تفسير سورة الكهف

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿بَاخِعٌ نَّفْسَكَ﴾ أي: مُهْلِكٌ نَفْسَكَ وَقَاتِلُهَا.
﴿عَلَى آثَارِهِمْ﴾ أي: مِنْ بَعْدِ تَوَلِّيهِمْ عَنْكَ.
﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾ الصَّعِيدُ: وَجْهُ الأَرْضِ، وقيل: الترابُ، والجُرُزُ: الأَمْلَسُ اليابسُ الّذِي لا نَبَاتَ فِيهِ، والمرادُ: فَنَاءُ مَا عَلَى الأرضِ مِنَ الزِّينَةِ والأموالِ وَزَوَالُهَا، وأن المَرْجِعَ إلى الله فَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، فلا تَأْسَ يا محمدُ ولا تَحْزَنْ بما تَسْمَعُ منهم وما تَرَى، وهذا تسليةٌ للنبي - ﷺ -، وتهديدٌ للمشركين.
﴿وَالرَّقِيمِ﴾ هُوَ اسمُ كتابٍ كُتِبَ في شَأْنِهِمْ، أو اسمُ الجبلِ الَّذِي فيه الكهفُ، أو اسمُ الكلبِ أو قريتِهم، أو اسمُ الوادي الَّذِي فيه الكهفُ.
﴿أَمَدًا﴾ مدَّة معلومة مُحَدَّدَة.
﴿مِرْفَقًا﴾ مَا يُرْفَقُ بِهِ؛ أَيْ: ما يُنْتَفَعُ به.
﴿تَزَاوَرُ﴾ تَمِيلُ.
﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ أي: تَتْرُكُهُمْ وَتَتَجَاوَزُهُمْ وَتَعْدِلُ عَنْهُمْ جِهَةَ الشِّمَالِ من الكهفِ، والمعنى أن الشمس لا تُصِيبُهُمْ في ابتداءِ النهارِ ولا في آخِرِهِ؛ لأن الكهفَ كان عَلَى حالةٍ لا تَدْخُلُهُ الشمسُ، والمقصودُ بيانُ حِفْظِهِمْ عَنْ تَطَرُّقِ الْبِلَى، وَتَغَيُّرِ الأبدانِ والألوانِ إليهم والتَّأَذِّي بِحَرٍّ أو بَرْدٍ كَرَامَةً لهم.
﴿فَجْوَةٍ﴾ مُتَّسَع.
﴿بِالْوَصِيدِ﴾ بِبَابِ الكَهْفِ أو فِنَائِهِ، وقيل: التُّرَاب، وقيل: عَتَبَة البَابِ؛ أي: مَدْخَله.
﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ﴾ وَلَا يُعْلِمَنَّ بِكُمْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وقيل: إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فلا يُوقِعْنَ إِخْوَانَهُ فيما وَقَعَ فيه.
﴿أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أَطْلَعْنَا عليهم.
﴿مُلْتَحَدًا﴾ مَلْجَأً وَحِرْزًا تَعْدِلُ إليه.
﴿فُرُطًا﴾ إِسْرَافًا وَتَضْيِيعًا، وَتَفْرِيطًا، وَنَدَمًا.
﴿سُرَادِقُهَا﴾ السُّرَادقُ: البيتُ المصنوعُ من القماشِ، فَالآيَةُ عَلَى تَشْبِيهِ مَا يحيط بهم من النارِ بالسرادقِ المحيطِ بِمَنْ فِيهِ.
﴿كَالمُهْلِ﴾ مَا أُذِيبَ من الرَّصَاصِ وَشِبْهِهِ، وقيل: قَيْحٌ وَدَمٌ أَسْوَدُ، وقيل: الرَّمَادُ.
﴿مُرْتَفَقًا﴾ مَنْزِلًا وَمَقَرًّا، وأصل المُرْتَفَقِ: المُتَّكَأ، يقال: ارْتَفَقْتُ، أي: اتَّكَأْتُ عَلَى المِرْفَقِ، قال بعض المفسرين: وإنما وَصَفَ النَّارَ بذلك لمقابلةِ قوله تعالى في الجنة: حَسُنَتْ مُرْتَفَقًا، وإلا فلا ارتفاقَ لأهلِ النارِ ولا مُتَّكَأ.
﴿سُندُسٍ﴾ الحريرُ الرقيقُ.
