تفسير سورة الأحزاب

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة الأحزاب مدنية اتفاقاً.

١ - ﴿أتَّقِ اللَّهَ﴾ أكثِر من تقواه في جهاد عدوه، أو دُم على تقواك، أو الخطاب له والمراد أمته، أو نزلت لما قدم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السلمي المدينة ليجددوا خطاب الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عهد بينهم وبينه فنزلوا على ابن أبي والجد بن قيس ومعتب بن قشير فتآمروا بينهم وأتوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] فعرضوا عليه أموراً كرهها فهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنون بقتلهم فنزلت ﴿اتق الله﴾ في نقض عهدهم ﴿وَلا تُطِعِ﴾ كفار مكة ومنافقي أهل المدينة فيما دعوا إليه.
557
﴿ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجهم الئي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لأبآئهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءابآءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً﴾
558
٤ - ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ﴾ كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائماً يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: إنه له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فنزلت إكذاباً لهم فالمراد بالقلبين جسدين، أو قال قرشي من بني فهر: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت إكذاباً له فيكون المراد بالقلبين عقلين / [١٤٥ / أ]، أو قال رجل: إن لي نفسين نفساً تأمرني ونفساً تنهاني فنزلت فيه " ح "، أو كان جميل بن معمر الجمحي أحفظ الناس لما يسمع ذا فهم ودهاء فقالت قريش: ما يحفظ ما يسمعه بقلب واحد وإن له قلبين فانهزم يوم بدر بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فلقي أبا سفيان بشاطىء البحر فأخبره بمن قتل من أشرافهم. فقال: إنه قد ذهب عقلك فما بال أحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال: ما كنت أظنها إلا في يدي فظهر لهم حاله ونزلت فيه، أو ضرب ذلك مثلاً لزيد لما تبناه الرسول [صلى الله عليه وسلم] فلا يكون لرجل أبوان حتى يكون زيد بن محمد وابن حارثة، أو لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد فيكون معناه ما جعل الله لرجل من دينين ﴿أَدْعِيَآءَكُمْ﴾ كان الذليل في الجاهلية يأتي القوي
558
الشريف فيقول أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابناً أصبح أعز أهله وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد تبنى زيد بن حارثة على تلك العادة فنزلت ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ﴾ في الجاهلية ﴿أَبْنَآءَكُمْ﴾ في الإسلام. ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُم﴾ في المُظَاهر عنها وابن التبني ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ في أنها ليست بأم ولا الدعي بابن.
559
٥ - ﴿أَقْسَطُ﴾ أعدل قولاً وحكماً. ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم كعبد الله وعبد الرحمن وغيرهما، أو قولوا أخونا فلان ومولانا فلان، أو إن لم يعرف نسبهم كانوا إخوانا في الدين إن كانوا أحراراً وموالي إن كانوا عتقاء ﴿أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ قبل النهي و ﴿مَّا تَعَمَّدَتَ قُلُوبُكُمْ﴾ بعد النهي في هذا وغيره، أو ما سهوتم به وما تعمدته قلوبكم: قصدته، أو ما أخطأتم أن تدعوه إلى غير أبيه " ظاناً أنه أبوه وما تعمدت قلوبكم أن تدعوه إلى غير أبيه عالماً بذلك " ﴿غَفُوراً﴾ لما كان في الشرك ﴿رَّحِيماً﴾ بقبول التوبة في الإسلام. ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله من المؤمنين والمهاجرين إلآ أن تفعلوا إلى أوليآئكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً﴾
٦ - ﴿أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته، أو أولى بهم فيما رأه لهم منهم بأنفسهم، أو لما أمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] الناس بالخروج إلى تبوك قال قوم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت، أو أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة فمن ترك مالاً فليرثه عصبته وإن ترك ديْناً، أو ضياعاً فليأتني
559
فأنا مولاه ". ﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ في حرمة نكاحين وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللائي مات عنهن، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثلث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات مؤمنات / [١٤٥ / ب] كالرجال فيه مذهبان، قالت امرأة لعائشة رضي الله تعالى عنها: يا أمَّه فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم. ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنصار ﴿وَالْمُهَاجرِينَ﴾ قريش. نسخت التوارث بالهجرة لما نزل في الأنفال ﴿والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يهاجروا﴾ [الآيه: ٧٢]. توارثوا بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئاً فنسخ ذلك بقوله ها هنا ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾، أو نسخت التوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين، قال الزبير: نزلت فينا خاصة قريش والأنصار قدمنا المدينة فآخينا الأنصار فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت كعب بن مالك فقُتِل يوم أُحد فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه أحد غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا. ﴿فِى كِتَابِ اللَّهِ﴾ القرآن، أو اللوح المحفوظ. ﴿مِنَ الْمؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ﴾ أي التوارث بالأنساب أولى من التوارث بالمؤاخاة في الهجرة
560
﴿تفعلوا إلى أوليائكم معروفا﴾ بالوصية للمشركين من ذوي الأرحام، أو الوصية للحلفاء والذين آخى بينهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] من المهاجرين والأنصار، أو الذين آخيتم فآتوا إليهم معروفاً في الحياة، أو وصية الرجل لإخوانه في الدين ﴿مَسْطُوراً﴾ كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطوراً قبل النسخ، أو كان نسخه بميراث ذوي الأرحام مسطوراً قبل التوارث، أو كان لا يرث مسلم كافراً في الكتاب المسطوراً، و ﴿الْكِتَابِ﴾ اللوح المحفوظ، أو القرآن، أو الذكر، أو التوراة، أمر بني إسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب. ﴿وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أبن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذاباً أليماً﴾
561
٧ - ﴿مِيثَاقَهُمْ﴾ على قومهم أن يؤمنوا بهم " ع "، أو ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوهم، أو ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً ﴿ومنك ومن نوح﴾ سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فقال: " كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث " وخص هؤلاء بالذكر تفضيلاً، أو لأنهم أصحاب الشرائع. ﴿مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ تبليغ الرسالة، أو أن يصدق بعضهم بعضاً، أو أن يعلنوا ان محمد [صلى الله عليه وسلم]
561
رسول ويعلن محمد أن لا رسول بعده.
