت منهم هاربا ؛ رعبا منهم، وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة ؛ فرؤيتهم تثير الرعب، إذ يراهم الناظر نياما كالأيقاظ ؛ عيونهم مفتوحة، ينقلبون ولا يستيقظون، وتلك عناية إلهية ؛ لئلا يدنو منهم أحد، ولا تسهم يد لامس ؛ حتى يبلغ الكتاب أجله ؛ لما في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة الواسعة١٥.
مكان الكهف
للمفسرين في تعيين مكان الكهف أقوال ؛ فقيل : هو قريب من بيت إيلياء ( بيت المقدس ) ببلاد الشام، وقال ابن إسحاق : عند نينوي ببلاد الموصل، وقيل : ببلاد الروم ولم يقم إلى الآن دليل على شيء من ذلك، ولو كان لنا في معرفة ذلك فائدة دينية ؛ لأرشدنا الله إلى معرفته ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم :( ما تركت شيئا يقربكم من الجنة، ويباعدكم عن النار إلا وقد أعلمتكم )١٦.
﴿ وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربّكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطّف ولا يشعرنّ بكم أحدا ( ‍١‍٩ ) إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ( ٢٠ ) وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذي غلبوا على أمرهم لنتّخذن عليهم مسجدا ( ٢١ ) سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربّي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( ٢٢ ) ﴾
المفردات :
بعثناهم : أيقظناهم صحيحة أبدانهم.
لبثتم : أقمتم ورقدتم.
الورق : الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.
أزكى : أجود وأطيب.
وليتلطف : يتكلف اللطف في المعاملة كي لا تقع خصومة تجر إلى معرفته.
ولا يشعرنّ : ولا يعلمنّ.
التفسير :
١٩- ﴿ وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم... ﴾
أي : كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، وحفظنا أجسامهم من البلي على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مر الزمان ؛ بعثناهم صحيحة أبدانهم، وأشعارهم وأبشارهم، لم يفقدوا من أحوالهم وهيآتهم شيئا، وذلك بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين.
ولهذا تساءلوا بينهم :﴿ كم لبثتم ﴾ وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم.
﴿ قالوا لبثا يوما أو بعض يوم ﴾. قدروا مدة مكثهم في الغار نياما بيوم أو بجزء من اليوم، فقد كان دخولهم الغار في أول النهار، واستيقاظهم كان في آخر النهار ؛ فظنوا أن مكثهم في الغار كان مدة محدودة بين أول النهار وآخره.
﴿ قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ﴾.
أي : قالت فئة أخرى : الموضوع فيه تردد وحيرة- بسبب إحساسهم بكثرة النوم- فاتركوا حسم هذا الموضوع، والله أعلم بالمدة التي مكثناها نائمين في الغار.
﴿ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ﴾.
أحسوا بشدة الجوع ؛ فقالوا : أرسلوا واحدا منا، ومعه هذه الفضة التي أحضرناها معنا إلى مدينة طرسوس التي خرجنا منها.
﴿ فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ﴾.
أي : فليبصر أي الأطعمة أجود وأحسن وأحل فليأتكم بمقدار منه.
﴿ وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ﴾.
أي : وليترفق في دخوله المدينة، وليذهب متخفيا في رفق وسهولة، ولا يجادل أحدا ولا يختلف معه ؛ حتى لا يظهر أمرنا وحتى لا يعلم الناس بمكاننا.
المفردات :
إن يظهروا عليكم : إن علموا بمكانكم.
٢٠- ﴿ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملّتهم ولن تفلحوا إذن أبدا ﴾.
تشير الآية إلى حديث الفتية مع البعض، وهم في حالة من الخوف والحذر ؛ خشية أن يعلم ديقيانوس وأعوانه بمكانهم.
وإذا علم هؤلاء الكفار بمكانهم ؛ فالمتبع واحد من أمرين :
١- القتل رميا بالحجارة.
٢- أن يرجع الفتية إلى دين قومهم الوثني، ويعودوا إلى عبادة الأصنام.
﴿ ولن تفلحوا إذن أبدا ﴾.
أي : إذا عدتم إلى دينكم، وتركتم الإيمان بالله ؛ فلن تفوزوا بخير أبدا.
ويظهر من هذا التناجي حرص الفتية على إيمانهم، والتواصي بالحيطة والحذر، والثبات على الإيمان، وعدم العودة إلى الكفر.
وقريب من هذا المعنى، ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( ثلاث من كنّ فيه ؛ وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبّه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار )١٧.
المفردات :
أعثرنا عليهم : أطلعنا عليهم الناس.
الساعة : يوم القيامة حين يبعث الله الخلائق جميعا للحساب.
التنازع : التخاصم.
الذين غلبوا على أمرهم : رؤساء البلد، لأنهم هم الذين لهم الرأي في مثل هذا.
المسجد : معبد المؤمنين من تلك الأمة، وكانوا نصارى على المشهور.
٢١- ﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن السّاعة لا ريب فيها... ﴾
جاء في تفسير ابن كثير :
أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة.
فجعل الله تعالى هذه القصة، لهؤلاء الفتية. وأطلع الناس على أمرها ؛ ليشاهدوا بأعينهم، أن القادر على بعث هؤلاء الفتية بعد ثلاثمائة سنة وتسع، بعد أن حفظت أجسامهم، وبقيت على ما كانت عليه من الطراوة والشباب، ثم رجعت بعدئذ تلك المشاعر والحواس إلى حالها، وأطلقت النفوس من عقالها، وأرسلت إلى تدبير أبدانها.
فالله القادر على إحياء أصحاب الكهف ؛ قادر على بعث الموتى، وإحياء من في القبور للحشر والحساب والجزاء.
﴿ إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجدا ﴾.
لقد كانوا يتنازعون في أمر القيامة، فمن مثبت لها ومن منكر ؛ فجعل الله إطلاعهم على قصة أهل الكهف حجة للمؤمنين، ودليلا على المنكرين.
﴿ فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ﴾.
أي : قال بعض الناس : ابنوا على باب كهفهم بنيانا ؛ ليكون علما عليهم.
﴿ ربهم أعلم بهم ﴾. الله أعلم بحالهم وشأنهم، وهذه الجملة يحتمل أن تكون من كلام الفريق الأول، الذي رغب في بناية بنيان على باب الكهف. ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى ؛ فهو سبحانه أعلم من الجميع بحال أصحاب الكهف.
﴿ قال الذين غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجدا ﴾.
أي : قال الفريق الآخر وهم الأكثرية الغالبية، أصحاب الكلمة النافذة :﴿ لنتخذنّ عليهم مسجدا ﴾. أي : معبدا يصلي فيه الناس، ويتعبدون ؛ تبركا بهؤلاء الفتية.
التحذير من اتخاذ القبر مسجدا
حارب الإسلام الوثنية والسجود لغير الله، وخلص عقيدة المسلم من السجود لغير الله، أو الاعتقاد بأن غير الله ينفع أو يضر. وفي الحديث الشريف :( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك... ) ١٨.
وقد ذكر العلماء أن اتخاذ القبور مساجد، منهي عنه أشد النهي ؛ حتى ذكر ابن حجر في كتابه ( الزواجر ) : أنه من الكبائر.
قال الآلوسي في تفسيره :
واستدل بالآية على جواز البناء على قبور للصلحاء، واتخاذ مسجد عليها، وجواز الصلاة في ذلك.
وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي، في حواشيه على البيضاوي، وهو قول باطل عاطل، فاسد كاسد.
فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج )١٩.
وزاد مسلم ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم مساجد ؛ فإني أنهاكم عن ذلك )٢٠.
وروى الشيخان عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد... ) ٢١.
وروى أحمد والشيخان والنسائي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أولئك، إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات ؛ بنوا على قبره مسجدا أو صوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق يوم القيامة )٢٢.
وروى أحمد والطبراني ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد )٢٣.
وقد علق الشيخ أحمد مصطفى المراغي في تسير المراغي على هذه الآثار بقوله :
إلى غير ذلك من الآثار الصحيحة ؛ فليعتبر المسلمون بهذه الأخبار، التي لا مرية في صحتها، وليقلعوا عما هم عليه ؛ من اتخاذ المساجد في أضرحة الأولياء والصالحين، والتبرك بها، والتمسح بأعتابها، وليعلموا أنها وثنية مقنعة.
وعود إلى عبادة الأوثان والأصنام على صور مختلفة... إلخ٢٤.
ولعل الشيخ أحمد المراغي قد بالغ في دعوته، وتحمس أكثر مما ينبغي، ورأى أننا بحاجة إلى دعوة المسلمين بالحسنى، إلى هدى دينهم وسنة نبيهم.
وهذا الأمر يسير فيه الناس على طريقين مختفين :
فريق يبيح التوسل والوسيلة وزيارة مقابر الصالحين، والدعاء عندها، ويستشهد بآيات وأحاديث وآثار تؤيده.
وفريق يحرم زيارة المساجد، التي فيها أضرحة للأولياء والصالحين، ويحرم التبرك بها والتمسح، ويعتبره وثنية مقنعة كما شاهدنا.
وجهة نظر :
أرى أن هناك أولويات ؛ ينبغي أن يتلاقى عليها المسلمون، مثل : الوحدة، والجماعة، والتعاطف، والتعاون، ثم يبحث الموضوع في إنصاف.
بمعنى : أن نعلم المسلمين آداب الزيارة للمساجد التي فيها أضرحة الصالحين، فيزار المسجد وتُصلى تحية المسجد ثم يزار القبر في أدب، وإيمان بالله، واعتقاد أن صاحب القبر بشر ؛ انتقل إلى جوار الله، وأن الدعاء يكون لله، وأن الله هو النافع الضار، وأن أحدا لا ينفع أو يضر إلا بإذن الله ؛ فنحن جميعا ندعو الله خصوصا في هذه الأماكن الطاهرة.
ومن شاء ألا يزور هذه المساجد، بعدا عن شبهة الوثنية ؛ فله ذلك ونحترم وجهة نظره.
ومن شاء أن يزور هذه المساجد فله ذلك ؛ مع تأكيد طلبنا للزائرين أن روح الإسلام تأمر بإخلاص العبادة لله، والتوجه الكامل إليه، واليقين الجازم بأن الله وحده هو المقصود في العبادة والدعاء.
ونرى أخيرا أن الله تعالى يقبل من كل طرف من الطرفين حسن نيته وصدق توجهه.
وبهذا نقرب بين المسلمين، ونحد من غلواء المتطرفين، وسنجد أن أسباب التوافق أكثر بكثير من أسباب الخلاف والنزاع.
ومثل هذا القول ينطبق على كثير من الأمور التي تثار بين الشيعة والسنة، والأباضية، والوهابية، والسنية، والطرق الصوفية، وغيرها.
حيث يتملك كل فريق بطرف من الموضوع، ويبالغ في دعواه : أنه وحده صاحب الحق المطلق ؛ وبذلك يتم التخاصم والتنازع. ولو تأملنا ؛ لوجدنا رحمة الله تسع للجميع، وأن أولويات ديننا تدعونا إلى لزوم الوحدة، والتماسك ؛ عملا بقول علماءنا ؛ نتعاون جميعا على ما تفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
وفي تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة الصحابة، نماذج لتعدد وجهات النظر، والتيسير، وعدم إخراج المسلم من الملّة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال :( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة )٢٥ ؛ من المسلمين : من تمسك بلفظ الحديث، ومنهم : قال : المراد : أسرعوا إلى بني قريظة، وصلى في الطريق، وأقر النبي الفريقين.
ومثل ذلك من صلى بالتيمم ثم وجد الماء، منهم : من أعاد الوضوء والصلاة، ومنهم : من قال : صليت ولا أعيد ؛ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم للثاني :( صحت صلاتك ولا إعادة عليك ) وقال للأول :( لك الأجر مرتين )، وفي الحديث الصحيح :( يسروا ولا تعسّروا وبشروا ولا تنفروا )٢٦.
وقد حث القرآن الكريم على استخدام العقل والفكر والرأي، ومدح الذين يستخدمون عقولهم وفكرهم، وحذر القرآن من التقليد الأعمى بدون تبصر أو رؤية، والأدلة الشرعية عندنا تعتمد على القرآن وهو كلي الشريعة وأصل أصولها، وعلى السنة المطهرة وهي المصدر الثاني للتشريع، وعلى الاجتهاد ويشتمل القياس والاستحسان وعمل الصحابة والعرف. والمقصود من الاجتهاد : بذل الفقيه الجهد في استثمار حكم شرعي لواقعة جديدة لم يرد بها نص ؛ والمجتهد يبذل جهده في تلمس الحكم الشرعي المناسب للواقعة وإذا أصاب ؛ فله أجران : أجر الاجتهاد، وأجر الصواب، وإذا أخطأ ؛ فله أجر واحد، هو أجر الاجتهاد.
وقد تعدد المجتهدون من أئمة الفقه الإسلامي، وكان بينهم التقدير والاحترام، ومن كلامهم اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
والقرآن حافل بعرض وجهة النظر الأخرى ومناقشتها بكل تقدير وقد علمنا أدب النقاش والجدال.
قال تعالى :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن... ﴾ ( العنكبوت : ٤٦ ).
وقال سبحانه :﴿ وقولوا للناس حسنا... ﴾ ( البقرة : ٨٣ ).
أتمنى أن يسود بين الأمة الإسلامية روح التفاهم والتقدير، وتقديم الأولويات، والتماس العذر للآخرين، وتقديم الأهم على المهم.
إن أعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر، ويحركون هذه العصبيات ؛ رغبة في تفتيت الجهود، وتحريك الضغائن، والقرآن طلب منا أن نفوّت عليهم أغراضهم، وأن نعتصم بحبل الله وكتابه. نجد ذلك في الآيات ( ‍١٠٠-١٠٥ ) من سورة آل عمران، وفي كثير من الآيات التي تحثنا على عدم الاختلاف وعلى عدم التنازع.
قال تعالى :﴿ وأطيعوا الله ورسوله ولا تتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم... ﴾ ( الأنفال : ٤٦ ).
وروى البخاري : في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا تحاسدوا، ولا تحاقدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا ؛ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره )٢٧.
إن المسلمين في أمس الحاجة إلى جمع الكلمة، ووحدة الصفوف، والتلاقي على الثوابت وهي كثيرة، واحترام وجهة النظر الأخرى، واستخدام الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن. والله ولي التوفيق.
المفردات :
الرّجم : القول بالظنّ.
الغيب : ما غاب عن الإنسان، والمراد هنا : القول بالظن والتخمين.
المراء : المحاجة فيما فيه مرية وتردد.
مراء ظاهرا : سهلا هينا.
ولا تستفت فيهم : لا تطلب الفتيا منهم، ففيما قصه الله عليك بشأنهم ما يكفيك.
٢٢- ﴿ سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربّي أعلم بعدتهم ما يعلمه إلا قليل... ﴾
أي : سيختلف الناس في عدة أصحاب الكهف- أيها الرسول الكريم- فمن الناس من سيقول : إن عدتهم ثلاثة، رابعهم كلبهم، ومنهم من يقول : إنهم خمسة، سادسهم كلبهم.
﴿ رجما بالغيب ﴾ أي قذفا بالظن، من غير يقين ولا علم ؛ كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه.
وجاء في التفسير الوسيط للدكتور/ محمد سيد طنطاوي :
أي : يرمون رميا بالخبر الغالب عنهم، والذي لا اطلاع لهم على حقيقته، شأنهم في ذلك شأن من يرمي بالحجارة التي لا تصيب المرمى المقصود.
﴿ ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ﴾
أي : ويقول البعض : إنهم سبعة، والثامن هو الكلب.
﴿ قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ﴾.
أي : قل أيها الرسول لمن خاضوا في عدة أصحاب الكهف : إن الله عز وجل أقدر على معرفة عددهم، وأعلم ؛ فهو علام الغيوب ؛ فمن الأولى تفويض الأمر إليه في مثل هذه الأمور التي لا يقين عندها فيها.
﴿ ما يعلمهم إلا قليل ﴾.
أي : ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس.
روى قتادة : عن ابن عباس أنه قال : أنا من القليل الذي استثنى الله عز وجل، وكانوا سبعة سوى الكلب.
ونلاحظ أنه لم يرد في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك.
لكن المفسرين لاحظوا، أن الله تعالى عقب على الرأي الأول والثاني، بقوله : رجما بالغيب، وسكت عن التعقيب على الرأي الثالث ؛ مما يدل على أن أصحابه قالوا ذلك عن تثبت وتعقل ويقين.
﴿ فلا تمار فيهم إلاّ مراء ظاهرا ﴾.
فلا تجادل في شأن أصحاب الكهف أحدا من الخائضين فيه ؛ إلا جدالا سهلا لينا بالتي هي أحسن.
﴿ ولا تستفت فيهم منهم أحدا ﴾.
أي : لا تستفت النصارى أو اليهود أو غيرهم في شأنهم ؛ فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم من غير استناد إلى دليل قاطع، ولا نص صريح.
وقد جاءك ربك بالحق الذي لا مرية فيه ؛ فهو الحاكم المقدم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال السابقة.
والمقصود من القصة : هو العظة والاعتذار، وبيان : قدرة الله، ومعرفة أن البعث حاصل لا محالة، وهذا لا يتوقف على عدد معين، والآية حافلة بمكارم الأخلاق، وأدب الناقشة.
﴿ ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا ( ٢٣ ) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب منه هذا رشدا ( ٢٤ ) ﴾
تمهيد :
روى : أن الآيتين نزلتا حينما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يجيبهم عن ثلاثة أسئلة :
‍١- أصحاب الكهف.
‌٢- ذو القرنين.
٣- الروح.
فقال : غدا أجيبكم، ونسي أن يقول : إن شاء الله ؛ فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما فشق عليه ذلك، وقالت قريش : إن إله محمد ودعه وقلاه، وقد رد عنه الله تعالى في سورة الضحى.
التفسير :
‌٢٤، ٢٣- ﴿ ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا. إلا أن شاء الله... ﴾
أي : لا تقولن أيها الرسول لشيء : إني سأفعل ذلك غدا : إلا أن تقول : إن شاء الله ؛ ذلك أنه ربما مات المرء قبل مجيء الغد، أو ربما عاقه عائق عن فعله.
جاء في تفسير الظلال ما يأتي :
إن كل حركة وكل نفس من أنفس الحي، مرهون بإرادة الله، وسجف الغيب مسبل يحجب ما وراء اللحظة الحاضرة، وعين الإنسان لا تمتد إلى ما وراء الستر المسدل، وعقله مهما علم قاصر كليل، فلا يقل إنسان : إني فاعل ذلك غدا، وغدا في غيب الله.
وليس معنى هذا : أن يقعد الإنسان، لا يفكر في أمر المستقبل، ولا يدبر له، وأن يعيش يوما بيوم، ولحظة بلحظة، وألا يصل ماضي حياته بحاضره وقابله... كلا، ولكن معناه : أن يحسب حساب الغيب، وحساب المشيئة التي تدبره، وأن يعزم ما يعزم، ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم، ويستشعر أن يد الله فوق يده، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره، فإن وفقه الله إلى ما اعتزم ؛ فبها ونعمت، وإن جرت مشيئة الله بغير ما دبّر ؛ لم يحزن ولو ييأس ؛ لأن الأمر لله أولا وأخيرا٢٨.
وبهذه المناسبة نتمنى أن يلتفت كل من يقدر تقديرا، أو يذكر محصولا للقمح أو الذرة أو القطن أو البترول في قادم الأيام ؛ أن يذكر المشيئة ؛ فيقول : سيكون عائد البترول كذا ألف برميل في العام إنشاء الله، والمحصول القمح أو الذرة أو القطن كذا إنشاء الله، وعدد الخريجين من المعاهد العليا والكليات النظرية أو العلمية كذا إنشاء الله.
فهذا التعليم والتوجيه للأفراد والجماعات والأمم، وهو في صلب العقيدة، ويترتب عليه اليقين الجازم ؛ بأن يد القدرة الإلهية فوق قدرتنا، ولها الكلمة النافذة في حياة الأفراد والجماعات والأمم.
وأن الله تعالى يغير ولا يتغير، وهو سبحانه يضع ويرفع ويعز ويذل، قال تعالى :﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ﴾. ( آل عمران : ٢٦ ).
ويقول سبحانه :﴿ كل يوم هو في شأن ﴾. ( الرحمان : ٢٩ ).
وفي التفسير : شؤون يبديها ولا يبتديها ؛ يشفي مريضا، ويمرض سليما، ويعافي مبتلي، ويبتلي معافى، ويعزّ ذليلا، ويذل عزيزا، ويغير ولا يتغير.
ونحن ينبغ عندما نقول : سنعمل كذا، أو سنترك كذا، أو سنفعل كذا ؛ نربطها بالمشيئة فنقول :( إن شاء الله ).
والمعنى : إذا أراد أن يتم ذلك فستتم بمشيئته هو وإرادته ؛ فأمره غالب ومشيئته نافذة، ومعونته للعباد نعمة وبركة، وهو القائل :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾. ( يس : ٨٣، ٨٢ ).
﴿ واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾.
أي : إذا نسيت أن تقول : إن شاء الله، ثم ذكرت ؛ فقلها لتبقى نفسك مستشعرة عظمة الله، وقال عكرمة :﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾، إذا غضبت.
وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن هذه الفقرة من الآية مرتبطة بما قبله.
والمعنى : أنك إن قلت : سأفعل غدا كذا، ونسيت أن تقول : إن شاء الله، ثم تذكرت بعد ذلك ؛ فقل : إن شاء الله.
أي : اذكر ربك معلقا على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غدا ؛ إذا ذكرت بعد النسيان.
وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الفقرة مستقلة عما قبلها، ولا تعلق لها بما قبلها، ويكون المعنى : إذا نسيت ذكر ربك لأي سبب من الأسباب، ثم عاد إليك ذهنك وصفاؤك ؛ فاشتغل بالتسبيح والاستغفار ؛ لأن ذكر الله شفاء ودواء.
قال تعالى :﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾. ( الأحزاب : ٣٥ ).
وقال سبحانه :﴿ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ﴾. ( البقرة : ١٥٢ ).
﴿ وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدا ﴾.
أي : لعل الله أن يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح من أمر ديني ودنياي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:﴿ ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا ( ٢٣ ) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب منه هذا رشدا ( ٢٤ ) ﴾

تمهيد :

روى : أن الآيتين نزلتا حينما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يجيبهم عن ثلاثة أسئلة :

‍١-
أصحاب الكهف.

