تفسير سورة ص

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة ص من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة ص

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - روى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر أنهما سئلا عن ﴿ص﴾ فقالا: لا ندري (١).
وقال سعيد بن جبير: بحر يحيى الله به الموتى (٢).
وقال الضحاك: صدق الله وعده (٣).
وقال مجاهد: فاتحة السورة (٤).
وقال قتادة: اسم من أسماء القرآن (٥).
وروى الوالبي عن ابن عباس قال: هو اسم من أسماء الله -عز وجل- (٦). وقال في رواية عطاء: يريد صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- (٧).
وقال محمد القُرظي: هو مفتاح أسماء الله: صمد، وصانع المصنوعات، وصادق الوعد (٨).
(١) انظر: "الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "القرطبي" ١٥/ ١٤٣، وأورده السيوطي في "الدر" ٧/ ١٤٣، وعزاه لعبد بن حميد عن أبي صالح.
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "القرطبي" ١٥/ ١٤٣.
(٣) انظر: "الماوردي" ٥/ ٧٥. "البغوي" ٤/ ٤٧، "القرطبي" ١٥/ ١٤٣.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "القرطبي" ١٥/ ١٤٣.
(٥) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١١٧، "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "الماوردي" ٥/ ٧٥.
(٦) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١١٧، "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "زاد المسير" ٧/ ٩٧.
(٧) انظر: "البغوي" ٤/ ٤٧، "زاد المسير" ٧/ ٩٧.
(٨) انظر: "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٩١، "البغوي" ٤/ ٤٧، "القرطبي" ١٥/ ١٤٣.
135
وقال السدي: هو قسم أقسم الله به (١).
وذكر أبو إسحاق (٢) فيه قولين قال: معناه الصادق الله. وقيل: إنه قسم (٣).
قوله: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ عطف عليها، المعنى: أقسم بـ ﴿ص﴾ وبالقرآن ذي الذكر. وأنكر أبو علي أن تكون ﴿ص﴾ قسمًا قال: (لأنه إذا كان قسمًا لا يخلو قوله: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ من أن يكون استئناف قسم أو عطفا على قسم، وهو قوله: ﴿ص﴾، فلا يجوز أن يكون استئناف قسم إن جعلت ﴿ص﴾ قسماً؛ لأن جواب الأول لم يمض، فإذا لم يمض جواب الأول لم يجز أن يستأنف قسم آخر، ولا يجوز أن يكون عطفاً على القسم الأول، فيكون جوابان تشرك الأول؛ لأنه لا حرف جر في الأول، فإذا لم يكن في الأول حرف جر لم يجز ذلك، ولا يجوز إضمار حرف الجر في القسم إلا في أسماء الله كما تقول: الله لأفعلن، ولا يجوز: الكعبة لأفعلن، يريد بالكعبة كما جاز في اسم الله، لأنه كثر في كلامهم فجاز فيه للكثرة مالا يجوز في غيره، ألا ترى أنهم قد استجازوا في هذا الاسم بدل الباء من
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "القرطبي" ١٥/ ١٤٣.
(٢) "معاني القرآن واعرابه" ٤/ ٣١٩.
(٣) هذه الأقوال التي ذكرها المؤلف رحمه الله في معنى ﴿ص﴾ أقوال لا دليل عليها، والأولى أن يقال في جميع الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض سور القرآن: أنها بيان لإعجاز القرآن. يقول الإمام ابن كثير رحمه الله عنها: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها. "تفسير ابن كثير" ١/ ٣٨. وهذا القول اختيار جماعة من المحققين. انظر. "الكشاف" ١/ ٧٦، "فتح القدير" ١/ ٣٧، "أضواء البيان" ٣/ ٣ - ٧.
136
الواو ولم يجبزوه في غيره، وقالوا: بالله اغفر لي، ولا ينادون اسمًا فيه الأف واللام سوى هذا، لقولك (١) أجازوا الحذف في هذا ولم يجيزوه في غيره، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون ﴿ص﴾ قسمًا، ويكون ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ قسماً لم يسبق قبله قسم) (٢).