562
٨ - ﴿ليسأل الصَّادِقِينَ﴾ الأنبياء عن تبليغ الرسالة، أو عما أجابهم به قومهم أو عن الوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم، أو يسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة. ﴿ياأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جآءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا﴾
٩ - ﴿نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ بالنصر والصبر ﴿جُنوُدٌ﴾ أبو سفيان وعيينة بن حصن وطلحة بن خويلد وأبو الأعور السلمي وبنو قريظة. ﴿رِيحاً﴾ الصّبا أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم. ﴿وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ الملائكة. تقوية لقلوب المؤمنين من غير قتال، أو بإيقاع الرعب في قلوب المشركين، أو بتفريق كلمتهم / وإقعاد بعضهم عن بعض، أو نصروهم بالزجر حتى جأوت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد: إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة.
١٠ - ﴿مِّن فَوْقِكُمْ﴾ من فوق الوادي وهو أعلاه جاء منه عوف بن مالك
562
في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطلحة بن خويلد الأسدي في بني أسد ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور وحيي بن أخطب في بني قريظة وعامر بن الطفيل من وجه الخندق. ﴿زَاغَتِ الأَبْصَارُ﴾ شخصت، أو مالت. ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ﴾ زالت عن أماكنها من الرعب فبلغت الحناجر وهي الحلاقم وإحدها حنجرة ويعبّر بذلك عن شدة الخوف وإن لم تُزل عن أماكنها مع بقاء الحياة ﴿الظنون﴾ فيما وعدهم به من النصر، أو اختلاف ظنونهم ظن المنافقون أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن وعده في إظهاره على الدين كله حق " ح ". ﴿هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً وإذ قالت طّائفة منهم ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فراراً﴾
563
١١ - ﴿ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ بالحصار، أو الجوع أصابهم بالخندق جوع شديد، أو امتحنوا بالصبر على إيمانهم. هنالك للمكان البعيد وهنا للقريب وهناك للمتوسط ﴿وَزُلْزِلُواْ﴾ حركوا بالخوف، أو اضطربوا عما كانوا عليه، منهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه، أو راحوا عن أماكنهم فلم
563
يكن لهم إلا موضع الخندق.
564
١٢ - ﴿مَّرَضٌ﴾ نفاق، أو شرك لما أخبرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] يومئذ بما يفتح عليهم من بيض المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن. قال رجل من الأوس أيعدنا ذلك واحد لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل. هذا والله الغرور فنزلت.
١٣ - ﴿طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ﴾ ابن أُبي وأصحابه، أو أوس بن قيظى، أو من بني سليم ﴿يَثْرِبَ﴾ المدينة ويثرب من المدينة، أو المدينة في ناحية من يثرب قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ثلاث مرات ﴿لا مُقَامَ لَكُمْ﴾ على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب " ح "، أو لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان، أو لا مقام لكم في أماكنكم فارجعوا إلى مساكنكم. والمقام بالفتح الثبات على الأمر وبالضم الثبات على المكان، أو بالفتح النزل وبالضم الإقامة. ﴿عَوْرَةٌ﴾ قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي، أو خالية ليس فيها إلا العورة من النساء من قولهم أعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب، أو مكشوفة / [١٤٦ / ب] الحيطان نخاف عليها السَّرْق والطلب. أعور المنزل إذا ذهب ستره وسقط جداره، وكل ما كره كشفه فهو عورة. {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوّها وما تلبّثوا بها إلا يسيراً
564
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادّبار وكان عهد الله مسئولاً قل لن ينفعك الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلاً قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً}
565
١٤ - ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ﴾ المدينة على المنافقين من نواحيها ﴿الْفِتْنَةَ﴾ القتال في المعصية، أو الشرك. ﴿وَمَا تَلَبَّثُواْ﴾ بالإجابة إلى الفتنة. أو بالمدينة ﴿إِلا يَسِيراً﴾ حتى يعذبوا.
١٥ - ﴿عَاهَدُواْ﴾ قبل الخندق وبعد بدر، أو قبل نظرهم إلى الأحزاب، أو قبل قولهم: يا أهل يثرب.
١٧ - ﴿سُوءًا﴾ هزيمة والرحمة النصر، أو عذاباً والرحمة الخير، أو قتلاً والرحمة التوبة. ﴿قد يعلم الله المعوقين منكم والقآئلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحة عليكم فإذا جآء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً﴾
١٨ - ﴿الْمُعَوِّقِينَ﴾ المثبطين: ابن أُبي وأصحابه ﴿وَالْقَآئِلِينَ﴾ المنافقون قالوا لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، وهو هالك ومن تبعه فهَلُم إلينا أو قريظة قالوا لإخوانهم المنافقين: هَلُم إلينا فإن محمداً هالك وإن ظفر بكم أبو سفيان لم يُبق منكم أحداً، أو انصرف يومئذ صحابي فوجد بين يدي أخيه لأبويه رغيفاً وشواء، فقال: أنت هكذا والرسول [صلى الله عليه وسلم] بين الرماح والسيوف فقال: هَلُم إليَّ فقد أحيط بك وبصاحبك. فقال: كذبت، وأتى الرسول [صلى الله عليه وسلم]
565
ليخبره فوجدها قد نزلت ﴿وَلا يَأْتُونَ﴾ القتال إلا كارهين، أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين، أو لا يشهدونه إلا رياء وسمعة.