‌٢-
ذو القرنين.

٣-
الروح.
فقال : غدا أجيبكم، ونسي أن يقول : إن شاء الله ؛ فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما فشق عليه ذلك، وقالت قريش : إن إله محمد ودعه وقلاه، وقد رد عنه الله تعالى في سورة الضحى.

التفسير :

‌٢٤، ٢٣- ﴿ ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا. إلا أن شاء الله... ﴾
أي : لا تقولن أيها الرسول لشيء : إني سأفعل ذلك غدا : إلا أن تقول : إن شاء الله ؛ ذلك أنه ربما مات المرء قبل مجيء الغد، أو ربما عاقه عائق عن فعله.

جاء في تفسير الظلال ما يأتي :

إن كل حركة وكل نفس من أنفس الحي، مرهون بإرادة الله، وسجف الغيب مسبل يحجب ما وراء اللحظة الحاضرة، وعين الإنسان لا تمتد إلى ما وراء الستر المسدل، وعقله مهما علم قاصر كليل، فلا يقل إنسان : إني فاعل ذلك غدا، وغدا في غيب الله.
وليس معنى هذا : أن يقعد الإنسان، لا يفكر في أمر المستقبل، ولا يدبر له، وأن يعيش يوما بيوم، ولحظة بلحظة، وألا يصل ماضي حياته بحاضره وقابله... كلا، ولكن معناه : أن يحسب حساب الغيب، وحساب المشيئة التي تدبره، وأن يعزم ما يعزم، ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم، ويستشعر أن يد الله فوق يده، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره، فإن وفقه الله إلى ما اعتزم ؛ فبها ونعمت، وإن جرت مشيئة الله بغير ما دبّر ؛ لم يحزن ولو ييأس ؛ لأن الأمر لله أولا وأخيرا٢٨.
وبهذه المناسبة نتمنى أن يلتفت كل من يقدر تقديرا، أو يذكر محصولا للقمح أو الذرة أو القطن أو البترول في قادم الأيام ؛ أن يذكر المشيئة ؛ فيقول : سيكون عائد البترول كذا ألف برميل في العام إنشاء الله، والمحصول القمح أو الذرة أو القطن كذا إنشاء الله، وعدد الخريجين من المعاهد العليا والكليات النظرية أو العلمية كذا إنشاء الله.
فهذا التعليم والتوجيه للأفراد والجماعات والأمم، وهو في صلب العقيدة، ويترتب عليه اليقين الجازم ؛ بأن يد القدرة الإلهية فوق قدرتنا، ولها الكلمة النافذة في حياة الأفراد والجماعات والأمم.
وأن الله تعالى يغير ولا يتغير، وهو سبحانه يضع ويرفع ويعز ويذل، قال تعالى :﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ﴾. ( آل عمران : ٢٦ ).
ويقول سبحانه :﴿ كل يوم هو في شأن ﴾. ( الرحمان : ٢٩ ).
وفي التفسير : شؤون يبديها ولا يبتديها ؛ يشفي مريضا، ويمرض سليما، ويعافي مبتلي، ويبتلي معافى، ويعزّ ذليلا، ويذل عزيزا، ويغير ولا يتغير.
ونحن ينبغ عندما نقول : سنعمل كذا، أو سنترك كذا، أو سنفعل كذا ؛ نربطها بالمشيئة فنقول :( إن شاء الله ).
والمعنى : إذا أراد أن يتم ذلك فستتم بمشيئته هو وإرادته ؛ فأمره غالب ومشيئته نافذة، ومعونته للعباد نعمة وبركة، وهو القائل :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾. ( يس : ٨٣، ٨٢ ).
﴿ واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾.
أي : إذا نسيت أن تقول : إن شاء الله، ثم ذكرت ؛ فقلها لتبقى نفسك مستشعرة عظمة الله، وقال عكرمة :﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾، إذا غضبت.
وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن هذه الفقرة من الآية مرتبطة بما قبله.
والمعنى : أنك إن قلت : سأفعل غدا كذا، ونسيت أن تقول : إن شاء الله، ثم تذكرت بعد ذلك ؛ فقل : إن شاء الله.
أي : اذكر ربك معلقا على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غدا ؛ إذا ذكرت بعد النسيان.
وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الفقرة مستقلة عما قبلها، ولا تعلق لها بما قبلها، ويكون المعنى : إذا نسيت ذكر ربك لأي سبب من الأسباب، ثم عاد إليك ذهنك وصفاؤك ؛ فاشتغل بالتسبيح والاستغفار ؛ لأن ذكر الله شفاء ودواء.
قال تعالى :﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾. ( الأحزاب : ٣٥ ).
وقال سبحانه :﴿ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ﴾. ( البقرة : ١٥٢ ).
﴿ وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدا ﴾.
أي : لعل الله أن يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح من أمر ديني ودنياي.