وقوله: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ أكثر المفسرين قالوا: معناه ذي الشرف. وهو قول سعيد بن جبير وأبي حصين وإسماعيل بن أبي خالد وابن عباس في رواية سعيد (٣). والذكر يكون بمعنى الشرف كقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤]، وكقوله: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠]. قال مقاتل: ذي البيان (٤). ويكون المعنى على هذا: وأنه ذكر فيه أقاصيص الأولين والآخرين، وما يحتاج إليه في الحلال والحرام. وروي عن الضحاك وقتادة: ذي الموعظة والتذكير (٥).
واختلفوا في جواب القسم: فحكى النسائي والفراء والزجاج (٦): أن جواب القسم قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ (٧). قال الكسائي:
(١) هكذا جاءت في النسخ، ولعل الصواب: (لذلك) حتى يستقيم الكلام.
(٢) لم أقف على قول أبي علي.
(٣) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١١٨، "الماوردي" ٥/ ٧٥، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٩١، "زاد المسير" ٧/ ٩٨.
(٤) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ.
(٥) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١١٩، "الماوردي" ٥/ ٧٥، "زاد المسير" ٧/ ٩٨.
(٦) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٧٢٥، "التبيان في غريب القرآن" ٢/ ١٠٩٦، "الدر المصون" ٥/ ٥٢٥، "البحر المحيط" ٧/ ٣٦٧، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣١٩.
(٧) وهذه الآية في آخر السورة رقمها (٦٤). ولطول الفاصل بين القسم وبين جوابه على هذا القول. نجد أن الكسائي رده ولا يراه شيئًا. وكذا الفراء، وكذلك استبعده النحاس في "معاني القرآن" ٦/ ٧٦.
137
ولا أراه شيئًا، فاستبعده. وقال الفراء: (هذا قد تأخر عن قوله: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ تأخرًا كثيرًا وجرت بينهما قصص مختلفة، فلا يعد ذلك مستقيمًا في العربية) (١). وحكى هؤلاء أيضًا قولاً آخر في جواب القسم، وهو أن يكون قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ واعترض بين القسم وجوابه: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ومعناه: لكم أهلكنا، فلما طال الكلام المعترض بينهما حذفت اللام (٢).
وحكى الأخفش (٣) فقال: يزعمون أن موضع القسم في قوله: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾. وقال النحاس (٤): وهذا كالأول في الاستبعاد.
وذكر صاحب النظم هذا القول فقال: لما قال: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ اعترض خبر آخر سواه، وهو قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فمرَّ فيه إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ﴾ ثم قال: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾ فكان هذا جوابًا للقسم، ومعنى ﴿إِنْ كُلٌّ﴾: ما كل، كما يقال في الكلام: والله ما هذا إلا كافر. وما اعترض بين قوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ كُلٌّ﴾ قصة واحدة، وهذا الجواب قد يتصل بها وينتظم معها، فيكون جوابًا للقصة المعترضة للقسم انتهى كلامه.
وروي عن قتادة أن موضع القسم: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (٥) كما قال:
(١) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٧.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٩٧، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣١٩، "مجمع البيان" ٨/ ٧٢٥.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٤٩٢.
(٤) "معاني القرآن الكريم" ٦/ ٧٦.
(٥) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١١٩، "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٧٧، "زاد المسير" ٧/ ٩٩.
138
﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا﴾. وقال صاحب النظم في هذا القول: معنى بل توكيد للخبر الذي بعده [...] (١) في سبب ما بعدها قبل هاهنا بمنزلة أن؛ لأنه توكيد ما بعده من الخبر وإن كان له معنى سواه في نفي خبر متقدم، فكأنه -عز وجل- قال: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾، كما تقول: والله إن زيدًا قائم. ثم قال: واحتج قائل هذا القول بأن هذا النظم وإن لم يكن للعرب فيه أصل ولا لها فيه رسم، فيحتمل أن يكون نظمًا أحدثه الله -عز وجل- لما بينا من احتمال بل معنى أن. انتهى كلامه (٢).
