تفسير سورة الإسراء

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة بنى إسرائيل
مائة واحدى عشرة اية مكية الا وان كادوا ليفتنونك الى اخر ثمان آيات ربّ يسّر وتمّم بالخير «١» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ اسم بمعنى التسبيح الّذي هو التنزيه وقد يستعمل علما له فيقطع عن الاضافة وبمنع الصرف وانتصابه بفعل متروك إظهاره تقديره سبحوا الله سبحان او اسبح الله سبحانه- ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد ويكون بمعنى التعجب الَّذِي أَسْرى يعنى سيّر ليلا بِعَبْدِهِ محمّد ﷺ لَيْلًا منصوب على الظرف وفائدة ذكره مع ان الاسراء لا يكون الا بالليل الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الاسراء مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كما فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان رسول الله ﷺ قال بينا انا فى المسجد الحرام بين النائم واليقظان إذا تأنى جبرئيل بالبراق- وفى لفظ بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات الحديث- وقد ذكرناه فى تفسير سورة النجم- وقيل كان الاسراء من دار أم هانى فالمراد بالمسجد الحرام حينئذ الحرم سماه المسجد الحرام لان كله مسجد- او لانه محيط به ليطابق المبدا المنتهى- ويدل على كون النبي ﷺ فى البيت دون المسجد ما فى الصحيحين عن انس عن ابى ذر
(١) الخطبة من الناشر-
398
يحدث عن النبي ﷺ فقال ففرج عنى سقف بيتي وانا بمكة الحديث وذكرناه ايضا فى سورة النجم- وما رواه ابو يعلى فى مسنده والطبراني فى الكبير من حديث أم هانى انه كان فى بيت أم هانى فاسرى به فرجع من ليلته وقص القصة عليها- وقال مثل لى النبيون فصليت بهم- ثم خرج الى المسجد واخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة- وارتد ناس ممن أمن به- وسعى رجال الى ابى بكر فقال ان كان قال ذلك فقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك قال انى لاصدقه على ابعد من ذلك وسمى بذلك الصديق- واستنعته طائفة سافروا الى بيت المقدس فحلى له فطفق ينظر اليه وينعته لهم فقالوا اما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فاخبرهم بعدد جمالها وأموالها وقال يقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جملا أورق- فخرجوا يشتدون الى الثنية فصادفوا العير كما أخبرهم ثم لم يؤمنوا او قالوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- وقلت ويمكن الجمع بين الحديثين بتعدد المعراج مرة من الحطيم ومرة من بيت أم هانى- قال البغوي قال مقاتل كانت ليلة الاسراء قبل الهجرة بسنة يقال كان فى رجب وقيل فى شهر رمضان- إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعنى البيت المقدس سمى أقصى لبعده من المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد- وتعجب قريش لبعده واستحالوه قال البيضاوي والاستحالة مدفوعة بما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة- ثم ان طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الا على فى الأقل من ثانية- وقد برهن فى الكلام ان الأجسام متساوية فى قبول الاعراض وان الله تعالى قادر على كل شيء من الممكنات فيقدر ان يخلق مثل هذه الحركة السريعة او اسرع منها فى بدن النبي ﷺ او فيما يحمله- والتعجب من لوازم المعجزات الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ بالأنهار والأشجار والثمار وقال مجاهد سماه مباركا لانه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحى ومنه يحشر الناس يوم القيامة لِنُرِيَهُ يعنى عبده محمّدا ﷺ مِنْ آياتِنا اى بعض عجائب قدرتنا كذهابه فى برهة من الليل الى مسيرة أربعين ليلة ومن هناك الى السموات وتمثيل الأنبياء له وما راى فى تلك الليلة من آيات
399
ربه الكبرى- وصرف الكلام من الغيبة الى التكلم لتعظيم تلك الآيات إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوال النبي ﷺ والمجيب لدعائه الْبَصِيرُ (١) لافعاله وأحواله الحفيظ له فى ظلمة الليل- قال البغوي وروى عن عائشة انها كانت تقول ما فقد جسد رسول الله ﷺ ولكن الله اسرى بروحه- يعنى فى المنام ويدل عليه ما رواه البخاري من حديث انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول الله ﷺ من مسجد الكعبة انه جاء ثلاثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم فى المسجد الحرام فقال أولهم ايّهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم- فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة اخرى فيما يرى قلبه وينام عينه ولا ينام قلبه- وكذلك الأنبياء ينام أعينهم ولا ينام قلوبهم- فلم يكلموه حتّى احتملوه فوضعوه عند زمزم فشق جبرئيل ما بين نحره الى لبته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده- وساق حديث المعراج بقصته- فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات عنصرهما- ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر اخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك أذفر- قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الّذي خبأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي الى السماء السابعة وقال قال موسى رب لم أظن ان يرفع علىّ أحد- ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله- حتّى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى- حتّى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى خمسين صلوة كل يوم وليلة فلم يزل يردده موسى الى ربه حتّى صارت الى خمس صلوات- ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمّد والله لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه- وأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وابصارا واسماعا
- فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي ﷺ الى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل- فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم واستماعهم وأبدانهم فخفف عنا- فقال الجبار يا محمّد فقال لبيك وسعديك- قال انه
400
لا يبدل القول لدىّ كما فرضت عليك فى أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب وهى خمس عليك- فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول الله ﷺ والله «١» قد استحييت من ربى فيما اختلفت عليه- قال فاهبط بسم الله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام- وروى مسلم هذا الحديث مختصرا فان قوله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام يدل على كونه رؤيا فى المنام- والأكثرون على ان الله تعالى اسرى بعبده محمّد «٢» ﷺ ليلة المعراج بجسده فى اليقظة وتواترت الاخبار الصحيحة بذلك وعليه انعقد الإجماع- ولو كان المعراج فى المنام لما أنكر عليه قريش إذ لا استبعاد فى الرؤيا- قال البغوي قال شيخنا الامام رضى الله عنه قد قال بعض اهل الحديث ما وجدنا لمحمّد بن اسمعيل ولمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا الحديث المذكور الّذي يدل على كون الاسراء فى المنام بروحه وأحال الآفة فيه الى شريك بن عبد الله وأنكر ايضا على ان ذلك قبل ان يوحى اليه- وقد اتفق اهل العلم على ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة- ثم قال البغوي قال شيخنا الامام هذا الاعتراض عندى لا يصح لان هذا كان رؤيا فى المنام أراه الله تعالى قبل الوحى- ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل- كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقّقه سنة ثمان والله اعلم- قال البغوي روى انه لما رجع رسول الله ﷺ ليلة اسرى به فكان بذي طوى قال يا جبرئيل ان قومى لا يصدقونى قال يصدقك ابو بكر وهو الصديق- قال البغوي قال ابن عباس وعائشة عن رسول الله ﷺ لما كان ليلة اسرى بي فاصبحت بمكة قطعت بامرى وعرفت ان الناس مكذبى- فروى انه ﷺ قعد معتزلا محزونا- فمر به ابو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ هل استفدت من شيء- قال نعم قال انى اسرى بي الليلة قال الى اين قال الى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين ظهر أنينا قال نعم- فلم ير ابو جهل ان ينكر ذلك مخافة ان يجحده الحديث ثم قال أتحدث قومك بما حدثتنى قال نعم- فقال ابو جهل يا معشر بنى كعب بن لوى هلم- قال فانتقضت المجالس
(١) وفى الأصل قد والله استحييت
(٢) وفى الأصل محمّدا
401
فجاءوا حتّى جلسوا إليهما- قال فحدث قومك ما حدثتنى قال نعم انى اسرى بي الليلة قالوا الى اين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم- قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا- وارتد ناس ممن كان أمن به وصدقه- وسعى رجل من المشركين الى ابى بكر فقال هل لك فى صاحبك يزعم انه اسرى به الليلة الى بيت المقدس- قال أوقد قال ذلك قالوا نعم قال ان كان قال ذلك لصدق- قالوا وتصدقه انه ذهب الى بيت المقدس فى ليلة وجاء قبل ان يصبح قال نعم انى لاصدقه بما هو ابعد من ذلك أصدقه بخبر السماء فى غدرة وروحة- فلذلك سمى ابو بكر الصديق قال وفى القوم من قد اتى المسجد الأقصى فقالوا هل تستطيع ان تنعت لنا المسجد قال نعم- قال فذهبت انعت وانعت فما زلت انعت حتّى التبس علىّ بعض النعت- قال فجيء بالمسجد وانا انظر اليه حتّى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وانا انظر اليه- فقالوا اما النعت فو الله لقد أصاب ثم قالوا يا محمّد أخبرنا عن عيرنا فهى أهم إلينا فهل لقيت منها شيئا- قال نعم مررت على عير بنى فلان وهى بالروحاء قد أضلوا بعيرا لهم وهم فى طلبه- وفى رحالهم قدح من ماء فعطشت فاخذته فشربته ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا اليه قالوا هذه اية- قال ومررت بعير بنى فلان وفلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي مر فنفر بعيرهما منى «١» فاسئلوهما عن ذلك قالوا وهذه اية- قالوا وأخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها واحمالها وهيئتها قال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثلت له مكانه بالحرورة بعدتها وهيئتها ومن فيها- قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان يطلع عليكم عند طلوع الشمس- قالوا وهذه اية فخرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون والله لقد قص محمّد شيئا وبيّنه حتّى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذّبونه إذ قال قائل منهم والله هذه الشمس قد طلعت وقال الاخر والله وهذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم فلم يؤمنوا وقالوا ان هذا السحر مبين- وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لقد رايتنى فى الحجر وقريش تسئلنى عن مسراى- فسالنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها
(١) فرمى لفلان فانكسرت يده- كذا فى البغوي عبد الرّحمن غفر له مدرس ومفتى مدرسه امينيه دهلى
402
فكربت كربا ما كربت مثله قط- فرفعه الله لى انظر اليه ما يسئلونى عن شيء الا انبأتهم به- وقد رايتنى فى جماعة من الأنبياء وإذا موسى قائم يصلى فاذا رجل ضرب جعد كانّه من رجال شنوة أشبه الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي- وإذا ابراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم (يعنى نفسه) فحانت الصلاة فاممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لى قائل يا محمّد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت اليه فبدانى بالسلام- وروى البخاري فى الصحيح قال قال رسول الله ﷺ ليلة اسرى به لقيت موسى (قال فنعته) فاذا هو رجل (حسبته قال) مضطرب رجل الرأس كانه من رجال شنؤة قال ولقيت عيسى (فنعته النبي ﷺ فقال) ربعة احمر كانّما خرج من ديماس يعنى الحمام ورايت ابراهيم وانا أشبه ولده به قال وأوتيت بانائين أحدهما فيه لبن والاخر فيه خمر فقيل لى خذ أيهما شئت فاخذت اللبن فشربته فقال لى هديت الفطرة او أصبت الفطرة اما لو أخذت الخمر غوت أمتك- وفى الصحيحين عن جابر انه سمع رسول الله ﷺ يقول لمّا كذّبنى قريش فى الحجر فجلى الله بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وانا انظر اليه وقد ذكرنا أحاديث اخر فيها قصة المعراج الى السموات السبع وسدرة المنتهى فى سورة النجم.
قوله تعالى وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية وَجَعَلْناهُ اى موسى او الكتاب هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا ان مفسرة لفعل دل عليه الكتاب يعنى كتبنا وفيه معنى القول تقديره كتبنا إليهم أَلَّا تَتَّخِذُوا او مقدر بحرف الجر يعنى لان لا تتّخذوا وقيل ان زائدة والقول مضمر- قرا ابو عمرو لا يتّخذوا بالياء التحتانية على الغيبة والباقون بالتاء الفوقانية على الخطاب مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢) ربّا تتوكلون عليه وتكلون اليه أموركم غيرى يا.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ فى السفينة فانجيناهم- فيه تذكير لانعام الله عليهم فى إنجاء ابائهم من الغرق بحملهم مع نوح فى السفينة ذرية منصوب على الاختصاص او النداءان قرئ لا تتخذوا بالتاء الفوقانية للخطاب او على انه أحد مفعولى لا تتخذوا ومن دونى حال من وكيلا فيكون
كقوله تعالى وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً... إِنَّهُ يعنى نوحا عليه السلام كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) اى كثير الشكر اخرج ابن مردوية عن ابى فاطمة ان النبي ﷺ قال كان نوح لا يعمل شيئا صغيرا ولا كبيرا الا قال بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدا شكورا واخرج ابن جرير والطبراني عن سعد بن مسعود الثقفي الصحابي رضى الله عنه قال انما سمى نوح عبدا شكورا لانه كان إذا أكل او شرب او لبس ثوبا حمد الله وفيه حث على الشكر يعنى أنتم ذرية من أمن به وحمل معه فكونوا مثله-.
قوله تعالى وَقَضَيْنا اى أوحينا وحيا مقضيّا مبتوتا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ التورية بانكم لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ارض الشام وقال ابن عباس وقتادة كلمة الى بمعنى على ومعنى الاية وقضينا على بنى إسرائيل فى الكتاب اى اللوح المحفوظ لتفسدن جواب قسم محذوف او جواب لقضينا اجراء للقضاء المبتوت مجرى القسم مَرَّتَيْنِ إفسادتين اولا هما ان خالفوا احكام التورية وركبوا المحارم وقتلوا شعيا بن امضيا عليه السلام- وثانيتهما ان قتلوا زكريا ويحيى وقصدوا قتل عيسى عليهم السلام- وقيل اولاهما قتل زكريا وثانيتهما قتل يحيى وقصد قتل عيسى عليهم السلام وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) يعنى لتستكبرون عن طاعة الله وتظلمون الناس.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما اى وعد عقاب اولاهما بَعَثْنا اى سلطنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا يعنى سخاريب من اهل نينوى كذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة يعنى جالوت وجنوده الّذي قتله داؤد عليه السلام وقال ابن إسحاق بخت نصر البابلي قال البغوي وهو الأظهر أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ اى ذوى قوة وبطش فى الحرب فَجاسُوا اى تردّدوا خِلالَ الدِّيارِ اى وسط دياركم يطلبونكم ويقتلونكم قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء وقال الفراء جاسوا اى قتلوكم بين بيوتكم وَكانَ وعد عقابكم وَعْداً مَفْعُولًا (٥) اى لا بد ان يفعل.
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ اى الدولة والغلبة عَلَيْهِمْ اى على الذين بعثوا قال البيضاوي وذلك بان الله القى فى قلب بهمن بن إسفنديار لما ورث الملك من جده كستاسف بن لهراسف شفقة عليهم- فرد اسراهم الى الشام وملّك
منصوب على العلية وجاز ان يكون بالآيات فى موضع الحال ويكون المفعول محذوفا- اى ما نرسل الرسل متلبسين بالآيات الا لاجل التخويف من عذاب الاخرة.
وَإِذْ قُلْنا لَكَ اى اذكر إذا وحينا إليك إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ذاتا وعلما وقدرة فلا تبال أحدا منهم وبلّغ ما أرسلت به- او المعنى أحاط بقريش بمعنى اهلكهم من أحاط بهم العدو- فهو بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه والله اعلم- اخرج ابو يعلى عن أم هانى وابن المنذر عن الحسن نحوه انه ﷺ لما اسرى به يعنى ليلة المعراج أصبح يحدث نفرا من قريش وهم يستهزءون به- فطلبوا منه اية فوصف لهم بيت المقدس وذكر لهم قصة العير- فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر- فانزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج من الآيات إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ حيث أنكرها كفار مكة وارتد ناس ممن أمن به- ومن هذه الاية قال من قال ان المعراج كان بالمنام اسرى بروحه دون بدنه كما ذكرنا قول عائشة ويدل عليه حديث رواه البخاري وقال ابن عباس المراد بالرؤيا هاهنا رؤيا عين وهو قول سعيد ابن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريح والأكثرين «١» - والعرب يقول رايت بعيني رؤية ورؤيا- وقال بعضهم كان له ﷺ معراجان معراج رؤية بالعين ومعراج رؤية بالقلب- واخرج ابن مردوية عن الحسين بن على عليهما السلام ان رسول الله ﷺ أصبح يوما مهموما فقيل مالك يا رسول الله قال انى رايت فى المنام كانّ بنى امية يتعاورون منبرى هذا- فقيل يا رسول الله لا تهتم فانها دنيا تنالهم فانزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ والمراد بالفتنة على هذا ما حدث فى ايامهم من البدعة والفسوق- وأخرجه ابن جرير من حديث سهل بن سعد بلفظ راى رسول الله ﷺ بنى فلان ينزون على منبره نزوة القردة فساءه ذلك فانزل الله ذلك وأخرجه ابن ابى حاتم من حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن سعيد بن المسيب مرسلا قال راى رسول الله ﷺ بنى امية على المنابر فساءه»
(١) فى الأصل والأكثرون-
(٢) عن ابن عمرو ان النبي ﷺ قال رايت ولد الحكم بن ابى العاص على المنابر كانهم القردة وانزل الله فى ذلك وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ يعنى الحكم وولده وروى تريب من ذلك عن سهل بن سعد ومعلى بن مرة والحسين بن على وسعيد بن المسيب وعائشة- منه رحمه الله
452
ذلك فاوحى الله اليه انما أعطوها فقرت عينه- وأسانيد هذه الأحاديث ضعيفة- وقال قوم أراد بهذا الرؤيا ما راى النبي ﷺ عام الحديبية انه دخل مكة هو وأصحابه فعجّل السير الى مكة قبل للاجل فصده المشركون فرجع فكان رجوعه فى ذلك العام بعد ما اخبر انه يدخلها فتنة وموجبا للشك لبعض الناس حتّى دخلها فى العام المقبل فانزل الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ- قال البيضاوي وفيه نظر إذ الاية مكية الا ان يقال راها بمكة وحكاها حينئذ قلت وهو ايضا غير سديد وقال لعله رؤيا راها ما كان فى وقعة بدر كقوله إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا فقد روى انه لما ورد ماءه قال لكانّى انظر الى مصارع القوم هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت به قريش واستسحروا منه- وَالشَّجَرَةَ يعنى شجرة الزقوم عطف على الرؤيا يعنى وما جعلنا الشجرة الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الا فتنة للناس قال البغوي وذلك الفتنة من وجهين أحدهما ان أبا جهل قال ان ابن كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم انها تنبت فيها شجرة وتعلمون ان النار تحرق الشجرة- ولم يشعر السفيه ان من قدر على ان يحفظ دبر السمندل من ان يحرقه النار وأحشاء النعامة من أذى الحمر وقطع الحديد المحماة الّتي تبلعها قادر على ان يخلق فى النار شجرة لا يحرقها- قال فى المدارك السمندل دويبة ببلاد الترك يتخذ منها مناديل إذا توسخت طرحت فى النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا يعمل فيه النار- وفى القاموس هو طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار- ثانيهما ان ابن الزبعرى قال ان محمّدا يخوّفنا بالزقوم؟؟؟
عرف الزقوم الا الزبد والتمر- فقال ابو جهل يا جارية تعالى زقّمينا فاتت بالزبد والتمر فقال يا قوم تزقموا فان هذا ما يخوّفكم به محمّد فوصفه الله فى الصافات- واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى البعث عن ابن عباس قال لما ذكر الله الزقوم وخوّف به هذا الحي من قريش قال ابو جهل هل تدرون ما هذا الزقوم الّذي يخوّفكم به محمّد قالوا لا قال عجوة يثرب بالزبد اما لان أمكننا منها لنتزقّمنّها تزقما فانزل الله تعالى وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الاية وانزل إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ- ولعنها فى القران بمعنى لعن طاعمها وصفه به على المجاز للمبالغة او وصّفها به لانها فى اصل الجحيم وهو ابعد مكان من الرحمة- او لانها مكروهة
453
دانيال عليهم واستولوا على من كان فيها من اتباع بخت نصر او بان سلط داؤد على جالوت فقتله وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) ممّا كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه- وقيل هو جمع نفر على وزن عبيد والنفر قوم مجتمعون للذهاب الى العدو- فلما رد الله لهم الكرة عاد البلد احسن مما كان- قال الله تعالى.
إِنْ أَحْسَنْتُمْ بالطاعة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لان ثوابه لها والله تعالى غنى عن طاعتكم وَإِنْ أَسَأْتُمْ بالفساد فَلَها ذكر اللام موضع عليها ازدواجا يعنى وبالها عليها فَإِذا جاءَ وَعْدُ اى وقت وعد عقوبة المرة الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ اى بعثناهم ليسوءوا وجوهكم اى يجعلوها بادية اثار المساءة فيها- حذف بعثنا هاهنا لدلالة ذكره اولا عليه- قرا الكسائي ويعقوب «١» لنسوءا بالنون وفتح الهمزة على التكلم والتعظيم على وفق قضينا وبعثنا وقرا ابن عامر وحمزة وابو بكر بالياء التحتانية وفتح الهمزة على صيغة الغائب الواحد اى ليسوءا الله وجوهكم او ليسوءا الوعد او البعث والباقون بالياء التحتانية وضم الهمزة على صيغة الجمع المذكر للغائب اى ليسوءوا العباد أولوا البأس الشديد وجوهكم- قال البغوي سلط الله عليهم الفرس والروم وخردوش وططيوس حتّى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى بيت المقدس ونواحيه كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا اى ليهلكوا ما عَلَوْا اى ما غلبوا واستولوا عليه او مدة علوهم تَتْبِيراً (٧) قال البغوي قال محمّد بن إسحاق كانت بنوا إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله فى ذلك متجاوزا عنهم محسنا إليهم وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما اخبر الله على لسان موسى عليه السلام ان ملكا منهم كان يدعى صديقه وكان الله تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبيّا يسدّده ويرشده لا ينزل عليهم الكتب انما يؤمرون باتباع التورية والاحكام الّتي فيها فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعيا بن امضيا وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام- وشعيا
(١) ويعقوب مع ابى عمرو- ابو محمّد
405
هو الّذي بشر بعيسى ومحمّد عليهما الصلاة والسلام فقال أبشري أورشليم الان يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير- فملك ذلك الملك بنى إسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعيا معه بعث الله سخاريب ملك بابل معه ستمائة الف رأية فاقبل سائرا حتّى نزل حول بيت المقدس- والملك مريض فى ساقه قرحة- فجاء النبي شعيا فقال له يا ملك بنى إسرائيل ان سخاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده بستمائة الف رأية وقدها بهم الناس وفرقوا- فكبر ذلك على الملك فقال يا نبى الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسخاريب وجنوده- فقال لم يأتينى وحي فبينماهم على ذلك اوحى الله الى شعيا النبي عليه السلام ان ايت ملك بنى إسرائيل فمره ان يوصى وصية ويستخلف على ملكه من يشاء من اهل بيته- فاتى شعيا ملك بنى إسرائيل صديقة فقال ان ربك قد اوحى الىّ ان أمرك ان توصى وصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من اهل بيتك فانك ميّت- فلما قال ذلك شعيا لصديقة اقبل على قبلته فصلّى ودعا وبكى فقال وهو يتضرع ويبكى ويتضرع الى الله بقلب مخلص- اللهم رب الأرباب واله الالهة يا قدوس المتقدس يا رحمان يا رءوف الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلى وحسن قضائى على بنى إسرائيل وذلك كله منك وأنت اعلم به منى سرى وعلانيتى لك- وان الرحمان استجاب دعاءه وكان عبدا صالحا- فاوحى الله الى شعيا ان تخبر صديقة ان ربه قد استجاب له ورحمه واخّر اجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوه سخاريب- فاتاه شعيا فاخبره بذلك- فلما قال له ذلك ذهب عنه الروع وانقطع عنه الحزن وخرّ ساجدا وقال يا الهى واله ابائى لك سجدت وسبحت وكرّمت وعظّمت أنت الّذي تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة أنت الاول والاخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين أنت الّذي أجبت دعوتى ورحمت تضرعى فلما رفع رأسه اوحى الله الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برئ ففعل فشفى-
406
وقال الملك لشعيا سل ربك ان يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل انى قد كفيتك عدوك وانجيتك منهم وانهم سيصبحون كلهم موتى الا سخاريب وخمسة نفر من كتّابه- فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بنى إسرائيل ان الله قد كفاك عدوك- فاخرج فان سخاريب ومن معه قد هلكوا- فلمّا خرج الملك التمس سخاريب فلم يوجد فى الموتى فارسل الملك فى طلبه فادركه الطلب فى مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر- فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم ملك بنى إسرائيل فلما راهم خرّ ساجدا من حين طلعت الشمس الى العصر- ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم الم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون- فقال سخاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته الّتي يرحمكم بها قبل ان اخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقنى فى الشقوة إلا قلة عقلى ولو سمعت او عقلت ما غزوتكم- فقال صديقة الحمد لله رب العزة الّذي كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه انما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة فى الدنيا وعذابا فى الاخرة- ولتخبروا من ورائكم بما رايتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم- ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم ان ملك بنى إسرائيل امر امير حرسه فقذف فى رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وايليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم- فقال سخاريب لملك بنى إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فامر بهم الملك الى سجن القتل- فاوحى الى شعيا النبي عليه السلام ان قل لملك بنى إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتّى يبلغوا بلادهم فبلّغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما امر به- فخرج سخاريب
ومن معه حتّى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فاخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله الى نبيهم فلم تطعنا وهى امة لا يستطيعها أحد مع ربهم- وكان امر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان
407
عليه جده يعمل عمله فلبث سبع عشرة سنة- ثم قبض الله ملك بنى إسرائيل صديقة فمرج امر بنى إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتّى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا تم فى قومك فاوحى على لسانك فلما قام النبي انطق الله على لسانه بالوحى فقال يا سماء اسمعي ويا ارض انصتى فان الله يريد ان يقص شأن بنى إسرائيل الذين رباهم بنعمته واصطنعهم لنفسه وخصّهم بكرامته وفضلهم على عباده- وهم كالغنم الضائعة الّتي لا راعى لها فاوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها واسمن مهزولها وحفظ سمينها- فلمّا فعل ذلك بطرت فتنا طحت فقتل بعضها بعضا حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر اليه اخر كسير- فويل لهذه الامة الخاطئة الذين لا يدرون انّى جاءهم الحين- ان البعير مما يذكر وطنه فيستابه وان الحمار مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه وان الثور مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه وان الثور مما يذكر المرح الّذي سمن منه فينتابه- وان هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولوا الألباب والعقول ليسوا ببقر ولاحمز انى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون فى ارض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمران فيها- وكان لها ربّ حكيم قوى فاقبل عليها بالعمارة وكره ان يخرب ارضه وهو قوى او ان يقال ضيع وهو حكيم فاحاط عليها جدارا وشيّد فيها قصرا وانط نهرا وصفّ فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها- وولّى ذلك واستحفظه ذا رأى وهمة حفيظا قويا أمينا فلمّا اطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض هذه- نرى ان يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها- قال الله قل لهم فان الجدار دينى وان القصر شريعتى وان النهر كتابى وان القيم نبيى وان الغراس هم- وان الخروب الّذي اطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وانى قد قضيت عليهم قضاء هم على أنفسهم وانه مثل ضربته لهم- يتقرّبون الىّ بذبح البقر والغنم وليس ينالنى اللحم
408
ولا أكله- ويدعون ان يتقرّبوا الىّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس الّتي حرمتها فايديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها- ويشيدون لى البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها- ويروقون لى المساجد ويزيّنونها ويخربون عقولهم واخلاقهم ويفسدونها- فاىّ حاجة لى الى تشييد البيوت ولست أسكنها واىّ حاجة لى الى ترويق المساجد ولست أدخلها انما أمرت برفعها لا ذكر واسبح فيها- يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب فى كل ذلك لا يستجاب لنا- قال الله فاسألهم ما الّذي يمنعنى ان استجيب لهم الست اسمع السامعين وابصر الباصرين واقرب المجيبين وارحم الراحمين- فكيف ارفع صيامهم وهم يلبّسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام- وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية الى من يحاربنى ويحادّنى وينتهك محارمى- أم كيف يزكوا عندى صدقاتهم وهم يتصدقون باموال غيرهم انما اجر عليها أهلها المعصومين- أم كيف استجيب دعاءهم وانما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد انما استجيب للوادع اللين وانما اسمع قول المستعف المسكين- وان من علامة رضائى رضاء المساكين- يقولون لما سمعوا كلامى وبلّغتهم رسالتى انها أقاويل متقوّلة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة- وزعموا انهم لو شاءوا ان يأتوا بحديث مثله فعلوا- ولو شاءوا ان يطلعوا على علم الغيب بما يوحى إليهم الشياطين اطلعوا- وانى قد قضيت يوم خلقت السماء
والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسى وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد انه واقع فان صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى انفذه او فى اىّ زمان يكون- وان كانوا ان يقدرون على ان يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة الّتي بها أمضيه فانى مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وان كانوا يقدرون على ان يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة الّتي بها ادبّر امر ذلك القضاء ان كانوا صادقين- وانى قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض ان اجعل النبوة فى الاجراء وان اجعل
409
الملك فى الرعاء والعز فى الأذلاء والقوة فى الضعفاء والغنى فى الفقراء والعلم فى الجهلة والحكم فى الأميين- فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره ان كانوا يعلمون- فانى باعث لذلك نبيّا اميّا ليس بفظّ ولا غليظ ولاصحاب فى الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء- اسدده لكل خميل واهب له كل خلق كريم ثم اجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى امامه والإسلام ملته واحمد اسمه- اهدى به بعد الضلالة واعلم به من الجهالة وارفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة واكثر به بعد القلة واغنى به بعد العيلة واجمع به بعد الفرقة واؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتة وامم متفرقة- واجعل أمته خير امة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا لى وايمانا بي وإخلاصا لى- يصلّون لى قياما وقعودا وركعا وسجودا- ويقاتلون فى سبيلى صفوفا وزحوفا- ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضوانى- الهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لى فى مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم- يكبرون ويهللون ويقدسون على رءوس الاشراف ويطهرون لى الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الانصاف- قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار- وذلك فضلى أوتيه من أشاء وانا ذو الفضل العظيم- فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فادركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فاراهم إياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتّى قطعوها وقطعوه فى وسطها- واستخلف الله على بنى إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشية بن اموص وبعث لهم ارميا بن حلقيا نبيّا من سبط هارون بن عمران- وذكر ابن إسحاق انه الخضر عليه السلام واسمه ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة «١» بيضاء فقام عنها
(١) الفروة الأرض اليابسة وقيل الهشيم اليابس من النيان ١٢ نهايه منه رحمه الله [.....]