ثم بين سبحانه ما أجمل من قوله :﴿ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ﴾ ؛ فقال :
﴿ ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ( ‌٢٥ ) قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليّ ولا يشرك في حكمه أحدا ( ٢٦ ) ﴾
التفسير :
٢٥- ﴿ ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ﴾.
أي : أن أصحاب الكهف مكثوا نائمين في الكهف مدة طويلة هي ( ٣٠٩ ) سنة بالتاريخ الهجري وهي تساوي ثلاثمائة سنة بالتاريخ الميلادي أو الشمسي.
وقد كانت عناية الله معهم، حيث أرسل عليهم النوم وأرسل لهم الضوء والهواء، وحجب عنهم حرارة الشمس عند شروقها وغروبها، وألقى عليهم المهابة، وحفظ الكلب معهم بفناء الكهف، ومنع الناس من أن تعبث بهم.
وهذا البيان من الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم معجزة أيضا ؛ فهو لم يقرأ ولم يكتب، ولم يطلع على كتب السابقين ؛ فمن أين له معرفة أن كل مائة سنة شمسية، تزيد ثلاث سنين قمرية، وكل ثلاث وثلاثين سنة شمسية تزيد سنة قمرية، وكل سنة شمسية تزيد نحو أحد عشر يوما على السنة القمرية ؛ لا شك أنه قد أعلمه اللطيف الخبير، بما أوحاه إليه، وهداه لأقرب من هذا رشدا.
وقد حفل القرآن ببيان نظام الكون وتكامله، وأثر الشمس في تصاعد البخار، وسير السحاب، ونزول المطر، وإنبات النبات، وغذاء الإنسان والحيوان. والله سبحانه هو الذي سخر الشمس والقمر والليل والنهار، وأرسل الرسل لهداية الإنسان، وأتم الله علينا النعم المادية والمعنوية. ﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها... ﴾ ( إبراهيم : ٣٤ ).
٢٦- ﴿ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض... ﴾
إن الله أعلم بمدة لبثهم في الكهف على وجه اليقين ؛ وكانت هناك أقوال لليهود والنصارى وغيرهم حول المدة التي مكثها هؤلاء الفتية في الكهف، وفي عددهم، فكأن الله سبحانه يقول :
ما أخبرتك يا محمد، هو فصل الخطاب في موضوعهم، وقد أعلمتك به، وما أخبرتك به هو الحق الصحيح، الذي لا يحوم حوله شك ؛ فلا تلتفت إلى غيره من أقوال الخائضين في أمر هؤلاء الفتية ؛ فإن الله هو الأعلم بحقيقة ذلك.
﴿ له غيب السماوات والأرض ﴾.
أي : هو سبحانه المختص بعلم الغيب، وهو علام الغيوب ؛ فلا يخفى عليه علم شيء في الأرض والسماء، وقد أخبرك السميع العليم، بالخبر القاطع في شأنهم.
﴿ أبصر به وأسمع ﴾ أي : إنه لبصير بهم، سميع لهم.
قال ابن جرير : وذلك في معنى المبالغة في المدح ؛ كأنه قيل : ما أبصره وأسمعه ! وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكل موجود، وأسمعه لكل مسموع، ولا يخفى عليه من ذلك شيء !
وقال قتادة :{ أبصر به وأسمع ؛ فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع.
﴿ ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ﴾.
أي : ليس لأهل السماوات ولا لأهل الأرض ولا لغيرهما نصير ينصرهم أو ولي يلي أمرهم، غير الله تعالى هو الذي له الخلق والأمر، لا معقب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير، ولا شريك ولا مشير، تعالى وتقدس.
العبر والعظات
من العبر والعظات التي تؤخذ من قصة أصحاب الكهف ما يأتي :
١-إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه عز وجل ؛ فقد بلغ عن الله عز وجل ؛ فقد بلغ عن الله عز وجل قصتهم وعددهم وصدق مكثهم، وصدق الله تعالى إذ يقول :﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق... ﴾ ( الكهف : ١٣ ).
٢- ساق القرآن الكريم القصة مجملة، ثم ساقها مفصلة، وفي هذا أدب للدعاة والهداة والمرشدين، في الاستفادة بأسلوب الإجمال ثم التفصيل.
٣- بيان أن الإيمان إذا استقر في القلوب هان كل شيء في سبيله ؛ فهؤلاء الفتية آثروا الفرار بدينهم، ولجئوا إلى ربهم راغبين في مثوبته وهدايته ؛ فأكرمهم الله ورعاهم.
٤- أن يد الله مع المتقين، ومعونته مع الصادقين، فقد برأ هؤلاء الفتية من عبادة الأوثان، وآثروا الكهف على كل متاع الحياة الدنيا ؛ فشملهم الله برعايته، وأرسل عليهم النوم مدة طويلة، وحفظ أجسامهم من البلي، وأرسل عليهم المهابة فلم يعتد عليهم معتد، وحفظهم من حرارة الشمس، وبعثهم في عهد ملك صالح، احتفى بهم وأكرمهم.
٥- التواصي بالحق والصبر، يؤدي إلى النجاح والفلاح ؛ فهؤلاء الفتية اجتمعوا على الحق ووقفوا في وجه الباطل فاستحقوا معونة الله وبركته وتوفيقه.
٦- أن مباشرة الأسباب مشروعة لا تنافي التوكل على الله فهؤلاء الفتية عندما خرجوا من ديارهم، أخذوا بعض النقود، وبعد بعثهم من رقادهم ؛ أرسلوا واحدا منهم ؛ ليشتري لهم طعاما ؛ وأمروه بأخذ الحيطة والحذر.
هكذا العقلاء لا يمنعهم توكلهم على الله تعالى ؛ من أخذ الحيطة في كل شؤونهم التي تستدعي ذلك.
٧- إقامة أوضح الأدلة على أن البعث حق ؛ لأن الله سبحانه وتعالى، الذي بعث الراقدين من نومهم بعد مئات السنين، قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.
﴿ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ( ٢٧ ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عنه ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا ( ٢٨ ) وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقا ( ٢٩ ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( ٣٠ ) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ( ٣١ ) ﴾
المفردات :
لا مبدل : لا مغير.
لكلماته : لأحكامه، فلا يستطيع أحد نسخ أحكام ما جاء في كتابه.
ملتحدا : أي : ملجأ تعدل إليه إذا ألمّت بك ملمّة.
تمهيد :
بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف، أمره جل شأنه بالمواظبة على دراسته وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله.
ثم ذكر ما يلحق الكافرين من العذاب يوم القيامة، وما ينال المتقين من الثواب والتكريم.
‌٢٧- ﴿ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ﴾.
أسباب النزول :
تفيد كتب التفسير : أن هذه الآيات إلى قصة موسى والخضر ؛ نزلت في أشراف قريش ؛ حين طلبوا من النبي صلى الله عليه سلم أن يجلس معهم وحده، ولا يجالسهم مع ضعفاء أصحابه ؛ كبلال، وعمار، وابن مسعود، وليفرد أولئك بمجلس على حدة ؛ فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يكثر من تلاوة القرآن، وأن يجعل باب تعليم الرسالة والدعوة الإسلامية، مفتوحا للجميع على السواء في جميع الأوقات للفقراء والأغنياء، وهذا مبدأ سام في المساواة بين الناس ؛ فالأيمان يجمع بين الجميع، وأكرم الناس عند الله أتقاهم٢٩.
﴿ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ﴾.
أي : اقرأ يا محمد ما أوحاه إليك ربك من آيات الذكر الحكيم ؛ ﴿ لا مبدل لكلماته ﴾. أي : لا يقدر أحد في الكون أن يبدل أو يغير كلام الله ؛ فقد تكفل الله بحفظ هذا الكتاب ؛ قال تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾. ( الحجر : ٩ )، وقال تعالى :﴿ وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ﴾. ( الأنعام : ١١٥ ).
﴿ ولن تجد من دونه ملتحدا ﴾.
أي : لن تجد ملجأ أو حصنا للنجاة ؛ غير الله تعالى أبدا.
قال ابن جرير الطبري :
يقول : إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ؛ فإنه لا ملتجأ لك من الله ؛ كما قال تعالى :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته... ﴾ ( المائدة : ٦٧ ).
تمهيد :
بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف، أمره جل شأنه بالمواظبة على دراسته وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله.
ثم ذكر ما يلحق الكافرين من العذاب يوم القيامة، وما ينال المتقين من الثواب والتكريم.
المفردات :
واصبر نفسك : احبسها وثبتها.
بالغداة والعشي : أي : في طرفي النهار، وخصهما بالذكر ؛ لأنهما محل الغفلة، وفيهما يشتغل الناس بأمور دنياهم.
وجهه : رضاه وطاعته ؛ لأن من رضي عن شخص يقبل عليه، ومن غضب عليه يعرض عنه.
ولا تعد عيناك عنهم : لا تصرف عيناك عنهم إلى أبناء الدنيا، والمراد : لا تحتقرهم، وتصرف النظر إلى غيرهم لرثاثة منظرهم.
تريد زينة الحياة الدنيا : تطلب مجالسة ما لم يكن مثلهم من الأغنياء، وأصحاب الثراء.
أغفلنا قلبه : جعلناه غافلا.
فرطا : تفريطا وتضييعا لما يجب عليه أن يتبعه من أمر الدين.
٢٨- ﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ﴾.
لقد جاء الإسلام ؛ ليسوي بين الناس أمام الله، فالخلق كلهم عيال الله، يتفاضلون عنده بالتقوى، ويدركون ثوابه بالعمل الصالح، وكان كفار قريش وأغنياؤها، يطلبون من النبي أن يطرد الفقراء عن مجلسه، أو يجعل للأغنياء مجلسا خاصا بهم، فإذا دخل هؤلاء الأغنياء في الإسلام ؛ دخل خلفهم خلق كثير من الأتباع لهم، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه، بالاستجابة لهذا العرض، أو فكر فيه.
فنزل القرآن الكريم ؛ يحثه على رفض هذا العرض ؛ فالإسلام دين الوحدة والجماعة، وإذا دخل الإيمان في القلب ؛ أحب المؤمن بربه، وأحب إخوانه المؤمنين، وهانت عليه مظاهر الحياة، والإسلام لا يحرم الغنى ولا المال ولا الجاه، ما دام صاحبها يقدم أوامر الله وواجباته ؛ ولكن الإسلام يحرم أن يكون المال والجاه، هما الهدف من هذه الحياة ؛ لأنهما في وضعهما الصحيح وسيلة إلى مرضاة الله، والهدف الأساسي هو مرضاة الله وطاعته.
﴿ وصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ﴾.
يقول القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم : صاحب وجالس هؤلاء المؤمنين، الذين أخلصوا أنفسهم لله، وتوجهوا إليه بالدعاء في الصباح والمساء.
﴿ ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ﴾.
لا تتحول عنهم، ولا تنصرف عنهم، ولا يتحول اهتمامك عنهم إلى مظاهر الحياة التي يستمع بها الأغنياء، أصحاب زينة الحياة الدنيا.
قال ابن عباس : لا تجاوزهم إلى غيرهم ؛ تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة.
﴿ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ﴾.
أي : لا تطع كلام الذين سألوك : طرد المؤمنين ؛ فقلوبهم غافلة عن ذكر الله وقد شغلوا عن الدين وعبادة ربهم بالدنيا.
﴿ واتبع هواه وكان أمره فرطا ﴾.
لقد اتبعوا أهوائهم، أهواء الجاهلية، فالناس عندهم قسمان قسم : غني قوي بسلطان ووجاهة، وهؤلاء يحكمون ويفكرون ويملكون، وهم أهل الوجاهة والسيادة. وقسم : فقير ضائع، لا يجوز أن يفكر ولا أن يجلس مع الأغنياء.
فلما جاء الإسلام ؛ رفض هذا المنطق ؛ وبين : أن الناس أمام الله سواء ؛ يتفاضلون عنده بالتقوى ويدركون ثوابه بالعمل الصالح.
﴿ وكان أمره فرطا ﴾. أي : كان أمره ضياعا، وهلاكا، ودمارا.
قال ابن جرير الطبري :
﴿ وكان أمره فرطا ﴾.
معناه : وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقر أهل الإيمان، سرفا قد تجاوز حده ؛ فضيع بذلك الحق وهلك.
من هدي السنة
روى الشيخان عن سهيل بن سعد الساعدي قال : مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس :( ما رأيك في هذا ؟ ) فقال رجل من أشرف الناس : هذا والله حري إن خطب أن يزوّج، وإن شفع أن يشفّع ؛ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر من فقراء المسلمين فقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل :( ما رأيك في هذا ؟ ) قال يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين. هذا والله حري إن خطب ألا يزوّج، وإن شفع ألا يشفّع، وإن قال ألا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا )٣٠.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله، لا يريدون بذلك إلا وجهه ؛ إلا ناداهم مناد من السماء : أن قوموا مغفورا لكم ؛ قد بُدّلت سيئاتكم حسنات )٣١.
تمهيد :
بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف، أمره جل شأنه بالمواظبة على دراسته وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله.
ثم ذكر ما يلحق الكافرين من العذاب يوم القيامة، وما ينال المتقين من الثواب والتكريم.
المفردات :
اعتدنا : أعددنا وهيأنا.
السرادق : لفظ فارسي معرب يراد به : الفسطاط ( الخيمة ) شبه به ما يحيط بهم من لهب النار، المنتشر منها في سائر الجهات.
المُهل : دردي الزيت، أو ما أذيب من المعادن كالرصاص والنحاس.
يشوي الوجوه : ينضجها إذا قدّم ؛ ليشرب لشدة حره.
مرتفقا : متكأ.
٢٩- ﴿ وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر... ﴾
أي : قل يا محمد للناس : هذا الذي جئتكم به من ربكم، هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فمن شاء أن يؤمن به، ويدخل في غمار المؤمنين ؛ فليفعل، ومن شاء أن يكفر به ؛ وينبذه وراء ظهره ؛ فأمره إلى الله ولست بطارد للمؤمنين من أجل أهوائكم.
قال ابن كثير :﴿ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾. هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال :﴿ إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها... ﴾
فالله تعالى لا تنفعه طاعة الطائع، أو إيمان المؤمن، ولا تضره معصية العاصي، ولا كفر الكافر، ولكن هذا الكافر الذي أنف من الحق، واستكبر عن الدخول في الإسلام ظلما وعدوانا، قد أعد الله له نارا مؤججة، يحيط به لهيبها من كل جانب، كما يحيط السرادق بمن حل فيه، فلا مخلص منه ولا ملجأ إلى غيره.
وقال ابن كثر :
﴿ أحاط بهم سرادقها... ﴾ أي : سورها، كإحاطة السوار بالمعصم.
أخرج أحمد والترمذي في صفة النار وابن جرير في تفسيره : عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لسرادق النار أربعة جدور كثافة كل جدار مسافة أربعين سنة ).
وقال ابن عباس :
﴿ أحاط بهم سرادقها... ﴾ قال : حائط من نار٣٢.
﴿ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ﴾.
والمهل : ماء جهنم أسود منتن غليظ حار، ولهذا قال :﴿ يشوي الوجوه ﴾. أي : من حره إذا أراد الكافر أن يشربه، وقرّبه من وجهه : شواه حتى تسقط جلدة وجهه فيه.
وأخرج أحمد والترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ماء المهل كعكر الزيت ؛ فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه )٣٣.
﴿ بئس الشراب وساءت مرتفقا ﴾.
أي : بئس هذا الشراب، وما أقبحه ؛ فهو لا يطفئ غلّه، ولا يسكن حرارة الفؤاد ؛ بل يزيد فيها إلى أقصى غاية، وما أسوأ هذه النار منزلا ومقيلا يرتفق به أهل النار !
قال تعالى :﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾. ( الفرقان : ٦٦ ).
تمهيد :
بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف، أمره جل شأنه بالمواظبة على دراسته وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله.
ثم ذكر ما يلحق الكافرين من العذاب يوم القيامة، وما ينال المتقين من الثواب والتكريم.
٣٠- ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا ﴾.
لما ذكر تعالى حال الأشقياء، أعقبه بذكر حال السعداء، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، أي : إنا لا نضيع ثواب من أحسن عمله وأخلص فيه ؛ بل نزيده وننميه.
وهذه الآية يستشهد بها الدعاة والعلماء، الراغبون في رقي الأمة وتقدمها ؛ فلن نتقدم إلا إذا أتقن كل إنسان عمله : الفلاح، والصانع، والمهندس، والطبيب، والمعلم، والموظف، والإداري، وسائر أفراد الأمة ؛ إذا أتقنوا عملهم ؛ نجحوا كأفراد، وكأمة عاملة، وتأهلوا لنيل ثوابهم في الدنيا والآخرة.
تمهيد :
بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف، أمره جل شأنه بالمواظبة على دراسته وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله.
ثم ذكر ما يلحق الكافرين من العذاب يوم القيامة، وما ينال المتقين من الثواب والتكريم.
المفردات :
جنات عدن : جنات إقامة واستقرار، يقال : عدن بالمكان ؛ إذا قام به واستقر ؛ ومنه المعدن ؛ لاستقرار الجواهر فيه.
أساور : واحدها : سوار وهو ما يحيط بالمعصم.
سندس : رقيق الديباج واحده : سندسة، وهو فارسي معرب.
إستبرق : ما غلظ منه وهو رومي معرب.
الأرائك : واحدها : أريكة- سرير عليه حجلة ( ناموسية ).
أما ثوابهم في الدنيا فهو القوة والتفوق، وأما ثوابهم في الآخرة فهو الجنة ونعيمها، وقد بين القرآن ألوان نعم العاملين في الجنة فقال :
٣١- ﴿ أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار... ﴾
أي : هم في جنات إقامة، تجري من تحت غرفهم ومنازلهم أنهار الجنة.
﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب... ﴾
أي : يحلون في الجنة بأساور الذهب، وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما : عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )٣٤.
وتفيد آيات القرآن الأخرى : أن المؤمن يتمتع بثلاثة أساور، واحدة : من فضة، والثانية : من لؤلؤ، والثالثة : من ذهب.
قال تعالى :﴿ وحلوا أساور من فضة... ﴾ ( الإنسان :‌٢١ ).
وقال تعالى :﴿ ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ﴾. ( الحج : ٢٣ ).
وفي الآية التي نفسرها :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب... ﴾
﴿ ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ﴾.
أي : ويلبسون رقيق الحرير وهو السندس، وغليظه مما نسج من سلوك الذهب، وهذا لباس المترفين في الدنيا، ومنتهى ما يكون لأهل النعيم.
واختير اللون الأخضر ؛ لأنه أرفق بالأبصار، ومن ثم جعله الله لون النبات والأشجار، وجعل لون السماء الزرقة ؛ لأنه نافع لأبصار الحيوان أيضا.
وقد قالوا : ثلاثة يذهبن الحزن : الماء، والخضرة، والوجه الحسن !
﴿ متكئين فيها على الأرائك... ﴾
أي : يتكئون فيها على سرر مزدانة بالستور، وفي هذا دليل على منتهى الراحة والنعيم، كما يكون ذلك في الدنيا.
﴿ نعم الثواب وحسنت مرتفقا ﴾.
أي : نعمة الجنة لهم جزاء وفاقا على جميل أعمالهم، وحسنت منزلا ومقيلا.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما. خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ﴾. ( الفرقان : ٧٦، ٧٥ ).
قصة صاحب الجنتين
﴿ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ( ٣٢ ) كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا ( ٣٣ ) وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا ( ٣٤ ) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ( ٣٥ ) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي لأجدن خيرا منها منقلبا ( ٣٦ ) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلا ( ٣٧ ) لكن هو الله ربّي ولا أشرك بربي أحدا ( ٣٨ ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( ٣٩ ) فعسى ربّي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ( ٤٠ ) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ( ٤١ ) وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ( ٤٢ ) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا ( ٤٣ ) هنالك الولاية لله الحقّ هو خير ثوابا وخير عقبا ( ٤٤ ) ﴾
المفردات :
الجنة : البستان، سميت بذلك ؛ لاجتنان أرضها، واستتارها بظل الشجر، وكل مادة ( ج ن ن ) تفيد : الخفاء والاستتار ؛ كالجنين، والجن، والمجنون ؛ لاستتار عقله، وجنّ الليل : أظلم إلى نحو ذلك.
أعناب : كروم منوعة.
وحففناهما بنخل : أي : جعلنا النخل محيطا بهما، مطبقا بجانبيهما، يقال : حفّه القوم أي : طافوا به. ومنه قوله :﴿ حافّين من حول العرش... ﴾ ( الزمر : ٧٥ ). وحففته بهم : إذا جعلتهم حافين حوله.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
التفسير :
٣٢- ﴿ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ﴾.
أي : اذكر يا محمد لهؤلاء الكفار، الذين طلبوا منك أن تطرد الفقراء عم مجلسك هذا المثل.
قال المفسرون :
هما أخوان من بني إسرائيل أحدهما : مؤمن، والآخر : كافر، ورثا مالا عن أبيهما ؛ فاشترى الكافر بماله حديقتين، وأنفق المؤمن ماله في مرضاة الله ؛ حتى نفد ماله فعيّه الكافر بفقره ؛ فأهلك الله مال الكافر، وضرب هذا مثلا للمؤمن الذي يعمل بطاعة الله، والكافر الذي أبطرته النعمة.
وسواء أصحت هذه الرواية أم لم تصح ؛ فإن ضرب المثل لا يتوقف على صحتها، والقصة هنا نموذج للعظة والاعتبار، والتحذير من إغراء المال.
﴿ جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ﴾.
فهذا الغني الكافر ؛ كان يملك بستانين من شجر العنب مثمرين بأنواع العنب اللذيذ، وقد وسع الله على صاحب البستانين بأنواع التوسعة، فأرضه جمعت القوت والفواكه، وهي متواصلة متشابكة ؛ فلها منظر ورواء حسن، ووضع أنيق يخلب اللب ؛ بجماله وبهجته إذا امتلأ منه البصر، وعلى حافة البستانين أشجار النخيل، تطوف حولهما في سياج يطوف حول الأرض، وتتوسط الأرض الزروع والثمار، وتتفجر بينها الأنهار.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
أكلها : ثمرها.
لم تظلم : ولم تنقص.
نهرا : لغة في النهر، وهو مجرى الماء العذب.
التفسير :
٣٣- ﴿ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا... ﴾
أي : كل واحدة من الحديقتين أخرجت ثمرها ؛ يانعا في غاية الجودة والطيب، ولم تنقص منه شيئا ؛ في سائر الأعوام، على خلاف ما يعهد في الكروم والأشجار ؛ من أنها تكثر غلتها أعواما ؛ وتقل أعواما أخرى.
﴿ وفجّرنا خلالهما نهرا ﴾.
وشققنا وسط الجنتين نهرا كبيرا ؛ تتفرع منه عدة جداول ؛ ليدوم سقيهما، ويزيد بهاؤهما، وتكثر غلتهما.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
ثمر : أنواع من الفواكه والثمار.
الصاحب : المصاحب لك.
يحاوره : يجادله ويراجعه ويخاصمه.
النفر : الخدم والحشم والأعوان.
التفسير :
٣٤- ﴿ وكان له ثمر... ﴾
أي : أنواع أخرى من الثمار، وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بالثمر : أموال أخرى غير الجنتين ؛ من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك.
وقد قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ( ثُمُر ) بضم الثاء والميم، وهو جمع ثمار، أي : أموال كثيرة ثمّرها بما ادخره من غلات الجنتين، ومن تجارات أخرى.
وخلاصة ذلك : أن الله أنعم عليه بخيرات الدنيا صامتها وناطقها، وكانت له مزارع يستخدم فيها أعوانه وأتباعه، ولا يستعصي عليه شيء من مسرات الدنيا ومباهجها، ولذاتها ونعيمها.
﴿ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ﴾.
أي : قال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن، وهو يحاوره ويجادله ويفتخر عليه بالمال والثمار والأتباع والخدم : أنا أكثر منك مالا كما ترى من جناتي وزروعي المختلفة، وأعز عشيرة ورهطا وأتباعا، فكل هؤلاء الأتباع يقومون بمساعدتي عند الحاجة، وينفرون معي عند الخصومة.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
تبيد : تفني وتهلك.
٣٥- ﴿ ودخل جنّته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ﴾.
لقد استولى عليه الغرور، والأمل الكاذب ؛ فسار مع صاحبه إلى بستانه، ثم تكلم في عنجهية وخلاء، ونسي قدرة الخالق الرازق المنعم، وتكلم كلام المعجب بنفسه وماله. فقال لأخيه مشيرا إلى البساتين والأشجار، والأعناب والثمار والأنهار : ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا ولا تخرب.
إن طول الحرص، وحب المال، ونسيان الآخرة يغري صاحبه بالأمل، فيظن أن هذا المال وهذه البساتين لن تهلك ولن تفنى أبدا.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
وترى أكثر الأغنياء من المسلمين، وإن لم يطلقوا بمثل هذا ألسنتهم فإن ألسنة أحوالهم ناطقة، منادية عليه.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
قائمة : كائنة وحاصلة ومتحققة.
منقلبا : مرجعا وعاقبة.
التفسير :
٣٦- ﴿ وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾.
ثم ازداد غرورا وكفرا ؛ فأنكر القيامة والبعث ؛ من شدة حبه لدنيا والمال والجنان والمتع العاجلة ؛ فقال : ما أظن القيامة كائنة وحاصلة، فليس هناك بعث ولا حشر ولا جزاء، وبدل أن يشكر ربه ويحمده، ويؤدي حق الله في ماله، كفر بالله وبالقيامة والبعث والجزاء، ثم قال :
﴿ ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾.
أي : ولئن كان هناك بعث على سبيل الفرض والاحتمال ؛ فسوف يكون نصيبي في الآخرة أفضل وأحسن ﴿ منقلبا ﴾ أي : مرجعا ومآلا ؛ لأنني في الدنيا أحسن وأغنى وأكرم ؛ فكما أعطاني ربي ذلك في الدنيا فسوف يعطيني مثله في الآخرة ؛ لكرامتي عليه. ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن الكافر :﴿ ولئن رُّجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى... ﴾ ( فصلت : ٥٠ ).
وهكذا نجد أن هذا الكافر لحقه الخسار من تفكيره الخطإ، حيث ظن أن جنته لن تفنى، وظن أن القيامة لن تقوم، وظن أن الآخرة تقاس على الدنيا، فمن كان غنيا في الدنيا، كان ممتازا في الآخرة.
وهنا يرشده أخوه، إلى القيم الحقيقية في الدنيا والآخرة، ويبين له : أن الله هو صاحب الفضل، والنعمة والمنة، وأن واجبنا أن نعترف لله بالخلق والإيجاد من العدم، والتفضل بالنعم.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
سواك : عدلك وكملك إنسانا.
التفسير :
٣٧- ﴿ قال لصاحبه وهو يحاوره أفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ﴾.
هنا يقف الأخ المؤمن مذكرا أخاه بالله تعالى، الذي خلق آدم من تراب ؛ وهو أب البشرية، ثم خلق الناس من صلبه من منيّ يمنى ؛ وهذا يجعل الإنسان متواضعا متذكرا عظمة الخالق.
والاستفهام في الآية ﴿ أكفرت ﴾ للتوبيخ والتقريع، أي : أتجحد من خلق آدم من تراب، ثم خلق ذريته من نسله، ثم سواك رجلا كاملا بقدرته، ويحتمل الكلام وجها آخر لمعنى :﴿ خلقك من تراب ﴾ ؛ إذ غذاء والديك من النبات والحيوان، وغذاء النبات من التراب والماء، وغذاء الحيوان من النبات، ثم يصير هذا الغذاء دما يتحول بعضه إلى نطفة يكون منها خلقك بشرا سويا على أتم حال فهذا الذي خلقك على هذه الحال قادر على أن يخلقك مرة أخرى.
والخلاصة : أن الله أوجدك من العدم، وهو قادر على أن يعيدك إلى الحياة مرة أخرى بعد الموت.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
لكنا هو الله : أصل التركيب : لكن أنا أقول : هو الله ربي ؛ دخله نقل وحذف.
التفسير :
٣٨- ﴿ لكنا هو الله ربّي ولا أشرك بربّي أحدا ﴾.
أي : لكن أنا أقول : هو الله ربي وخالقي، أؤمن به وأثق بوجوده وقدرته، وأن بيده الخلق والأمر.
﴿ ولا أشرك بربي أحدا ﴾.
أي : لا أشرك مع الله غيره، فهو المعبود وحده لا شريك له،
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
لولا : هلاّ.
ما شاء الله : ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
ثم زاد في نصيحته فقال :
التفسير :
٣٩- ﴿ ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله... ﴾
أي : هلاّ حين دخلت جنتك أو حديقتك، وأعجبت بما فيها من أشجار وثمار، وظلال وثمار ؛ قلت : هذا من فضل الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
جاء في مختصر تفسير ابن كثير :
قال بعض السلف : من أعجبه شيء من حاله أو ماله فليقل : ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة، وقد روى فيه حديث مرفوع عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرى فيه آفة دون الموت )٣٥. أخرجه الحافظ أبو يعلى.
وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله )٣٦.
فالمؤمن يرشد أخاه الكافر، إلى التواضع والإيمان واليقين بأن النعمة جميعها من الله، ويرشده أن يقول :
﴿ ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴾. أي : الأمر ما شاء الله، فجنتي أو بستاني هذا باق في نضارته بمشيئة الله، إن شاء الله أبقاه وإن شاء أهلكه. ﴿ لا قوة إلا بالله ﴾ أي : لا قدرة لنا على طاعته إلا بتوفيقه ومعونته.
﴿ إن ترن أنا أقلّ منك مالا وولدا ﴾.
أي : إن ترني أيها المغرور أنني أقل منك في المال والولد ؛ فإني أرجو الله الذي لا يعجزه شيء : أن يرزقني ما هو خير من جنتك في الدنيا والآخرة.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
حسبانا من السماء : آفة أو صاعقة تدمّرها.
صعيدا : ترابا.
زلقا : تزلق عليها القدم ولا تثبت، والمراد : أن تصبح الحديقة ترابا أملسا لا تثبت فيه قدم، جرداء لا نبات فيها ولا ماء.
التفسير :
٤٠- ﴿ فعسى ربّي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ﴾.
أي : إن رأيتني فقيرا قليل الماء، فإني أتوقع من صنع الله وإحسانه ؛ أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى ؛ فيرزقني جنة خيرا من جنتك ؛ لإيماني به، ويسلب عنك نعمته ؛ لكفرك به، بأن يرسل على بساتينك مطرا عارما، أو سيلا جارفا يخرب بستانك.
قال الزمخشري :
والحسبان مصدر كالغفران بمعنى : الحساب، أي : ويرسل عليها مقدارا قدّره الله وحسبه وهو الحكم بتخريبها.
﴿ فتصبح صعيدا ﴾ : أي : أرضا، زلقا : جرداء ملساء لا نبات فيها، ولا يثبت عليها قدم.
والمراد : أنها تصبح عديمة النفع من كل شيء حتى من المشي عليها.
قل ابن كثير :﴿ فتصبح صعيدا زلقا ﴾، أي : بلقعا ترابا أملسا، لا يثبت فيه قدم.
وقال ابن عباس : كالجرز الذي لا ينبت شيئا.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
غورا : غائرا في الأرض غائصا فيها.
طلبا : عملا وحركة لردّه.
التفسير :
٤١- ﴿ أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ﴾.
أي : يفور ماؤها في الأرض، فيتلف كل ما فيها من الزرع والشجر، وحينئذ لا تستطيع طلبه فضلا عن إعادته ورده.
وخلاصة ذلك : أن المؤمن رجا هلاك جنة صاحبه الكافر، إما بآفة سماوية، أو بآفة أرضية، وهو غور مائها، أي : يغوص في أسفل الأرض ويذهب بعيدا عن الأشجار.
قال تعالى :﴿ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فلن يأتيكم بماء معين ﴾. ( الملك : ٣٠ ).
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
وأحيط بثمره : أهلكت أمواله، يقال : أحاط به العدو، إذا استولى عليه وغلبه، ثم استعمل في كل إهلاك.
يقلب كفيه : هذا أسلوب في اللغة يفيد : الندامة والحسرة ؛ فإن من تعظم حسرته، يصفق بإحدى يديه على الأخرى، متأسفا متلهفا.
خاوية : ساقطة مهشمة محطمة، يقال : خوت الدار، وخويت، خيا، وخويا : تهدمت وخلت من أهلها.
العروش : واحدها : عرش، وهي الأعمدة التي توضع عليها الكروم.
التفسير :
٤٢- ﴿ وأحيط بثمر فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربّي أحدا ﴾.
الإحاطة : مأخوذة من إحاطة العدو بعدوه، ومن جميع نواحيه، لإهلاكه واستئصاله.
والمعنى : فحدث ما توقعه الرجل الصالح من إرسال الحسبان على بستان صاحبه الجاحد المغرور، وأحيط بثمره بأن هلكت أمواله كلها، جزاء بطره وتكبره غروره.
﴿ فأصبح يقلب كفّيه على ما أنفق فيها ﴾.
أي : سار يعض بنان الندم، ويضرب إحدى يديه بالأخرى كناية عن الحسرة والأسف والخزي والهوان، وهو يبدي اللوعة والحزن ؛ لبوار أرضه، وهلاك ما أنفقه عليها، وتهدم الدور والقصور، وسقوط السقوف على الجدران.
والغني المغرور، يشاهد جنته بجميع ما اشتملت عليه صار خرابا يبابا لا حياة فيها ولا متعة فيندم أشد الندم، على تبجحه وغروره.
﴿ ويقول يا ليتني لم أشرك بربّي أحدا ﴾.
لقد اعترف بعد فوات الأوان، أنه تجبر وتكبر وتطاول على من خلقه ورزقه، وأنكر البعث والحساب، وجحد قدرة القدير.
فلما ضاعت منه الدنيا، عظمت حسرته عليها، وتمنى لو أنه اعتدل في تفكيره، وحافظ على الإيمان بالله، ولم يشرك معه الهوى والجحود والكفران !
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
منتصرا : ممتنعا بقوة من انتقام الله.
التفسير :
٤٣- ﴿ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا ﴾.
لم تكن له جماعة أو قوة تنصره وتدافع عنه، وترد عنه قضاء الله عليه بخراب جنته، وما استطاع بنفسه أن يدفع هذا العذاب عن نفسه.
والآية تصوير لإحاطة قدرة الله به، وهلاك بستانه وهو عاجز خاسر، فلم تنفعه العشيرة والولد حين اعتز بهم، وافتخر على أخيه الصالح ؛ بأنه أكثر منه مالا وأعز نفرا، وما استطاع بنفسه أن يرد العذاب الذي أحاط به.
تمهيد :
كانت الآيات السابقة جوابا للكافرين، الذين طلبوا أن يكون لهم مجلسا خاصا بهم ؛ حتى لا يختلطوا مع فقراء المسلمين، وهذا المثل ضربه الله لرجلين أحدهما : كافر غني، والثاني : مؤمن فقير.
وقد اغتر الغنى بماله، وأنكر قيام الساعة، وظن أن بستانه لن يهلك أبدا، وذكره المؤمن بالله وباليوم الآخر، وخوفه عاقبة الغرور فلم يتعظ ؛ ثم كانت العاقبة هلاك بستان الغني، وندمه.
وفي النهاية بيان : قدرة الله وعظمته ؛ فهو يرفض ويخفض ويغني ويفقر، ثم بيان : أن الدنيا متغيرة وفانية، والآخرة خير وأبقى. وكل هذه دروس تفيد أغنياء قريش ؛ إذا أنصتوا لها بقلوبهم وأفئدتهم.
المفردات :
عقبا : عاقبة.
التفسير :
٤٤- ﴿ هنالك الولاية لله الحقّ هو خير ثوابا وخير عقبا ﴾.
أي : في ذلك المقام وتلك الحال، تكون النصرة لله وحده، لا يقدر عليها أحد سواه ؛ فهو يوالي المؤمنين برحمته ومغفرته، وينصرهم على أعدائهم.
﴿ هو خير ثوابا وخير عقبا ﴾.
أي : أن الله أفضل ثوابا وجزاء، في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وهو أفضل عاقبة لمن اعتمد عليه ورجاه، وتشير الآية إلى : أن الصاحب المؤمن، أكرمه الله في دينه ودنياه وآخرته، وأن الكافر قد خسر دينه ودنياه وآخرته. وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ﴾. ( محمد : ١١ ).
إن هذا المثل الذي ضربه القرآن صورة حية، صوّرت غرور الغنى وبطره وخيلاءه، وبينت : ثبات المؤمن وقوة إيمانه ويقينه بالله- وبينت : عاقبة الكفر والجحود، وهي الخذلان والخسران، وعاقبة الإيمان وهي شرف الدنيا وسعادة الآخرة.
﴿ واضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الريّاح وكان الله على كل شيء مقتدرا ( ٤٥ ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيّات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير أملا ( ٤٦ ) ﴾
المفردات :
مثل : صفة.
هشيما : متكسرا متفتتا.
تذروه : تنسفه وتبعثره وتفرقه.
مقتدرا : كامل القدرة.
التفسير :
٤٥- ﴿ واضرب له مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح ﴾.
في أعقاب الحديث عن صاحب الجنتين، وهلاك جنتيه، يضرب القرآن الكريم مثلا آخر للدنيا في سرعة تقلبها، وانتهاء أمرها، وسرعة زوالها، بصورة عملية يشاهدها الإنسان ؛ هي صورة المطر ينزل من السماء، فيخالط نبات الأرض ؛ فيخضر النبات، وينمو ويصبح بهجة للناظرين، ثم لا يلبث أن تجف أوراقه وتتكسر، ويصبح هشيما متفتتا تنثره الرياح ذات اليمين وذات اليسار.
ووجه الشبه هنا صورة منتزعة من تعدد ؛ حيث شبه القرآن الدنيا في جمالها وزينته، وانتهاء أمرها بالماء يختلط بالنبات الأخضر، يصبح جميلا مزهرا ممتعا، ثم يتحول إلى هشيم متفتت تنسفه الرياح.
﴿ وكان الله على كل شيء مقتدرا ﴾. فهو سبحانه قادر قدرة كاملة على كل شيء، وهو الباقي بعد كل شيء، ومن عمل لوجه الله ظل عمله باقيا خالدا ؛ ومن عمل للدنيا فعمرها قصير. وفي الأثر : اعمل لوجه واحد ؛ يكفك كل الأوجه.
المفردات :
الباقيات الصالحات : كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة.
ثوابا : جزاء.
٤٦- ﴿ المال والبنون زينة الحياة الدّنيا... ﴾.
إن المال والبنين من زينة الدنيا وبهجتها، والإسلام لا يحرم الانتفاع بهذه الزينة، فنعم المال الصالح للرجل الصالح ويقول تعالى :﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ﴾. ( الأعراف : ٣٢ ).
إنهما زينة ولكنهما ليس قيمة. فما يجوز أن يزن بهما الناس، ولا أن يقدروا على أساسها في الحياة٣٧.
﴿ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ﴾.
أي : أعمال الخير كلها التي يبتغى بها وجه الله، تبقى ثمرتها أبد الآباد، فهي خير ما يؤمله الإنسان ويرجوه عند الله.
قال ابن عباس :
﴿ الباقيات الصالحات ﴾ هي الصلوات الخمس، وعنه أيضا : أنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة.
وأخرج النسائي والطبراني والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا :( خذوا جنتكم ) قيل : يا رسول الله من أي عدو قد حضر، قال :( بل جنتكم من النار قول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات ومجنّبات، وهن الباقيات الصالحات ).
وقد رجح الطبري والقرطبي : أن ﴿ الباقيات الصالحات ﴾، هي جميع الأعمال الصالحة وأعمال الخير كلها ؛ فهي أبقى عند الله ثوابا، وأرجى أملا.
فالصلاة والزكاة والجهاد في سبيل الله، ومساعدة البائسين وذوي الحاجات، والعمل على رفع شأن الأمة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكل خير يعمله الإنسان، هو من الباقيات الصالحات ؛ إذ ينال صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله في الدنيا.
﴿ ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نادر منهم أحدا ( ٤٧ ) وعرضوا على ربّك صفّا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدا ( ٤٨ ) ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ( ٤٩ ) ﴾
المفردات :
بارزة : ظاهرة للعيان ؛ إذ لم يبق على وجهها شيء.
حشرناهم : جمعناهم لموقف الحساب.