وقال أبو القاسم الزجاج: (قال النحويون: إن بل يقع في جواب القسم كما تقع لن؛ لأن المراد بهما توكيد الخبر، وذلك في قوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وكذلك قوله: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا﴾ وهذا من طريق الاعتبار يصلح أن يكون بمعنى أن لا أنه شائع في عبارة العرب أن يكون بل جوابًا للقسم، لكن بل لما كان متضمنًا خبر وإثبات خبرًا آخر بعد، فكأنه وكد من سائر التوكيدات، فحسن وضعه في موضع إن وقد، فكأنه قال: ص والقرآن ذي الذكر إن الذين كفروا. وقال:
(١) في جميع النسخ قدر ثلاث كلمات غير واضحة، ولم أستطع الوقوف عليها في مضانها بعد طول بحث.
(٢) القول بأن الجواب هو قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهو قول قتادة، لعله أرجح الأقوال، وقد رجحه الإمام الطبري في "تفسيره" ٢٣/ ١١٩. فقال: والصواب عندي ما قاله قتادة؛ لأنَّ بل دلت على التكذيب، فمعنى الكلام: ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار، بل هم في عزة وشقاق ا. هـ.
أما قول صاحب النظم بأن قائل هذا القول يحتج بأن النظم وإن لم يكن للعرب فيه أصل ولا لها فيه رسم.. إلى آخر كلامه، فهذا تكلف لا مسوغ له.
139
والقرآن المجيد لقد عجبوا) (١).
وذهب أبو حاتم إلى هذا القول الذي يروى عن قتادة (٢). وحكاه الأخفش أيضًا فقال: المعنى بل الذين كفروا في عزة وشقاق والقرآن ذي الذكر (٣).
قال الأخفش: (وهذا يقوله الكوفيون وليس بالجيد في العربية لو قلت: والله قام، وأنت تريد: قام والله لا يحسن أنها لليمين مواضع خاصة يقع فيها إذا أزلتها عنها لم يحسن) (٤).
قال النحاس: (هذا خطأ على مذهب النحويين؛ لأنه إذا ابتدأ بالقسم وكان الكلام معتمدًا عليه لم يكن بد من الجواب، وأجمعوا على أنه لا يجوز: والله قام عمرو بمعنى قام عمرو والله؛ لأن الكلام معتمد على القسم) (٥).
قال الأخفش وذكر وجها آخر: يجوز أن يكون لـ ﴿ص﴾ معنى يقع على القسم، لا ندري نحو ما هو كأنه كقوله: الحق والله (٦). وهذا الذي قاله الأخفش صحيح المعنى على قول من يقول ﴿ص﴾ الصادق الله أو صدق محمد، وهذا الوجه ذكره الفراء أيضًا فجعل ﴿ص﴾ جواب القسم،
(١) لم أقف على قوله.
(٢) انظر القول منسوبًا لأبي حاتم وقتادة في: "القطع والائتناف" ص ٦١٥.
(٣) انظر: "تفسير القرطبي" ١٥/ ١٤٤، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٩١، "البحر المحيط" ٧/ ٣٦٧، "زاد المسير" ٧/ ٩٩.
(٤) لم أقف عليه عن الأخفش. وانظر: "القطع والائتناف" ص ٦١٥.
(٥) "القطع والائتناف" ص ٦١٥.
(٦) لم أقف عله عن الأخفش. انظر: "المصدر السابق" ص: ٦١٥ فقد ذكر هذا القول.
140
قال: هو كذلك وجب والله، ونزل والله، فهي جواب لقوله: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ كما تقول: نزل والله) (١).
وذكر النحاس وغيره من المعاني (٢) وجهًا (٣) آخر في جواب القسم، وهو أنه محذوف بتقدير: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار، ودل على المحذوف قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. قال: وهذا القول مذهب محمد بن جرير (٤) وهو مستخرج من قول قتادة، وهو قول حسن.
وشرح صاحب النظم هذا القول فقال: بل دافع لخبر قبله ومثبت لخبر بعده، فقد ظهر ما بعده. وأضمر ما قبله. وما بعده دليل على ما قبله فالظاهر يدل على الباطن، وإذا كان كذلك وجب أن يكون قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ مخالفًا لهذا المضمر، فكأنه قيل: والقرآن ذي الذكر إن الذين كفروا يزعمون أنهم على الحق وكلامًا في هذا المعنى. فهذه ستة أوجه ذكرناها في جواب القسم (٥).
