تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـتفسير ابن عطية
.
لمؤلفه
ابن عطية
.
المتوفي سنة 542 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الزخرف هذه السورة مكية بإجماع من اهل العلم١
١ - وقال مقاتل: (إلا قوله تبارك وتعالى: ﴿واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا﴾)، وهي الآية (٤٥) من السورة (الزخرف)..
ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الزّخرفهذه السورة مكية بإجماع من أهل العلم.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١ الى ٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩)
تقدم القول في الحروف في أوائل السور.
وقوله: وَالْكِتابِ خفض بواو القسم. و: الْمُبِينِ يحتمل أن يكون من أبان الذي هو بمعنى بان، أي ظهر، فلا يحتاج إلى مفعول، ويحتمل أن يكون معدى من بان، فهذا لا بد من مفعول تقديره:
المبين الهدى أو الشرع ونحوه.
وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ معناه: سميناه وصيرناه، وهو إخبار عليه وقع القسم، والضمير في:
جَعَلْناهُ عائد على: الْكِتابِ، و: عَرَبِيًّا معناه: بلسانكم لئلا يبقى لكم عذر.
وقوله: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ترج بحسب معتقد البشر، أي إذا أبصر المبصر من البشر هذا الفعل منا ترجى منه أن يعقل الكلام ويفهم.
وقوله تعالى: وَإِنَّهُ عطف على قوله: إِنَّا جَعَلْناهُ وهذا الإخبار الثاني واقع أيضا تحت القسم.
و: أُمِّ الْكِتابِ اللوح المحفوظ، وهذا فيه تشريف للقرآن وترفيع.
واختلف المتأولون كيف هو في أُمِّ الْكِتابِ، فقال عكرمة وقتادة والسدي وعطية بن سعيد: القرآن بأجمعه فيه منسوخ، ومنه كان جبريل عليه السلام ينزل، وهنالك هو علي حكيم. وقال جمهور الناس: إنما في اللوح المحفوظ ذكره ودرجته ومكانته من العلو والحكمة.
45
وقرأ جمهور الناس: «في أم» بضم الهمزة، وقرأها بكسر الهمزة يوسف والي العراق وعيسى بن عمر.
وقوله: أَفَنَضْرِبُ بمعنى: أفنترك، تقول العرب أضربت عن كذا وضربت إذا أعرضت وتركته.
و: الذِّكْرَ هنا الدعاء إلى الله والتذكير بعذابه والتخويف من عقابه، وقال أبو صالح: الذِّكْرَ هنا هو العذاب نفسه، وقال الضحاك ومجاهد: الذِّكْرَ القرآن.
وقوله تعالى: صَفْحاً انتصابه كانتصاب صُنْعَ اللَّهِ [النمل: ٨٨]، فيحتمل أن يكون بمعنى العفو والغفر للذنب، فكأنه يقول: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم وغفرا لإجرامكم إذ كنتم أو من أجل أن كنتم قوما مسرفين، أي هذا لا يصلح، وهذا قول ابن عباس ومجاهد، ويحتمل قوله: صَفْحاً أن يكون بمعنى مغفولا عنه، أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبر ولا تنبهون عليه، وهذا المعنى نظير قول الشاعر: [الطويل]
أي تمر مغفولا عنها، فكأن هذا المعنى: أفنترككم سدى، وهذا هو منحى قتادة وغيره، ومن اللفظة قول كثير: [الطويل]
وقرأ السميط بن عمرو السدوسي: «صفحا» بضم الصاد. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: «إن كنتم» بكسر الألف، وهو جزاء دل ما تقدم على جوابه. وقرأ الباقون والأعرج وقتادة: «أن كنتم» بفتح الألف.
بمعنى من أجل أن، وفي قراءة ابن مسعود: «إذ كنتم». والإسراف في الآية: هو الكفر والضلال البعيد في عبادة غير الله عز وجل والتشريك به.
وقوله تعالى: وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ الآيات تسلية لمحمد عليه السلام، وذكر إسوة له ووعيد لهم وتهديد بأن يصيبهم ما أصاب من هو أشد بطشا. والأولون: هم الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، والضمير في قوله: كانُوا يَسْتَهْزِؤُنَ ظاهره العموم والمراد به الخصوص فيمن استهزأ، وإلا فقد كان في الأولين من لم يستهزئ، والضمير في: مِنْهُمْ عائد على قريش.
وقوله تعالى: وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي سلف أمرهم وسنتهم، وصاروا عبرة عابر الدهر.
وقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الآية ابتداء احتجاج على قريش يوجب عليهم التناقض في أمرهم، وذلك أنهم يقرون أن الخالق الموجد لهم وللسماوات والأرض هو الله تعالى، وهم مع ذلك يعبدون أصناما ويدعونها آلهتهم، ومقتضى جواب قريش أن يقولوا «خلقهن الله» فلما ذكر تعالى المعنى جاءت العبارة عن الله ب الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ليكون ذلك توطئة لما عدد بعد من أوصافه التي ابتدأ الإخبار بها وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش.
وقوله: أَفَنَضْرِبُ بمعنى: أفنترك، تقول العرب أضربت عن كذا وضربت إذا أعرضت وتركته.
و: الذِّكْرَ هنا الدعاء إلى الله والتذكير بعذابه والتخويف من عقابه، وقال أبو صالح: الذِّكْرَ هنا هو العذاب نفسه، وقال الضحاك ومجاهد: الذِّكْرَ القرآن.
وقوله تعالى: صَفْحاً انتصابه كانتصاب صُنْعَ اللَّهِ [النمل: ٨٨]، فيحتمل أن يكون بمعنى العفو والغفر للذنب، فكأنه يقول: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم وغفرا لإجرامكم إذ كنتم أو من أجل أن كنتم قوما مسرفين، أي هذا لا يصلح، وهذا قول ابن عباس ومجاهد، ويحتمل قوله: صَفْحاً أن يكون بمعنى مغفولا عنه، أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبر ولا تنبهون عليه، وهذا المعنى نظير قول الشاعر: [الطويل]
تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا | ويصدع قلبي إن يهب هبوبها |
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة | فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت |
بمعنى من أجل أن، وفي قراءة ابن مسعود: «إذ كنتم». والإسراف في الآية: هو الكفر والضلال البعيد في عبادة غير الله عز وجل والتشريك به.
وقوله تعالى: وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ الآيات تسلية لمحمد عليه السلام، وذكر إسوة له ووعيد لهم وتهديد بأن يصيبهم ما أصاب من هو أشد بطشا. والأولون: هم الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، والضمير في قوله: كانُوا يَسْتَهْزِؤُنَ ظاهره العموم والمراد به الخصوص فيمن استهزأ، وإلا فقد كان في الأولين من لم يستهزئ، والضمير في: مِنْهُمْ عائد على قريش.
وقوله تعالى: وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي سلف أمرهم وسنتهم، وصاروا عبرة عابر الدهر.
وقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الآية ابتداء احتجاج على قريش يوجب عليهم التناقض في أمرهم، وذلك أنهم يقرون أن الخالق الموجد لهم وللسماوات والأرض هو الله تعالى، وهم مع ذلك يعبدون أصناما ويدعونها آلهتهم، ومقتضى جواب قريش أن يقولوا «خلقهن الله» فلما ذكر تعالى المعنى جاءت العبارة عن الله ب الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ليكون ذلك توطئة لما عدد بعد من أوصافه التي ابتدأ الإخبار بها وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش.
46
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٠ الى ١٤]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
هذه أوصاف فعل، وهي نعم من الله تعالى على البشر، تقوم بها الحجة على كل كافر مشرك بالله تعالى.
وقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ليس من قول المسئولين، بل هو ابتداء إخبار من الله تعالى.
وقرأ جمهور الناس: «مهادا» وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش: «مهدا»، والمعنى واحد، أي يتمهد ويتصرف فيها.
والسبل: الطرق. و: تَهْتَدُونَ معناه في المقاصد من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر، ويحتمل أن يريد: تَهْتَدُونَ بالنظر والاعتبار.
وقوله تعالى: مِنَ السَّماءِ هو المطر بإجماع، واختلف المتأولون في معنى قوله: بِقَدَرٍ فقالت فرقة معناه: بقضاء وحتم في الأزل. وقال آخرون المعنى: بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فيفسد ولا قلة فيقصر، بل غيثا مغيثا سبيلا نافعا. وقالت فرقة معناه: بتقدير وتحرير، أي قدرا معلوما، ثم اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم: ينزل كل عام ماء قدرا واحدا لا يفضل عام عاما، لكن يكثر مرة هنا ومرة هاهنا. وقالت فرقة: بل ينزل الله تقديرا ما في عام، وينزل في آخر تقديرا آخر بحسب ما سبق به قضاؤه، لا إله غيره. و: «أنشرنا» معناه: أحيينا، يقال: نشر الميت، وأنشره الله. و: بَلْدَةً اسم جنس، ووصفها ب مَيْتاً دون ضمير من حيث هي واقعة موقع قطر ونحوه، إذ التأنيث فيها غير حقيقي.
وقرأ الجمهور: «ميتا» بسكون الياء. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: «ميّتا» بياء مكسورة مشددة، وهي قراءة عيسى بن عمر، والأول أرجح لشبه لفظها: بزور، وعدل، فحسن وصف المؤنث بها.
وقرأ أكثر السبعة والأعرج وأبو جعفر: «كذلك تخرجون» بضم التاء وفتح الراء. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعبد الله بن جبير المصيح: «وكذلك تخرجون» بفتح التاء وضم الراء.
و: الْأَزْواجَ الأنواع من كل شيء، ومِنَ في قوله: مِنَ الْفُلْكِ للتبعيض، وذلك أنه لا يركب من الأنعام غير الإبل، وتدخل الخيل والبغال والحمير فيما يركب بالمعنى. واللام في قوله:
لِتَسْتَوُوا لام الأمر، ويحتمل أن تكون لام كي، وما في قوله: ما تَرْكَبُونَ واقعة على النوع
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٠ الى ١٤]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
هذه أوصاف فعل، وهي نعم من الله تعالى على البشر، تقوم بها الحجة على كل كافر مشرك بالله تعالى.
وقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ليس من قول المسئولين، بل هو ابتداء إخبار من الله تعالى.
وقرأ جمهور الناس: «مهادا» وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش: «مهدا»، والمعنى واحد، أي يتمهد ويتصرف فيها.
والسبل: الطرق. و: تَهْتَدُونَ معناه في المقاصد من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر، ويحتمل أن يريد: تَهْتَدُونَ بالنظر والاعتبار.
وقوله تعالى: مِنَ السَّماءِ هو المطر بإجماع، واختلف المتأولون في معنى قوله: بِقَدَرٍ فقالت فرقة معناه: بقضاء وحتم في الأزل. وقال آخرون المعنى: بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فيفسد ولا قلة فيقصر، بل غيثا مغيثا سبيلا نافعا. وقالت فرقة معناه: بتقدير وتحرير، أي قدرا معلوما، ثم اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم: ينزل كل عام ماء قدرا واحدا لا يفضل عام عاما، لكن يكثر مرة هنا ومرة هاهنا. وقالت فرقة: بل ينزل الله تقديرا ما في عام، وينزل في آخر تقديرا آخر بحسب ما سبق به قضاؤه، لا إله غيره. و: «أنشرنا» معناه: أحيينا، يقال: نشر الميت، وأنشره الله. و: بَلْدَةً اسم جنس، ووصفها ب مَيْتاً دون ضمير من حيث هي واقعة موقع قطر ونحوه، إذ التأنيث فيها غير حقيقي.
وقرأ الجمهور: «ميتا» بسكون الياء. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: «ميّتا» بياء مكسورة مشددة، وهي قراءة عيسى بن عمر، والأول أرجح لشبه لفظها: بزور، وعدل، فحسن وصف المؤنث بها.
وقرأ أكثر السبعة والأعرج وأبو جعفر: «كذلك تخرجون» بضم التاء وفتح الراء. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعبد الله بن جبير المصيح: «وكذلك تخرجون» بفتح التاء وضم الراء.
و: الْأَزْواجَ الأنواع من كل شيء، ومِنَ في قوله: مِنَ الْفُلْكِ للتبعيض، وذلك أنه لا يركب من الأنعام غير الإبل، وتدخل الخيل والبغال والحمير فيما يركب بالمعنى. واللام في قوله:
لِتَسْتَوُوا لام الأمر، ويحتمل أن تكون لام كي، وما في قوله: ما تَرْكَبُونَ واقعة على النوع
المركوب، والضمير في: ظُهُورِهِ عائد على النوع الذي وقعت عليه ما.
وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك، وهو: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها، إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود: ٤١] وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان، ويقال (-) عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. والسنة للراكب إذا ركب أن يقول: الحمد لله على نعمة الإسلام، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو على النعمة في كل حال، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ يقول: سُبْحانَ الَّذِي الآية، وركب أبو مجلز لا حق بن حميد وقال: «سبحان الله» الآية، ولم يذكر نعمة، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: ما هكذا أمرتم، قال أبو مجلز، فقلت له: كيف أقول؟ قال: قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام، أو نحو هذا، ثم تقول بعد ذلك: سُبْحانَ الَّذِي الآية، وكان طاوس إذا ركب قال: اللهم هذا من منك وفضلك، ثم يقول: سُبْحانَ الَّذِي الآية، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب: ب سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه. والمقرن: الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له. وروي أن بعض الأعراب ركب جملا فقيل له قل: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ فقال: أما والله إني لمقرن تياه، فضرب به الجمل فوقصه فقتله.
وقوله: وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ أمر بالإقرار بالبعث وترداد القول به، وذلك داعية إلى استشعار النظر فيه، وروي عن النبي ﷺ أن الإنسان إذا ركب ولم يقل هذه الآية جاءه الشيطان فقال: «تغنه، فإن كان يحسن غنى، وإلا قال له تمنه، فيتمنى الأباطيل ويقطع زمنه بذلك».
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٥ الى ١٩]
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩)
الضمير في: جَعَلُوا لكفار قريش والعرب، والضمير في: لَهُ لله تعالى. والجزء: القطع من الشيء، وهو بعض الكل، فكأنهم جعلوا جزءا من عباده نصيبا له وحظا، وذلك في قول كثير من المتأولين قول العرب: الملائكة بنات الله، وقال بعض أهل اللغة الجزء: الإناث، يقال أجزأت المرأة إذا ولدت أنثى، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
وقد قيل في هذا البيت إنه بيت موضوع. وقال قتادة: المراد بالجزء: الأصنام وفرعون وغيره ممن عبد
وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك، وهو: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها، إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود: ٤١] وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان، ويقال (-) عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. والسنة للراكب إذا ركب أن يقول: الحمد لله على نعمة الإسلام، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو على النعمة في كل حال، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ يقول: سُبْحانَ الَّذِي الآية، وركب أبو مجلز لا حق بن حميد وقال: «سبحان الله» الآية، ولم يذكر نعمة، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: ما هكذا أمرتم، قال أبو مجلز، فقلت له: كيف أقول؟ قال: قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام، أو نحو هذا، ثم تقول بعد ذلك: سُبْحانَ الَّذِي الآية، وكان طاوس إذا ركب قال: اللهم هذا من منك وفضلك، ثم يقول: سُبْحانَ الَّذِي الآية، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب: ب سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه. والمقرن: الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له. وروي أن بعض الأعراب ركب جملا فقيل له قل: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ فقال: أما والله إني لمقرن تياه، فضرب به الجمل فوقصه فقتله.
وقوله: وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ أمر بالإقرار بالبعث وترداد القول به، وذلك داعية إلى استشعار النظر فيه، وروي عن النبي ﷺ أن الإنسان إذا ركب ولم يقل هذه الآية جاءه الشيطان فقال: «تغنه، فإن كان يحسن غنى، وإلا قال له تمنه، فيتمنى الأباطيل ويقطع زمنه بذلك».
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٥ الى ١٩]
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩)
الضمير في: جَعَلُوا لكفار قريش والعرب، والضمير في: لَهُ لله تعالى. والجزء: القطع من الشيء، وهو بعض الكل، فكأنهم جعلوا جزءا من عباده نصيبا له وحظا، وذلك في قول كثير من المتأولين قول العرب: الملائكة بنات الله، وقال بعض أهل اللغة الجزء: الإناث، يقال أجزأت المرأة إذا ولدت أنثى، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إن أجزأت حرة يوما فلا عجب | قد تجزئ المرأة المذكار أحيانا |
48
من دون الله، أي جزءا ندا، فعلى هذا التأويل فتعقيب الكفرة في فصلين في أمر الأصنام وفي أمر الملائكة، وعلى هذا التأويل الأول فالآية كلها في أمر الملائكة.
وقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ أي بلفظ الجنس العام، والمراد بعض الإنسان، وهو هؤلاء الجاعلون ومن أشبههم. و: مُبِينٌ في هذا الموضع غير متعد.
وقوله تعالى: أَمِ اتَّخَذَ إضراب وتقرير، وهذه حجة بالغة عليهم. إذ المحمود من الأولاد والمحبوب قد خوله الله بني آدم، فكيف يتخذ هو لنفسه النصيب الأدنى. وَأَصْفاكُمْ معناه: خصكم وجعل ذلك صفوة لكم، ثم قامت الحجة عليهم في هذا المعنى وبانت بقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ الآية.
ومُسْوَدًّا خبر: ظَلَّ. والكظيم: الممتلئ غيظا الذي قد رد غيظه إلى جوفه، فهو يتجرعه ويروم رده، وهذا محسوس عند الغيظ، ثم زاد توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا. و: مَنْ في موضع نصب بفعل يدل عليه: جَعَلُوا كأنه قال: أومن ينشأ في الحيلة وهو الذي خصصتم به الله ونحو هذا، والمراد به: مَنْ النساء، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، و: يُنَشَّؤُا معناه: ينبت ويكبر.
وقرأ جمهور القراء: «ينشأ» بفتح الياء. وقرأ ابن عباس وقتادة: «ينشئ» بضم الياء على تعدية الفعل بالهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: «ينشأ» بضم الياء وفتح الشين على تعدية الفعل بالتضعيف، وهي قراءة ابن عباس أيضا والحسن ومجاهد، وفي مصحف ابن مسعود: «أو من لا ينشأ إلا في الحلية».
و: الْحِلْيَةِ الحلي من الذهب والفضة والأحجار. و: الْخِصامِ المحاجة ومجاذبة المحاورة، وقل ما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود: «وهو في الكلام غير مبين».
و: مُبِينٍ في هذه الآية متعد، والتقدير غَيْرُ مُبِينٍ غرضا أو منزعا ونحو هذا. وقال ابن زيد: المراد ب: مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ الآية: الأصنام والأوثان، لأنهم كانوا يتخذون كثيرا منها من الذهب والفضة، وكانوا يجعلون الحلي على كثير منها.
ولما فرغ تعنيفهم على ما أتوا في جهة الله تعالى بقولهم: الملائكة بنات الله، بين تعالى فسادا في مقالتهم بعينها من جهة أخرى من الفساد، وذلك شنيع قولهم في عباد الله مختصين مقربين أنهم إناث.
وقرأ أكثر السبعة وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعلقمة: «عباد الرحمن إناثا». وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «عند الرحمن إناثا» وهذه القراءة أدل على رفع المنزلة وقربها في التكرمة كما قيل: ملك مقرب، وقد يتصرف المعنيان في كتاب الله تعالى في وصف الملائكة في غير هذه الآية فقال تعالى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء: ٢٦]، وقال تعالى في أخرى: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [فصلت: ٣٨]، وفي مصحف ابن مسعود:
«وجعلوا الملائكة عبد الرحمن إناثا».
وقرأ نافع وحده «أأشهدوا» بالهمزتين وبلا مد بينهما، وبفتح الأولى وضم الثانية وتسهيلها بين الهمزة
وقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ أي بلفظ الجنس العام، والمراد بعض الإنسان، وهو هؤلاء الجاعلون ومن أشبههم. و: مُبِينٌ في هذا الموضع غير متعد.
وقوله تعالى: أَمِ اتَّخَذَ إضراب وتقرير، وهذه حجة بالغة عليهم. إذ المحمود من الأولاد والمحبوب قد خوله الله بني آدم، فكيف يتخذ هو لنفسه النصيب الأدنى. وَأَصْفاكُمْ معناه: خصكم وجعل ذلك صفوة لكم، ثم قامت الحجة عليهم في هذا المعنى وبانت بقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ الآية.
ومُسْوَدًّا خبر: ظَلَّ. والكظيم: الممتلئ غيظا الذي قد رد غيظه إلى جوفه، فهو يتجرعه ويروم رده، وهذا محسوس عند الغيظ، ثم زاد توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا. و: مَنْ في موضع نصب بفعل يدل عليه: جَعَلُوا كأنه قال: أومن ينشأ في الحيلة وهو الذي خصصتم به الله ونحو هذا، والمراد به: مَنْ النساء، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، و: يُنَشَّؤُا معناه: ينبت ويكبر.
وقرأ جمهور القراء: «ينشأ» بفتح الياء. وقرأ ابن عباس وقتادة: «ينشئ» بضم الياء على تعدية الفعل بالهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: «ينشأ» بضم الياء وفتح الشين على تعدية الفعل بالتضعيف، وهي قراءة ابن عباس أيضا والحسن ومجاهد، وفي مصحف ابن مسعود: «أو من لا ينشأ إلا في الحلية».
و: الْحِلْيَةِ الحلي من الذهب والفضة والأحجار. و: الْخِصامِ المحاجة ومجاذبة المحاورة، وقل ما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود: «وهو في الكلام غير مبين».
و: مُبِينٍ في هذه الآية متعد، والتقدير غَيْرُ مُبِينٍ غرضا أو منزعا ونحو هذا. وقال ابن زيد: المراد ب: مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ الآية: الأصنام والأوثان، لأنهم كانوا يتخذون كثيرا منها من الذهب والفضة، وكانوا يجعلون الحلي على كثير منها.
ولما فرغ تعنيفهم على ما أتوا في جهة الله تعالى بقولهم: الملائكة بنات الله، بين تعالى فسادا في مقالتهم بعينها من جهة أخرى من الفساد، وذلك شنيع قولهم في عباد الله مختصين مقربين أنهم إناث.
وقرأ أكثر السبعة وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعلقمة: «عباد الرحمن إناثا». وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «عند الرحمن إناثا» وهذه القراءة أدل على رفع المنزلة وقربها في التكرمة كما قيل: ملك مقرب، وقد يتصرف المعنيان في كتاب الله تعالى في وصف الملائكة في غير هذه الآية فقال تعالى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء: ٢٦]، وقال تعالى في أخرى: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [فصلت: ٣٨]، وفي مصحف ابن مسعود:
«وجعلوا الملائكة عبد الرحمن إناثا».
وقرأ نافع وحده «أأشهدوا» بالهمزتين وبلا مد بينهما، وبفتح الأولى وضم الثانية وتسهيلها بين الهمزة
49
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﰓ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﰔ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰕ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﰖ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰗ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﰘ
والواو، ورواها المفضل عن عاصم بتحقيق الهمزتين. وقرأ المسيبي عن نافع بمد بين الهمزتين. وقرأ أبو عمرو ونافع أيضا وعلي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد: «أ. شهدوا» بتسهيل الثانية بلا مد. وقرأ جماعة من القراء بالتسهيل في الثانية ومدة بينهما. وقرأ آخرون: «أشهدوا» بهمزة واحدة بغير استفهام، وهي قراءة الزهري، وهي صفة لإناث، أي مشهدا خلقهم.
ومعنى الآية: التوبيخ وإظهار فساد عقولهم، وادعائهم وأنها مجردة من الحجة، وهذا نظير الآية الرادة على المنجمين وأهل الطبائع، وهي قوله تعالى: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف: ٥١] الآية.
وقرأ جمهور الناس: «ستكتب شهادتهم» برفع الشهادة وبناء الفعل للمفعول. وقرأ الأعرج وابن عباس وأبو جعفر وأبو حيوة: «سنكتب» بنون الجمع «شهادتهم» بالنصب. وقرأت فرقة: «سيكتب» بالياء على معنى: سيكتب الله «شهادتهم» بالنصب. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «ستكتب شهاداتهم» على بناء الفعل للمفعول وجمع الشهادات.
وفي قوله تعالى: وَيُسْئَلُونَ وعيد مفصح. و: أَشَهِدُوا في هذه الآية معناه: أحضروا وليس ذلك من شهادة تحمل المعاني التي تطلب أن تؤدى.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٠ الى ٢٥]
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)
ذكر الله تعالى احتجاج الكفار لمذهبهم ليبين فساد منزعهم، وذلك أنهم جعلوا إمهال الله لهم وإنعامه عليهم وهم يعبدون الأصنام، دليلا على أنه يرضى عبادة الأصنام دينا، وأن ذلك كالأمر به، فنفى الله عن الكفرة أن يكون لهم علم بهذا وليس عندهم كتاب منزل يقتضي ذلك، وإنما هم يظنون ويَخْرُصُونَ ويخمنون، وهذا هو الخرص والتخرص.
وقرأ جمهور الناس: «على أمة» بضم الهمزة، وهي بمعنى الملة والديانة، والآية على هذا تعيب عليهم التقليد. وقرأ مجاهد والعبدري وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «على إمة» بكسر الهمزة وهي بمعنى النعمة، ومنه قول الأعشى:
فهذا التأسي قد كفاها مؤونة قتل النفس، فنفى الله تعالى عنهم الانتفاع بالتأسي، وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير، وفاعل قوله: يَنْفَعَكُمُ الاشتراك.