فلم نغادر : فلم نترك.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشهد من مشاهد القيامة ؛ حيث يتم في هذا اليوم الجزاء العادل، وفيه يعاقب المجرمون، ويُثاب الطائعون.
التفسير :
٤٧- ﴿ ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نادر منهم أحدا ﴾.
يعقّب القرآن على ذكر الدنيا، بذكر مشاهد الآخرة، حيث تقتلع الجبال من أماكنها، وتسير في الجو كالسحاب، ثم تكون هباء منثورا.
﴿ وترى الأرض بارزة... ﴾
وترى الأرض ظاهرة للعيان، ليس عليها ما يسترها، من شجر أو جبل أو بنيان ؛ فقد قلعت جبالها، وتهدم بنيانها، فهي مستوية لا اعوجاج فيها ولا نتوء، وجميع الخلق ظاهرين لربهم ؛ فلا تخفى عليه خافية.
﴿ وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ﴾.
وجمعنا الأولين والآخرين للحساب، فلم نترك منهم أحدا لا صغيرا ولا كبيرا.
وجُمع الناس حفاة عراة غرلا، ( الغُرلة : القلفة ) أي : كما ولدتهم أمهاتهم ؛ حتى يتم فصل القضاء بينهم.
قال تعالى :﴿ قل إن الأولين والآخرين. لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ﴾. ( الواقعة : ٥٠، ٤٩ ).
وقال سبحانه :﴿ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ﴾. ( هود : ٣٠١ ).
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشهد من مشاهد القيامة ؛ حيث يتم في هذا اليوم الجزاء العادل، وفيه يعاقب المجرمون، ويُثاب الطائعون.
المفردات :
وعرضوا : أحضوا لفصل القضاء.
صفا : صفا بعد صف كالصفوف في الصلاة.
موعدا : وقتا ننجز فيه ما وعدنا من البعث والحساب والجزاء.
التفسير :
٤٨- ﴿ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدا ﴾.
أي : عرضت جميع الخلائق على الله تعالى مصطفين صفوفا صفوفا كالصفوف في الصلاة، كل أمة وزمرة صفا، لا يحجب أحد أحدا.
وفي الحديث الصحيح :( يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر )٣٨.
﴿ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ﴾.
أي : يقال للكفار على وجه التقريع والتوبيخ : لقد جئتمونا حفاة عراة، لا شيء معكم من المال والولد ؛ كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم... ﴾ ( الأنعام : ٩٤ ).
﴿ بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدا... ﴾ أي : زعمتم أن لا بعث ولا حشر، ولا حساب ولا عقاب.
وإننا لنكاد نلمح الخزي على الوجوه، والذل في الملامح ؛ وصوت الجلالة الرهيب يجبه هؤلاء المجرمين بالتأنيب٣٩.
فما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ولا أن هذا كائن.
قال تعالى :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾. ( النحل : ٣٨ ).
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشهد من مشاهد القيامة ؛ حيث يتم في هذا اليوم الجزاء العادل، وفيه يعاقب المجرمون، ويُثاب الطائعون.
المفردات :
ووضع الكتاب : وضعت صحائف أعمال البشر في أيديهم.
مشفقين : خائفين.
الويل : الهلاك.
أحصاها : عدّها وأحاط بها.
حاضرا : مسطورا في كتاب كل منهم.
ولا يظلم ربك أحدا : لا يعاقب إنسانا بغير جزم، ولا ينقص من ثواب المحسنين.
التفسير :
٤٩- ﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه... ﴾
أي : وضعت صفائح الأعمال للبشر وعرضت عليهم، وفي هذه الصحف الجليل والحقير.
﴿ ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴾.
أي : يا حسرتنا ويا هلاكنا على ما فرطنا في حياتنا الدنيا، ما شأن هذا الكتاب، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ضبطها وأحاط بها ! ! !
﴿ ووجدوا ما عملوا حاضرا ﴾.
أي : من خير وشرح وجدوه مثبتا في الكتاب.
قال تعالى :﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ﴾. ( آل عمران : ٣٠ ).
وقال سبحانه :﴿ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ﴾. ( القيامة : ١٣ ).
﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾، أي : لا يعاقب إنسانا بدون جرم، ولا ينقص من ثواب المحسنين ؛ فهو سبحانه عادل في حكمه، وكريم متفضل أيضا، قال تعالى :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ﴾. ( النساء : ٤٠ ).
وقال تعالى :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾. ( الأنبياء : ٤٧ ). روى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته بقدر غدرته، يقال : هذه غدرة فلان بن فلان )٤٠.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يحشر الناس يوم القيامة، حفاة عراة غرلا بُهما ) قلت : وما بُهما ؟ قال :( ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قرب : أنا الملك، أنا الدّيان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق ؛ حتى أقضيه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه، حتى اللطمة ) قال : قلنا : كيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما ؟ ! قال :( بالحسنات والسيئات )٤١.
وتفيد الآيات السابقة : عرض مشاهد القيامة، وعدالة الحساب، وندم المجرمين، وأن الجزاء الحق من جنس العمل، قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٨، ٧ ).
﴿ وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ( ٥٠ ) ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ( ٥١ ) ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ( ٥٢ ) ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ( ٥٣ ) ﴾
المفردات :
فسق : خرج.
أفتتخذونه : الهمزة في مثل هذا تنفيذ : الإنكار والتعجب ممن يفعل ذلك.
الذرية : الأولاد أو الأتباع.
عدو : يطلق على الواحد والكثير ؛ كما قال تعالى :﴿ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ﴾. ( الشعراء : ٧٧ ).
تمهيد :
ذكر القرآن : رغبة أغنياء مكة في مجلس خاص بهم ؛ وقد أَنِفوا من أن يجالسوا فقراء المسلمين، وافتخروا بأنسابهم وأحسابهم وأموالهم على الفقراء، ثم ذكر القرآن : عصيان إبليس، وامتناعه عن السجود لآدم ؛ لأن الذي حمله على ذلك هو كبره وافتخاره بأصله ونسبه.
وقد تكررت هذه القصة ( قصة إبليس ) في القرآن الكريم، وهي في كل موضع سيقت فيه لفائدة مناسبة ؛ غير ما جاءت له في المواضع الأخرى ؛ على اختلاف أساليبها وعبارتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
التفسير :
٥٠- ﴿ وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه... ﴾
الملائكة أجسام من نور لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وقد أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ؛ سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة، وقد استجابت الملائكة لأمر الله وامتثلت وسجدت لآدم، وكان إبليس مقيما مع الملائكة فنسب إليهم، وعندما أمر الجميع بالسجود، أطاعت الملائكة، أما إبليس فخانه أصله ؛ لأنه خلق من مارج من نار ؛ ولذلك تكبر وامتنع، ظانا أنه من نار، وآدم من طين.
وفي القرآن الكريم :﴿ قال أنا خير من خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾. ( ص : ٧٦ ).
وما علم أن النار خائنة تحرق ما يوضع فيها، والطين أمين، ينبت النبات إذا وضع فيه، وقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة مرفوعا ( خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم )٤٢.
وهذه الآية صريحة في أن إبليس كان من الجن لا من الملائكة.
روى ابن جرير بإسناد صحيح عن الحسن البصري قال :( ما كان إبليس من الملائكة ‌طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر ).
﴿ ففسق عن أمر ربه ﴾. أي : خرج عن أمر ربه، وفسق وكفر ؛ لأنه كان من الجن، من مارج من نار، فغلب عليه أصله.
يقال : فسقت الرطبة ؛ إذا خرجت من أكمامها، وفسقت الفأرة من جحرها ؛ إذا خرجت منه للعبث والفساد.
﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو... ﴾
أي : كيف تستبدلون بمن خلقكم ورزقكم، وأمدكم بسائر النعم، من لم يكن لكم منه منفعة قط، بل هو عدو لكم يترقب حصول ما يضركم.
﴿ بئس للظالمين بدلا ﴾.
أي : بئس البدل للكافرين بالله ؛ اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دونه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم.
والخلاصة : بئست عبادة الشيطان، بدلا من عبادة الرحمان !
وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم حيث حذر الله الناس من طاعة إبليس، وبين أنه عدو للإنسان، وقد أخرج أبانا آدم من الجنة ؛ فوجب أن نتخذه عدوا، ولا ننخدع بوسوسته.
قال تعالى :﴿ ألم أعهد لكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم. ولقد أضل منكم جبلاّ كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ﴾. ( يس : ٦٢، ٦٠ ).
وقال تعالى :﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ﴾. ( فاطر : ٦ ).
وآخر سورة في القرآن الكريم، فيها دعوة إلى لجوء المؤمن وتحصنه برب الناس وخالقهم، وملك الناس، وإله الناس، المستحق وحده للعبادة، من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس للإنسان بالشر ويدعوه إليه ؛ فإذا ذكر المؤمن ربه ؛ خنس الشيطان ورجع. وللشيطان أتباع وأعوان من الجن، وأتباع وأعوان من الإنس، ونحن نتحصن ونلجأ، ونستعيذ بالله من الشياطين والإنس والجن.
قال تعالى :﴿ قل أعود بربّ الناس. ملك الناسّ. إله الناسّ. من شرّ الوسواس الخنّاس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنة والنّاس ﴾. ( الناس : ٦، ‍‍١ ).
وإن الإنسان لا يأسف ويتحسر، أن نجد بيننا فريقا من الشباب يدّعي : أنه من عبدة الشيطان، وكتاب الله يدعونا أن نحذر الشيطان، وأن نستعيذ بالله منه، وأن نعتصم بإيماننا بالله ؛ حتى لا يجد الشيطان سبيلا إلى التسلط علينا.
قال تعالى :﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾. ( الأعراف : ٢٠١ ).
وقال عز شأنه :﴿ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾ ( النحل : ١٠٠، ٩٩ ).
وفي يوم القيامة يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ويلوم أهل النار إبليس ؛ لأنه أغواهم وغرر بهم ؛ فيخطب فيهم الشيطان خطبة بتراء ؛ يجرد نفسه من المسؤولية، يلقي التبعة على من انجرف وراء دعوته، وقد خلق الله للإنسان عقلا ورأيا، وإرادة واختيارا ؛ حتى يتحمل المسؤولية في اختياره.
قال تعالى :﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمسرخكم وما أنتم بمصرخي... ﴾ ( إبراهيم : ٢٢ ).
تمهيد :
ذكر القرآن : رغبة أغنياء مكة في مجلس خاص بهم ؛ وقد أَنِفوا من أن يجالسوا فقراء المسلمين، وافتخروا بأنسابهم وأحسابهم وأموالهم على الفقراء، ثم ذكر القرآن : عصيان إبليس، وامتناعه عن السجود لآدم ؛ لأن الذي حمله على ذلك هو كبره وافتخاره بأصله ونسبه.
وقد تكررت هذه القصة ( قصة إبليس ) في القرآن الكريم، وهي في كل موضع سيقت فيه لفائدة مناسبة ؛ غير ما جاءت له في المواضع الأخرى ؛ على اختلاف أساليبها وعبارتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
المفردات :
العضد : أصله ما بين المرفق إلى الكتف ويستعمل بمعنى : المعين كاليد ونحوها، وهو المراد هنا.
٥١- ﴿ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم... ﴾
أي : ما أشهدت هؤلاء الشياطين، خلق السماوات والأرض ؛ فأنا الملك الخالق الرازق الموجود، بيدي الخلق والأمر، والإيجاد والإعدام والهداية والضلال.
فالعبادة والطاعة ينبغي أن تتوجه لي وحدي ؛ قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ﴾. ( الأنعام : ١ ).
فهو خالق الكون كله، وموجده من العدم، ولكن الذين كفروا يعدون يتركون عبادة الله، إلى عبادة أوثان أو شياطين ؛ لم تخلق ولم ترزق ؛ فلا تستحق العبادة.
﴿ ولا خلق أنفسهم ﴾. أي : لم أشهد بعضهم خلق بعض ؛ فهم عبيد أمثالهم، فكيف تعبدونهم ؟ !
وقصارى ذلك : ما أطلعتهم على أسرار التكوين، وما خصصتهم بخصائص لا تكون لسواهم ؛ حتى يقتدي الناس بهم، فأنا المستقل بخلق الأشياء كلها ومدبرها، ليس لي في ذلك شريك ولا وزير.
﴿ وما كنت متخذ المضلين عضدا ﴾
أي : لم أتخذ الشياطين أعوانا لي في الخلق، فكيف تطيعونهم من دوني ؟ !
والله سبحانه وتعالى غني عن الناس أجمعين، وليس له أعوان لا من المضلين ولا من المهتدين ؛ وإنما خص المضلين بالذكر ؛ زيادة في ذمهم، وتوبيخهم، وتقريعا لأمثالهم.
أي : كيف تعبدون الشيطان وهو ضال مضل، وليس له فضل عليكم ؛ بل هو مخلوق مثلكم، وأنا لا أتخذه مساعدا يعضدني ويقويني.
والعضد بفتح العين وضم الدال : في الأصل يطلق على العضد المعروف ما بين المرفق إلى الكتف، ويستعار للمعين والناصر، فيقال : فلان عضدي أي : نصيري.
ومنه قوله تعالى لنبيه موسى :﴿ سنشد عضدك بأخيك... ﴾. ( القصص : ٣٥ ) أي سنقويك ونعينك بأخيك هارون ؛ وذلك لأن اليد قوامها العضد ؛ فإذا فقدته ؛ أصابها العجز.
تمهيد :
ذكر القرآن : رغبة أغنياء مكة في مجلس خاص بهم ؛ وقد أَنِفوا من أن يجالسوا فقراء المسلمين، وافتخروا بأنسابهم وأحسابهم وأموالهم على الفقراء، ثم ذكر القرآن : عصيان إبليس، وامتناعه عن السجود لآدم ؛ لأن الذي حمله على ذلك هو كبره وافتخاره بأصله ونسبه.
وقد تكررت هذه القصة ( قصة إبليس ) في القرآن الكريم، وهي في كل موضع سيقت فيه لفائدة مناسبة ؛ غير ما جاءت له في المواضع الأخرى ؛ على اختلاف أساليبها وعبارتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
المفردات :
فدعوهم : فاستغاثوا بهم.
فلم يستجيبوا لهم : فلم يغيثوهم.
الموبق : مكان الوبوق، أي : الهلاك، وهو النار. يقال : وبق وبوقا، كوثب وثوبا ؛ إذا هلك.
التفسير :
٥٢- { ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بيتهم موبقا.
أي : واذكر أيها الرسول الكريم، يوم يقول الله تعالى للمشركين على سبيل التبكيت والتقريع : اطلبوا من عبدتموهم في الدنيا، وزعمتم : أنهم شركائي ؛ ليشفعوا لكم من هول هذا اليوم، وينقذوكم من العذاب، فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم.
﴿ وجعلنا بينهم موبقا ﴾. أي : حاجزا من النار يهلك من دخل فيه.
قال ابن عباس : مهلكا.
وقال قتادة : موبقا : واديا في جهنم.
قال ابن كثير :
والمعنى : أن الله تعالى بين أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم، التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلك، وهول عظيم، وأمر كبير.
قال تعالى :{ وامتازوا اليوم أيها المجرمون. ( يس : ٥٩ ).
وقال تعالى :﴿ وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم... ﴾ ( القصص : ٦٤ ).
وقال سبحانه :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا. كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ﴾. ( مريم : ٨١، ٨٢ ).
تمهيد :
ذكر القرآن : رغبة أغنياء مكة في مجلس خاص بهم ؛ وقد أَنِفوا من أن يجالسوا فقراء المسلمين، وافتخروا بأنسابهم وأحسابهم وأموالهم على الفقراء، ثم ذكر القرآن : عصيان إبليس، وامتناعه عن السجود لآدم ؛ لأن الذي حمله على ذلك هو كبره وافتخاره بأصله ونسبه.
وقد تكررت هذه القصة ( قصة إبليس ) في القرآن الكريم، وهي في كل موضع سيقت فيه لفائدة مناسبة ؛ غير ما جاءت له في المواضع الأخرى ؛ على اختلاف أساليبها وعبارتها، ولا غرو فهي من نسج العليم الخبير.
المفردات :
مواقعوها : داخلوها وواقعون فيها.
مصرفا : مكانا ينصرفون إليه.
التفسير :
٥٣_ ﴿ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ﴾.
شاهد المجرمون جهنم، ورأوها تتلمظ غيظا على من عصى الله ؛ فتيقنوا أنهم داخلون في لهيبها، ولم يجدوا وسيلة للابتعاد عنها.
وفي آية أخرى، ذكر القرآن : أن النار إذا شاهدت المجرمين ؛ سمعوا لها أصواتا من الغضب والرغبة في العقوبة ؛ قال تعالى :﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ﴾. ( الفرقان : ١٢ ).
لقد أفادت الآيات السابقة : ضلال إبليس وتكبره عن السجود لآدم، وحذرتنا من موالاته وهو عدو لنا، وبينت : أن هؤلاء الشركاء، لم يشاركوا ولم يشهدوا خلق السماء والأرض، وأنهم سيكونون أعداء للعابدين يوم القيامة، وأن الكافر إذا شاهد النار ؛ تيقن بدخولها، وذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم، فإن توقع العذاب، والخوف منه قبل وقوعه عذاب ناجز.
ليت عبدة الشيطان، يستوعبون هذه المعاني ؛ حتى يفيقوا ويرجعوا إلى رشدهم ويدركوا أنه ليس لهم باب سوى باب الله فمن وجد كل شيء، ومن فقد الله ؛ فقد كل شيء.
﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ( ٥٤ ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ( ٥٥ ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ( ٥٦ ) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا ( ٥٧ ) وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ( ٥٨ ) وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ( ٥٩ ) ﴾
المفردات :
صرفنا : رددنا وكررنا.
المثل : الصفة الغريبة.
الجدل : المنازعة بالقول، ويراد به هنا : المماراة والخصومة بالباطل.
تمهيد :
ذكر القرآن : شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، ثم قفا على ذلك، ببيان : أن في القرآن الكريم من الأدلة والأمثال، ما فيه مقنع لمن رغب في الإيمان، لكنها القلوب قد تحجرت، فلا تستجيب للهدى، ولا تنفعها النصيحة. ولو يؤاخذهم الله بذنوبهم ؛ لعجل لهم العذاب، لكنه أمهلهم إلى يوم القيامة ؛ لعلهم أن يتوبوا.
التفسير :
٥٤- ﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل... ﴾ هذه الآية شهادة من الله، بأنه أنزل كتابه على نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الكتاب قد بين الله فيه الأمور ووضحها، وكرر وردد آداب القرآن وأمثاله ؛ رغبة في إرشاد الناس وهدايتهم ؛ كيلا يضلوا عن الحق.
﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ﴾.
ومع هذا البيان فإن الإنسان كثر المجادلة والمخاصمة، والمعارضة للحق بالباطل إلا من هدى الله، وبصّره بطريق النجاة.
روى البخاري، ومسلم، والإمام أحمد عن علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه هو وفاطمة بنت رسول الله ليلة ؛ فقال :( ألا تصليان ؟ ) فقلت : يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ؛ فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إليّ شيئا، ثم سمعته وهو منصرف يضرب فخذه ويقول :﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ﴾٤٣.
تمهيد :
ذكر القرآن : شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، ثم قفا على ذلك، ببيان : أن في القرآن الكريم من الأدلة والأمثال، ما فيه مقنع لمن رغب في الإيمان، لكنها القلوب قد تحجرت، فلا تستجيب للهدى، ولا تنفعها النصيحة. ولو يؤاخذهم الله بذنوبهم ؛ لعجل لهم العذاب، لكنه أمهلهم إلى يوم القيامة ؛ لعلهم أن يتوبوا.
المفردات :
سنة الأولين : الإهلاك بعذاب الاستئصال.
القبل : بضمتين : الأنواع والألوان واحدها : قبيل : أو عيانا ومواجهة.
التفسير :
٥٥- ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم لا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ﴾.
أي : وما منع كفار مكة من أن يؤمنوا بالله حين جاءتهم البينات الواضحات، والدلالات الظاهرات، وعلموا صحة ما تدعوهم إليه ؛ وأن يستغفروا ربهم بالتوبة، كما فرط منهم من الذنوب ؛ إلا تعنتهم وعنادهم، الذي جعلهم يطلبون أحد أمرين :
‍١- إما عذاب الاستئصال الذي أهلك الله به المكذبين السابقين.
٢- وإما أن تأتيهم أنواع العذاب والبلاء يتلوا بعضها بعضا، حين وجودهم في الدنيا، كقولهم :﴿ ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ﴾. ( العنكبوت : ٢٩ ).
قال صاحب الظلال :
لقد جاء من الهدى ما يكفي للاهتداء، ولكنهم كانوا يطلبون أن يحل بهم ما حل بالمكذبين قبلهم من هلاك- استبعادا لوقوعه واستهزاء- أو أن يأتيهم العذاب مواجهة يرون أنه سيقع بهم، وعندئذ فقط يوقنون فيؤمنون. ١ ه.
وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾. ( الأنفال : ٣٢ ).
وحكى القرآن قولهم :﴿ فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ﴾. ( الشعراء : ١٨٧ ).
تمهيد :
ذكر القرآن : شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، ثم قفا على ذلك، ببيان : أن في القرآن الكريم من الأدلة والأمثال، ما فيه مقنع لمن رغب في الإيمان، لكنها القلوب قد تحجرت، فلا تستجيب للهدى، ولا تنفعها النصيحة. ولو يؤاخذهم الله بذنوبهم ؛ لعجل لهم العذاب، لكنه أمهلهم إلى يوم القيامة ؛ لعلهم أن يتوبوا.
المفردات :
ليدحضوا به الحق : ليغلبوا به ويبطلوه ويزيلوه.
وما أنذروا : أي : ما خوفوه من أنواع العقاب.
التفسير :
٥٦- ﴿ وما نرسل المرسلين إلا مبشّرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق... ﴾
أي : لم نرسل الرسل ؛ ليقترح عليهم الكفار أو يطلب منهم سقوط أنواع العذاب، تعنتا واستهزاء، وإنما أرسلنا الرسل ؛ ليشرحوا حقيقة الإيمان، ويبشروا المؤمنين بالجنة، وينذروا الكفار بالنار ومع هذه الرسالة الواضحة، فإن كفار مكة كانوا ينصرفون عن صميم الهدى، ويقترحون على النبي صلى الله عليه وسلم ألوانا من الاقتراحات، كزحزحة الجبال عن مكة، أو تفجير ينابيع الأرض، إلى غير ذلك، وأحيانا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة، مثل سؤاله عن أسئلة أهل الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح ؛ من باب الجدال بالباطل، وانصرافا عن هدايات القرآن الكريم.
﴿ واتخذوا آياتي وما أندوا هزوا ﴾.
أي : اتخذوا الحجج والبراهين، وخوارق العادات التي بعث بها الرسل، وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب ﴿ هزوا ﴾ أي : سخروا واستهزءوا بالرسل، وهو أشد ألوان التكذيب والاستخفاف، قال تعالى :﴿ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ﴾. ( الفرقان : ٣٠ ). أي : أعرضوا عن القرآن واستخفوا به.
تمهيد :
ذكر القرآن : شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، ثم قفا على ذلك، ببيان : أن في القرآن الكريم من الأدلة والأمثال، ما فيه مقنع لمن رغب في الإيمان، لكنها القلوب قد تحجرت، فلا تستجيب للهدى، ولا تنفعها النصيحة. ولو يؤاخذهم الله بذنوبهم ؛ لعجل لهم العذاب، لكنه أمهلهم إلى يوم القيامة ؛ لعلهم أن يتوبوا.
المفردات :
ونسي ما قدمت : لم يتدبر عواقبه.
أكنة : أغطية واحدها : كنان.
أن يفقهوه : أن يفهموه.
وقرا : ثقلا في السمع.
٥٧- ﴿ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه... ﴾ أي : لا أحد أشد ظلما من إنسان، حمل إليه الرسول الموحي إليه آيات الله، كالوحي والرسالة والبينات، فأعرض عنها، ولم يتدبرها ولم يتعظ بها، ونسي ما عمله من الذنوب والمعاصي والكفران، ولم يتدبر عواقبه.
﴿ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا... ﴾.
إن هؤلاء الكافرين لا يرجى منهم هداية ولا إيمانا لذلك جعل الله على قلوبهم أغطية وحجابا ؛ فلا تنفذ معاني القرآن وآدابه إلى قلوبهم، وجعل على آذانهم صمما معنويا عن سماع الرشاد.
﴿ وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا ﴾.
أي : مهما دعوتهم إلى الإيمان والهداية فلن يستجيبوا لك ؛ لأنهم فقدوا الاستعداد لقبول الرشاد، بما اجترحوا من الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى :﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾. ( المطففين : ١٤ ).
تمهيد :
ذكر القرآن : شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، ثم قفا على ذلك، ببيان : أن في القرآن الكريم من الأدلة والأمثال، ما فيه مقنع لمن رغب في الإيمان، لكنها القلوب قد تحجرت، فلا تستجيب للهدى، ولا تنفعها النصيحة. ولو يؤاخذهم الله بذنوبهم ؛ لعجل لهم العذاب، لكنه أمهلهم إلى يوم القيامة ؛ لعلهم أن يتوبوا.
المفردات :
موعدا : يوم القيامة
موئلا : ملجأ ومنجى.
التفسير :
٥٨- ﴿ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب... ﴾
إن رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، وبابه مفتوح للتائبين، فلو أن هؤلاء المشركين تابوا وأنابوا ؛ لغفر الله لهم.
وهو سبحانه يمهل ولا يهمل، ويترك الكفار والعصاة زمانا طويلا ؛ لعلهم أن يتوبوا ويؤمنوا.
ولو قابل الله عنادهم وكفرهم وجحودهم آيات الله بما يستحقون ؛ لأنزل بهم العذاب عاجلا كما فعل مع أمم سابقة ؛ عجل لها عذاب الدنيا.
قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ ).
فقد أكرم الله كفار مكة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينزل بهم العذاب ؛ لوجوده بينهم من جهة، وأملا في استغفارهم وتوبتهم من جهة أخرى.
﴿ بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ﴾.
موعد في الدنيا يحل بهم فيه شيء من العذاب، وموعد في الآخرة يوفّون فيه الحساب، ليس لهم عنه محيص ولا محيد ولا مكان يعتصمون به، ولا ملجأ يلتجئون إليه.
تمهيد :
ذكر القرآن : شبهات المبطلين ورد عليها بأدلة لا تدحض، ثم قفا على ذلك، ببيان : أن في القرآن الكريم من الأدلة والأمثال، ما فيه مقنع لمن رغب في الإيمان، لكنها القلوب قد تحجرت، فلا تستجيب للهدى، ولا تنفعها النصيحة. ولو يؤاخذهم الله بذنوبهم ؛ لعجل لهم العذاب، لكنه أمهلهم إلى يوم القيامة ؛ لعلهم أن يتوبوا.
المفردات :
القرى : قرى عاد وثمود وقوم لوط وأشباههم.
التفسير :
٥٩- ﴿ وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ﴾.
أي : هذه القرى الماضية التي أصر أهلها على الكفر، كقوم نوح والذين من بعدهم ؛ أهلكهم الله بعذاب الاستئصال، وجعل لهلاكهم موعدا لا يتقدمون عنه ولا يتأخرون، وفي هذه الآية تهديد لكفار مكة، فلا يغرنهم إمهال الله لهم، فإن موعدهم بعد ذلك آت، وسنة الله لا تختلف، والله لا يخلف الميعاد.
قصة موسى والخضر
﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ( ٦٠ ) فلما بلغا مجمع بينهم نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ( ٦١ ) فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غذاءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( ٦٢ ) قال أرأيت إذ أوينا الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ( ٦٣ ) قال ذلك ما كنّا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ( ٦٤ ) فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ( ٦٥ ) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علّمت رشدا ( ٦٦ ) قال إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٦٧ ) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ( ٦٨ ) قال ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ( ٦٩ ) قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ( ٧٠ ) فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ( ٧١ ) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٧٢ ) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ( ٧٣ ) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ( ٧٤ ) ﴾
المفردات :
لا أبرح : لا أزال سائرا.
حقبا : الحقب ( بضمتين، وبضم فسكون ) الدهر، وقيل : ثمانون سنة، وعن الحسن : سبعون.
تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
التفسير :
٦٠- ﴿ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ﴾.
أي : واذكر أيها الرسول حين قال موسى بن عمران لفتاه يوشح بن نون ؛ لا أزال أمشي حتى أبلغ مكان اجتماع البحرين وتلاقيهما، أو أسير دهرا.
وسبب قوله هذا ؛ أن الله أوحى إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم تحط به ؛ فأحب أن يرحل إليه.
ومجمل الأمر : أن موسى وطّن نفسه على تحمل كل مشقة ؛ في سبيل الوصول إلى رجل صالح أكثر علما من موسى، وكان موسى قد خطب وأجاد الخطبة ؛ فقال له أحد المستمعين : ما أفصحك يا نبي الله ! هل في الأرض من هو أكثر علما منك ؟ قال موسى : لا، فقال الله تعالى : تأدب يا موسى، إن في الأرض من هو أكثر منك علما ؛ قال موسى : دلني عليه يا رب ؛ حتى أتعلم منه. فأمره الله أن يسير ومعه حوت في مكتل وكان الحوت ميتا مملحا وعندما تدبّ الحياة في الحوت ويلقى بنفسه في البحر فثمّ العبد الصالح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
مجمع بينهما : مكان اجتماع البحرين، عند دمياط أو رشيد.
سربا : مسلكا.
التفسير :
٦١- ﴿ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ﴾.
وسار موسى ويوشع بن نون حتى وصلا إلى ملتقى البحر والأرض، أو ملتقى النيل والبحر الأرض، أو التقاء بحرين لا نعلمهما، وإنما جعلهما الله وسيلة لرؤية العبد الصالح، فقد أمره الله بالرحلة، وجعل له أمارة لمعرفة المكان المجهول لموسى.
وعند صخرة قرب مجمع البحرين نام موسى عليه السلام، وأمطرت السماء فانتفض الحوت وقفز إلى الماء، وكان هذا آية من آيات الله لموسى عليه السلام، أن تدب الحياة في حوت ميت مملح.
ورأى يوشع بن نون هذه العجائب، من دبيب الحياة في الحوت وانتفاضه، وتسربه إلى الماء وسيره فيه، ثم نسي أن يخبر موسى بذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
غداءنا : الغداء : الطعام الذي يؤكل أول النهار، أو هو طعام الغداء في منتصف النهار المراد به هنا : الحوت.
نصبا : تبعا وإعياء.
التفسير :
٦٢- ﴿ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾.
لم يحس موسى بالتعب ؛ إلا بعد أن ترك المكان الذي تسرب منه الحوت إلى البحر، ثم سار سيرا طويلا واستراح، وطلب من تابعه أن يعد لهما الغداء بعد هذه الرحلة المضنية، وكان الغداء من الحوت المملح، والنصب : هو التعب. أي : قال موسى : لقد تعبنا من السير في هذا السفر ؛ فقدم لنا ما نأكله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
أوينا : التجأنا.
٦٣- ﴿ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾.
أي : قال يوشع بن نون : أرأيت ما حدث لي حين التجأنا إلى الصخرة التي بمجمع البحرين، لقد دبت الحياة في الحوت فانتفض إلى البحر وسار فيه بصورة عجيبة، وقد نسيت أن أخبرك بهذا الأمر في حينه وما أنساني ذكره إلا الشيطان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
نبغي : نطلب.
ارتد : رجع.
على آثارهما : على طريقهما الذي جاءا منه.
قصصا : إتباعا، أي : رجعا يتتبعان أثرهما عائدين.
التفسير :
٦٤- ﴿ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾.
أي : قال موسى : ذلك الذي ذكرت من أمر الحوت ما كنا نطلبه من حيث إنه أمارة للفوز بما هو المقصود بالذات، فرجعا في نفس الطريق الذي قدما منه يتبعان أثرهما إتباعا حتى آتيا الصخرة.
وقد رجح الإمام البقاعي أن مجمع البحرين هو مجمع النيل الأبيض المتوسط عند دمياط أو رشيد، ويؤيده نقر العصفور في البحر الذي ركب في سفينته للتعدية كما ورد في الحديث فإن الطير لا يشرب من الماء المالح.
لقد أحس موسى بقرب الوصول إلى الهدف، فعاد إلى الصخرة بمجمع البحرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
رحمة : قيل : هي النبوة، أو الولاية.
التفسير :
٦٥- ﴿ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾.
فوجد موسى عند الصخرة رجلا مسجى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام ؟ فقال : أنا موسى، فقال : موسى بني إسرائيل، قال : نعم.
وقد أعطى الله الخضر الكرامة، ووهبه نعمة عظيمة وفضلا كبيرا، وعلمه علما خاصا لا ينال إلا بتوفيق من علام الغيوب.
وقد رجح بعض المفسرين أنه نبي، والصحيح أن الخضر عليه السلام ليس بنبي ؛ وإنما هو من عباد الله الصالحين، وأوليائه المقربين، وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات، والأمور الغيبية ؛ تعليما للخلق فضل العبودية الحقة لله.
قال العلماء :
هذا العلم الرباني ثمرة الإخلاص والتقوى، ويسمى :( العلم اللّدني ) يورثه الله لمن أخلص العبودية له، ولا ينال بالكسب والمشقة، وإنما هو هبة الرحمان لمن خصه الله بالقرب والولاية والكرامة.
قال صاحب الجوهرة في منظومة فنية في علم التوحيد :
وأثبتن للأولياء الكرامة ومن أنفاها فأنبذن كلامه
وقد بين القرآن الكريم : قيمة العمل الصالح في آياته الكثيرة.
قال تعالى :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ﴾. ( الكهف : ٣٠ ).
وقال سبحانه :﴿ ونبيا من الصالحين ﴾. ( آل عمران : ٣٩ ).
وقال عن أهل الكهف :﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ﴾. ( الكهف : ١٣ ).
وقال سبحانه :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾. ( الأنبياء : ١٠٥ ).
قال العلماء :
وقفت النبوة أمام العبد الصالح في كتاب الله مرتين :
الأولى عندما وقف زكريا فوجد عند مريم أرزاقا في غير أوانها :﴿ قال يا مريم أنا لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. هنالك دعا زكريا ربه... ﴾ ( آل عمران : ٣٧ ).
الثانية : عندما وقف موسى رسول الله أمام العبد الصالح يقول :﴿ هل أتّبعك أن تعلمن مما علمت رشدا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
الرشد :( بضم فسكون أو بفتحتين ) إصابة الخير.
التفسير :
٦٦- ﴿ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ﴾.
أي : هل تأذن لي وتسمح لي أن أكون رفيقا تابعا لك ؛ حتى أتعلم منك ما يرشدني في حياتي ؟ ! وهذا أسلوب في غاية الترفق والتأدب من طالب العلم، وفيه أدب التواضع، والرغبة في صحبة الصالحين، والرغبة في طلب العلم، وأن الكبير لا يعيبه أن يتعلم من الصغير جانبا من المعرفة ليس عنده، والفاضل يتعلم أحيانا من الفاضل، وأحيانا يتعلم الفاضل من المفضول، وموسى هو كليم الله، الذي أوتى الألواح، وهو من أولي العزم من الرسل، وله ماض كبير في الجهاد والنضال والدعوة، ولكنه يصر على تعلم نوع من العلم، عند الخضر عليه السلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
٦٧- ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾.
أي : قال الخضر لموسى : إنك لا تستطيع أن تصبر في صحبتي، فأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمكه لا أعلمه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
الإحاطة بالشيء : معرفته معرفة تامة.
الخبر : المعرفة.
التفسير :
٦٨- ﴿ وكيف تصبر على ما لم تحط به علما ﴾.
أي : وكيف تصبر يا موسى على أمور أعملها أنا ؛ ظواهرها منكرة، وبواطنها مجهولة، والرجل الصالح لا يتمالك إذا رأى ذلك بل يبادر بالإنكار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
٦٩- ﴿ قال ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾.
قال موسى : سألتزم الصبر والطاعة إن شاء الله، ولن أعصي لك أمرا تأمر به، وهنا نجد أدب موسى حيث قدم المشيئة كما قال تعالى :﴿ ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا. إلا أن يشاء الله... ﴾ ( الكهف : ٢٤، ٢٣ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
ذكرا : بيانا.
التفسير :
٧٠- ﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾.
أي : لا تسألني عن شيء من تصرفاتي، حتى أبين لك سر ذلك بنفسي في مقت لاحق ؛ فنجد أن العبد الصالح قد اشترط لنفسه الشرط المناسب، وقبل موسى ذلك الشرط في تواضع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
التفسير :
إمرا : بكسر الهمزة : منكرا.
التفسير :
٧١- ﴿ فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾.
أي : انطلق موسى والخضر في طريقهما، وشاهد سفينة عرف أهلها الخضر عليه السلام ؛ فسمحوا لهما بالركوب بدون أجر ؛ تكريما لهما، وفي وسط البحر، تناول الخضر فأسا وخلع لوحا من السفينة.
وأنكر موسى على الخضر هذا العمل ؛ الذي يؤدي إلى غرق السفينة بمن فيها.
يروى : أن موسى لما رأى ذلك : خلع ثوبه فجعله مكان الخرق، ثم قال للخضر : قوم حملونا بدون أجر ؛ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ لتغرق أهل السفينة ؛ لقد فعلت أمرا منكرا عظيما أو عجبا !
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
٧٢- ﴿ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾.
أي : قال الخضر لموسى مذكرا له بما سبق، وأن الخضر معه علم لا يعرفه موسى، وأن موسى لن يستطيع الصبر على أفعال الخضر، وأن الخضر قد اشترط على موسى ألا يسأل على شيء إلا بعد فترة، ثم سيتكفل الخضر نفسه بشرح الأسباب لموسى عليه السلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
لا ترهقني : لا تحملني ولا تكلفني مشقة.
العسر : ضد اليسر وهو المشقة.
التفسير :
٧٣- ﴿ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ﴾.
كانت الأولى من موسى نسيانا ؛ لذلك قال للخضر : لا تؤاخذني بما نسيت، وغفلت عن التسليم لك، وترك الإنكار عليك، ولا تكلفني مشقة، ولا تضيّق علي في أمري، ولا تعسّر علي متابعتك، بل يسرها بالإغضاء وترك المناقشة.
ثم إن طبيعة موسى طبيعة انفعالية اندفاعية، كما يظهر من تصرفاته في كل أدوار حياته، ومن ثم لم يصبر على خرق السفينة، ولم يستطع الوفاء بوعده الذي قطعه، أمام غرابة الموضوع، وأنكر على الخضر خرق السفينة في وسط البحر ؛ ومن ثم اندفع الخضر في هدوء يذكره بالوعد السابق، فاعتذر موسى بنسيانه وقبل الخضر اعتذاره. ٤٧.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