566
١٩ - ﴿أشحة عليكم﴾ بالخير، أو بالقتال معكم، أوبالغنائم إذا أصابوها، أو بالنفقة في سبيل الله ﴿فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ﴾ من النبي إذا غلب، أو من العدو إذا أقبل ﴿سَلَقُوكُم﴾ رفعوا أصواتهم عليكم، أو آذوكم بالكلام الشديد والسَّلْق: الأذى، قال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره ﴿حِدَادٍ﴾ شديدة ذربة، جدالاً في أنفسهم، أو نزاعاً في الغنيمة ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ على قسمة الغنيمة، أو الغنيمة في سبيل الله، أو على الرسول [صلى الله عليه وسلم] لظفره ﴿لَمْ يُؤْمِنُواْ﴾ بقلوبهم ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ﴾ ثواب حسناتهم. ﴿يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبآئكم ولو كانوا فيكم مّا قاتلوا إلا قليلاً﴾
٢٠ - ﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ﴾ لخوفهم وشدة جزعهم، أو تصنعاً للرياء واستدامة للتخوف ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ كرهاً، أو رياء. ﴿لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً﴾
٢١ - ﴿أُسْوَةٌ﴾ مواساة عند القتال، أو قدوة حسنة يُتبع فيها، والأُسوة: المشاركة في الأمر، واساه في ماله جعل له فيه نصيباً. حثَّهم بذلك على الصبر
566
معه في الحروب، أو تسلية فيها أصابهم، فإن الرسول [صلى الله عليه وسلم] شُج وكُسرت رباعيته وقُتل عمه. ﴿يَرْجُواْ﴾ ثواب الله في يوم الأخر، أو يرجو لقاءه بالإيمان ويصدق بالبعث. خطاب للمنافقين، أو المؤمنين، وهذه الأُسوة واجبة، أو مستحبة.
567
٢٢ - ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ﴾ بقوله في البقرة ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم﴾، الآية: [البقرة: ٢١٤] أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] يوم الخندق أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة في قصور الحيرة ومدائن / [١٤٧ / أ] كسرى فأبشروا بالنصر فاستبشروا وقالوا: الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر مع الحصر فطلعت الأحزاب فقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله. ﴿إِيمَاناً﴾ بالرب ﴿وَتَسْلِيماً﴾ لقضائه، أو إيماناً بوعده وتسليماً لأمر. ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما﴾
٢٣ - ﴿عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ بايعوا على أن لا يفروا فصدقوا في اللقاء يوم أُحد، أو قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله أن لا يتأخروا عن رسوله في حرب حضرها أو أمر بها، فوفوا بما عاهدوا ﴿قَضَى نَحْبَهُ﴾ مات ﴿وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾ الموت " ع "، أو قضى عهده قتلاً، أو عاش ﴿وَمِنْهُم من ينتظر﴾ أن يقتضيه
567
بقتال، أو صدق لقاء، أو النحب: النذر، وعلى الأول الأجل وعلى الثاني العهد ﴿وَمَا بَدَّلُواْ﴾ ما غيروا كما غير المنافقون، أو ﴿ما بَدَّلُواْ﴾ عهدهم بالصبر ولا نكثوا بالفرار " ح ".
568
٢٤ - ﴿ويعذب المنافقين إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ بإخراجهم من النفاق، أو يعذبهم في الدنيا، أو في الآخرة بالموت على النفاق ﴿أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ بإخراجهم من النفاق حتى يموتوا تائبين. ﴿ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا﴾
٢٥ - ﴿بِغَيْظِهِمْ﴾ بحقدهم، أو غمهم ﴿لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً﴾ لم يصيبوا ظفراً ولا مغنماً ﴿وَكَفَى اللَّهُ المؤمنين القتال﴾ بالريح والملائكة، أو بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ﴿قَوِيّاً﴾ في سلطانه ﴿عَزِيزاً﴾ في انتقامه. ﴿وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً﴾
٢٦ - ﴿الِّذِينَ ظَاهَرُوهُم﴾ بنو قريظة وكان بينهم وبين الرسول [صلى الله عليه وسلم] عهد فنقضوه، والمظاهرة: المعاونة، فغزاهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعد ستة عشر يوماً من
568
الخندق فحصرهم إحدى وعشرين ليلة فنزلوا على التحكيم في أنفسهم وأموالهم فحكموا سعداً فحكم بقتل مقاتلتهم وبسبي ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فكبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقال: " قضى فيهم بحكم الله "، أو نزلوا على حكم الرسول ولم يحكم فيه سعد وإنما أرسل إليه يستشيره فقال: لو وُليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم، فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : والذي نفسي بيده لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله تعالى به فيهم ﴿صَيَاصِيهِمْ﴾ حصونهم لامتناعهم بها كما تمتنع البقر بصياصيها وهي قرونها ومنه صيصية الديك شوكة في ساقه. ﴿وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ بصنيع جبريل بهم ﴿فَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ قتل أربعمائة وخمسين وسبى سبعمائة وخمسين، وقيل: عرضوا عليه فأمر بقتل من احتلم، أو أنبت.
