تفسير سورة الأحقاف

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ مِنَ ٱللَّهِ ﴾ أي لم يخترعه من نفسه، ولم ينقله من بشر، ولا من جني كما قال الكفار. قوله: ﴿ ٱلْحَكِيمِ ﴾ (في صنعه) أي الذي أتقن كل شيء. قوله: ﴿ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ﴾ هذا هو مصب النفي، وهو صفة لمصدر محذوف كما قدره المفسر. قوله: (ليدل على قدرتنا ووحدانيتنا) أي وباقي الصفات الكمالية، وتنزهه عن النقائص، لأن بالخلق يعرف الحق، لأن كل صنعة تدل على وجود صانعها، واتصافه بصفات الكمال. قوله: ﴿ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ عطف على الحق والكمال على حذف مضاف، أي وإلا بتقدير أجل مسمى، لأن الأجل نفسه متأخر عن الخلق، وفيه رد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ مُعْرِضُونَ ﴾ خبره، وقوله: ﴿ عَمَّآ أُنذِرُواْ ﴾ متعلق بمعرضون، وما اسم موصول، والعائج محذوف قدره المفسر بقوله: والأولى منصوباً لاختلاف الجار للموصول وللعائد بأن يقول خوفوه. قوله: (تأكيد) أي لقوله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾.
قوله: (مفعول ثان) أي أن الجملة الاستفهامية سدت مسد المفعول الثاني. قوله: (بيان ما) أشار بذلك إلى أن ﴿ مَا ﴾ اسم استفهام، و ﴿ ذَا ﴾ اسم موصول خبرها، و ﴿ خَلَقُواْ ﴾ صفة الموصول، ويصح أن ﴿ مَاذَا ﴾ اسم استفهام مفعول لخلقوا. قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي وبل الإضرابية فهي منقطعة. قوله: ﴿ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ ﴾ الأمر للتبكيت، وفيه إشارة إلى نفي الدليل النقلي، بعد الإشارة إلى نفي الدليل العقلي. قوله: ﴿ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ ﴾ صفة لكتاب، والجار والمجرور متعلق بمحذوف قدره المفسر خاصاً بقوله: (منزل) والمناسب أن يقدره عاماً من مادة الكون. قوله: ﴿ أَوْ أَثَارَةٍ ﴾ مصدر على وزن كفالة، وقوله: ﴿ مِّنْ عِلْمٍ ﴾ صفة لأثارة، وهي مشتقة من الأثر الذي هو الرواية والعلامة، أو من أثرت الشي أثيره أثارة، استخرجت بقيته، والمعنى: ائتوني برواية أو علامة أو بقية من علم يؤثر عن الأنبياء والصلحاء. قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه، أي فائتوني. قوله: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾ الخ، مبتدأ وخبر. قوله: ﴿ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ ﴾ ﴿ مَن ﴾ نكرة موصوفة بالجملة بعدها؛ أو اسم موصول ما بعدها صلتها، وهي معمولة لـ ﴿ يَدْعُواْ ﴾ والمعنى لا أحد أضل من شخص يعبد شيئاً لا يجيبه، أو الشيء الذي لا يجيبه، ولا ينفعه في الدنيا والآخرة. قوله: ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ الغاية داخلة في المغيا، وهو كناية عن عدم الاستجابة في الدنيا والآخرة. قوله: (وهم الأصنام) عبر عنهم بضمير العقلاء، مجاراة لما يزعمه الكفار. قوله: (لأنهم جماد) أشار بذلك إلى أن المراد بالغفلة عدم الفهم. قوله: ﴿ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ ﴾ أي جمعوا بعد إخراجهم من القبور. قوله: (جاهدين) أي منكرين، وهذا نظير قوله تعالى:﴿ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾[يونس: ٢٨] قوله: (حال) أي من آياتنا. قوله: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أظهر في مقام الإضمار، لبيان وصفهم بالكفر، ووصف الآيات بالحق، وإلا فمقتضى الظاهر: قالوا لها. قوله: ﴿ كَفَرُواْ ﴾ أي حين جاءهم. قوله: (ظاهر) أي باهر لا يعارض إلا بمثله.
قوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ الخ، ترق في الإنكار، وانتقال إلى ما هو أشنع. قوله: (فرضاً) أي على سبيل الفرض والتقدير. قوله: ﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً ﴾ أي فهو المتولي أموري، لا أحد يقدر على دفع ما أصابني منه غيره. قوله: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ أي تخوضون وتقدحون في القرآن بقولكم: هو شعر، هو سحر، وغير ذلك. قوله: ﴿ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي فيشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالتكذيب والنكار. قوله: ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ (به) المناسب أن يقول: الرحيم بعباده، ليحسن ترتيب قوله: (فلم يعاجلكم) الخ، عليه. قوله: (فلم يعاجلكم بالعقوبة) أي بل أمهلكم لتتوبوا وترجعوا، عما أنتم عليه، ففيه وعد حسن بالمغفرة للتائبين، والرحمة بجميع العباد، إشارة إلى أن حلم الله ورحمته شاملة لهم، مع عظم خوفهم. قوله: (بديعاً) أشار بذلك إلى أن ﴿ بِدْعاً ﴾ صفة كحق وحقيق، وهو من الابتداع والاختراع، ويصح أن يكون مصدراً على حذف مضاف، أي ذا بدع، وقرئ شذوذاً بكسر الباء وفتح الدال جمع بدعة، أي ما كنت صاحب بدع، وبفتح الباء وكسر الدال، وصف كحذر. قوله: ﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ ﴿ مَا ﴾ استفهامية مبتدأ، والجملة بعدها خبرها، وهي معلقة لأدري عن العمل، فهي سادة مسد مفعوليها، ولما نزلت هذه الآية، فرح المشركون والمنافقون وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ وإنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه، لأخبره الذي بعثه بما يفعله به، فنسخت هذه الآية، وأرغم الله أنف الكفار بنزول قوله تعالى﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾[الفتح: ٢] الآيات، فقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، لقد بين الله لك ما يفعل بك، فليت شعرنا ما هو فاعل بنا؟ فنزلت﴿ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾[الفتح: ٥] الآية. ونزلت﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً ﴾[الأحزاب: ٤٧] فهذه الآية نزلت في أوائل الإسلام، قبل بيان مآل النبي والمؤمنين والكافرين، وإلا فما خرج صلى الله عليه وسلم من الدنيا، حتى أعلمه الله في القرآن، ما يحصل له وللمؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة، إجمالاً وتفصيلاً. قوله: ﴿ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ الحصر إضافي، أي منذر عن الله، لا مخترع من تلقاء نفسي، فلا ينافي أنه بشير أيضاً. قوله: (ماذا حالكم) أشار بذلك إلى أن مفعولي ﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ محذوفان دلت عليهما الجملة. قوله: (جملة حالية) أي وكذا ما بعدها من الجمل الثلاث، ويصح جعل الجمل الأربعة معطوفات على فعل الشرط، فقول المفسر فيما يأني بما عطف عليه، يعني من الجمل الأربع فيه تلفيق، ويمكن أن يجاب بأن المراد العطف اللغوي. قوله: (هو عبد الله بن سلام) وقيل: الشاهد موسى، وشهادته ما في التوراة من نعته صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي عليه) أشار بذلك إلى أن مثل صلة. قوله: (ألستم ظالمين) المناسب للمفسر تقدير الفاء، لأن الجملة التي فعلها جامدة، إذا وقعت جواباً للشرط، لزمت الفاء. قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الخ، هذا من جملة قبائح الكفار، وزعماً منهم أن عز الآخرة تابع لعز الدنيا، ولم يعلموا أن رحمة الله يخص بها من يشاء، ولا سيما من لم تكن الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، ورد أن القائل ذلك جملة من العرب وهم: بنو عامل وغطفان وأسد وأشجع، ولما أسلم جهينة ومزينة أو أسلم وغفار. قوله: (أي في حقهم) أشار بذلك إلى أن اللام بمعنى في، ويصح أن تبقى على بابها. قوله: ﴿ لَوْ كَانَ ﴾ (الإيمان) الخ، أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ كَانَ ﴾ عائد على (الإيمان) ويصح عوده على القرآن أو على الرسول، وكلها معان متلازمة. قوله: ﴿ مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾ التفات من الخطاب إلى الغيبة، وكان مقتضى الظاهر ما سبقتمونا إليه، والضمير في ﴿ إِلَيْهِ ﴾ عائد على ما عاد عليه ضمير ﴿ كَانَ ﴾.
قوله: ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ ﴾ ظرف لمحذوف تقديره زادوا طغياناً، وليس قوله: ﴿ فَسَيَقُولُونَ ﴾ عاملاً فيه لأمرين: وجود الفاء. وكون الفعل مستقبلاً، لأن ما بعد الفاء، لا يعمل فيما قبلها وبين الماضي، والاستقبال تضاد، فإن الفعل مستقبل و ﴿ إِذْ ﴾ للماضي. قوله: ﴿ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ أي من قول الأقدمين: أتى به هو ونسبة إلى الله تعالى، فهو كقولهم﴿ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾[الأحقاف: ١٧].
قوله: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ كِتَابُ ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو مستأنفة، وهو رد لقولهم ﴿ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ والمعنى: لا يصح كونه إفكاً قديماً، مع كونكم سلمتم كتاب موسى ورجعتم إلى حكمه، فإن القرآن مصدق لكتاب موسى وغيره، وفيه قصص المتقدمين من الرسل وغيرهم المتأخرين. قوله: (حالان) أي من كتاب موسى. قوله: ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ (للكتب قبله) أي كتاب موسى وغيره من باقي الكتب السماوية. قوله: (حال من الضمير في مصدق) ويصح أن يكون حالاً من ﴿ كِتَابٌ ﴾، و ﴿ عَرَبِيّاً ﴾ صفة لـ ﴿ لِّسَاناً ﴾.
قوله: ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ متعلق بـ ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ قوله: ﴿ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ أشار المفسر بتقدير الضمير إلى أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حالية، ويصح أن يكون معطوفاً على ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ فهو مرفوع بضمة مقدرة منه من ظهورها التعذر، أو منصوب عطف على محل قوله: ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ كأنه قال للإنذار والبشارة.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ﴾ أي وحدوا ربهم، وقوله: ﴿ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ ﴾ الاستقامة هي العلم والعمل، وأتى بثم اشارة إلى أن اعتبار العلم والعمل، إنما يكون بعد التوحيد، وللدلالة على الاستمرار على الاستقامة، فليس المراد حصول الاستقامة مدة، ثم يرجع للمخالفات. قوله: ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ أي من وقت حضور الموت، إلى ما لا نهاية له، فيأمنون من الفتاتات، وسؤال الملكين، وعذاب القبر، وهو الموقف والنار. قوله: ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ أي على ما فاتهم في الدنيا. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ ﴾ أي هي لهم بالأصالة. قوله: (حال) أي من ضمير أصحاب الجنة.