وقرأ جمهور القراء: «أنكم» بفتح الألف. وقرأ ابن عامر وحده: «إنكم» بكسر الألف، وقد يجوز أن يكون الفاعل يَنْفَعَكُمُ التبري الذي يدل عليه قوله: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ وعلى هذا يكون «أنكم» في موضع نصب على المفعول من أجله، وتخرج الآية على معنى نفي الأسوة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٥]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
لما ذكر تعالى حال الكفرة في الآخرة وما يقال لهم وهم في العذاب، اقتضى ذلك أن تشفق النفوس، وأن ينظر كل سامع لنفسه ويسعى في خلاصها، فلما كانت قريش مع هذا الذي سمعت لم تزل عن عتوها وإعراضها عن أمر الله، رجعت المخاطبة إلى محمد عليه السلام على جهة التسلية له عنهم وشبههم ب الصُّمَّ والْعُمْيَ، إذ كانت حواسهم لا تفيد شيئا.
وقوله: وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يريد بذلك قريشا بأنفسهم، ولذلك لم يقل: «من كان» بل جاء بالواو العاطفة، كأنه يقول: وهؤلاء، ويؤيد ذلك أيضا عود الضمير عليهم في قوله: فَإِنَّا مِنْهُمْ ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله: وَمَنْ كانَ.
وقوله تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ الآية تتضمن وعيدا واقعا، وذهب جمهور العلماء إلى أن المتوعدين هم الكفار، وأن الله تعالى أرى نبيه الذي توعدهم في بدر والفتح وغير ذلك، وذهب الحسن وقتادة إلى أن المتوعدين هم في هذه الأمة، وأن الله تعالى أكرم نبيه على أن ينتقم منهم بحضرته وفي حياته، فوقعت النقمة منهم بعد أن ذهب به، وذلك في الفتن الحادثة في صدر الإسلام مع الخوارج وغيرهم، قال الحسن وقتادة: أكرم الله نبيه على أن يرى في أمته ما يكره كما رأى الأنبياء، فكانت بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم، وقد روي حديث عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ قرأ: فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فقال: بعلي بن أبي طالب والقول الأول من توعد الكفار أكثر، ثم أمر تعالى نبيه بالتمسك بما جاء من عند الله من الوحي المتلو وغيره. والصراط: الطريق.
ومعنى الآية: التوبيخ وإظهار فساد عقولهم، وادعائهم وأنها مجردة من الحجة، وهذا نظير الآية الرادة على المنجمين وأهل الطبائع، وهي قوله تعالى: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف: ٥١] الآية.
وقرأ جمهور الناس: «ستكتب شهادتهم» برفع الشهادة وبناء الفعل للمفعول. وقرأ الأعرج وابن عباس وأبو جعفر وأبو حيوة: «سنكتب» بنون الجمع «شهادتهم» بالنصب. وقرأت فرقة: «سيكتب» بالياء على معنى: سيكتب الله «شهادتهم» بالنصب. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «ستكتب شهاداتهم» على بناء الفعل للمفعول وجمع الشهادات.
وفي قوله تعالى: وَيُسْئَلُونَ وعيد مفصح. و: أَشَهِدُوا في هذه الآية معناه: أحضروا وليس ذلك من شهادة تحمل المعاني التي تطلب أن تؤدى.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٠ الى ٢٥]
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)
ذكر الله تعالى احتجاج الكفار لمذهبهم ليبين فساد منزعهم، وذلك أنهم جعلوا إمهال الله لهم وإنعامه عليهم وهم يعبدون الأصنام، دليلا على أنه يرضى عبادة الأصنام دينا، وأن ذلك كالأمر به، فنفى الله عن الكفرة أن يكون لهم علم بهذا وليس عندهم كتاب منزل يقتضي ذلك، وإنما هم يظنون ويَخْرُصُونَ ويخمنون، وهذا هو الخرص والتخرص.
وقرأ جمهور الناس: «على أمة» بضم الهمزة، وهي بمعنى الملة والديانة، والآية على هذا تعيب عليهم التقليد. وقرأ مجاهد والعبدري وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «على إمة» بكسر الهمزة وهي بمعنى النعمة، ومنه قول الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته | بإمته يعطي القطوط ويافق |
ثم بعد الفلاح والملك والإم | ة وارتهم هناك القبور |
أن الأمة الطريقة، مصدر من قولك: أممت كذا أمة ثم ضرب تعالى المثل لنبيه محمد عليه السلام وجعل له الإسوة فيمن مضى من النذر والرسل، وذلك أن المترفين من قومهم وهم أهل التنعم والمال قد قابلوهم بمثل هذه المقالة.
وقرأ جمهور القراء: «قل أو لو» والمعنى: فقلنا للنذير قل. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: «قال أو لو»، ففي «قال» ضمير بعود على النذير. وباقي الآية يدل على أن: «قل» في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد عليه السلام، وإنما هي حكاية لما أمر به النذير.
وقوله تعالى: أَوَلَوْ هي ألف الاستفهام دخلت على واو عطف جملة كلام على جملة متقدمة، ولَوْ في هذا الموضع كأنها شرطية بمعنى أن، كأن معنى الآية: وإن جئتكم بأبين وأوضح مما كان آباؤكم عليه فيصح لجاجكم وتقليدكم، فأجاب الكفار حينئذ لرسلهم: إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ.
وفي قوله تعالى: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ الآية وعيد لقريش وضرب مثل بمن سلف من الأمم المعذبة المكذبة بأنبيائها كما كذبت هي بمحمد عليه السلام.
وقرأ جمهور الناس: «أو لو جئتكم» وقرأ أبو جعفر وأبو شيخ وخالد: «أو لو جئناكم». وقرأ الأعمش:
«أو لو أتيتم».
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠)
المعنى: واذكر إذا قال إبراهيم، ولما ضرب تعالى المثل لمحمد ﷺ بالنذر وجعلهم إسوة له، خص إبراهيم بالذكر لعظم منزلته، وذكر محمدا ﷺ بمنابذة إبراهيم عليه السلام لقومه، أي فافعل أنت فعله وتجلد جلده. و: بَراءٌ صفة تجري على الواحد والاثنين والجميع كعدل وزور.
وقرأ جمهور الناس: «براء» بفتح الباء. وقرأت فرقة: «براء» بضم الباء. وفي مصحف عبد الله وقراءة الأعمش: «إني» بنون واحدة «برىء» قال الفراء: ومن الناس من يكتب شكل الهمزة المخففة ألفا في كل
موضع، ولا يراعي حركة ما قبلها، قال: فربما كان خط مصحف عبد الله بألف كما في مصحف الجماعة، لكن كان يلفظ بها: «برىء» بكسر الراء.
وقوله: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي قالت فرقة: الاستثناء متصل، وكانوا يعرفون الله ويعظمونه، إلا أنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأن إبراهيم قال لهم: أنا لا أوافقكم إلا على عبادة الله الفاطر. وقالت فرقة:
الاستثناء منقطع، والمعنى: لكن الذي فطرني معبودي، وعلى هذا فلم يكونوا يعبدون الله إلا قليلا ولا كثيرا، وعلل إبراهيم لقومه عبادته بأنه الهادي المنجي من العذاب، وفي هذا استدعاء لهم وترغيب في الله وتطميع برحمته، والضمير في قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً قالت فرقة: ذلك عائد على كلمته بالتوحيد في قوله:
إِنَّنِي بَراءٌ وقال مجاهد وقتادة والسّدي، ذلك مراد به: لا إله إلا الله، وعاد الضمير عليها وإن كانت لم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد: المراد بذلك: الإسلام ولفظته، وذلك قوله عليه السلام:
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨] وقوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] وقول الله تعالى هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج: ٧٨]. والعقب: الذرية وولد الولد ما امتد فرعهم.
قوله عز وجل: بَلْ مَتَّعْتُ الآية، كلام متصل بما قبله، لأنه لما قال في عقبه، وكانت قريش من عقبه، اقتضى الكلام أن يقدر فيه لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم بل متعتهم. والمعنى في الآية:
بل أمهلت هؤلاء ومتعتهم بالنعمة مع كفرهم حتى جاءهم الحق والرسول، وذلك هو شرع الإسلام.
والرسول: محمد عليه السلام.
و: «متعت» بضم التاء هي قراءة الجمهور. وقرأ قتادة: «متعت» بفتح التاء الأخيرة على معنى: قل يا رب متعت، ورواها يعقوب عن نافع. وقرأ الأعمش: «بل متعنا»، وهي تعضد قراءة الجمهور.
و: مُبِينٌ في هذه الآية يحتمل التعدي وترك التعدي.
ثم أخبر تعالى عنهم على جهة التقريع بأنهم قالُوا للقرآن: هذا سِحْرٌ وأنهم كفروا به، وإنما جعلوه بزعمهم سحرا من حيث كان عندهم يفرق بين المرء وولده وزوجه، فجعلوه لذلك كالسحر، ولم ينظروا إلى الفرق في أن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في ذهنه.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)
وقوله: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي قالت فرقة: الاستثناء متصل، وكانوا يعرفون الله ويعظمونه، إلا أنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأن إبراهيم قال لهم: أنا لا أوافقكم إلا على عبادة الله الفاطر. وقالت فرقة:
الاستثناء منقطع، والمعنى: لكن الذي فطرني معبودي، وعلى هذا فلم يكونوا يعبدون الله إلا قليلا ولا كثيرا، وعلل إبراهيم لقومه عبادته بأنه الهادي المنجي من العذاب، وفي هذا استدعاء لهم وترغيب في الله وتطميع برحمته، والضمير في قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً قالت فرقة: ذلك عائد على كلمته بالتوحيد في قوله:
إِنَّنِي بَراءٌ وقال مجاهد وقتادة والسّدي، ذلك مراد به: لا إله إلا الله، وعاد الضمير عليها وإن كانت لم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد: المراد بذلك: الإسلام ولفظته، وذلك قوله عليه السلام:
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨] وقوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] وقول الله تعالى هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج: ٧٨]. والعقب: الذرية وولد الولد ما امتد فرعهم.
قوله عز وجل: بَلْ مَتَّعْتُ الآية، كلام متصل بما قبله، لأنه لما قال في عقبه، وكانت قريش من عقبه، اقتضى الكلام أن يقدر فيه لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم بل متعتهم. والمعنى في الآية:
بل أمهلت هؤلاء ومتعتهم بالنعمة مع كفرهم حتى جاءهم الحق والرسول، وذلك هو شرع الإسلام.
والرسول: محمد عليه السلام.
و: «متعت» بضم التاء هي قراءة الجمهور. وقرأ قتادة: «متعت» بفتح التاء الأخيرة على معنى: قل يا رب متعت، ورواها يعقوب عن نافع. وقرأ الأعمش: «بل متعنا»، وهي تعضد قراءة الجمهور.
و: مُبِينٌ في هذه الآية يحتمل التعدي وترك التعدي.
ثم أخبر تعالى عنهم على جهة التقريع بأنهم قالُوا للقرآن: هذا سِحْرٌ وأنهم كفروا به، وإنما جعلوه بزعمهم سحرا من حيث كان عندهم يفرق بين المرء وولده وزوجه، فجعلوه لذلك كالسحر، ولم ينظروا إلى الفرق في أن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في ذهنه.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)
52
الضمير في: قالُوا لقريش، وذلك أنهم استبعدوا أولا أن يرسل الله بشرا، فلما تقرر أمر موسى وعيسى وإبراهيم ولم يكن لهم في ذلك مدفع، رجعوا يناقضون فيما يخض محمدا عليه السلام بعينه، فقالوا: لم كان محمد ولم يكن نزول الشرع عَلى رَجُلٍ من إحدى الفرقتين عَظِيمٍ، وقدر المبرد قولهم على رجل من رجلين من القريتين، والقريتان: مكة والطائف، ورجل مكة الذي أشاروا إليه: قال ابن عباس وقتادة هو: الوليد بن المغيرة المخزومي. وقال مجاهد هو: عتبة بن ربيعة. وقال قتادة: بلغنا أنه لم يبق فخذ من قريش إلا ادعاه. ورجل الطائف قال قتادة هو: عروة بن مسعود. وقال ابن عباس: حبيب بن عبد بن عمير. وقال مجاهد: كنانة بن عبد ياليل.
قال القاضي أبو محمد: وإنما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسن والقدم، وإلا فرسول الله ﷺ كان حينئذ أعظم من هؤلاء، لكن لما عظم أولئك قبل مدة النبي وفي صباه استمر ذلك لهم.
ثم وقف على جهة التوبيخ لهم بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ المعنى على اختيارهم وإرادتهم تنقسم الفضائل والمكانة عند الله. والرحمة: اسم يعم جميع هذا. ثم أخبر تعالى خبرا جازما بأنه قاسم المعايش والدرجات في الدنيا ليسخر بعض الناس بعضا، المعنى: فإذا كان اهتمامنا بهم أن نقسم هذا الحقير الفاني، فأحرى أن نقسم الأهم الخطير.
وفي قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ تزهيد في السعايات، وعون على التوكل على الله تعالى، ولله در القائل: [الرجز] لما أتى نحن قسمنا بينهم زال المرا وقرأ الجمهور: «معيشتهم». وقرأ ابن مسعود والأعمش: «معائشهم».
وقرأ جمهور الناس «سخريا» بضم السين. وقرأ أبو رجاء وابن محيصن: «سخريا» بكسر السين، وهما لغتان في معنى التسخير، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية.