569
٢٧ - ﴿أَرْضَهُمْ﴾ المزارع والنخيل ﴿وَدِيَارَهُمْ﴾ منازلهم وأموالهم المنقولة ﴿وأرضا لم تطؤوها﴾ مكة، أو خيبر، أو فارس والروم " ح "، أو ما ظهر المسلمون عليه إلى يوم القيامة / [١٤٧ / ب] ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ أراد فتحه من القرى والحصون {قَدِيراً) وعلى ما أراده من نقمة أو عفو. {ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن
569
وأُسرِّحكنَّ سراحاً جميلاً وإن كنتنَّ تردن الله ورسوله والدَّار الأخرة فإنَّ الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما}
570
٢٨ - ﴿قُل لأَزْوَاجِكَ﴾ لم يخيرهن في الطلاق بل خيرهن من اختيار الدنيا فيفارقهن، أو اختيار الآخرة فيمسكهن " ح "، أو خيرهن في الطلاق، أو المقام معه فاخترن كلهن إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها. وسبب تخييرهن أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] خُير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة فأمره بتخييرهن ليكنَّ على مثل حاله أو لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهراً، وأُمر بتخييرهن، أو اجتمعن يوماً وقلن: نريد ما تريده النساء من الحلي والثياب، حتى قال بعضهن: لو كنا عند غير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لكان لنا شأن وحلي وثياب فنزلت، أو
570
لأن الله تعالى صان خلوة نبيه [صلى الله عليه وسلم] فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فأجبن إلى ذلك فأمسكهن، أو سألته أم سلمة سِتراً معلماً وميمونة حلة يمانية وزينب ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني أم حبيبة ثوباً سحولياً وحفصة ثوباً من ثياب مصر وجويرية مِعجراً وسودة قطيفة فدكية فلم تطلب عائشة رضي الله تعالى عنها شيئاً فأمره الله تعالى بتخييرهن، وكان تحته يومئذٍ تسع سوى الحميرية
571
خمس قرشيات عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وصفية بنت حُيي الخيبري وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. فلما اخترن الصبر معه على الرخاء والشدة عُوضن بأن جُعلن أمهات المؤمنين تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن، وخطر عليه طلاقهن أبداً وحُرم النكاح عليهن ما دام معسراً فإن أيسر ففيه مذهبان، قالت عائشة رضى الله عنها ما مات الرسول [صلى الله عليه وسلم] حتى حل له النساء، يعني اللآتي حظرن عليه، وقَيل الناسخ لتحريمهن قوله: ﴿إِنَّآ أَحْلَلْنَا لك﴾ الآية: [٥٠]. {يا نسآء النبىِّ من يأت منكنَّ بفاحشةٍ مبينة يضاعف لها العذابُ ضعفين وكان ذالك على الله يسيراً ومن يقنت منكنَّ للهِ ورسولهِ وتعمل صالحاً نُّؤتهآ أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريما
572
٣٠ - ﴿بفاحشةٍ مبيِّنة﴾ الزنا، أو النشوز وسوء الخلق " ع " ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عذابان في الدنيا، لأذاهن للرسول [صلى الله عليه وسلم] حدان في الدنيا غير السرقة. قال أبو عبيدة الضعفان أن تجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضعفي الواحد ثلاثة، أو المراد بالضعف المثل والضعفان المثلان قاله ابن قتيبة وقال آخرون إذا كان ضعف
572
الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفان أربعة أمثاله. قال ابن جبير: فجعل عذابهن ضعفين وجعل على من قذفهن الحد ضعفين.
573
٣١ - ﴿يَقْنُتْ﴾ تطع ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحاً﴾ بينها وبين ربها ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ كلاهما في الآخرة أو أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة ﴿رزقا كريما﴾ / [١٤٨ / أ] في الجنة، أو في الدنيا واسعاً حلالاً. ﴿يا نساء النبىّ لستُنّ كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصّلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من ءايات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً﴾
٣٢ - ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ﴾ من نساء هذه الأمة ﴿فَلا تَخْضَعْنَ﴾ فلا ترققن بالقول، أو لا ترخصن به " ع " أو تلن القول أو لا تكلمن بالرفث أو بالكلام الذي فيه ما يهوي المريب أو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال. ﴿مرض﴾ شهوة الزنا والفجور، أو النفاق، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول [صلى الله عليه وسلم] المنافقون ﴿مَّعْرُوفاً﴾ صحيحاً، أو عفيفاً، أو جميلاً.
٣٣ - ﴿وقرن﴾ من القرار في مكان وبالكسر من السكينة والوقار ﴿تبرجن تبرج﴾ التبخير، أو كانت لهن مشية وتكسر وتغنج. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" المائلات المميلات لا يدخلن الجنة " المائلات في مشيهن والمميلات قلوب الرجال إليهن، أو كانت المرأة تمشي بين الرجال، أو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها وقرطها فيبدوا ذلك كله منها، أو تُبدي من محاسنها ما يلزمها ستره، أصله من تبرج العين وهو سعتها. ﴿الْجَاهِليَّةِ الأُولَى﴾ بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو زمن إبراهيم عليه الصلاة السلام كانت أحداهن تمشي في الطريق لابسة درعاً مفرجاً ليس عليها غيره، أو ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام، ثمانمائة سنة فكن النساء يردن الرجال على أنفسهن لحسن رجالهن وقبح نسائهن، أو بين نوح وإدريس عليهما الصلاة والسلام ألف سنة كانت إحداهن تجمع زوجاً وخِلماً أي صاحباً فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخِلمها النصف الأعلى، أو كان بطنان من بني آدم يسكن أحدهما الجبل رجالهم صِبَاح وفي نسائهم دمامة " وأهل السهل عكس ذلك " فاتخذ لهم
574
إبليس عيداً اختلط فيه أهل السهل بأهل الجبل فظهرت فيهم الفاحشة فذلك تبرج الجاهلية الأولى. ﴿الرِّجْسَ﴾ الإثم، أو الشرك " ح "، أو الشيطان، أو المعاصي، أو الشك، أو الأقذر ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قاله أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أو الأزواج خاصة، أو الأهل والأزواج. ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ من الإثم، أو السوء، أو الذنوب.