410
وهى تهتز خضراء فبعث الله ارميا الى ذلك الملك يسدده ويرشده ثم عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم فاوحى الله الى ارميا ان ايت قومك من بنى إسرائيل فاقصص عليهم ما أمرك به وذكّرهم نعمى وعرفهم باحداثهم- فقال ارميا يا رب انى ضعيف ان لم تقولى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى- قال الله تعالى الم تعلم ان الأمور كلها تصدر عن مشيّتى وان القلوب والالسنة بيدي أقلبها كيف شئت انى معك ولم يصل إليك شيء معى- فقام ارميا فيهم ولم يدر ما يقول فالهمه الله فى الوقت خطبة بليغة بيّن لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال فى آخرها عن الله عز وجل وانى حلفت بعزتي لأقيّضنّ لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا البسه الهيبة وانزع من صدره الرحمة يتبعه عسكر مثل سواد الليل المظلم- ثم اوحى الله الى ارميا انى مهلك بنى إسرائيل بيافث ويافث اهل بابل فسلط الله عليهم بخت نصر فخرج عليهم فى ستمائة الف رأية ودخل بيت المقدس بجنوده ووطى الشام وقتل بنى إسرائيل حتّى أفناهم وخرّب بيت المقدس وامر جنوده ان يملا كل واحد منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا ذلك حتّى ملاوه ثم أمرهم ان يجمعوا من فى بلاد بيت المقدس كلهم فاجتمع عندهم كل صغير وكبير من بنى إسرائيل فاختار منهم سبعين الف صبى- فلمّا خرجت غنائم جنده وأراد ان يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه ايها الملك لك الغنائم كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بنى إسرائيل- فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل رجل منهم اربعة غلمة- وفرق من بقي من بنى إسرائيل ثلاث فرق فثلثا أقرّ بالشام وثلثا سبى وثلثا قتل- وذهب بناشية بيت المقدس وبالصبيان السبعين الالف حتّى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الاولى الّتي انزل ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعنى بخت نصر وأصحابه- ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء الله- ثم راى رؤيا أعجبته إذ راى
411
شيئا أصابه فانساه الّذي راى- فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل وكانوا من ذرارى الأنبياء وسالهم عنها قالوا أخبرنا عنها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها ولان لم تخبرونى بها وبتأويلها لا نزعن أكتافكم- فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا اليه فاعلمهم الّذي سالهم عنه فجاءوه فقالوا رايت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد (قال صدقتم) فبينا أنت تنظر اليه قد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقّته فهى الّتي أنسيتها- قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك اريت ملك الملوك بعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان احسن ملكا وبعضهم كان أشد ملكا- الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة احسن من ذلك وأفضل والذهب أفضل واحسن من الفضة ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله والصخرة الّتي رايت أرسل الله من السماء فدقّته هى يبعثه الله من السماء فيدق ذلك اجمع ويصير الأمر اليه- ثم ان اهل بابل قالوا لبخت نصر ارايت هؤلاء الغلمان الّذي كنا سالناك ان تعطينا ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد راينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فاخرجهم من بين أظهرنا او اقتلهم قال شأنكم بهم فمن أحب منكم ان يقتل من كان فى يده فليفعل- فلما قربوهم الى القتل بكوا الى الله وقالوا يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم الله ان يحييهم فقتلوا الا من استبقى بخت نصر منهم دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل- ثم لما أراد الله هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يده من بنى إسرائيل ارايتم هذا البيت الّذي أخربت والناس الذين قتلت منهم فما هذا البيت- قالوا هذا بيت الله وهؤلاء اهله كانوا من ذرارى الأنبياء فظلموا وتعدّوا فسلطتّ عليهم بذنوبهم- وكان ربهم رب السموات والأرض ورب الخلق كلهم يكرّمهم ويعزّهم فلمّا فعلوا ما فعلوا اهلكهم وسلط عليهم غيرهم- فاستكبر وظن انه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل قال فاخبرونى كيف لى ان اطلع الى السماء العليا فاقتل من فيها
واتخذها ملكا فانى قد فرغت من ملك الأرض- قالوا ما يقدر عليها أحد من
412
الخلائق قال لتفعلن اولا قتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرعوا الى الله فبعث الله عليه بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتّى عضت بام دماغه فما كان يقر ولا يسكن حتّى يؤجاله رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليرى الله العباد قدرته- ونجّى الله من بقي من بنى إسرائيل فى يده فردّهم الى الشام فبنوا فيه وكثروا حتّى كانوا على احسن ما كانوا عليه ويزعمون ان الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم- ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله عز وجل وكانت التورية قد أحرقت- وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع الى الشام يبكى عليها ليله ونهاره وقد خرج من الناس وهو كذلك- إذ اقبل اليه رجل وقال يا عزير ما يبكيك قال ابكى على كتاب الله وعهده الّذي كان بين أظهرنا لا يصلح دنيانا وآخرتنا غيره قال أفتحبّ ان ترد إليك ارجع فصم وتطهّر وطهّر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا- فرجع عزير فصام وتطهّر وطهّر ثيابه ثم عهد الى المكان الّذي وعده فجلس فيه فاتاه ذلك الرجل باناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله اليه فسقاه من ذلك الإناء فتمثلت التورية فى صدره- فرجع الى بنى إسرائيل فوضع لهم التورية فاحبوه حبّا لم يحبوا حبه شيئا قط ثم قبضه الله- وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذّبون وفريقا يقتلون حتّى كان اخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من بيت ال داود فمات زكريا وقيل قتل زكريا- فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم باهل بابل حتّى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم امر رأسا من رءوس جنوده يدعى يبورز أذان صاحب الفيل فقال انى قد كنت حلفت بإلهي لان اظفرت على اهل بيت المقدس لاقتلنهم حتّى تسيل دماؤهم فى وسط عسكرى الا ان لا أجد أحدا اقتله- فامره ان يقتلهم حتّى يبلغ ذلك منهم وان يبورز أذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة الّتي كانوا يقربون فيها قربانهم- فوجد فيها دما يغلى
413
فسالهم فقال يا بنى إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى أخبروني خبره- قالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فكذلك يغلى ولقد قرّبنا منذ ثمان مائة سنة القربان فيقبل منا الا هذا- فقال ما صدقتمونى قالوا لو كان كاول زماننا ليقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحى فلذلك لم يقبل منا- فذبح منهم يبورز أذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين زوجا من رءوسهم فلم يهدأ- فأمر فاتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يبرد- فلما راى يبورز أذان ان الدم لا يهدا قال لهم يا بنى إسرائيل ويلكم اصدقونى (واصبروا على امر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الأرض تفعلون فيها ما شئتم) قبل ان لا اترك منكم نافخ نار ذكر ولا أنثى الا قتلته- فلمّا راوا الجهد وشدة القتل صدقوا الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط الله فلو اطعناه فيها لكان ارشد لنا وكان يخبرنا يأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه- قال يبورز أذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الان صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم- فلما راى يبورز أذان انهم صدقوه خر ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة واخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش وخلافى بنى إسرائيل- وقال يا يحيى بن زكريا قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدا بإذن ربك قبل ان لا أبقى من قومك أحدا فهدا الدم بإذن الله- ورفع يبورز أذان عنهم القتل وقال امنت بما امنت به بنو إسرائيل وأيقنت انه لا رب غيره- وقال لبنى إسرائيل ان خردوش أمرني ان اقتل منكم حتّى تسيل دماؤكم وسط عسكره وانى لست أستطيع ان أعصيه- قالوا له افعل ما أمرت به فامرهم فحفروا خندقا وامر باموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتّى سال الدم فى العسكر وامر بالقتلى الذين قتلوا
قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم- فلم يظن خردوش الا ان ما فى الخندق من بنى إسرائيل فلمّا بلغ الدم عسكره أرسل الى يبورز أذان ان ارفع عنهم القتل ثم انصرف الى بابل وقد أفنى بنى إسرائيل او كاد يفنيهم وهى الوقعة الاخيرة الّتي انزل الله لبنى إسرائيل فقوله تعالى لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فكانت الوقعة الاولى بخت نصر وجنوده والاخرى خردوش وجنوده
414
وكانت أعظم الوقعتين- فلم تقم بعد ذلك لهم رأية وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونانية- الا ان بقايا بنى إسرائيل كثروا وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك- وكانوا فى نعمة الى ان بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم ططيوس بن اسيانوس الرومي فاخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلة فليسوا فى امة الا وعليهم الصغار والجزية وبقي بيت المقدس خرابا الى ايام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فعمّره المسلمون بامره- وقال قتادة بعث الله عليهم فى الاولى جالوت فسبّى وخرّب ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم فى زمان داؤد- فاذا جاء وعد الاخرة بعث الله عليهم بخت نصر فسبّى وخرّب ثم قال.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشر ما بحضرتهم فبعث الله عليهم ما شاء نقمته وعقوبته- ثم بعث عليهم العرب كما قال وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ- فهم منهم فى عذاب الى يوم القيامة وذكر السدىّ بإسناده ان رجلا من بنى إسرائيل راى فى النوم ان خراب بيت المقدس على يدى غلام يتيم ابن ارملة بابل يدعى بخت نصر وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم- فاقبل يسئل عنه حتّى نزل على امه وهو يحتطب فجاء وعلى رأسه حزمة حطب فالقاها ثم قعدو كلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم فقال اشتر بهذا طعاما وشرابا فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا فاكلوا وشربوا- وفعل فى اليوم الثاني كذلك وفى الثالث كذلك- ثم قال انى أحب ان تكتب لى أمانا ان أنت ملكت يوما من الدهر قال أتستخر منى- فقال انى لا أسخر منك ولكن ما عليك ان تتخذ بها عندى يدا- فكتب له أمانا فقال ان جئت والناس حولك قد حالوا بينى وبينك- قال ترفع صحيفتك على قصبة فاعرفك فكتب له وأعطاه- ثم ان ملك بنى إسرائيل كان يكرّم يحيى بن زكريا عليه السلام ويدنى مجلسه وانه هوى بنت امرأته وقال ابن عباس ابنة أخته فسال يحيى فنهاه عن نكاحها- فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى وعمدت حين جلس الملك على شرابه فالبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلي وأرسلتها الى الملك وأمرتها ان تسقيه- فان راودها على نفسه أبت عليه
415
حتّى يعطيها ما سالته- فاذا أعطاها سالته رأس يحيى بن زكريا ان يؤتى به فى طست- ففعلت فلما أرادها فقالت لا افعل حتّى تعطينى ما أسئلك قال ما تسئلنى قالت رأس يحيى بن زكريا فى هذا الطست فقال ويحك سلينى غير هذا- فقالت ما أريد الا هذا فلما أبت عليه بعث فاتى برأسه فوضع بين يديه والرأس يتكلم يقول لا تحل لك- فلمّا أصبح إذا دمه يغلى فامر بتراب فالقى عليه فاذا الدم يغلى والقى عليه من التراب حتّى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى- فبعث صخابين ملك بابل جيشا إليهم وامّر عليهم بخت نصر فسار بخت نصر حتّى إذا بلغوا ذلك المكان تحصنوا منه فى مداينهم فلما اشتد عليه المقام أراد الرجوع- فخرجت اليه عجوز من عجائز بنى إسرائيل فقالت تريد ان ترجع قبل فتح المدينة قال نعم قد طال مقامى وجاع أصحابي- قالت ارايت ان فتحت لك المدينة تعطينى ما أسئلك فتقتل من أمرك بقتله وتكف إذا امرتك ان تكف قال نعم- قالت إذا أصبحت فاقسم جندك اربعة أرباع ثم أقم على كل زاوية ربعا ثم ارفعوا ايديكم الى السماء فنادوا انّا نستفتحك بالله بدم يحيى بن زكريا فانها سوف تساقط- ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت كف يدك وانطلقت به الى دم يحيى بن زكريا عليهما السلام- وقالت اقتل على هذا الدم حتّى تسكن فقتل عليه سبعين الفا حتّى سكن- فلما سكن قالت كف يدك فان الله لم يرض إذا قتل نبى حتّى يقتل من قتله ومن رضى بقتله- وأتاه صاحب الصحيفة بصحيفته فكف عنه وعن اهل بيته فخرب بيت المقدس وطرح فيه الجيف وأعانه على خرابه الروم من أجل ان بنى إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا عليهما السلام وذهب معه وجوه بنى إسرائيل وذهب بدانيال وقوم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت- فلما قدم بابل وجد صخابين قد مات فملك مكانه- وكان أكرم الناس عنده دانيال وأصحابه فحسدهم المجوس ووشوا بهم اليه وقالوا ان دانيال وأصحابه يكذّبون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك فسالهم- فقالوا أجل ان لنا ربّا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم فامر بخدّ فخدّ لهم والقوا فيه وهم ستة والقى معهم سبع صار ليأكلهم فذهبوا ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه معهم لم يخدش
416
منهم أحدا- ووجدوا معهم رجلا سابعا فقال ما هذا السابع انما كانوا ستة فخرج السابع وكان ملكا فلطمه لطمة فصار فى الوحش ومسخه الله سبع سنين- وذكر وهب ان الله تعالى مسخ بخت نصر نسرا فى الطير ثم مسخه ثورا فى الدواب ثم مسخه أسدا فى الوحش فكان مسخه سبع سنين وقلبه فى ذلك قلب انسان ثم رد الله اليه ملكه فامن- فسئل وهب أكان مؤمنا فقال وجدت
اهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مات مؤمنا ومنهم من قال احرق بيت الله وكتبه وقتل الأنبياء فغضب الله عليه فلم يقبل توبته- قال السدىّ ثم ان بخت نصر لما رجع الى صورته بعد المسخ ورد الله اليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه فحسدهم المجوس وقالوا لبخت نصر ان دانيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه ان يبول وكان ذلك فيهم عارّا فحمل لهم طعاما وشرابا فاكلوا وشربوا وقال للبواب انظروا أول من يخرج ليبول فاضربه بالطبرزين وان قال انا بخت نصر فقل كذبت بخت نصر أمرني- فكان أول من قام ليبول بخت نصر فلما راه شدّ عليه فقال ويحك انا بخت نصر فقال كذبت بخت نصر أمرني فضربه فقتل- قال البغوي هذا ما ذكره فى المبتدأ الا ان رواية من روى ان بخت نصر غزا بنى إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام غلط عند اهل السير- بل هم مجمعون على ان بخت نصر انما غزا بنى إسرائيل عند قتلهم شعيا فى عهد ارميا ومن وقت ارميا وتخريب بيت المقدس الى مولد يحيى بن زكريا عليهما السلام اربعمائة واحدى وستون سنة وذلك انهم يعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس الى حين عمرانه فى عهد كيرش بن اخشورش ابن اصبهبد بابل من قبل بهمن بن إسفنديار سبعين سنة ومن بعد عمرانه الى ظهور الإسكندر على بيت المقدس ثمانية وثمانين سنة ثم من بعد مملكته الى مولد يحيى بن زكريا ثلاثمائة وثلاثا وستين سنة والصحيح من ذلك ما ذكره محمّد بن إسحاق- عَسى رَبُّكُمْ يا بنى إسرائيل أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد ذلك ان أمنتم بمحمّد ﷺ واصلحتم أعمالكم باتباع القران وَإِنْ عُدْتُمْ الى المعصية ومخالفة الرسول ﷺ عُدْنا الى العقوبة والانتقام فرحم الله من أمن منهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم
417
مثل عبد الله بن سلام ومن معه والنجاشي وكعب الأحبار وغيرهم وأثني عليهم بقوله مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ إلخ وبقوله وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ إلخ وعاد بنوا قريظة وبنوا النضير وأشباههم فارادوا قتل النبي ﷺ وسحروه وجعلوا السم فى طعامه وحاربوه فعاد الله عليهم بالانتقام فقتل بنى قريظة واجلى بنى النضير وضرب عليهم الجزية يؤدونها عن يدوهم صاغرون وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨) محبسا فى الاخرة لا يقدرون على الخروج منها ابدا- وقيل بساطا كما يبسط الحصير.
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي للحالة او للطريقة الّتي هِيَ أَقْوَمُ الحالات او الطرق وأعدلها او الكلمة الّتي هى اعدل وهى شهادة ان لا اله الا الله وَيُبَشِّرُ قرا حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل يعنى يبشر القران الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً كَبِيراً (٩) اى الجنة.
وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) اى النار عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً يعنى يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعذاب أعدائهم او على يبشّر بإضمار يخبر-.
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ سقط الواو من يدعو من اللفظ لاجتماع الساكنين ومن الخط توقيفا على خلاف القياس- يعنى يدعو الله عند غضبه على نفسه واهله وماله بِالشَّرِّ او يدعوه بما يحسبه خيرا وهو شر كمن يدعو ان يعطى الله حظه فى الدنيا دُعاءَهُ اى مثل دعائه بِالْخَيْرِ وذلك ان يعطيه ربه فى الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة ويقيه من النار ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ولكن الله تعالى قد لا يستجيب بفضله عليه وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (١١) يسارع الى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته فيدعو على نفسه ما يكره ان يستجاب له وقال ابن عباس يدعو ضجر الا صبر له على سراء ولا على ضراء- قيل المراد بالإنسان آدم فانه لما انتهى الروح الى سرته ذهب لينهض فسقط- أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما وروى الواقدي فى المغازي من
طريق مولى عائشة عنها ان النبي ﷺ دخل عليها بأسير فقال احتفى به قالت فلهرت مع امراة فخرج ولم أشعر- فدخل النبي ﷺ فسال عنه فقالت لا أدرى وغفلت عنه فخرج فقال قطع الله يدك ثم خرج عليه السلام فصاح به فخرجوا فى طلبه حتّى وجدوه- ثم دخل على فراشى وانا أقلّب يدى فقال مالك قلت أنتظر دعوتك- فرفع يديه وقال اللهم انما انا بشر أسف واغضب كما يغضب البشر فايما مؤمن او مؤمنة دعوت عليه بدعوة فاجعلها له زكوة وطهرا- والله اعلم والظاهر ان المراد بالإنسان الكافر وبالدعاء الدعاء بالعذاب استعجالا «١» واستهزاء كقول النضر بن الحارث اللهم انصر خير الحزبين اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فضرب عنقه يوم بدر صبرا-.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ علامتين دالتين على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد مع إمكان غيره فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ اى الاية الّتي هى الليل والاضافة بيانية كاضافة العدد الى المعدود يعنى جعلناها مظلمة وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً يعنى جعلنا النهار مضيئا مبصرا للناس وقيل المراد بالآيتين الشمس والقمر وتقدير الكلام وجعلنا بين الليل والنهار ايتين او جعلنا الليل والنهار ذوى ايتين فمحونا اية الليل يعنى القمر يعنى انقصنا نوره شيئا فشيئا الى المحاق وجعلنا اية النهار يعنى الشمس مبصرة ذات شعاع دائم يبصر الأشياء بضوئها قال الكسائي يقول العرب ابصر النهار إذا صار بحيث يبصر بها قال ابن عباس جعل الله ضوء الشمس سبعين جزءا ونور القمر كذلك فمحى من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعلها مع نور الشمس حتّى ان الله تعالى امر جبرئيل فامرّ جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور- وسال ابن الكواء عليّا عليه السلام عن السواد الّذي فى القمر فقال هو اثر المحو «٢» لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ اى الراحة والفراغ للطاعة بالليل واسباب المعاش بالنهار وَلِتَعْلَمُوا باختلافهما او بحركاتهما عَدَدَ السِّنِينَ وَجنس الْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ تحتاجون اليه فى امور الدين والدنيا فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (١٢) اى
(١) اخرج البيهقي فى الدلائل عن سعيد المقبري ان عبد الله بن سلام سال النبي ﷺ عن السواد الّذي فى القمر فقال كانا شمسين فقال الله فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال فالسواد الّذي رايت هو المحو- ١٢ منه رحمه الله
(٢) فى الأصل استعجالا استهزاء-
بيّناه بيانا شافيا غير ملتبسين فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا-.
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال ابن عباس عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان- وقال الكلبي ومقاتل خيره وشره معه لا يفارقه حتّى يحاسب به وقال الحسن يمنه وشومه- قال اهل المعاني أراد بالطائر ما قضى عليه انه عامله وما هو صائر اليه من سعادة او شقاء- سمى طائرا على عادة العرب فيما كانت تتفال وتتشام به من سوانح «١» الطير وبوارحها- وقال ابو عبيدة والقتيبي أرد بالطائر حظه من الخير والشر من قولهم طارسهم فلان بكذا- وخص العنق من سائر الأعضاء لانه موضع القلائد والاطواق وغيرها مما يزين او يشين- فجرى كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة الى الأعناق- وعن مجاهد قال ما من مولود الانى عنقه ورقة مكتوب فيها شقى او سعيد وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً هى صحيفة عمله قرا الجمهور نخرج بالنون على التكلم والتعظيم من الافعال- وكتابا منصوبا على المفعولية او على انه حال من مفعول محذوف وهو الطائر ويؤيده قراءة يعقوب وابى جعفر- وقرا يعقوب والحسن ومجاهد بفتح الياء المثناة التحتانية وضم الراء اى يخرج له الطائر يوم القيامة كتابا- وقرا ابو جعفر بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول اى يخرج له الطائر كتابا يلقه قرا ابن عامر وابو جعفر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف يعنى يلقى الإنسان ذلك الكتاب اى يؤتاه- والباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف اى براه مَنْشُوراً (١٣) وهما صفتان لكتاب او يلقاه صفة ومنشورا حال من مفعوله- قال البغوي جاء فى الآثار ان الله تعالى يأمر الملك بطىّ الصحيفة إذا تم عمر العبد فلا تنشر الى يوم القيامة.
اقْرَأْ كِتابَكَ اى يقال له- او خط فيها اقرأ كتابك كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) اى كفى نفسك والباء زائدة وحسيبا تميز وعلى صلته- لانه اما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم من حسب عليه كذا- او بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد
(١) السانح مامر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك الى يمينك والعرب يتيمن به لانه أمكن للرمى والصيد- والبارح ما مر من يمينك الى يسارك والعرب يتطير به لانه لا يمكنك ان ترميه حتّى ينحرف ١٢ نهايه منه رحمه الله
لانه يكفى المدعى ما أهمه وتذكيره على ان الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال- كانه قيل كفى بنفسك اليوم رجلا حسيبا- او على تأويل النفس بالشخص اخرج البيهقي عن انس رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله تعالى ريحا فتطير بالايمان والشمائل- واخرج ابن جرير عن قتادة قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قاريا فى الدنيا- وقال البغوي قال الحسن لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك واخرج ابن المبارك عن الحسن قال كل اوتى فى عنقه قلادة فيها نسخة عملها فاذا طويت قلدها وإذا بعث نشرت له- وقيل له اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً- واخرج أصبهاني عن ابى امامة قال قال رسول الله ﷺ ان الرجل ليؤتى كتابه منشورا فيقول يا رب فاين حسنات كذا وكذا عملتها ليست فى صحيفتى فيقول محوت باغتيابك للناس-.
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لها ثوابها لا ينجى اهتداؤه غيره وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها عليها عقابه لا يردى ضلاله سواه والله اعلم اخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت سالت خديجة رسول الله ﷺ عن أولاد المشركين قال هم من ابائهم- ثم سالته بعد ذلك فقال الله اعلم بما كانوا عاملين- ثم سالته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى اى لا تحمل حاملة حمل نفس اخرى اى ثقلها من الآثام بل انما تحمل وزر نفسها وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) يبيّن الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة- قال الشافعي فى هذه الاية دليل على انه لا وجوب قبل البعثة بالعقل- فلا يعذب من لم يبلغه الدعوة على الشرك ولا على شيء من المعاصي وقال ابو حنيفة رحمه الله الحاكم هو الله تعالى لكن العقل قد يدرك بعض ما وجب عليه- وهو التوحيد والتنزيهات والإقرار بالنبوة بعد مشاهدة المعجزات- فهذه الأمور غير متوقفة على الشرع وإلا لزم الدور لان الشرع يتوقف عليها- فيجب على الإنسان إتيان هذه الأمور قبل بعثت الرسل ويعذب المشرك وان لم يبلغه الدعوة- ويؤيد هذا القول
421
ما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك- قال اخرج بعث النار- قال وما بعث النار- قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيّب الصغير وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
- قالوا يا رسول الله ايّنا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الف الحديث- وجه الاستدلال ان يأجوج ومأجوج رجال وراء السد لم يبعث فيهم رسول- فلولا التعذيب على الشرك قبل بعثة...