وقوله تعالى: وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قال قتادة والسدي: يعني الجنة.
قال القاضي أبو محمد: لا شك أن الجنة هي الغاية، ورحمة الله في الدنيا بالهداية، والإيمان خير من كل مال، وهذا اللفظ تحقير للدنيا، ثم استمر القول في تحقيرها بقوله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ الآية، وذلك أن معنى الآية: أن الله تعالى أبقى على عبيده وأنعم بمراعاة بقاء الخير والإيمان وشاء حفظه على طائفة منهم بقية الدهر، ولولا كراهية أن يكون الناس كفارا كلهم وأهل حب في الدنيا وتجرد لها لوسع على الكفار غاية التوسعة ومكنهم من الدنيا، إذ حقارتهم عنده تقتضي ذلك، لأنها لا قدر لها ولا وزن لفنائها وذهاب رسومها، فقوله: أُمَّةً واحِدَةً معناه: في الكفر، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي، ومن
قال القاضي أبو محمد: وإنما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسن والقدم، وإلا فرسول الله ﷺ كان حينئذ أعظم من هؤلاء، لكن لما عظم أولئك قبل مدة النبي وفي صباه استمر ذلك لهم.
ثم وقف على جهة التوبيخ لهم بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ المعنى على اختيارهم وإرادتهم تنقسم الفضائل والمكانة عند الله. والرحمة: اسم يعم جميع هذا. ثم أخبر تعالى خبرا جازما بأنه قاسم المعايش والدرجات في الدنيا ليسخر بعض الناس بعضا، المعنى: فإذا كان اهتمامنا بهم أن نقسم هذا الحقير الفاني، فأحرى أن نقسم الأهم الخطير.
وفي قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ تزهيد في السعايات، وعون على التوكل على الله تعالى، ولله در القائل: [الرجز] لما أتى نحن قسمنا بينهم زال المرا وقرأ الجمهور: «معيشتهم». وقرأ ابن مسعود والأعمش: «معائشهم».
وقرأ جمهور الناس «سخريا» بضم السين. وقرأ أبو رجاء وابن محيصن: «سخريا» بكسر السين، وهما لغتان في معنى التسخير، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية.
وقوله تعالى: وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قال قتادة والسدي: يعني الجنة.
قال القاضي أبو محمد: لا شك أن الجنة هي الغاية، ورحمة الله في الدنيا بالهداية، والإيمان خير من كل مال، وهذا اللفظ تحقير للدنيا، ثم استمر القول في تحقيرها بقوله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ الآية، وذلك أن معنى الآية: أن الله تعالى أبقى على عبيده وأنعم بمراعاة بقاء الخير والإيمان وشاء حفظه على طائفة منهم بقية الدهر، ولولا كراهية أن يكون الناس كفارا كلهم وأهل حب في الدنيا وتجرد لها لوسع على الكفار غاية التوسعة ومكنهم من الدنيا، إذ حقارتهم عنده تقتضي ذلك، لأنها لا قدر لها ولا وزن لفنائها وذهاب رسومها، فقوله: أُمَّةً واحِدَةً معناه: في الكفر، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي، ومن
53
هذا المعنى قول النبي عليه السلام: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» ثم يتركب معنى الآية على معنى هذا الحديث. واللام في قوله: لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لام الملك.
واللام في قوله: لِبُيُوتِهِمْ لام تخصيص، كما تقول: هذا الكساء لزيد لدابته، أي هو لدابته حلس ولزيد ملك. قال المهدوي: ودلت هذه الآية على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو، إذ هو منسوب إلى البيوت، وهذا تفقه واهن.
وقرأ جمهور القراء: «سقفا» بضم السين والقاف. وقرأ مجاهد: «سقفا» بضم السين وسكون القاف على الإفراد.
والمعارج: الأدراج التي يطلع عليها، قاله ابن عباس وقتادة والناس. وقرأ طلحة: «معاريج» بزيادة ياء. و: يَظْهَرُونَ معناه يعلون، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: والشمس في حجرتها لم تظهر.
والسرر: جمع سرير.
واختلف الناس في الزخرف، فقال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: الزخرف: الذهب نفسه وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إياكم والحمزة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان».
قال القاضي أبو محمد: الحسن أحمر، والشهوات تتبعه.
وقال ابن زيد: الزخرف: أثاث البيت وما يتخذ له من الستور والنمارق ونحوه. وقالت فرقة:
الزخرف: التزاويق والنقش ونحوه من التزيين وشاهد هذا القول: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ [يونس: ٢٤].
وقرأ جمهور القراء: «وإن كل ذلك لما» بتخفيف الميم من «لما» ف «إن» مخففة من الثقيلة، واللام في: «لما» داخلة لتفصل بين النفي والإيجاب. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه، والحسن وطلحة والأعمش وعيسى: «لمّا متاع» بتشديد الميم من «لمّا» فإن «لمّا» نافية بمعنى ما. ولَمَّا: بمعنى: إلا، وقد حكى سيبويه نشدتك الله لما فعلت، وحمله على إلا. وفي مصحف أبي بن كعب: «وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا». وقرأ أبو رجاء: «لما» بكسر اللام وتخفيف، الميم، ف «ما» بمعنى الذي، والعائد عليها محذوف، والتقدير: وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا.
وفي قوله تعالى: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ وعد كريم وتحريض على التقوى، إذ في الآخرة هو التباين في المنازل.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
مَنْ في قوله: وَمَنْ يَعْشُ شرطية، وعشى يعشو، معناه: قل الإبصار منه كالذي يعتري في
واللام في قوله: لِبُيُوتِهِمْ لام تخصيص، كما تقول: هذا الكساء لزيد لدابته، أي هو لدابته حلس ولزيد ملك. قال المهدوي: ودلت هذه الآية على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو، إذ هو منسوب إلى البيوت، وهذا تفقه واهن.
وقرأ جمهور القراء: «سقفا» بضم السين والقاف. وقرأ مجاهد: «سقفا» بضم السين وسكون القاف على الإفراد.
والمعارج: الأدراج التي يطلع عليها، قاله ابن عباس وقتادة والناس. وقرأ طلحة: «معاريج» بزيادة ياء. و: يَظْهَرُونَ معناه يعلون، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: والشمس في حجرتها لم تظهر.
والسرر: جمع سرير.
واختلف الناس في الزخرف، فقال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: الزخرف: الذهب نفسه وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إياكم والحمزة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان».
قال القاضي أبو محمد: الحسن أحمر، والشهوات تتبعه.
وقال ابن زيد: الزخرف: أثاث البيت وما يتخذ له من الستور والنمارق ونحوه. وقالت فرقة:
الزخرف: التزاويق والنقش ونحوه من التزيين وشاهد هذا القول: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ [يونس: ٢٤].
وقرأ جمهور القراء: «وإن كل ذلك لما» بتخفيف الميم من «لما» ف «إن» مخففة من الثقيلة، واللام في: «لما» داخلة لتفصل بين النفي والإيجاب. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه، والحسن وطلحة والأعمش وعيسى: «لمّا متاع» بتشديد الميم من «لمّا» فإن «لمّا» نافية بمعنى ما. ولَمَّا: بمعنى: إلا، وقد حكى سيبويه نشدتك الله لما فعلت، وحمله على إلا. وفي مصحف أبي بن كعب: «وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا». وقرأ أبو رجاء: «لما» بكسر اللام وتخفيف، الميم، ف «ما» بمعنى الذي، والعائد عليها محذوف، والتقدير: وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا.
وفي قوله تعالى: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ وعد كريم وتحريض على التقوى، إذ في الآخرة هو التباين في المنازل.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
مَنْ في قوله: وَمَنْ يَعْشُ شرطية، وعشى يعشو، معناه: قل الإبصار منه كالذي يعتري في
54
الليل، وكذلك هو الأعشى من الرجال، ويقال أيضا: عشى الرجل يعشي عشاء إذا فسد بصره فلم ير، أو لم ير إلا قليلا.
وقرأ قتادة ويحيى بن سلام البصري: «ومن يعش» بفتح الشين، وهي من قولهم: عشى يعشي، والأكثر عشى يعشو، ومنه قول الشاعر [الحطيئة] :[الطويل]
وفي شعر آخر [عبد الله بن الحر] :
تجد حطبا جزلا وجمرا تأججا وقرأ الأعمش: «ومن يعش عن الرحمن»، وسقط: ذِكْرِ.
فالمعنى في الآية: ومن يقل نظره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن، أي فيما ذكر به عباده، فالمصدر إلى الفاعل، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نيسر له ونعد، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح، وهذا كما يقال: إن الله يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعا.
وقرأ الجمهور: «نقيض» بالنون. وقرأ الأعمش: «يقيض»، بالياء «شيطانا»، أي يقيض الله. وقرأ ابن عباس: «يقيّض له شيطان»، بفتح الياء الثانية وشدها ورفع النون من «شيطان».
والضمير في قوله: وَإِنَّهُمْ عائد على الشياطين. وفي: «يصدونهم» على الكفار.
و: السَّبِيلِ هي سبيل الهدى والفوز. والضمير في: يَحْسَبُونَ للكفار.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري: «حتى إذا جاءانا» على التثنية، يريد العاشي والقرين، قاله سعيد الجريري وقتادة. وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: «جاءنا» يريد العاشي وحده. وفاعل: قالَ هو العاشي.
وقوله: بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يحتمل ثلاثة معان، أحدهما: أن يريد بعد المشرق من المغرب، فسماهما مشرقين، كما يقال: القمران والعمران، قال الفرزدق:
لما قمراها والنجوم الطوالع والثاني: أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم، ومشرقها في أقصر يوم، فكأنه أخذ نهايتي المشارق. والثالث: أن يريد بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ من المغربين، فاكتفى بذكر الْمَشْرِقَيْنِ.
وقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب، ألا ترى إلى قول الخنساء: [الوافر]
وقرأ قتادة ويحيى بن سلام البصري: «ومن يعش» بفتح الشين، وهي من قولهم: عشى يعشي، والأكثر عشى يعشو، ومنه قول الشاعر [الحطيئة] :[الطويل]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره | تجد خير نار عندها خير موقد |
تجد حطبا جزلا وجمرا تأججا وقرأ الأعمش: «ومن يعش عن الرحمن»، وسقط: ذِكْرِ.
فالمعنى في الآية: ومن يقل نظره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن، أي فيما ذكر به عباده، فالمصدر إلى الفاعل، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نيسر له ونعد، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح، وهذا كما يقال: إن الله يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعا.
وقرأ الجمهور: «نقيض» بالنون. وقرأ الأعمش: «يقيض»، بالياء «شيطانا»، أي يقيض الله. وقرأ ابن عباس: «يقيّض له شيطان»، بفتح الياء الثانية وشدها ورفع النون من «شيطان».
والضمير في قوله: وَإِنَّهُمْ عائد على الشياطين. وفي: «يصدونهم» على الكفار.
و: السَّبِيلِ هي سبيل الهدى والفوز. والضمير في: يَحْسَبُونَ للكفار.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري: «حتى إذا جاءانا» على التثنية، يريد العاشي والقرين، قاله سعيد الجريري وقتادة. وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: «جاءنا» يريد العاشي وحده. وفاعل: قالَ هو العاشي.
وقوله: بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يحتمل ثلاثة معان، أحدهما: أن يريد بعد المشرق من المغرب، فسماهما مشرقين، كما يقال: القمران والعمران، قال الفرزدق:
لما قمراها والنجوم الطوالع والثاني: أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم، ومشرقها في أقصر يوم، فكأنه أخذ نهايتي المشارق. والثالث: أن يريد بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ من المغربين، فاكتفى بذكر الْمَشْرِقَيْنِ.
وقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب، ألا ترى إلى قول الخنساء: [الوافر]
55
ولولا كثرة الباكين حولي | على إخوانهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكن | أعزي النفس عنه بالتأسي |
وقرأ جمهور القراء: «أنكم» بفتح الألف. وقرأ ابن عامر وحده: «إنكم» بكسر الألف، وقد يجوز أن يكون الفاعل يَنْفَعَكُمُ التبري الذي يدل عليه قوله: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ وعلى هذا يكون «أنكم» في موضع نصب على المفعول من أجله، وتخرج الآية على معنى نفي الأسوة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٥]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
لما ذكر تعالى حال الكفرة في الآخرة وما يقال لهم وهم في العذاب، اقتضى ذلك أن تشفق النفوس، وأن ينظر كل سامع لنفسه ويسعى في خلاصها، فلما كانت قريش مع هذا الذي سمعت لم تزل عن عتوها وإعراضها عن أمر الله، رجعت المخاطبة إلى محمد عليه السلام على جهة التسلية له عنهم وشبههم ب الصُّمَّ والْعُمْيَ، إذ كانت حواسهم لا تفيد شيئا.
وقوله: وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يريد بذلك قريشا بأنفسهم، ولذلك لم يقل: «من كان» بل جاء بالواو العاطفة، كأنه يقول: وهؤلاء، ويؤيد ذلك أيضا عود الضمير عليهم في قوله: فَإِنَّا مِنْهُمْ ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله: وَمَنْ كانَ.