575
٣٤ - ﴿آيات اللَّهِ﴾ القرآن ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ السنة، أو الحلال والحرام والحدود ﴿لَطِيفاً﴾ باستخراجها ﴿خَبِيراً﴾ بمواضعها. ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصداقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً﴾
٣٥ - ﴿إن المسلمين﴾ قالت أم سلمة للرسول [صلى الله عليه وسلم] : ما للرجال يُذكَرون في القرآن ولا تذكر النساء فنزلت ﴿الْمُسْلِمِينَ﴾ المتذللين ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين، أو المسلمين في أديانهم، والمسلم والمؤمن واحد، أو الإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب، أو الإسلام اسم الدين والإيمان التصديق به والعمل عليه / [١٤٨ / ب]. ﴿والقانتين﴾ المطيعين، أو الداعين " ع " ﴿والمصدقين﴾ في أيمانهم أو عهودهم ﴿وَالْصَّابِرينَ﴾ على
575
أمر الله ونهيه، أو في البأساء والضراء ﴿وَالْخَاشعِينَ﴾ المتواضعين لله، أو الخائفين منه، أو المصلين ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ﴾ بأنفسهم في طاعة الله، أو بأموالهم في الزكاة المفروضة أو بأعطاء النوافل بعد الفرض ﴿وَالْصًّآئِمِينَ﴾ عن المعاصي والقبائح أو الصوم الشرعي المفروض، أو رمضان وثلاثة أيام من كل شهر ﴿فُرُوجَهُمْ﴾ عن الحرام والفواحش، أو منافذ الجسد كلها يحفظون السمع عن اللغو والخنا " والأعين عن النظر إلى ما لا يحل " والفروج عن الفواحش والأفواه عن قول الزور وأكل الحرام ﴿وَالْذَّاكِرِينَ اللَّهَ﴾ باللسان أو التالين لكتابه، أو المصلين ﴿مَّغْفِرَةً﴾ لذنوبهم ﴿وأجرا عظيما﴾ لأعمالهم. ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا﴾
576
٣٦ - ﴿وما كان لمؤمن﴾ لما خطب الرسول [صلى الله عليه وسلم] زينب بنت جحش لزيد بن حارثة امتنعت هي وأخوها لأنهما ولداً عمة الرسول [صلى الله عليه وسلم] أُميمة بنت عبد المطلب، وأنهما من قريش وأن زيداً مولى فنزلت فقالت زينب: أمري
576
بيد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزوجها من زيد " ع " أو نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء فوهبت نفسها للرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: قد قبلت فزوجها زيد بن حارثه فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزوجها عبده ﴿ضَلالاً مُّبِيناً﴾ جار جوراً مبيناً، أو أخطأ خطأ طويلاً. ﴿وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا﴾
577
٣٧ - ﴿أنعم الله عليه﴾ بمحبة رسوله [صلى الله عليه وسلم] ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بالتبني، أو بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة أتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] منزله فرأى زوجته زينب بنت جحش فأعجبته فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعت ذلك فجلست فجاء زيد فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتاه فقال: يا
577
رسول الله إئذن لي في طلاقها فإن فيها كِبراً إنها لتؤذيني بلسانها، فقال: اتق الله تعالى وأمسك عليك زوجك وفي نفسه [صلى الله عليه وسلم] غير ذلك ﴿وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ﴾ إيثار طلاقها، أو الميل إليها، أو أنه إن طلقها تزوجتها، أو أعلمه الله بغيب أنها تكون من زوجاته قبل أن يتزوجها " ح " ﴿وَتَخْشَى﴾ مقالة الناس، أو أن تبديه لهم ﴿وَطَراً﴾ حاجة، أو طلاقاً والوَطَر الأرب المشتهى ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ فدعا الرسول [صلى الله عليه وسلم] زيداً، وأمره أن يخبرها أن الله تعالى زوجه إياها فجاءها فاستفتح فقالت: من هذا قال: زيد فقالت: وما حاجة زيد إليَّ وقد طلقني فقال: إن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أرسلني فقالت: مرحباً برسول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وفتحت فدخل وهي
578
تبكي فقال: لا يبكي الله عينيك قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبري قسمي وتطيعي أمري / [١٤٩ / أ] وتشبعي مسرتي فقد أبدلك الله تعالى خيراً مني قالت: من لا أباً لك قال: رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فخرت ساجدة وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عُسرة فأصدقها قربة وعباءة ورحى يد ووسادة أدم حشوها ليف وأولم عليها تمر وسويق ودخل عليها بغير إذن وكانت تفخر على نسائه وتقول زوجكن أولياؤكن وآباؤكن وأما أنا فزوجني رب العرش ﴿كيلا يكون﴾ قال المشركون للرسول [صلى الله عليه وسلم] : زعمت أن زوجة الابن لا تحل وقد تزوجت حليلة أبنك زيد. فقال الله تعالى ﴿كيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حرجٌ﴾ الآية أي لا تحرم زوجة ابن الدعي ﴿أَمْرُ اللَّهِ﴾ تزويج الرسول [صلى الله عليه وسلم] زينب رضي الله تعالى عنها. ﴿مَفْعُولاً﴾ حكماً لازماً وقضاء واجباً. ﴿ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾
579
٣٨ - ﴿فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ أحله له من تزويج زينب أو من التي وهبته نفسها أن زوجه الله إياها بغير صداق ولكن أعطاها الصداق فضولاً " ح " أو أن ينكح ما شاء من عدد النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربع لأن اليهود عابوه بذلك. قال الطبري نكح الرسول [صلى الله عليه وسلم] خمس عشرة ودخل بثلاث عشرة ومات
579
فارغة
580
عن تسع وكان القسم لثمان. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ السنة الطريقة المعتادة ﴿فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ﴾ أي لا حرج على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم بسلامه فيما أحل لهم كما أحل لداود عليه الصلاة والسلام مثل هذا في نكاح ما شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزوجها ونكح مائة امرأة، وأحل لسليمان عليه الصلاة والسلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سُرّية ﴿قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ فعلاً مفعولاً، أو قضاء مقضياً عند الجمهور. ﴿الذين يبلغون رسالت الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجّالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين وكان الله بكل شيءٍ عليماً﴾
581
٤٠ - ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ لما قال المشركون قد تزوج محمد امرأة ابنه أكذبهم الله تعالى بهذه الآية ﴿وَخَاتَمَ النبيين﴾ آخرهم. ﴿يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلاً هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً تحيتهم يوم يلقونه سلامٌ وأعدّ لهم أجراً كريماً﴾
٤١ - ﴿اذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ تعالى بقلوبكم ذكراً دائماً مؤدياً إلى طاعته، أو بألسنتكم ذكراً كثيراً بالدعاء والرغبة، أو بالإقرار له بالربوبية والاعتراف بالعبودية.