تمهيد حول قصة موسى والخضر.

-
موسى هو كليم الله، وهو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة.

-
فتى موسى : هو يوشع ابن نون ابن أفرائيم ابن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلم منه.

-
الخضر : بفتح الخاء وكسرها، وكسر الضاد وسكونها، لقب لصاحب موسى ؛ قيل : إنه كان نبيا، وقيل : كان عبدا صالحا وقيل : وليا.

-
مجمع البحرين : هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرا واحدا وفيه ثلاثة آراء :

١-
عند ملتقى بحري فارس والروم، ( ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب ).

٢-
عند ملتقى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

٣-
قال برهان الديني البقاعي في تفسير :( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ) : إن سياق القصة يفيد : أن الأرض كانت رملا لا علاقة فيها، فالظاهر والله أعلم أنها مجمع النيل والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر.

-
في القصة بيان التواضع في طلب العلم وتحمل المشقات في سبيله، وفيه دليل على أن التواضع خير من التكبر، وفيها رد على أغنياء مكة الذين أنفوا من مجالسة فقراء المسلمين.
قصة موسى والخضر كما في الصحيحين
عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ؛ فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه : أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت ؛ فهو ثمّ، فنطلق موسى : ومعه فتاه ( يوشع بن نون ) حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ؛ فقال فتاه :﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾. قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى :﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾، قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا هو مسجّى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام٤٤ ! من أنت ؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك ؛ لتعلمني مما علمت رشدا، ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه لا أعلمه، فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. فقال له الخضر :﴿ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾. فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل- أي : بدون أجر- فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ؛ ﴿ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ؛ فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى :﴿ أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾. قال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. قال سفيان : وهذه أشد من الأولى قال :﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾. فانطلقا، ﴿ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد أن ينقض... ﴾ فقال الخضر بيده هكذا- أي : أشار بيده- فأقامه فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا ﴿ لو شئت لتخذت عليه أجرا ﴾. قال الخضر :{ هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا{. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما٤٥ ! أخرجه الشيخان.

تنبيه :

قال العلامة القرطبي : كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضا ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. ١ هـ. ٤٦.
المفردات :
زكية : طاهرة من الذنوب.
بغير نفس : بغير حق قصاص لك عليها.
النكر : المنكر الذي تنكره العقول، وتنفر منه النفوس.
التفسير :
٧٤- ﴿ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ﴾.
لقد سلمت السفينة من الغرق والعطب، وظلت في ملك أصحابها المساكين، ونزل الخضر وموسى إلى اليابسة، وفي الطريق وجد الخضر صبية يلعبون، وبينهم صبي جميل وضيء ؛ أخذه الخضر على جانب ولوى رقبته وقطع رأسه ؛ وعندئذ غضب موسى وأنكر على الخضر أن يقتل نفسا بريئة لم ترتكب جرما ولم تقتل نفسا ؛ ﴿ لقد جئت شيئا نكرا ﴾. منكرا تنكره العقول، وتنفر منه النفوس.
لقد كان موسى ناسيا في المرة الأولى ؛ لكنه في المرة الثانية كان متذكرا ؛ لكن قتل النفس ؛ جعله يغضب وينكر على الخضر، ويذكره بأن ذلك منكر..
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الخاتمة :
تحدثنا عن قصة موسى والخضر في الجزء الخامس عشر، وللقصة بقية في بداية الجزء السادس عشر، وتفيد هذه البقية : أن الخضر أعلن فراق موسى عليه السلام، ثم شرح له أسباب الأعمال الثالثة على النحو الآتي :

١-
السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، كانت ملكا لمساكين يعملون في البحر، ويتكسبون منها، وهناك ملك ظالم يغتصب كل سفينة كاملة صالحة ؛ فعمد الخضر أن يحدث بها عيبا، ويساهم الجميع في سد الخرق، ثم يتركها الملك ؛ لأنها معيبة.

٢-
الغلام الذي قتله الخضر، كان سينشأ كافرا فاجرا، ، وقد روى الإمام مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا٤٨.
فهذا العمل مؤلم في الظاهر، لكن الله أراد بالوالدين خيرا ؛ فقبض الغلام إلى جواره، وعوضهما ذرية صالحة، فيها الرحمة والرأفة والطهارة ومكارم الأخلاق.

٣-
القرية البخيلة اللئيمة، كان بها جدار متداع وتحته كنز من مال، ولو وقع الجدار ؛ لتبدد الكنز، وقد أصلحه الخضر بأمر الله ؛ حتى يكبر اليتيمين ويستخرجا كنزهما رحمة من الله وفضلا، وإكراما للرجل الصالح في ذريته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفسير الجزء الخامس عشر ويلي تفسير الجزء السادس عشر إن شاء الله.