وقوله تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ الآية تتضمن وعيدا واقعا، وذهب جمهور العلماء إلى أن المتوعدين هم الكفار، وأن الله تعالى أرى نبيه الذي توعدهم في بدر والفتح وغير ذلك، وذهب الحسن وقتادة إلى أن المتوعدين هم في هذه الأمة، وأن الله تعالى أكرم نبيه على أن ينتقم منهم بحضرته وفي حياته، فوقعت النقمة منهم بعد أن ذهب به، وذلك في الفتن الحادثة في صدر الإسلام مع الخوارج وغيرهم، قال الحسن وقتادة: أكرم الله نبيه على أن يرى في أمته ما يكره كما رأى الأنبياء، فكانت بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم، وقد روي حديث عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ قرأ: فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فقال: بعلي بن أبي طالب والقول الأول من توعد الكفار أكثر، ثم أمر تعالى نبيه بالتمسك بما جاء من عند الله من الوحي المتلو وغيره. والصراط: الطريق.
وقرأ الجمهور: «أوحي» على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الضحاك: «أوحى» على الفعل المبني للفاعل، أي أوحى الله.
وقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا. والقوم: على هذا قريش ثم العرب، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد. قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له: فلمن يكون الأمر بعدك؟ سكت حتى نزلت هذه الآية، فكان إذا سئل بعد ذلك، قال لقريش، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار وروي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الأمر في قريش ما زالوا، إذا حكوا عدلوا، وإذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». وروى معاوية أنه عليه السلام قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين». ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة، ف «القوم» على هذا أمة بأجمعها، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن، وقوله: وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ قال ابن عباس وغيره معناه: عن أوامر القرآن ونواهيه: وقال الحسن بن أبي الحسن معناه: عن شكر النعمة فيه، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه.
واختلف المفسرون في المراد بالسؤال في قوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا فقالت فرقة، أراد: أن اسأل جبريل، ذكر ذلك النقاش، وفيه بعد. وقال ابن زيد وابن جبير والزهري، أراد: واسأل الرسل إذا لقيتهم ليلة الإسراء، أما أن النبي عليه السلام لم يسأل الرسل ليلة الإسراء عن هذا، لأنه كان أثبت يقينا من ذلك ولم يكن في شك. وقالت فرقة، أراد: واسألني، أو واسألنا عمن أرسلنا، والأولى على هذا التأويل أن يكون:
مَنْ أَرْسَلْنا استفهاما أمره أن يسأل له، كأن سؤاله: يا رب من أرسلت قبلي من رسلك؟ أجعلت في رسالته الأمر بآلهة يعبدون؟ ثم ساق السؤال محكي المعنى، فرد المخاطبة إلى محمد عليه السلام في قوله:
مِنْ قَبْلِكَ. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وعطاء، أراد: وسل تباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، لأن المفهوم أنه لا سبيل إلى سؤاله الرسل إلا بالنظر في آثارهم وكتبهم وسؤال من حفظها.
وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: «وسئل الذين أرسلنا إليهم رسلنا»، فهذه القراءة تؤيد هذا المعنى، وكذلك قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] مفهوم إنه لا يسأل إلا أهلها، ومما ينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: ٥٩] فمفهوم أن الرد إنما هو إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأن المحاور في ذلك إنما هم تباعهم وحفظة الشرع.
وقوله: يُعْبَدُونَ أخرج ضميرهم على حد من يعقل مراعاة للفظ الآلهة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٦ الى ٥٠]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
وقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا. والقوم: على هذا قريش ثم العرب، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد. قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له: فلمن يكون الأمر بعدك؟ سكت حتى نزلت هذه الآية، فكان إذا سئل بعد ذلك، قال لقريش، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار وروي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الأمر في قريش ما زالوا، إذا حكوا عدلوا، وإذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». وروى معاوية أنه عليه السلام قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين». ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة، ف «القوم» على هذا أمة بأجمعها، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن، وقوله: وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ قال ابن عباس وغيره معناه: عن أوامر القرآن ونواهيه: وقال الحسن بن أبي الحسن معناه: عن شكر النعمة فيه، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه.
واختلف المفسرون في المراد بالسؤال في قوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا فقالت فرقة، أراد: أن اسأل جبريل، ذكر ذلك النقاش، وفيه بعد. وقال ابن زيد وابن جبير والزهري، أراد: واسأل الرسل إذا لقيتهم ليلة الإسراء، أما أن النبي عليه السلام لم يسأل الرسل ليلة الإسراء عن هذا، لأنه كان أثبت يقينا من ذلك ولم يكن في شك. وقالت فرقة، أراد: واسألني، أو واسألنا عمن أرسلنا، والأولى على هذا التأويل أن يكون:
مَنْ أَرْسَلْنا استفهاما أمره أن يسأل له، كأن سؤاله: يا رب من أرسلت قبلي من رسلك؟ أجعلت في رسالته الأمر بآلهة يعبدون؟ ثم ساق السؤال محكي المعنى، فرد المخاطبة إلى محمد عليه السلام في قوله:
مِنْ قَبْلِكَ. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وعطاء، أراد: وسل تباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، لأن المفهوم أنه لا سبيل إلى سؤاله الرسل إلا بالنظر في آثارهم وكتبهم وسؤال من حفظها.
وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: «وسئل الذين أرسلنا إليهم رسلنا»، فهذه القراءة تؤيد هذا المعنى، وكذلك قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] مفهوم إنه لا يسأل إلا أهلها، ومما ينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: ٥٩] فمفهوم أن الرد إنما هو إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأن المحاور في ذلك إنما هم تباعهم وحفظة الشرع.
وقوله: يُعْبَدُونَ أخرج ضميرهم على حد من يعقل مراعاة للفظ الآلهة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٦ الى ٥٠]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
هذه آية ضرب مثل وإسوة لمحمد عليه السلام بموسى عليه السلام ولكفار قريش بفرعون وَمَلَائِهِ. والآيات التي أرسل بها موسى وهي التسع المذكورة وغير ذلك مما جاءت به الروايات، وخص الملأ بالذكر لأنهم يسدون مسد جميع الناس، ثم وصفهم تعالى بالضحك من آيات موسى، كما كانت قريش تضحك وتسخر من أخبار محمد عليه السلام، ثم وصف تعالى صورة عرض الآيات عليهم وإنما كانت شيئا بعد شيء.
وقوله: إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها عبارة عن شدة موقعها في نفوسهم بحدة أمرها وحدوثه، وذلك أن أول آية عرض موسى هي: العصا واليد، وكانت أكبر آياته، ثم كل آية بعد ذلك كانت تقع فيعظم عندهم لحينها وتكبر، لأنهم قد كانوا أنسوا التي قبلها، فهذا كما قال الشاعر: [الطويل]
وذهب الطبري إلى أن الآيات هي الحجج والبينات. ثم ذكر تعالى أخذهم بالعذاب في العمل والضفادع والدم وغير ذلك، وهذا كما أخذ قريش بالسنين والدخان.
وقوله: لَعَلَّهُمْ ترج بحسب معتقد البشر وظنهم. و: يَرْجِعُونَ معناه: يتوبون ويقلعون.
وقوله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ جائز أن يكون قائل ذلك من أعلمهم بكفر السحر فيقول: قوله استهزاء وهو يعلم قدر السحر وانحطاط منزلته، ويكون قوله: عِنْدَكَ بمعنى: في زعمك وعلى قولك، ويحتمل أن يكون القائل ليس من المتمردين الحذاق ويطلق لفظة الساحر لأحد وجهين، إما لأن السحر كان عند عامتهم علم الوقت، فكأنه قال: يا أيه العالم، وإما لأن هذه الاسمية قد كانت انطلقت عندهم على موسى لأول ظهورها، فاستصحبها هذا القائل في مخاطبة قلة تحرير وغباوة، ويكون القول على هذا التأويل جدا من القائل، ويكون قوله: إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ بمعنى إن نفعتنا دعوتك، وهذا التأويل أرجح، أعني أن كلام هذا القائل مقترن بالجد.
وقرأ ابن عامر وحده: «يا أي» بياء مضمومة فقط.
ثم أخبر عنهم أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا، ولو كان الكلام هزلا من أوله لما وقع نكث.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥١ الى ٥٦]
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)
وقوله: إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها عبارة عن شدة موقعها في نفوسهم بحدة أمرها وحدوثه، وذلك أن أول آية عرض موسى هي: العصا واليد، وكانت أكبر آياته، ثم كل آية بعد ذلك كانت تقع فيعظم عندهم لحينها وتكبر، لأنهم قد كانوا أنسوا التي قبلها، فهذا كما قال الشاعر: [الطويل]
على أنها تعفو الكلوم وإنما | توكل بالأدنى وان جل ما يقضى |
وقوله: لَعَلَّهُمْ ترج بحسب معتقد البشر وظنهم. و: يَرْجِعُونَ معناه: يتوبون ويقلعون.
وقوله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ جائز أن يكون قائل ذلك من أعلمهم بكفر السحر فيقول: قوله استهزاء وهو يعلم قدر السحر وانحطاط منزلته، ويكون قوله: عِنْدَكَ بمعنى: في زعمك وعلى قولك، ويحتمل أن يكون القائل ليس من المتمردين الحذاق ويطلق لفظة الساحر لأحد وجهين، إما لأن السحر كان عند عامتهم علم الوقت، فكأنه قال: يا أيه العالم، وإما لأن هذه الاسمية قد كانت انطلقت عندهم على موسى لأول ظهورها، فاستصحبها هذا القائل في مخاطبة قلة تحرير وغباوة، ويكون القول على هذا التأويل جدا من القائل، ويكون قوله: إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ بمعنى إن نفعتنا دعوتك، وهذا التأويل أرجح، أعني أن كلام هذا القائل مقترن بالجد.
وقرأ ابن عامر وحده: «يا أي» بياء مضمومة فقط.
ثم أخبر عنهم أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا، ولو كان الكلام هزلا من أوله لما وقع نكث.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥١ الى ٥٦]
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)
58
نداء فرعون يحتمل أن يكون بلسانه في ناديه، ويحتمل أن يكون بأن أمر من ينادي في الناس، ومعنى هذه الحجة التي نادى بها أنه أراد أن يبين فضله على موسى، إذ هو ملك مصر، وصاحب الأنهار والنعم، وموسى خامل متقلل لا دنيا له، قال: فلو أن إله موسى يكون حقا كما يزعم، لما ترك الأمر هكذا.
و: مِصْرَ من بحر الإسكندرية إلى أسوان بطول النيل. و: الْأَنْهارُ التي أشار إليها هي الخلجان الكبار الخارجة من النيل وعظمها نهر الإسكندرية وتنيس ودمياط ونهر طولون.
وقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ قال سيبويه: أَمْ هذه المعادلة، والمعنى: أم أنتم لا تبصرون، فوضع موضع قوله: أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يبصر عنده، وهو أنه خير من موسى. و «لا» على هذا النظر نافية.
وقالت فرقة: أَفَلا تُبْصِرُونَ أم لا تبصرون، ثم اقتصر على أَمْ لدلالة ظاهر الكلام على المحذوف منه، وابتدأ قوله: أَنَا خَيْرٌ إخبارا منه، فقوله: أَفَلا على هذا النظر بمنزلة: هلا ولولا على معنى التخصيص. وقالت فرقة: أَبمعنى بل.
وقرأ بعض الناس: «أما أنا خير»، حكاه الفراء، وكان مجاهد يقف على أَمْ ثم يبتدئ: أَنَا خَيْرٌ. قال قتادة: وفي مصحف أبي بن كعب: «أم أنا خير أم هذا». ومَهِينٌ معناه ضعيف وقوله:
وَلا يَكادُ يُبِينُ إشارة إلى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة، وذلك أنها كانت أحدثت في لسانه عقدة، فلما دعا في أن تحل ليفقه قوله، أجيبت دعوته، لكنه بقي أثر كان البيان يقع منه، لكن فرعون عير به. وقوله: وَلا يَكادُ يُبِينُ يقتضي أنه كان يبين.
وقرأ أبو جعفر بن علي: «يبين» بفتح الياء الأولى.
وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ يريد من السماء على معنى التكرمة.
وقراءة الجمهور: «ألقي» على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الضحاك: «ألقى» بفتح الهمزة والقاف على بنائه للفاعل «أساورة» نصبا.