قوله: ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ ﴾ لما كان حق الوالدين مطلوباً، بعد حق الله تعالى، ذكر الوصية بهما، ثم ما يتعلق بحقوقه تعالى، ومناسبة ذكر الوصية بالوالدين، عقب ذكر صفات أهل الجنة وأهل النار، لأن الإنسان يختلف حاله مع أبويه، فقد يبرهما ملحقاً بأهل الجنة، وقد يعقبهما فيكون ملحقاً بأهل النار. قوله: (وفي قراءة) أي سبعية أيضاً. قوله: (أي أمرناه) الخ، تفسير لكل من القراءتين. قوله: (فتنصب إحساناً) الخ، بيان لإعراب القراءتين، على اللف والنشر المشوش، والحسن والإحسان بمعنى واحد، وهو جمال القول والفعل، بأن يعظمها ويوقرهما قولاً وفعلاً. قوله: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ﴾ الخ، على لقوله: ﴿ وَوَصَّيْنَا ﴾ واقتصر على ذكر الأم، لأن حقها أعظم، ولذلك قيل: إن لها ثلثي الأجر. قوله: ﴿ كُرْهاً ﴾ بفتح الكاف وضمها، قراءتان سبعيتان، ومعناهما واحد. قوله: (أي على مشقة) أي في أثناء الحمل، إذ لا مشقى في أوله. قوله: ﴿ وَحَمْلُهُ ﴾ أي مدة حمله، وقوله: ﴿ ثَلٰثُونَ شَهْراً ﴾ خبر لقوله: ﴿ وَحَمْلُهُ ﴾ على حذف مضاف. قوله: (إن حملت به ستة) أي من الشهور، وقوله: (أرضعته الباقي) أي من الثلاثين، وهو أربعة وعشرون، أو أحد وعشرون، قيل: إن الآية عامة في كل إنسان، وقيل: إنها خاصة بمن نزلت في حقه، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لما روي أن أمه حملت به تسعة أشهر، وأرضعته إحدى وعشرين شهراً. قوله: (غاية لجملة مقدرة) أي معطوفة على قوله: ﴿ وَوَضَعَتْهُ ﴾ أو مستأنفة. قوله: (أقله ثلاث وثلاثون سنة) أي لأن هذا الوقت هو الوقت الذي يكمل فيه بدن الإنسان. قوله: (الخ) أي وآخرها قوله: ﴿ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾.
قوله: (نزل) أي المذكور من قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾ الخ. وحاصل ذلك: أن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، في تجارة إلى الشام، فنزلوا منزلاً فيه سدرة، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك، فسأله عن الدين فقال له الراهب: من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال الراهب: هذا والله نبي، وما استظل تحتها بعد عيسى أحد إلا هذا، وهو نبي آخر الزمان، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق وكان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر، فلما بلغ رسول الله أربعين سنة، وأكرمه الله تعالى بنبوته، واختصه برسالته، آمن به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وصدقه، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، فلما بلغ أربعين سنة، دعا ربه عز وجل فقال: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾ الآية. قوله: (ثم آمنوا أبواه) أي أبوه عثمان بن عامر بن عمرو، وكنيته أبو قحافة، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو. قوله: (وابن عبد الرحمن) أي واسمه محمد، وكلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجتمع هذا لأحد من الصحابة غير أبي بكر، وامرأة أبي بكر اسمها قيلة. قوله: (ألهمني) أي رغبني ووفقني. قوله: (فأعتق تسعة) أي افتداهم من أيدي الكفار، وخلصهم من أذاهم، فهو عتق صوري، ولم يرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه. قوله: ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ ﴾ أي أجعل الصلاح سارياً فيهم، وعبر بفي اشارة إلى أنهم كالظرف للصلاح لتمكنه منهم. قوله: (فكلكم مؤمنون) أي فالصلاح مقول بالتشكبك، يتحقق بأصل الإيمان، ويتزايدون فيه على حسب مراتبهم. قوله: (أي قائل القول) أشار بذلك إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ ﴾ هو، و ﴿ وَنَتَجَاوَزُ ﴾ بالياء مبنياً للمفعول، أو بالنون مبنياً للفاعل، قراءتان سبعيتان، وقرئ شذوذاً بالياء مبنياً للفاعل. قوله: (بمعنى حسن) أشار بذلك إلى أن اسم التفضيل ليس على بابه. قوله: (حال) أي من ضمير ﴿ عَنْهُمْ ﴾.
