ﰡ
﴿سُبْحَانَ﴾ تنزيه الله عن السوء وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل وانتصابه بفعل مضمر متروك إِظهاره تقديره أسبح الله سبحان ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ ﴿الذي أسرى بعبده﴾ محمد ﷺ وسرى وأسرى لغتان ﴿لَيْلاً﴾ نصب على الظرف وقيده بالليل والإسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ قيل أسري به من دار أم هانىء بنت أبي طالب والمراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به وعن ابن عباس رضي الله عنهما الحرم كله مسجد وقيل هو المسجد الحرام بعينه وهوالظاهر فقد
الإسراء (١ _ ٤)
قال عليه السلام بينما انا في المسجد الحرام في ال عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق وقد عرج بي إلى السماء في تلك الليلة وكان العروج به من بيت المقدس وقد أخبر قريشاً عن عيرهم وعدد جمالها وأحوالها وأخبرهم أيضاً بما رأى في السماء من
﴿وَآتَيْنَا مُوَسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ﴾ أي الكتاب وهو التوارة ﴿هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا﴾ أي لا تتخذوا وبالياء أبو عمرو أي لئلا يتخذوا ﴿مِن دُونِي وَكِيلاً﴾ رباً تكلون إليه أموركم
﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ نصب على الاختصاص أو على النداء فيمن قرأ لا تتخذوا بالياء على النهي أي قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلاً يا ذرية من حملنا مع نوح ﴿إِنَّهُ﴾ إن نوحاً عليه السلام ﴿كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ في السراء والضراء والشكر مقابلة النعمة بالثناء على المنعم وروي أنه كان لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس إلا قال الحمد لله وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم وآية
﴿وقضينا إلى بني إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ﴾ وأوحينا إليهم وحياً مقضياً أي مقطوعاً مبتوتاً بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة والكتاب التوارة ولتفسدن جواب قسم محذوف أو جرى القضاء المبتوت مجرى القسم فيكون لتفسدن جواباً له كأنه قال وأقسمنا لتفسدن في الأرض ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ أولاهما قتل زكرياء عليه السلام وحبس أرمياء عليه السلام حين أنذرهم سخط الله والأخرى قتل يحيى بن زكرياء عليهما السلام وقصد قتل عيسى عليه السلام ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّاً كَبِيراً﴾ ولتستكبرن عن طاعة الله من قوله إِن فرعون علا في الأرض والمراد به البغى والظلم وغلبة
الإسراء (٥ _ ٨)
المفسدين على المصلحين
﴿فإذا جاء وعد أولاهما﴾ أي وعد عقاب أولاهما ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ﴾ سلطنا عليكم ﴿عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدِ﴾ أشداء في القتال يعني سنجاريب وجنوده أو بختنصر أو جالوت قتلوا علماءهم وأحرقوا التوارة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفاً ﴿فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ﴾ ترددوا للغارة فيها قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾ وكان وعد العقاب وعد الابدان يفعل
﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ﴾ أي الدولة والغلبة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو قيل هي قتل بختنصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم وقيل أعدنا لكم الدولة بملك طالوت وقتل داود جالوت ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ مما كنتم وهو تمييز جمع نفر وهو من ينفر مع الرجل من قومه
﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ قيل اللام بمعنى على كقوله وعليها ما اكتسبت والصحيح أنها على بابها لأن اللام للاختصاص والعامل مختص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة يعنى أن الاحسان والاساءة تختص بأنفسكم لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم وعن على رضي الله عنه ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلاها ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ﴾ وعد المرة الآخرة بعثناهم ﴿لِيَسوؤوا﴾ أي هؤلاء ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ وحذف لدلالة ذكره أولاً عليه أي ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها كقوله سيئت وجوه الذين كفروا ليسوء شامي وحمزة وأبو بكر والضمير لله عز وجل أو للوعد أو للبعث لنسوء علي ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ بيت المقدس ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ ما علوا مفعول لتبروا أي ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم
﴿عسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ بعد المرة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي ﴿وَإِنْ عُدتُّمُ﴾ مرة ثالثة ﴿عُدْنَا﴾ إلى عقوبتكم وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الإتاوة عليهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما سلط عليهم المؤمنون إلى
الإسراء (٨ _ ١٢)
يوم القيامة ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾ محبساً يقال للسجن محصر وحصير
﴿إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها وهي توحيد الله والإيمان برسله والعمل بطاعته أو للملة أو للطريقة ﴿ويُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ ويَبْشر حمزة وعلي ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ بأن لهم ﴿أَجْراً كَبِيراً﴾ أي الجنة
﴿وَأَنَّ الَّذِينَ﴾ وبأن الذين ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا﴾ أي أعددنا قلبت تاء ﴿لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ يعني النار والآية ترد القول بالمنزلة بين المنزلتين حيث ذكر المؤمنين وجزاءهم والكافرين وجزاءهم ولم يذكر الفسقة
﴿وَيَدْعُ الإنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ أي ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله وولده كما يدعو لهم بالخير أو يطلب النفع العاجل وإن قل بالضرر الآجل وإن جل ﴿وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً﴾ يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يأتى فيه تأني المتبصر أو أريد بالإنسان الكافر وأنه يدعوه بالعذاب استهزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة وكان الإنسان عجولاً يعني أن العذاب آتيه لا محالة فما هذا الاستعجال وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو النصر بن الحرث قال اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ الآية فأجيب فضربت عنقه صبراً وسقوط الواو من يدع في الخط على موافقة اللفظ
﴿وَجَعَلْنَا الَّليْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الَّليْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعاً كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء ﴿لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم ﴿وَلِتَعْلَمُوا﴾ باختلاف الجديدين ﴿عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ يعني حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح
الإسراء (١٢ _ ١٧)
حراص المكنسبين والتجار ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ مما تفتقرون إليه في
﴿وَكُلَّ إنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ﴾ عمله ﴿فِي عُنُقِهِ﴾ يعني أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ﴾ هو صفة لكتابا يُلقَّاه شامي ﴿مَنْشوراً﴾ حال من يلقاه يعني غير مطوي ليمكنه قراءته أو هما صفتان للكتاب ونقول له
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ﴾ أي كتاب أعمالك وكلٌّ يُبعث قارئاً ﴿كفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ﴾ الباء زائدة أي كفى نفسك ﴿حَسِيباً﴾ تمييز وهو بمعنى حاسب وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد فعدي بعلى لأن الشاهد يكفي المدعى ما أهمه وإنما ذكر حسيباً لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير إذ الغالب أن يتولى هذه الأمور الرجال فكأنه قيل كفى نفسك رجلاً حسيباً أو تؤوّل النفس بالشخص
﴿مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ أي فلها ثواب الاهتداء وعليها وبال الضلال ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أي كل نفس حاملة وزراً فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى ﴿وَمَا كنا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ وما صح منا أن نعذب قوماً عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولاً يلزمهم الحجة
﴿وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً﴾ أي أهل قرية ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ متنعميها وجبابرتها بالطاعة عن أبي عمرو والزجاج ﴿فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ أي خرجوا عن الأمر كقولك أمرته فعصى أو أمرنا كثرنا دليله قراءة يعقوب
﴿وَكَمْ﴾ مفعول ﴿أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ﴾ بيان لكم ﴿من بعد نوح﴾ يعنى عادا وثمود وغيرهما ﴿وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خِبِيراً﴾ وإن أخفوها في الصدور ﴿بصيرا﴾ وإن أرخوا
الإسراء (١٨ _ ٢٢)
عليها الستور
﴿مَن كَانَ يُريدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشآءُ﴾ لا ما يشاء ﴿لِمَن نُّرِيدُ﴾ بدل من له بإعادة الجار وهو بدل البعض من الكل إذ الضمير يرجع إلى من أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما يشاء لمن نريد فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيراً من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه وكثيراً منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقي فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتي حظاً من الدنيا فبها وإلا فربما كان الفقر خيراً له ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة ﴿يَصْلاهَا﴾ يدخلها ﴿مَذْمُوماً﴾ ممقوتاً ﴿مَّدْحُوراً﴾ مطروداً من رحمة الله
﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وسعى لَهَا سَعْيَهَا﴾ هو مفعول به أو حقها من السعي وكفاءها من الأعمال الصالحة ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مصدق لله في وعده ووعيده ﴿فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً﴾ مقبولاً عند الله مثاباً عليه عن بعض السلف من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله إيمان ثابت ونية صادقة
﴿كُلاً﴾ كل واحد من الفريقين والتنوين عوض عن المضاف إليه وهو منصوب بقوله ﴿نُّمِدُّ هَؤُلآءِ﴾ بدل من كلاً أي نمد هؤلاء ﴿وهؤلاء﴾ أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة ﴿من عطاء ربك﴾ رزقه ومن تتعلق بنمد والعطاء اسم للمعطي أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مدداً للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعاً على وجه التفضل ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ ممنوعاً عن عباده وإن عصوا
﴿انظُرْ﴾ بعين الاعتبار ﴿كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ في المال والجاه والسعة والكمال ﴿وَلَلآخِرَةُ أكبر درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ روي أن قوماً من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو إنما أتينا من قبلنا إنهم دعوا ودعينا يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر
﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ الخطاب للنبي ﷺ والمراد
الإسراء (٢٢ _ ٢٤)
به أمته ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ فتصير جامعاً على نفسك الذم والخذلان وقيل مشتوماً بالإهانة محروماً عن الإعانة إذ الخذلان ضد النصر والعون دليله قوله تعالى إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده حيث ذكر الخذلان بمقابلة النصر
﴿وقضى رَبُّكَ﴾ وأمر أمراً مقطوعاً به ﴿أَلاَّ تعبدوا إلا إياه﴾ أن مفسرة ولا تعبدوا نهي أو بأن لا تعبدوا ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ وأحسنوا
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ أي اخفض لهما جناحك كما قال واخفض جناحك للمؤمنين فأضافه إلى الذل كما أضيف حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله
الإسراء (٢٥ _ ٢٨)
التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك والمراد بالخطاب غيره عليه السلام والدعاء مختص بالأبوين المسلمين وقيل إذا كانا كافرين له أن يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعوا الله لهما بالهداية وعن النبي ﷺ رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما وروي يفعل البار ما شاء أن يفعل يفعل فلن يدخل النار ويفعل العاق ما شاء أن يفعل فلن يدخل الجنة وعنه عليه السلام إياكم وعقوق الوالدين فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جارّ إزاره خيلاء إن الكبرياء لله رب العالمين
﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفِوسِكُمْ﴾ بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين ومن النشاط والكرامة في خدمتهما ﴿إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ﴾ قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر هنة تؤدي إلى أذاهما ثم أبتم إلى الله واستغفرتم منها ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً﴾ الأواب الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة فجاز أن يكون هذا عاماً لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره
﴿وَآتِ ذَا القربى﴾ منك ﴿حَقَّهُ﴾ أي النفقة إذا كانوا محارم فقراء ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ أي وآت هؤلاء حقهم من الزكاة {وَلا تُبَذِّرْ
﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوآ إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمة لأنه لا شر من الشيطان أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ فما ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله
﴿وإما تعرضن عنهم﴾ وان أغرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد ﴿ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾ أي وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم رداً جميلاً فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسبباً عنه فوضع المسبب موضع السبب يقال يسر الأمر وعسر مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول وقيل معناه فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم كأن معناه قولاً ذا ميسور وهو اليسر أي دعاء
الإسراء (٢٩ _ ٣٣)
فيه يسر وابتغاء مفعول له أو مصدر في موضع الحال وترجوها حال
﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تُبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ كل نصب على المصدر لإضافته إليه وهذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ﴿فَتَقْعُدَ مَلُوماً﴾ فتصير ملوماً عند الله لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس يقول الفقير أعطى فلاناً وحرمني ويقول الغني ما يحسن تدبير أمر المعيشة وعند نفسك إذا احتجت فندمت على ما فعلت ﴿مَّحْسُوراً﴾ منقطعاً بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا أثر فيه أثرا فيه أثراً بليغاً أو عارياً من حسر رأسه وقد خاطرت مسلمة ضرتها
ثم سلى رسول الله ﷺ بأَن ذلك ليس لهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ولكن لأن بسط الأرزاق وقدرها مفوض إلى الله تعالى فقال ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءَ﴾ فليس البسط إليك ﴿وَيَقْدِرُ﴾ أي هو يضيق فلا لوم عليك ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً﴾ بمصالحهم فيمضيها ﴿بَصِيراً﴾ بحوائجهم فيقضيها
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ قتلهم أولادهم وأدهم بناتهم ﴿خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ فقر ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ نهاهم عن ذلك وضمن أرزاقهم ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطأ كَبِيراً﴾ إثماً عظيماً يقال خطىء خطأ كأثم اثما وخطأ وهو ضد الصواب اسم من أخطأ وقيل هو والخطأ كالحذر والحذر خطاء بالمد والكسر مكي
﴿وَلا تَقْرَبُوا الزنى﴾ القصر فيه أكثر والمدلغة وقد قرىء به وهو نهي عن دواعي الزنا كالمس والقبلة ونحوهما ولو أريد النهي عن نفس الزنا لقال ولا تزنوا ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ معصية مجاوزة حد الشرع والعقل ﴿وَسَآءَ سَبِيلاً﴾ وبئس طريقاً طريقه
﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بِالْحَقِّ﴾ أي بارتكاب ما يبيح الدم ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلوماً﴾ غير مرتكب ما يبيح الدم ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ تسلطاً على القاتل في الاقتصاص منه ﴿فَلا يسْرِف فِّي الْقَتْلِ﴾ الضمير للولي أي فلا
الإسراء (٣٤ _ ٣٧)
الضمير للولي أي حسبه أن الله قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك أو للمظلوم أي الله ناصره حيث أوجب القصاص بقتله وينصره في الآخرة بالثواب أو للذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه كان منصوراً بإيجاب القصاص على المسرف وظاهر الآية يدل على أن القصاص يجري بين الحر والعبد وبين المسلم والذمي لأن أنفس أهل الذمة والعبيد داخلة في الآية لكونها محرمة
﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أَحْسَنُ﴾ بالخصلة والطريقة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره ﴿حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أي ثماني عشرة سنة ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْد﴾ بأوامر الله تعالى ونواهيه ﴿إن العهد كان مسؤولا﴾ مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به أو أن صاحب العهد كان مسئولا
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ﴾ بكسر القاف حمزة وعلي وحفص وهو كل ميزان صغير أو كبير من موازين الدراهم وغيرها وقيل هو القرسطون أي القبان ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾ المعتدل ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ في الدنيا ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ عاقبة وهو تفعيل من آل إذا رجع وهو ما يؤل إليه
﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ولا تتبع ما لم تعلم أي لا تقل رأيت وما رأيت وسمعت وما سمعت وعن ابن الحنفية لا نشهد بالزور وعن ابن عباس لا ترم أحداً بما لا تعلم ولا يصح التثبت به لمبطل
ذم المنازل بعد منزلة اللوى | والعيش بعد أولئك الأيام |
﴿وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا﴾ هو حال أي ذا مرح ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض﴾ لن تجعل فيها خرقاً بدوسك لها وشدة وطئتك ﴿ولن تبلغ الجبال طولا﴾ بتطاولك وهوتهكم بالمختال
الإسراء (٣٨ _ ٤٢)
أو لن تحاذيها قوة وهو حال من الفاعل أو المفعول
﴿كُلُّ ذلك كَانَ سَيّئُهُ﴾ كوفي وشامي على إضافة سيىء إلى ضمير كل سيئة غيرهم ﴿عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا﴾ ذكر مكروهاً لأن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ألا تراك تقول الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة فإن قلت الخصال المذكورة بعضها سىء وبعضها حسن ولذلك قرأ من قرأ سيئة بالإضافة أي ما كان من المذكور سيئاً كان عند الله مكروهاً فما وجه قراءة من قرأ
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم من قوله لا تجعل مع الله الها آخر إلى هذه الغاية ﴿مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة﴾ مما يحكم العقل بصحته وتصلح النفس بأسوته ﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخر فتلقى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾ مطروداً من الرحمة عن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها لا تجعل مع الله إلها آخر وآخرها مدحوراً ولقد جعلت فاتحتها وخاتمتها والنهى عن الشرك لأن التوحيد رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمة وإن بذفيها الحكماء وحك بيافوخه السماء وما أعنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم
ثم خاطب الذين قالوا الملائكة بنات الله بقوله ﴿أَفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين﴾ الهمزة للإنكار يعني أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون ﴿واتخذ من الملائكة إِنَاثًا﴾ واتخذ أدونهم وهي البنات وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم فالعبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها ويكون أردؤها وأدونها للسادات ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا﴾ حيث أضفتم إليه الأولاد وهي من خواص الأجسام ثم فضلتم عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون
﴿ولقد صرفنا في هذا القرآن﴾ أي التنزيل والمراد ولقد صرفناه أي هذا المعنى في مواضع من التنزيل فترك الضمير لأنه معلوم ﴿لّيَذْكُرُواْ﴾ وبالتخفيف حمزة وعلي أي كررناه ليتعظوا ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا﴾ عن الحق
﴿قل لو كان معه﴾ مع الله ﴿آلهة كَمَا يَقُولُونَ﴾ وبالياء مكي وحفص ﴿إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً﴾ يعني لطلبوا إلى من له