الرسل لما عذبت يأجوج ومأجوج- وقد ورد فى اهل الفترة ومن لم يبلغه الدعوة من الأمم أحاديث تدل على انهم يمتحنون يوم القيامة- منها ما اخرج البزار عن ثوبان ان النبي ﷺ قال إذا كان يوم القيامة جاءت اهل الجاهلية يحملون أوزارهم على ظهورهم- فيسئلهم ربهم- فيقولون «١» ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا امر لك- ولو أرسلت إلينا رسولا لكنّا أطوع عبادك- فيقول لهم ربهم ارايتم ان أمرتكم بامر تطيعونى فيأخذ على ذلك مواثيقهم- فقال اعمدوا لها فادخلوها اى النار فينطلقون حتّى إذا راوها فرقوا فرجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها فلا نستطيع ان ندخلها- فيقول ادخلوها داخرين فقال النبي ﷺ لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما- وما اخرج احمد وابن راهويه فى مسنديهما والبيهقي فى كتاب الاعتقاد وصححه عن الأسود بن سريغ رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال اربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا- ورجل أحمق- ورجل هرم- ورجل مات فى فترة فاما الأصم فيقول رب جاء الإسلام وما اسمع شيئا- واما الأحمق فيقول يا رب جاء الإسلام والصبيان يخذفوننى بالبعر- واما الهرم فيقول لقد جاء الإسلام وما اعقل شيئا- واما الّذي مات فى فترة فيقول يا رب ما أتاني لك رسول- فاخذ مواثيقهم ليطيعنّه فيرسل إليهم ان ادخلوا النار فو الّذي نفس محمّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وما اخرج الثلاثة ايضا من حديث ابى هريرة مرفوعا مثله غير انه كان فى آخره فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما- ومن لم يدخلها يسحب إليها- واخرج ابن المبارك عن مسلم بن يسار قال لى انه يبعث
(١) وفى الأصل فيقول-
422
يوم القيامة عبد كان فى الدنيا أعمى أصم ابكم كذلك لم يسمع شيئا قط ولم يبصر شيئا قط ولم يتكلم شيئا- فيقول الله تعالى ما عملت فيما وليت وفيما أمرت به فيقول اى رب والله ما جعلت لى بصرا ابصر به الناس فاقتدى بهم- وما جعلت لى سمعا فاسمع به ما أمرت به ونهيت عنه- وما جعلت لى لسانا فاتكلم بخير او بشر- وما كنت الا كالخشبة فيقول الله عز وجل تطيعنى الان فيما أمرك به قال نعم فيقول قع فى النار فيأبى فيدفع فيها- قلت على ما قالت الحنفية ان المشرك يعذب ان كان عاقلا قبل ان تبلغه الدعوة كما يدل عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فانه يعم اصحاب الفترة- تحمل هذه الأحاديث على ان بعض المشركين من اهل الفترة لعلّهم يجادلون الله تعالى ويعتذرون بالجهل فيلزمهم الله تعالى الحجة بالامتحان- كما ان المشركين لما ينكرون شركهم ويقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ويطلبون على أنفسهم شهودا- فحينئذ يشهد عليهم جوارحهم فيلزمهم الحجة ولله الحجة البالغة- لا ينصب نفسا شاء ان يعذبها الا عذبها- وهو عادل فيه هذا فى التوحيد- واما سائر الشرائع فالعقل غير كاف فى إدراكها- فلا تجب على الإنسان إتيانها قبل البعثة- لقوله تعالى ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ- وبناء على مذهب الحنفية قال صاحب المدارك فى تفسير هذه الاية ما صح منا ان نعذب قوما عذاب استيصال فى الدنيا الا بعد ان نبعث إليهم رسولا فنلزمهم الحجة- قلت وهذا التأويل بعيد جدّا- لان قوله تعالى ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ يدل على عموم نفى التعذيب لوقوع النكرة فى سياق النفي- ولا وجه للتخصيص بالتعذيب فى الدنيا ولا بتعذيب الاستيصال- كيف وعدم التعذيب فى الدنيا من غير إتمام الحجة يقتضى عدم التعذيب فى الاخرة بالطريق الاولى- فالاولى ان يقال ان عدم التعذيب قبل البعثة مخصوص بالمعاصي دون الشرك حيث قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فالتقدير ما كنّا معذّبين على المعاصي حتّى نبعث رسولا يبين لهم ما يتقون- وقيل المراد بالرسول أعم من البشر والعقل فان العقل ايضا رسول من الله يدرك به الخير والشر- فما يدركه العقل ويكفى فى إدراكه من الواجبات يعذب الله العاقل عليها على عدم إتيانها-
423
(فصل) هذه الاية تدل على عدم تعذيب الصغار والمجانين وان كانوا من ذرارى المشركين حيث لم يبلغهم دعوة رسول بشرا كان او عقلا- كما يدل عليه سياق الاية حيث قال الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى - ومن الأحاديث ما رواه احمد بسند حسن عن خنساء بن معاوية بن مريم قال حدثنى عمى قال قلت يا رسول الله من فى الجنة قال النبي فى الجنة والشهيد فى الجنة والمولود فى الجنة والوئيد فى الجنة- وما رواه البخاري عن سمرة ابن جندب فى حديث المنام الطويل انه ﷺ مر على شيخ تحت شجرة وحوله ولدان فقال له جبرئيل هذا ابراهيم وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين قال نعم وأولاد المشركين- فقيل أولاد المشركين خدم اهل الجنة لما روى الطيالسي عن انس انه سئل عن أطفال المشركين فقال قال رسول الله ﷺ لم يكن لهم سيئات فيكونوا «١» من اهل النار ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من مملوك «٢» اهل الجنة هم خدم اهل الجنة- وما اخرج ابن جرير عن سمرة قال سالنا رسول الله ﷺ عن أطفال المشركين فقال هم خدم اهل الجنة- واخرج مثله عن ابن مسعود موقوفا- فان قيل فى الصحيح ما يدل على عدم الجزم بذلك- اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي ﷺ انه سئل عن أطفال المشركين- فقال الله اعلم بما كانوا عاملين- واخرج مثله من حديث ابن عباس قلنا هذا الحكم اعنى عدم الجزم بكونهم فى الجنة الّذي دل عليه هذان «٣» الحديثان منسوخ كان قبل نزول اية الفتح الناسخة لقوله تعالى وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ- فانه ﷺ كان قبل ذلك يردّ بها على من شهد لاحد بعينه بالجنة- ورد بها على من شهدت لعثمان بن مظعون كما فى الصحيح فلما نزلت اية الفتح سرّ بها
كثيرا وشهد بعدها لجماعة بأعيانهم بالجنة- وهذا هو الجواب لحديث رواه مسلم عن عائشة قالت دعى رسول الله ﷺ الى جنازة صبى من الأنصار فقالت يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدرك فقال او غير ذلك يا عائشة ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم فان هذا الحديث يدل على التوقف فى أطفال المسلمين
(١) وفى الأصل فيكونون
(٢) وفى الأصل ملوك-
(٣) وفى الأصل هذين الحديثين-
424
ايضا وقد انعقد الإجماع على كونهم فى الجنة- نقله الامام احمد وابن ابى زيد وابو يعلى من الفراء وغيرهم ونصوص الكتاب والأحاديث صريحة فى ذلك كذا قال النووي والسيوطي- وهو الجواب عما رواه ابن حبان فى صحيحه والبزار عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ لا يزال امر هذه الامة متقاربا ما لم يتكلموا فى القدر والولدان- قال ابن حبان يعنى أطفال المشركين فانا نحمل هذا الحديث ايضا على كونه قبل اية الفتح وقبل ان يعلم رسول الله ﷺ كونهم فى الجنة- فان قيل بعض الأحاديث يدل على كون أطفال المشركين فى النار- منها ما اخرج ابو يعلى عن البراء رضى الله عنه قال سئل رسول الله ﷺ عن أطفال المسلمين فقال هم مع ابائهم وسئل عن أطفال المشركين فقال هم مع ابائهم- وما روى ابو داؤد عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ذرارى المؤمنين قال من ابائهم فقلت يا رسول الله بلا عمل قال الله اعلم بما كانوا عاملين- قلت فذرارى المشركين قال من ابائهم قلت بلا عمل قال الله اعلم بما كانوا يعملون- واخرج احمد عن عائشة بسند ضعيف جدا انها ذكرت لرسول الله ﷺ أطفال المشركين فقال ان شئت أسمعتك تصاعدهم فى النار- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد المسند بسند فيه مجهول وانقطاع وابن ابى حاتم فى السنة عن علىّ قال سألت خديجة رسول الله ﷺ عن ولدين ماتا فى الجاهلية فقال هما فى النار فلما راى الكراهية فى وجهها قال لها ولو رايت مكانهما لابغضتهما قالت فولدى منك قال ان المؤمنين وأولادهم فى الجنة وان المشركين وأولادهم فى النار- ثم تلا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ- واخرج ابو داؤد عن ابن مسعود بسند حسن قال قال رسول الله ﷺ الوائدة والموءودة فى النار- واخرج ايضا بسند حسن عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت انا وأخي النبي ﷺ فقلنا ان امّنا ماتت فى الجاهلية وكانت تقرى الضيف وتصل الرحم وانها وادت اختالها فى الجاهلية لم تبلغ فقال الوائدة والموءودة فى النار الا ان تدرك الوائدة
425
الإسلام فتسلم- قلنا اما الموءودة الواردة فى الحديث فالمراد بها الموءودة لها يعنى الام- والوائدة هى القابلة دفعا للتعارض- واما الأحاديث المذكورة فى كون أطفال المشركين فى النار فليس شيء منها يقوى قوة الأحاديث المتقدمة فسقطت بالأحاديث الصحيحة فضلا عن مصادمة القران- والقول يكون تلك الأحاديث منسوخة لا يجوز لان الاخبار لا يحتمل النسخ- اللهم الا ان يقال ان الله رفع عنهم العذاب بعد ما كتب عليهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم- يدل عليه حديث ابن ابى شيبة عن انس قال قال رسول الله ﷺ سالت ربى اللاهين من ذرية البشر ان لا يعذبهم فاعطانيهم- قال ابن عبد البر هم الأطفال لان أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقل ولا عزم- قال السيوطي اختلف الناس قديما وحديثا فى أطفال المشركين على اقوال أحدها انهم فى النار للاحاديث المذكورة الّتي دلت على ذلك لكنها ضعيفة لا تقوم بها حجة- والثاني انهم فى الجنة والثالث انهم خدم اهل الجنة- (قلت لا تعارض بين هذين القولين فان خدم اهل الجنة فى الجنة) والرابع انهم فى مشية الله لا يحكم عليهم وهذا ما نقل عن الحمادين وابن المبارك وابن راهويه والشافعي ونقله النسفي عن ابى حنيفة (قلت ومبنى هذا القول على الاحتياط والصحيح ان هذا الحكم منسوخ كما ذكرنا) والخامس انهم يمتحنون فى الاخرة كما يمتحن اصحاب الفترة- لما اخرج البزار وابو يعلى عن انس قال قال رسول الله ﷺ يؤتى باربعة يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات فى الفترة والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار أبرز ويقول انى كنت ابعث الى عبادى رسلا من أنفسهم وانى رسول نفسى إليكم ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء يا رب اندخلها ومنها كنا نفر ومن كتب عليه السعادة يمضى فيقتحم فيها مسرعا فيقول الله تعالى أنتم كنتم لرسلى أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الى الجنة وهؤلاء الى
النار- واخرج البزار ومحمّد بن يحيى الذهبي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ يحتج الهالك فى الفترة والمعتوه
426
والمولود يقول الهالك فى الفترة رب لم يأتينى كتاب ويقول المعتوه رب لم تجعل لى عقلا اعقل به خيرا ولا شرا ويقول المولود رب لم أدرك العقل فترتفع لهم نار فيقول ردوها فيردها من كان فى علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان فى علم الله شقيّا لو أدرك العمل فيقول إياي عصيتم فكيف لو رسلى أتتكم- واخرج الطبراني وابو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبي ﷺ قال يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلا وبالهالك فترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوح عقلا رب لو أتيتني عقلا ما كان من أتيته عقلا بأسعد منى وذكر فى الهالك فى الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الرب تبارك وتعالى انى أمركم بامرى فتطيعونى فيقولون نعم فيقول اذهبوا فادخلوا النار- قال لو دخلوها ما ضرتهم فيخرج عليهم فرائض فيظنون انها قد أهلك ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ثم يأمر الثانية فيرجعون ذلك فيقول الرب تعالى قبل ان خلقتكم علمت ما أنتم عاملون- قلت وهذا القول الخامس لا يلائم ضروريات الدين قال رسول الله ﷺ رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يبرا- وعن النائم حتّى يستيقظ- وعن الصبى حتّى يكبر رواه احمد وابو داود والحاكم عن عائشة بسند صحيح وعن على وعمر بسند صحيح- وفى لفظ اخر رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتّى يستيقظ وعن المبتلى حتّى يبرا وعن الصبى حتّى يكبر رواه احمد وابو داؤد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عائشة بسند صحيح- وقد ثبت بالحديث انه من همّ بسيئة لا يؤاخذ بها ما لم يعملها- فكيف بمن لم يهمّ بها ولم يعقلها- وقال الله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
وقال الله تعالى لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ-... وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى - واجمع الامة على ان مناط التكليف العقل والبلوغ- فلعل لفظ المولود والمجنون فى هذه الأحاديث من وهم الرواة او المولود والمجنون يمتثلون امر الله ويدخلون النار عند الامتحان فينجون بخلاف المشركين من اهل الفترة- قال السيوطي وقيل فى أطفال المشركين انهم يكونون فى برزخ بين الجنة والنار- وقيل يصيرون ترابا- ولا دليل على ذلك واما أولاد المسلمين فلم يجر فيهم خلاف بل الإجماع انهم فى الجنة والله اعلم.
427
قوله تعالى وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
اى متنعميها وجبائرتها- قرا مجاهد امّرنا بالتشديد اى سلّطنا وجعلناهم أمراء- وقرا الحسن وقتادة ويعقوب أمرنا بالمد اى أكثرنا- وقرا الجمهور مقصورا مخففا اى أمرنا مترفيها بالطاعة على لسان رسول بعث إليهم- ويدل على هذا التقدير قوله تعالى فيما قبل وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وفيما بعد فَفَسَقُوا فِيها
فان الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد فى العصيان- فيدل على الطاعة- وقيل معنى الاية أَمَرْنا مُتْرَفِيها
بالفسق ففسقوا- كقولك أمرته فجلس فانه لا يفهم منه الا الأمر بالجلوس- والأمر حينئذ ليس بمعناه الحقيقي ف إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ- لكنه مجاز من الحمل عليه والتسبيب له- بان صبّ عليهم من النعم ما ابطرهم وامضى بهم الى الفسوق- وقيل معناه معنى كثّرنا يقال أمرت الشيء وأمرته فامر اى كثرته فكثر- وفى الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مامورة اى طريقة مصطفة من النخل مصلحة- وولد الفرس أنثى اى كثير النسل والنتاج ومنه قول ابى سفيان فى حديث هرقل لقد امر امر ابن ابى كبشة اى كثر وارتفع شأنه- يعنى النبي ﷺ ومنه الحديث ان رجلا قال له مالى ارى أمرك يأمر- قال والله ليامرن اى يزيد على ما ترى- ومنه حديث ابن مسعود قال كنا نقول فى الجاهلية قد امر بنوا فلان اى كثروا- وفى القاموس امره وامره كنصره لغيّة كثر نسله وماشيته- ويحتمل ان يكون منقولا من امر بالضم امارة اى جعلناهم أمراء- وتخصيص المترفين لان غيرهم يتبعهم- ولانهم اسرع الى الحماقة واقدر على الفجور فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
اى وجب عليها الكلمة السابقة بالعذاب بحلوله او الكلمة السابقة بظهور معاصيهم او انهماكهم فيها فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
(١٦) اى أهلكناها بهلاك أهلها وتخريب ديارها- روى البخاري عن أم حبيبة بنت ابى سفيان عن زينب بنت جحش ان النبي ﷺ دخل عليها فزعا وهو يقول لا اله الا الله ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ددم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والّتي يليها- قالت زينب فقلت يا رسول الله أيهلك وفيها الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث.
وَكَمْ اى كثيرا أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتميز له- والقرن القوم المقترنون فى زمان واحد- يعنى يكون ولادتهم فى وقت واحد- فى القاموس يقال هو على قرنى اى على سنى وعمرى- وانقضاء القرن ان لا يبقى منهم أحد- فى القاموس هو كل امة هلكت فلم يبق منها أحد- قلت واما قرن الصحابة وقرن التابعين فيقال باعتبار مقارنتهم فى مصاحبة الرسول ﷺ او مصاحبة أحد ممن صاحبه صلى الله عليه وسلم- وقيل القرن مدة من الزمان عشرة سنين او عشرون او ثلاثون او أربعون او خمسون او ستون او سبعون او ثمانون او مائة سنة او مائة وعشرون كذا فى القاموس من الأقوال- واعتبرت الحنفية فى مدة المفقود تسعين «١» سنة والأصح انه مائة سنة- لما روى محمّد بن القاسم عن عبد الله ابن تستر المازني ان رسول الله ﷺ وضع يده على رأسه وقال يعيش هذا الغلام قرنا- قال محمّد بن القاسم مازلنا نعدله حتّى تمّت مائة سنة ثم مات مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد وثمود وغيرهم تخويف لكفار مكة وَكَفى بِرَبِّكَ فى محل الرفع والباء زائدة بِذُنُوبِ عِبادِهِ متعلق بما بعده على سبيل التنازع خَبِيراً وان اخفوها فى الصدور بَصِيراً (١٧) وان ارخوا عليها الستور-.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ يعنى الدار العاجلة اى الدنيا مقصورا عليها همته عَجَّلْنا لَهُ فِيها «٢» أعطيناه فى العاجلة ما نَشاءُ كل ما يريده او بعضه قيد به لانه لا يجد كل أحد جميع ما يتمناه غالبا لِمَنْ نُرِيدُ ان نفعل به ذلك بدل من له بدل البعض قيد به لانه لا يجد كل متمنّ متمنّاه ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ فى الاخرة جَهَنَّمَ يَصْلاها يدخل نارها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) مطرودا مبعدا من رحمة الله.
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها اى للاخرة حق سَعْيَها وهو الايتمار بالأوامر والانتهاء عن المناهي- لا بمجرد التمني او التقرب بما يخترعون بآرائهم فهو منصوب على المصدرية- وجاز كونه منصوبا على المفعولية- وفائدة اللام اعتبار النية والإخلاص وَهُوَ مُؤْمِنٌ ايمانا
(١) وفى الأصل تسعون-
(٢) وليس فى الأصل فيها-
صحيحا لا شرك معه ولا تكذيب فانه العمدة فَأُولئِكَ اى الجامعون للشرائط الثلاثة كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) من الله اى مقبولا عنده مثابا عليه فان شكر الله الثواب على الطاعة.
كُلًّا التنوين بدل من المضاف اليه اى كل واحد من الفريقين نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد اخرى- ونجعل آخره مدد السابقة هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كلّا مِنْ عَطاءِ اى من معطاة رَبِّكَ متعلق بنمدّ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) ممنوعا لا يمنعه فى الدنيا من مؤمن ولا من كافر تفضلا.
انْظُرْ يا محمّد كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فى الرزق والجمال فى الدنيا وانتصاب كيف بفضّلنا على الحال وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١) اى التفاوت فى الاخرة اكثر من التفاوت فى الدنيا لان التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها والله اعلم.
لا تَجْعَلْ الخطاب للرسول ﷺ والمراد أمته- او لكل واحد اى لاقعل ايها الإنسان مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ اى فتصير من قولهم شخذ الشفرة حتّى قعدت كانها حربة- او فتعجز من قولك قعد عن الشيء إذا عجل عنه مَذْمُوماً من الملائكة والمؤمنين مَخْذُولًا (٢٢) غير منصور-.
وَقَضى رَبُّكَ اى امر امرا مقطوعا به كذا قال ابن عباس وقتادة والحسن والربيع بن انس «١» أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ اى بان لا تعبدوا الّا ايّاه- لان العبادة الّتي هى غاية التعظيم لا يحق الا لمن له غاية العظمة ونهاية الانعام- وهو كالتفصيل لسعى الاخرة- ويجوز ان يكون ان مفسرة لانّ فى قضى معنى القول ولا يجوز كونها ناصبة وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اى وان تحسنوا او أحسنوا بالوالدين إحسانا لانهما السبب الظاهري للوجود والتعيش إِمَّا ان شرطية زيدت عليها ما للتأكيد فادغمت النون فى الميم- ولذلك صح لحوق النون المؤكدة فى الفعل وان أفردت ان لم يصح دخولها- إذ لا يقال ان تكر من زيدا يَبْلُغَنَّ قرا حمزة والكسائي يبلغانّ بالألف على التثنية- والضمير راجع الى الوالدين عِنْدَكَ اى فى كتفك وكفالتك
(١) وفى الأصل والربيع بن الحسن-
الْكِبَرَ أَحَدُهُما بدل من ضمير التثنية فى يبلّغان أَوْ كِلاهُما عطف على أحدهما وقرا الجمهور بغير الف وفاعل الفعل أحدهما مع ما عطف عليه اى ان يبلغ الكبر أحدهما او كلاهما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ قرا نافع وحفص وابو جعفر هنا وفى الأنبياء والأحقاف بالتنوين للتنكير كتنوين صه وكسر الفاء- وابن كثير وابن عامر ويعقوب بفتح الفاء من غير تنوين- والباقون بكسرها من غير تنوين- وهى كلمة كراهية صوت يدل على التضجّر- وقيل اسم للفعل الّذي هو التضجر- قال ابو عبيدة اصل الأف والتف الوسخ على الأصابع- وفى القاموس الافّ قلامة الظفر ووسخه- او وسخ الاذن وما رفعته من الأرض من عود او قصبة- او الأف معناه القلة يعنى لا تقل لهما كلمة تدل على ادنى كراهة فيحرم بذلك سائر انواع الإيذاء بدلالة النص بالطريق الاولى- يقال فلان لا يملك النقير ولا القطمير وَلا تَنْهَرْهُما اى لا تزجرهما عما لا يعجبك وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (٢٣) حسنا جميلا لينا قال ابن المسيب كقول العبد المذنب للسيد الفظّ قال مجاهد إذا بلغا عندك من الكبر فلا تقذرهما ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطان عنك صغيرا-.
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ اى تذال لهما وتواضع فيهما جعل للذل جناحا وامره بخفضهما مبالغة- او أراد جناحه كقوله وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وإضافته الى الذل للبيان والمبالغة- كما أضيف حاتم الى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل واخضع- وقال عروة بن الزبير لن لهما حتّى لا يمتنعا من شيء احباه مِنَ الرَّحْمَةِ اى من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما الى من كان أفقر خلق الله إليهما وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما يعنى ادع الله لهما ان يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية- قال البغوي أراد ان كانا مسلمين- قال ابن عباس هذا منسوخ بقوله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ- وقال البيضاوي وان كانا كافرين لان من الرحمة ان يهديهما للاسلام كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤) اى رحمة مثل رحمتهما علىّ وتربيتهما علىّ وإرشادهما لى فى صغرى وفاء بوعدك للراحمين- عن ابى الدرداء
قال قال رسول الله ﷺ الوالد اوسط أبواب الجنة فحافظ ان شئت أو ضيع- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما عن النبي ﷺ قال رضاء الله فى رضاء الوالد وسخط الله فى سخط الوالد- رواه الترمذي والحاكم وصححه وروى البزار عن ابن عمرو عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مد من خمر ورواه النسائي والدارمي عن ابن عمر وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ ورغم انف رجل اتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ورغم انف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة- رواه البغوي والترمذي والحاكم وصححه ورواه مسلم واحمد بلفظ رغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انفه قيل من يا رسول الله قال من أدرك عنده الكبر أحدهما او كلاهما ثم لم يدخل الجنة- وعن ابى امامة ان رجلا قال يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما قال هما جنتك ونارك رواه ابن ماجة وعن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ من أصبح لله مطيعا فى والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وان كان واحدا فواحدا- ومن امسى عاصيا لله فى والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وان كان واحدا فواحدا- قال رجل وان ظلماه قال وان ظلماه وان ظلماه وان ظلماه- وعنه ان رسول الله ﷺ قال ما من ولد بار ينظر والديه نظر رحمة الا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة- قالوا وان نظر كل يوم مائة مرة- قال نعم الله اكبر وأطيب- وعن ابى بكرة قال قال رسول الله ﷺ كل الذنوب يغفر الله منها ما يشاء الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه فى الحيوة قبل الممات- روى الأحاديث الثلاثة- البيهقي فى شعب الايمان والاول منها ابن عساكر- وعنه قال قال رسول الله ﷺ كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها الى يوم القيامة الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه فى الحيوة الدنيا قبل الممات- رواه الطبراني بسند ضعيف والحاكم-.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من البر إليهما والاعتقاد بما يجب لهما من التوقير فكانه تهديد على ان يضمر لهما كراهية واستثقالا- وجاز ان
يقال معناه ربكم اعلم بنياتكم فى بر الوالدين ان كان ذلك احتسابا وامتثالا لامر الله تعالى فاجره على الله وان كان لغرض من اغراض الدنيا فهو على ما نوى إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ اى قاصدين الاجر عند الله والصلاح وقال البغوي ان تكونوا أبرارا مطيعين بعد تقصير كان منكم فى القيام بما لزمكم من حق الوالدين فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ اى التوابين بعد المعصية فى حقهما غَفُوراً (٢٥) لما فرط منهم- قال سعيد بن جبير فى هذه الاية هو الرجل يكون منه البادرة الى أبويه لا يريد بذلك الا الخير فانه لا يؤاخذ به- وجاز ان يكون الاية عامة لكل تائب ويندرج فيه الجاني على أبويه لوروده على اثره- قال سعيد بن المسيب الأواب الّذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب وقال سعيد بن جبير الرجاع الى الخير- وعن ابن عباس قال هو الرجاع الى الله فيما يجزيه وينوبه- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هم المسبحون دليله قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ- وقال قتادة المصلون- وقال عوف العقيلي هم الذين يصلّون صلوة الضحى- روى البغوي عن زيد بن أرقم قال خرج رسول الله ﷺ على اهل قبا وهم يصلّون الضحى فقال صلوة الاوّابين إذا رمضت الفصال من الضحى ورواه احمد ومسلم ورواه عبد بن حميد وسيبويه عن عبد الله بن ابى اوفى- قال البغوي وروى عن ابن عباس انه قال ان الملائكة لتحفّ بالذين يصلّون بين المغرب والعشاء وهى صلوة الأوابين-.
وَآتِ ذَا الْقُرْبى اى ذوى قرابتك حَقَّهُ من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم وعليه اكثر المفسرين- وقال ابو حنيفة يجب النفقة على الغنى لكل ذى رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا او امراة بالغة فقيرة او ذكرا زمنا او أعمى فقيرا- لان فيه ابقاء النفس وهو اصل البر والصلة- وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ- وذكر البغوي عن على بن الحسين عليهما السلام انه تعالى أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم- وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ واخرج الطبراني وغيره عن ابى سعيد الخدري قال لما نزلت وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول الله ﷺ فاطمة فاعطاها فدك- وروى ابن مردوية عن ابن
عباس مثله- قال ابن كثير هذا مشكل فانه يشعر بان الاية مدنية والمشهور خلافه- قلت وايضا المشهور المعتمد عليه ان فاطمة سالت رسول الله ﷺ فدك فلم يعطها- كذا روى عن عمر بن عبد العزيز- ولو كان رسول الله ﷺ أعطاها فاطمة لما منعها عنها الخلفاء الراشدون لا سيما على رضى الله عنه فى خلافته والله اعلم وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ قد مر فى سورة البقرة وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) اى لا تنفق مالك فى المعصية- قال مجاهد لو أنفق الإنسان ماله كله فى الحق ما كان تبذيرا- ولو أنفق مدا فى الباطل كان تبذيرا- وسئل عن ابن مسعود عن التبذير فقال انفاق مال فى غير حقه- قال شعبة كنت امشى مع ابى إسحاق فى طريق الكوفة فاتى على جدار بنى بجص واجر فقال هذا التبذير فى قول عبد الله انفاق المال فى غير حقه.
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ اى أمثالهم فى الشرارة قال البغوي يقول العرب لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) جحودا للنعمة مبالغا فى الكفر والكفران- فليس ينبغى ان يطاع- اعلم ان الشكر على ما قاله اهل التحقيق صرف النعمة فى رضاء المنعم- والتبذير صرف المال فى المعصية فهو ضد الشكر- فمن اتى به كان كفورا والله اعلم- اخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراسانى قال جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ- ف تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً- ظنوا ذلك من غضب رسول الله ﷺ فانزل الله تعالى.
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ ان شرطية وما زائدة والمعنى وان تعرض يا محمّد عَنْهُمُ يعنى عن ذوى القربى والمساكين وابن السبيل- أراد بالاعراض عدم الانفاق عليهم على سبيل الكناية- وقال البغوي نزلت فى مهجع وبلال وصهيب وسالم وخباب كانوا يسئلون النبي ﷺ ما يحتاجون اليه- ولا يجد فيعرض عنهم حياء ويمسك عن القول- فنزل وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ يعنى حياء من الرد- ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ اى لاجل انتظار رزق مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها ان يأتيك
فتعطيه او منتظرا له- وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه ان يفتح لك- فوضع الابتغاء موضع الفقدان لانه مسبب عنه- وجاز ان يكون الابتغاء متعلقا بقوله فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (٢٨) اى قل لهم قولا ليناكى يرحمك الله برحمتك عليهم باجمال القول- والميسور من يسر الأمر مثل سعد الرجل ونحس- قال البغوي هو العدة اى عدهم وعدا جميلا- وقيل الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله ورزقنا الله وإياكم والله اعلم- اخرج سعيد بن منصور عن سيار ابى الحكم قال اتى رسول الله ﷺ ببزّ- وكان معطيا كريما فقسّمه بين الناس- فاتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه- فانزل الله تعالى.
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ واخرج ابن مردوية وغيره عن ابن مسعود قال جاء غلام الى النبي ﷺ فقال ان امّى تسئلك كذا وكذا فقال ما عندنا اليوم شيء- قال فتقول اكسنى قميصك فدفعه اليه فجلس فى البيت حاسرا- فانزل الله تعالى هذه الاية- واخرج ابن ابى حاتم عن المنهال بن عمرو بمعناه- واخرج ايضا عن ابى امامة ان النبي ﷺ قال لعائشة انفقى ما ظهر كفى قالت اذن لا يبقى شيء فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال البغوي قال جابر اتى صبى فقال يا رسول الله ان امّى تستكسيك درعا- ولم يكن لرسول الله ﷺ الا قميصه- فقال للصبى من ساعة الى ساعة يظهر فعد وقتا اخر- فعاد الى امه فقالت له قل ان امّى تستكسيك الدرع الّذي عليك فدخل رسول الله ﷺ داره ونزع قميصه فاعطاه- وقعد عريانا فاذّن بلال بالصلوة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم فراه عريانا فانزل الله تعالى وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ يعنى لا تمسك يدك عن النفقة فى الحق كالمغلول يده لا يقدر على ردها- ولا تبسطها بالعطاء كلّ البسط فتعطى جميع ما عندك بحيث لا تقدر على أداء حقوق نفسك وأهلك ومن له الحق عليك- قال البيضاوي هذان تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر نهى عنهما وامر بالاقتصاد بينهما الّذي هو الكرم فَتَقْعُدَ مَلُوماً اى تصير ملوما
عند الله وعند الناس بالإمساك مع السعة او بالإسراف وسوء التدبير مَحْسُوراً (٢٩) قال قتادة نادما على ما فرط منك فى الفصلين- او المعنى تصير ملوما يلومك السائلون بالإمساك إذا لم تعطهم مع السعة محسورا منقطعا بك لا شيء عندك- من حسره السفر إذا بلغ فيه- وحسرته بالمسألة إذا الحفت عليه- فيكون النشر على ترتيب اللف.