٤٢ - ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأًصِيلاً﴾ صلاة الصبح والعصر والأصيل ما بين العصر والليل، أو الأصيل الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ﴿وَسَبِّحُوهُ﴾ بالتنزيه، أو الصلاة، أو الدعاء.
٤٣ - ﴿يُصَلِّى عَلَيْكُمْ﴾ صلاته ثناؤه، أو إكرامه، أو رحمته، أو مغفرته وصلاة الملائكة دعاؤهم واستغفارهم ﴿مِّنَ الظُّلُمَاتِ﴾ من الكفر إلى الإيمان أو من الضلالة إلى الهدى، أو من النار إلى الجنة. ﴿يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذانهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً﴾
٤٥ - ﴿شَاهِداً﴾ على أمتك بالبلاغ ﴿وَمُبَشِّراً﴾ بالجنة ﴿وَنَذِيراً﴾ من النار " ع ".
٤٦ - ﴿وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ﴾ إلى طاعته، أو الإسلام، أو شهادة أن لا إله إلا الله ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأمره " ع " أو علمه " ح "، أو القران. / [١٤٩ / ب] (وسراجاً} القرآن، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿مُّنِيراً﴾ يُهتدى به كالسراج.
٤٧ - ﴿فَضْلاً كَبِيراً﴾ ثواباً عظيماً، أو الجنة لما رجع الرسول [صلى الله عليه وسلم] من الحديبية فنزل عليه ٠ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} الآيات [الفتح ١ - ٣] قال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله قد غُفر لك ما تقدم وما تأخر فماذا لنا فنزلت ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
٤٨ - ﴿وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾ أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور والمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق قالوا: يا محمد اذكر أن
582
لآلهتنا شفاعة ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة، أو كف عن أذاهم وقتالهم قبل الأمر بالقتال، أو اصبر على أذاهم، أو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب. ﴿يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدّةٍ تعتدّونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً﴾
583
٤٩ - ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ متعة الطلاق إذا لم تُسموا لهن صداقاً فتقوم المتعة مقام نصف المسمى وقدرها نصف مهر المثل، أو أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ماله ثمن ﴿سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ تدفع المتعة بحسب اليسار والإعسار، أو طلاقها طاهراً من غير جماع قاله قتادة، قلت: هذه غفلة منه لأن الآية فيمن لم يدخل بهن. ﴿يا أيها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك التي ءاتيت أجورهن وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك خالك وبنات خالاتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرجٌ وكان الله غفوراً رحيماً﴾
٥٠ - ﴿أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ اللاتي تزوجتهن قبل هذه الآية ولا يحل غيرهن لقوله ﴿لاَّ يَحِلُّ لك النساء﴾ الآية [٥٢]. أو أحل له بهذه الآية سائر
583
النساء قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وينسخ بها قوله ﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء من بعد﴾ الآية: [٥٢] إذ أحل له فيها من سماه من النساء دون من لم يسم ﴿وما مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ فكان من الإماء مارية ﴿مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ﴾ من الغنيمةَ صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما وبنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته. قاله أُبي بن كعب ﴿هَاجَرْنَ﴾ أسلمن، أو هاجرن إلى المدينة قالت أم هانئ نزلت هذه الآية فأراد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يتزوجني فَنُهي عني لاني لم أهاجر وهذه الهجرة شرط في نكاحه لبنات عمه وعماته المذكورات في الآية خاصة بهن، أو شرط في نكاح القريبات والأجنبيات فلا يجوز له أن ينكح غير مهاجرة. ﴿وَهَبَتْ نَفْسَهَا﴾ لم يكن عنده امرأة وهبته نفسها " ع " وهو تأويل من كسر " إِنْ "، أو كانت عنده على قول الجمهور، وهو تأويل من فتحها، أو من فتح أراد امرأة بعينها من وهبت نفسها حل له نكاحها ومن كسر أراد كل امرأة تهب نفسها فإنه يحل نكاحها. والواهبة التي كانت عنده. أم شريك بنت جابر بن ضباب، أو خولة بنت حكم أو ميمونة بنت الحارث " ع "، أو زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار ﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ تزوج الواهبة بغير ولي ولا مهر ولا يلزمك لها صداق، أو يصح نكاحك لها بلفظ الهبة ﴿مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ من ولي وشاهدين وصداق، أو أن لا يجاوزوا الأربع، أو النفقة والقسمة. {وَمَا
584
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي حللناهن من غير عدد محصور ولا قسم مستحق. ﴿كيلا يكون عليك / [١٥٠ / ب] حَرَجٌ﴾ متعلق بقوله ﴿أَحْلَلْنَا لَكَ﴾، أو بقوله ﴿وامرأة مؤمنة إن وهبت﴾ ﴿ترجى من تشاء منهنّ وتئوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن كلّهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً﴾
585