الإسراء (٤٣ _ ٤٧)
الملك والربوبية سبيلاً بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو لتقربوا إليه كقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة وإذاً دالة على أن ما بعدها وهو لابتغوا جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو
﴿سبحانه وتعالى عما يقولون﴾ وبالثاء حمزة وعلي ﴿عَلَوْاْ﴾ أي تعاليا والمراد البراءة من ذلك والنزاهة ﴿كَبِيراً﴾ وصف العلو بالكبر مبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به
﴿تُسَبّحُ﴾ وبالتاء عراقي غير أبي بكر ﴿لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ﴾ أي يقول سبحان الله وبحمده عن السدي قال عليه السلام ما اصطيد حوت في البحر ولا طائر يطير إلا بما يضيع من تسبيح الله تعالى ﴿ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ لاختلاف اللغات أو لتعسر الإدراك أو سبب لتسبيح الناظر إليه والدال على الخير كفاعله والوجه الأول ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا﴾ عن جهل العباد ﴿غَفُوراً﴾ لذنوب المؤمنين
﴿وإذا قرأت القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ ذا ستر أو حجاباً لا يرى فهو مستور
﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ جمع كنان وهو الذي يستر الشيء ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ كراهة أن يفقهوه ﴿وفي آذانهم وقراً﴾ ثقلاً يمنع عن الاستماع ﴿وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده﴾ يقال وحد يحد وحداً وحدة نحو وعد يعد وعداً وعدة فهو مصدر سد مسد الحال أصله يحد وحده بمعنى وحدا ﴿وَلَّوْاْ على أدبارهم﴾ رجعوا على أعقابهم ﴿نُفُورًا﴾ مصدر بمعنى التولية أو جمع نافر كقاعد وقعود أي يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا
﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ﴾ أي نحن أعلم بالحال أو الطريقة التي يستمعون القرآن به فالقرآن هو المستمع وهو محذوف وبه حال وبيان لما أن يستمعون القرآن هازئين لا جادين والواجب عليهم أن يستمعوه جادين ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون ﴿وَإِذْ هُمْ نجوى﴾ وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى ﴿إذ يقول الظالمون﴾
الإسراء (٤٧ _ ٥٤)
بدل من اذهم ﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا﴾ سحر فجن
﴿انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال﴾ مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون ﴿فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ أي فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقاً يسلكه فلا يقدر عليه فهو متحير في أمره لا يدري ما يصنع
﴿وقالوا﴾ أي منكروا البعث ﴿أَئذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جديدا﴾ أي مجددا وخلقا حال أي مخلوقين
﴿قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقًا مما يكبر في صدوركم﴾ أي السموات والأرض فإنها تكبر عندكم عن قبول الحياة ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ﴾ يعيدكم ﴿الذى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ والمعنى أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة بعدما كنتم عظاماً يابسة مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى الحالة الأولى ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة هو أن تكونوا حجارة أو حديداً لكان قادراً على أن يردكم إلى حال الحياة ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ﴾ فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاءً ﴿وَيَقُولُونَ متى هو﴾ أي البعث استعبادا له ونفياً ﴿قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾ أي هو قريب وعسى للوجوب
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ إلى المحاسبة وهو يوم القيامة ﴿فتستجيبون بحمده﴾ أي تجبيبون حامدين والياء للحال عن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك ﴿وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لبثاً قليلاً أو زماناً قليلاً في الدنيا أو في القبر
﴿وَقُل لّعِبَادِى﴾ وقل للمؤمنين ﴿يَقُولُواْ﴾ للمشركين الكلمة ﴿التى هِىَ أَحْسَنُ﴾ وألين ولا يخاشنوهم وهي أن يقولوا يهديكم الله ﴿إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بينهم﴾ يلقى بينهم الفساد وويغرى بعضهم على بعض ليوقع بينهم المشاقة والنزع إيقاع الشر وإفساد ذات البين وقرأ طلحة ينزغ بالكسر وهم لغتان ﴿إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُّبِينًا﴾ ظاهر العداوة
أو فسر التي هي أحسن بقوله ﴿رَّبُّكُمْ أعلم بكم إن يشأ يرحمكم﴾
الإسراء (٥٤ _ ٥٨)
والتوفيق ﴿أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ﴾ بالخذلان أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر وقوله ان الشيطان ينزغ بينهم اعتراض ﴿وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ حافظاً لأعمالهم وموكولاً إليك أمرهم وإنما أرسلناك بشيراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالمداراة
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السماوات والأرض﴾ وبأحوالهم وبكل ما يستأهل كل واحد منهم ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ﴾ فيه إشارة الى تفضيل رسول الله صلى اله عليه وسلم وقوله ﴿وآتينا داود زَبوراً﴾ دلالة على وجه تفضيله وأنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود قال الله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور مِن بَعْدِ الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون وهم محمد وأمته ولم يعرف الزبور هنا وعرفه في قوله ولقد كتبنا في الزبور لأنه كالعباس وعباس والفضل وفضل
﴿قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم﴾ إنها آلهتكم ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله وهم الملائكة أو عيسى وعزير أو نفر من الجن عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا ﴿فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ أي ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحولوه من واحد الى آخر
﴿أولئك﴾ مبتدأ ﴿الذين يَدْعُونَ﴾ صفة أي يدعونهم آلهة أو يعبدونهم والخير ﴿يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة﴾ يعني أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله عز وجل ﴿أيهم﴾ بدل من واو يبتغون وأي موصولة أي يبتغي من هو ﴿أَقْرَبُ﴾ منهم الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكأنه قيل
﴿وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا﴾ قبل الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة ﴿كَانَ ذلك فِى الكتاب﴾ في اللوح المحفوظ ﴿مَسْطُورًا﴾ مكتوباً وعن مقاتل وجدت
الإسراء (٥٩)