(١) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٦.
(٢) لعل صحة الكلام: وغيره من أهل المعاني.
(٣) "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٧٦، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٩٧، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٤/ ٣١٩.
(٤) "تفسير الطبري" ٢٣/ ١١٩.
(٥) ولعل الأرجح منها -وهو ما سبق ترجيحه- قول قتادة، وهو أن الجواب قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. وإن كان القول السادس -وهو ما قال به النحاس وأهل المعاني- مستخرجاً من قول قتادة كما يقول المؤلف، فهو قول قوي ومقبول أما الأقوال الأخرى ففيها بعد. أما القول الأول: وهو أن الجواب قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ فبعده لطول الفاصل بين القسم والجواب كما أسلفنا. وأما الثاني: وهو أن الجواب قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ فبعيد للفاصل أيضًا، وإن كان الفاصل قليلاً، إلا =
141
٢ - قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ قال ابن عباس (١): جحدوا وكذبوا وأشركوا. وقال مقاتل: كفروا بالتوحيد من أهل مكة.
(في عزة) قال: يعني حمية، كقوله: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾ [البقرة: ٢٠٦] (٢). وقال الكلبي: يكفروا عن محمد -صلى الله عليه وسلم- (٣). قال المبرد: العزة التعزز عن الحق، نحو قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٦] وتحقيقه الأنفة عن الانقياد للحق (٤).
وقوله: ﴿وَشِقَاقٍ﴾ قال ابن عباس: يريد الاختلاف (٥). والكلام في هذا تقدم (٦).
٣ - ثم خوَّفهم فقال: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ قال مقاتل: يعني الأمم الخالية حين كذبوا الرسل. ﴿فَنَادَوْا﴾ عند نزول العذاب في الدنيا (٧).
= أن هذا لا يجعلنا نقول: إن هذا هو الجواب؛ لوجود ما يصلح جواباً قبله. وأما الثالث: وهو أن الجواب قوله: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ فبعيد أيضًا لطول الفصل. وأما الرابع: وهو قول الأخفش: يجوز أن يكون لـ ﴿ص﴾ معنى يقع عليه القسم لا ندري نحن ما هو، كانه قولك الحق والله، فبعيد؛ لأن الجواب ظاهر ومفهوم ولا يحتاج إلى تقدير شيء.
(١) لم أقف عليه
(٢) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ.
(٣) هكذا جاءت في العبارة في النسخ، وهو خطأ، فإن يكفروا تعدّى بالباء وليس بعن، فالصحيح: يكفروا بمحمد. ولم أقف على قول الكلبي.
(٤) انظر: "اللسان" ٥/ ٣٧٨ (عزز).
(٥) "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٨٠.
(٦) عند الآية (٢٥٦) من سورة البقرة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
(٧) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ.
142
ولم يذكر بأيش نادوا، والظاهر أنه أراد نادوا بالاستغاثة؛ لأن نداء من نزل به العذاب الاستغاثة، وعلى هذا دل كلام ابن عباس وغيره من المفسرين (١).
وقال آخرون (٢): نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب، وهو معنى قول قتادة (٣).
وقال الكلبي (٤): كانوا إذا قاتلوا فاضطروا، قال بعضهم لبعض: مناص (٥) فلما أتاهم العذاب، قالوا: مناص فقال الله تعالى: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾. وعلى هذا المعنى والتقدير: فنادوا مناص، إلا أنه حذف المنادى، ودل عليه قوله: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي: ليس الوقت وقت ما ينادون به، إلا أن هذا القول ضعيف؛ لأن هذا إخبار عن القرون الماضية المهلكة، ويبعد أن يقال: كل القرون كانت عادتهم عند الأضطرار في القتال أن ينادوا مناص. قال صاحب النظم: فنادوا أي: رفعوا أصواتهم، يقال منه: فلان أندى صوتًا من فلان أي: أرفع، ومنه قال الشاعر (٦):
(١) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، "الماوردي" ٥/ ٧٧، "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "البغوي" ٤/ ٤٧.