﴿إِسْتَبْرَقٍ﴾ الحريرُ الغليظُ.
﴿الْأَرَائِكِ﴾ الأَسِرَّةُ، وقيل: الفُرُشُ، وقيل: السُّرُرُ المُزَيَّنَةُ بِالسَّتَائِرِ.
﴿حَفَفْنَاهُمَا﴾ أَحَطْنَاهُمَا.
﴿حُسْبَانًا﴾ نَارٌ من السماءِ، وهي الصواعقُ فَتُهْلِكُهَا، والحُسْبَانُ جمعُ حسبانةٍ، والحُسْبَانَةُ: الصَّاعِقَةُ، والصاعقةُ: قِطْعَةٌ من نَارٍ لها صوتٌ عَظِيمٌ.
﴿زَلَقًا﴾ أي: أَرْضًا جَرْدَاءَ بَيْضَاءَ لا يَنْبُتُ فيها نَبَاتٌ، ولا يَثْبُتُ عليها قَدَمٌ لملاسَتِهَا، وهي أسوأُ أَرْضٍ، بعد أن كانت جنة أَنْفَعِ أَرْضٍ وَأَجْمَلِهَا، وَالصَّعِيدُ: الترابُ، والزَّلَقُ في الأصل مَصْدَرُ زَلِقَتْ رِجْلُهُ: إِذَا زَلَّتْ ولم تَثْبُتْ، وَالمَزْلَقَةُ: الموضعُ الَّذِي لا يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَدَمٌ لمَلَاسَتِهِ، والمعنى أنها أَصْبَحَتْ أَرْضًا مَلْسَاءَ ليس فيها زَرْعٌ وَلَا شَجَرٌ.
﴿غَوْرًا﴾ غَائِرًا في أعماقِ الأرضِ.
﴿الْوَلَايَةُ﴾ بالفتحِ: النَّصْرُ وَالمُوَالَاةُ، وبالكسرِ: المُلْكُ.
﴿هَشِيمًا﴾ مُتَكَسِّرًا مُتَفَتِّتًا من اليُبْسِ.
﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ أي تُفَرِّقُهُ.
﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ الأَعْمَالُ الصالحةُ من سائرِ العباداتِ.
﴿مَوْبِقًا﴾ أَوْبَقَهُ: أَهْلَكَهُ، وَوَبَقَ يَبِقُ وُبُوقًا: هَلَكَ، والمَوْبِقُ مَكَانُ الهلاكِ، قال: «ابنُ عباسٍ»: هُوَ وَادٍ في جَهَنَّمَ، وقال «ابنُ الأعرابي»: كُلُّ شيءٍ حَاجِزٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فهو مَوْبِقٌ.
﴿مَصْرِفًا﴾ مَعْدِلًا يَنْصَرِفُونَ إليه، وَمَلْجَأً يَلْجَؤُونَ إليه؛ لأنها أَحَاطَتْ بهم من كُلِّ جَانِبٍ.
﴿لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ﴾ أي: جَادَلُوا بالباطلِ لِيُزِيلُوا الحقَّ وَيُبْطِلُوا الدِّينَ، وليس ذلك بِحَاصِلٍ لهم، وَأَصْلُ الدَّحْضِ: الزَّلَقُ، يقال: دَحَضَتْ رِجْلُهُ أي: زَلِقَتْ.
﴿مَوْئِلًا﴾ مَلْجَأً وَمَنْجًى.
﴿لَا أَبْرَحُ﴾ لا أَزَالُ أَسِيرُ.
﴿مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ وهو المكانُ الَّذِي أُوحِيَ إليه أَنَّكَ سَتَجِدُ فِيهِ عَبْدًا من عبادِ اللهِ العَالِمينَ.
﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ زَمَنًا طَوِيلًا، والحُقُبُ عِنْدَ العَرَبِ غيرُ مُحَدَّدٍ بِزَمَنٍ، ومن المفسرين مَنْ حَدَّهُ بثمانينَ ألفَ سَنَةٍ، أو غيرِ ذلك.
﴿سَرَبًا﴾ السَّرَبُ: المَسْلَكُ وَالشِّقُّ الطويلُ، أي: ذَهَبَ فِي البَحْرِ.
﴿خَرَقَهَا﴾ ثَقَبَهَا وَشَقَّهَا.
﴿وَلَا تُرْهِقْنِي﴾ وَلَا تُكَلِّفْنِي وَلَا تَغْشَنِي، يقال: رَهِقَهُ إذا غَشِيَهُ.