وقرأ جمهور القراء: «أساورة» وقرأ حفص عن عاصم: «أسورة»، وهي قراءة الحسن والأعرج وقتادة وأبي رجاء ومجاهد. وقرأ أبي بن كعب: «أساور». وفي مصحف ابن مسعود: «أساوير»، ويقال سوار وأسوار لما يجعل في الذراع من الحلي، حكى أبو زيد اللغتين وأبو عمرو بن العلاء، وهو كالقلب، قاله ابن عباس، وكانت عادة الرجال يومئذ حبس ذلك والتزيي به. و: أساورة جمع أسوار، ويجوز أن يكون جمع أسورة، كأسقية وأساقي، وكذلك: أساور، جمع أسوار. والهاء في: أساورة عوض من الياء المحذوفة، لأن الجمع إنما هو أساوير كما في مصحف ابن مسعود، فحذفوا الياء وجعلوا الهاء عوضا منها،
و: مِصْرَ من بحر الإسكندرية إلى أسوان بطول النيل. و: الْأَنْهارُ التي أشار إليها هي الخلجان الكبار الخارجة من النيل وعظمها نهر الإسكندرية وتنيس ودمياط ونهر طولون.
وقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ قال سيبويه: أَمْ هذه المعادلة، والمعنى: أم أنتم لا تبصرون، فوضع موضع قوله: أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يبصر عنده، وهو أنه خير من موسى. و «لا» على هذا النظر نافية.
وقالت فرقة: أَفَلا تُبْصِرُونَ أم لا تبصرون، ثم اقتصر على أَمْ لدلالة ظاهر الكلام على المحذوف منه، وابتدأ قوله: أَنَا خَيْرٌ إخبارا منه، فقوله: أَفَلا على هذا النظر بمنزلة: هلا ولولا على معنى التخصيص. وقالت فرقة: أَبمعنى بل.
وقرأ بعض الناس: «أما أنا خير»، حكاه الفراء، وكان مجاهد يقف على أَمْ ثم يبتدئ: أَنَا خَيْرٌ. قال قتادة: وفي مصحف أبي بن كعب: «أم أنا خير أم هذا». ومَهِينٌ معناه ضعيف وقوله:
وَلا يَكادُ يُبِينُ إشارة إلى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة، وذلك أنها كانت أحدثت في لسانه عقدة، فلما دعا في أن تحل ليفقه قوله، أجيبت دعوته، لكنه بقي أثر كان البيان يقع منه، لكن فرعون عير به. وقوله: وَلا يَكادُ يُبِينُ يقتضي أنه كان يبين.
وقرأ أبو جعفر بن علي: «يبين» بفتح الياء الأولى.
وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ يريد من السماء على معنى التكرمة.
وقراءة الجمهور: «ألقي» على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الضحاك: «ألقى» بفتح الهمزة والقاف على بنائه للفاعل «أساورة» نصبا.
وقرأ جمهور القراء: «أساورة» وقرأ حفص عن عاصم: «أسورة»، وهي قراءة الحسن والأعرج وقتادة وأبي رجاء ومجاهد. وقرأ أبي بن كعب: «أساور». وفي مصحف ابن مسعود: «أساوير»، ويقال سوار وأسوار لما يجعل في الذراع من الحلي، حكى أبو زيد اللغتين وأبو عمرو بن العلاء، وهو كالقلب، قاله ابن عباس، وكانت عادة الرجال يومئذ حبس ذلك والتزيي به. و: أساورة جمع أسوار، ويجوز أن يكون جمع أسورة، كأسقية وأساقي، وكذلك: أساور، جمع أسوار. والهاء في: أساورة عوض من الياء المحذوفة، لأن الجمع إنما هو أساوير كما في مصحف ابن مسعود، فحذفوا الياء وجعلوا الهاء عوضا منها،
59
كما فعلوا ذلك في زنادقة وبطارقة وغير ذلك، وأساورة: جمع سوار.
وقوله: مُقْتَرِنِينَ أي يحمونه ويشهدون له ويقيمون حجته. ثم أخبر تعالى عن فرعون أنه استخف قومه بهذه المقالة، أي طلب خفتهم وإجابتهم إلى غرضه، فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه في الكفر لفسقهم ولما كانوا بسبيله من الفساد. و: آسَفُونا معناه: أغضبونا بلا خلاف، وإغضاب الله تعالى هو أن تعمل الأعمال الخبيثة التي تظهر من أجلها أفعاله الدالة على إرادة السوء بمن شاء. والغضب على هذا صفة فعل، وهو مما يتردد، فإذا كان بمعنى ما يظهر من الأفعال، فهو صفة فعل، وإذا رد إلى الإرادة فهو صفة ذات، وفي هذا نظر.
وقرأ جمهور القراء: «سلفا» بفتح السين واللام جمع سالف، كحارس وحرس. والسلف: هو الفارط من الأمم المتقدم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلا لهم يعتبرون بهم، أو يقعون فيما وقعوا فيه، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «يذهب الصالحون أسلافا»، وقوله في ولده إبراهيم: «ندفنه عند سلفنا الصالح عثمان بن مظعون». وقرأ حميد الأعرج وحمزة والكسائي: «سلفا» بضم السين واللام، وهي قراءة عبد الله وأصحابه وسعد بن عياض وابن كثير، وهو جمع: سليف. وذكر الطبري عن القاسم بن معن أنه سمع العرب تقول: مضى سلف من الناس، بمعنى السلف. وقرأ علي بن أبي طالب وحميد الأعرج أيضا: «سلفا» بضم السين وفتح اللام، كأنه جمع سلفة، بمعنى الأمة والقطعة. والآخرون: هو من يأتي من البشر إلى يوم القيامة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية، أنه لما نزلت: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ [آل عمران: ٥٩] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل، قالت فرقة: ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب: «يصدون» بضم الصاد، بمعنى: يعرضون. وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة: «يصدون» بكسر الصاد، بمعنى يضحكون، وأنكر ابن عباس ضم الصاد، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، مثل «يعرشون ويعرشون».
وقوله: مُقْتَرِنِينَ أي يحمونه ويشهدون له ويقيمون حجته. ثم أخبر تعالى عن فرعون أنه استخف قومه بهذه المقالة، أي طلب خفتهم وإجابتهم إلى غرضه، فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه في الكفر لفسقهم ولما كانوا بسبيله من الفساد. و: آسَفُونا معناه: أغضبونا بلا خلاف، وإغضاب الله تعالى هو أن تعمل الأعمال الخبيثة التي تظهر من أجلها أفعاله الدالة على إرادة السوء بمن شاء. والغضب على هذا صفة فعل، وهو مما يتردد، فإذا كان بمعنى ما يظهر من الأفعال، فهو صفة فعل، وإذا رد إلى الإرادة فهو صفة ذات، وفي هذا نظر.
وقرأ جمهور القراء: «سلفا» بفتح السين واللام جمع سالف، كحارس وحرس. والسلف: هو الفارط من الأمم المتقدم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلا لهم يعتبرون بهم، أو يقعون فيما وقعوا فيه، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «يذهب الصالحون أسلافا»، وقوله في ولده إبراهيم: «ندفنه عند سلفنا الصالح عثمان بن مظعون». وقرأ حميد الأعرج وحمزة والكسائي: «سلفا» بضم السين واللام، وهي قراءة عبد الله وأصحابه وسعد بن عياض وابن كثير، وهو جمع: سليف. وذكر الطبري عن القاسم بن معن أنه سمع العرب تقول: مضى سلف من الناس، بمعنى السلف. وقرأ علي بن أبي طالب وحميد الأعرج أيضا: «سلفا» بضم السين وفتح اللام، كأنه جمع سلفة، بمعنى الأمة والقطعة. والآخرون: هو من يأتي من البشر إلى يوم القيامة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية، أنه لما نزلت: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ [آل عمران: ٥٩] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل، قالت فرقة: ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب: «يصدون» بضم الصاد، بمعنى: يعرضون. وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة: «يصدون» بكسر الصاد، بمعنى يضحكون، وأنكر ابن عباس ضم الصاد، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، مثل «يعرشون ويعرشون».
60
وقوله تعالى: آلِهَتُنا ابتداء معنى ثان، وذلك أنه لما نزلت إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء: ٩٨] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا: نحن نخصم محمدا: آلهتنا خير أم عيسى؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى، قالوا، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام: بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار، فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى، إذ هو خير منها، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذا، فقال: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلا منهم ومغالطة، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة، ولا له في ذلك ذنب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «أأالهتنا» بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف. وقرأ ورش عن نافع: بغير استفهام:
«آلهتنا» على مثال الخبر. وقرأ قالون عن نافع: «ءالهتنا» على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة. وفي مصحف أبي بن كعب: «خير أم هذا»، فالإشارة إلى محمد، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ: أَمْ هُوَ إن الإرادة محمد عليه السلام، وهو قول قتادة. وقال ابن زيد والسدي المراد ب هُوَ عيسى، هذا هو المترجح.
والجدال عند العرب: المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل»، ثم قرأ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا قال أبو أمامة: ورأى عليه السلام قوما يتنازعون، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل، وقال: «لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل» ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد، وأخبر عن عيسى أنه عبد أنعم الله عليه بالنبوءة والمنزلة العالية، وجعله مثلا لبني إسرائيل.
وقوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ الآية، أي لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل، فإن القدرة تقضي ذلك وأكثر منه.
وقوله: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ معناه: لجعلنا بدلا منكم، أي لو شاء الله لجعل بدلا من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها. وقال مجاهد وابن عباس: يخلف بعضهم بعضا. والضمير في قوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد: الإشارة به إلى عيسى. وقالت فرقة: إلى محمد عليه السلام. وقال الحسن أيضا وقتادة: إلى القرآن.
وقرأ جمهور الناس: «لعلم» بكسر العين وسكون اللام. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك: «لعلم» بفتح العين واللام، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس: «للعلم» بلامين، الأولى مفتوحة. وقرأ أبي بن كعب: «لذكر للساعة».
فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها،
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «أأالهتنا» بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف. وقرأ ورش عن نافع: بغير استفهام:
«آلهتنا» على مثال الخبر. وقرأ قالون عن نافع: «ءالهتنا» على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة. وفي مصحف أبي بن كعب: «خير أم هذا»، فالإشارة إلى محمد، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ: أَمْ هُوَ إن الإرادة محمد عليه السلام، وهو قول قتادة. وقال ابن زيد والسدي المراد ب هُوَ عيسى، هذا هو المترجح.
والجدال عند العرب: المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل»، ثم قرأ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا قال أبو أمامة: ورأى عليه السلام قوما يتنازعون، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل، وقال: «لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل» ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد، وأخبر عن عيسى أنه عبد أنعم الله عليه بالنبوءة والمنزلة العالية، وجعله مثلا لبني إسرائيل.
وقوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ الآية، أي لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل، فإن القدرة تقضي ذلك وأكثر منه.
وقوله: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ معناه: لجعلنا بدلا منكم، أي لو شاء الله لجعل بدلا من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها. وقال مجاهد وابن عباس: يخلف بعضهم بعضا. والضمير في قوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد: الإشارة به إلى عيسى. وقالت فرقة: إلى محمد عليه السلام. وقال الحسن أيضا وقتادة: إلى القرآن.
وقرأ جمهور الناس: «لعلم» بكسر العين وسكون اللام. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك: «لعلم» بفتح العين واللام، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس: «للعلم» بلامين، الأولى مفتوحة. وقرأ أبي بن كعب: «لذكر للساعة».
فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها،
61
يعني خروجه في آخر الزمان، وكذلك من قال: الإشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي هو آخر الأنبياء، فقد تميزت الساعة به نوعا وقدرا من التمييز، وبقي التحديد التام الذي انفرد الله بعلمه، ومن قال:
الإشارة إلى القرآن، حسن قوله في قراءة من قرأ: «لعلم» بكسر العين وسكون اللام، أي يعلمكم بها وبأهوالها وصفاتها، وفي قراءة من قرأ: «لذكر».
وقوله: فَلا تَمْتَرُنَّ أي قل لهم يا محمد لا تشكون فيها. وقوله: هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إشارة إلى الشرع، ثم أمره بتحذير العباد من الشيطان وإغوائه ونبههم على عداوته.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٣ الى ٦٨]
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧)
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨)
«البينات» التي جاء بها عيسى عليه السلام هي: إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، إلى غير ذلك. وقال قتادة: الإنجيل. والحكمة: النبوءة قاله السدي وغيره.
وقوله: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ قال أبو عبيدة: بَعْضَ بمعنى كل، وهذا ضعيف ترده اللغة، ولا حجة له من قول لبيد:
أو يعتلق بعض النفوس حمامها لأنه أراد نفسه ونفس من معه، وذلك بعض النفوس، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور، أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عددا، منها أمور أخروية ودينية، ومنها ما لا مدخل له في الدين، فكل نبي فإنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة، فذلك بعض ما يختلف فيه.
وقوله تعالى: هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ حكاية عن عيسى عليه السلام إذ أشار إلى شرعه.