﴿ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( ٧٥ ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( ٧٦ ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ( ٧٧ ) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( ٧٨ ) أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ٧٩ ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ٨٠ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ( ٨١ ) وأما الغلام فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( ٨٢ ) ﴾
تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
التفسير :
٧٥- ﴿ قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا ﴾.
أكد الخضر في التذكير بالشرط الأول، وذكر هنا :
﴿ ألم أقل لك ﴾، أي : لك أنت على التعيين والتحديد، فلم تقتنع وطلبت الصحبة وقبلت الشرط.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
٧٦- ﴿ قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ﴾.
أي : إن اعترضت عليك بعد هذه المرة في شيء ؛ فاترك صحبتي، ولك العذر في ذلك حيث أكون قد خالفت الشرط ثلاث مرات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
٧٧- ﴿ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾.
أي : مشيا حتى وصلا إلى قرية أهلها لؤماء، وهما جائعان، وأهل القرية لا يستضيفون ضيفا، ولا يكرمون غريبا، فطلبا طعاما فامتنعوا عن ضيافتهما، ووجد الخضر في هذه القرية جدارا مائلا يوشك أن يسقط ؛ وإذا الخضر عليه السلام، يشغل نفسه بإقامة الجدار، وإصلاحه وتقويته وتعديله ؛ حتى يصبح بحالة جيدة.
وهنا يحس موسى بالتناقض بين عمل أهل القرية وبخلهم الشديد، ورفضهم إطعام رجلين غريبين، بين الجهد الذب بذله الخضر في إصلاح الجدار لهم دون مقابل، وقال للخضر :
﴿ لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾.
أنكر عليه موسى صنع المعروف في غير أهله، وقال موسى : لو أخذت منم أجرا على إصلاح الجدار ؛ تستطيع أن تستعين به في شراء الطعام.
روى : أن موسى قال للخضر : قوم استطعمناهم فلم يطعمونا، وضيفناهم فلم يضيفونا، ثم قعدت تبني لهم الجدار ؛ ﴿ لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
٧٨- ﴿ قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾.
أي : قال الخضر لموسى : آن وقت الافتراق بيننا حسب قولك، سأخبرك بالحكمة الكامنة والسر المخبّأ وراء هذه الأعمال الثلاثة، التي أنكرتها ؛ لأنك لم تطلع على الأسباب الكامنة وراءها.
روى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رحم الله أخي موسى لوددت أنه صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما، ولو لبث مع صاحبه ؛ لأبصر العجب ! )٤٩.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
المفردات :
المساكين : واحدهم : مسكين، وهو الضعيف العاجز عن الكسب ؛ لأمر في نفسه، أو في بدنه.
يعملون في البحر : يؤاجرون ويكتسبون.
أعيبها : أجعلها ذات عيب.
وراءهم أمامهم، وهو لفظ يستعمل في الشيء وضده، كما قال الشاعر :
أليس ورائي أن أدبّ على العصا فيؤمن أعدائي ويسأمني أهلي
٧٩- ﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ﴾.
أي : أما فعلي ما فعلته بالسفينة، فإنها كانت لقوم ضعفاء، لا يقدرون على دفع الظلمة، وكانوا يؤاجرونها، ويكتسبون قوتهم منها، فأردت أن أعيبها بالخرق الذي خرقته، وكان أمامهم ملك ظالم يستولي على كل سفينة صالحة للعمل غصبا وعنوة ؛ فأردت أن أعيبها ؛ ليتركها الملك الظالم لهم ؛ فهو عمل مؤلم في الظاهر، لكنه نافع مفيد في عاقبته.
دروس من سورة الكهف
سورة مكية
المشهور بين العلماء أن سورة الكهف مكية كلها، وأنها من السور التي نزلت جملة واحدة كما جاء في الخبر الذي أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول :( نزلت سورة الكهف جملة ).
وقد روى ذلك أيضا عن بعض الصحابة واختاره الداني، ومشى عليه أكثر أهل التفسير والمتكلمين في علوم القرآن وهناك روايات أخرى تخالف هذا المشهور فتقرر أن السورة مكية إلا بعض آياتها، فإنه مدني.
وفي المصحف الفؤادي المطبوع بمصر، سورة الكهف مكية إلا آية ( ٣٨ ) ومن آية ( ٨٣ ) إلى غاية ( ‍١٠١ ) فمدنية، وآياتها( ١١٠ ) نزلت بعد الغاشية.
وقال الفيروبادي : السورة مكية بالاتفاق وفيها إحدى عشرة آية مختلف فيها بين مكيتها ومدنيتها.
وهي الآيات١٠٣، ٩٦٨٩، ٨٦، ٨٥، ٨٤، ٣٥، ٣٢، ٢٣، ٢٢، ١٣١
وينبغي أن يعلم أن كثيرا مما ذكر أنه مدني تضمنته سورة مكية، أو مكي تضمنته سورة مدنية، هو موضع خلاف بين العلماء ؛ لاختلاف الرواية فيه، أو لانبناء الحكم فيه على اجتهاد واستنباط من القائل به وفي ذلك يقول ابن الحصار فيما نقاه عنه السيوطي في الإتقان : كل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة، إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل٢.
القصص في سورة الكهف
القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة ؛ ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف وبعدها قصة أصحاب الجنتين ثم إشارة إلى قصة آدم وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين، ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة فهو وارد في إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية، ومعظم ما يتبقى من آيات السورة هو تعليق على القصص أو تعقيب عليه.
ويلتقي هذا القصص حول فكرة أساسية للقرآن وهي إثبات أن البعث حق وأن المؤمن يكافأ بحسن الجزاء، وأن الكافر يلقى جزاء عنته وكفره في الدنيا أو الآخرة.
قصة أصحاب الكهف
في قصة أصحاب الكهف يتجلى صدق الإيمان وقوة العقيدة والإعراض عن كل ما ينافيها إعراضا عمليا صارما، لا تردد فيه ولا مواربة، فتية رأوا قومهم في الضلال يعمهون، وفي ظلمات الشرك يتخبطون، لا حجة لهم ولا سلطان على ما يزعمون، وأحسوا في أنفسهم غيرة على الحق لم يستطيعوا معها أن يبقوا في هذه البيئة الضالة بأجسامهم، ولو خالفوها بقلوبهم، فتركوا أوطانهم وتركوا مصالحهم واعتزلوا قومهم وأهليهم، وخرجوا فارين متجنبين الشطط وأهل الشطط، وآثروا كهفا يأوون إليه في فجوة منه، لا يراهم فيه أحد، ولا يؤنسهم في وحدتهم إلا كلبهم.
ذلك هو مغزى القصة الخلقي، وفيه ما فيه من إرشاد وإيحاء وتمجيد لأخلاق الشرف والرجولة والثبات على العقيدة والتضحية في سبيلها.
أما المعنى العام الذي تتلقى فيه القصة مع غرض السورة فهو إثبات قدرة الله على مخالفة السنن التي ألفها الناس وظنوا أنها مستعصية عليه جل شأنه أن تبدل أو تحول كما هي مستعصية على كل مخلوق، وشتان بين قدرة الخالق والمخلوقين، وهذا ما تشير إليه القصة في ثناياها إذ يقول الله عز وجل :﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها... ﴾ ( الكهف : ٢١ ).
قصة موسى والخضر
أما قصة موسى وفتاه والعبد الصالح فلبابها ومغزاها هو إثبات قصور الخلق مهما سمت عقولهم، وكثرت علومهم أمام إحاطة الله وعلم الله. وهكذا ترتبط- في سياق السورة- قصة موسى والعبد الصالح، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله الذي يدبر الأمر بحكمته، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر الواقفون وراء الأستار، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار.
لقد وقف موسى خطيبا في بني إسرائيل فأجاد وأبدع في خطبته، فقال له أحد المستمعين : ما أفصحك يا نبي الله ! هل في الأرض من هو أكثر علما منك ؟ قال موسى : لا، فأخبره الله : أن في الأرض من هو أكثر علما منه، فقال موسى : يا رب، دلني عليه ؛ حتى أذهب إليه وأتعلم منه.
وضرب لنا موسى مثلا رائعا في الرحلة ؛ لطلب العلم، وتحمل الصعاب والمشتقات بهمة الرجال وعزيمة الأبطال.
إذا هم ألقى همه بين عينه ونكب عن ذكر العواقب جانبا
سار موسى مع تابع له هو يوشع بن نون ومعهما حوت في مكتل، وبلغ مجمع البحرين : بحر الروم وبحر القلزم. أي : البحر الأبيض والبحر الأحمر، أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر.
وفي المكان الذي أراد الله أن يلتقي فيه نبي بني إسرائيل بعبده الصالح، فقد موسى حوته وعاد ؛ ليبحث عنه فوجد رجلا نحيل الجسم، غائر العينين، عليه دلائل الصلاح والتقوى، فسلم عليه موسى، وتلطف معه في القول وأبدى رغبته في إتباعه ؛ ليتعلم منه العلم، فاشترط الخضر على موسى : الصبر والتريث فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. ( الكهف : ٦٩ ).
وانطلق موسى مع الخضر في سفينة جيدة، وفي غفلة من أهلها أخذ الخضر لوحين من خشب السفينة فخلعهما، فذكره موسى بأن هذا ظلم وفساد، فالتفت الخضر إليه وقال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. ( الكهف : ٧٢ ). فاعتذر موسى بالنسيان ووعد أن يرافقه مع الصبر والسكوت.
وصار الرجلان ثم قتل الخضر غلاما بريئا في عمر الزهر فاحتج موسى، وذكره الخضر بالشرط فسكت.
وفي الجولة الثالثة : دخل الرجلان قرية وكان الجوع قد اشتد بهما فطلبا من أهلها طعاما فأبوا إطعامهما ورأى الخضر جدارا متداعيا أوشك أن يقع فطلب من موسى مساعدته حتى بناه وأتم بناءه واعترض موسى على هذا العمل ؛ لأن أهل القرية لا يستحقون مثل هذا المعروف ؛ فهم بخلاء لؤماء، فينبغي أن يأخذ الخضر أجرا على بناء الجدار لهم، وافترق الرجلان بعد أن سمع موسى من الخضر سبب هذه الأعمال :
أما السفينة : فكانت ملكا لجماعة من المساكين يعتمدون عليها في كسب الرزق ووراءهم ملك ظالم يستولي على كل سفينة صالحة للعمل غصبا فخرق الخضر السفينة ؛ ليراها الملك عاطبة فيتركها ؛ ليستفيد بها أهلها، فهو عمل مؤلم في الظاهر ولكنه مفيد في الحقيقة والواقع.
وأما الغلام : فقد كان مفسدا وسيشب على الفساد والإفساد وكان أبواه مؤمنين، فأراد الله أن يقبض الغلام إلى جواره وأن يعوض والديه بنتا صالحة تزوجت نبيا وأنجبت نبيا.
وأما الجدار فكان ملكا لغلامين يتيمين تخدرا من رجل صالح كريم، وكان تحت الجدار كنز من المال ولو سقط الجدار ؛ لتبدد الكنز فأراد الله أن يقام الجدار ويجدد ؛ حتى يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما حلالا طيبا لهما.. ثم قال الخضر :﴿ وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾. ( الكهف : ٨٢ ).
وقد يتساءل الإنسان عن عمل الخضر عليه السلام، وهل هو مشروع على الإطلاق، وهل يجوز لمن علم في حادثة- ما- مثلما علمه العبد الصالح من حقيقة الأمر فيها أن يخالف الظاهر ؟
وقد اهتم بعض المفسرين بترديد أمثال هذه الأسئلة والمناقشات والإجابة عنها وتخريج ما يحتاج منها إلى تخريج، كأن الأمر أمر أحكام تشريعية أو بيان لموضوعات خلافية. والواقع أنه لم يقصد بهذه القصة إلا الإقناع بأن الإنسان مهما اتسع عقله وسمت مداركه وعلا منصبه، محدود في علمه، وأن كثيرا من الأمور يخفى عليه، وأن لله عبادا قد يخصهم بنوع من العلم لا يبذله لجميع الناس، ولا يستقيم حال الدنيا على بذله لجميع الناس.
قصة ذي القرنين
تلك قصة عبد مكّن الله له في الأرض وسخر له العلم والقوة والآلات والمواصلات وآتاه من كل شيء سببا. وقد استغل هذه الإمكانيات في عمل مثمر نافع يعم نفعه ويبقى أثره وقد تحرك ذو القرنين إلى المغرب غازيا فاتحا، محاربا مجاهدا وصار النصر في ركابه حتى انتهى إلى عين اختلط ماؤها وطينها فتراءى له أن الشمس تغرب فيها وتختفي وراءها وظن أنه ليس وراء هذه العين مكان للغزو ولا سبيل للجهاد، ولكنه رأى عندها قوما هاله كفرهم، وكبر عليه ظلمهم وفسادهم فخيره الله بين قتالهم أو إمهالهم ودعوتهم للعدل والإيمان، فاختار إمهالهم وقام فيهم مدة ضرب على يد الظالم ونصر المظلوم وأخذ بيد الضعيف، وأقام صرح العدل، ونشر لواء الإصلاح وقد وضع لهم دستور الحكم العادل فقال :
﴿ أما من ظلم فسوف نعذّبه ثم يردّ إلى ربّه فيعذّبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ﴾. ( الكهف : ٨٨، ٨٧ ).
وقد عاد ذو القرنين إلى الشرق فسار غازيا مجاهدا حتى انتهى إلى غاية العمران في الأرض وهناك أقواما تطلع الشمس عليهم، ولكن ليس لهم بيوت تسترهم، أو أشجار تظلهم ولعلهم كانوا على حال من الفوضى ونصيب من الجهل... فبسط حكمه عليهم ونفذ فيهم دستور العدل ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء الذي سبق ذكره، ثم تركهم إلى الشمال غازيا مجاهدا مظفرا منصورا، حتى انتهى إلى بلاد بين جبلين يسكنها أقوام لا تكاد تعرف لغاتهم، أو يفهم في الحديث مرماهم، ولكنهم قد جاوروا يأجوج ومأجوج، وهم قوم مفسدون في الأرض، وأوزاع من الخلق ضالون مضلون.
وقد لجأ الأقوام إلى ذي القرنين ؛ ليحول بينهم وبين المفسدين وشرطوا على أنفسهم نولا يدفعونه إليه، وأموالا يضعونها بين يديه ولكن ذا القرنين أجابهم إلى طلبهم ورد عطاءهم وقال لهم :﴿ ما مكني فيه ربي خير... ﴾ ( الكهف : ٩٥ ).
ثم طلب إليهم أن يعينوه على ما يفعل فحشدوا له الحديد والنحاس، والخشب والفحم، فوضع بين الجبلين قطع الحديد وحاطها بالفحم والخشب، ثم أوقد النار، وأفرغ عليه ذائب النحاس، واستوى كل ذلك بين الجبلين سدا منيعا قائما، ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تظهره ؛ لملاسته، أو تنقبه ؛ لمتانته، وأراح الله منهم شعبا كان يشكو من أذاهم، ويألم من عدوانهم.
ونظر ذو القرنين إلى العمل الضخم الذي قام به، فلم يأخذه البطر والغرور ولكنه ذكر الله فشكره، ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه وتبرأ من قوته إلى قوة الله، وأعلن عقيدته في البعث والحشر وإيمانه بأن الجبال والحواجز والسدود ستدك قبل يوم القيامة، فتعود الأرض سطحا أجردا مستويا وهكذا تختم هذه القصة بتأكيد قدرة الله على البعث.
﴿ قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقا ﴾. ( الكهف : ٩٨ ).
وبذلك تنتهي قصة ذي القرنين، النموذج الطيب للحاكم الصالح يمكنه الله في الأرض، وييسر له الأسباب، فيحتاج الأرض شرقا وغربا، ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر، ولا يطغى ولا يتبطر ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان، ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه. إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به، ويساعد المتخلفين، ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل، ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ودفع العدوان وإحقاق الحق. ثم يرجع كل خير يحقه الله على يديه إلى رحمة الله وفضله، ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته وأنه راجع إلى الله٣.
أهداف سورة الكهف
نزلت سورة الكهف بمكة في وقت اشتدت فيه حملة القرآن على المنكرين المكذبين بيوم الدين. وقد نزلت قبلها سورة الغاشية وهي سورة تبدأ وتنتهي بحديث الساعة، وإياب الناس جميعا إلى الله ؛ ليحاسبهم على ما قدموا.
ونزل
تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
المفردات :
خشينا : خفنا.
يرهقهما : يحمّلها.
طغيانا : مجاوزة للحدود الإلهية.
٨٠- ﴿ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ﴾.
أي : وأما الغلام الذي قتلته، فقد كان أبواه مؤمنين صالحين، وكان الغلام كافرا فاجرا، وقد روى مسلم في صحيحه :( أن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش ؛ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا )٥٠.
أي علم الله أنه لو أدرك الغلام وبلغ ؛ لدعا أبويه إلى الكفر فأجاباه ودخلا معه في دينه ؛ لفرط حبهما له.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
المفردات :
زكاة : طهارة من الذنب.
رُحما : أي : رحمة، كالكُثر والكثرة.
٨١- ﴿ فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ﴾.
أي : أراد الله ووجه إرادة العبد الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة كافرة طاغية، وأن يبدلهما الله خلفا خيرا منه، وأرحم بوالديه، وأكثر شفقة عليهما وبرا بهما.
جاء في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني :
قال قتادة : قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي ؛ لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره ؛ خير له من قضاءه فيما يحب، وصح في الحديث :( لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرا له )٥١.
وقال تعالى :﴿ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ﴾. ( البقرة : ٢١٦ ).
﴿ فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ﴾.
أي : ولد أزكى من هذا. وقال قتادة : أبرّ بوالديه، وقيل : لما قتله الخضر ؛ كانت أمه حاملا بغلام مسلم، والله أعلم.
والخلاصة : أن الله أبدل والديه ذرية صالحة أكثر برا ورحمة وطاعة لله، والأمر في جملته خاضع لعلم علام الغيوب، وحكمته سبحانه وتعالى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

تمهيد :
أمور ثلاثة، تجعل موسى عليه السلام في الإنكار عليهما عند حدوثها، وكان الخضر قد أعطى شفافية خاصة، ومعرفة ببواطن الأمور وخفاياها، وهي معرفة لا يطلع عليها إلا من اختصه الله من عباده، بهذا العلم، فهو علم لدني، من لدن الله العلي القدير ؛ حيث قال سبحانه في شأن الخضر :﴿ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾. ( الكهف : ٦٥ ).
وخلاصة هذه الأمور هي : تحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر ؛ فتحمل الخضر ضرر خرق السفينة في سبيل دفع اغتصابها، وقتل الغلام ؛ حتى لا يفسد على والديه إيمانهما، وبنى الجدار ؛ حتى يشب اليتيمان، ويستخرجا كنزهما من تحته ؛ رحمة من الله تعالى.
المفردات :
عن أمري : عن رأيي واجتهادي.
ما لم تستطع : أي : تستطع ماضيه : اسطاع، الذي أصله : استطاع.
٨٢- ﴿ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾.
كان الخضر قد أقام الجدار وعدله وثبته في مكانه، وقصته : أن الجدار كان ملكا لغلامين يتيمين، قد مات أبوهما ولو سقط الجدار ؛ لاستولى الأوصياء على الكنز الذي تحته، وكان تحت الجدار كنز من ذهب وفضة، فأراد الله سبحانه وتعالى، أن يبلغ اليتيمان أشدهما، أي : سن القوة والفتوة والرشد ؛ فيستوليان على هذا الحائط، ويستخرجان الكنز من تحته، وهذا كله بتوجيه الله، وإرادته ورحمته بعبادة ولم يفعله الخضر برغبته ؛ بل بأمر الله سبحانه وتعالى له. وفي هذا ما يدل المسلم على أن يحني رأسه لكل ما يجيء به القدر ؛ فقد يأتي الله تعالى بالنعمة، وقد يأتي بالمحنة، ونحن أمرنا أن نشكر على النعماء، وأن نصبر على البأساء، وأن نرضى بأسباب القضاء.
إن هذه المصالحة مع القدر، وحلاوة الرضا والتوافق، تمنح المؤمن زادا من قوة اليقين، وهدوء الباطن، وحلاوة التسليم، لكل ما يأتي به الله على حد قول القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك
وفي الحديث الصحيح : أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :( الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره )٥٢.
وفي الحديث الشريف :( ما من عبد يبتلى بمصيبة فيقول : اللهم، اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها ؛ إلا عوضه الله خيرا مما فقده )٥٣.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إذا مات ولد المؤمن ؛ قال الله تعالى : يا ملائكتي ؛ أقبضتم روح ولد عبدي ؟ ! فيقولون : نعم يا ربنا، فيقول الله تعالى : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون : يا ربنا، حمد واسترجع، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسمو : بيت الحمد )٥٤.
ومعنى : حمد واسترجع، أي قال : الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وروى البخاري في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا تعب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها ؛ إلا كفر الله بها من خطاياه، ويزال البلاء يصيب المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )٥٥.
وفي الحديث الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أشدكم بلاء الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل على حسب دينه، ولا يزال البلاء يصيب المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )٥٦.
وهذه المعنى تلتقي مع قصة موسى والخضر، وترمز إلى الرغبة الإلهية العليا في تسليم المؤمن، ورضاه بالقضاء والقدر، والتمتع بحلاوة الرضا، واليقين بالثواب والجزاء الكريم للصابرين.
قال تعالى :﴿ ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ﴾. ( البقرة : ١٥٧، ١٥٥ ).
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل : إذا ابتليت عبدي في حُبيبتيه ( يعني : عينيه ) فصبر واحتسب ؛ لم أجد له جزاء دون الجنة )٥٧.
ويقول تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين. ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ﴾. ( البقرة : ١٥٤، ١٥٣ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وإلى هنا تنتهي قصة موسى والخضر عليهما السلام وعلماؤنا ذكروا : فوائد ونصائح تتعلق بقصة موسى والخضر عليهما السلام نودّ أن نذكر جانبا منها :

١-
للقدر حكمة إلهية عليا، وأسباب خفية، لم نطلع عليها، من ذلك معرفة الخضر بأمور خفية وراء أفعاله الثلاثة، وهي رمز لما ينبغي للمؤمن أن يعمله إزاء أحداث هذه الحياة، علينا أن نحني رؤوسنا لكل ما يجيء به الله، وكما قال القائل :
سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

٢-
الإخلاص في طلب العلم والتواضع في سبيله، ومعرفة كل جديد، وعدم الحياء من التعلم ؛ فقد يتعلم الفاضل من المفضول، وقد شاهدت أساتذة في علوم متعددة : يجلسون تلامذة أمام معلم كمبيوتر أقل منهم درجة وعلما، وفي القرآن الكريم :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٨٥ )، ويقول سبحانه :﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾. ( طه : ١١٤ ).