في كتب الضحاك في تفسيرها أما مكة فيخربها الحبشة وتهلك المدنية بالجوع والبصرة بالغرق والكوفة بالترك والجبال بالصواعق والرواجف وأما خراسان فعذابها ضروب وأما بلخ فتصيبهم هدَّة فيهلك أهلها وأما بدخشان فيخربها أقوام وأماترمذ فأهلها يموتون بالطاعون وأما صغانيان الى واشجرد فيقتلون بقتل ذريع وأما سمرقند فيغلب عليها بنو قنطوراء فيقتلون أهلها قتلاً ذريعاً وكذا فرغانة والشاش واسبيجاب وخوارزم وأما بخارى فهي أرض الجبابرة فيموتون قحطاً وجوعاً وأما مرو فيغلب عليها الرمل ويهلك بها العلماء والعباد وأما هراة فيمطرون بالحيات فتأكلهم أكلاً وأما نيسابور فيصيب أهلها رعد وبرق وظلمة فيهلك أكثرهم وأما الري فيغلب عليها الطبرية والديلم فيقتلونهم وأما أرمينية وأذربيجان فيهلكها سنابك الخيول والجيوش والصواعق والرواجف وأما همذان فالديلم يدخلها ويخربها وأما حلوان فيمر بها ريح ساكنة وهم نيام فيصبح أهلها قردة وخنازير ثم يخرج رجل من جهينة فيدخل مصر فويل لأهلها ولأهل دمشق وويل لأهل إفريقية وويل لأهل الرملة ولا يدخل بيت المقدس وأما سجستان فيصيبهم ريح عاصف أياماً ثم هدة تأتيهم ويموت فيها العلماء وأما كرمان وأصبهان وفارس
﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون﴾ استعير المنع لترك إرسال الآيات وأن الأولى مع صلتها في موضع النصب لأنها مفعول ثان لمنعا وأن الثانية مع صلتها في موضع الرفع لأنها فاعل منعنا والتقدير وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين والمراد الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهباً ومن إحياء الموتى وغير ذلك وسنة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال والمعنى وما منعنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وعذبوا العذاب المستأصل وقد حكمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فأهلكوا واحدة وهي ناقة صالح عليه السلام لأن آثار هلاكهم قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال ﴿وآتينا ثمود الناقة﴾ باقتراحهم ﴿مُبْصِرَةً﴾ آية بينة ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ فكفروا بها ﴿وَمَا نُرْسِلُ بالآيات﴾ إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها ﴿إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾ من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له فإن لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وانذار بعذاب الآخرة وهو مفعول
الإسراء (٦٠ _ ٦١)
له
﴿وإذ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس وَمَا جعلنا الرؤيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ﴾
لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ من زقوم فمالؤون منها البطون فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول لكل اطعام مكروه ضار ملعون ولأن اللعن هو الايعاذ من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة
﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾
هو تمييز أو حال من الموصول والعامل فيه أأسجد على أأسجد له وهو طين أي أصله طين
﴿قال أرأيتك هذا الذى﴾ الكاف لا موضع لها لأنها ذكرت للخطاب تأكيداً هذا مفعول به والمعنى أخبرنى عن هذا الذي ﴿كرمت علي﴾ أن فضلته لم كرمته علي وأنا خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طين فحذف ذلك اختصاراً لدلالة ما تقدم عليه ثم ابتدأ فقال ﴿لئن أخرتن﴾ وبلاياء كوفي وشامي واللام موطئة للقسم المحذوف ﴿إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ﴾ لأستأصلنهم بإغوائهم ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ وهم المخلصون قيل من كل ألف واحد وإنما علم الملعون ذلك بالإعلام أو لأنه رأى أنه خلق شهواني
﴿قَالَ اذهب﴾ ليس من الذهاب الذي هو ضد المجيء وإنما معناه امض لشأنك الذي اخترته خذلاناً وتخلية ثم عقبه بذكر ما جره سوء اختياره فقال ﴿فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ﴾ والتقدير فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزاؤكم وانتصب ﴿جزاء موفورا﴾ أي موفورا باضمار تجازون
﴿واستفزز﴾ استزل أو استخف استفزه أي استخفه والفز الخفيف ﴿مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ بالوسوسة أو بالغناء أو بالمزمار ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم﴾ اجمع وصح بهم من الجلبة وهو الصياح ﴿بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ بكل راكب وماش من أهل العيث فالخيل الخيالة والرجل اسم جمع للراجل ونظيره الركب والصحب ورجلك حفص على أن فعلاً بمعنى فاعل كتعب وتاعب ومعناه وجمعك الرِجل وهذا لأن أقصى ما يستطاع في طلب الأمور الخيل والرجل وقيل يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال ﴿وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال والأولاد﴾ قال الزجاج كل معصية في مال وولد فإبليس شريكهم فيها كالربا والمكاسب المحرمة والبحيرة والسائبة والإنفاق في الفسوق والإسراف ومنع الزكاة والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام والتسمية بعبد العزى وعبد شمس ﴿وَعِدْهم﴾ المواعيد الكاذبة من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة وإيثار العاجل على الآجل ونحو ذلك ﴿وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً﴾ هو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب
﴿أَن عِبَادِى﴾ الصالحين ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان﴾ يد بتبديل الايمان
الإسراء (٦٥ _ ٦٩)
العصيان ﴿وكفى بِرَبّكَ وَكِيلاً﴾ لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك أو حافظاً لهم عنك والكل أمر تهديد فيعاقب به أو إهانة أي لا يخل ذلك بملكي
﴿رَّبُّكُمُ الذى يُزْجِى﴾ يجري ويسير ﴿لَكُمُ الفلك فِى البحر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ يعني الربح في التجارة ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾
﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِى البحر﴾ أي خوف الغرق ﴿ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ﴾ ذهب عن أوهامكم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فإنكم لا تذكرون سواه أو ضل من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم ولكن الله وحده الذي ترجونه على الاستثناء المنقطع ﴿فَلَمَّا نجاكم إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ﴾ عن الإخلاص بعد الخلاص ﴿وَكَانَ الإنسان﴾ أي الكافر ﴿كَفُورًا﴾ للنعم
﴿أَفَأَمِنتُمْ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض ﴿أَن يخسف بكم جانب البر﴾ انتصب جانب بيخسف مفعولاً به كالأرض في قوله فَخَسَفْنَا بِهِ وبداره الأرض وبكم حال والمعنى أن يخسف جانب البر أي يقلبه وأنتم عليه والحاصل أن الجوانب كلها في قدرته سواء وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب من أسباب الهلاك ليس جانب البحر وحده مختصاً به بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر الخسف وهو تغييب تحت التراب والغرق تغييب تحت الماء فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ هي الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء يعني أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً﴾ يصرف ذلك عنكم