و: الْأَحْزابُ المذكورون: قال جمهور المفسرين أراد: اختلف بنو إسرائيل وتحزبوا، فمنهم من آمن به، وهو قليل، وكفر الغير، وهذا إذا كان معهم حاضرا. وقال قتادة: الْأَحْزابُ هم الأربعة الذين كان الرأي والمناظرة صرفت إليهم في أمر عيسى عليه السلام. وقال ابن حبيب وغيره: الْأَحْزابُ النصارى افترقت مذاهبهم فيه بعد رفعه عليه السلام، فقالت فرقة: هو الله، وهم اليعقوبية قال الله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: ١٧]. وقالت فرقة: هو ابن الله، وهم النسطورية قال الله تعالى فيهم: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠]، وقالت فرقة: هو ثالث ثلاثة، وهم
الإشارة إلى القرآن، حسن قوله في قراءة من قرأ: «لعلم» بكسر العين وسكون اللام، أي يعلمكم بها وبأهوالها وصفاتها، وفي قراءة من قرأ: «لذكر».
وقوله: فَلا تَمْتَرُنَّ أي قل لهم يا محمد لا تشكون فيها. وقوله: هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إشارة إلى الشرع، ثم أمره بتحذير العباد من الشيطان وإغوائه ونبههم على عداوته.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٣ الى ٦٨]
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧)
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨)
«البينات» التي جاء بها عيسى عليه السلام هي: إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، إلى غير ذلك. وقال قتادة: الإنجيل. والحكمة: النبوءة قاله السدي وغيره.
وقوله: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ قال أبو عبيدة: بَعْضَ بمعنى كل، وهذا ضعيف ترده اللغة، ولا حجة له من قول لبيد:
أو يعتلق بعض النفوس حمامها لأنه أراد نفسه ونفس من معه، وذلك بعض النفوس، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور، أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عددا، منها أمور أخروية ودينية، ومنها ما لا مدخل له في الدين، فكل نبي فإنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة، فذلك بعض ما يختلف فيه.
وقوله تعالى: هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ حكاية عن عيسى عليه السلام إذ أشار إلى شرعه.
و: الْأَحْزابُ المذكورون: قال جمهور المفسرين أراد: اختلف بنو إسرائيل وتحزبوا، فمنهم من آمن به، وهو قليل، وكفر الغير، وهذا إذا كان معهم حاضرا. وقال قتادة: الْأَحْزابُ هم الأربعة الذين كان الرأي والمناظرة صرفت إليهم في أمر عيسى عليه السلام. وقال ابن حبيب وغيره: الْأَحْزابُ النصارى افترقت مذاهبهم فيه بعد رفعه عليه السلام، فقالت فرقة: هو الله، وهم اليعقوبية قال الله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: ١٧]. وقالت فرقة: هو ابن الله، وهم النسطورية قال الله تعالى فيهم: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠]، وقالت فرقة: هو ثالث ثلاثة، وهم
الملكانية قال الله تعالى فيهم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: ٧٣].
وقوله تعالى: مِنْ بَيْنِهِمْ بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم، ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم. والضمير في: يَنْظُرُونَ لقريش، والمعنى: ينتظرون. و: بَغْتَةً معناه: فجأة دون مقدمة ولا إنذار بها.
ثم صرف تعالى بعض حال القيامة، وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه.
وقوله: يا عِبادِ المعنى يقال لهم، أي للمتقين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: «يا عبادي» بفتح الياء، وهذا هو الأصل. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: «يا عبادي» بسكون الياء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم «يا عباد» بحذف الياء.
قال أبو علي: وحذفها أحسن، لأنه في موضع تنوين وهي قد عاقبته، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد، كذلك تحذف الياء هنا لكونها على حرف، كما أن التنوين كذلك، ولأنها لا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون.
وذكر الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ فيرجوها الناس كلهم، قال فيتبعها. الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف: ٦٩] قال: فييأس منها جميع الكفار.
وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويعقوب: «لا خوف» بنصب الفاء من غير تنوين. وقرأ ابن محيصن برفع الفاء من غير تنوين.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)
الَّذِينَ نعت للعباد في قوله: يا عِبادِ [الزخرف: ٦٨]. ثم ذكر أمره إياهم بدخول الجنة هم وأزواجهم. و: تُحْبَرُونَ معناه: تنعمون وتسرون. والحبرة: السرور. والأكواب: ضرب من الأواني كالأباريق، إلا أنها لا آذان لها ولا مقابض.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر وشيبة: «ما تشتهيه» بإثبات الهاء الأخيرة وكذلك
وقوله تعالى: مِنْ بَيْنِهِمْ بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم، ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم. والضمير في: يَنْظُرُونَ لقريش، والمعنى: ينتظرون. و: بَغْتَةً معناه: فجأة دون مقدمة ولا إنذار بها.
ثم صرف تعالى بعض حال القيامة، وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه.
وقوله: يا عِبادِ المعنى يقال لهم، أي للمتقين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: «يا عبادي» بفتح الياء، وهذا هو الأصل. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: «يا عبادي» بسكون الياء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم «يا عباد» بحذف الياء.
قال أبو علي: وحذفها أحسن، لأنه في موضع تنوين وهي قد عاقبته، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد، كذلك تحذف الياء هنا لكونها على حرف، كما أن التنوين كذلك، ولأنها لا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون.
وذكر الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ فيرجوها الناس كلهم، قال فيتبعها. الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف: ٦٩] قال: فييأس منها جميع الكفار.
وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويعقوب: «لا خوف» بنصب الفاء من غير تنوين. وقرأ ابن محيصن برفع الفاء من غير تنوين.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)
الَّذِينَ نعت للعباد في قوله: يا عِبادِ [الزخرف: ٦٨]. ثم ذكر أمره إياهم بدخول الجنة هم وأزواجهم. و: تُحْبَرُونَ معناه: تنعمون وتسرون. والحبرة: السرور. والأكواب: ضرب من الأواني كالأباريق، إلا أنها لا آذان لها ولا مقابض.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر وشيبة: «ما تشتهيه» بإثبات الهاء الأخيرة وكذلك
في مصحف المدينة ومصاحف الشام، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم والجمهور: «ما تشتهي» بحذف الهاء، وكذلك وقع في أكثر المصاحف وحذفها من الصلة لطول القول حسن، وكذلك كثر في التنزيل كقوله تعالى: أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ [الفرقان: ٤١] وفي قوله: وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النمل: ٥٨] وغير ذلك، وفي مصحف ابن مسعود: «ما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين».
وقوله تعالى: أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ليس المعنى أن الأعمال أوجبت على الله إدخالهم الجنة، وإنما المعنى: أن حظوظهم منها على قدر أعمالهم، وأما نفس دخول الجنة وأن يكون من أهلها فبفضل الله وهداه.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٤ الى ٨١]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١)
لما ذكر تعالى حال أهل الجنة وما يقال لهم، عقب ذلك بذكر حال الكفرة من الخلود في النار ولتتضح الأمور التي منها النذارة، والمجرمون في هذه الآية: الكفار، بدليل الخلود وما تتضمنه الألفاظ من مخاطبة مالك وغيره. والمبلس: المبعد اليائس من الخيرة، قاله قتادة وغيره.
وقرأ ابن مسعود: «وهم مبلسون» أي في جهنم.
وقوله تعالى: وَما ظَلَمْناهُمْ أي ما وضعنا العذاب فيمن لا يستحقه، ولكن هم ظلموا في أن وضعوا العبادة فيمن لا يستوجبها وضعفوا الكفر والتفريط في جنب الله تعالى.
وقرأ الجمهور: «كانوا هم الظالمين» على الفصل. وقرأ ابن مسعود: «هم الظالمون» على الابتداء والخبر، وأن تكون الجملة خبر «كان».
ثم ذكر تعالى عن أهل النار أنهم ينادون مالكا خازن النار، فيقولون على معنى الرغبة التي هي في صيغة الأمر لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ أي ليمتنا مرة حتى يتكرر عذابنا.
وقرأ النبي عليه السلام على المنبر: «يا مالك» بالكاف، وهي قراءة الجمهور. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش: «يا مال» بالترخيم، ورويت عن علي بن أبي طالب، ورواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقضاء في هذه الآية بمعنى الموت، كما قال تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [القصص: ١٥] وروي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أن مالكا يقيم بعد سؤالهم ألف سنة، وقال
وقوله تعالى: أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ليس المعنى أن الأعمال أوجبت على الله إدخالهم الجنة، وإنما المعنى: أن حظوظهم منها على قدر أعمالهم، وأما نفس دخول الجنة وأن يكون من أهلها فبفضل الله وهداه.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٤ الى ٨١]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١)
لما ذكر تعالى حال أهل الجنة وما يقال لهم، عقب ذلك بذكر حال الكفرة من الخلود في النار ولتتضح الأمور التي منها النذارة، والمجرمون في هذه الآية: الكفار، بدليل الخلود وما تتضمنه الألفاظ من مخاطبة مالك وغيره. والمبلس: المبعد اليائس من الخيرة، قاله قتادة وغيره.
وقرأ ابن مسعود: «وهم مبلسون» أي في جهنم.
وقوله تعالى: وَما ظَلَمْناهُمْ أي ما وضعنا العذاب فيمن لا يستحقه، ولكن هم ظلموا في أن وضعوا العبادة فيمن لا يستوجبها وضعفوا الكفر والتفريط في جنب الله تعالى.
وقرأ الجمهور: «كانوا هم الظالمين» على الفصل. وقرأ ابن مسعود: «هم الظالمون» على الابتداء والخبر، وأن تكون الجملة خبر «كان».
ثم ذكر تعالى عن أهل النار أنهم ينادون مالكا خازن النار، فيقولون على معنى الرغبة التي هي في صيغة الأمر لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ أي ليمتنا مرة حتى يتكرر عذابنا.
وقرأ النبي عليه السلام على المنبر: «يا مالك» بالكاف، وهي قراءة الجمهور. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش: «يا مال» بالترخيم، ورويت عن علي بن أبي طالب، ورواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقضاء في هذه الآية بمعنى الموت، كما قال تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [القصص: ١٥] وروي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أن مالكا يقيم بعد سؤالهم ألف سنة، وقال
64
نوف: مائة سنة، وقيل: ثمانين سنة. وقال عبد الله بن عمر: وأربعين سنة، ثم حينئذ يقول لهم: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ.
وقوله: لَقَدْ جِئْناكُمْ الآية، يحتمل أن يكون من قول مالك لأهل النار، ويكون قوله: جِئْناكُمْ (على حد ما يدخل أحد جملة الرئيس كناية عن نفسه في فعل الرئيس فيقول غلبناكم وفعلنا بكم ونحو هذا، ثم ينقطع كلام مالك في قوله: كارِهُونَ ويحتمل أن يكون قوله: جِئْناكُمْ من قول الله تعالى لقريش بعقب حكاية أمر الكفار مع مالك، وفي هذا توعد وتخويف فصيح، بمعنى انظروا كيف تكون حالكم، ثم تتصل الآية على هذا بما بعدها من أمر قريش.
وقوله تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً من أمور كفرهم وتدبيرهم على عهد محمد ﷺ كما فعلوا في اجتماعهم على قتله في دار الندوة إلى غير ذلك، و: أَمْ في هذه الآية: المنقطعة.
وقوله: فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي فإنا محكمو نصره وحمايته. والإبرام: أن تجمع خيطين ثم تفتلهما فتلا متقنا. والبريم: خيط فيه لونان.
وقوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ الآية، قال محمد بن كعب القرظي: نزلت لأن كثيرا من العرب كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يسمع السر، ومنه حديث الثقفي والقرشيين الذين سمعهم ابن مسعود يقولون عند الكعبة: أترى الله يسمعنا؟ فقال أحدهم: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا الحديث، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يسمع، أي يدرك السر والنجوى، وأن رسله الحفظة من الملائكة يكتبون أعمال البشر مع ذلك، وتعد للجزاء يوم القيامة.
واختلف المفسرون في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ فقالت فرقة:
العابدون: هو من العبادة، ثم اختلفوا في معنى الآية بعد ذلك، فقال قتادة والسدي والطبري، المعنى:
قُلْ لهم إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ كما تقولون فأنا أول من يعبده على ذلك، ولكن ليس به شيء من ذلك تعالى وجل. قال الطبري: فهذا الطاف في الخطاب، ونحوه قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤].
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: في مخاطبة الكفار: أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل: ٢٧، القصص: ٦٢- ٧٢، فصلت: ٤٧].
وقال مجاهد المعنى: إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم. وقال قتادة أيضا وزهير بن محمد وابن زيد: إِنْ نافية بمعنى: ما، فكأنه قال: ما كان للرحمن ولد. وهنا هو الوقف على هذا التأويل، ثم يبتدئ قوله: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قاله أبو حاتم. وقالت فرقة: العابدون في الآية: من عبد الرجل إذا أنف وأنكر الشيء، ومنه قول الشاعر:
ومنه حديث عثمان وعلي في المرجومة حين قال علي: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً
وقوله: لَقَدْ جِئْناكُمْ الآية، يحتمل أن يكون من قول مالك لأهل النار، ويكون قوله: جِئْناكُمْ (على حد ما يدخل أحد جملة الرئيس كناية عن نفسه في فعل الرئيس فيقول غلبناكم وفعلنا بكم ونحو هذا، ثم ينقطع كلام مالك في قوله: كارِهُونَ ويحتمل أن يكون قوله: جِئْناكُمْ من قول الله تعالى لقريش بعقب حكاية أمر الكفار مع مالك، وفي هذا توعد وتخويف فصيح، بمعنى انظروا كيف تكون حالكم، ثم تتصل الآية على هذا بما بعدها من أمر قريش.