قوله: ﴿ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ﴾ مصدر منصوب بفعله المقدر، أي وعد الله وعد الصدق. قوله: ﴿ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾ أي في الدنيا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: ﴿ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ ﴾ الخ، اسم الموصول معمول لمحذوف تقديره: اذكر يا محمد لقومك الشخص الذي قال لوالديه الخ، ويحتمل أنه مبتدأ خبره قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ ﴾ الخ، والمراد منه الجنس لا شخص معين، ولذا أخبر عنه بالجمع مراعاى لمعناه، فهي واردة في كل شخص كافر عاق لوالديه المسلمين، وهذا هو الصحيح، خلافاً لمن شذ وقال: إن هذه الآية نزلت في حق عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قبل إسلامه، فإنه كان من أفاضل الصحابة وخيارهم، وقد كذبت الصديقة من قال ذلك، ويرده أيضاً قوله تعالى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ ﴾ الخ. قوله: (وفي قراءة بالادغام) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (بكسر الفاء) أي مع التنوين وتركه، قوله: (وفتحها) أي من غير تنوين، فالقراءات ثلاث سبعيات، وهو مصدر أف يؤف أفاً، بمعنى نتناً وقبحاً، أو هو اسم صوت يدل على تضجر، أو اسم فعل اتضجر، أو اسم فعل أتضجر، والمفسر أشار لاثنين منها بقوله: (بمعنى مصدر) وبقوله: (أتضجر منكما). قوله: (أي نتناً) النتن القذارة والرائحة الكريهة، وهو كناية عن عدم الرضا بفعلهما والتضجر منهما. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ أَنْ أُخْرَجَ ﴾ هذا هو الموعود به، والباء محذوفة أي بأن أخرج، وحذف الجار مع أن مطرد. قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي ﴾ الجملة حالية. قوله: (ولم تخرج من القبور) أي زعماً منه أن الخروج من القبور لو كان صدقاً، لحصل قبل انقضاء الدنيا. قوله: ﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ ﴾ اعلم أن مادة الاستغاثة تتعدى بنفسها تارة، وبالباء أخرى، لكن لم ترد في القرآن إلا متعدية بنفسها. قال تعالى:﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾[الأنفال: ٩]﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ ﴾[الكهف: ٢٩]﴿ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ ﴾[القصص: ١٥].
قوله: (يسألانه الغيث) أي اغاثة ذلك الولد بتوفقيه للإسلام. قوله: ﴿ وَيْلَكَ ﴾ معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (ويقولون) الخ، وذلك المحذوف حال من فاعل يستغيثان. والمعنى: يستغيثان الله حال كونهما قائلين ﴿ وَيْلَكَ ﴾ فهو فعل أمر. قوله: ﴿ آمِنْ ﴾ أي صدق واعترف. قوله: ﴿ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ جملة مستأنفة أو تعليل لما قبلها. قوله: (أكاذيبهم) أي اخترعوها من غير أن يكون لها أصل. قوله: ﴿ فِيۤ أُمَمٍ ﴾ حال من ضمير ﴿ عَلَيْهِمُ ﴾، والمعنى ثبت عليهم القول في عداد أمم، الخ. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ ﴾ أي كافرين ابتداء وانتهاء.
قوله: ﴿ وَلِكُلٍّ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ دَرَجَٰتٌ ﴾ مبتدأ مؤخر. والمعنى لكل شخص من المؤمنين والكفار. قوله: ﴿ دَرَجَٰتٌ ﴾ في الكلام تغليب، لأن مراتب أهل النار يقال لها دركات بالكاف لا بالجيم، أو تسمح حيث أطلق الدرجات، وأراد المنازل مطلقاً، علوية أو سفلية، قوله: ﴿ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾ أي من أجل ما عملوا من خير وشر. قوله: ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ ﴾ عطف علة على معلول، والمعنى جازاهم بذلك ليوفيهم. قوله: (أي جزاءها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: (بنقص للمؤمنين) أي من درجاتهم، بل قد يزاد لهم فيها. قوله: (ويزاد للكفار) أي في دركاتهم، بل قد يخفف عن بعضهم، كأبي طالب وأبي لهب. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ﴾ ﴿ يَوْمَ ﴾ الخ، معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (يقال لهم) الخ، والمعنى يقال لهم أذهبتم الخ، وقت عرضهم على النار. قوله: (بأن تكشف لهم) أشار بذلك إلى أن الكلام فيه قلب، والأصل ويوم تعرض النار على الذين كفروا، أي يكشف لهم عنها، وأتى به كذلك، لأن عرض الشخص على النار، أشد في إهانته من عرض نار عليه لأن عرضه عليها يفيد أنه كالحطب المجعول للإحراق، وإنما كان فيه قلب، لأن المعروض عليه شأنه العلم والاطلاع، والنار ليست كذلك، وقيل: المراد بالعرض العذاب، وحينئذ فليس فيه قلب، وقد أفاد هذا المعنى المفسر آخراً بقوله: (يعذبون بها). قوله: (يقال لهم) هذا المقدر عامل في جملة ﴿ أَذْهَبْتُمْ ﴾ وناصب لـ ﴿ يَوْمَ ﴾ على الظرفية. قوله: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ ﴾ أي ما قدر لكم في المستلذات، فقد استوفيتموه في الدنيا، فلم يبق لكم حظ تأخذونه في الآخرة. قوله: (بهمزة) الخ، أشار المفسر لخمس قراءات: تحقيق الهمزتين: وتسهيل الثانية بألف بينهما على الوجهين، وتركه، وهمزة واحدة وأجمل في ذلك، فقوله: (بهمزة) وهي إحدى القراءات الخمس، وقوله: (وبهمزتين) أي محققتين بغير مدّ بينهما، ثانيتها قوله: (وبهمزة ومدة) المناسب وبهمزتين محققتين ومدة وهي ثالثها، وقوله: (وبهما وتسهيل الثانية) أي بمدة ودونها فقد تمت الخمس. قوله: (أي الهوان) أشار بذلك إلى أنه من اضافة الموصوف لصفته، قوله: ﴿ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾ وصف كاشف، لأن الاستكبار لا يكون إلا بغير الحق، فإن الكبرياء وصف لله وحده. قوله: (به) متعلق بـ ﴿ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ و ﴿ تَفْسُقُونَ ﴾ وقدره إشارة إلى أن العائد محذوف ويصح أن تكون مصدرية، أي بكونهم مستكبرين فاسقين، والمراد بالاستكبار الفواحش الباطنية، وبالفسق الفواحش الظاهرية. قوله: (ويعذبون بها) عطف على ﴿ يُعْرَضُ ﴾ عطف تفسير، فهو تفسير آخر للعرض، فالمناسب تقديمه و ﴿ عَلَى ﴾ بمعنى الباء.
قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ ﴾ أي في النسب لا في الدين، لأن هوداً هو وقومه ينتسبون لعاد. قوله: (هو هود) أي ابن عبد الله بن رباح، وتقدم ذكره تفصيلاً في سورة هود. قوله: (بدل اشتمال) أي فالمقصود ذكر قصته مع قومه للاعتبار بها. قوله: ﴿ بِٱلأَحْقَافِ ﴾ حال من ﴿ قَوْمَهُ ﴾ أي أنذهم، والحال أنهم مقيمون بالأحقاف. قوله: (واد باليمن) أي فهو على الوادي لا جمع، وقوله: (ومنازلهم) تفسير آخر، وعليه فهو جمع حقف وهو الرمل المستطيل، وتقدم القولان في أول السورة، وقيل: إن الأحقاف جبل بالشام. قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ ﴾ الواو اعتراضية، والخلو بالنسبة لزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بهذه الجملة لبيان أن إنذار هود لعاد وقع وثله للرسل المتقدمين عليه والمتأخرين عنه، فلم يكن مختصاً بهود، ويحتمل أن معنى قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ ﴾ الخ، أي مضى لك ذكرهم في القرآن مراراً، فلا حاجة للإعادة، فهو ذكر لباقي القصص إجمالاً، نظير قوله تقدم:﴿ وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾[الزخرف: ٨] فتدبر. قوله: (أي من قبل هود) الخ، لف ونشر مرتب، والذين قبله أربعة: آدم وشيث وإدريس ونوح، والذين بعده: كصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر بني إسرائيل. قوله: (إلى أقوامهم) متعلق بمضت لتضمنه معنى مرسلين. قوله: (أي بأن) أشار بذلك إلى أن ﴿ أَنْ ﴾ مصدرية ومخففة من الثقيلة، والباء المقدرة للتصوير. قوله: (معترضة) أي بين الإنذار ومعموله. قوله: ﴿ إِنَّيۤ أَخَافُ ﴾ علة لقوله: ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ ﴾.
قوله: ﴿ عَظِيمٍ ﴾ بالجر صفة لـ ﴿ يَوْمٍ ﴾ ووصف اليوم بالعظم لشدة هوله. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا ﴾ أي جواباً لإنذاره، قوله: ﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه. قوله: ﴿ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ أي علم وقت إتيان العذاب عند الله، فلا علم لي بوقته، ولا مدخل في استعجاله. قوله: ﴿ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ ﴾ أي أن وظيفتي تبليغكم لا الإتيان بالعذاب، إذ ليس في طاقتي، و ﴿ أُبَلِّغُكُمْ ﴾ بسكون الباء وتخفيف اللام، وبفتحها وتشديد اللام مكسورة، قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنِّيۤ ﴾ بسكون الياء وفتحها قراءتان سبعيتان. قوله: (أي ما هو العذاب) أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ رَأَوْهُ ﴾ عائد على ما في قوله: ﴿ مَا تَعِدُنَآ ﴾.
قوله: (سحايا عرض) أي فالعارض هو السحاب الذي يعرض في الأفق. قوله: ﴿ مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ﴾ أي متوجهاً إليها، والإضافة لفظية للتخفيف، وكذا هي في قوله: ﴿ مُّمْطِرُنَا ﴾ ولذا وقع المضاف في الموضعين صفة للنكرة، وهي عارضاً وعارض. قوله: (أي ممطر إيانا) أي يأتينا بالمطر. قوله: (قال تعالى) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ الخ من كلامه تعالى، ويصح أن يكون كم كلام هود، رداً لقولهم ﴿ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ وهو الأولى. قوله: (بدل من ما) أي أو خبر لمحذوف أي هي ريح. قوله: ﴿ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ الجملة صفة لـ ﴿ رِيحٌ ﴾ وكذا قوله: ﴿ تُدَمِّرُ ﴾.
قوله: (أي كل شيء أراد إهلاكه بها) تفسير لقوله: ﴿ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾.