(٢) ينسب هذا القول للسدي. انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، وذكر النحاس في "معانيه" ٦/ ٧٧ ولم ينسبه.
(٣) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، "ابن كثير" ٤/ ٢٦.
(٤) انظر: "الماوردي" ٥/ ٧٨، "بحر العلوم" ٣/ ١٢٩، "القرطبي" ١٥/ ١٤٥، وأورده البغوي ٤/ ٤٨ عن ابن عباس.
(٥) والمناص هنا المراد به: الفرار، فكأنه ينادي بعضهم بعضًا بالفرار والبحث عن ملجأ.
(٦) هذا البيت من الوافر للأعشى في: "الكتاب" ٣/ ٤٥، "الدر" ٤/ ٨٥ وليس في =
143
فقلتُ ادْعى وأدعُوْ فإن أندى لصوتٍ أن ينادي داعيان
قال: وقوله: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ ظرف لقوله: ﴿فَنَادَوْا﴾ لأنه وقت (١) له. والمعنى: فنادوا حين لا مناص أي: ساعة لا منجا ولا فوت، إلا أنه لما قدم لا وأخر حين اقتضى ذلك الواو، وكما يقتضي الحال إذا جعل ابتداءً وخبرًا مثل قولك: جاءني زيد راكبًا فإذا جعلته مبتدأ وخبرًا اقتضى الواو مثل: جاءني زيد وهو راكب) (٢). ومما يشبه هذا النظم قولك: أتيت زيدًا حين لم يطلع الفجر، ثم تقول: أتيت زيدًا والفجر لم يطلع، فارتفع الفجر بدخول الواو؛ لأنه جعل مبتدأ وموضعه نصب على الحال. وهذا الذي ذكره شرح قول قتادة: نادوا القوم على غير حين النداء، وتدل هذه الجملة على أنهم نادوا بالاستغاثة. قال ابن عباس (٣) والمفسرون في قوله: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾: ليس بحين بروز ولا فرار ضبط القوم (٤).
قال أبو عبيد: المناص مصدر وناص ينوص، وهو المتجاوز الفوت (٥).
= "ديوانه". وللفرزدق في "أمالي القالي" ٢/ ٩٠ وليس في "ديوانه". ولد ثار بن شيبان النمري في "سمط اللآلئ" ص ٧٢٦، "اللسان" ١٥/ ٣١٦ (ندى). وقيل: للأعشى أو للحطئية أو لربيعة بن جشم أو لدثار بن شيبان في: "شرح التصريح" ٢/ ٢٣٩، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٨٢٧. وبلا نسبة في "أوضح المسالك" ٤/ ١٨٢، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٩٢
(١) في (ب): زيادة (لا)، وهو خطأ.
(٢) انظر قول أبي علي الجرجاني في القرطبي ١٥/ ١٤٦.
(٣) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٨٩.
(٤) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب.
(٥) لم أقف عليه عن أبي عبيد. وانظر: "اللسان" ٧/ ١٠٢ (نوص).
144
وقال الفراء: (النوص التأخر في كلام العرب، وأنشد لامرئ القيس:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص (١) (٢)
وقال أبو إسحاق: (يقال: ناصه ينوصه، إذا فاته، وفي التفسير: لات حين نداء. قال: ومعناه لات حين نداءٍ ينجي) (٣). وأما لات والكلام في هذه التاء فقال وهب والكلبي: لات بلغة اليمن ليس (٤)، هذا ما ذكر عن أهل التفسير. وأما النحويون فإنهم مختلفون في هذه التاء.
قال أبو عبيدة: (ولات إنما هي ولا، وبعض العرب يزيد فيها هاء الوقف، فإذا اتصلت صارت تاء) (٥). فعلى قوله، التاء لحقت لا.
وقال أبو زيد: (لات التاء فيها صلة، والعرب تقول: لات بالتاء،
(١) صدر بيت، وعجزه:
وتقصر عنها خطوة وتبوص
وهو من الطويل، لامرئ القيس في "ديوانه" ص ١٧٧، "تهذيب اللغة" ١٢/ ٢٤٦ (ناص)، "اللسان" ٥/ ٩٧ (قعد)، ٧/ ٩ (بوص). وبلا نسبة في: "رصف المباني" ص ٤٩٦.
