ﰡ
وسبب قوله تعالى :﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ( ٢ ) ﴾ أن المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة ويسرة، فنزلت الآية وأمروا أن يكون بصر ١ المصلي قبل قبلته أو بين يديه، وفي الحرم إلى الكعبة. وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلتفت في صلاته إلى السماء فنزلت الآية ٢ واختلف المفسرون ٣ أيضا ٤ في الخشوع ما هو ؟ فقيل هو الإقبال عليها والسكون فيها وهو قول مالك وجماعة سواه. وقيل الخشوع في القلب وأن لا تلتفت في صلاتك ٥ وهو قول علي بن أبي طالب. وروى بعضهم عنه ما يعضد هذا وهو أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع هذا خشعت جوارحه ٦. وقيل خاشعون يعني خائفون ساكنين، وهو قول ابن عباس ٧ والذي ينبغي أن يقال في هذا أن الخشوع هو التذلل في الجسم والقلب، وإلى هذا ترجع سائر الأقوال إذا حققت هذا الخشوع الذي ذكرناه. قال جماعة من العلماء ليس بفرض في الصلاة بحيث إذا تركه أحد بطلت صلاته ألا ترى أن عمر قال إني لأجهز جيشي وأنا في صلاتي. وروي عنه أنه قال إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة ٨ ولا شك أن الخشوع الباطني مع هذا متروك، ولو كان من الفرائض لما تركه عمر رضي الله تعالى عنه. وقد أطلق بعضهم عليه اسم الفرض ٩.
وقد اختلف السلف في الالتفات في الصلاة ١٠ فمن كان لا يرى ذلك أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو الدرداء ١١ وأبو هريرة وابن الزبير، ورخصت فيه طائفة منهم أنس بن مالك وابن عمر وغيرهما. وحجة القول الأول قوله تعالى :﴿ خاشعون ﴾، والالتفات فيه ترك الخشوع. واختلف العلماء في أي موضع يضع المصلي بصره. فقال الكوفيون والشافعي وغيره يضعه موضع السجود. قال الشافعي : وهو أقرب إلى الخشوع. وقال بعضهم هو الخشوع. وقال مالك ومن تابعه يضعه أمامه وليس عليه أن ينظر موضع سجوده، وكره الحد في ذلك. وقال بعضهم يضعه موضع سجوده إن كان قائما إلا بمكة في المسجد الحرام فإنه يستحب له أن ينظر إلى البيت. والحجة لمالك أن الخشوع إنما هو كما قال : الإقبال على الصلاة، والسكون وضع بصره أينما وضعه ما لم يزل بذلك عن حد السكون.
٢ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٣٤، لباب النقول ص ٥٥٦..
٣ "المفسرون" كلمة ساقطة في (د)..
٤ "أيضا" كلمة ساقطة في (أ)، (ح)..
٥ من قوله: "هو الإقبال... إلى: في صلاتك" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٦ وجاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أن هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ١٢/ ١٠٣. وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: وروي عن بعض العلماء أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: "لو خشع هذا خشعت جوارحه" ١١/ ١٢٢..
٧ وفي تنوير المقباس: مخيتون: متواضعون لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ولا يرفعون أيديهم في الصلاة ص ٢٨٤..
٨ الأثر: لم أقف عليه في الكتب التي وقعت بين يدي..
٩ قال الفخر الرازي: فإن قيل فهل تقولون أن ذلك واجب في الصلاة؟ قلنا إنه عندنا واجب ويدل عليه أمور... راجع بقية القول في التفسير الكبير ٢٣/ ٧٧..
١٠ "في الصلاة" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١١ أبو الدرداء: هو عويمر بن عامر، ويقال عوير بن قيس بن زيد، ويقال غير ذلك أبو الدرداء الخزرجي الأنصاري، شهد أحدا، كان حكيما عالما، فاضلا تولى قضاء دمشق، مات في خلافة عثمان وقيل غير ذلك. انظر الإصابة ١٢/ ١١٤..
٢ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد أركان العلم والدين في عصر التابعين. توفي سنة ١٠٨هـ/ ٧٣٠م. انظر: تهذيب التهذيب ٨/ ٣٣٥..
٣ في (ب)، (ح): "فقيل"..
٤ الحديث ذكره عبد الله بن الصديق الغماري في الاستقصاء بلفظ: لا ينكح أحدكم نفسه بيده فيأتي بيده يوم القيامة وهي حبلى. وقال: ليس بصحيح بل لا أصل له. انظر الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء لعبد الله بن الصديق الغماري ص ٦٧..
٥ قال ابن العربي: وأحمد بن حنبل يجوزه ويحتج بأنه إخراج فضالة من البدن فجاز عند الحاجة، أصله الفصد والحجامة. وعامة العلماء على تحريمه وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٩٨..
قد تقدم الكلام على هذه الآية في سورة البقرة فلا معنى في إعادتها.
قال مكي فيها دلالة على جواز محاجة ١ الكفار والمبطلين وإقامة الحجة عليهم وإظهار الباطل من قولهم ومذهبهم ووجوب الحجج على من خالف دين الله تعالى.