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ اى يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ من عباده وليس البسط إليك وَيَقْدِرُ اى يضيق الرزق على من يشاء على ما يقتضيه حكمته- فلا لوم عليك ان أمسكت بعض ما تحتاج اليه إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) يعلم سرهم وعلانيتهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويرزقهم على حسب مصالحهم ويجوز ان يراد ان البسط والقبض من امر الله الّذي يعلم سرائرهم وظواهرهم- واما العباد فعليهم ان يقتصدوا- او يراد انه تعالى يبسط تارة ويقبض اخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط- ويجوز ان يكون هذا تمهيدا لقوله.
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ يعنى البنات كما كانوا يفعلون خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفقر نهاهم عن القتل وضمن لهم أرزاقهم فقال نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً قرا ابن عامر برواية ابن ذكوان وابو جعفر بفتح الخاء والطاء مقصورا- وابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ممدودا- والباقون بكسر الخاء وسكون الطاء- قال البغوي معنى الكل واحد اى اثما كَبِيراً (٣١) وقال البيضاوي على قراءة الجمهور مصدر من خطأ خطأ كاثم اثما- وعلى قراءة ابن عامر اسم من أخطأ يضاد الصواب وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر- وعلى قراءة ابن كثير اما لغة او مصدر خاطا خطاء كقاتل قتالا- عن ابن مسعود قال سالت رسول الله ﷺ اىّ الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندّا وهو خلقك- قلت ان ذلك لعظيم ثم اىّ قال ان تقتل ولدك مخافة ان تطعم معك- قلت ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك- متفق عليه.
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى اى لا تأتوا بدواعيها من العزم عليه- او على بعض مقدماتها فضلا ان تباشروه إِنَّهُ اى الزنى كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته وَساءَ سَبِيلًا (٣٢)
بئس طريقا طريقه- وهو الغصب على الابضاع المودي الى قطع الأنساب وهيجان الفتن عن بريدة عن النبي ﷺ قال ان السموات السبع والأرضين السبع ليلعنّ الشيخ الزاني وان فروج الزناة لتؤذى اهل النار بنتن ريحها- رواه البزار وعن انس بن مالك عن النبي ﷺ قال المقيم على الزنى كعابد وثن- رواه الخرابطى وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذا زنى الرجل خرج منه الايمان فكان عليه كالظلة فاذا قلع رجع اليه الايمان- رواه ابو داؤد واللفظ له والترمذي والبيهقي والحاكم وفى الصحيحين عنه قال قال رسول الله ﷺ لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن-.
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها من مسلم او ذمى إِلَّا بِالْحَقِّ يعنى بحد او قصاص او بغى او سب الصحابة رضى الله عنهم ونحو ذلك واما المرتد فنفسه ليست مما حرم الله قال الله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... «١» أَنْ يُقَتَّلُوا الاية- وقال الله تعالى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي- وقال الله تعالى النَّفْسَ «٢» بِالنَّفْسِ- وعن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة- رواه الشيخان وابو داؤد والترمذي والنسائي وليس المراد بتارك دينه المولد لانه ليس بامرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله بل المراد به الفاني فى الهوى المفارق للجماعة من الروافض والخوارج وأمثال ذلك والله اعلم (فصل) عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ أول ما يقضى يوم القيامة فى الدماء- متفق عليه وعن البراء بن عازب ان رسول الله ﷺ قال لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق- رواه ابن ماجة بسند حسن والبيهقي وزاد لو اهل سمواته واهل ارضه اشتركوا فى دم مؤمن لادخلهم الله النار- وروى النسائي من حديث بريدة قال قال رسول الله ﷺ قتل المؤمن
(١) وفى القرآن ورسوله ويَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ... فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا-
(٢) وفى القران أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
437
أعظم عند الله من زوال الدنيا- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله مكتوب بين عينيه آئس من رحمة الله- رواه ابن ماجة والاصبهانى وزاد قال ابن عيينة هو ان يقول اق لا يتم كلمة اقتل- واخرج البيهقي من حديث ابن عمر نحوه وعن معاوية قال قال رسول الله ﷺ كل ذنب عسى الله ان يغفره الا الرجل يموت كافرا او يقتل مؤمنا متعمدا- رواه النسائي وصححه الحاكم واخرج ابو داؤد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابى الدرداء نحوه- وعن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ إذا أصبح إبليس بث جنوده من أضل اليوم مسلما البسه التاج قال فيجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى طلق امرأته- فيقول او شك ان يتزوج- قال ويجيء هذا فيقول لم ازل «١» به حتّى عق والديه- فيقول أوشك ان يبرهما- ويجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى أشرك فيقول أنت أنت ويجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى قتل فيقول أنت أنت ويلبسه التاج رواه ابن حبان فى صحيحه وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل عمدا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ اى لمن يلى امره بعد وفاته وهو الوارث سُلْطاناً اى قوة وتسلطا بالمؤاخذة بالقصاص فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ قرا حمزة والكسائي لا تسرف بالتاء الفوقانية على الخطاب- والباقون بالياء التحتانية على الغيبة- قيل الخطاب للقاتل والضمير راجع اليه- يعنى لا يسرف القاتل فى القتل بان يقتل من لا يحق قتله فان العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك فى الدنيا والاخرة- وقال ابن عباس واكثر المفسرين الخطاب والضمير لولى المقتول والمعنى لا يقتل الولي غير القاتل- وذلك انهم كانوا فى الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتّى يقتلوا اشرف منه- وقال سعيد بن جبير إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد وكان اهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل وحده حتّى يقتلوا معه جماعة من أقربائه- وقال قتادة معناه لا يمثّل بالقاتل إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣) قال مجاهد الضمير راجع الى من قتل ظلما يعنى ان المقتول ظلما منصور فى الدنيا بايجاب القواد على قاتله- وفى الاخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله- وقال قتادة الضمير
(١) وفى الأصل لم ازل حتّى قتل-
438
راجع الى وليه يعنى انه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه- يجب على الائمة نصره وقيل الضمير راجع الى الّذي يقتله الولي إسرافا بايجاب القصاص والوزر على المسرف-.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلا ان تتصرفوا فيه إِلَّا بِالَّتِي اى بالطريقة الّتي هِيَ أَحْسَنُ الطرق من محافظة مال اليتيم والتجارة فيه لاجله حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الصالح الّذي دل عليه الاستثناء وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ اى بما عاهدكم الله من تكاليفه وما عاهدتم الناس عهدا مشروعا إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (٣٤) اى مطلوبا يطلب من العاهد ان لا يضيعه ويفىء به او مسئولا عنه فيسئل عن الناكث ويعاتب عليه او يسئل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة باىّ ذنب قتلت ويجوز ان يراد صاحب العهد بحذف المضاف.
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ولا تبخسوا فيه وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ قرا حمزة والكسائي وحفص هنا وفى الشعراء بكسر القاف والباقون بضمها وهو الميزان- قال مجاهد هو لفظ رومى عرّب- ولا يقدح ذلك فى كون القران عربيا لان اللفظ العجمي إذا استعمل فى الكلام العربي واجرى عليه ما يجرى على العربي من الاعراب والتعريف والتنكير صار عربيّا- وقال الأكثر هو عربى ماخوذ من القسط بمعنى العدل الْمُسْتَقِيمِ السوي ذلِكَ خَيْرٌ فى الدنيا وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥) اى عاقبة تفعيل من ال إذا رجع.
وَلا تَقْفُ اى لا تتبع من قفا يقفوا إذا تبع اثره- ومنه القافة لتتبّعهم الآثار ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اى ما لم يتعلق به علمك بالحس او الخبر الصادق او البرهان- احتج بهذه الاية من قال انه لا يجوز العمل بالادلة الظنّية- وجوابه ان المراد بالعلم هاهنا الاعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعيّا او ظنيّا واستعماله بهذا المعنى شائع- وقيل انه مخصوص بالعقائد- وقيل برمى المحصنات وشهادة الزور قال مجاهد معناه لا ترم أحدا بما ليس لك به علم- وقال قتادة معناه لا تقل رايت ولم تره وسمعت ولم تسمعه وعلمته ولم تعلمه- قلت وجوب العمل بأحاديث الآحاد
الجامعة للشرائط فى الرواة والقياس الصحيح والحكم بشهادة رجلين او رجل وامرأتين ثبت بالادلة القطعية من النصوص والإجماع- كقوله تعالى فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا- وقوله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ- وقوله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الاية- وبما تواتر عن النبي ﷺ انه كان يرسل احاد الصحابة لتبليغ الاحكام فاتباعها اتباع للعلم لاستناد الظن بالعلم والله اعلم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (٣٦) ضمير عنه راجع الى مصدر لا تقف يعنى كل واحد من هذه الأعضاء كان عن ذلك القفوة والاتباع مسئولا- او الضمير راجع الى كلّ يعنى كل من هذه الأعضاء كان مسئولا عن نفسه يعنى عما فعل به صاحبه- او الضمير راجع الى صاحب السمع والبصر يعنى كل هذه الأعضاء يسئل عن صاحبها فيسئل السمع انه هل سمع صاحبه ما قال سمعته- ويسئل البصر هل ابصر صاحبه ما قال رايت- ويسئل القلب هل علم صاحبه ما قال علمت- عن شكل بن حميد قال أتيت النبي ﷺ فقلت يا نبى الله علمنى تعويذا أتعوذ به فاخذ بيدي فقال قل أعوذ بك من شر سمعى ومن شر بصرى وشر لسانى وشر قلبى وشر منيّى- قال حفظتها رواه الترمذي وابو داؤد والنسائي والحاكم وصححه والبغوي قال سعيد يعنى راوى الحديث المنى ماؤه يعنى يضع ماءه فى ما لا يحل- والأعضاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها أجريت مجرى العقلاء واطلق عليها لفظ أولئك- او يقال ان أولاء وان غلبت فى العقلاء لكنه من حيث انه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلتين جاء لغيرهم- وخص الأعضاء الثلاثة بالذكر لانها آلات لتحصيل العلوم الّتي يجب الحصر على اتباعها فان اكثر المحسوسات يدرك بالسمع والبصر- والمعقولات بأسرها تدرك بالقلب-.
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً اى ذا مرح وهو الكبر والاختيال إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بشدة وطأتك وتكبرك وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (٣٧) بتطاولك واستعلائك وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهى بان الاختيال حماقة محضة لا تفيد أصلا ولا يقدر المختال على شيء أصلا الا بمشية الله- عن عياض بن حمار
المجاشعي ان رسول الله ﷺ قال ان الله اوحى الىّ ان تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد- رواه مسلم وعن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر- الحديث رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يقول الله الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- رواه مسلم وعن سلمة بن الأكوع قال قال رسول الله ﷺ لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتّى يكتب فى الجبارين فيصيبه ما أصابهم- رواه الترمذي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله ﷺ قال يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة فى صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون الى سجن فى جهنم يسمى بونس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة اهل النار طينة الخبال- رواه الترمذي وعن اسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول بئس العبد عبد تخيل واختال ونسى الكبير المتعال الحديث- رواه الترمذي والبيهقي فى شعب للايمان وعن عمر قال وهو على المنبر يا ايها الناس فانى سمعت رسول الله ﷺ يقول من تواضع لله رفعه الله فهو فى نفسه صغير وفى أعين الناس كبير ومن تكبر وضعه الله فهو فى أعين الناس صغير وفى نفسه كبير حتّى لهو أهون عليهم من كلب او خنزير والله اعلم- اخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال ان التورية كلها فى خمس عشرة اية من بنى إسرائيل ثم قرا وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآيات.
كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ قرا الكوفيون وابن عامر بضم الهمزة والهاء على التذكير مرفوعا على انه اسم كان وما بعده خبره- فذلك اشارة الى الخصال المذكورة من قوله تعالى.
وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وضمير سيّئه راجع الى الكل- أضاف السىّء الى الكل يعنى ان المنهي عن الأشياء المذكورة فان من الأشياء المذكورة مأمورات ومنهيات- وقرا اهل الحجاز والبصرة سيّئة بفتح التاء للتانيث مع التنوين منصوبا على انه خبر كان- والاسم ضمير كل وذلك اشارة الى ما نهى عنه خاصة من قوله وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ
الى هنا فانها سيئات لا حسنة فيها وعلى هذا قوله عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨) بدل من سيئة او صفة لها محمولة على المعنى فانه بمعنى سيئا- ويجوز ان يكون مكروها منصوبا على الحال من المستكن فى كان او فى الظرف على انه صفة سيئة والمراد بالمكروه المبغوض المقابل للمرضى ذلِكَ اى الاحكام المتقدّمة مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ فى القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم بمعنى الاناءة والعقل والنبوة والقران والإنجيل- قلت والمراد هاهنا العلم النافع وَلا تَجْعَلْ ايها الإنسان مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كرره للتنبيه على ان التوحيد مبدا الأمر وشرط لصحة الأعمال كلها ومنتهاه فانه من قصد بفعله او تركه غير وجه الله ضاع سعيه وانه رأس الحكمة وملاكها- فالتوحيد علم مقصود بذاته والعلوم غيره مقصودة للعمل ورتب عليه اولا ما هو عائدة الشرك فى الدنيا وثانيا ما هو نتيجته فى العقبى فقال فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك ويلومك الله والخلائق كلها مَدْحُوراً (٣٩) مبعدا عن رحمة الله.
أَفَأَصْفاكُمْ خطاب لمن قال الملائكة بنات الله- والاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره اجعل لكم البنين فاصفاكم اختاركم رَبُّكُمْ بما هو الصفوة من الأولاد اى بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ لنفسه بناتا مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (٤٠) فى القباحة حيث تنسبون الأولاد اليه تعالى وهى من خواص بعض الأجسام الّتي يتطرق إليها سرعة الزوال ثم تجعلون له تعالى من الأولاد أدون الصنفين ثم تجعلون الملائكة الذين هم الطف خلق الله أدونها-.
وَلَقَدْ صَرَّفْنا اى كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير فِي مواضع عديدة من هذَا الْقُرْآنِ او المعنى ولقد كررنا بوجوه من التقرير ما ذكرنا فى هذا القران من العبر والحكم والأمثال والاحكام والحجج والتذكير- ويجوز ان يراد بهذا القران ابطال نسبة الولد لا سيما البنات اليه تعالى- والتقدير ولقد صرفنا القول فى هذا المعنى والتشديد فى صرفنا للتكثير لِيَذَّكَّرُوا قرا الجمهور بتشديد الذال من التذكر اى ليتعظوا فلا ينسبوا
الى الله تعالى ما لا يليق به- ويأتوا بما أمروا وينتهوا عما نهوا عنه- وقرا حمزة والكسائي بسكون الذال وضم الكاف وكذلك فى الفرقان من الذكر وهو ايضا بمعنى التذكر وَما يَزِيدُهُمْ تصريفنا وتذكيرنا شيئا إِلَّا نُفُوراً (٤١) اى ذهابا عن الحق وتباعدا.
قُلْ يا محمّد لهؤلاء المشركين لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ قرا ابن كثير وحفص بالياء على الغيبة على ان الكلام مع الرسول والباقون بالتاء على الخطاب للمشركين إِذاً اى إذا كان كذلك ظرف لما بعده لَابْتَغَوْا لطلبوا إِلى ذِي الْعَرْشِ الّذي هو مالك الملك سَبِيلًا (٤٢) بالمغالبة والقهر كما هو عادة الملوك وإمكان التمانع ثابت بالبداهة والتمانع يستلزم عجز أحدهما او كليهما وهو مناف للالوهية- والجملة جواب لقولهم وجزاء للو.
سُبْحانَهُ تنزه الله تنزيها عن التمانع والعجز المنافى للالوهية وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ اى المشركون عُلُوًّا اى تعاليا كَبِيراً (٤٣) اى تباعدا غاية البعد فانه تعالى فى أعلى مراتب الوجود والبقاء كذاته- واتخاذ الولد من ادنى مراتبه فانه من خواص ما يتسارع اليه الفناء- والمشاركة من ادنى مراتب المالكية- قرا حمزة والكسائي تقولون بالتاء خطابا للمشركين والباقون بالياء للغيبة على انه تعالى تنزه به نفسه عن مقالتهم-.
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قرا ابو عمرو وحفص وحمزة والكسائي ويعقوب تسبح بالتاء لتأنيث الفاعل والباقون بالياء التحتانية للحائل وكون التأنيث غير حقيقى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ له اى ينزهه عما هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث ومناف للالوهية «١» متلبسا بِحَمْدِهِ على جمال ذاته وكمال صفاته وتواتر انعاماته بلسان المقال الّتي أعطاها الله إياه ويسمعها من اعطى الله سبحانه سماعا لقلبه- عن عبد الله بن مسعود قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا- كنا مع رسول الله ﷺ فى سفر فقلّ الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا باناء فيه ماء قليل- فادخل يعنى رسول الله ﷺ يده فى الإناء ثم قال حى على الطهور المبارك والبركة من الله- فلقد رايت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل- رواه البخاري وقال
(١) وفى الأصل ملتبسا [.....]
مجاهد كل الأشياء تسبح لله حيّا كان او جمادا وتسبيحها سبحان الله وبحمده- وقال ابراهيم النخعي وان من شيء جماد اوحى الا يسبح بحمده حتّى صرير الباب ونقيض السقف- وحصر بعضهم التسبيح على الحي من الأشياء- وقال قتادة تسبح «١» الحيوانات والناميات- وقال عكرمة الشجرة تسبح والاسطوانة لا تسبح- ولا وجه للقول بالتخصيص وقد صح حنين الاسطوانة بمفارقة النبي صلى الله عليه وسلم- وقال الله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ- وقال رسول الله ﷺ ان الجبال ينادى الجبل هل مربك أحد ذكر الله فاذا قال نعم استبشر- رواه الطبراني عن ابن مسعود وايضا يسبح كل شيء بلسان الحال حيث يدل بامكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب الوجود لذاته المنزه عما لا يليق به من النقص والزوال المتصف بصفات الكمال- والاقتصار على القول بأحد النوعين من التسبيح تقصير وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ ايها الناس يعنى أكثرهم تَسْبِيحَهُمْ المقالى والمشركون لكمال غباوتهم والعمه غافلون عن التسبيح الحالي ايضا إِنَّهُ كانَ حَلِيماً لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم غَفُوراً (٤٤) لمن تاب منكم اخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال كان رسول الله ﷺ إذا تلا القران على مشركى قريش ودعاهم الى الله- قالوا (يهزءون به) قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ «٢» بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ- فانزل الله تعالى فى ذلك من قولهم.
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً يحجب القلوب عن فهمه والانتفاع به قال قتادة هو الاكنة مَسْتُوراً (٤٥) ذلك الحجاب عن الحس او مستورا بحجاب اخر حيث لا يفهمون ولا يفهون انهم لا يفهمون- وقيل المستور هاهنا بمعنى الساتر كما فى قوله تعالى كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا يعنى آتيا- وفسر بعضهم بالحجاب بين رسول الله ﷺ وبين الناس يحجبه ﷺ عن الأعين الظاهرة كما
(١) عن عمر بن الخطاب قال لا تلطموا وجوه الدواب فان كل شيء يسبح بحمده- وعن ميمون بن مهران قال اتى ابو بكر الصديق بغراب وافر الجناحين فجعل ينشر جناحيه ويقول ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة الا بما ضيّعت من التسبيح- وروى نحوه الزهري وقال اتى ابو بكر بغراب الحديث ١٢ ازالة الخفا منه رحمه الله-
(٢) وفى الأصل وبيننا بينك حجاب-
قال البغوي انه روى عن سعيد بن جبير انه لما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ جاءت امراة ابى لهب ومعها حجر والنبي ﷺ مع ابى بكر فلم تره- فقالت لابى بكر اين صاحبك بلغني انه هجانى فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله- فرجعت وهى تقول قد كنت أتيت بهذا الحجر لارضخ به رأسه- فقال ابو بكر ما راتك يا رسول الله قال لا لم يزل ملك بينى وبينها يسترنى- قلت فحينئذ الاية واقعة حال إذ لم يكن انه ﷺ كلما قرا القران لا يراه الكفار.
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً اغطية تكنها وتحول دونها عن ادراك الحق وقبوله أَنْ يَفْقَهُوهُ اى كراهة ان يفقهوه او لئلا يفقهوه- ويجوز ان يكون مفعولا لما دل عليه قوله وجعلنا على قلوبهم اكنة اى منعناهم ان يفقهوه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم عن السماعة سماع قبول ولما كان القران معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه مانعا عن فهم المعنى وعن ادراك حسن النظم وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ غير مشفوع به الهتهم مصدر وقع موقع الحال وأصله واحدا وحده وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) عنه هربا من استماع التوحيد ونفرة فهو منصوب على العلية او نفورا يعنى تولية فهو منصوب على المصدرية- او نفورا يعنى نافرين جمع نافر كعاقد وعقود منصوب على الحال.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ اى نحن اعلم بالحال او بالطريقة الّتي يستمعون القران بسببه ولاجله او متلبسا به من الاستهزاء بك وبالقران فمفعول يستمعون محذوف وبه صلة او حال وبيان لما اى يستمعون القران للاستهزاء او هازئين والواجب ان يستمعوه جادين إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وأنت تقرا القران ظرف لا علم وكذا وَإِذْ هُمْ نَجْوى مصدر بمعنى الفاعل او محمول بتقدير ذو- او جمع نجى يعنى نحن اعلم بغرضهم من الاستماع حين هم يستمعون إليك مضمرون له- او حين هم يتناجون بينهم اى يتحدثون او ذووا نجوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه- او بدل من
إذ قبله وضع المظهر اى لفظ الظالمين موضع المضمر للدلالة على ان قولهم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (٤٧) ظلم والمسحور الّذي سحر به فزال عقله- وقال مجاهد مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق يقال ما سحرك عن كذا يعنى ما صرفك وقال ابو عبيد يعنى ذا سحر والسحر الرية يعنى بشرا ذا رية مثلكم يأكل ويشرب ويتنفس.
انْظُرْ يا محمّد كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فقال بعضهم ساعر وقال بعضهم ساحر او مسحور وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم مجنون فَضَلُّوا عن الحق حيث ضربوا أمثالا لا مصداق لها أصلا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) الى الحق والرشاد حيث جعل الله على قلوبهم اكنة- او المعنى لا يستطيعون سبيلا الى ما يريدون من الطعن الموجه بل يأتون طعنا غير موجه- فيتها فتون ويخبطون فى امره كالمتحير فى امره لا يدرى ما يصنع-.
وَقالُوا يعنى مشركى مكة أَإِذا كُنَّا عِظاماً بعد الموت وَرُفاتاً وهو ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات والحطام فى القاموس رفته يرفته كسره ودقّه وانكسروا ندق لازم ومتعدو كغراب الحطّام- وقال مجاهد يعنى ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) مجدّدا انكار واستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من المنافاة- وخلقا منصوب على المصدرية من مبعوثين- او حال من النائب مناب فاعله والعامل فى إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لان ما بعد انّ لا يعمل فيما قبلها.
قُلْ يا محمّد جوابا لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً اى مخلوقا اخر مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ اى من جنس ما يبعد عندكم من قبول الحيوة حتّى يكون ابعد فى الصدور لقبول الحيوة من العظام الرميمة كالسموات والأرضين والجبال- فان الله قادر على احيائكم على ذلك التقدير ايضا لاشتراك الأجسام فى قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل ذلك والشيء اقرب للقبول بما عهد فيه مما لم يعهد وليس هذا امر تكليف والزام بل امر تقدير اى افرضوا أنفسكم حجارة او حديدا
فى الشدة وقوة الجمادية بحيث لا يقبل الحيوة فى زعمكم فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا حيّا بعد الموت قُلِ يعيدكم حيّا بعد الموت الَّذِي فَطَرَكُمْ خلقكم أَوَّلَ مَرَّةٍ وقد كنتم ترابا وهو ابعد من الحيوة- وليس أول الخلق باهون من الاعادة فَسَيُنْغِضُونَ اى يحركون إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ تعجبا واستهزاء وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ هو اى بعثكم واعادتكم حيّا قَرِيباً (٥١) فان كل ما هو ات قريب- او المعنى يكون اقرب زمانا من بدء خلق العالم- وقريبا منصوب على الخبر وجاز ان يكون اسم عسى مضمرا وان يكون خبره وقريبا منصوب على الظرف اى فى زمان قريب-.
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ اى فتجيبون من القبور بدل من قوله قريبا على تقدير كونه خبرا او ظرفا- او هو منصوب باذكر اى يوم يدعوكم الله من القبور الى موقف القيامة للمحاسبة على لسان اسرافيل عليه السلام فتجيبونه وقيل معناه يبعثكم فتبعثون استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما والمقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء بِحَمْدِهِ حال من فاعل تستجيبون اى حامدين على كمال قدرته مقرين بانه «١» خالقهم وباعثهم يحمدون حين لا ينفعهم الحمد- او المعنى منقادين لبعته انقياد الحامدين عليه- وقيل هذا خطاب مع المؤمنين فانهم يبعثون حامدين بخلاف الكفار- فانهم يبعثون قائلين يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ... يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ- روى الختلي فى الديباج عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال أخبرني جبرئيل انّ لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمّد لو تراهم حين يقومون من قبورهم ينفضون رءوسهم- هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فيبيض وجهه- وهذا ينادى يحسرتى على ما فرّطتّ فى جنب الله مسودة وجوههم- وروى الطبراني وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ليس على اهل لا اله الا الله وحشة فى الموت ولا فى القبور ولا فى
(١) وفى الأصل بانهم خالقهم-
النشور- كانى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ فى الدنيا او فى القبور إِلَّا قَلِيلًا (٥٢) لما يرون من الهول قال قتادة يستحقرون مدة الدنيا فى جنب القيامة- قال الكلبي كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا الى رسول الله ﷺ فانزل الله عز وجل.
وَقُلْ يا محمّد لِعِبادِي المؤمنين يَقُولُوا الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمات يعنى الدعوة الى الإسلام وقول لا اله الا الله بالرفق واللين واقامة البراهين واظهار النصح بلا خشونة مع المشركين ولا ان تكافؤهم بسفههم- وقال الحسن يقول له يهديك الله وكان هذا قبل الاذن فى القتال- وقيل نزلت فى عمر بن الخطاب رضى الله عنه شتمه بعض الكفار فامره بالعفو- وقيل امر الله المؤمنين بان يقولوا ويفعلوا الكلمة والخلة الّتي هى احسن الكلمات والخلل- وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا اله الا الله إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ النزغ إيقاع الشر وإفساد ذات البين- يعنى لا يقولوا ما يتطرق اليه الشيطان بالفساد فيفسد ويلقى العداوة بينهم إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) ظاهر العداوة فيفضى الكفار الى جهنم ويفضى المؤمنين الى الشر العاجل.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ اى يوفقكم للايمان فيرحمكم أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ اى يميتكم على الشرك فيعذبكم كذا قال ابن جريج- قيل هذا تفسير للّتى هى احسن وما بينهما اعتراض- اى قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها يعنى لا تسافهوهم ولا تشاتموهم ولا تصرحوا بانكم من اهل النار- فانه يهجّهم على الشر مع ان اختتام أمرهم غيب لا يعلمه الا الله- وقال الكلبي هذا خطاب من الله للمؤمنين والمعنى إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ فينجيكم من اهل مكة أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ فيسلطهم عليكم وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد عَلَيْهِمْ يعنى على الكفار وَكِيلًا (٥٤) موكولا إليك أمرهم حتّى تكرههم على الايمان وتهتم بكفرهم انما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك
باحتمال الأذى منهم-.
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من غيره يعلم من هو اهل لنبوته وولايته ومخلوق ومجبول للسعادة ومن هو على نقيض ذلك- فهو رد لاستبعاد قريش ان يكون يتيم ابى طالب نبيّا ويكون فقراء الناس كبلال وصهيب أولياءه ومن اهل الجنة ويكون شرفاء قريش من اهل النار وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بالفضائل النفسانية والتبرّى عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك- قال قتادة فى هذه الاية اتخذ الله ابراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وقال لعيسى كن فكان (قلت كلمه فى المهد صبيّا وأتاه الكتاب والحكمة وعلمه التورية والإنجيل وأيده بروح القدس) قال واتى سليمان ملكا لا ينبغى لاحد من بعده يعنى سخر له الجن والانس والشياطين مقرنين فى الأصفاد واتى داؤد زبورا كما قال وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) يعنى فضله بما اوحى اليه من الكتاب لا بما اوتى من الملك- ففى هذه الاية رد على ما أنكر كفار مكة فضل النبي ﷺ بان فضل الأنبياء انما كان بالفضائل النفسانية والتبرّى عن العلائق الجسمانية والعلوم الموحى إليهم ومراتب القرب من الله تعالى وشيوع الهداية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك- فالله سبحانه فضله على سائر النبيين بجعله خاتم النبيين وأمته خير الأمم المذلول عليه ما كتب فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ- وأعطاه القران اقل حجما واكثر علما واظهر معجزة- ورفعه درجات دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى - قال البغوي الزبور كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتحميد وثناء على الله عز وجل ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود انتهى- وتنكيره هاهنا وتعريفه فى قوله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لانه فى الأصل فعول للمفعول كالودود بمعنى المودود- او للمصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم فهو كالعباس والفضل- او لان المراد بعض الزبور او بعضا من الزبور فيه ذكر رسول الله ﷺ اعلم اخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال كان ناس من الانس يعبدون
ناسا من الجن فاسلم الجنيون واستمسك الآخرون بعبادتهم فانزل الله تعالى.