﴿أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي أم أمنتم أن يقوي دواعيكم يوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل عليكم ﴿قَاصِفًا مّنَ الريح﴾ وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد أو هو الكاسر للفلك ﴿فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ بكفرانكم النعمة وهو إعراضكم حين نجاكم ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ مطالباً من قوله فاتباع
الإسراء (٧٠ _ ٧٣)
بالمعروف أي مطالبة والمعنى إنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا يجدوا أحداً يطالبنا بما فعلنا انتصاراً منا ودركاً للثأر من جهتنا وهذا نحو قوله وَلاَ يَخَافُ عقباها أن نخسف أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون مكي وأبو عمرو
﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ بالعقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والاستيلاء وتسخير الأشياء وتناول الطعام بالأيدي وعن الرشيد أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال له جاء في تفسير حدك ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى ولقد كرمنا بنى آدم جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه ﴿وحملناهم فِى البر﴾ على الدواب ﴿والبحر﴾ على السفن ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات﴾ باللذيذات أو بما كسبت أيديهم ﴿وفضلناهم على كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ أي على الكل كقوله وأكثرهم كاذبون قال الحسن أي كلهم وقوله وَمَا يَتَّبِعُ أكثرهم إلا ظنا ذكر في الكشاف أن المراد بالأكثر الجميع وعنه عليه السلام المؤمن أكرم على الله من الملائكة وهذا لأنهم مجبولون
﴿يوم ندعوا﴾ منصوب باذكر ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم﴾ الباء للحال والتقدير مختلطين بامهم أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين فيقال يا أتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا وقيل بكتاب أعمالهم فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر ﴿فَمَنْ أُوتِىَ﴾ من هؤلاء المدعوين ﴿كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم﴾ وإنما قيل أولئك لأن من في معنى الجمع ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله
﴿وَمَن كَانَ فِى هذه﴾ الدنيا ﴿أعمى فَهُوَ فِى الآخرة أعمى﴾ كذلك ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ من الأعمى أي أضل طريقاً والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة أما في الدنيا فلفقد النظر وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل بدليل عطف وأضل ومن ثم قرأ أبو عمرو والأول ممالاً والثاني مفخماً لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلمة فلا يقبل الإمالة وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف فقبلت الإمالة وأمالهما حمزة وعلي وفخمهما الباقون
ولما قالت قريش اجعل آية رحمة آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك نزل ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ﴾ إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة
الإسراء (٧٣ _ ٧٨)
بينها وبين النافية والمعنى إن الشأن قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين ﴿عَنِ الذى أوحينا إليك﴾ من أوامرنا ونواهينا ووعيدنا
﴿وَلَوْلاَ أَن ثبتناك﴾ ولولا تثبيتنا وعصمتنا ﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾ لقاربت أن تميل إلى مكرهم ﴿شَيْئًا قَلِيلاً﴾ ركوناً قليلاً وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت
﴿إِذَا﴾ لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة ﴿لأذقناك ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾ لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة الآية وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار والعذاب يوصف بالضعف كقوله فآتهم عذابا ضعفا من النار أي مضاعفاً فكأن أصل الكلام لأذقناك عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ولما نزلت كان عليه السلام يقول اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ معيناً لك يمنع عذابنا عنك
﴿وَإِن كَادُواْ﴾ أي أهل مكة ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم ﴿مّنَ الأرض﴾ من أرض مكة ﴿لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ﴾ لا يبقون ﴿خلفك﴾ بعدك أي بعد إخراجك خلافك كوفي غير أبي بكر وشامي بمعناه ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ زماناً قليلاً فإن الله مهلكهم وكان كما قال فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل أو معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه وقيل من أرض العرب أو من أرض المدينة
﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا﴾ يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم ونصبت نصب المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة ﴿وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾ تبديلاً
﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس﴾
لزوالها وعلى هذه الآية جامعة للصلوات الخمس أو لغروبها وعلى هذا يخرج الظهر والعصر ﴿إلى غَسقِ الليل﴾ هو الظلمة وهو وقت صلاة العشاء ﴿وقرآن الفجر﴾ صلاة الفجر سميت قرآناً وهو القراءة لكونها ركناً كما سميت ركوعاً وسجوداً وهو حجة على الأَصم حيث زعم أن القراءة ليست بركن أو سميت قرآناً لطول قراءتها وهو عطف على الصلاة ﴿إن قرآن الفجر كان مشهوداً﴾ يشهده ملائكة الليل والنهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار أو يشهده الكثير من المصلين في العادة
﴿ومن الليل﴾ وعليك بعض الليل ﴿فَتَهَجَّدْ﴾ والتهجد ترك الهجود للصلاة ويقال في النوم أيضاً تهجد ﴿بِهِ﴾ بالقرآن ﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس وضع نافلة موضع تهجداً لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة غنيمة لك أو فريضة عليك خاصة دون غيرك لأنه تطوع لهم ﴿عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا﴾ نصب على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً أو ضمن يبعثك معنى يقيمك وهو مقام الشفاعة عند الجمهور ويدل عليه الأخبار أو هو مقام يعطى فيه لواء الحمد
﴿وقل رب أدخلني مدخل صدق﴾ وهو مصدر أي أدخلني القبر إدخالاً مرضياً على طهارة من الزلات ﴿وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ أي أخرجني منه عند البعث إخراجاً مرضياً ملقى بالكرامة آمناً من الملامة دليله ذكره على أثر ذلك البعث وقيل نزلت حين أمر بالهجرة يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة أو هو عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه من أمر ومكان ﴿واجعل لّي مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا﴾ حجة تنصرني على من خالفني أو ملكاً وعزاً قوياً ناصراً للإسلام على الكفر مظهراً له عليه
﴿وَقُلْ جَاء الحق﴾ الإسلام ﴿وَزَهَقَ﴾ وذهب وهلك ﴿الباطل﴾ الشرك أو جاء القرآن وهلك الشيطان ﴿إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا﴾ كان مضمحلاً في كل أوان