٥١ - ﴿ترجي﴾ تطلق ﴿وتؤوي﴾ تمسك " ع "، أو تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء " ح "، أو تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت منهن فلا تعزلها وهذا يدل على سقوط القسم عنه، أو تعزل من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء من أزواجك ولما بلغ بعضهن أنه يريد أن يخلي سبيلهن أتينه فقلن: لا تخل سبيلنا وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجى سودة وميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمه من ماله ونفسه فيهن سواء. ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ﴾ فأويته إليك ﴿مِمَّنْ عَزَلْتَ﴾ أن تئويه إليك ﴿فَلآ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ فيمن ابتغيت وفيمن عزلت، أو فيمن عزلت أن تئويه إليك ﴿ذّلِكَ أَدْنَى﴾ إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزن أو إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قَرَّت أعينهن ولم يحزنَّ، أو إذا علمن هذا حكم الله قَرَّت أعينهن، أو إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن. ﴿لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شىءٍ رقيباً﴾
٥٢ - ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءَ مِن بَعْدُ﴾ نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة " ع " فقصر على التسع ومنع من غيرهن، أو لا يحل لك النساء بعد اللاتي حللن لك بقوله ﴿إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزوَاجَكَ﴾ إلى قوله {إن
585
وهبت نفسها} [٥٠] فقصر الإباحة على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات المهاجرات معه. قاله أُبي بن كعب، أو لا يحل لك النساء من بعد المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ويحل ما سواهن من المسلمات. ﴿وَلآ أَن تَبَدَّلَ﴾ بالمسلمات مشركات، أو ولا أن تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن قيل التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب، أو ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك، كانوا في الجاهلية يتبادلون بالأزواج فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ زوجته بدلاً منها قاله ابن زيد. ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجابٍ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداّ إن ذلكم كان عند الله عظيماً إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شىءٍ عليماً﴾
586
٥٣ - ﴿لا تدخلوا بيوت النبي﴾ مر الرسول [صلى الله عليه وسلم] ببعض نسائه وعندهن رجال يتحدثون وكان حديث عهد بزينب بنت جحش فهنينه وهنأه الناس فأتى عائشة - رضي الله عنها - فإذا عندها رجال يتحدثون فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه فلما كان العشي صعد المنبر وتلا هذه الآية. {ناظرين
586
إِنَاهُ} منتظرين نضجه، أو متوقعين بحينه ووقته ٠ ولا مستأنسين} لما أهديت زينب للرسول [صلى الله عليه وسلم] صنع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] فجعلوا يتحدثون وجعل الرسول [صلى الله عليه وسلم] يخرج ثم يرجع وهم قعود. / [١٥٠ / ب] فنزلت ﴿فإذا طعمتم فانتشروا﴾ ﴿فيستحيي منكم﴾ أن يخبركم به ﴿والله لا يستحيي من الحق﴾ أن يأمركم به ﴿مَتَاعاً﴾ حاجة، أو صحف القرآن أو عارية أمرن وسائر النساء بالحجاب كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] وعائشة - رضي الله تعالى عنها - يأكلان حيساً في قعب فَمَرَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبع عائشة فقال حسبي لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، أو كن يخرجن للتبرز إلى المناصع وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - يقول للرسول [صلى الله عليه وسلم] : أحجب نساءك فلم يكن يفعل فنزل الحجاب، أو أمرهن عمر بالحجاب فقالت زينب: يا عمر إنك لتغار علينا وإن الوحي ينزل في بيوتنا فنزل الحجاب ﴿وَلا أَن تَنكِحُواْ﴾ لما نزل الحجاب قال قرشي من بني تميم حجبنا الرسول عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت ولتحريمهن بعده وجبت نفقاتهن من بيت المال وفي وجوب العدة عليهن مذهبان لأن العدة تربص للإباحة ولا إباحة في حقهن.
587
﴿لا جناح عليهن في ءابائهن ولا أبنائهن ولا أخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شىءٍ شهيداً﴾
588
٥٥ - ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ﴾ في ترك الحجاب، أو في وضع الجلباب. لما نزلت ﴿فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ قال الآباء والأبناء فقالوا: يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب فنزلت قال الشعبي: لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له. ﴿نِسَآئِهِنَّ﴾ عام، أو المسلمات دون المشركات ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ الإماء خاصة، أو الإماء والعبيد فيحل للعبيد ما يحل للمحرم، أو ما لا يواريه الدرع من ظاهر يديها. ﴿إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً﴾
٥٦ - ﴿يُصَلُّونَ﴾ صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء، أو صلاة الملائكة أن يباركوا عليه " ع " وقولنا اللهم صل على محمد أي زده بركة ورحمة قيل: لما نزلت قال المسلمون: فما لنا يا رسول الله فنزلت ﴿هو الذي يصلي علكيم﴾ الآية [٤٣].
588
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا﴾
589
٥٧ - ﴿الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أصحاب التصاوير، أو الذين طعنوا على الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما اتخذ صفية بنت حيي أو قوم من المنافقين كانوا يكذبون على الرسول [صلى الله عليه وسلم] ويبهتونه ﴿ويوذون الله﴾ أي أولياءه، أو رسوله [صلى الله عليه وسلم]، جَعْله أذاه أذى له تشريفاً لمنزلته، أو ما روى من قوله سبحانه وتعالى " شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أم شتمه إياي فقوله إن لي صاحبة وولداً وأما تكذيبه إياي بقوله لن يعيدني كما بدأني ". لعنوا في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار.