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انها الهة مِنْ دُونِهِ من الجن فَلا يَمْلِكُونَ اى لا يستطيعون كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ كالمرض والفقر والقحط وَلا تَحْوِيلًا (٥٦) اى تحويل ذلك منكم الى غيركم.
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ اى يدعوهم المشركون الهة ويعبدونهم من الجن يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ حيث أمنوا برسول الله ﷺ يطلبون الى الله القربة بالطاعة- وقيل الوسيلة التوصل الى شيء برغبة وهى أخص من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة- فالوسيلة الى الله مراعاة سبيله بالعلم والعمل وتحرى مكارم الشريعة فهى القربة- وفى القاموس الوسيلة والواسلة المنزلة عند الملك الدرجة والقربة ووسّل الى الله تعالى توسّلا عمل عملا تقرب به اليه أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بدل من واو يبتغون اى يبتغى من هو اقرب منهم الى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب كذا قال الزجاج- وقيل معناه يطلبون أيهم اقرب الى الله فيتوسلون به او ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكانه قال يحرصون أيهم يكون اقرب الى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ فكيف يزعمون انها الهة إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) حقيقا بان يحذره كل أحد حتّى الرسل والملائكة- وقال البيضاوي المراد ان الذين زعمتم انها الهة من دونه كالملائكة والمسيح وعزير لا يملكون كشف الضر ويبتغى أقربهم الى الله الوسيلة قال ابن عباس ومجاهد عيسى وامه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم يطلبون إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ... وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ وقال البغوي أصاب المشركين قحط شديد حتّى أكلوا الميتة والجيف فاستغاثوا بالنبي ﷺ ليدعو لهم فانزل الله تعالى قُلِ للمشركين ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انها الهة من دون الله فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ-.
وَإِنْ اى ما مِنْ قَرْيَةٍ من القرى إِلَّا قرية نَحْنُ مُهْلِكُوها اى مخربوها ومهلكوا أهلها بالموت قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها
عَذاباً شَدِيداً
إذا كفروا وعصوا قال مقاتل وغيره يعنى مهلكوها فى حق المؤمنين بالاماتة او معذبوها فى حق الكفار بانواع العذاب قال ابن مسعود إذا ظهر الزنى والربوا فى قرية اذن الله فى هلاكها كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ اى فى اللوح المحفوظ مَسْطُوراً (٥٨) مكتوبا عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله ﷺ ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن الى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب اسنادا والله اعلم- اخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس والطبراني وابن مردوية عن ابن الزبير نحوه ابسط منه انه سال اهل مكة النبي ﷺ ان يجعل لهم الصفا ذهبا وان ينحى عنهم الجبال فيزرعوا فاوحى الله الى رسوله ان شئت ان أستأني بهم فعلت وان شئت ان أوتيهم ما سالوا فعلت فان لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم فقال النبي ﷺ لا بل تستانّ بهم فانزل الله عز وجل.
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ الّتي سالها الكفار استعير المنع لترك إرسال الآيات وان مع صلتها فى موضع النصب على انه مفعول ثان لمنعنا إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا اى بالآيات المقترحة المستثنى فى محل الرفع بمنعنا الْأَوَّلُونَ اى كفار الأمم السابقة الذين كفار مكة أمثالهم فى الطبع والعادة فاهلكوا- وانه لو أرسلنا بالآيات لكذّب هؤلاء كما كذّب أولئك فيهلك هؤلاء كما أهلك أولئك- لان من سنتنا فى الأمم انهم إذ سالوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إرسال الآيات ان نهلكهم ولا نمهلهم- وقد حكمنا بامهال هذه الامة قال الله تعالى بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بسبب تكذيب الآيات المقترحة فقال وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ بسوالهم مُبْصِرَةً اى اية بينة ذات أبصار فَظَلَمُوا اى كفروا بِهَا او ظلموا أنفسهم بعقرها فاهلكوا وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة الباء زائدة إِلَّا تَخْوِيفاً (٥٩) من نزول العذاب المستأصل فى الدنيا- فان لم يخافوا نزل بهم العذاب فى الدنيا- او المعنى ما نرسل بالآيات الّتي نرسلها يعنى غير المقترحة من المعجزات او آيات القران إِلَّا تَخْوِيفاً بعذاب الاخرة
مؤذية يقول العرب لكل طعام كريه ضار ملعون وقد اولت بالشيطان وابى جهل والحكم بن ابى العاص وَنُخَوِّفُهُمْ بانواع التخويف فَما يَزِيدُهُمْ تخويفنا شيئا إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) اى تمردا وعتوا عظيما-.
وَاذكر إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) اى لمن خلقته من طين فنصبه بنزع الخافض او على التميز- ويجوز ان يكون حالا من الراجع المحذوف الى الموصول اى خلقته وهو طين وحمله باعتبار ما كان او وهو من طين- وفيه على الوجوه ايماء لعلة الإنكار- قال البغوي وذلك ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الله بعث إبليس حتّى أخذ كفّا من تراب الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم فمن خلقه من العذب فهو سعيد وان كان ابن كافرين ومن خلقه من الملح فهو شقى وان كان ابن نبيين- وروى احمد والترمذي وابو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوا آدم من قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب.
قالَ إبليس أَرَأَيْتَكَ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ هذا مفعول أول لا رايت والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه- والمعنى أخبرني عن هذا الّذي كرمته علىّ وتأمرونى بالسجود له لم كرّمته علىّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ اثبت الياء فى الحالين ابن كثير وأثبتها فى الوصل فقط نافع وابو عمرو وحذفها الباقون فى الحالين والمعنى لان أمهلتني ولا تميتنى إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ولهذا كلام مبتدا واللام موطية للقسم وجوابه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ اى لاستأصلنّهم بالإغواء من احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله- او المعنى لاقودنّهم كيف شئت واستولينّ عليهم من قول العرب حنك الدابة يحنكها إذا شد فى حنكها الأسفل حبلا يقودها- فى القاموس احتنكه استولى عليه والجراد الأرض أكلت ما عليها إِلَّا قَلِيلًا (٦٢) يعنى المعصومين الذين استثناهم الله تعالى وقال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال البيضاوي انما علم ان ذلك يتسهل له اما استنباطا
من قول الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير او تفرسا من خلقته ذا وهم وغضب وشهوة-.
قالَ الله تعالى اذْهَبْ امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه ثم عقبه بما افضى اليه سوء اختياره فقال فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ اى جزاؤك وجزاء اتباعك فغلّب المخاطب على الغائب جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) اى وافرا مكملا من قولهم وفر لصاحبك عرضه- وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله او حال موطية لقوله. مَوْفُوراً وَاسْتَفْزِزْ اى استخف واستزل واستجهل فى القاموس استفزه استخفه وأخرجه من داره.
مَنِ اسْتَطَعْتَ ان تستفزه مِنْهُمْ اى من ذرية آدم بِصَوْتِكَ قال ابن عباس اى بدعائك إياهم الى المعصية- وكل داع الى معصية الله فهو من جند إبليس- وقال الأزهري اى ادعهم دعاء تستفزهم به الى جانبك وقال مجاهد اى بالغناء والمزامير وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ جلبه يجلبه اجتلبه ساقه من موضع الى اخر كذا فى القاموس- ومنه فى الحديث لاجلب- قال فى النهاية الجلب فى شيئين أحدهما ان يقدم المصدق على الزكوة فينزل موضعا ثم يرسل من يجلب اليه فنهى عن ذلك وأمران تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم- ثانيهما فى السباق وهو ان يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثّا له على الجري فنهى عن ذلك وفى القاموس اجلب على الفرس زجره وايضا الجلبة الصوت- فى القاموس رعد فجلب اى فصوّت واجلب عليه إذا صاح به واستحثه فى حديث الزبير يقود الجيش ذا الجلب قال القتيبي هو جمع جلبة وهو الأصوات- وايضا الجلب الاجتماع قال فى النهاية يقال اجلبوا عليه إذا تجمعوا واجلبه اى أعانه فى حديث العقبة انكم تبايعون محمّدا ﷺ على ان تحاربوا العرب والعجم مجلبة اى مجتمعة على الحرب- فمعنى الاية اجمع مكائدك وخيلك ورجلك او المعنى صح عليهم وحثهم على المعاصي او المعنى سقهم الى المعاصي او المعنى أعنهم على المعاصي وقال معناه استعن عليهم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ اى بركبانك ومشاتك قال اهل التفسير كل راكب وماش فى المعاصي فهو من جند إبليس- وقال مجاهد قتادة
455
ان له خيلا ورجلا من الجن والانس وهو كل من يقاتل فى المعصية- وقال البيضاوي معناه صح عليهم باغوائك من راكب وراجل- ويجوز ان يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمن عدا على قوم فاستفزهم من أماكنهم واجلب عليهم بجنده حتّى استأصلهم- قرا حفص رجلك بكسر الجيم والباقون بسكونها وهما لغتان وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام وصرفها فيها كذا قال مجاهد والحسن وسعيد بن جبير- وقال عطاء هو الربوا وقال هو ما كان المشركون يحرمونه من الانعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام- وقال الضحاك وما كانوا يذبحونه لالهتهم وَالْأَوْلادِ روى عن ابن عباس انها الموءودة- وقال مجاهد والضحاك هم أولاد الزنى- وقال الحسن وقتادة هو انهم هوّدوا أولادهم ونصّروهم ومجسّوهم- وعن ابن عباس رواية اخرى هو تسمية الأولاد عبد الحارث وعبد الشمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوها- وروى عن جعفر بن محمّد عليهما السلام ان الشيطان يقعد على ذكر الرجل فلم يقل بسم الله أصاب معه امرأته وانزل فى فرجها كما ينزل الرجل- قال البغوي وفى بعض الاخبار ان فيكم مغربين قيل ومن المغربين قال الذين شارك فيهم الجن وَعِدْهُمْ المواعيد الباطلة كشفاعة الأصنام والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة وان لا جنة ولا نار ولا بعث- فان قيل هذا امر بالمعصية والله لا يأمر بالفحشاء قلنا هذا امر بمعنى التهديد كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ- او للاهانة يعنى لا يخلّ ذلك بملكي وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (٦٤) اعتراض لبيان مواعيده والغرور تزيين الباطل بما يظن انه حق- قال البغوي فى الآثار ان إبليس لما اخرج الى الأرض- قال يا رب أخرجتني من الجنة لاجل آدم فسلطنى عليه وعلى ذريته- قال أنت مسلط فقال لا استطيعه الا بك فزدنى قال اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الاية- وقال آدم يا رب سلطت ا؟؟؟
علىّ وعلى ذريتى وانى لا استطيعه الا بك- قال لا يولد لك ولد الا وكلت به؟؟؟
قال زدنى قال الحسنة بعشر أمثالها- قال زدنى قال التوبة معروضة ما دام الروح؟؟؟
قال زدنى قال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا الاية- وفى الخبر ان
456
إبليس قال يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا- فما قراءتى قال الشعر قال فما كتابى قال الوشم قال ومن رسلى قال الكهنة قال وابن مسكنى قال الحمّامات قال واين مجلسى قال الأسواق قال اى شيء مطعمى قال ما لم يذكر عليه اسمى قال ما شرابى قال كل مسكر قال وما حبالتى قال النساء قال وما اداتى قال المزامير.
إِنَّ عِبادِي اى المخلصين والاضافة للتعظيم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ اى على اغوائهم سُلْطانٌ قدرة وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥) اى من يتوكلون به فى الاستعاذة منك ويوكلون اليه أمورهم فهو يحفظهم منك.
رَبُّكُمُ الَّذِي اى هو الّذي يُزْجِي اى يسوق ويجرى لَكُمُ الْفُلْكَ اى السفن فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الربح وانواع الرزق ما ليس عندكم إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) حيث هيّا لكم ما تحتاجون اليه وسهّل لكم ما تعسّر.
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ شدة الخوف من الغرق فِي الْبَحْرِ ضَلَّ اى ذهب عن خواطركم مَنْ تَدْعُونَ اى من تدعونه الهة إِلَّا إِيَّاهُ اى الا الله تعالى فانكم لا تذكرون حينئذ سواه- او ضل من تدعونه الهة عن اغاثتكم ولكن الله يذهب عنكم الضر فالاستثناء حينئذ منقطع فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن التوحيد وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) للنعم هذا كالتعليل للاعراض.
أَفَأَمِنْتُمْ الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فامنتم فحملكم ذلك على الاعراض ولا ينبغى ذلك فانه من قدر ان يهلككم فى البحر بالغرق قدر أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ
اى يقلب الله ناحية البر وأنتم عليه او يقلبه بسببكم فيهلككم فقوله بكم اما حال أو صلة أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً اى ريحا يحصب به اى يرمى بالحصباء اى الحصى وهى الحجارة الصغار ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨) مانعا يحفظكم من ذلك إذ لا راد لفعله.
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ اى فى البحر تارَةً مرة أُخْرى يخلق دواعى يلجيكم الى ان ترجعوا فتركبوا البحر فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال ابن عباس اى عاصفا وهى الريح الشديدة وقال ابو عبيدة الّتي تقصف اى تدق وتحطم
كل شيء وقال القتيبي هى الّتي تقصف الشجر اى تكسره فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ اى بسبب اشراككم او بكفرانكم نعمة الانجاء أول مرة- قرا ابن كثير وابو عمرو ان نّخسف ونرسل ونعيد ونغرقكم بالنون فيهن على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة غير ان أبا جعفر ويعقوب قرا فتغرقكم بالتاء الفوقانية على التأنيث والضمير راجع الى الريح ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) اى ناصرا وثائرا يتبعنا مطالبا بالثار وقيل من يتبعها بالإنكار-.
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بحسن الصورة والمزاج إلا عدل واعتدال القامة والتميز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والتهدى الى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما فى الأرض بان سخر لهم سائر الأشياء والتمكن من الصناعات واتساق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية الى ما يعود عليهم بالمنافع وان يتناول الطعام بيده الى فيه بخلاف سائر الحيوانات والعشق والمعرفة والوحى ومراتب القرب من الله تعالى- اخرج الحاكم فى التاريخ والديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ﷺ الكرامة الاكل بالأصابع وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على الدواب وَالْبَحْرِ على السفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه او حملناهم فيهما حتّى لا يخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى المستلذّات من المطاعم والمشارب وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (٧٠) الفضل فى اللغة الزيادة والمراد هاهنا الزيادة فى الثواب ومراتب القرب الى الله تعالى فالضمير المنصوب فى فضلناهم راجع الى بنى آدم باعتبار بعض افراده يعنى المؤمنين كما فى قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ الى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ اى الرجعيات منهن أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وذلك لان الكفار منهم هم أدون خلق الله وابغضهم اليه وأخبثهم وأُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ- وظاهر الاية تدل على ان فضلهم على كثير من الخلائق لا على كلهم فقال قوم فضلوا على جميع الخلق الا الملائكة- وقال الكلبي فضلوا على الخلائق كلهم الأعلى طائفة من الملائكة منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت- وقال
قوم فضلوا على جميع الخلق وعلى الملائكة كلهم وقد يوضع الأكثر موضع الكل كما قال الله تعالى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ الى قوله وَأَكْثَرُهُمْ «١» كاذِبُونَ اى كلهم ويؤيده حديث جابر يرفعه قال لما خلق الله آدم وذرّيّته قالت «٢» الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة فقال الله تعالى لا اجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان- رواه البيهقي فى شعب الايمان- والتحقيق ان عوام المؤمنين اى الصالحين منهم وهم اولياء الله أفضل من عوام الملائكة واما غير الأولياء من المؤمنين فبعد ما يمحصون من الخطايا اما بالمغفرة واما بالعقاب بقدر ذنوبهم ويدخلون الجنة يلتحقون بالأولياء- وخواص المؤمنين وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- وروى عن ابى هريرة انه قال المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده كذا ذكر البغوي- ورواه ابن ماجة بلفظ المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته يعنى جنس المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته قلت قيد الأكثر فى هذه الاية وكذا قيد البعض فى حديث ابى هريرة عند ابن ماجة لا ينفى افضلية بعض المؤمنين يعنى الأنبياء على جميع الملائكة الا بالمفهوم ولا عبرة بالمفهوم لا سيما فى مقابلة عموم منطوق قوله تعالى أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- الا ترى ان معنى الاية فضلنا جميع المؤمنين يعنى كل واحد منهم على كثير من الخلائق- وذالا ينافى ما قال اهل السنة فى كتب العقائد ان الخواص منهم فضلوا على كل ملك حتّى خواصهم ووجه فضلهم على الملائكة انهم مجبولون على الطاعة فيهم عقل بلا شهوة وفى البهائم شهوة بلا عقل وفى الإنسان عقل وشهوة فمن عمل على مقتضى عقله وترك شهوته جاهد فى الله حق جهاده فاجتباه الله وقال الله تعالى الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ- ومن عمل بشهوته وأهمل عقله وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فالجحيم له المأوى وهم كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ-.
يَوْمَ نَدْعُوا منصوب بإضمار اذكر او ظرف لما دل عليه وَلا يُظْلَمُونَ... كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال مجاهد وقتادة اى بنبيهم وقال ابو صالح والضحاك
(١) وفى الأصل وأكثرهم الكاذبون-
(٢) وفى الأصل... قالت يا رب-
بكتابهم الّذي انزل إليهم اخرج ابن مردوية عن على قال قال رسول الله ﷺ يدعى قوم بامام لهم وكتاب ربهم- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس بامام زمانهم الّذي دعاهم فى الدنيا الى ضلالة او هدى قال الله تعالى وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا- وقال وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وقيل بمعبودهم- وعن سعيد بن المسيب قال كل قوم يجتمعون الى رئيسهم فى الخير والشر- وقال الحسن وابو العالية أعمالهم الّتي قدموها- وقال قتادة ايضا بكتابهم الّذي فيه أعمالهم بدليل سياق الاية ويسمى الكتاب اماما- قال الله تعالى وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ- وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم- وقال محمّد بن كعب بامهاتهم جمع أم كخف وخفاف والحكمة فى ذلك إجلال عيسى عليه السلام واظهار شرف الحسن والحسين رضى الله عنهما- وان لا يفتضح أولاد الزنى- قوله بامامهم حال اى مختلطين بمن ايتمّوا به من نبىّ او كتاب او رئيس فى الخير او الشر او حاملين أعمالهم او صحائفها- او صلة لندعوا يعنى ندعوهم باسم امامهم يقال يا امة فلان يا اتباع فلان يا اهل دين وكتاب كذا يا اصحاب اعمال كذا يا ابن مريم يا ابن فاطمة ونحو ذلك فَمَنْ أُوتِيَ من المدعوين كِتابَهُ اى كتاب عمله بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧١) منصوب على المصدرية اى لا يظلمون ظلما قدر فتيل- او على المفعولية بتضمين ينقصون اى لا تنقص من أجورهم ادنى شيء قدر فتيل- والفتيل ما يكون فى شق النواة او ما فتلته بين أصابعك من الوسخ- وجمع اسم الاشارة والضمير لان من اوتى فى معنى الجمع وتعليق القراءة بايتاء الكتاب باليمين يدل على من اوتى كتابه بشماله او وراء ظهره إذا اطلع ما فيه غشيهم من الحجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم من القراءة فلا يقرءون بل يقولون يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ- ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم اكتفاء بقوله.
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى قيل هذه اشارة الى النعم الّتي عدها الله من قوله رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ الى قوله تفضيلا- يعنى من كان فى هذه النعم الّتي قد عاين أعمى فهو فى الاخرة الّتي لم يره أشد عمى وأضل سبيلا- يروى هذا عن ابن عباس- وقيل
اشارة الى الدنيا يعنى من كان فى هذه الدنيا أعمى القلب عن روية ادلة التوحيد وطريق الحق فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى قيل معناه التفضيل يعنى أشد عمى منه فى الدنيا لا يرى طريق النجاة أصلا- فان قيل افعل التفضيل شرطه ان لا يكون من لون او عيب فكيف اعتبر فيه معنى التفضيل- قلنا المراد بالعمى هاهنا عمى القلب والمانع من بناء افعل التفضيل العيب الظاهري- فالاعمى هاهنا كالاحمق والأجهل والأبله ولذلك امال ابو عمرو ويعقوب فى الاول فقط- ولم يميلا فى الثانية لان افعل التفضيل إذا استعمل بمن كانت الفه فى حكم المتوسط فلا يمال بخلاف افعل الصفة واما ابو بكر وحمزة والكسائي فقرءوا بالامالة فى الحرفين وورش بين بين فيهما والباقون بالفتح فيهما على أصولهم فهم لا يعتبرون معنى التفضيل وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢) منه فى الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة وكان فى الدنيا تقبل توبته ان تاب وفى الاخرة لا تقبل توبته او المعنى أضل سبيلا من الأعمى- اخرج ابن مردوية وابن ابى حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمّد بن ابى محمّد عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج امية بن خلف وابو جهل بن هشام ورجال من قريش فاتوا رسول الله ﷺ فقالوا يا محمّد تعال فتمسّح بآلهتنا وندخل معك فى دينك وكان يحب اسلام قومه فرق لهم فانزل الله تعالى.
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الاية قال صاحب لباب النقول فى اسباب النزول هذا أصح ما ورد فى سبب نزولها وهو اسناد جيد وله شواهد- اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله ﷺ يستلم الحجر فقالوا لا ندعك لتستلم حتى تلمّ بآلهتنا فقال رسول الله ﷺ وما علىّ لو فعلت والله يعلم منى خلافه- وذكر البغوي نحوه وفيه والله يعلم انى لكاره بعد ان يدعونى حتّى استلم الحجر- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن شهاب نحوه والله اعلم- واخرج ابن ابى حاتم عن جبير بن نفير ان قريشا آتوا النبي ﷺ فقالوا ان كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فنكون نحن أصحابك فركن
رسول الله ﷺ إليهم فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن محمّد بن كعب القرظي انه ﷺ قرا النجم أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فالقى عليه الشيطان تلك الغرانيق العلى ان شفاعتهن لترتجى فنزلت هذه الاية فما زال مهموما حتّى انزل الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى الاية- وفى هذه الأحاديث دليل على ان هذه الاية مكية- وقيل انها مدنية وذكر سبب نزوله ما اخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس ان ثقيفا قالوا للنبى ﷺ اجّلنا سنة حتّى تهدى لالهتنا فاذا قبضنا الّذي تهدى للالهة احرزنا بم اسلمنا- فهمّ ان يؤجلهم فنزلت واسناده ضعيف وذكر البغوي هذه القصة بانه قال ابن عباس وقد ثقيف على النبي ﷺ فقالوا نبايعك على ان تعطينا ثلاث خصال قال وما هن قالوا لا نحنى فى الصلاة اى لا ننحنى- ولا نكسر أصنامنا بايدينا- وان تمتعنا باللات سنة من غير ان نعبدها- فقال ﷺ لا خير فى دين لا ركوع فيه ولا سجود واما ان لا تكسروا أصنامكم بايديكم فذلك لكم واما الطاغية يعنى اللات والعزى فانى غير متمتعكم بها قالوا يا رسول الله انا نحب ان يسمع العرب انك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فان خشيت ان يقول العرب اعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله امر بذلك فسكت رسول الله ﷺ فطمع القوم فى سكوته ان يعطيهم ذلك فانزل الله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الاية- ان هى المخففة واللام هى الفارقة والمعنى ان الشأن انهم قاربوا بمبالغتهم ان يوقعوك فى الفتنة بالاستنزال عن الّذي أوحينا إليك من الاحكام لِتَفْتَرِيَ اى لتختلق عَلَيْنا غَيْرَهُ اى غير ما أوحينا إليك وَإِذاً اى إذا فعلت ذلك الافتراء لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وليّا لهم-.
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ يعنى لولا ثبّت تثبيتا إياك على الحق لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ اى لقاربت ان تميل الى اتباع مرادهم شَيْئاً من الركون ولليل قَلِيلًا (٧٤) منصوب على المصدرية يعنى كنت على قرب من الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم وحرصك على إسلامهم قليلا من الركون لا كثيرا منه لولا عصمتنا
إياك ولكن أدركتك عصمتنا فمنعت ان تقرب من ادنى الركون إليهم فضلا من القرب الى شدة الركون ومن نفس الركون بالطريق الاولى- فالاية دلت على كمال الاستقامة والصلاح فى استعداد النبي صلى الله عليه وسلم- بحيث لو لم يتداركه العصمة والتثبيت من الله فرضا لا تقرب من الميلان الى المعصية الا قليلا وقليل الاقتراب الى المعصية لا يقتضى الوقوع فى المعصية فكيف إذا أدركته العصمة ومنعته من قليل الاقتراب من الركون فضلا من كثير الاقتراب وشتّان بينه وبين نفس الركون فالاية صريح فى انه ﷺ ما همّ بإجابتهم مع قوة الداعي والله اعلم.
إِذاً اى إذا قاربت الى الركون شيئا قليلا لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ اى عذاب الدنيا وعذاب الاخرة ضعف ما يعذب به فى الدارين غيرك لان خطاء الخطير اخطر- وكان اصل الكلام عذابا ضعفا فى الحيوة وعذابا ضعفا فى الممات يعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه ثم أضيفت لما تضاف موصوفها- وقيل الضعف من اسماء العذاب سمى العذاب ضعفا لتضاعف الألم فيه والمعنى عذاب الحيوة عذاب الدنيا ومن عذاب الممات ما يكون بعد الموت- وقيل المراد بضعف الحيوة عذاب الاخرة وبضعف الممات عذاب القبر ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) يدفع العذاب عنك والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى الدلائل من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرّحمن ابن غنم ان اليهود آتوا النبي ﷺ فقالوا ان كنت نبيّا فالحق بالشام فان الشام ارض المحشر وارض الأنبياء فصدّق رسول الله ﷺ ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد الا الشام فلما بلغ تبوك انزل الله تعالى آيات من سورة بنى إسرائيل.
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ اى ليزعجونك والاستفزاز الا زعجاج بسرعة مِنَ الْأَرْضِ اى المدينة لِيُخْرِجُوكَ مِنْها فامره بالرجوع الى المدينة فقال له جبرئيل سل ربك فان لكل نبى مسئلة فقال ما تأمرنى ان اسئل قال قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً- فهؤلاء نزان فى رجعته من تبوك هذا مرسل ضعيف وله شواهد من مرسل سعيد بن جبير عند
ابى حاتم ولفظه قالت المشركون للنبى ﷺ كانت الأنبياء تسكن الشام فما لك والمدينة فهمّ ان يشخص فنزلت- وله طريق اخرى مرسلة عند ابن جرير ان بعض اليهود قال له- وذكر البغوي قول الكلبي انه لما قدم النبي ﷺ المدينة كره اليهود مقامه فى المدينة حسدا فاتوه وقالوا يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء وان ارض الأنبياء الشام وهى الأرض المقدسة وكان بها ابراهيم والأنبياء عليهم السلام فان كنت نبيّا مثلهم فأت الشام- وانما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وان الله سيمنعك منهم ان كنت رسوله فعسكر النبي ﷺ على ثلاثة أميال من المدينة وفى رواية الى ذى الحليفة حتّى يجتمع اليه أصحابه ويخرج فانزل الله هذه الاية- وقال مجاهد وقتادة الأرض ارض مكة والاية مكية همّ المشركون ان يخرجوه منها فكفهم الله عنها حتّى امره الله بالهجرة فخرج بنفسه- قال البغوي وهذا أليق بالآية لان ما قبلها خبر عن اهل مكة والسورة مكية- وقيل هم الكفار كلهم أرادوا ان يستفزوه من ارض العرب باجتماعهم وتظاهروا عليه فمنع الله رسوله ﷺ ولم ينالوا منه ما أملوا والله اعلم وَإِذاً اى إذا استفزوك لا يلبثون خلفك قرا ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب خلافك بكسر الخاء والالف بعد اللام والباقون بفتح الخاء واسكان اللام والمعنى واحد يعنى بعد خروجك او بعد استفزازك إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) اى الا زمانا قليلا قيل وكان كذلك فان يهود المدينة قتل منهم بنوا قريظة واجلى بنوا النضير واجلى يهود خيبر فى خلافة عمر وقتل مشركوا مكة بعد خروج النبي ﷺ يوم بدر واخرج الكفار كلهم من جزيرة العرب- وقيل لم يتحقق الاستفزاز ولو استفزوا لاستوصلوا.
سُنَّةَ نصب على المصدر اى سن الله ذلك سنة وهو ان يهلك كل امة اخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فهذه سنة الله تعالى وانما أضاف الى الرسل حيث قال مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا لان ذلك السنة كان لاجل الرسل وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا (٧٧) اى تغيرا.