والشاهد فيه قوله: تبوصو، حيث جاءت الواو لإطلاق القافية. ومعنى نأتك: أي بُعدت عنك وهجرتك. وتنوص: تذهب متباعدًا، وتبوص تَعْجَل، يعني أنك تتردد بين الريث والعجلة. "شرح ديوان امرئ القيس" ص ١٢٢.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٧.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٢٠.
(٤) لم أقف على هذا القول عن الكلبي ولا عن وهب. وقد ذكر الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٢٥٤ ب، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ١٠٠ عن وهب أنها بالسريانية وليست بلغة أهل اليمن. وذكر البوي في "تفسيره" ٤/ ٤٨ أنها بلغة أهل اليمن ولم ينسب هذا القول لأحد، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ١٠٠ عن عطاء.
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ١٧٦.
145
وأنشد:
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء (١)
قال: والأصل فيها لا، والمعنى فيها ليس. قال: والعرب تقول: ما اسطيع وما أستطيع، ويقولون: ثمت في موضع ثم، وربت في موضع رب، ويا ويلتنا ويا ويلتا) (٢).
وذكر أبو الهيثم عن الرازي في قولهم: (لات هنا أي: ليس حين ذلك وإنما هو لاهَنَّا فأنت لا فقيل لاه، ثم أُضيِف فتحولت الهاء تاء، كما أنثوا رب ربة وثم ثمة) (٣).
وقال شمر: (أصل هذه التاء هاء وصلت بلا، فقالوا: لاه لغير معنى حادث كما زادوها في ثمة، فلما وصلوها جعلوها تاء. قال: وهذا إجماع من علماء البصرة والكوفة) (٤).
وقال أبو علي: من الحروف ما دخل عليه حرف التأنيث نحو: ثم وثمه ولات ولات (٥).
وخالف أبو عبيد (٦) فقال: وجدنا هذه التاء تلحق مع حين ومع لات
(١) البيت من الخفيف، وهو لأبي زبيد الطائي في "ديوانه" ص ٣٠، "الإنصاف" ص ١٠٩، "خزانة الأدب" ٤/ ١٩٠، "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٠، "القرطبي" ١٥/ ١٤٧.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٤٢٠ (لات).
(٣) انظر: "المصدر السابق".
(٤) انظر: "المصدر السابق".
(٥) لم أقف عليه.
(٦) ذكر قول أبي عبيد: ابن الأنباري في "التبيان في غريب إعراب القرآن" ٢/ ٣١٢، والقرطبي في "تفسيره" ١٥/ ١٤٦.
146
ومع أوان، فيقال: كان هذا تحين كان ذلك، وكذلك تاوان، ويقال اذهب ثلاث إن شئت فاهمز تلأن وإن شئت فلا تهمز، قال: وقد وجدنا ذلك في أشعارهم وفي كلامهم، فمن ذلك قول وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم (١)
قال: وقد كان بعض النحويين يجعلون الهاء موصولة بالنون فتقول العاطفونه، وهذا غلط بين؛ لأن الهاء إنما تقحم مع النون في مواضح القطع والسكوت، فأما مع الاتصال فإنه غير موجود، ومن إدخالهم التاء في أوان قول أبي زبيد (٢):
طلبوا صلحنا ولات أوان) (٣).
ومن إدخالهم التاء في الآن حديث أبي (٤) عمر وسأله رجل عن عثمان فذكر [يبين لك أن التاء لم تكن زيادة مع لا] (٥). مع أني تعمدت النظر في
(١) البيت من الكامل، وهو لأبي وجزة السعدي في: "الأزهية" ص ٢٦٤، "خزانة الأدب" ٤/ ١٧٦، "اللسان" ٩/ ٢٥١ (عطف).
والشاهد فيه قوله: (العاطفون تحين) حين زاد التاء على حين، وخرِّج على أن هذه التاء في الأصل هاء السكت، وقيل: الشاهد حذف لا وإبقاء التاء لأن الحين مضافة في التقدير، والتقدير: العاطفون حين لات حين ما من عاطف، فحذف حين مع لا.