٣-
الرحلة في طلب العلم، ومعرفة الرجال الفضلاء، سمة من صفات العقلاء ؛ فموسى عليه السلام يرحل إلى الخضر، مصمما على بلوغ هدفه.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله ابن أنيس في طلب حديث واحد.

٤-
أنه يجوز دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر ؛ فإن خرق السفينة فيه ضرر ولكنه أقل من أخذ الملك لها غصبا، وإن قتل الغلام شر ولكنه أقل من الضرر الذي سيترتب على بقائه ؛ وهو إرهاقه لأبويه وحملهما على الكفر.

٥-
إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، بدليل قوله تعالى :{ وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما..... ( الكهف : ٨٢ ).
وقد ورد في القرآن والسنة : ما يفيد : أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشملهم من بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ( ٨٣ ) إنا مكّنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ( ٨٤ ) فأتبع سببا ( ٨٥ ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( ٨٦ ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( ٨٧ ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ( ٨٨ ) ثم أتبع سببا ( ٨٩ ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ( ٩٠ ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( ٩١ ) ثم أتبع سببا ( ٩٢ ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( ٩٣ ) قالو يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( ٩٤ ) قال ما مكّني فيه رّبي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( ٩٥ ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا ( ٩٦ ) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( ٩٧ ) قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقا ( ٩٨ ) وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ( ٩٩ ) ﴾
التفسير :
٨٣- ﴿ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ﴾.
أي : يسألك اليهود يا محمد عن قصة ذي القرنين ؛ حتى تخبرهم عن تاريخه وشأنه وأعماله.
﴿ قل سأتلو عليكم منه ذكرا ﴾.
أي : سأقص عليكم من نبأه وقصته قرآنا ووحيا.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٨٤- إنّا مكّنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا }.
أي : يسرنا له أسباب الملك والسلطان، والفتح والعمران، وأعطيناه كل ما يحتاج إليه ؛ للوصول إلى غرضه من أسباب العلم والقدرة والتصرف.. وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٨٥- ﴿ فأتبع سببا ﴾.
أي : استغل الأسباب التي يسرها الله له، واجتهد في استثمارها، فكان كلما استولى على إقليم من الأقاليم أو بلدا من البلاد، استغل ما فيها من أقوات وجنود وآلات ؛ لفتح البلاد القريبة منها.
قال ابن كثير :
كان كلما مر بأمة قهرهم وغلبهم ودعاهم إلى الله عز وجل، فإن أطاعوه، وإلا أذلهم وأرغم آنافهم، واستباح أموالهم وأمتعتهم، واستخدم من كل أمة ما تستعين به جيوشه على قتال الإقليم المتاخم لهم٦١.
وقد أخذ ذو القرنين طريقه إلى جهة الغرب.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٨٦- ﴿ حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة... ﴾
أي : سار ذو القرنين غربا حتى وصل إلى نقطة على شاطئ المحيط الأطلسي- وكان يسمى : بحر الظلمات، ويظن أن اليابسة تنتهي عنده، فرأى الشمس تغرب فيه، والأرجح أنه كان عند مصب أحد الأنهار، حيث تكثر الأعشاب، ويتجمع حولها طين لزج هو : الحمأ، وتوجد البرك وكأنها عيون الماء.. فأرى الشمس تغرب هناك.
قال صاحب الظلال :
ومغرب الشمس هو المكان الذي يرى الرائي أن الشمس تغرب عنده وراء الأفق وهو يختلف بالنسبة للمواضع، فبعض المواضع يرى الرائي فيها أن الشمس تغرب خلف جبل، وفي بعض المواضع يرى أنها تغرب في الماء كما في المحيطات الواسعة والبحار، وفي بعض المواضع يرى أنها تغرب في الرمال إذا كان في صحراء مكشوفة على مد البصر.
أي : أن القرآن الكريم، يأتي أحيانا في تعبيراته على نحو ما يراه المشاهد ويعتقده أي : وصل ذو القرنين إلى مكان اعتقد أن الشمس تغرب خلفه، وأن هذا هو نهاية العالم من جهة الغرب.
﴿ ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتّخذ فيهم حسنا ﴾.
لقد أمده الله بالأسباب والنصر، ونصره على هؤلاء القوم، وخيّره عن طريق الإلهام أو الوحي، أو هو حكاية حال، فبعد أن تم له النصر ؛ أصبح من حقه أن يتصرف كما يشاء، فمن حقه الانتقام أو الإحسان.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٨٧- ﴿ قال أما من ظلم فسوف نعذّبه ثم يرد إلى ربه فيعذّبه عذابا نكرا ﴾.
أي : من أصر على الكفر، والعدوان والظلم ؛ فله عقابه الدنيوي، بالقتل أو الردع. ثم يرد إلى ربه يوم القيامة، فيعذبه عذابا منكرا في نار جهنم.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٨٨- ﴿ وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ﴾.
أي : أما المؤمنون الصالحون الذين يقومون بالأعمال النافعة والسلوك الحميد ؛ فلهم منا التكريم والإحسان وتسيير الأمور، ولهم عند الله الجنة والمكانة اللائقة، وتلك مهمة العادل الحاكم ؛ فعليه أن يعاقب المعتدين وأن ينكل بالظالمين، وأن يكافأ المحسنين ؛ وبذلك يستقيم حال الأمة، وتتبوأ منزلة كريمة تليق بها.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٨٩- ﴿ ثم أتبع سببا ﴾
أي : سلك طريقا بجنده نحو المشرق.
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٠- ﴿ حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ﴾.
أي : حتى إذا وصل أقصى المعمورة من جهة الشرق ؛ حتى مطلع الشمس في عين الرائي، وجد قوما ليس لهم بناء يكنهم، ولا أشجار تظلهم، ولا لباس يسترهم، بل لهم سروب يغيبون فيها عند طلوع الشمس، فإذا غابت الشمس ؛ خرجوا للبحث عن معايشهم.
قال قتادة :
مضى ذو القرنين يفتح المدائن ويجمع الكنوز، ويقتل الرجال ؛ إلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوما في أسراب، عراة، ليس لهم طعام إلا ما أنضجته الشمس إذا طلعت، حتى إذا زالت عنهم الشمس ؛ خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم، وذكر لنا : أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، ويقال : إنهم الزنج٦٢.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩١- ﴿ كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ﴾.
أي : كذلك فعل بأهل المشرق، مثل ما فعله بأهل المغرب، فأكرم المحسنين، وعاقب الظالمين الكافرين، وأنصف أهل الحق، وبطش بأهل الظلم ؛ وكان أمره وأمر جنوده وأتباعه وجيوشه من الكثرة ؛ بحيث لا يحيط بعلمه وجميع أحواله إلا اللطيف الخبير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٢- ﴿ ثم أتبع سببا ﴾.
أي : ثم سلك طريقه في اتجاه ثالث، معترضا بين الشرق والغرب ؛ آخذا من مطلع الشمس إلى الشمال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٣- ﴿ حتى إذا بلغ بين السدّين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ﴾.
أي : حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين، يقال : إنها بمنقطع أرض بلاد الترك، مما يلي أرمينية وأذربيجان.
قال الطبري :
والسّد : الحجز بين الشيئين، وهما هنا جبلان، سد ما بينهما، فردم ذو القرنين حاجزا بين يأجوج ومأجوج من وراءهم ؛ ليقطع مادة غوائلهم وشرهم عنهم.
والذي يفيده النص القرآني : أن ذا القرنين وصل إلى منطقة بين حاجزين طبيعيين، أو بين سدين صناعيين، تفصلهما فجوة أو ممر ؛ فوجد هناك قوما متخلفين ؛ ﴿ لا يكادون يفقهون قولا ﴾ ؛ لبعد لغتهم عن لغات غيرهم من قلة فطنتهم، وعندما شاهد هؤلاء المتخلفين، فاتحا قويا، توسموا فيه القدرة والصلاح ؛ عرضوا عليه جُعلا من المال ؛ نظير إقامة سد بينهم وبين يأجوج ومأجوج مكمن الخطر.
دروس من سورة الكهف
سورة مكية
المشهور بين العلماء أن سورة الكهف مكية كلها، وأنها من السور التي نزلت جملة واحدة كما جاء في الخبر الذي أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول :( نزلت سورة الكهف جملة ).
وقد روى ذلك أيضا عن بعض الصحابة واختاره الداني، ومشى عليه أكثر أهل التفسير والمتكلمين في علوم القرآن وهناك روايات أخرى تخالف هذا المشهور فتقرر أن السورة مكية إلا بعض آياتها، فإنه مدني.
وفي المصحف الفؤادي المطبوع بمصر، سورة الكهف مكية إلا آية ( ٣٨ ) ومن آية ( ٨٣ ) إلى غاية ( ‍١٠١ ) فمدنية، وآياتها( ١١٠ ) نزلت بعد الغاشية.
وقال الفيروبادي : السورة مكية بالاتفاق وفيها إحدى عشرة آية مختلف فيها بين مكيتها ومدنيتها.
وهي الآيات١٠٣، ٩٦٨٩، ٨٦، ٨٥، ٨٤، ٣٥، ٣٢، ٢٣، ٢٢، ١٣١
وينبغي أن يعلم أن كثيرا مما ذكر أنه مدني تضمنته سورة مكية، أو مكي تضمنته سورة مدنية، هو موضع خلاف بين العلماء ؛ لاختلاف الرواية فيه، أو لانبناء الحكم فيه على اجتهاد واستنباط من القائل به وفي ذلك يقول ابن الحصار فيما نقاه عنه السيوطي في الإتقان : كل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة، إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل٢.
القصص في سورة الكهف
القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة ؛ ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف وبعدها قصة أصحاب الجنتين ثم إشارة إلى قصة آدم وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين، ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة فهو وارد في إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية، ومعظم ما يتبقى من آيات السورة هو تعليق على القصص أو تعقيب عليه.
ويلتقي هذا القصص حول فكرة أساسية للقرآن وهي إثبات أن البعث حق وأن المؤمن يكافأ بحسن الجزاء، وأن الكافر يلقى جزاء عنته وكفره في الدنيا أو الآخرة.
قصة أصحاب الكهف
في قصة أصحاب الكهف يتجلى صدق الإيمان وقوة العقيدة والإعراض عن كل ما ينافيها إعراضا عمليا صارما، لا تردد فيه ولا مواربة، فتية رأوا قومهم في الضلال يعمهون، وفي ظلمات الشرك يتخبطون، لا حجة لهم ولا سلطان على ما يزعمون، وأحسوا في أنفسهم غيرة على الحق لم يستطيعوا معها أن يبقوا في هذه البيئة الضالة بأجسامهم، ولو خالفوها بقلوبهم، فتركوا أوطانهم وتركوا مصالحهم واعتزلوا قومهم وأهليهم، وخرجوا فارين متجنبين الشطط وأهل الشطط، وآثروا كهفا يأوون إليه في فجوة منه، لا يراهم فيه أحد، ولا يؤنسهم في وحدتهم إلا كلبهم.
ذلك هو مغزى القصة الخلقي، وفيه ما فيه من إرشاد وإيحاء وتمجيد لأخلاق الشرف والرجولة والثبات على العقيدة والتضحية في سبيلها.
أما المعنى العام الذي تتلقى فيه القصة مع غرض السورة فهو إثبات قدرة الله على مخالفة السنن التي ألفها الناس وظنوا أنها مستعصية عليه جل شأنه أن تبدل أو تحول كما هي مستعصية على كل مخلوق، وشتان بين قدرة الخالق والمخلوقين، وهذا ما تشير إليه القصة في ثناياها إذ يقول الله عز وجل :﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها... ﴾ ( الكهف : ٢١ ).
قصة موسى والخضر
أما قصة موسى وفتاه والعبد الصالح فلبابها ومغزاها هو إثبات قصور الخلق مهما سمت عقولهم، وكثرت علومهم أمام إحاطة الله وعلم الله. وهكذا ترتبط- في سياق السورة- قصة موسى والعبد الصالح، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله الذي يدبر الأمر بحكمته، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر الواقفون وراء الأستار، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار.
لقد وقف موسى خطيبا في بني إسرائيل فأجاد وأبدع في خطبته، فقال له أحد المستمعين : ما أفصحك يا نبي الله ! هل في الأرض من هو أكثر علما منك ؟ قال موسى : لا، فأخبره الله : أن في الأرض من هو أكثر علما منه، فقال موسى : يا رب، دلني عليه ؛ حتى أذهب إليه وأتعلم منه.
وضرب لنا موسى مثلا رائعا في الرحلة ؛ لطلب العلم، وتحمل الصعاب والمشتقات بهمة الرجال وعزيمة الأبطال.
إذا هم ألقى همه بين عينه ونكب عن ذكر العواقب جانبا
سار موسى مع تابع له هو يوشع بن نون ومعهما حوت في مكتل، وبلغ مجمع البحرين : بحر الروم وبحر القلزم. أي : البحر الأبيض والبحر الأحمر، أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر.
وفي المكان الذي أراد الله أن يلتقي فيه نبي بني إسرائيل بعبده الصالح، فقد موسى حوته وعاد ؛ ليبحث عنه فوجد رجلا نحيل الجسم، غائر العينين، عليه دلائل الصلاح والتقوى، فسلم عليه موسى، وتلطف معه في القول وأبدى رغبته في إتباعه ؛ ليتعلم منه العلم، فاشترط الخضر على موسى : الصبر والتريث فقال موسى :﴿ ستجدني إنشاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾. ( الكهف : ٦٩ ).
وانطلق موسى مع الخضر في سفينة جيدة، وفي غفلة من أهلها أخذ الخضر لوحين من خشب السفينة فخلعهما، فذكره موسى بأن هذا ظلم وفساد، فالتفت الخضر إليه وقال :﴿ ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾. ( الكهف : ٧٢ ). فاعتذر موسى بالنسيان ووعد أن يرافقه مع الصبر والسكوت.
وصار الرجلان ثم قتل الخضر غلاما بريئا في عمر الزهر فاحتج موسى، وذكره الخضر بالشرط فسكت.
وفي الجولة الثالثة : دخل الرجلان قرية وكان الجوع قد اشتد بهما فطلبا من أهلها طعاما فأبوا إطعامهما ورأى الخضر جدارا متداعيا أوشك أن يقع فطلب من موسى مساعدته حتى بناه وأتم بناءه واعترض موسى على هذا العمل ؛ لأن أهل القرية لا يستحقون مثل هذا المعروف ؛ فهم بخلاء لؤماء، فينبغي أن يأخذ الخضر أجرا على بناء الجدار لهم، وافترق الرجلان بعد أن سمع موسى من الخضر سبب هذه الأعمال :
أما السفينة : فكانت ملكا لجماعة من المساكين يعتمدون عليها في كسب الرزق ووراءهم ملك ظالم يستولي على كل سفينة صالحة للعمل غصبا فخرق الخضر السفينة ؛ ليراها الملك عاطبة فيتركها ؛ ليستفيد بها أهلها، فهو عمل مؤلم في الظاهر ولكنه مفيد في الحقيقة والواقع.
وأما الغلام : فقد كان مفسدا وسيشب على الفساد والإفساد وكان أبواه مؤمنين، فأراد الله أن يقبض الغلام إلى جواره وأن يعوض والديه بنتا صالحة تزوجت نبيا وأنجبت نبيا.
وأما الجدار فكان ملكا لغلامين يتيمين تخدرا من رجل صالح كريم، وكان تحت الجدار كنز من المال ولو سقط الجدار ؛ لتبدد الكنز فأراد الله أن يقام الجدار ويجدد ؛ حتى يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما حلالا طيبا لهما.. ثم قال الخضر :﴿ وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾. ( الكهف : ٨٢ ).
وقد يتساءل الإنسان عن عمل الخضر عليه السلام، وهل هو مشروع على الإطلاق، وهل يجوز لمن علم في حادثة- ما- مثلما علمه العبد الصالح من حقيقة الأمر فيها أن يخالف الظاهر ؟
وقد اهتم بعض المفسرين بترديد أمثال هذه الأسئلة والمناقشات والإجابة عنها وتخريج ما يحتاج منها إلى تخريج، كأن الأمر أمر أحكام تشريعية أو بيان لموضوعات خلافية. والواقع أنه لم يقصد بهذه القصة إلا الإقناع بأن الإنسان مهما اتسع عقله وسمت مداركه وعلا منصبه، محدود في علمه، وأن كثيرا من الأمور يخفى عليه، وأن لله عبادا قد يخصهم بنوع من العلم لا يبذله لجميع الناس، ولا يستقيم حال الدنيا على بذله لجميع الناس.
قصة ذي القرنين
تلك قصة عبد مكّن الله له في الأرض وسخر له العلم والقوة والآلات والمواصلات وآتاه من كل شيء سببا. وقد استغل هذه الإمكانيات في عمل مثمر نافع يعم نفعه ويبقى أثره وقد تحرك ذو القرنين إلى المغرب غازيا فاتحا، محاربا مجاهدا وصار النصر في ركابه حتى انتهى إلى عين اختلط ماؤها وطينها فتراءى له أن الشمس تغرب فيها وتختفي وراءها وظن أنه ليس وراء هذه العين مكان للغزو ولا سبيل للجهاد، ولكنه رأى عندها قوما هاله كفرهم، وكبر عليه ظلمهم وفسادهم فخيره الله بين قتالهم أو إمهالهم ودعوتهم للعدل والإيمان، فاختار إمهالهم وقام فيهم مدة ضرب على يد الظالم ونصر المظلوم وأخذ بيد الضعيف، وأقام صرح العدل، ونشر لواء الإصلاح وقد وضع لهم دستور الحكم العادل فقال :
﴿ أما من ظلم فسوف نعذّبه ثم يردّ إلى ربّه فيعذّبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ﴾. ( الكهف : ٨٨، ٨٧ ).
وقد عاد ذو القرنين إلى الشرق فسار غازيا مجاهدا حتى انتهى إلى غاية العمران في الأرض وهناك أقواما تطلع الشمس عليهم، ولكن ليس لهم بيوت تسترهم، أو أشجار تظلهم ولعلهم كانوا على حال من الفوضى ونصيب من الجهل... فبسط حكمه عليهم ونفذ فيهم دستور العدل ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء الذي سبق ذكره، ثم تركهم إلى الشمال غازيا مجاهدا مظفرا منصورا، حتى انتهى إلى بلاد بين جبلين يسكنها أقوام لا تكاد تعرف لغاتهم، أو يفهم في الحديث مرماهم، ولكنهم قد جاوروا يأجوج ومأجوج، وهم قوم مفسدون في الأرض، وأوزاع من الخلق ضالون مضلون.
وقد لجأ الأقوام إلى ذي القرنين ؛ ليحول بينهم وبين المفسدين وشرطوا على أنفسهم نولا يدفعونه إليه، وأموالا يضعونها بين يديه ولكن ذا القرنين أجابهم إلى طلبهم ورد عطاءهم وقال لهم :﴿ ما مكني فيه ربي خير... ﴾ ( الكهف : ٩٥ ).
ثم طلب إليهم أن يعينوه على ما يفعل فحشدوا له الحديد والنحاس، والخشب والفحم، فوضع بين الجبلين قطع الحديد وحاطها بالفحم والخشب، ثم أوقد النار، وأفرغ عليه ذائب النحاس، واستوى كل ذلك بين الجبلين سدا منيعا قائما، ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تظهره ؛ لملاسته، أو تنقبه ؛ لمتانته، وأراح الله منهم شعبا كان يشكو من أذاهم، ويألم من عدوانهم.
ونظر ذو القرنين إلى العمل الضخم الذي قام به، فلم يأخذه البطر والغرور ولكنه ذكر الله فشكره، ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه وتبرأ من قوته إلى قوة الله، وأعلن عقيدته في البعث والحشر وإيمانه بأن الجبال والحواجز والسدود ستدك قبل يوم القيامة، فتعود الأرض سطحا أجردا مستويا وهكذا تختم هذه القصة بتأكيد قدرة الله على البعث.
﴿ قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقا ﴾. ( الكهف : ٩٨ ).
وبذلك تنتهي قصة ذي القرنين، النموذج الطيب للحاكم الصالح يمكنه الله في الأرض، وييسر له الأسباب، فيحتاج الأرض شرقا وغربا، ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر، ولا يطغى ولا يتبطر ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان، ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه. إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به، ويساعد المتخلفين، ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل، ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ودفع العدوان وإحقاق الحق. ثم يرجع كل خير يحقه الله على يديه إلى رحمة الله وفضله، ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته وأنه راجع إلى الله٣.
أهداف سورة الكهف
نزلت سورة الكهف بمكة في وقت اشتدت فيه حملة القرآن على المنكرين المكذبين بيوم الدين. وقد نزلت قبلها سورة الغاشية وهي سورة تبدأ وتنتهي بحديث الساعة، وإياب الناس جميعا إلى الله ؛ ليحاسبهم على ما قدموا.
ونزل
قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٤- ﴿ قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل تجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا ﴾.
أي : قال مترجموهم : يا ذا القرنين، إن يأجوج ومأجوج يفسدون في أرضنا بالقتل والتخريب، وأخذ الأوقات، وسائر ضروب الإفساد.
قال المفسرون :
كانوا من أكلة لحوم البشر، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضرا إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه، فعرض القوم على ذي القرنين أن يجعلوا له ضريبة من أموالهم ؛ حتى يبني سدا بينهم وبين يأجوج ومأجوج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٥- ﴿ قال ما مكّني فيه ربّي خيرا فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما ﴾.
أي : ما أعطاني الله تعالى من الملك والقوة والتوفيق خير من أموالكم، ثم رغب في أن يشترك القوم معه بالرجال والآلات والإمكانات والقوة ؛ حتى يبني لهم سدا منيعا، فحشدوا له الحديد والنحاس، والخشب، والفحم، فوضع بين الجبلين قطع الحديد، وحاطها بالفحم والخشب، ثم أوقد النار وأفرغ عليها ذائب النحاس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٦- ﴿ آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصّدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا ﴾.
أي : أعطوني قطع الحديد واجعلوها في ذلك المكان، حتى إذا ساوى البناء بين جانبي الجبل أمرهم أن ينفخوا بالكير عليه.
قيل : كان يأمر بوضع قطع الحديد والحجارة، ويوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى تحمى، والحديد إذا أوقد عليه ؛ صار كالنار المحمرة، ثم يؤتى بالنحاس المذاب فيفرغه على تلك الطاقة.
وقد ثبت علميا أن إضافة نسبة من النحاس إلى الحديد تضاعف مقاومته وصلابته، وكان هذا الذي هدى الله إليه ذا القرنين، وسجله في كتابه الخالد ؛ سبقا للعلم البشري الحديث بقرون عديدة ٦٣.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٧- ﴿ فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ﴾.
أي : أن هذا السد المنيع المرتفع، المكون من الحديد الأملس لم يقدر يأجوج ومأجوج على تسوره، والارتفاع فوقه ؛ لعلوه وارتفاعه، ولم يستطيعوا نقبه من أسفل ؛ لصلابته وثخانته، وبهذا السد المنيع أغلق ذو القرنين الطريق على يأجوج ومأجوج، ونظر هذا الرجل المؤمن إلى السد وقوته، ومناعته وضخامته، فلم يأخذ البطر والغرور، ولم تسكره نشوة القوة والعلم، بل شكر الله تعالى على توفيقه ومعونته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٨- ﴿ قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقا ﴾.
أي : هذا البناء العظيم، تم بفضل الله ورحمته، وتوفيقه ومعونته، فإذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج، وذلك قرب قيام الساعة ؛ جعل الله هذا السد مستويا بالأرض، وعاد متهدما كأن لم يكن بالأمس.
﴿ وكان وعد ربّي حقا ﴾. أي : وكان وعده تعالى بخراب السد، وقيام الساعة كائنا لا حالة ؛ فقد أفاد القرن ؛ أن الجبال والحواجز والسدود ستدك قبل يوم القيامة ؛ فتعود الأرض سطحا أجردا مستويا.
قال تعالى :﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفا. فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. يومئذ يتبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾. ( طه : ١٠٨، ١٠٥ ).
وقال تعالى :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهّار ﴾. ( إبراهيم : ٤٨ ).
وقال عز شأنه :﴿ إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت. وإذا الأرض مدت. وألقت ما فيها وتخلّت. وأذنت لربّها وحقّت ﴾. ( الانشقاق : ١-٥ ).
وتفيد آيات القرآن الكريم : أنه عند قيام الساعة ؛ تلقي الأرض ما في باطنها، وتندك الجبال والسدود ؛ ويحشر الناس على أرض بيضاء مستوية، ينفذ إليهم البصر وتراهم العيون، ويصطف الناس للحساب.
قال تعالى :﴿ كلا إذا دكّت الأرض دكا دكّا. وجاء ربك والملك صفا صفّا. وجيء يومئذ بجهنم... ﴾ ( الفجر : ٢١-٢٣ ).
إنه يوم القيامة نؤمن به، ونؤمن بما جاء في القرآن الكريم عنه، وبأن الملك في ذلك اليوم لله تعالى وحده، قال تعالى :﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ﴾. ( الفرقان : ٢٦، ٢٥ ).
ملحق بتفسير الآية
٩٨ من سورة الكهف
﴿ قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء وكان وعد ربي حقا ﴾.
أي : قال ذو القرنين : إن بناء السد بهذا الإحكام ؛ رحمة وتفضل وتوفيق من الله تعالى ؛ فإذا جاء يوم القيامة صار السد مستويا بالأرض، وعاد متهدما كأن لم يكن بالأمس ؛ هذا رأي.
ومن المفسرين من ذكر : أن معنى ﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾، أي : إذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج، اندكّ السد، وخرج هؤلاء الناس يقتلون ويعتدون.
قال المراغي :
أي : فإذا دنا وقت خروجهم من وراء السد ؛ جعله ربي بقدرته وسلطانه أرضا مستوية، فسلط عليهم منهم، أو من غيرهم من يهدمه، ويسوى به الأرض.
﴿ وكان وعد ربّي حقا ﴾.
أي : وكان ما وعد به سبحانه حقا ثابتا لا ريب في تحققه.
وقد جاء وعد الله تعالى بخروج جنكيز خان سلطان خوارزم السلجوقي٦٤.
من تفسير الظلال
وبعد، فمن يأجوج ومأجوج ؟ وأين هم الآن ؟
وماذا كان من أمرهم وماذا سيكون ؟
كل هذه أسئلة تصعب الإجابة عليها على وجه التحقيق، فنحن لا نعرف عنهم إلا ما ورد في القرآن، وفي بعض الأثر الصحيح، والقرآن يذكر في هذا الموضع ما حكاه من قول ذي القرنين :﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ﴾.
وهذا النص لا يحدد زمانا، ووعد الله، بمعنى : وعده بدك السد ربما يكون قد جاء منذ أن هجم التتار وانساحوا في الأرض، ودمروا الممالك تدميرا٦٥.
وفي موضع آخر في سورة الأنبياء :
﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصر الذين كفروا يا ويلتنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ﴾. ( الأنبياء : ٩٧، ٩٦ ).
وهذه الآيات ترجح أن دكّ السد وخروج يأجوج ومأجوج ؛ سيكون قرب قيام الساعة، أو هو من علامات قيام الساعة. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يؤيد ذلك٦٦.
من هدي السنة
في الصحيحين ومسند أحمد : عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : استيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمّر وهو يقول :( ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ) وحلّق بأصبعيه : السبابة والإبهام. قلت : يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون ؟ ! قال :( نعم إذا كثر الخبيث )٦٧.
والحديث من دلائل النبوة، وهو في نفس الوقت تحذير للأمة العربية من التردي والتفسخ، وانتشار المنكر، عندئذ يطمع في الأمة أعداؤها، ويسلط الله عليها الجبارون المنتقمون ؛ جزاء خروجها عن الجادة.
إن الأمة العربية مدعوة، إلى الوحدة والتماسك، والتلاقي حول القرآن والسنة والتراث، والاعتصام بحبل الله ﴿ ومن يعتصم بالله فقد هُديَ إلى صراط مستقيم ﴾. ( آل عمران : ١٠١ ).
إن عودة القدس، وتحرير بيت المقدس يحتاج أمة مجاهدة، وقيادة مؤمنة، ورغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله ؛ وعندئذ يأتي النصر قال تعالى :﴿ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾. ( محمد : ٧ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