قوله: (فأهلكت رجالهم) قدر هذا ليعطف عليه قوله: ﴿ فَأْصْبَحُواْ ﴾ الخ، روي أن هوداً لما أحس بالريح، أخذ المؤمنين ووضعهم في حظيرة، وقيل خط حولهم خطاً، فكانت الريح لا تعدو الخط، وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، يسمع لهم أنين، ثم كشفت عنهم الرمل، واحتملتهم فقذفتهم في البحر. قوله: (وبقي هود ومن آمن معه) أي وهم آلاف، وكانت الريح تأتيهم لينة باردة طيبة، والريخ التي تصيب قومه، شديدة عاصفة مهلكة، وهي معجزة عظيم لهود عليه السلام. قوله: ﴿ فَأْصْبَحُواْ ﴾ أي صاروا. قوله: ﴿ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ بتاء الخطاب ونصب المساكن وبياء الغيبة، مبنياً للمفعول، ورفع مساكن على أنه نائب الفاعل، قراءتان سبعيتان، والمعنى: فصاروا لا يرى إلا أثر مساكنهم، لأن الريح لم تبق منها إلا الآثار، والمساكن معطلة.. قوله: (كما جزيناهم) أي عاداً. قوله: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ ﴾ أي عاداً. قوله: (في الذي) أشار به إلى أن ما موصولة. قوله: (نافية) أي بمعنى ما، ولم يؤت بلفظها دفعاً لثقل التكرار، ويكون المعنى: ولقد مكنا عاداً في الذي مكناكم فيه، ويصح أن تكون شرطية، وجوابها محذوف، والتقدير: ولقد مكناهم في الذي إن مكناكم فيه طغيتم وبغيتم، وأوضحها أولها. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً ﴾ الخ، أفرد السمع لأن ما يدرك به متحد وهو الصوت، بخلاف ما بعده من الأبصار والأفئدة، فإنه يدرك بهما أشياء كثيرة. قوله: (أي شيئاً) أشار بذلك إلى أن ﴿ مِّن شَيْءٍ ﴾ مفعول مطلق منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. قوله: (معمولة لأغنى) أي لنفيه، فإن التعليل للنفي، والمعنى: انتفى نفع هذه الحواس عنهم، لأنهم كانوا يجحدون، الخ. قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ ﴾ الخطاب لأهل مكة. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ أي أهلها. قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن ﴿ لَوْلاَ ﴾ تحضيضية. قوله: (ومفعول اتخذوا) الخ، أي والمعنى: فلا تدفع عنهم العذاب الأصنام الذين اتخذوهم قرباناً آلهة، والمقصود توبيخهم. قوله: (وآلهة بدل منه) هذا أحد أعاريب، ويصح أن يكون ﴿ آلِهَةَ ﴾ الثاني و ﴿ قُرْبَاناً ﴾ حال أو مفعول من أجله. قوله: ﴿ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ ﴾ إضراب انتقالي من نفي الدفع عنهم، إلى غيبتها عنهم بالكلية، والمعنى: لم يحضروا عندهم فضلاً عن كونهم يدفعون عنهم العذاب. قوله: ﴿ إِفْكُهُمْ ﴾ قرأ العامة بكسر الهمزة وسكون الفاء، مصدر أفك يأفك إفكاً، وقرئ شذوذاً بفتح الهمزة، وهو مصدر له أيضاً، وبفتحات فعلاً ماضياً. قوله: (وما مصدرية) أي وافتراؤهم وهو الأحسن لتناسب المعطوفين. قوله: (أي فيه) أي فحذف الجار فاتصل الضمير ثم حذف، لو قال: أي يفترونه لكان أوضح.
قوله: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك قصة صرفنا إليك نفراً من الجن، ليعتبروا بأن رسالتك عامة، للإنس والجن والملائكة وجميع الخلق، لكن إرساله للإنس والجن إرسال تكليف إجماعاً، وإرساله للملائكة قبل إرسال تكليف بما يليق بهم، وقيل إرسال تشريف، وارساله لما عداهم من الحيوانات الغير العاقلة والجمادات ارسال تشريف ورحمة. قوله: ﴿ نَفَراً ﴾ النفر بفتحتين، والنفر والنفير من ثلاثة رجال إلى عشرة. قوله: (نصيبين) أي وهي قرية باليمنز قوله: (أو جن نينوى) بنون مكسورة فياء ساكنة، فنون مضمومة أو مفتوحة، فواو فألف مقصورة، هي قرية يونس عليه السلام قرب الموصل. قوله: (وكان ببطن نخل) الصواب أن يقول: وكان ببطن نخلة لأنه هو الذي في طريق الطائف، وأما بطن نخل، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف، وهو على مرحلتين من المدينة. قوله: (يصلي بأصحابه الفجر) فيه شيء، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات، فالصواب أن يقول: كان يصلي في جوف الليل، وعبارة المواهب: ثم خرج عليه السلام إلى الطائف، وأما بطن نخل، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف، وهو على مرحلتين من المدينة. قوله: (يصلي بأصحابه الفجر) فيه شيء، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات، فالصواب أن يقول: كان يصلي في جوف الليل، وعبارة المواهب: ثم خرج عليه السلام إلى الطائف، بعد موت خديجة بثلاثة أشهر، في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة، لما ناله من قريش بعد موت أبي طالب، وكان معه زيد بن حارثة، فأقام به شهراً يدعو أشراف ثقيف إلى الله تعالى، فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه، ولما انصرف عليه السلام عن أهل الطائف راجعاً إلى مكة، نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة، صرف إليه سبعة من جن نصيبين، وكان عليه السلام قد قام في جوف الليل يصلي الخ. واعلم أن العلماء ذكروا في سبب هذه الواقعة قولين: أحدهما: أن الجن كانت تسترق السمع، فلما رجموا ومنعوا من السماء حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ما هذا إلا شيء حدث في الأرض، فذهبوا فيها يطلبون السبب، وكان قد اتفق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آيس من أهل مكة، خرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، فانصرف راجعاً إلى مكة، فقام ببطن نخل يقرأ القرآن، فمر به نفر من جن نصيبين، كان إبليس قد بعثهم يطلبون السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم بالشهب، فسمعوا القرآن فعرفوا أن ذلك هو السبب، وعليه فلم يكن اجتماعه بالجن مقصوداً للإرسال. ثانيهما: أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن، ويدعوهم إلى الله، ويقرأ عليهم القرآن، فصرف الله إليه نفراً منهم يستمعون القرآن وينذرون قومهم، وذلك لأن الجن مكلفون، لهم الثواب، وعليهم العقاب، ويدخلون الجنة، ويأكلون فيها ويشربون كالإنس، فانتهض النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة القرآن، فأيكم يتبعني؟ فأطرقوا، فتبعه عبد الله بن مسعود، قال عبد الله بن مسعود: ولم يحضر معه أحد غيري، قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة، دخل النبي شعباً يقال له شعب الحجون، وخط لي خطاً، وأمرني أن أجلس فيه وقال لي: لا تخرج حتى أعود إليك، فانطلق حتى وصل إليهم، فافتتح القرآن، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي، وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على نبي الله، وغشيته أسودة كثيرة حالت بينني وبينه، حتى لم أسمه صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، ففرغ النبي منهم مع الفجر، فانطلق إليّ فقال لي: قد نمت؟ فقلت: لا والله، ولكني هممت أن آتي إليك لخوفي عليك، فقال صلى الله عليه وسلم له: لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم، فأولئك جن نصيبين، فقلت: يا رسول الله سمعت لغطاً شديداً، فقال: إن الجن اختصموا في قتيل قتل بينهم، فتحاكموا إليّ، فقضيت بينهم بالحق، وكان عدة هؤلاء اثني عشر ألفاً، وروي عن أنس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو بظاهر المدينة، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عكازه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لنغمة جني، فقال الشيخ: أجل يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أي الجن أنت؟ قال: إني هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس، فقال له النبي: كم أتى عليك من العمر؟ فقال: أكلت عمر الدنيا إلا القليل، كنت حين قتل هابيل غلاماً ابن أعوام، فكنت أشرف على الآكام، وأصطاد الهام، وأجعله بين الأنام، فقال النبي: بئس العمل، فقال: يا رسول الله، دعني من العتب، فإني ممن آمن مع نوح عليه السلام، وعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني وقال: والله إني لمن النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وأتيت هوداً فعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني وقال: والله إني لمن النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، ولقيت إبراهيم وآمنت به، وكنت بينه وبين الأرض إذ رمي به في المنجنيق، وكنت معه في النار إذ ألقي فيها، وكنت مع يوسف إذ ألقي في الجب، فسبقته إلى قعره، ولقيت موسى بن عمران، وكنت مع عيسى ابن مريم عليهما السلام، فقال لي: إن لقيت محمداً فأقره السلام، قال أنس: فقال النبي: وعليه السلام، وعليك السلام يا هام، ما حاجتك؟ فقال: إن موسى علمني التوراة، وإن عيسى علمني الأنجيل، فعلمني القرآن قال أنس: فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم سورى الواقعة: وعم يتساءلون، وإذا الشمسي كورت، وقل يا أيها الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، ولا منافاة بين هذه القصص، فلعل الواقعة تعددت، فإحداها كان بها زيد بن حارثة، والأخرى كان فيها عبد الله بن مسعود، والأخرى كان فيها أنس بن مالك، كما أن قراءة القرآن عليهم تعددت. قوله: ﴿ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ جمعه مراعاة لمعنى النفر، ولو راعى لفظه لقال يستمع. قوله: ﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ ﴾ أي القرآن والرسول. قوله: (اصغوا) بكسر الهمزة وفتح الغين؛ من باب رمى، أو بفتح الهمزة وضم الغين من الرباعي. قوله: ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ ﴾ بالبناء للمفعول في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بالبناء للفاعل، فالأولى تؤيد عود الضمير على القرآن، والثانية تؤيد عوده على الرسول. قوله: ﴿ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ أي بأمر الرسول عليه السلام، لأنه جعلهم رسلاً إلى قومهم. قوله: (وكانوا يهوداً) أي وقج أسلموا في هذه الواقعة، وأسلم من قومهم حين رجعوا إليهم وأنذروهم وهم سبعون، وقال العلماء: إن الجن فيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام، وفي مسلميهم مبتدعة ومن يقول بالقدر وخلق القآن ونحو ذلك من المذاهب والبدع. وروي أنهم أصناف ثلاثة: صنف لهم أجنحة يطيرون بها، وصنف على صورة الحيات والكلاب، وصنف يحلون ويظعنون، واختلف في مؤمني الجن، فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار؛ وعليه أبو حنيفة والليث؛ وبعد نجاتهم من النار يقال لهم: كونوا تراباً. وقال الأئمة الثلاثة: هم يدخلون الجنة، ويأكلون ويشربون ويتنعمون. وقيل: إنهم يكونون حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فهيا. قوله: (كالتوراة) أي والإنجيل والزبور وغيرهما. قوله: (أي طريقه) أي الإسلام وهو الانقياد وطريقه الأعمال الصالحة، كالصلاة والصوم.
قوله: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ جواب الأمر. قوله: ﴿ وَيُجِرْكُمْ ﴾ أي يخلصكم وينجيكم. قوله: ﴿ وَمَن لاَّ يُجِبْ ﴾ الخ.