٥٨ - ﴿الذين يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ نزلت في الزناة كانوا يرون المرأة فيغمزونها، أو في قوم كانوا يؤذون علياً - رضي الله تعالى عنه - ويكذبون عليه، أو في أهل الإفك. {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً مّلعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً سنة الله في الذين
589
خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلاً}
590
٥٩ - ﴿جَلابِيبِهِنَّ﴾ الجلباب: الرداء، أو القناع، أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا / [١٥١ / أ] ترى ثغرة نحرها، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى ﴿يُعْرَفْنَ﴾ من الإماء بالحرية أو من المتبرجات بالصيانة. قال قتادة: كانت الأَمَةَ إِذا مرَّت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله - تعالى - الحرائر أن يتشبهن بهن.
٦٠ - ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ﴾ عن أذية نساء المسلمين، أو عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق " ح " ﴿وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ الزناة، أو أصحاب الفواحش والقبائح ﴿والمرجفون﴾ الذين يكايدون النساء ويتعرضون لهن، أو ذاكرو الأخبار المضعّفة لقلوب المؤمنين المقوية لقلوب المشركين، أو الإرجاف التماس الفتنة " ع " وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات فيها وإفاضة الناس فيها ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ لنسلطنك عليهم، أو لنعلمنك بهم، أو لنحملنك على مؤاخذتهم ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ بالنفي عن المدينة والقليل ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم.
٦٢ - ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ﴾ بأن من أظهر الشرك قُتل، أو من زنا حُدَّ أو من أظهر النفاق أُبعد ﴿تَبْدِيلاً﴾ تحويلاً وتغييراً، أو من قتل بحق فلا دِية على قاتله. {يسئلك الناس عن الساعة قل إنّما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا
590
أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبّيلا ربّنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً}
591
٦٧ - ﴿سَادَتَنَا﴾ الرؤساء، أو الأمراء، أو الأشراف ﴿وَكُبَرَآءَنَا﴾ العلماء أو ذوو الأسنان مأثور ﴿السَّبِيلاْ﴾ طريق الإيمان و ﴿الرَّسُولاْ﴾ و ﴿السَّبِيلاْ﴾ مخاطبة يجوز ذلك فيها عند العرب، أو لفواصل الآي. قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم اثنا عشر رجلاً من قريش.
591
٦٧ - ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عذاب الكفر وعذاب الإضلال. ﴿لَعْناً كَبِيراً﴾ عظيماً وبالثاء لعناً على إثر لعن. ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله ممّا قالوا وكان عند الله وجيهاً﴾
591
﴿ ضِعفين ﴾ من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عذاب الكفر وعذاب الإضلال. ﴿ لعناً كبيراً ﴾ عظيماً وبالثاء لعناً على إثر لعن.
٦٩ - ﴿لا تكونوا﴾ في أذية محمد [صلى الله عليه وسلم] بقولكم زيد بن محمد، أو بقول الأنصاري إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله - تعالى - ﴿آذوا مُوسَى﴾ رموه بالسحر والجنون، أو بالأُدرة والبرص في حديث اغتساله خلوا، أو صعد مع هارون الجبل فمات هارون فقالوا لموسى أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حباً فأمر الله الملائكة فحملته ومرت به على مجالسهم وتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته قال علي - رضي الله عنه -: ومات هارون في التيه ومات موسى بعد انقضاء مدة التيه بشهرين ﴿وَجِيهاً﴾ مقبولاً، أو مستجاب الدعوة " ح "، أو ما سأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إلا النظر. والوجيه: مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد. ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾
٧٠ - ﴿سديدا﴾ عدلاً، أو صدقاً، أو صوباً، أو قول لا إله إلا الله، أو يوافق باطنه ظاهره، أو ما أريد به وجه الله - تعالى - دون غيره.
592
٧١ - ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ بالقبول، أو بالتوفيق لها. ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً ليعذّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيما﴾
593
﴿ يُصلِح لكم أعمالكم ﴾ بالقبول، أو بالتوفيق لها.
٧٢ - ﴿الأَمَانَةَ﴾ ما أُمروا به ونهوا عنه، أو الفرائض والأحكام الواجبة على العباد " ع " أو ائتمان النساء والرجال على الفروج، أو الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها، أو ما أودعه في هذه المخلوقات من الدلائل على الربوبية / [١٤١ / ب] أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها، وعرضها إظهار ما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها، أو عورضت بالسماوات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها، أو عرض الله - تعالى - حملها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها فعرضها الله - تعالى - على السموات والأرض والجبال " ع "، أو على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة " ح " ﴿فأبين أن يحملنها﴾ حذراً ﴿وأشفقن منها﴾ تقصيراً، أو أبَيْنَ حملها عجزاً وأشفقن منها خوفاً ﴿وحملها الإنسان﴾ الجنس، أو آدم عليه الصلاة والسلام ثم انتقلت إلى ولده " ح " لما عرضت عليهن قلن وما فيها قيل إن أحسنت جُوزيتِ وإن أسأت عُوقبتِ قالت لا، فلما خلق آدم عليه الصلاة والسلام عرضها عليه فقال وما هي قال إن أحسنت أجرتك وأن أسأت عذبتك قال فقد حملتها يا رب. فما كان بين أن حملها إلى أن خرج من الجنة إلا كما بين الظهر والعصر ﴿ظَلُوماً﴾ لنفسه ﴿جَهُولاً﴾ بربه " ح "، أو ظلوماً في خطيئته جهولاً
593
بما حَمَّل ولده من بعده، أو ظلوماً بحقها جهولاً بعاقبة أمره.
594
٧٣ - ﴿لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ والْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ بالشرك والنفاق، أو لخيانتهما الأمانة ٠ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} يتجاوز عنهم بأداء الأمانة ﴿غَفُوراً﴾ لمن تاب من الشرك ﴿رحيما﴾ بالهداية.
594
سورة سبإ
مكية أو إلا آية ﴿ويرى الذين أوتوا العلم﴾ [٦].
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿الحمد لِلِه الَّذي لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيَها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) ﴾
5
Icon