قصص ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج
مكن الله لذي القرنين في الأرض، وأعطاه الجند والأتباع والعزيمة والقوة ؛ حتى استطاع أن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها، وأن يمتد ملكه في أعظم بقاع الأرض، وأعطاه الله أسباب القوة والنصر، فاستغلها وبسط ملكه محاولا إحقاق الحق، وقهر الباطل والظلم.

قال المفسرون :

ذو القرنين هو ( الإسكندر اليوناني ) ملك المشرق والمغرب ؛ فسمي :( ( ذا القرنين ) وكان ملكا مؤمنا ؛ مكّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وروى : أن الذين ملكوا الأرض أربعة : مؤمنان وكافران، أما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران : فنمروذ وبختنصر٥٨.
ويرى بعضهم أن ذا القرنين من حمير، واسمه : أبو بكر بن أفريقش، وقد رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس وراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية ؛ فسميت القارة كلها باسمه، وسمي : ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس٥٩.
وقيل : هو أبو كرب الحميري، وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، وينبغي أن تؤخذ بحذر ؛ لما فيها من إسرائيليات وأساطير، مثل قولهم : إنه ملك من الملائكة٦٠.
وحسبنا ما في كتاب الله تعالى : فقد سجل القرآن الكريم له ثلاث رحلات : واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.
٩٩- ﴿ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾.
أي : ويوم يدك االسّد يخرج هؤلاء من وراءه، ويموجون في الناس، ويفسدون عليهم زروعهم، ويتلفون أموالهم.
وهذا معني قوله تعالى :﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ﴾. ( الأنبياء : ٩٦ ).
أي : وهم من كل مرتفع من الأرض، يسرعون في النزول من الآكام والمرتفعات.
﴿ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾.
أي : فإذا دنا ميقات الساعة ؛ نفخ إسرافيل في الصور، وهو البوق الذي يصعق الناس عند سماعه، ثم يقومون بعد فترة للحساب، وقد جمع الله في هذا اليوم الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم.
قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
من تفسير القرطبي
قال القرطبي :
﴿ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ﴾.
الضمير في تركنا لله تعالى، أي : تركنا الجن والإنس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض، وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يومئذ أي : يوم كمال السد يموج بعضهم في بعض، واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض.
وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يوم انفتاح السد يموجون في الدنيا مختلطين ؛ لكثرتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة
يأجوج ومأجوج قبائل كانت تغير في أزمنة مختلفة على الأمم المجاورة لها، فكثيرا ما أفسدوا في الأرض ودمروا كثيرا من الأمم. تمكن ذو القرنين- وهو مجاهد صالح يسّر الله له النصر والملك- أن يبني سدا من الحديد والنحاس، فحبسهم خلف السد.
رأيان للمفسرين
يرى عدد من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج قد جاءوا بالفعل وهم المغول التتار ؛ ومن هؤلاء المفسرين : الشيخ القاسمي، والمراغي، وصاحب الظلال.
ويرى فريق آخر من المفسرين : أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم سيكون قرب قيام الساعة ؛ وهذا الفريق يؤيده أن سياق الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء، وهنا في سورة الكهف، يوحي بأن ذلك قرب يوم القيامة ؛ والأحاديث النبوية الصحيحة فيها : خروج الدجال، وبعث عيسى وقتله الدجال،... ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج التغف في رقابهم فيموتوا، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه : ما يفيد : أن خروج يأجوج ومأجوج سيكون من علامات الساعة، والله تعالى أعلم.

﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( ١٠٠ ) الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ( ١٠١ ) أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ١٠٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( ١٠٣ ) الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ١٠٤ ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقاءه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ١٠٥ ) ذلك جزاءهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ( ١٠٦ ) ﴾
المفردات :
عرضنا : أظهرنا وأبرزنا.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
التفسير :
١٠٠- ﴿ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ﴾.
أي : أبرزنا وأظهرنا جهنم بأهوالها ونيرانها، وألوان عذابها أمام الكافرين يوم جمع الخلائق أجمعين ؛ إبرازا هائلا فظيعا، حيث يرونها ويشاهدونها بدون لبس أو خفاء، فيصيبهم ما يصيبهم من رعب وفزع عند مشاهدتها.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
المفردات :
غطاء : غشاوة محيطة بها.
ذكري : الآيات الموصولة إلى ذكري بتوحيدي وتمجيدي.
التفسير :
١٠١- ﴿ الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ﴾.
حجب الكافرين عقولهم عن التفكير في أدلة الإيمان، ومنعوا عيونهم عن النظر والتأمل في أدلة الكون وأدلة القرآن على وجود الله، ثم صموا أسماعهم عن سماع كلمة الحق ؛ فاستحقوا أن تعرض عليهم جهنم بجميع أهوالها عرضا فظيعا مؤلما.
قال أبو السعود :
وهذا تمثيل لإعراضهم عن الأدلة السمعية، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عمي، صم. ١ ه.
لقد دنّسوا أنفسهم باجتراح المعاصي والآثام، وأطاعوا وساوس الشيطان ؛ فسلب الله عنهم الهدى وتركهم أسرى للضلال والظلام، في قلوبهم مرض الكفر أو النفاق، وفي عيونهم غشاوة التعامي عن الحق، وفي أسماعهم وقر وصمم عن سماع الحق أو القرآن، وقد تكرر هذا المعنى في آيات القرآن الكريم، قال تعالى :﴿ صم بكم عمي فهم لا يرجعون ﴾. ( البقرة : ١٨ ).
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
المفردات :
أولياء : معبودات يقونهم بأسي.
أعتدنا : هيأنا.
نزلا : منزلا.
التفسير :
١٠٢- ﴿ أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا ﴾.
والهمزة هنا للاستفهام الإنكاري والتوبيخ، أي : أفظن هؤلاء الكافرين الذين اتخذوا عبادي أولياء لهم، فعبدوا الملائكة، وعيسى، وعزيرا، وغيرهم، وأن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابي.
قال القرطبي :
وجواب الاستفهام محذوف تقديره : أفحسبوا أن ذلك ينفعهم، أو لا أعاقبهم ؟ !
لقد هيأنا لهم منزلا في جهنم، وفيها ما فيها من ألوان العذاب. ويطلق النزل على المنزل، كما يطلق على ما يقدم للضيف عند نزوله، والقادم عند قدومه ؛ على سبيل التكريم والترحيب، وقد جاءت الجملة الأخيرة في الآية على سبيل التهكم بهم، والتقريع لهم ؛ لأن جهنم ليست نزل إكرام للقادم عليها، بل هي عذاب مهين، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :﴿ فبشر بعذاب أليم ﴾. ( التوبة : ٣٤ )، وقوله عز شأنه :﴿ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقا ﴾. ( الكهف : ٢٩ ).
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
١٠٣- ﴿ قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا ﴾.
أي : قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الكافرين الذين أعجبتهم أعمالهم، وتصرفاتهم الجائرة : ألا تريدون أن أخبركم خبرا هاما كله الصدق، وأعرفكم عن طريقه من هم الأخسرون أعمالا في الدنيا والآخرة.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
١٠٤- ﴿ الذين ظلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾.
أي : عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة، مرضية مقبولة، وهم مخدوعون بأعمالهم يظنون أنهم على صواب وأنهم يحسنون صنعا.
وقد ورد في صحيح البخاري في باب التفسير، عن مصعب قال : سألت أبي ( يعني : سعد بن أبي وقاص- عن قول الله :﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ﴾. أهم الحرورية ؟ قال : لا هم اليهود والنصارى ؛ أما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا : لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميقاته، فكان سعد يسميهم : الفاسقين.
قال ابن كثير في تفسير الآية :
والآية عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية ؛ يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ وعمله مردود.
فالآية تشمل المشركين، واليهود، والنصارى، وغيرهم ممن يعتقدون أن كفرهم وضلالهم صواب وحق.
وقال الضحاك :
هم القسيسون والرهبان يتعبدون، ويظنون أن عبادتهم تنفعهم وهي لا تقبل منهم.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
المفردات :
ولقائه : حين البعث والحشر وما يتبع ذلك.
المفردات :
١٠٥- ﴿ أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقاءه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ﴾.
أي : إن هؤلاء الأخسرين أعمالا، هم الذين كفروا بدلائل الوحدانية المنبثة في الآفاق، وكفروا بالبعث والنشور وما يتبع ذلك من أمور الآخرة ؛ ومن ثم حبطت أعمالهم أي : فسدت وبطلت.
﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ﴾.
أي : ليس لهم عند الله قيمة ولا قدر ولا منزلة ؛ أو لأنه لا توجد لهم أعمال صالحة توجد في ميزان حسناتهم، فهي خالية من الخير.
روى البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، - وقال- اقرءوا إن شئتم :﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ﴾٦٨.
وأخرج الحافظ البزار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له، فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يا بريدة، هذا ممن لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنا )٦٩.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهد جهنم أمام الكافرين ؛ بحيث يرونها رأي العين، وفي ذلك تعجيل الهم والحزن لهم ؛ بسبب أنهم تعاموا وتصاموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وحسبوا أن اتخاذهم أولياء من دون الله ينجيهم من عذابه.
المفردات :
الهزو : السخرية والاحتقار
١٠٦- ﴿ ذلك جزاءه جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾.
أي : إن دخولهم جهنم بسبب كفرهم بكل ما يجب الإيمان به، وبسب استخفافهم واستهزائهم بآيات الله ورسله، فلم يكتفوا بالكفر بل امتد ضلالهم إلى السخرية بالآيات والمعجزات، وبالرسل الكرام.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( ١٠٧ ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ( ١٠٨ ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مددا ( ١٠٩ ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا ( ١١٠ ) ﴾
المفردات :
الفردوس : وسط الجنة وأفضلها.
تمهيد :
بينت هذه الآيات في ختام السورة ما يأتي :
( أ‌ ) جزاء المؤمنين في الفردوس الأعلى.
( ب‌ ) فضل القرآن وإعجازه واشتماله على العقائد، وبيان : كمالات الله وشرائعه وآدابه وتوجيهاته. ولا حدود لهذه الكمالات، ولا لما يمدنا به القرآن من العلوم والآداب.
( ج ) أن العمل لا يقبل إلا إذا صاحبه أمران :

١-
الالتزام بمنهج الله.

٢-
الإخلاص بالعمل لوجه الله.
التفسير :
١٠٧- ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات كانت لهم جنّات الفردوس نزلا ﴾.
إن الذين آمنوا بالله تعالى، وبكل ما يجب الإيمان به، وعملوا الأعمال الصالحة بإخلاص وإتباع لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : كان جزاؤهم عند الله تعالى جنات الفردوس منزلا ومستقرا وتكريما. وجنات الفردوس أعلى منازل الجنة ؛ كما ورد في الصحيحين.
وأخرج الإمام أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن في الجنة مائة درجة، كل درجة منها ما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومن فوقها يكون العرش ومنه تنفجر أنهار الجنة الأربعة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس )٧٠.
تمهيد :
بينت هذه الآيات في ختام السورة ما يأتي :
( أ‌ ) جزاء المؤمنين في الفردوس الأعلى.
( ب‌ ) فضل القرآن وإعجازه واشتماله على العقائد، وبيان : كمالات الله وشرائعه وآدابه وتوجيهاته. ولا حدود لهذه الكمالات، ولا لما يمدنا به القرآن من العلوم والآداب.
( ج ) أن العمل لا يقبل إلا إذا صاحبه أمران :

١-
الالتزام بمنهج الله.

٢-
الإخلاص بالعمل لوجه الله.
المفردات :
حولا : متحولا.
التفسير :
١٠٨- ﴿ خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ﴾.
أي : أن أهل الجنة خالدين فيها خلودا أبديا سرمديا، وهم في نعيم دائم لا يسأمون منه، ولا يرغبون في التحول عنه ؛ فالنفس البشرية في الدنيا راغبة في التنقل والاستكشاف ولكن أهل الجنة يخلق الله فيهم الرغبة في الإقامة الدائمة بالجنة، وعدم التحول عن منازلهم ومنزلتهم في الجنة إلى أي مكان آخر، ثم هم في الجنة يجدون فيها نعيما دائما، ونعما لا حصر لها ﴿ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين... ﴾ ( الزخرف : ٧١ ).
تمهيد :
بينت هذه الآيات في ختام السورة ما يأتي :
( أ‌ ) جزاء المؤمنين في الفردوس الأعلى.
( ب‌ ) فضل القرآن وإعجازه واشتماله على العقائد، وبيان : كمالات الله وشرائعه وآدابه وتوجيهاته. ولا حدود لهذه الكمالات، ولا لما يمدنا به القرآن من العلوم والآداب.
( ج ) أن العمل لا يقبل إلا إذا صاحبه أمران :

١-
الالتزام بمنهج الله.

٢-
الإخلاص بالعمل لوجه الله.
المفردات :
المداد : ما يمد به الشيء، واختص بما تمد به الدواة من الحبر.
كلمات ربي : كلامه وحكمه ومعلوماته غير المتناهية.
التفسير :
١٠٩- ﴿ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي لنفذ البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مددا ﴾.
هذه الآيات تمثيل لسعة علم الله، وعظيم ما تشتمل عليه آياته وكلماته ؛ فقد حوت منى الإعجاز العلمي والأدبي والنفسي والغيبي آفاقا لا حدود لها. وعلم الإنسان محدود يرمز إليه بالبحر، وعلم الله ومدلول آياته لا حدود له ؛ فلو تحول البحر إلى مداد ؛ لنكتب به معاني آيات الله، وما تشتمل عليه من آفاق وآداب وعلوم ؛ لنفد البحر قبل أن تنفد آيات القرآن وإعجازها المتعدد الوجوه، ولو جئنا بمثل البحر مددا لنفد أيضا، وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان ؛ لأن البحر محدود، وكلام الله تعالى من جملة صفاته، وصفاته تعالى لا حد لها ولا منتهى، وهكذا سائر صفاته كعلمه وقدرته ورحمته.
وفي معنى هذه الآية ورد قوله تعالى :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ﴾. ( لقمان : ٢٩ ).
تمهيد :
بينت هذه الآيات في ختام السورة ما يأتي :
( أ‌ ) جزاء المؤمنين في الفردوس الأعلى.
( ب‌ ) فضل القرآن وإعجازه واشتماله على العقائد، وبيان : كمالات الله وشرائعه وآدابه وتوجيهاته. ولا حدود لهذه الكمالات، ولا لما يمدنا به القرآن من العلوم والآداب.
( ج ) أن العمل لا يقبل إلا إذا صاحبه أمران :

١-
الالتزام بمنهج الله.

٢-
الإخلاص بالعمل لوجه الله.
المفردات :
الرجاء : طمع حصول ما فيه مسرة مستقبلة.
لقاء ربه : هو البعث وما يتبعه.
التفسير :
١١٠- ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا ﴾.
أي : قل لهم يا محمد : إنني مثلكم، لست ملاكا ولست إلها، بل أنا بشر ممن خلق الله، اصطفاه الله بنزول الوحي والرسالة عليه، وكلفني التبليغ عن الله وكمالاته التي لا نهاية لها، وهو سبحانه واحد أحد فرد صمد، لا ند له ولا شريك له، وليس له والد أو ولد. فمن كان يرجو ثواب الله ويخاف عقابه ؛ فليعمل الأعمال الصالحة التي تقربه إلى ربه، وليبتعد عن الإشراك بالله، وليبتعد عن الرياء ؛ فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
جاء في كتاب زبدة التفسير من فتح القدير ما يأتي :
أخرج أحمد وابن سعد عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا ؛ فليطلب ثوابه من عند غير الله ؛ فإن لله أغنى الشركاء عن الشرك )٧١.
Icon