وقوله تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً من أمور كفرهم وتدبيرهم على عهد محمد ﷺ كما فعلوا في اجتماعهم على قتله في دار الندوة إلى غير ذلك، و: أَمْ في هذه الآية: المنقطعة.
وقوله: فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي فإنا محكمو نصره وحمايته. والإبرام: أن تجمع خيطين ثم تفتلهما فتلا متقنا. والبريم: خيط فيه لونان.
وقوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ الآية، قال محمد بن كعب القرظي: نزلت لأن كثيرا من العرب كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يسمع السر، ومنه حديث الثقفي والقرشيين الذين سمعهم ابن مسعود يقولون عند الكعبة: أترى الله يسمعنا؟ فقال أحدهم: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا الحديث، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يسمع، أي يدرك السر والنجوى، وأن رسله الحفظة من الملائكة يكتبون أعمال البشر مع ذلك، وتعد للجزاء يوم القيامة.
واختلف المفسرون في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ فقالت فرقة:
العابدون: هو من العبادة، ثم اختلفوا في معنى الآية بعد ذلك، فقال قتادة والسدي والطبري، المعنى:
قُلْ لهم إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ كما تقولون فأنا أول من يعبده على ذلك، ولكن ليس به شيء من ذلك تعالى وجل. قال الطبري: فهذا الطاف في الخطاب، ونحوه قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤].
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: في مخاطبة الكفار: أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل: ٢٧، القصص: ٦٢- ٧٢، فصلت: ٤٧].
وقال مجاهد المعنى: إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم. وقال قتادة أيضا وزهير بن محمد وابن زيد: إِنْ نافية بمعنى: ما، فكأنه قال: ما كان للرحمن ولد. وهنا هو الوقف على هذا التأويل، ثم يبتدئ قوله: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قاله أبو حاتم. وقالت فرقة: العابدون في الآية: من عبد الرجل إذا أنف وأنكر الشيء، ومنه قول الشاعر:
متى يشأ ذو الود يصرم خليله | ويعبد عليه لا محالة ظالما |
65
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﱑ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﱒ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ
ﱓ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﱔ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﱕ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﱖ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﱗ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﱘ
[الأحقاف: ١٥] قال: فما عبد عثمان أن بعث إليها لترد. والمعنى: إن جعلتم للرحمن ولدا وكان ذلك في قولكم فأنا أول الآنفين المنكرين لذلك.
وقرأ الجمهور: «ولد» بفتح الواو واللام. وقرأ ابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش: «ولد» بضم الواو وسكون اللام.
وقرأ أبو عبد الرحمن: «فأنا أول العابدين» وهي على هذا المعنى، قال أبو حاتم: العبد بكسر الباء:
الشديد الغضب. وقال أبو عبيدة معناه: أول الجاحدين، والعرب تقول: عبدني حقي، أي جحدني.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٢ الى ٨٥]
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)
لما قال تعالى: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [الزخرف: ٨١] نزه الرب تعالى عن هذه المقالة التي قالوها.
و: سُبْحانَ تنزيه. وخص السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والْعَرْشِ لأنها عظم المخلوقات.
وقوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا مهادنة ما وترك، وهي مما نسخت بآية السيف وقرأ الجمهور:
«يلاقوا» وقرأ أبو جعفر وابن محيصن: «حتى يلقوا». وقال جمهور اليوم الذي توعدهم به هو القيامة. وقال عكرمة وغيره: هو يوم بدر.
وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ الآية آية حكم بعظمته وإخبار بألوهيته، أي هو النافذ أمره.
وقرأ عمر بن الخطاب وجابر بن زيد وأبو شيخ والحكم بن أبي العاصي وبلال بن أبي بردة وابن مسعود ويحيى بن يعمر وأبي بن كعب وابن السميفع: «وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله» و: الْحَكِيمُ المحكم. وَتَبارَكَ تفاعل من البركة، أي تزيدت بركاته. و: السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما حصر لجميع الموجودات المحسوسات. و: عِلْمُ السَّاعَةِ معناه: علم تحديد قيامها والوقف على تعيينه، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه، وإلا فنحن عندنا علم الساعة، أي إنها واقعة، وإنها ذات أهوال وبصفات ما، والمصدر في قوله: عِلْمُ السَّاعَةِ مضاف إلى المفعول.
وقرأ أكثر القراء: «وإليه يرجعون» بالياء من تحت. وقرأ نافع وأبو عمرو: «ترجعون» بالتاء من فوق مضمومة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٦ الى ٨٩]
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
وقرأ الجمهور: «ولد» بفتح الواو واللام. وقرأ ابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش: «ولد» بضم الواو وسكون اللام.
وقرأ أبو عبد الرحمن: «فأنا أول العابدين» وهي على هذا المعنى، قال أبو حاتم: العبد بكسر الباء:
الشديد الغضب. وقال أبو عبيدة معناه: أول الجاحدين، والعرب تقول: عبدني حقي، أي جحدني.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٢ الى ٨٥]
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)
لما قال تعالى: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [الزخرف: ٨١] نزه الرب تعالى عن هذه المقالة التي قالوها.
و: سُبْحانَ تنزيه. وخص السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والْعَرْشِ لأنها عظم المخلوقات.
وقوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا مهادنة ما وترك، وهي مما نسخت بآية السيف وقرأ الجمهور:
«يلاقوا» وقرأ أبو جعفر وابن محيصن: «حتى يلقوا». وقال جمهور اليوم الذي توعدهم به هو القيامة. وقال عكرمة وغيره: هو يوم بدر.
وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ الآية آية حكم بعظمته وإخبار بألوهيته، أي هو النافذ أمره.
وقرأ عمر بن الخطاب وجابر بن زيد وأبو شيخ والحكم بن أبي العاصي وبلال بن أبي بردة وابن مسعود ويحيى بن يعمر وأبي بن كعب وابن السميفع: «وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله» و: الْحَكِيمُ المحكم. وَتَبارَكَ تفاعل من البركة، أي تزيدت بركاته. و: السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما حصر لجميع الموجودات المحسوسات. و: عِلْمُ السَّاعَةِ معناه: علم تحديد قيامها والوقف على تعيينه، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه، وإلا فنحن عندنا علم الساعة، أي إنها واقعة، وإنها ذات أهوال وبصفات ما، والمصدر في قوله: عِلْمُ السَّاعَةِ مضاف إلى المفعول.
وقرأ أكثر القراء: «وإليه يرجعون» بالياء من تحت. وقرأ نافع وأبو عمرو: «ترجعون» بالتاء من فوق مضمومة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٦ الى ٨٩]
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
66
قوله تعالى: وَلا يَمْلِكُ الآية مخاطبة لمحمد عليه السلام. و: الَّذِينَ هم المعبودون، والضمير في: يَدْعُونَ هو للكفار الذين عبدوا غير الله عز وجل، فأعلم تعالى أن من عبد من دون الله فإنه لا يملك شفاعة عند الله يوم القيامة.
وقرأ الجمهور: «يدعون» بالياء من تحت. وقرأ ابن وثاب: «تدعون»، بالتاء من فوق، ثم استثنى تعالى من هذه الأخبار، واختلف الناس في المستثنى، فقال قتادة: استثنى ممن عبد من دون الله: عيسى وعزيرا والملائكة، والمعنى فإنهم يملكون شفاعة، بأن يملكها الله إياهم، إذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمونه في كل أحوالهم، فالاستثناء على هذا التأويل متصل وقال مجاهد وغيره: استثنى من في المشفوع فيهم، فكأنه قال: لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق وهو يعلمه، أي هو بالتوحيد، فالاستثناء على هذا التأويل منفصل، كأنه قال: لكن من يشهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء، والتأويل الأول أصوب، والله أعلم. ثم أظهر تعالى عليهم الحجة من أقوالهم وإقرارهم بأن الله هو خالقهم وموجدهم بعد العدم، ثم وقفهم على جهة التقرير والتوبيخ بقوله: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي فلأي جهة يصرفون.
وقرأ جمهور القراء بالنصب، وهو مصدر كالقول، والضمير فيه لمحمد عليه السلام، وحكى مكي قولا أنه لعيسى وهو ضعيف، واختلف الناس في الناصب، فقالت فرقة هو معطوف على قوله: سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ [الزخرف: ٨٠]. وقالت فرقة العامل فيه يَكْتُبُونَ [الزخرف: ٨٠] أي أقوالهم من أفعالهم.
وَقِيلِهِ. وقالت فرقة: الناصب له ما في قوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف: ٨٥] من قوة الفعل، أي ويعلم قيله، ونزل قوله تعالى: وَقِيلِهِ يا رَبِّ بمنزلة وشكوى محمد واستغاثته من كفرهم وعتوهم. وقرأ عاصم وحمزة وابن وثاب والأعمش: و «قيله» بالخفض عطفا على السَّاعَةِ [الزخرف: ٨٥]. وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد: «وقيله» بالرفع على الابتداء. وخبره في قوله: يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ أي قيله هذا القول، أو يكون التقدير: وقيله يا رب مسموع ومتقبل، ف يا رَبِّ على هذا منصوب الموضع ب «قيله» وقرأ أبو قلابة: «يا ربّ» بفتح الباء المشددة، وأراد يا رب على لغة من يقول: يا غلاما، ثم حذف الألف تخفيفا واتباعا لخط المصحف.
وقوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ موادعة منسوخة بآيات السيف.
وقوله: سَلامٌ تقديره: وقل أمري سلام، أي مسالمة. (وقالت فرقة) المعنى: وقل سلام عليكم على جهة الموادعة والملاينة، والنسخ قد أتى على هذا السلام، فسواء كان تحية أو عبارة عن الموادعة.
وقرأ جمهور القراء: «يعلمون» بالياء. وقرأ نافع وابن عامر في رواية هشام عنه والحسن والأعرج وأبو جعفر: «تعلمون» بالتاء من فوق.
وقرأ الجمهور: «يدعون» بالياء من تحت. وقرأ ابن وثاب: «تدعون»، بالتاء من فوق، ثم استثنى تعالى من هذه الأخبار، واختلف الناس في المستثنى، فقال قتادة: استثنى ممن عبد من دون الله: عيسى وعزيرا والملائكة، والمعنى فإنهم يملكون شفاعة، بأن يملكها الله إياهم، إذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمونه في كل أحوالهم، فالاستثناء على هذا التأويل متصل وقال مجاهد وغيره: استثنى من في المشفوع فيهم، فكأنه قال: لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق وهو يعلمه، أي هو بالتوحيد، فالاستثناء على هذا التأويل منفصل، كأنه قال: لكن من يشهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء، والتأويل الأول أصوب، والله أعلم. ثم أظهر تعالى عليهم الحجة من أقوالهم وإقرارهم بأن الله هو خالقهم وموجدهم بعد العدم، ثم وقفهم على جهة التقرير والتوبيخ بقوله: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي فلأي جهة يصرفون.
وقرأ جمهور القراء بالنصب، وهو مصدر كالقول، والضمير فيه لمحمد عليه السلام، وحكى مكي قولا أنه لعيسى وهو ضعيف، واختلف الناس في الناصب، فقالت فرقة هو معطوف على قوله: سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ [الزخرف: ٨٠]. وقالت فرقة العامل فيه يَكْتُبُونَ [الزخرف: ٨٠] أي أقوالهم من أفعالهم.
وَقِيلِهِ. وقالت فرقة: الناصب له ما في قوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف: ٨٥] من قوة الفعل، أي ويعلم قيله، ونزل قوله تعالى: وَقِيلِهِ يا رَبِّ بمنزلة وشكوى محمد واستغاثته من كفرهم وعتوهم. وقرأ عاصم وحمزة وابن وثاب والأعمش: و «قيله» بالخفض عطفا على السَّاعَةِ [الزخرف: ٨٥]. وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد: «وقيله» بالرفع على الابتداء. وخبره في قوله: يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ أي قيله هذا القول، أو يكون التقدير: وقيله يا رب مسموع ومتقبل، ف يا رَبِّ على هذا منصوب الموضع ب «قيله» وقرأ أبو قلابة: «يا ربّ» بفتح الباء المشددة، وأراد يا رب على لغة من يقول: يا غلاما، ثم حذف الألف تخفيفا واتباعا لخط المصحف.
وقوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ موادعة منسوخة بآيات السيف.
وقوله: سَلامٌ تقديره: وقل أمري سلام، أي مسالمة. (وقالت فرقة) المعنى: وقل سلام عليكم على جهة الموادعة والملاينة، والنسخ قد أتى على هذا السلام، فسواء كان تحية أو عبارة عن الموادعة.
وقرأ جمهور القراء: «يعلمون» بالياء. وقرأ نافع وابن عامر في رواية هشام عنه والحسن والأعرج وأبو جعفر: «تعلمون» بالتاء من فوق.
67