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اللام للتاقيت كما فى قولك لثلاث خلون- يعنى صل وقت دلوك الشمس- ومعناه الزوال على قول ابن عباس وابن عمرو جابر وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن واكثر التابعين كذا روى ابن مردوية عن عمر بن الخطاب عن النبي ﷺ وكذا روى البزار وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي ﷺ ويدل عليه ما رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده وابن مردوية فى تفسيره والبيهقي فى المعرفة من حديث ابى مسعود الأنصاري قوله ﷺ أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر الحديث وهو من الدلك لان الناظر إليها يدلك عينه ليدفع شعاعها- وقيل معناه الغروب قال البغوي روى عن ابن مسعود انه قال الدلوك الغروب وهو قول ابراهيم النخعي ومقاتل بن حبان والضحاك والسدىّ ومعنى اللفظ يجمعهما لان اصل الدلوك الميل والشمس يميل إذا زالت او غربت- وفى القاموس دلكت الشمس دلوكا غربت او اصفرت او زالت عن كبد السماء- قال البيضاوي اصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فان الدالك لا يستقر يده وكذا ما يتركب من الدال واللام كدلج ودلح ودلع ودلف ودله- قال البغوي والحمل على الزوال اولى القولين لكثرة القائلين به ولانا إذا حملنا عليه كانت الاية جامعة لمواقيت الصلاة كلها حيث قال الله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة شفق الليل وامتلائه ظلمة ومعنى الغسق الامتلاء كما ذكرنا فى سورة الفلق وفى القاموس الغسق ظلمة أول الليل والغاسق القمر او الليل إذا غاب الشفق فذكر فيه مواقيت اربع من الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء وذكر وقت الفجر بقوله وَقُرْآنَ الْفَجْرِ اى صلوة الفجر سميت الصلاة قرانا لان القران ركن فيها- كما سميت ركوعا وسجودا- وانتصاب القران اما على انه عطف على الصلاة اى وأقم قران الفجر قاله الفراء وقال اهل البصرة هو على الإغراء اى وعليك قران الفجر- وجاز ان يكون التقدير واقرأ قران الفجر يعنى اقرأ القران فى صلوة الفجر- فيكون امرا بالقراءة فى صلوة الفجر عبارة وفى غيرها دلالة- وقد
ذكرنا مواقيت الصلاة فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً... إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول تفضل صلوة الجميع على صلوة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلوة الفجر- ثم يقول ابو هريرة اقرءوا ان شئتم وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- رواه البخاري وغيره قال البيضاوي او يشهده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الّذي هو أخو الموت بالانتباه- او كثير من المصلين او من حقه ان يشهده الجم الغفير- وقيل المراد بالصلوة فى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ صلاة المغرب لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اى وقت غروبها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة الشفق ففيه بيان لمبدا وقت المغرب ومنتهاه ودلّت الاية على هذا على كون وقت المغرب ممتدا الى غيبوبة الشفق فحينئذ امر الله بالصلوتين لكمال اهتمامهما-.
وَمِنَ اللَّيْلِ اى بعض الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ اى فاترك الهجود يعنى النوم للصلوة والضمير فى به للقران- فى القاموس الهجود بضم الهاء النوم كالتهجد وتهجّد استيقظ كهجد ضدوا هجدنام وأنام كهجّد وهجده تهجيدا أيقظه ونوّمه ضد- والحاصل ان التشديد ان كان للازالة فمعناه ترك النوم وهو المراد هاهنا وان كان للتعدية فمعناه نومه- قال البغوي التهجد لا يكون الا بعد النوم يقال تهجد إذا قام بعد ما ينام- قلت لما كان معناه ترك النوم للصلوة فهو يشتمل من ترك النوم الليل كله او بعضه بعد النوم او قبله فلا وجه لاشتراط النوم قبل الصلاة لقيام الليل عن ابى ذر قال ضمنا مع رسول الله ﷺ فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتّى بقي سبع فقام بنا حتّى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال ان الرجل إذا صلى مع الامام حتّى ينصرف حسب له قيام ليله فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتّى بقي ثلث الليل فلما كانت الثالثة جمع اهله ونساءه والناس فقام بنا حتّى خشينا ان يفوتنا
466
الفلاح- قلت ما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر- رواه اصحاب السنن الا ان الترمذي لم يذكر ثم لم يقم بقية الشهر- وعن السائب بن يزيد قال امر عمر أبيّ بن كعب وتميما الداري ان يقوما للناس بإحدى عشر ركعة فكان القاري يقرا بالمئين حتّى كنا نعتمد على العصا من طول القيام- فما كنا ننصرف الا فى فروع الفجر رواه مالك وعن أبيّ ابن كعب كان يقول كنا ننصرف فى رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة السحور وفى رواية مخافة الفجر رواه مالك- وقد كان رسول الله ﷺ يسافر الى قريب من الصبح وفى حديث ابن عمر قال كان رسول الله ﷺ يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويؤتر على راحلته- متفق عليه وقال ابن عباس كان صلاتهم أول الليل هى أشد وطأ- بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ- لكن التهجد اخر الليل أفضل واكثر ثوابا منها أول الليل لما فى الصحيحين من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر الحديث- وعن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة الى المسجد يعنى فى رمضان فاذا الناس اوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل ويصلى بصلاته الرهط فقال عمر لو جمعت هؤلاء على قارى واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلوة قارئهم قال عمر نعمت البدعة هذه والّتي تنامون عنها أفضل من الّتي تقومون يريد اخر الليل وكان الناس يقومون اوله- رواه البخاري والله اعلم (مسئلة) كانت صلوة الليل فريضة على النبي ﷺ فى الابتداء وعلى الامة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا فى حق الامة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ واختلفوا فى انه هل بقي وجوب قيام الليل فى حق النبي ﷺ خاصة أم صار منسوخا فى حقه ايضا فقال بعض الناس ببقاء وجوب قيام الليل فى حق النبي ﷺ لما روى عن عائشة ان النبي ﷺ قال ثلاث هن علىّ
467
فريضة وهى سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل فالامر على هذا فى هذه الاية للوجوب ومعنى قوله تعالى نافِلَةً لَكَ فريضة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله تعالى عليك والمختار عندى ان افتراض قيام الليل نسخ عن النبي ﷺ ايضا وكان له تطوعا كما هو مدلول هذه الاية صريحا ولو كان المعنى فريضة زائدة لقال نافلة عليك فان صلة الوجوب يكون على دون اللام فان قيل فما وجه تخصيصه بالنبي ﷺ وهو نافلة للعباد كلهم قلنا وجه التخصيص ان نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي ﷺ كان معصوما
لم يكن عليه ذنب وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعنى زلّاته- وما هو من قبيل ترك الاولى فيبقى له التهجد نافلة اى زائدة فى رفع الدرجات- كذا روى مجاهد والحسن وابو امامة ويدل على كون التهجد تطوعا فى حق النبي ﷺ حديث المغيرة قال قام النبي ﷺ حتّى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر- قال أفلا أكون عبدا شكورا- ولم يقل انه فريضة علىّ خاصة- وحديث ابن عمر قال كان رسول الله ﷺ يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه مسئلة اختلفوا فى ان التهجد فى حق الامة من المؤكدات او من المستحبات والمختار عندى انه من المؤكدات لمواظبة النبي ﷺ عليه ولحديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي ﷺ رجل فقيل له ما زال نائما حتّى أصبح ما قام الى الصلاة قال ذك رجل بال الشيطان فى اذنه متفق عليه ولا شك ان تارك المندوبات لا يستحق اللوم والعتاب- وقوله تعالى نافِلَةً لَكَ منصوب على انه حال من الضمير المجرور فى به او على المصدرية وضع نافلة موضع تهجدا نافلة اى عبادة زائدة مفروضة او تطوعا وقد ذكرنا فضائل صلوة الليل وبعض مسائلها ومقدار ما ينبغى القراءة فيها فى تفسير سورة المزّمل- (فصل) كيف كان قيام رسول الله ﷺ حين يتجهد من الليل عن زيد بن خالد الجهني انه قال لارمقن صلوة رسول الله ﷺ الليلة
468
فتوسدتّ عتبته او فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة- رواه مسلم ذكر البغوي قوله ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثلاث مرات وذكره فى المشكوة اربع مرات وقال هكذا فى صحيح مسلم وافراده من كتاب الحميدي ومؤطا مالك وسنن ابى داود وجامع الأصول فمعنى قوله أوتر على هذا أوتر بواحدة وعلى ما ذكره البغوي معناه أوتر بثلاث- وعن عائشة قالت ما كان رسول الله ﷺ يزيد فى رمضان ولا فى غيره على احدى عشر ركعة يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثا- قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عينى تنامان ولا ينام قلبى متفق عليه وعنها قالت كان رسول الله ﷺ يصلى فيما بين ان يفرغ من صلوة العشاء الى الفجر احدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة ويسجد سجدتين قدر ما يقرا أحدكم خمسين اية قبل ان يرفع رأسه وإذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الايمن حتّى يأتيه المؤذن للاقامة فيخرج- متفق عليه وعن انس بن مالك قال ما كنا نشاء ان نرى رسول الله ﷺ من الليل مصليا الا رايناه وما نشاء ان نراه نائما الا رايناه- وقال كان يصوم من الشهر حتّى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتّى نقول لا يصوم منه شيئا- رواه النسائي وعنها قال كان النبي ﷺ يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر رواه مسلم وعن مسروق قال سالت عائشة عن صلوة رسول الله ﷺ بالليل قال سبع وتسع واحدى عشرة ركة سوى ركعتى الفجر- رواه البخاري وعن عائشة قالت كان النبي ﷺ إذا قام من الليل ليصلى افتتح صلاته بركعتين خفيفتين- رواه مسلم وروى ايضا عن ابى هريرة مرفوعا إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين
469
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه رقد عنه رسول الله ﷺ فاستيقظ فتسوك وهو يقول إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتّى ختم السورة يعنى ال عمران ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع
والسجود ثم انصرف فنام حتّى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرا هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث- رواه مسلم وعن عائشة قالت لمّا بدّن رسول الله ﷺ كان اكثر صلاته جالسا- متفق عليه وعن حذيفة انه راى النبي ﷺ يصلى من الليل فكان يقول الله اكبر ثلاثا ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرا البقرة ثم ركع ركوعه نحوا من قيامه فكان يقول سبحان ربى العظيم ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه يقول لربى الحمد ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه فكان يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده وكان يقول رب اغفر لى رب اغفر لى فصلى اربع ركعات قرا فيهن البقرة وال عمران والنساء والمائدة او الانعام شك شعبة رواه ابو داود وعن ابى ذر قال قام رسول الله ﷺ حتّى أصبح باية والاية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- وعن رجل من اصحاب النبي ﷺ قال لمّا ﷺ صلوة العشاء اضطجع هويا من الليل ثم استيقظ فنظر فى الأفق فقال رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا حتّى بلغ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم أهوى الى فراشه فاستل منه سواكا ثم افرغ فى قدح من اداوة عندنا فاستن ثم قام فصلى حتّى قلت قد صلى قدر ما نام ثم اضطجع حتّى قلت قد نام قدر ما صلى ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة وقال مثل ما قال ففعل رسول الله ﷺ ثلاث مرات قبل الفجر- رواه النسائي وعن أم سلمة قالت كان رسول الله ﷺ ينام قدر ما صلى ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتّى يصبح ثم نعتت قراءته فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه ابو داود والترمذي والنسائي-
470
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ يوم القيامة مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) منصوب على الظرف بإضمار فعله اى فيقيمك مقاما محمودا- او بتضمين يبعثك معنى يقيمك أو على الحال بمعنى يبعثك ذا مقام محمود يحمده الأولون والآخرون- قال البغوي عن ابى وائل عن عبد الله عن النبي ﷺ قال ان الله اتخذ ابراهيم خليلا وان صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثم قرا عسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال يجلسه على العرش- وعن عبد الله بن سلام قال يقعده على الكرسي- والصحيح ان المقام المحمود مقام الشفاعة اخرج احمد وابن ابى حاتم والترمذي عن ابى هريرة عن النبي ﷺ فى هذه الاية قال هو المقام الّذي اشفع فيه لامتى- وفى الصحيحين عن انس رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم ابو الناس خلقك الله بيده وأسكنك فى جنته واسجد لك ملائكته وعلمك اسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتّى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب أكله من الشجرة وقد نهى عنها ولكن ايتوا نوحا أول نبى بعثه الله الى اهل الأرض- فيأتون نوحا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب سواله ربه بغير علم ولكن ايتوا ابراهيم خليل الرّحمن قال فيأتون ابراهيم فيقول انى لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن ولكن ايتوا موسى عبدا أتاه الله التورية وكلمه وقربه نجيّا- قال فيأتون موسى فيقول انى لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب قتله النفس ولكن ايتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته- قال فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ايتوا محمّدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فيأتونى فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فإذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى فيقول ارفع محمّد وقل تسمع واشفع تشفّع رسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة
471
ثم أعود الثانية فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن
لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتّى ما يبقى فى النار الا من قد حبسه القران اى وجب عليه الخلود ثم تلا هذه الاية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال وهذا المقام المحمود الّذي وعده نبيكم- وفى رواية فى الصحيحين حديث انس فى الشفاعة بمعناه وفيه فاستأذن على ربى فيؤذن لى ويلهمنى محامد أحمده بها لا يحضرنى الان فاحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدا فقال يا محمّد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان فى قلبه مثقال شعيرة من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود فاحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا فذكر مثله ثم يقال انطلق فاخرج من كان فى قلبه ادنى ادنى مثقال حبة من خردل من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود الرابعة فذكر مثله وقال يا رب ايذن لى فيمن قال لا اله الا الله فيقول وعزتى وجلالى وكبريائى وعظمتى لأخرجن منها من قال لا اله الا الله- قال السيوطي فى هذا الحديث إشكال قوى نبه عليه العلماء وذلك ان أول الحديث فى الاراحة من كرب الموقف وآخره فى الشفاعة فى الإخراج من النار وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط فى تلك الحالة فى النار ثم تشفع الشفاعة فى الإخراج بعد ذلك- قال الدراوردي راوى الحديث كبر سكّا على غير أصله وقد وقع فى حديث حذيفة على الصواب وهو ذكر الصراط عقيب هذه الشفاعة وفى حديث ابى هريرة وأبى سعيد فى الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد ثم تميز المنافقين من المؤمنين
472
ثم وضع الصراط والمرور عليه ثم الشفاعة فى الإخراج فكانّ الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والاراحة من كرب الموقف والإخراج من النار اخر الشفاعة كذا قال القاضي عياض والنووي وغيرهما- قلت وهذا لا يضر فكانّ فى الحديث حذف واختصار ذكر أول الشفاعة للاراحة من كرب الموقف ثم اتبعه اخر الشفاعة شفاعة الإخراج من النار وقد ثبت كل من الشفاعتين فى أحاديث اخر- قلت والمراد بقوله ﷺ استأذن على ربى فى داره يعنى فى الجنة والاضافة اليه للتشريف ولان رؤيته تعالى يختص بالجنة- واخرج البخاري عن ابن عمر قال ان الناس يصيرون جثيّا كل امة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا حتّى ينتهى الشفاعة الى النبي ﷺ فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا- وفى لفظ له ان الشمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الاذان فبينماهم كذلك فاستغاثوا الى آدم فيقول لست بصاحب ذلك ثم بمحمّد ﷺ فيشفع فيقضى الله تعالى بين الخلق فيمشى حتّى يأخذ باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده اهل الجمع كلهم- واخرج البزار والبيهقي عن حذيفة قال يجمع الله الناس فى صعيد واحد لا يتكلم نفس فيكون أول من يدعى محمّد ﷺ فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك والشر ليس إليك والمهدى من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجا منك الا إليك تباركت وتعاليت رب البيت فعنده يشفع فذلك قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً- واخرج الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن مردوية عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ انا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وانا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا فاشفع لنا فيقول إذ نبت ذنبا أهبطت الى الأرض ولكن ايتوا نوحا فيقول
انى دعوت على اهل الأرض دعوة فاهلكوا ولكن اذهبوا الى ابراهيم فيأتون ابراهيم فيقول انى كذبت ثلاث كذبات (ثم قال رسول الله ﷺ ما منها كذبة الا وهو بما «١» حل بها عن دين الله) ولكن ايتوا موسى فيقول انى قتلت نفسا
(١) بما حل اى يدافع ويجادل من المحال بالكسر وهو الكيد وقيل المكر والقوة والشدة- ١٢ منه رحمه الله
473
ولكن ايتوا عيسى فيقول انى عبدت من دون الله ولكن ايتوا محمّدا فيأتون فانطلق معهم فاخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمّد فيفتح لى ويقولون مرحبا فاخرّ ساجدا فيلهمنى الله من الثناء والحمد والمجد فيقال ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع وقل تسمع فذلك هو المقام المحمود- قال القرطبي رحمه الله قوله ﷺ فيفزع الناس ثلاث فزعات انما ذلك والله اعلم حين يؤتى بالنار تجربا زمّتها فاذا رات الخلائق تمحلت وسبقت- واخرج ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح عن سلمان قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس- قال فذكر الحديث قال فيلقون النبي ﷺ فيقولون اشفع لنا فيقول انا صاحبكم فيخرج حتّى ينتهى الى باب الجنة فيأخذ بحلقة فى الباب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمّد فيفتح له حتّى يقوم بين يدى الله فيسجد فنادى ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فذلك المقام المحمود- أورده غير تام وأخرجه ابن ابى حاتم فى السنّة وابن ابى شيبة بتمامه فذكر الحديث بطوله وفى آخره فيشفع فى كل من كان فى قلبه مثقال حبة من حنطة من ايمان او مثقال شعيرة من ايمان او مثقال حبة من خردلة من ايمان فذاك المقام المحمود- واخرج الطبراني عن كعب بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ يبعث الناس يوم القيامة فاكون وأمتي على تل يوم القيامة فيكسونى ربى حلة خضراء ثم يؤذن لى فاثنى عليه بما هو اهله فذلك المقام المحمود-
فائدة
ورد فى الشفاعة العظمى فى فصل القضاء والاراحة فى طول الموقف مطولا من حديث ابى بكر الصديق رواه البزار وابو يعلى وابو عوانة وابن حبان فى صحيحهما وحديث ابى هريرة رواه الشيخان وغيرهما وحديث ابن عباس رواه احمد وأبو يعلى وحديث حذيفة وابى هريرة رواه مسلم والحاكم وحديث عقبة ابن عامر رواه الطبراني وابن المبارك وابن جرير وغيرهم وقد مر ذلك فى سورة ابراهيم فى تفسير قوله تعالى وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ قال القرطبي هذه الشفاعة
474
العامة الّتي خص بها نبينا ﷺ من بين سائر الأنبياء عليهم السلام هى المرادة بقوله ﷺ لكل نبىّ دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانا اختبأت دعوتى شفاعة لامتى وهذه الشفاعة لاهل الموقف وقال وانما هى ليعجل حسابهم ويراحوا من هول الموقف قلت عندى ان المراد بقوله ﷺ اختبأت دعوتى شفاعة لامتى الشفاعة الثالثة لاجل إخراج المذنبين من النار ويكون للنبى ﷺ ثلاث شفاعات كما يدل عليه ما اخرج ابن جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وابو موسى المديني فى المطولات وعلى بن معبد فى كتاب الطاعة والعصيان وعبد بن حميد وابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابى هريرة حديثا طويلا فى خلق الصور ونفخه نفخة الفزع والصعق والبعث الى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وان يخرج المؤمنون من النار مكتوبا فى رقابهم الجهنّميون عتقاء الله وانا اذكره منتخبا قد ذكر فى ذلك الحديث ان الناس يقفون موقفا واحد الا يقضى بينهم فيصيحون ويقولون من يشفع لنا فيأتون آدم ويقول ما انا بصاحب ذلك فيأتون الأنبياء نبيا نبيا فلما جاءوا نبيا يأبى عليهم حتّى يأتونى فأنطلق معهم حتّى اتى الفحص اى قدام العرش فاخرّ ساجدا فيقول الله ما شأنك وهو اعلم فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعنى فى خلقك فاقض بينهم فيقول شفعتك اتيكم فاقضى بينكم فذكر الحديث بطوله فذكر القضاء فى البهائم والوحش ثم يقضى فى العباد فى الدماء والمظالم ثم يقول ليلحق كل قوم بآلهتهم فيلحقون ويبقى المؤمنون وفيهم المنافقون فيكشف لهم عن ساق فيخر المؤمنون ساجدين ويخر كل منافق على قفاه يجعل أصلابهم كصياصى البقر ثم يضرب الصراط فيمرون عليه الى قوله فناج سالم وناج مخدوش- ومكدوش على وجهه فى جهنم- فاذا مضى اهل الجنة الى الجنة قالوا من يشفع لنا الى ربنا فندخل الجنة- فيقول من أحق من أبيكم آدم فيأتونه فيذكر ذنبا فيقول ما انا بصاحب ذلك ولكن عليكم بنوح فيأتونه فيقول نحو ذلك فيأتون ابراهيم وموسى وعيسى كل يقول
475
نحو ذلك فيأتونى ولى عند ربى ثلاث شفاعات وعدنيهن فانطلق الى الجنة فاخذ بحلقة الباب ثم استفتح فيفتح لى فاذا نظرت الى ربى خررت ساجدا فيأذن لى فى حمده وتمجيده مالم يؤذن لاحد من خلقه ثم يقول ارفع رأسك يا محمّد اشفع تشفع سل تعطه فاقول رب وعدتني الشفاعة فشفعنى فى اهل الجنة ان يدخلوا الجنة فيشفعنى فذكر الحديث بطوله الى ان قال فاذا وقع اهل النار فى النار وقع فيها خلق كثير ممن خلق ربك قد أوثقهم أعمالهم فمنهم من تأخذه الى قدميه ولا تجاوز ذلك ومنهم من تأخذه الى نصف ساقيه ومنهم من تأخذه الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى حقويه ومنهم من تأخذ جسده كله الا وجهه حرم الله صورتهم عليها قال رسول الله ﷺ فاقول يا رب من وقع فى النار من أمتي فيقول اخرجوا من النار من عرفتم فيخرج أولئك حتّى لا يبقى منهم أحد ثم يأذن الله فى الشفاعة فلا يبقى نبى ولا شهيد الا شفع فيقول اخرجوا من وجدتم فى قلبه زنة الدينار ايمانا ثم يقول اخرجوا من وجدتم فى قلبه ايمانا ثلثى دينار نصف دينار ثلث دينار ربع دينار قيراط حبة من خردل حتّى لا يبقى فى النار من عمل لله خيرا قط- ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ثم يقول الله بقيت انا وانا ارحم الراحمين فيدخل الله يده فى جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه كثرة كانهم الحمم الحديث- قال الحافظ مدار هذا الحديث على إسماعيل بن رافع قاضى اهل المدينة قد تكلم فيه بسبب هذا الحديث
وفى بعض سياقه نكارة- وقد قيل انه جمع من طرق وأماكن متفرقة فسأقه سياقا واحدا- قال الحافظ ابو موسى المديني هذا الحديث وان كان فى اسناده من تكلم فيه فالذى فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة وقد اختلف الناس فى تصحيح هذا الحديث وتضعيفه فصححه ابن العربي والقرطبي وصوبه الحافظ ابن حجر- وضعفه البيهقي وقال السيوطي ذكر يحيى بن سلام البصري فى تفسيره عن الكلبي انه إذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار بقي زمرة من اخر زمر الجنة فيقول لهم اهل النار (وقد بلغت النار منهم كل مبلغ) اما نحن فقد أخذنا بالشك والتكذيب فما نفعكم توحيدكم فيصرخون عند ذلك فيسمعهم اهل الجنة ويأتون آدم فذكر الحديث الى ان قال فيأتون محمّدا
476
صلى الله عليه وسلم فينطلق فيأتى رب العزة فيسجد له ثم يقول أناس من عبادك اصحاب ذنوب لم يشكّوا بك فعيرهم اهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول وعزتى لاخرجنهم قال ابن حجر هذا لو ثبت لدفع الاشكال السابق عن الدراوردي من ذكر الإخراج فى اخر حديث الشفاعة فى الاراحة من كرب الموقف ولكنه ضعيف ومخالف لصريح الأحاديث الصحيحة ان السؤال انما يقع فى الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة- قال السيوطي يحتمل الجمع بالتعدد مرتين مرة فى الموقف للاراحة ومرة فى الجنة للاخراج من النار من بقي من المؤمنين- قلت بل يقال بوقوع ذلك السؤال ثلاث مرات مرة فى الموقف للاراحة ومرة للاذن فى الدخول لاهل الجنة ومرة للاخراج من النار لمن بقي فيها من المؤمنين وهو المعنى بقوله ﷺ ولى عند ربى ثلاث شفاعات وعدنيهن والمقام المحمود مقام الشفاعة وهى يعم كل شفاعة من الشفاعات الثلاث (مسئلة) وأنكر الخوارج والمعتزلة الشفاعة وقالوا ان اهل الكبائر إذا ماتوا من غير توبة لا شفاعة لهم ولا يخرجون من النار ابدا- وقد ورد فى الشفاعة أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر بالمعنى منها ما أخرج مسلم عن ابن عمران رسول الله ﷺ ذكر قول ابراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقول عيسى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فرفع يديه وقال أمتي أمتي ثم بكى فقال الله تعالى يا جبرئيل اذهب الى محمّد فقل له انّا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك- وما اخرج البزار فى الأوسط وابو نعيم بسند حسن عن علىّ رضى الله عنه ان رسول الله ﷺ قال اشفع لامتى حتّى ينادى ربى تبارك وتعالى أرضيت يا محمّد فاقول اى رب رضيت ومنها حديث ان ربى خيّرنى بين ان يدخل نصف أمتي الجنة بغير حساب وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهى لكل مسلم وفى لفظ لمن مات لا يشرك بالله شيئا رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي والطّبرانى عن عوف بن مالك الأشجعي- واحمد والطبراني والبزار بسند حسن عن معاذ بن جبل وابى موسى- وأحمد والطبراني
477
والبيهقي بسند صحيح عن ابن عمرو فى آخره أترونها للمتقين ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين- ومنها حديث شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي رواه ابو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وصححاه عن انس- والطبراني وابو نعيم عن عبد بن بشير بمعناه- والطبراني فى الأوسط عن ابن عمر نحوه- وفى الكبير عن أم سلمة بمعناه- والترمذي والحاكم عن جابر نحوه- واخرج عن كعب بن عجرة- وعن طاءوس قال البيهقي هذا مرسل حسن يشهد لكون هذا اللفظ يعنى شفاعتى لاهل الكبائر شائعة بين التابعين- واخرج ابن ابى حاتم فى السنة عن انس يرفعه قال ما زلت اشفع الى ربى ويشفعنى حتّى أقول اى رب شفعنى فيمن قال لا اله الا الله فيقول هذا ليس لك يا محمّد ولا لاحد هذه لى وعزتى وجلالى ورحمتى لا ادع أحدا فى النار يقول لا اله الا الله- ومنها حديث نعم الرجل انا لشرار أمتي وقال اما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتى واما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم- واخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت ان رسول الله ﷺ قال والّذي نفسى بيده انا لسيد الناس يوم القيامة بغير
فخر وما من الناس الا تحت لوائى يوم القيامة ينتظر الفرج وان معى لواء الحمد امشى ويمشى الناس معى الى باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فاقول محمّد فيقال مرحبا بمحمّد فاذا رايت ربى خررت ساجدا له شكرا فيقال ارفع رأسك قل تعطه اشفع تشفع فيخرج من أجرم برحمة الله وشفاعتى وفى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ اتى جهنم فاضرب بابها فيفتح لى فادخلها فاحمد الله بمحامد ما حمده أحد قبلى ولا يحمده أحد بعدي ثم اخرج منها من قال لا اله الا الله مخلصا فيقوم الىّ ناس من قريش فينتسبون لى فاتركهم فى النار واخرج البخاري عن عمران بن حصين مرفوعا يخرج قوم من النار بشفاعة محمّد ويدخلون الجنة ويسمّون الجهنميون- وفى الصحيحين عن جابر مرفوعا ان الله يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة- والطبراني بسند حسن عن ابن عمر مرفوعا قال يدخل من اهل هذه القبلة النار من لا يحصى عددهم الا الله بما عصوا واجترءوا على معصية الله فيؤذن لى بالشفاعة فاثنى الله ساجدا كما اثنى قائما فيقال لى ارفع رأسك وسل تعطه
478
واشفع تشفع- واخرج احمد والطبراني بسند لا بأس به عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ قال ان الله تبارك وتعالى قال يا محمّد انى لم ابعث نبيّا ولا رسولا الا وقد سألنى مسئلة أعطيتها إياه فسل يا محمّد تعطه فقلت مسئلتى شفاعتى لامتى يوم القيامة فقال ابو بكر يا رسول الله وما الشفاعة قال فاقول يا رب شفاعتى الّتي اختبأت عندك فيقول الرب تعالى نعم فيدخل ربى بقية أمتي فيدخلهم الجنة- ومنها حديث لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانا اختبأت دعوتى شفاعة لامتى رواه الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة- ومسلم عن انس وجابر- واحمد عن عبد الله بن عمرو ابى سعيد الخدري- والبزار والبيهقي عن عبد الرّحمن بن عقيل- قال السيوطي هذا حديث متواتر- قلت فتعس من أنكر الشفاعة روى الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب انه خطب فقال انه سيكون فى هذه الامة قوم يكذّبون بالرجم وبالدجّال ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذّبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي وهناد عن انس قال من كذّب بالشفاعة فلا نصيب له ومن كذّب بالحوض فليس له فيه نصيب- واخرج ابو نعيم عن انس قال قال رسول الله ﷺ صنفان من أمتي لا ينالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة والقدرية- واخرج البيهقي عن شبيب ابن ابى فضلة المكي قال ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل يا أبا نجيد انكم لتحدثون أحاديث لا نجد لها أصلا فى القران فغضب عمران بن حصين وقال للرجل قرأت القران قال نعم قال فهل وجدت صلوة العشاء أربعا وصلوة المغرب ثلاثا وصلوة الفجر ركعتين والظهر أربعا والعصر أربعا قال لا قال فعمّن أخذتم هذا ألستم عنّا أخذتموه وأخذنا عن النبي ﷺ ووجدتم فى كل أربعين درهما درهم- وفى كل كذا شاة- وكل بعير كذا- اوجدتم فى القران هكذا قال لا قال ووجدتم فى القران وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ووجدتم طوفوا سبعا واركعوا ركعتين خلف المقام اوجدتم هذا فى القران او عمّن أخذتموه ألستم أخذتموه عنا وأخذنا عن رسول الله ﷺ قالوا بلى
479
قال اوجدتم فى القران لا جلب ولا جنب ولا شغار فى الإسلام قالوا لا قال فان الله قال فى كتابه ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقد أخذنا عن النبي ﷺ أشياء ليس لكم بها علم- وذكر البغوي انه روى عن يزيد بن صهيب الفقير قال كنت قد شغبنى رأى من رأى الخوارج وكنت رجلا شابّا فخرجنا فى عصابة نريد ان نحج فمررنا على المدينة فاذا جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله ﷺ وذكر الجهنميين فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الّذي تحدثون والله عز وجل يقول إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ- وكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها فقال اى فتى تقرا القران قلت نعم قال
سمعت مقام محمّد المحمود الّذي يبعثه الله فيه قلت نعم قال فانه مقام محمد المحمود الّذي يخرج الله به من يخرج من النار ثم نعت الصراط وعمر الناس عليه وقال ان قوما يخرجون من النار بعد ما يكونون فيها- (فصل) فى شفاعة الأنبياء وغيرهم روى ابن ماجة والبيهقي عن عثمان مرفوعا قال يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وأخرجه البزار وزاد فى آخره ثم المؤذنون- واخرج الديلمي عن ابن عمر موقوفا يقال للعالم اشفع فى تلامذتك ولو بلغت عدد نجوم السماء- واخرج ابو داود وابن حبان عن ابى الدرداء مرفوعا الشهيد يشفع فى سبعين من اهل بيته واحمد والطبراني مثله عن عبادة بن الصامت مرفوعا وابن ماجة مثله عن المقدام بن معد يكرب مرفوعا- واخرج البيهقي عن الحسن والحاكم وصححه والبيهقي وهنّاد عن الحارث بن قيس واحمد مثله عن ابى بردة وهناد مثله عن ابى هريرة واحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن ابى امامة قالوا قال رسول الله ﷺ ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وفى الباب أحاديث كثيرة لا يسعها المقام تدل على شفاعة غير نبينا صلى الله عليه وسلم- فان قيل لما لم يبق أحد فى النار بشفاعة محمّد ﷺ فاين يكون شفاعة غيره قلت لعل شفاعة الأنبياء غير نبينا ﷺ يختص بأمته ولا يشتمل جميعهم وشفاعة نبينا ﷺ ينال غير أمته ايضا ولا يترك أحدا من أمته فى النار وأما غير الأنبياء فلعلهم اما يشفعون
480
الى النبي ﷺ والنبي ﷺ يشفع لهم عند ربه واما ان يحصل لغير النبي ﷺ الاذن فى الشفاعة بشفاعة محمّد ﷺ فائدة قال البيهقي قوله ﷺ شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي تدل على ان الشفاعة لاهل الكبائر يختص برسول الله ﷺ دون الملائكة- والملائكة انما يشفعون فى الصغائر واستزادة الدرجات فائدة قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه تعقيب قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً بعد قوله وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ يشعر بان لصلوة التهجد- مدخلا تامّا فى قيام الرجل مقام الشفاعة والله اعلم- اخرج الترمذي عن ابن عباس قال كان النبي ﷺ بمكة ثم امر بالهجرة فنزلت عليه.