﴿ مَن ﴾ شرطية وجوابها قوله: ﴿ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ﴾ الخ. قوله: ﴿ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ هنا همزتان مضمومتان من كلمة، وليس في القرآن محل لاجتماعهما غير هذا. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الخ، هذا آخر كلام الجن الذين سمعوا القرآن. قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ الخ، رجوع لتوجيه الكلام إلى أهل مكة وغيرهم بعد تقرير قصة الجن، والهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه تقديره: أتركوا التفكر ولم يروا. قوله: (لم يعجز عنه) أي لم يضعف ولم يتعب. قوله: (وزيدت الباء فيه) الخ، جواب عما يقال: إن الباء لا تزاد إلا في خبر ليس وما، كما قال ابن مالك: وبعد ما وليس جر الباء الخبر: وإن للإثبات. قوله: (لأن الكلام) الخ، حاصل الجواب أنها واقعة في خبر ليس تأويلاً. قوله: ﴿ بَلَىٰ ﴾ هي جواب النفي ويصير بها إثباتاً؛ بخلاف نعم فإنها ما قبلها نفياً أو إثباتاً. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الخ، هذا إشارى لبعض ما يحصل في يوم البعث من الأهوال، إثر بيان إثباته وتقرره. قوله: (يقال لهم) قدره إشارة إلى أن ﴿ يَوْمَ ﴾ ظرف لمحذوف، وإلى أن قوله: ﴿ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ ﴾ مقول لقول محذوف. قوله: ﴿ وَرَبِّنَا ﴾ الواو للقسم، وإنما أكدوا كلامهم بالقسم طمعاً في الخلاص، حيث اعترفوا بالحق. قوله: ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ أي بسبب كفركم.
قوله: ﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ الخ، هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والصبر: تلقي الشدائد بالرضا والتسليم. قوله: ﴿ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ ﴾ الكاف بمعنى مثل، صفة لمصدر محذوف، وما مصدرية، والتقدير: صبر أولي العزم. قوله: (فكلهم ذوو عزم) أي حزم وكمال وثبات وصبر على الشدائد، قوله: (وقيل) هي للتبعيض في كلامه؛ اشارة لقولين في تفسير أولي العزم، من جملة من أقوال شتى، وقيل: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ثمانية عشر: إبراهيم واسحاق ويعقوب واليسع ويونس ولوط. وقيل: هما اثنا عشر نبياً، أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم، فأوحى الله إلى الأنبياء: إني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل، فشق ذلك على المرسلين، فأوحى الله إليهم: اختاروا لأنفسكم، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل، وإن شئتم أنجيتم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل، وأنزل العذاب بأولئك الرسل، وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض، فمنهم من نشر بالمناشير، ومنهم من سلخ جلدة رأٍه ووجهه، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات، ومنهم من أحرق بالنار. وقيل: أولو العزم أربعة: إبراهيم صبر على فقد نفسه وذبح نفسه وذبح ولده. وموسى صبر على أذى قومه، ووثق بربه حين قال له قومه: إنا لمدركون، فقال: كلا إن ربي معي سيهدين. وداود صبر على البكاء من أجل خطيئته، حتى نبت من دموعه الشجر؛ فقعد تحت ظله. وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال: إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها. فكأن الله تعالى يقول لنبيه: كن صادقاً واثقاً بربك، مهتماً بما سلف منك، زاهداً في الدنيا، وقيل: أولو العزم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو المعتمد، لأنهم أصحاب الشرائع. قوله: (ولم نجد له عزماً) أي تاماً، لأن ارادتنا أكله من الشجرة؛ غلبت ارادته عدم الأكل منها؛ وإلا فكل نبي صاحب عزم؛ غير أنهم يتفاوتون فيه على حساب مراتبهم، قال تعالى:﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾[البقرة: ٢٥٣].
قوله: ﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ أي لأجلهم، والمفعول محذوف قدره المفسر بقوله: (نزول العذاب). قوله: (قيل كأنه ضجر) الخ، المناسب حذف كان كما في عبارة غيره. قوله: (فإنه نازل بهم) أي ولو في الآخرة. قوله: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ﴾ ظرف لقوله: ﴿ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾ الخ. قوله: (لطوله) تعليل لقوله: ﴿ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾ مقدم عليه. قوله: ﴿ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ أي لأن ما مضى عليهم من الزمان، كأنهم لم يروه لانقضائه. قوله: (هذا القرآن): ﴿ بَلاَغٌ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بَلاَغٌ ﴾ خبر لمحذوف. قوله: (تبليغ من الله إليكم) أي بلغكم إياه فآمنوا به، أو المعنى موصل من عمل به وآمن إلى الدرجات العلى، لما ورد: يقال له: اقرأ وارق ويؤنسه في قبره، وموصل من لم يعمل به إلى الدركات اسلفلى. قوله: ﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ أي لا يكون الهلاك والدمار إلا للكافرين، وأما من مات على الإيمان ولو عاصياً فهو فائز، ولا يقال له هالك، وهذه الآية أرجى آية في القرآن، إذ فيها تطميع في سعة فضل الله ورحمته.- فائدة - نقل القرطبي عن ابن عباس، أن المرأة إذا تعسر وضعها، تكتب هاتان الآيتان والكلمتان في صحفة، ثم تغسل وتسقى منها، فإنها تلد سريعاً، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا ﴾[النازعات: ٤٦] ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾.
Icon