﴿وَنُنَزّلُ﴾ وبالتخفيف أبو عمرو ﴿مِن القرآن﴾ من للتبيين ﴿مَا هُوَ شِفَاء﴾ من أمراض القلوب ﴿ورحمة﴾ لكروب وتفريج وتطهير للعيوب وتكفير للذنوب ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وفي الحديث من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه
﴿وإذا أنعمنا على الإنسان﴾ بالصحة والسعة
الإسراء (٨٣ _ ٨٦)
﴿أَعْرَضَ﴾ عن ذكر الله أو أنعمنا بالقرآن أعرض ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ تأكيد للإعراض لأن الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه والنأي بالجانب أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره أو أراد الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين نأى بالأمالة حمزة وبكسرها عليَّ ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشر﴾ الفقر والمرض أو نازلة من النوازل ﴿كَانَ يؤوسا﴾ شديد اليأس من روح الله
﴿قُلْ كُلٌّ﴾ أي كل أحد ﴿يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سبيلا﴾ أسد مذهبا وطريقة
﴿ويسألونك عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ أي من أمر يعلمه ربي الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من مر الله أي مما استأثر بعلمه وعن أبي هريرة لقد مضى النبي ﷺ وما يعلم الروح وقد عجزت الأوائل عن إدراك ما هيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ولذا رد ما قيل في حده أنه جسم دقيق هوائي في كل جزء من الحيوان وقيل هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو جبريل عليه السلام نزل به
ثم نبه على نعمة الوحى وعزاء بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله ﴿ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك﴾
الإسراء (٨٦ _ ٩٢)
لنذهبن جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط واللام الداخلة على إن توطئة للقسم والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثراً ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظاً مسطورا
﴿إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ أي إلا إن يرحمك ربك فيرده عليك كأن رحمته تتوكل عليه بالرد أو يكون على الاستثناء المنقطع أي ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظاً بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه ونزل جواباً لقول النضر لو نشاء لقلنا مثل هذا
﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يأتوا بمثل هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظهيرا﴾ معينا ولا يأتون جواب قسم محذوف ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جواباً للشرط كقوله... يقول لا غائب مالي ولا حرم...
لأن الشرط وقع ماضياً أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الإتيان بمثله
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ رددنا وكررنا ﴿لِلنَّاسِ فِي هذا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه ﴿فأبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً﴾ جحوداً وإنما جاز فأبى أكثر الناس إلا كفوراً ولم يجز ضربت إلا زيداً لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفوراً ولما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر ولزمتهم الحجة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحير
﴿وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تفْجُرَ لَنَا﴾ وبالتخفيف كوفي ﴿مِنَ الأرْضِ﴾ أي مكة ﴿يَنبُوعاً﴾ عيناً غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع يفعول من نبع الماء
﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ﴾ والتشديد هنا مجمع عليه ﴿الأنْهَارَ خَلالَهَا﴾ وسطها ﴿تفجيرا﴾
﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ بفتح السين مدنى وعاصم أي
الإسراء (٩٢ _ ٩٦)
قطعاً يقال أعطني كسفة من هذا الثوب وبسكون السين غيرهما جمع كسفة كسدرة وسدر يعنون قوله إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً﴾ كفيلاً بما تقول شاهداً بصحته والمعنى أو تأتي بالله قبيلا وبالملائكة قبيلا كقوله كنت منه ووالدي برياً أو مقابلاً كالعشير بمعنى المعاشر ونحوه لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا أو جماعة حالاً من الملائكة
﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ ذهب ﴿أَوْ ترقى في السَّمَآءِ﴾ تصعد إليها ﴿وَلَنْ نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾ لأجل رقيك ﴿حتى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا﴾ وبالتخفيف أبو عمرو ﴿كِتاباً﴾ أي من السماء فيه تصديقك ﴿نقرؤه﴾ صفة كتاب ﴿قُلْ﴾ قال مكي وشامي أي قال الرسول ﴿سُبْحَانَ رَبِّي﴾ تعجب من اقتراحاتهم عليه ﴿هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ أي أنا رسول كسائر الرسل بشر مثلهم وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات فليس أمر الآيات إلى إنما هو إلى الله فما بالكم تتخيرونها على
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ يعني أهل مكة ومحل ﴿أن يؤمنوا﴾ نصب بأنه مفعول ثان لمنع ﴿إِذْ جَآءَهُمُ الهدى﴾ النبي والقرآن ﴿إِلاَّ أَن قَالُوا﴾ فاعل منع والتقدير وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى اله عليه وسلم إلا قولهم ﴿أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً﴾ أي الاشبهة تمكنت في صدورهم وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر والهمزة في أبعث الله للإنكار وما أنكروه ففي قضية حكمته منكر
ثم رد الله عليهم بقوله ﴿قُل لَّوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ﴾ على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب عليهم ﴿مُطْمَئِنِّينَ﴾ حال أي ساكنين في الأرض قارين ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً﴾ يعلمهم الخير ويهديهم المراشد فأما الإنس فإنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وارشادهم وبشرا وملكا حالان من رسولاً
﴿قُلْ كفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم كذبتم وعاندتم شهيداً تمييز أو حال ﴿إِنَّهُ كَان بعباده﴾ المنذرين والمنذرين ﴿خبيرا﴾
الإسراء (٩٦ _ ١٠٠)
عالماً بأحوالهم ﴿بَصِيراً﴾ بأفعالهم فهو مجازيهم وهذه تسلية لرسول الله عليه السلام ووعيد للكفرة
﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ وبالياء يعقوب وسهل وافقهما أبو عمرو ومدني في الوصل أي من وفقه الله لقبول ما كان من الهدى
﴿ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوآ أَئذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي ذلك العذاب بسبب أنهم كذبوا بالإعادة بعد الإفناء فجعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها ثم يعيدها لا يزالون على ذلك ليزيد في تحسرهم على تكذيبهم البعث
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْا﴾ أو لم يعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ من الإنس ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجلاً لاَّ رَيْبَ فِيه﴾ وهو الموت أو القيامة ﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كَفُوراً﴾ جحوداً مع وضوح الدليل
﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ﴾ تقديره لو تملكون أنتم لأن لو تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها فأضمر تلك على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل وهو الواو ضمير منفصل وهو أنتم
أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق ﴿وَكَانَ الإنْسانُ قَتُوراً﴾ بخيلاً
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنهما هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل وعن الحسن الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور ﴿فاسأل بني إسرائيل﴾ فقلنا له سل بني إسرائيل أي سلهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل وقوله ﴿إِذْ جاءهم﴾ متعلق بقوله المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأظنك يا موسى مَسْحُوراً﴾ سحرت فخولط عقلك
﴿قَالَ﴾ أي موسى ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يا فرعون ﴿مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ﴾ الآيات ﴿إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ خالقهما ﴿بَصَآئِرَ﴾ حال أي بينات مكشوفات لأنك معاند ونحوه وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا علمت بالضم عليّ أي إني لست بمسحور كما وصفتني بل أنا عالم بصحة الأمر وان هذه الآيات منزلها رب السموات والأرض ثم قارع ظنه بظنه بقوله ﴿وَإِنِّي لأظنك يا فرعون مَثْبُوراً﴾ كأنه قال إن ظننتني مسحوراً فأنَا أظنك مثبورا وظني أصح من ظنك لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها
﴿فأراد﴾ فرعون ﴿أَن يَسْتَفِزَّهُم﴾ يخرجهم أي موسى وقومه ﴿مِّنَ الأرْضِ﴾ أي أرض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً﴾ فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه
﴿وقلنا من بعده﴾ من بعده فرعون ﴿لبني إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ﴾ التي أراد فرعون أن يستفزكم منها ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة﴾ اي القيامة ﴿جئنا بكم لفيفا﴾ جميعا مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى
﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل﴾ وما انزلنا
الإسراء (١٠٥ _ ١٠٩)
القرآن إلا بالحكمة وما نزل إلا ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين قال الراوي اشتكى محمد بن السماك فأخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصراني فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة نقي الثوب فقال لنا إلى أين فقلنا له إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك فقال سبحان الله تستعينون على ولي الله بعدو الله اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له ضع يدك على موضع الوجع وقل وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ثم غاب عنا فلم نره فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل وعوفي في الوقت وقال كان ذلك الخضر عليه السلام ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً﴾ بالجنة ﴿وَنَذِيراً﴾ من النار
﴿وَقُرْآناً﴾ منصوب بفعل يفسره ﴿فَرَقْنَاهُ﴾ أي فصلناه أو فرقنا فيه الحق من الباطل ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ على مُكْثٍ﴾ على تؤدة وتثبت ﴿ونزلناه تنزيلا﴾ على حسب الحوداث
﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا﴾ أي اختاروا لأنفسكم النعيم المقيم أو العذاب الأليم ثم علل بقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من قبله﴾ أي التوارة من قبل القرآن ﴿إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ﴾ القرآن ﴿يُخِرُّونَ للأذْقَانِ سُجَّداً﴾ حال
﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾ لقوله آمنوا به أو لا تؤمنوا أي أعرض عنهم فإنهم إن لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بالقرآن فإن خيراً منهم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب قد آمنوا به وصدقوه فإذا تلي عليهم خروا سجداً وسبحوا الله تعظيماً لأمره ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد ﷺ وإنزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد المذكور ان بمعنى أنه هي تؤكد الفعل كما أن إن تؤكد الاسم وكما أكدت إن باللام في إنهم لمحضرون تأكدت إن باللام في لمفعولا
﴿وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ ومعنى الخرور للذقن السقوط على الوجه وإنما خص الذقن لأن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السجود الذقن يقال خر على وجهه وعلى ذقنه وخر لوجهه ولذقنه أما معنى على فظاهر وأما معنى اللام فكأنه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به إذ اللام للاختصاص وكرر يخرون للأذقان لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين وخرورهم في حال
الإسراء (١٠٩ _ ١١١)
كونهم باكين ﴿وَيَزِيدُهُمْ﴾ القرآن ﴿خُشُوعاً﴾ لين قلب ورطوبة عين
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرحمن﴾ لما سمعه أبو جهل يقول يا الله يا رحمن قال إنه نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر فنزلت وقيل إن أهل الكتاب قالوا إنك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثر الله في التوارة هذا الاسم فنزلت والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وأو للتخيير أي سموا بهذا الاسم أو بهذا أو اذكروا إما هذا وإما هذا والتنوين في ﴿أَيَّا مَّا تَدْعُوا﴾ عوض من المضاف اليه وما زيدت للتوكيد وايا نصب بتدعوا وهو مجزوم بأي أي هذين الاسمين ذكرتم وسميتم ﴿فَلَهُ الأسْمَآءُ الحسنى﴾ والضمير في فله يرجع إلى ذات الله تعالى والفاء لأنه جواب الشرط أي أيَّاماً تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله فله الأسماء الحسنى لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الأسماء إنها مستقلة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم ﴿ولا تجهر بصلاتك﴾ بقراءة صلايك على حذف المضلف لأنه لا يلبس إذ الجهر والمخافتة تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله ﷺ يرفع صوته بقراءته فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا فأمر بأن يخفض من صوته والمعنى ولا تجهر حتى تسمع المشركن ﴿ولا تخافت بها﴾ حتى تسمع من خلفك ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ بين الجهر والمخافتة ﴿سبيلا﴾ وسطا أو معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلاً بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاو النهار أو بصلاتك بدعائك
﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ كما زعمت اليهود والنصارى وبنو مليح ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ كما زعم المشركون ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ﴾ أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر أو لم يوال أحداً من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته
سورة الكهف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية بصرى وعشر آيات كوفي
بسم الله الرحمن الرحيم