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ يعنى المدينة وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعنى مكة كذا قال الحسن وقتادة والمدخل والمخرج اسم ظرف منصوب على الظرفية او مصدر يعنى أدخلني المدينة ادخالا مرضيا لا ارى فيه ما اكره وأخرجني من مكة إخراجا مرضيّا لا التفت بقلبي إليها- وقال الضحاك معناه أخرجني من مكة مخرج صدق أمنا من المشركين وأدخلني مكة مدخل صدق ظاهرا عليها بالفتح- وقال مجاهد أدخلني فى أمرك الّذي أرسلتنى به من النبوة مدخل صدق وأخرجني من الدنيا وقد قمت بما وجب علىّ من حقها مخرج صدق- وعن الحسن قال أدخلني مدخل صدق الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة- قلت الاولى ان يقال فى مقابلة أدخلني الجنة مدخل صدق أخرجني من الدنيا مخرج صدق- وقال البيضاوي أدخلني فى القبر ادخالا مرضيّا وأخرجني منه عند البعث إخراجا تلقى بالكرامة- وقيل معناه أدخلني فى طاعتك وأخرجني من المناهي- وقيل المراد إدخاله فى كل ما يلابس من مكان أو أمر وإخراجه منه اى لا تجعلنى ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه فان ذا الوجهين لا يكون أمينا عند الله وحيها- وقيل المراد إدخاله الغار وإخراجه منه سالما- ووصف الإدخال والإخراج بالصدق لما يؤل اليه الخروج والدخول من مرضاة الله تعالى والنصر والعز والكرامة ودولة الدين كما وصف القدم بالصدق فقال أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ- والتحقيق فى ذلك ان
الصدق والكذب فى الأصل هما صفتا القول بل الخبر منه دون الإنشاء وهو مطابقة الخبر الواقع وقد يطلق على الإنشاء لتضمنه معنى الاخبار كقول القائل أزيد فى الدار يتضمن انه جاهل بحاله- وقد يستعملان فى افعال الجوارح فيقال صدق فى القتال إذا وقى حقه وفعل على ما ينبغى ومنه رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ اى حققوا العهد- وقوله تعالى صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا اى حقق ايضا- ويعبر بالصدق عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا فيضاف اليه ذلك الفعل الّذي يوصف به ومنه قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ- ولَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ- ورَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ- واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فان ذلك سوال بان يجعل الله ذلك صالحا بحيث إذا اثنى عليه أحد كان صادقا والله اعلم وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) قال مجاهد حجة بينة وقال الحسن ملكا قويا تنصربه على من ناوانى وعزّا ظاهرا أقيم به دينك- فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرهما فيجعله له- قال قتادة علم نبى الله ﷺ ان لا طاقة له بهذا الأمر الا بسلطان نصير من الله تعالى فسال سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده واقامة دينه- قلت بل علّمه الله ذلك وامره بان يسئل منه تعالى سلطانا نصيرا- قيل سال رسول الله ﷺ حجة وملكا ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب الله له بقوله فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ-... لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... - لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَقُلْ يا محمّد عند دخولك مكة حين فتحت جاءَ الْحَقُّ اى الإسلام وعبادة الله وحده او القران وَزَهَقَ الْباطِلُ اى ذهب وهلك الشرك وعبادة الأصنام من زهق روحه إذا خرج إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) اى حقيقا للزهوق وعدم الثبات لبنائه على ما لا اصل له- عن ابن مسعود رضى الله عنه قال دخل النبي ﷺ يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود فى يده ويقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ... وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي واخرج الطبراني فى الصغير وابن
مردوية والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس نحوه-.
وَنُنَزِّلُ قرا البصريان بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل مِنَ الْقُرْآنِ من للبيان ما هُوَ شِفاءٌ من امراض الكفر والجهالات جلاء لظلمات القلوب والأنفس- ماح لكدورات القلبية والقالبية والنفسانية- دافعة لرذائلها- وقيل من للتبعيض والشفاء الشفاء من الأمراض الظاهرة والمراد من بعض القران ما هو يشفى السقيم كالفاتحة ونحوها- وهو المعنى بقوله ﷺ عليكم بالشفاءين العسل والقران وقد مر فى سورة النحل وَرَحْمَةٌ من الله تعالى لِلْمُؤْمِنِينَ اى للذين أمنوا وانتفعوا به خاصة يفيد لهم الفوائد الدينية والدنيوية والاخروية وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ اى المنكرين بالقران إِلَّا خَساراً (٨٢) لتكذيبهم وكفرهم به قال قتادة لن يجالس هذا القران أحد إلا قام عنه بزيادة او نقصان قضى الله تعالى الّذي قضى شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالصحة والسعة او بنزول القران أَعْرَضَ عن ذكر الله يعنى لم يشكره وَنَأى قرا الجمهور على وزن رمى بمعنى تباعد وقرا ابن ذكوان هاهنا وفى فصلت على وزن جاء ومعناه نهض وقيل معناه بعد كذا فى القاموس وابو جعفر وابو محمّد والمال واحد أمال الكسائي وخلف فتحة النون والهمزة هاهنا وفى فصلت وامال خلاد فتحة الهمزة فيهما فقط وقد روى عن ابى شعيب مثل ذلك وامال أبو بكر فتحة الهمزة هاهنا وأخلص هناك والباقون بفتحهما وورش على أصله فى ذوات الياء بِجانِبِهِ اى لوى عنقه وبعد بنفسه كانه مستغن عنه وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ من مرض او فقر كانَ يَؤُساً (٨٣) شديد اليأس والقنوط من روح الله-.
قُلْ كُلٌّ اى كل واحد من الناس الشكور والكفور يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال ابن عباس على ناحيته اى جانبه الّذي يميل اليه من الهدى او الضلال- وقال الحسن وقتادة على نيته يعنى من كان يميل الى الدنيا ينوى بعمله صلاح الدنيا ومن كان يميل الى الآخرة ينوى بعمله وجه الله وصلاح الاخرة- وقال مقاتل على جبلته وقال الفراء على طريقته الّتي جبل عليها- وقال القتيبى
على طبيعته وخليقته ومال الأحوال الثلاثة واحد يعنى على حسب استعداده الّذي أودع الله فيه فهو نظير قوله ﷺ كل ميسر لما خلق له في حديث متفق عليه عن على رضى الله عنه مرفوعا وعن ابى الدرداء قال بينما نحن عند رسول الله ﷺ نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله ﷺ إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوه وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا فانه يصير الى ما جبل عليه رواه احمد- والاستعداد عبارة عن الكيفية الحاصلة لكل أحد باعتبار علته الفاعلية والمادية اما باعتبار علته الفاعلية فكونه ظلا من ظلال الاسم الهادي او الاسم المضل واما باعتبار علته المادية فهو الكيفية المزاجية الحاصلة من تركيب العناصر الاربعة وانما اختلاف شهوات النفوس على حسب اختلاف ثوران بعض العناصر دون بعض واختلاف طبائع الاجزاء الارضية كما مر قوله ﷺ فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب- وقيل على شاكلته اى سبيله الّذي اختاره لنفسه قال البيضاوي اى على طريقته الّتي تشاكل حاله فى الهدى او الضلالة او جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه وفى القاموس الشكل الشبه والمثل وما يوافقك ويصلحك وصورة الشيء المحسوسة والمتوهمة والشاكلة الشكل والناحية والنية والطريقة والمذهب فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (٨٤) اى اسدّ طريقا وأبين منهجا يعنى من هو على طريقة موصلة الحق من العقائد والأعمال ومن فى طريقته اعوجاج قليل او كثير والله أعلم- اخرج البخاري عن ابن مسعود قال كنت امشى مع النبي ﷺ فى حرث المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح وقال بعضهم لا تسئلوه لا يجيء الا بشيء تكرهونه فقال بعضهم لنسئلنه فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح فسكت فقلت انه يوحى اليه فقمت فلما انجلى عنه الوحى قال.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ اى الّذي يحيى به بدن الإنسان ويدبره قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي اى من الإبداعيات الكائنة بقوله كن من غير مادة ولولد عن
484
اصل كاعضاء الجسد ولما كان هذا غاية البيان باللسان على قياس فهم السائلين بحيث يحصل به امتياز الروح عن سائر الماديات ولم يكن مفيدا للعلم بحقيقته المسئولة بقولهم وما الروح اعتذر عنه وقال وَما أُوتِيتُمْ ايها السائلون مِنَ الْعِلْمِ بالأشياء الكائنة إِلَّا قَلِيلًا (٨٥) اى ما تستفيدونه بتوسط حواسكم فان اكتساب العقل للمعارف النظرية انما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسّا فقد فقد علما ولعل اكثر الأشياء لا يدركها الحس فلا يحصل عنده ذاتياتها فلا يدرك بعضها الا بعوارض تميّزه عما يلتبس به والألفاظ انما وضعت بإزاء أشياء محسوسة او معقولة منتهية اكتسابها الى أشياء محسوسة ولذلك اقتصر موسى عليه السلام فى جواب قول فرعون وما ربّ العلمين بذكر بعض صفاته- وهذه الاية لا يقتضى نفى العلم بالروح للنبى ﷺ ولاصحاب البصائر من اتباعه- فان طور علمهم وراء طور علم العالمين بتوسط الحواس والاكتساب فانهم يلهمون من الله تعالى حقائق الأشياء بلا توسط الحواس والاكتساب- فان لقلوبهم اسماع يسمعون بها ما لا يسمعه الاذان وأبصار يبصرون بها ما لا يبصره العيون- قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى لا يزال عبدى يتقرّب الىّ بالنوافل حتّى أحببته فاذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به الحديث- وقد أدرك اصحاب البصائر حقيقة الروح وظهر لهم ان لكل انسان خمسة من الأرواح العلوية- والروح السفلى المسمى بالنفس سادسها- والخمسة القلب والروح والسر والخفي والأخفى- يمتاز عندهم كل منها عن الاخر ذاتا وصفاتا- ويعرفونها كما يعرفون أبناءهم- وقد يشتبه عند بعضهم بعضها ببعض- بل قد تشتبه هى لاجل لطافتها بمراتب الوجوب- حتّى قال بعضهم عبدت الروح ثلاثين سنة ثم اظهر الله تعالى حقيقته وإمكانه وحدوثه عليه- فقال لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ- فان قيل اخرج ابن مردوية عن عكرمة انه ﷺ لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب قال بل نحن وأنتم فقالوا ما اعجب شأنك ساعة تقول وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً- وساعة تقول هذا- فنزلت وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الاية وهذه الرواية تدل على ان النبي
485
صلى الله عليه وسلم ايضا لم يكن عارفا بحقيقة الروح- قلنا لو صح هذه الرواية فالمعنى ان الخطاب بقوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا يعم كلا الفريقين فلا شك ان علوم الأنبياء والملائكة وسائر الخلائق «١» قليلة فى جنب علم الله تعالى كما يدل عليه قوله تعالى وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ الاية- ولا منافاة بين كون الحكمة الموهوبة للانبياء وكمل اتباعهم (ومنها العلم بحقيقة الروح وغير ذلك) خيرا كثيرا فى نفسه متكفلا لكمالات الإنسان ظاهرا وباطنا وبين كونها قليلا بالنسبة الى علم الله الغير المتناهي-
فائدة
ما ذكرنا من القصة يدل على كون الاية مدنية- وقال البغوي روى عن ابن عباس انها نزلت بمكة- حيث قال ان قريشا اجتمعوا- وقالوا ان محمّدا نشا فينا بالامانة والصدق وما اتهمناه بكذب وقد ادعى ما ادعى- فابعثوا نفرا الى اليهود بالمدينة واسئلوهم عنه فانهم اهل كتاب- فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فان أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبىّ- وان أجاب عن الاثنين ولم يجب عن الواحد فهو نبى- فسلوه عن فتية قد اووا فى الزمن الاول ما كان من أمرهم فانه كان لهم حديث عجيب- وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خيره- وعن الروح فسألوه فقال لهم النبي ﷺ أخبركم بما سألتم غدا ولم يقل ان شاء الله فلبث الوحى قال مجاهد اثنتا عشرة ليلة- وقيل خمس عشرة- وقال عكرمة أربعين يوما واهل مكة يقولون وعدنا محمّد غدا وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء- حتّى حزن رسول الله ﷺ من مكث الوحى وشقّ عليه ما يقول اهل مكة- إذ نزل جبرئيل بقوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ- ونزل فى الفتية أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً- ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ- ونزل فى الروح قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي- وروى الترمذي هذه القصة مختصرا عنه قال ابن كثير يجمع بين الحديثين بتعدد النزول- وكذا قال الحافظ ابن حجر وزاد او يحمل سكوته حين سوال اليهود على توقع مزيد بيان فى ذلك- والا فما فى الصحيح أصح وو ايضا يرجح ما فى الصحيح بانه رواية حاضر القصة بخلاف ابن عباس وقال البغوي وروى
(١) وفى الأصل قليل-
486
عن ابن عباس ان الروح الّذي وقع السؤال عنه هو جبرئيل وهو قول الحسن وقتادة قلت وكذا اخرج عبد بن حميد وابو الشيخ عن الضحاك وقال البغوي وروى عن علىّ عليه السلام ان الروح هو ملك له سبعون الف وجه لكل وجه سبعون الف لسان يسبح الله تعالى بكلها- وقال مجاهد هو خلق على صورة ابن آدم لهم أيد وارجل ورءوس وليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام- وقال سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح غير العرش- لو شاء ان يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل- صورة خلقه على صورة الملائكة وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين- يقوم يوم القيامة على يمين العرش وهو اقرب الخلق الى الله عزّ وجلّ عند الحجب السبعين- واقرب الى الله يوم القيامة وهو يشفع لاهل التوحيد لولا ان بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق اهل السموات من نوره- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال الروح أعظم خلقا من الملائكة- ولا ينزل ملك الا ومعه روح- وقيل الروح القران ومعنى قوله تعالى مِنْ أَمْرِ رَبِّي انه من وحي الله وقيل المراد عيسى فانه روح الله وكلمته- ومعنى الاية انه ليس كما يقول اليهود حيث بهتوا امه- ولا كما يقوله النصارى انه ابن الله- بل هو مخلوق من امر الله بكلمة كن من غير اب- ولما ذكر الله سبحانه ان علم العالمين قليل بالنسبة الى علمه تعالى- نبّه على نعمة الوحى وانه أوتى من العلوم ما لم يؤت غيره حثّا بالصبر على أذى الكفار بقوله.
وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اللام الاولى موطية للقسم وقوله لَنَذْهَبَنَّ جوابه النائب مناب جزاء الشرط- والمعنى ان شئنا ذهبنا بالقران ومحوناه عن المصاحف والصدور ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (٨٦) يتوكل علينا استرداده محفوظا ومسطورا.
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يعنى الا ان ينالك رحمة من ربك فهى لسترده- ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا ومعناه ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به- فيكون امتنانا
487
بإبقائه بعد المنة فى تنزيله إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) حيث بعثك نبيّا وانزل عليك الكتاب والتزم عليه جمعه فى المصاحف والصدور وقرانه وبيانه واعطاك المقام المحمود والحوض المورود وغير ذلك- قال البغوي قال ابن مسعود اقرءوا القران قبل ان يرفع فانه لا تقوم الساعة حتّى يرفع- قيل هذه المصاحف يرفع فكيف بما فى الصدور- قال ليسرى عليه ليلا فيرفع ما فى صدورهم فيصبحون لا يحفظون شيئا ولا يجدون فى المصاحف شيئا- ثم يفيضون فى الشعر- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لا تقوم الساعة حتّى يرجع القران من حيث نزل له دوى حول العرش كدوى النحل فيقول الرب مالك فيقول يا رب اتلى ولا يعمل بي- قلت هكذا ذكر البغوي وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسالوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا- وروى احمد وابن ماجة عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي ﷺ شيئا فقال ذلك عند أوان ذهاب العلم- قلت يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرا القران ونقرؤه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم الى يوم القيامة- قال فقال ثكلتك أمك زياد ان كنت لاراك من افقه رجل بالمدينة- او ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التورية والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما- وروى الترمذي عنه نحوه وروى الدارمي عن ابى امامة نحوه قلت ولعل ابن مسعود زعم رفع القران عن المصاحف والصدور بما سمع من رسول الله ﷺ يقول تعلموا العلم وعلموه الناس تعلموا الفرائض وعلموها الناس تعلموا القران وعلموه الناس فانى امرؤ مقبوض والعلم سيقبض ويظهر الفتن حتّى يختلف اثنان فى فريضة لا يجدان أحدا يفصل بينهما- رواه الدار قطنى والدارمي عن ابن مسعود ومقتضى حديث الصحيحين ان يحمل قبض العلم فى هذا الحديث على قبضه بقبض العلماء لا بالانتزاع- ومقتضى حديث زياد ان معنى ذهاب العلم ذهاب توفيق العمل به- قلت والجمع
488
بينهما انه يذهب توفيق العمل بالعلم اولا كما تراه فى زماننا- ثم يذهب العلم مطلقا بقبض العلماء كما ترى قلة العلم فى ذلك الزمان الى هذا الغاية بقلة العلماء وبعد ما كان كثيرا بكثرة العلماء وقلة توفيق التعليم والتعلم والله اعلم- اخرج ابن إسحاق وابن جرير من طريق سعيد او عكرمة عن ابن عباس قال اتى النبي ﷺ سلام بن مشكم فى «١» جماعة يهود سماهم فقالوا كيف نتّبعك وقد تركت قبلتنا وان هذا الّذي جئت به لا نراه متناسقا كما تناسق التورية فانزل علينا كتابا نقرؤه نعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتى به فانزل الله تعالى.
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ فى البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ اى لا يقدرون على ذلك وفيهم العرب العرباء وارباب البيان والشعراء واهل التحقيق والبلغاء- وهو جواب قسم دل عليه اللام الموطئة ولولا هى لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اى لبعضهم ظَهِيراً (٨٨) عونا ومظاهرا على الإتيان به وقال البغوي نزلت الاية حين قال الكفار لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا فكذّبهم الله- وفيه معجزة حيث كان كما اخبر الله تعالى به- ولم يقدروا على إتيان اقصر سورة منه مع كمال حرصهم على المعارضة- قال البيضاوي لعله لم يذكر الله تعالى الملائكة لان إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزة ولانهم كانوا وسائط فى إتيانه- قلت المراد بالإتيان الإتيان من عند أنفسهم على سبيل المعارضة والمجادلة من غير وحي من الله تعالى ولا شك ان الملائكة ايضا لا يقدرون على إتيان كلام مثل كلام غير مخلوق- لكنهم لم يذكروا لان الإتيان المذكور كفر انما يتصور من المنكر- والملائكة معصومون يؤمنون به ولا يتصور منهم الإنكار والله اعلم وجاز ان يكون الاية تقريرا لقوله لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا....
وَلَقَدْ صَرَّفْنا كررنا بوجوه مختلفة فى التقرير والبيان لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى
(١) وفى الأصل فى عامة يهود-
489
من العبر والاحكام والوعد والوعيد وغيرها هو كالمثل فى غرابته وحسنه ووقوعه موقعا فى الأنفس فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (٨٩) جاز هاهنا وقوع المستثنى مفرغا فى الإثبات لكونه فى قوة النفي ومعناه فلم يرض ولم يأت أكثرهم الا كفورا اى جحودا وإنكارا- ذكر البغوي عن عكرمة عن ابن عباس ان عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان ابن حرب ورجلا من بنى عبد الدار (سماه البغوي النضر بن الحارث) وأبا البختري والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله ابن ابى امية وامية بن خلف والعاص بن وائل ومنيبا ومنبها ابني الحجاج اجتمعوا ومن اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة- فقال بعضهم لبعض ابعثوا الى محمّد فكلموه وخاصموه حتّى تعذّروا فيه- فبعثوا اليه ان اشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله ﷺ سريعا- وهو يظن انه بدا لهم فى امره بدءا وكان عليهم حريصا يحب رشدهم حتّى جلس إليهم فقالوا يا محمّد انّا بعثنا إليك لنعذّر فيك وانّا والله لا نعلم رجلا من العرب ادخل على قومه ما ادخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الالهة وفرقت الجماعة فما بقي امر قبيح الا وقد جئته فيما بيننا وبينك- فان كنت جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون اكثر مالا- وإن كنت انما تطلب الشرف فينا «١» سودناك علينا- وان كنت تريد ملكا ملّكناك علينا- وان كان هذا الّذي يأتيك بما يأتيك ربّيّا تراه قد غلب عليك لا تستطيع رده بذلنا لك أموالنا فى طلب الطب (وكانوا يسمون التابع من الجن الربّى) فقال رسول الله ﷺ مابى ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا الشرف عليكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وانزل علىّ كتابا وأمرني ان أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلّغنكم رسالته ونصحتكم فان تقبلوا منى فهو حظكم فى الدنيا والاخرة وان تردوه علىّ اصبر لامر الله
(١) وفى الأصل سودنا علينا-
490
حتّى يحكم بيننا وبينكم- قالوا يا محمّد فان كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت انه ليس أحد من الناس أضيق بلاد اولا اقل مالا ولا أشد عيشا منا فاسئل لنا ربك الّذي بعثك فليسيّر عنا هذه الجبال الّتي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليفجر فيها أنهارا كانهار الشام والعراق وليبعث لنا من قد مضى من ابائنا وليكن منهم قصىّ بن كلاب فانه كان شيخا صدوقا فنسئلهم عما تقول أحق هو أم باطل فان صدّقوك صدّقناك- فقال رسول الله ﷺ ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به فان تقبلوا فهو حظكم فى الدنيا والاخرة وان تردوه اصبر لامر الله- قالوا فان لم تفعل هذا فسل ربك ان يبعث لنا ملكا يصدّقك وسله ان يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك فانك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه- قال ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا- قالوا فأسقط السماء كما زعمت ان ربك لو شاء فعل- فقال ذلك الى الله ان شاء فعل ذلك بكم فعله- وقال قائل منهم لن نؤمن لك حتّى تأتينا بالله وللملائكة قبيلا- فلمّا قالوا قام رسول الله ﷺ وقام معه عبد الله بن ابى امية وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب- فقال يا محمّد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سالوك لانفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل ثم سالوك ان تعجل ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل فو الله لا أؤمن لك ابدا حتّى تتخذ الى السماء سلّما ثم ترتى فيه وانا انظر حتّى تأتيها وتأتى معك نسخة منشورة ومعك اربعة من الملائكة يشهدون لك بما تقول وايم الله لو فعلت ذلك لظننت ان لا أصدقك فانصرف رسول الله ﷺ الى اهله حزينا لما راى من مباعدتهم فانزل الله تعالى.
وَقالُوا عطف على ابى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ الاية الى قوله بَشَراً رَسُولًا- واخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من اهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس- واخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير فى هذه الاية قال نزلت
فى أخي أم سلمة عبد الله بن امية قال فى لباب النقول هذا مرسل صحيح شاهد لما قبله يجبر المبهم فى اسناده- يعنى قال كفار مكة تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم بيان اعجاز القران وانضمام غيره من المعجزات لن نؤمن لك حَتَّى تَفْجُرَ قرا الكوفيون بفتح التاء وضم الجيم مخففا من المجرد- والباقون بضم التاء وفتح الفاء وكسر الجيم مشددا من التفعيل لَنا مِنَ الْأَرْضِ ارض مكة يَنْبُوعاً (٩٠) اى عينا لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء.
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ بستان مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ من التفعيل باتفاق القراء الْأَنْهارَ خِلالَها وسطها تَفْجِيراً (٩١) تشقيقا.
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً يعنون قوله تعالى أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ قرا نافع وابن عامر وعاصم بفتح السين كقطع لفظا ومعنى جمع كسفة وهى القطعة والباقون بسكون السين على التوحيد وجمعه كسياف وكسوف اى يسقطها طبقا واحدا وقيل معناه ايضا القطع وهى جمع مثل سدرة وسدر- وقرا فى الشعراء كسفا بالفتح حفص- وفى الروم ساكنة ابو جعفر وابن عامر أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) قال ابن عباس والضحاك اى كفيلا لما تدّعيه اى شاهدا على صحته ضامنا لدركه- وقال قتادة اى مقابلا نراهم عيانا كالعشير بمعنى المعاشر وقال الفراء هو من قول العرب لقيت فلانا قبيلا وقبلا اى معائنة- وهو حال من الله والحال من الملائكة محذوف لدلالتها عليه- وقال مجاهد هو جمع القبيلة اى بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة صنفا صنفا فيكون حالا من الملائكة.