﴿زَكِيَّةً﴾ طَاهِرَةً لم تَتَلَوَّثْ رُوحُهَا بالذُّنُوبِ.
﴿ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ قيل: هُوَ نَبِيٌّ، وقيل: عَبْدٌ صَالِحٌ، وكان بعد ثَمُودَ، وقيل: قَبْلَهَا، وَسُمِّيَ ذَا القَرْنَيْنِ؛ لأنه مَلَكَ مُدَّةَ قَرْنَيْنِ، وقيل: لأنه وَصَلَ طَرَفَيِ العَالَمِ، أو: لأن له ذُؤَابَتَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ في رَأْسِهِ.
﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ أي: فَأَتْبَعَ السَّبَبَ سَبَبًا آخَرَ حتى انتهى إلى مُرَادِهِ.
﴿عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ فِي رُؤْيَةِ العينِ لا في الحقيقةِ؛ لأنها لا تَلْتَصِقُ في الأرضِ، وهي أعظمُ منها أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَمَغْرِبُ الشمسِ هُوَ المكانُ الَّذِي يَرَى الرَّائِي أن الشمسَ تَغْرُبُ عنده، وهو يختلفُ بالنسبة للمَوَاضِعِ، فبعضُ المواضعِ يَرَى الرَّائِي أن الشمسَ تَغْرُبُ خَلْفَ جَبَلٍ، وفي بعضها يَرَى أنها تَغْرُبُ في الماء كما إذا كان عَلَى سَاحِلِ بَحْرٍ، وفي بعضٍ آخَرَ يَرَى أنها تَغْرُبُ في الرمالِ إذا كان في صحراءَ مكشوفةٍ، والحَمَأُ: الطِّينُ الأَسْوَدُ، وَعَيْنٌ حَمِئَةٌ: عينٌ ذاتُ حَمِئَةٍ، أي: ذَاتُ طِينٍ أَسْوَدَ، ولعله لمَّا وَصَلَ إلى مُنْتَهَى العُمْرَانِ كان وراءَه بِرَكٌ ومستنقعاتٌ ذاتُ طِينٍ أسودَ كأنها عيونُ ماءٍ، حيث يَكْثُرُ العُشْبُ، ويتجمعُ الناسُ، وَيَرَى الرَّائِي كأنَّ الشمسَ تغيبُ في تلك العيونِ والبِرَكِ، واللهُ أَعْلَمُ.
﴿بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ بَيْنَ الجَبَلَيْنِ.
﴿رَدْمًا﴾ حَاجِزًا حَصِينًا، والرَّدْمُ: ما جُعِلَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ حتى يتصلَ ويقومَ من ذلك حجابٌ مَنِيعٌ، فهو أَقْوَى من السَّدِّ؛ لأن السَّدَّ اسمٌ لكلِّ ما يُسَدُّ به مَنِيعًا كان أو غيرَ مَنِيعٍ.
﴿زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ أَعْطُونِي وَاجْمَعُوا لي قِطَعَ الحديدِ، جمع زُبرة، فَأَتَوْهُ بها، وبالحَطَبِ، فَجَعَلَ الحَطَبَ عَلَى الحديدِ والحديدَ عَلَى الحَطَبِ، وَكَوَّمَهُمَا في الفتحةِ بَيْنَ الحَاجِزَيْنِ.
﴿بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ حتى سَاوَى الحديدُ والحَطَبُ قِمَّتَيِ الجَبَلَيْنِ، وَسَدَّ الحَاجِزَ بَيْنَهُمَا، والصَّدَفَانِ: جَانِبَا الجَبَلَيْنِ، سُمِّيَا بذلك؛ لأنهما يَتَصَادَفَانِ، أي: يَتَقَابَلَانِ.
﴿قِطْرًا﴾ نُحَاسًا مُذَابًا، وقيل: حَدِيدًا ذَائِبًا، وقيل: رَصَاصًا مُذَابًا.
﴿أَن يَظْهَرُوهُ﴾ أي: فَمَا اسْتَطَاعَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ أن يَعْلُوَا ظهرَ السدِّ ويَتَسَوَّرُوهُ لِعُلُوِّهِ وَمَلَاسَتِهِ.
﴿حِوَلًا﴾ تَحْوِيلًا.
108
سُورة مَريَمَ
Icon