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ اى ذهب واصله الزينة أَوْ تَرْقى اى تصعد فِي السَّماءِ فى معارجها هذا قول عبد الله بن امية وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ اى لصعودك وحده حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ وكان فيه تصديقك ونؤمر فيه باتباعك قُلْ قرا ابن كثير وابن عامر على صيغة الماضي اى قال محمّد والباقون على صيغة الأمر أي قل يا محمّد تعجبا من اقتراحاتهم او تنزيها لله تعالى من ان يأتى او يتحكم عليه او
يشاركه أحد فى القدرة سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ اى ما كنت إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (٩٣) يعنى ليس ما سالتم فى طوق البشر بل لو أراد الله ان ينزل ما طلبوا لفعل ولكنه لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر غالبا وقد اعطى الله تعالى لرسوله من الآيات والمعجزات ما يغنى عن هذا كله مثل القران وانشقاق القمر ونبع الماء من بين الأصابع وما أشبهها وهذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر فى آيات اخر وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ الاية وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ... وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى يعنى لم يؤمنوا بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً-.
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا محل ان النصب على انه مفعول ثان لمنع إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى النبي والقران إِلَّا أَنْ قالُوا محله الرفع على انه فاعل منع أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (٩٤) يعنى ما منعهم عن الايمان بمحمّد ﷺ والقران بعد نزول الوحى وظهور الحق شيء الا قولهم على سبيل الإنكار يعنى الا انكارهم ان يرسل الله بشرا- وهذا الإنكار واقع غير موقعه فان النقل والعقل حاكم بأن الرسول لا بد ان يكون من جنس المرسل إليهم حتّى يبلّغهم رسالات ربهم فيستفيدون منه لاجل المناسبة نبّه الله سبحانه على هذا المعنى بقوله.
قُلْ يا محمّد جوابا لشبهتهم لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ كما يمشى بنوا آدم مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فيها غير ذاهبين الى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب عليهم لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (٩٥) يعنى لا نرسل الى قوم رسولا الا من جنسهم ليمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه- وملكا يحتمل ان يكون حالا من الرسول او موصوفا به وكذلك بشرا والاول أوفق.
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على انى رسوله إليكم فانه تعالى اظهر المعجزات على يدى على وفق دعواى او على انى بلغت ما أرسلت به إليكم وانكم عاندتم بعد ظهور الحق فهو
يحكم بيننا وبينكم بإثابة المحق وتعذيب المبطل- وشهيدا نصب على الحال او التميز إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ المنذرين والمنذرين خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) يعلم بظواهر أحوالهم وبواطنها فيجازيهم عليه- فيه تسلّية للنبى ﷺ وتهديد للكفار-.
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ اثبت الياء فى الوصل نافع وحذفها الباقون فى الحالين وَمَنْ يُضْلِلْ اى من يخذله ولم يعصم حتّى قبل وساوس الشيطان فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ يهدونه مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يمشون عَلى وُجُوهِهِمْ او يسحبون عليها عن انس ان رسول الله ﷺ سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال أليس الّذي أمشاه على رجليه قادر على ان يمشيه على وجهه- متفق عليه واخرج ابو داود والبيهقي عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة اصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم- فقال رجل يا رسول الله او يمشون على وجوههم قال الّذي أمشاهم على أقدامهم قادر على ان يمشيهم على وجوههم وكذا اخرج الترمذي وحسنه وروى الترمذي وحسنه عن معاوية بن جيد سمعت رسول الله ﷺ يقول انكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم واخرج النسائي والحاكم والبيهقي عن ابى ذر قال حدثنى الصادق المصدوق ﷺ ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبهم الملائكة على وجوههم عُمْياً لا يرون ما تقربه أعينهم وَبُكْماً لا ينطقون بحجة او اعتذار يقبل منهم وَصُمًّا لا يسمعون شيئا يسرّهم لانهم فى الدنيا لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا ان ينطقوا بالصدق كذا ذكر البغوي قول ابن عباس فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله تعالى وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ وقوله تعالى دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً وقوله تعالى سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وقوله تعالى رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً وغيرها من الآيات الّتي تثبت لهم الرؤية
والكلام والسمع- وقيل يحشرون كما وصفهم الله تعالى ثم يعطى لهم السمع والبصر والنطق إذا عرضوا على النار وعند الحساب- وقيل يحشرون بعد الحساب من الموقف الى النار مؤفى القوى والحواس- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن محمّد بن كعب قال لاهل النار خمس دعوات يجيبهم الله فى اربع فاذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها ابدا يقولون رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ فيجيبهم ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ الاية ثم يقولون رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ فيجيبهم فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ الاية ثم يقولون رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ فيجيبهم أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ الاية ثم يقولون رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ فيجيبهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ الاية ثم يقولون رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ فيجيبهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ فلا يتكلمون بعدها ابدا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ اى سكن لهبها بان أكلت جلودهم ولحومهم زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) وقودا فيتوقد النار بان يبدل جلودهم ولحومهم كانّهم لمّا كذبوا بالاعادة بعد الافناء جزاهم الله بانهم لا يزالون على الافناء والاعادة واليه أشار بقوله-.
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) فان الاشارة بذلك الى ما تقدم من عذابهم.
أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أنكروا البعث ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع عظمها وشدتها من غير سبق مثال قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ مع صغرهم وضعفهم فانهم ليسوا أشد خلقا منهن ولا الاعادة أصعب عليه من الإبداء
وَجَعَلَ لَهُمْ عطف على خبر انّ يعنى الم يعلموا ان الله جعل لهم أَجَلًا اى وقتا لعذابهم لا رَيْبَ فِيهِ اى فى ان يأتيهم قيل هو الموت وقيل يوم القيامة فَأَبَى الظَّالِمُونَ مع وضوح الحق إِلَّا كُفُوراً (٩٩) اى جحودا وإنكارا عطف على لم يروا يعنى الم يروا قدرة الله على خلقه وجعله لهم أجلا فابوا كل شيء الا جحودا وفيه وضع الظاهر اى الظالمون موضع الضمير للتصريح بكونهم ظالمين فى الإنكار والكفر.
قُلْ يا محمّد لَوْ أَنْتُمْ ايها الناس مرفوع بفعل يفسره تَمْلِكُونَ وفائدة الحذف والتفسير المبالغة والدلالة على الاختصاص مع الإيجاز خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي اى رزقه وسائر نعمائه قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها إِذاً اى إذا ملكتم ظرف لما بعده لَأَمْسَكْتُمْ وبخلتم خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ اى لاجل الخوف من الفقر بالإنفاق وقيل خشية النفاد يقال نفق الشيء إذا ذهب وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) بخيلا ممسكا لان بناء امره على الحاجة والبخل بما يحتاج اليه وملاحظته العوض فيما يبذل بخلاف الله سبحانه فانه جواد غير محتاج الى شيء قادر على إيجاد أضعاف غير متناهية مما وجد فلا ينفد خزائنه-.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ اى معجزات واضحات قال ابن عباس والضحاك هى العصا- واليد البيضاء- والعقدة الّتي كانت بلسانه فحلّها- وفلق البحر- والطوفان- والجراد- والقمّل- والضفادع- والدم- وقال عكرمة ومجاهد وعطاء هى الطوفان- والجراد- والقمل- والضفادع- والدم والعصا- واليد- والسنون- ونقص الثمرات- قال وكان رجل منهم مع اهله فى فراشه وقد صارا حجرين والمرأة منهم قائمة تختبز فصارت حجرا- وذكر محمّد ابن كعب القرظي الطمس وانفلاق البحر ونتق الطور على بنى إسرائيل- وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الاخيرة- وعن صفوان بن عسال قال قال يهودى لصاحبه اذهب بنا الى هذا النبي فقال له صاحبه لا تقل
496
له نبى انه لو سمعك لكان له اربع أعين فاتيا رسول الله ﷺ فسالاه عن تسع آيات بينات فقال رسول الله ﷺ لا تشركوا بالله شيئا- ولا تسرقوا- ولا تزنوا- ولا تقتلوا النفس الّتي حرم الله الا بالحق- ولا تمشوا ببرىّ الى ذى سلطان ليقتله ولا تسحروا- ولا تأكلوا الربوا- ولا تقذفوا محصنة- ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا فى السبت- قال فقبّلا يديه ورجليه وقالا نشهد انك نبى- قال فما يمنعكم ان تتبعونى- قالا ان داود عليه السلام دعا ربه ان لا يزال من ذريته نبى وانا نخاف ان تبعناك ان يقتلنا اليهود رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح لا نعرف له علة- وروى البغوي بلفظ ان يهوديا قال لصاحبه تعال حتّى نسئل هذا النبي فقال الاخر لا تقل له انه نبى انه لو سمع صارت له اربع أعين فاتياه فسالاه عن هذه الاية وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ الحديث فعلى هذا المراد بالآيات الاحكام العامة للملل الثابتة فى كل الشرائع سمى بذلك لانها تدل على حال من يتعاطى متعلقها فى الاخرة من السعادة والشقاوة وقوله وعليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا حكم مستانف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام فَسْئَلْ اى فقلنا لموسى فاسئل بَنِي إِسْرائِيلَ من فرعون ليرسلهم معك- أو سل يا موسى بنى إسرائيل عن دينهم ويؤيد كون الخطاب لموسى قراءة رسول الله ﷺ فسأل على لفظ الماضي بغير همزة الوصل أخرجه سعيد بن منصور فى سننه واحمد فى الزهد عن ابن عباس إِذْ جاءَهُمْ متعلق بقلنا مقدر- او المعنى فاسئل يا محمّد بنى إسرائيل عمّا جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم وعن الآيات ليظهر للمشركين صدقك او لتسلّى نفسك وتعلم انه تعالى لو اتى بما اقترحوا لاصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم او ليزداد يقينك لان تظاهر الادلّة توجب قوة اليقين وطمانية القلب- وعلى هذا كان إذ منصوبا باتينا او بإضمار يخبروك على انه جواب الأمر او بإضمار اذكر على الاستيناف فَقالَ لَهُ اى لموسى فِرْعَوْنُ
497
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً
(١٠١) سحرت فاختل عقلك حيث تدعى امرا مستحيلا يعنى الرسالة من الله تعالى كذا قال الكلبي- وقيل مصروفا عن الحق- وقال الفراء وابو عبيدة ساحرا وضع المفعول موضع الفاعل- وقال محمّد بن جرير معطى علم السحر فهذه العجائب الّتي تفعلها من سحرا-.
قالَ موسى فى جوابه لَقَدْ عَلِمْتَ قرا الكسائي بضم التاء على اخباره عن نفسه اى علمت انا ويروى ذلك عن علىّ- وقال لم يعلم الخبيث ان موسى على الحق ولو علم لا من ولكن موسى هو الّذي علم- وقرا الباقون بفتح التاء اى لقد علمت أنت يا فرعون- قال ابن عباس علمه فرعون ولكن عاند قال الله تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ... ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ الآيات إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ جمع بصيرة اى بينات يبصرك صدقى ولكنك تعاند وانتصابه على الحال وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) قال ابن عباس ملعونا وقال مجاهد هالكا- وقال قتادة مهلكا- وقال الفراء مصروفا ممنوعا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا اى ما صرفك- نازع ظنه بظنه وشتّان ما بين الظنين فان ظن فرعون باطل معارض للادلّة الموجبة لليقين- وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر اماراته.
فَأَرادَ فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ اى يستخف ويخرج موسى وقومه مِنَ الْأَرْضِ ارض مصر او الأرض مطلقا بالقتل والاستيصال فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) على عكس ما أراد بموسى وقومه يعنى فاستفززناه وقومه بالاغراق.
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد فرعون وإغراقه لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ الّتي أراد فرعون ان يستفزكم منها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ اى الكرة او الحيوة او الساعة او الدار الاخرة يعنى قيام القيامة جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) اى جميعا مختلطين إياكم وإياهم ثم يحكم ويميز سعداءكم من اشقيائكم- واللفيف الجماعات من قبائل شتى إذا اختلطوا وجمع
القيامة كذلك فيهم المؤمن والكافر والبرّ والفاجر وقال الكلبي فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعنى مجيء عيسى من السماء جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً اى كل قوم من هاهنا وهاهنا لقوا جميعا-.
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ تقديم الظرف يفيد الحصر يعنى ما أنزلنا القران الا متلبسا بالحق اى بالحكمة المقتضية لانزالها وما نزل الا متلبسا بالحق اى الحكمة والصدق الّذي اشتمل عليه- وقيل معناه ما أنزلناه من السماء الا محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول الا محفوظا بهم من تخليط الشياطين- أراد نفى اعتراء البطلان اوله وآخره وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد إِلَّا مُبَشِّراً للمطيعين بالجنة وَنَذِيراً (١٠٥) للعاصين من النار- فليس عليك الا التبشير والتنذير دون جبرهم على الهداية.
وَقُرْآناً منصوب بفعل يفسره فَرَقْناهُ يعنى نزلناه نجوما متفرقا ولم ننزله جملة- بدليل قراءة ابن عباس بالتشديد لكثرة نجومه فانه نزل فى عشرين سنة- او معناه فصلناه وبيناه وقال الحسن معناه فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف كما حذف فى قوله ويوما شهدناه لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ اى مهلة فانه أيسر للحفظ وأعون للفهم وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) على حسب الحوادث-.
قُلْ يا محمّد آمِنُوا بِهِ اى بالقران أَوْ لا تُؤْمِنُوا هذا على طريق التهديد والوعيد يعنى ايمانكم وانكاركم لا يعود على القران منفعة- فان ايمانكم لا يزيده كمالا بل لانفسكم- وامتناعكم عنه لا يورثه نقصانا بل يضركم وقوله إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ تعليل له يعنى فان لم تؤمنوا فقد أمن غيركم الذين هم خير منكم- وهم علماء اهل الكتاب الذين قرءوا الكتب السابقة- وعرفوا حقيقة الوحى وامارات النبوة- وتمكنوا من التميز بين المحق والمبطل- حيث قرءوا نعتك وصفة ما انزل إليك فى تلك الكتب- وقيل المراد بالموصول الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث النبي ﷺ ثم اسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر وغيرهم- ويجوز ان يكون تعليلا على سبيل التسلّية
كانه قيل تسلّ بايمان العلماء عن ايمان الجهلة ولا تكترث بايمانهم واعراضهم إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القران يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ قال ابن عباس أراد به الوجوه اى يسقطون على وجوههم سُجَّداً (١٠٧) تعظيما لامر الله وشكرا لانجازه وعده فى تلك الكتب ببعثة محمّد ﷺ على فترة من الرسل- وإنزال القران عليه.
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عن خلف الموعد إِنْ كانَ يعنى انه كان وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (١٠٨) كائنا لا محالة يعنى ما وعد الله تعالى فى الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمّد ﷺ وإنزال القران عليه كان منجزا كائنا البتة.
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرر لاختلاف الحال او السبب فان الاول للشكر عند انجاز الوعد- والثاني لما اثر فيهم من مواعظ القران- وجملة يبكون فى محل النصب على الحال يعنى يخرون حال كونهم باكين من خشية الله- وذكر الذقن لانه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرور بها وَيَزِيدُهُمْ سماع القران خُشُوعاً (١٠٩) اى يزيدهم علما ويقينا وخشوعا لاجل نزول بركات القران على بواطنهم- (مسئلة) يستحب البكاء عند قراءة القران عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا يلج النار من بكى من خشية الله حتّى يعود اللبن فى الضرع- ولا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم فى منخرى مسلم ابدا- رواه البغوي ورواه الحاكم وصححه والبيهقي عنه بلفظ حرم على عينين ان تنالهما النار عين بكت من خشية الله- وعين باتت تحرس الإسلام واهله من اهل الكفر- وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله ﷺ يقول حرمت النار على ثلاثة أعين عين بكت من خشية الله وعين سهرت فى سبيل الله وعين غضت عن محارم الله- رواه البغوي وعن ابى ريحانة قال قال رسول الله ﷺ حرمت النار على عين بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت فى سبيل الله وحرمت النار على عين غضت عن محارم الله او عين فقئت فى سبيل الله- رواه الطبراني فى الكبير
وصححه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ ما من عبد مؤمن يخرج من عينه دموع وان كان مثل رأس الذباب من خشية الله ثم يصيب شيئا من حر وجهه الا حرمه الله على النار رواه ابن ماجة والله اعلم- اخرج ابن مردوية وغيره عن ابن عباس قال صلّى رسول الله ﷺ ذات يوم فدعا فقال فى دعائه يا الله يا رحمن فقال المشركون انظروا الى هذا الصابي ينهاتا ان ندعوا الهين فانزل الله تعالى.
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ وذكر البغوي قول ابن عباس انه سجد رسول الله ﷺ بمكة ذات ليلة فجعل يقول فى سجوده يا الله يا رحمن فقال ابو جهل ان محمّدا ينهانا عن الهتنا وهو يدعو الهين فانزل الله تعالى هذه الاية ومعناها انهما اسمان لذات واحدة وان اختلف اعتبار اطلاقهما وذلك لا ينافى توحيد ذات واحدة يستحق العبادة هو لا غير- وكلمة او للتخيير وقيل قالت اليهود انك لتقل ذكر الرّحمن وقد أكثره الله فى التورية فانزل الله تعالى هذه الاية والمعنى انهما متساويان فى حسن الإطلاق والإفضاء الى المقصود أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الدعاء هاهنا بمعنى التسمية وهو معدى الى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه- والتنوين فى ايّا عوض عن المضاف اليه وما صلة لتأكيد ما فى اىّ من الإبهام- والضمير فى له للمفعول الاول المحذوف يعنى أياما تدعوه فله اى لذات المعبود بالحق الأسماء الحسنى وجملة له الأسماء الحسنى واقعة موقع الجزاء للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكان اصل الكلام اىّ اسم من هذين الاسمين تدعوا الله اى تسموه به فهو حسن صحيح لان له تعالى الأسماء الحسنى منها هذين الاسمين وكونها حسنى لدلالتها كلها على صفات الجلال والكمال والتنزه عن النقص والزوال- وقد ذكرنا اسماء الله سبحانه وما يتعلق بها فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها الاية- وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ اى بقراءتك فى الصلاة بحيث يسمعها المشركون وَلا تُخافِتْ بِها كل المخافة بحيث لا يسمع من خلفك من المؤمنين وَابْتَغِ اى اطلب بَيْنَ ذلِكَ اى كمال الجهر والمخافة سَبِيلًا (١١٠) متوسطا فان خير الأمور أوسطها-
501
والمراد بالصلوة صلوة الليل فريضة كانت او نافلة للاجماع على وجوب الإخفات فى صلوة النهار للنقل المتوارث- او المعنى وابتغ بين ذلك سبيلا يعنى بالاخفاة نهارا وحيث يكون بمسمع من المشركين وبالجهر المتوسط ليلا- روى البغوي من طريق البخاري عن ابى بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فى هذه الاية قال نزلت ورسول الله ﷺ مختفى بمكة كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقران فاذا سمعه المشركون سبّوا القران ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه ﷺ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ اى بقراءتك فيستمع المشركون فيسبّوا القران وَلا تُخافِتْ بِها عن أصحابك فلا تسمعهم وروى البخاري عن ابى بشير بإسناد مثله وزاد وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أسمعهم ولا تجهر حتّى لا يأخذوا عنك القران- قال البغوي وقال قوم الاية فى الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول رضى الله عنهم روى البخاري عن عائشة وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قالت انزل ذلك فى الدعاء- واخرج ابن جرير من طريق ابن عباس مثله ثم رجح الرواية الاولى بكونها أصح سندا- وكذا رجحها النووي وغيره قال الحافظ ابن حجر لكن يحتمل الجمع بينهما بانها نزلت فى الدعاء داخل الصلاة- وقد اخرج ابن مردوية من حديث ابى هريرة قال كان رسول الله ﷺ إذا صلّى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت- قلت وهذا الجمع عندى غير مرضى لان الدعوات المأثورة فى الصلاة المتوارث فيها الإخفات ولا خلاف الا فى دعاء القنوت وايضا قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ يقتضى الإخفاء فى الدعوات كلها فى الصلاة وخارجها فالاولى ان يقال المراد بالدعاء فى قول عائشة انها نزلت فى الدعاء وكذا فى حديث ابى هريرة رفع صوته بالدعاء سورة الفاتحة لاشتمالها على قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلخ وما اخرج ابن جرير والحاكم عن عائشة قالت اللهم ارحمني فنزلت وأمروا ان لا تخافتوا ولا تجهروا- وما قال البغوي قال عبد الله بن شداد كان اعراب بنى تميم إذا سلم النبي ﷺ قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا ويجهرون بذلك فانزل الله تعالى هذه الاية يجب رده للتقل المتوارث فلا يصادم ما فى الصحيح فى سبب نزول هذه الاية والله اعلم- روى البغوي من طريق الترمذي عن عبد الله بن رباح الأنصاري ان النبي صلى الله
502
عليه وسلم قال لابى بكر مررت بك وأنت تقرا وتخفض من صوتك فقال انى أسمعت
من ناجيت فقال ارفع قليلا وقال لعمر مررت بك وأنت ترفع صوتك فقال انى اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال اخفض قليلا وروى ابو داود وغيره من حديث ابى قتادة نحوه- وقد ذكرنا بعض مسائل الجهر بالقراءة والإخفات بها فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ الاية وذكرنا مسئلة ذكر الجهر والخفي ايضا فى تلك السورة فى تفسير قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً الاية- (فصل) كيف كان قراءة رسول الله ﷺ عن ابى هريرة قال كانت قراءة النبي ﷺ يرفع طورا ويخفض طورا رواه ابو داود- وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال كانت قراءة النبي ﷺ على قدر ما يسمعه من فى الحجرة وهو فى البيت رواه ابو داود- وعن أم سلمة انها نعتت قراءته ﷺ فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه ابو داود والترمذي والنسائي وعن أم هانى قالت كنت اسمع قراءة النبي ﷺ الليل وانا على عريشى رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة- وعن عبد الله بن قيس قال سالت عائشة عن قراءة النبي ﷺ كان يسر بالقراءة أم يجهر قالت كل ذلك قد كان يفعل ربما اسر وربما جهر قلت الحمد لله الّذي جعل فى الأمر سعة- قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب والله اعلم- اخرج ابن جرير عن محمّد بن كعب القرظي قال ان اليهود والنصارى قالوا اتخذ الله ولدا وقالت العرب لبيك لا شريك لك لبيك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس لولا اولياء الله لذلّ فانزل الله تعالى.
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ اى فى الالوهية وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ اى ولى يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بولايته- نفى عنه ان يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا واضطرارا- وما يعاونه ويقويه- ورتب الحمد عليه للدلالة على انه يستحق جنس الحمد لانه كامل الذات المتفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه
503
ناقص مملوك نعمة او منعم عليه فكل حمد راجع اليه تعالى وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١) أي عظّمه عن ان يكون له شريك او ولىّ تعظيما بالغا- روى احمد فى مسنده والطبراني بسند حسن عن معاذ الجهني عن رسول الله ﷺ انه كان يقول اية العز الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الى اخر السورة والله اعلم- فى هذه الاية تنبيه على ان العبد وان بالغ فى التنزيه والتمجيد واجتهد فى العبادة والتحميد ينبغى ان يعترف بالقصور عن حقه فى ذلك- عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ أول من يدعى الى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون فى السراء والضراء رواه الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي- وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده رواه البيهقي وعبد الرزاق فى الجامع- وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله ﷺ قال ان أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا اله الا الله رواه الترمذي وابن ماجة- وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله ﷺ أحب الكلام الى الله اربع لا اله الا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بايتهن بدأت رواه مسلم واحمد بسند صحيح وروى البغوي الأحاديث الاربعة وعن عمران بن حصين ان أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون رواه الطبراني- وعن ابى ذر أحب الكلام الى الله ان يقول العبد سبحان الله وبحمده رواه احمد ومسلم والترمذي وعن انس كان رسول الله ﷺ إذا افصح الولد من بنى عبد المطلب علمه وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الاية وأخرجه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة وكذا اخرج من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورواه عبد الرزاق وابن ابى شيبة فى مصنفهما من حديث عمرو بن شعيب مفصلا والله اعلم الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين تم تفسير سورة بنى إسرائيل من التفسير المظهرى ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الكهف) قد تم ثالث شهر رمضان من السنة الثانية بعد المائتين والف (سنة ١٢٠٢) من الهجرة صلى الله وسلم على صاحبها بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.
504
الجزء السادس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نحمده ونستعينه ونصلّى على رسوله الكريم
فهرس تفسير سورة الكهف من تفسير المظهرى
مضمون صفحه ما ورد في اصحاب الرقيم ٤ قصة اصحاب الكهف ٩ مرور معاوية على كهف اصحاب ٢١ الكهف مسئلة الصوفي كائن بائن ٢٣ مسئلة جواز بناء المسجد عند ٢٣ مقابر الأولياء وما ورد فى النهى عن تحصيص القبور والبناء عليها وجعلها مشرفة والجلوس على القبور ٢٤ والصلاة إليها....
مضمون صفحه لا تقولنّ لشيء انّى فاعل ذلك غدا الّا ان يشاء الله ٢٥ هل يجوز الاستثناء منفصلا ما يفعل ان نسى الاستثناء ذكر سرادق النار...... ٣٠
ذكر ماء كالمهل..... ٣١
ما ورد فى حلى اهل الجنة ٣٢ حديث كان أحب الألوان الى رسول الله صلى الله عليه ٣٢ وسلم الخضرة ما ورد في ثياب اهل الجنة ٣٢
1
فى الأرائك........ ٣٢
حديث من راى شيئا فاعجبه فقال ما شاء الله ٣٦ لا قوة الا بالله لم يضره ما ورد فى الباقيات الصالحات ٣٨ حديث ايّاكم ومحقرات الذنوب وما فى الباب ٤١ حديث يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فاما العرضتان فجدال و ٤١ معاذير واما الثالثة فتطائر الصحف بالأيدي.....
حديث الكتب كلها تحت ٤١ العرش ما ورد في ذرية إبليس واسماء شيطان الوضوء ٤٢ والصلاة وغيرهما حديث طرق رسول الله ﷺ على ٤٤ علّى وفاطمة ليلة فقال مضمون صفحه الا تصليان الحديث ما ورد في قصة مسير موسى الى الخضر ٣٧ مسئلة المفضول قد يكون له فضل جزئى على من هو ٥٠ أفضل منه مسئلة الفاضل لا بدّ ان يطلب حصة فضل المفضول ٥١ منه ولا يستنكف عنه حديث الكلمة الحكمة ضالة المؤمن..... ٥١
مسئلة اتحاد المشرب والانقياد وترك الاعتراض ٥١ على المفيد شرط للاستفادة مسئلة ان ظهر على يد ولى من الأولياء امر ينكر في الظاهر فان كان لصحته وجه مستند الى نص او قياس او فتوى أحد من المجتهدين
2
مضمون صفحه لا يجوز عليه الإنكار والا ينكر الفعل ولا يأتى به ولا ينكر ٥٢ كمال فاعله ويجب حمل مقالاتهم مهما أمكن على محمل ٥٢ صحيح او على عدم فهم مرادهم.....
مسئلة وجودات الأشياء كلها ظلال للاعيان الثابتة ٥٨ في مرتبة علم الله تعالى الكلام في حيوة الخضر وموته ٦١ الكلام في يأجوج ومأجوج وأصنافهم ٦٦ ما ورد في خروج يأجوج ٦٩ مضمون صفحه وما ورد في خروج الدجال ٧٠ حديث الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ٧٣ والعاجز من اتبع هواه ما ورد في الكفار اى في وزن الكفار ووزن أعمالهم ٧٣ واقوال العلماء فيه ما ورد في الجنة الفردوس ٧٤ ما ورد في الشرك الأصغر اى في الرياء..... ٧٧

فصل في فضائل سورة الكهف انتهى ٧٨.

3
سورة الكهف مكيّة «١»
وهى مائة واحدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رب يسّر وتمّم بخير اخرج ابن جرير من طريق إسحاق عن شيخ من اهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معيط الى أحبار اليهود «٢» بالمدينة- فقالوا سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته واخبروهم بقوله فانهم اهل الكتاب الاول- وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء- فخرجا حتى أتيا المدينة فسالا «٣» أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- ووصفا «٤» لهم امره وبعض قوله فقالوا لهم سلوه عن ثلاث فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل- وان لم يفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول ما كان من أمرهم فانه كان لهم حديث عجيب- وسلوه عن رجل طاف مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه- وسلوه عن الروح ما هو- فاقبلا حتى قد ما على قريش- فقالا قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمّد- فجاءوا رسول الله ﷺ فسألوه- فقال أخبركم غدا بما سالتم عنه ولم يستثن فانصرفوا ومكث رسول الله ﷺ خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك وجبا ولا يأتيه جبرئيل حتى ارجف اهل مكة- حتى احزن رسول الله ﷺ مكث الوحى عنه- وشن عليه ما يتكلم به اهل مكة- ثم جاءه جبرئيل من الله بسور اصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سالوه عنه من امر الفتية
(١) عند البصريين وعند اهل الكوفة مائة وعشرة اية ١٢
(٢) وفي الأصل أحبار يهود ١٢
(٣) وفي الأصل فسالوا ١٢ [.....]
(٤) وفي الأصل ووصفوا ١٢
4
Icon