(٢) في النسخ كتب: أبو عبيد، ثم علق في الهامش: زبيد. ولعله وهم من الناسخ ثم صححه من اطلع على الكتاب. البيت لأبي زبيد كما سبق تخريجه.
(٣) انظر قول أبي عبيد في: "اللسان" ٢/ ٨٧ (ليت).
(٤) هكذا في النسخ، والصواب: (ابن).
(٥) هكذا جاءت في النسخ، والذي ورد عند القرطبي ١٥/ ١٤٧ حينما نقل كلام أبي عبيد قال: قال أبو عبيد: ومن إدخالهم التاء في الآن حديث ابن عمر وسأله رجل عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، فذكر مناقبه ثم قال: اذهب بها تَلاَن فعك.
147
المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان، فوجدت التاء متصلة مع حين قد كتبت تحين، قال: والوقف عندي على هذا الحرف ولا من غير تاء، ثم يبتدئ فيقول: تحين مناص) (١).
وقال أبو إسحاق: (الوقف على لات بالتاء، فالكسائي يقف بالها لاه، فجعلها هاء التأنيث. قال: وحقيقة الوقف عليها بالتاء؛ لأن هذه التاء نظيرة التاء في الفعل في قولك: ذهبت، جلست، وفي قولك: زيدًا تمت عمرًا عند الوقف على تمت فخطأ فهاء الحروف بمنزلة تاء الأفعال؛ لأن التاء في الموضعين دخلت على ما لا يعرب وليس هو في طريق الأسماء نحو: قاعد وقاعدة) (٢).
قال أبو علي الفارسي فيما أصلح على أبي إسحاق (٣): (ليس للعرفان والجهالة في قلب هذه التاء هاء في الوقف ولا لتركها مذهب، ولكن يدل على أن الوقف على هذا ينبغي أن يكون بالتاء؛ لأنه لا خلاف أن الوقف على الفعل بالتاء، وإذا كان الوقف على التي في الفعل بالتاء وقعت المنازعة في الحروف وجب أن ينظر فيلحق بالقبيل الذي هو أشبه، والحروف بالفعل أشبه منه بالاسم من حيث كان الفعل ثانيًا والاسم أولاً، فالحرف لهذا الثاني أشبه بالأصل، وأيضًا فإذا كانت هذه الهاء في بعض اللغات تترك تاء في الأسماء كما حكاه سيبويه، وأنشد أبو الحسن من قوله:
(١) انظر قول أبي عبيد بتمامه في: القرطبي ١٥/ ١٤٦ - ١٤٧.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٢١.
(٣) أصلح أبو علي على أبي إسحاق كتابه: "معاني القرآن وإعرابه"، وكتاب أبي علي اسمه: "الإغفال فيما أغفله الزجاج في معاني القرآن".
148
بل جوزتيها كظهر الحجفتْ (١)
وإن تترك في الحرف ولا تقلب أجدر، فبهذا ترجح هذا القول على قول الكسائي في القياس) (٢) انتهى كلامه.
وقياس قول الكسائي أن هذه التاء هاء في الأصل، ثم تصير تاء في الوصل، فإذا ترك الوصل عاد إلى ما كان نحو: قاعدة وضاربة (٣).
وعند أبي إسحاق وأبي علي لم تكن هاء قط هو تاء في الأصل والوقف كالتاء التي في: ذهبت، وقعدت. وهذا هو الأشبه لما ذكره أبو علي من الحرف بالفعل أشبه منه بالاسم، وقال الفراء: (الوقف على لات بالتاء) (٤).
فهذه ثلاثة أوجه في الوقف: أحدهما: لات بالتاء، والثاني: لاه بالهاء، والثالث: لا، وهو مذهب أبي عبيد.
قال الفراء: (والكلام أن ننصب تاء لات؛ لأنها في معنى ليس، أنشدني المفضل:
(١) جزء من بيت، وتمامه:
قد تبلت فؤاده وشغفت بل جَوْزِتيهاء كظهر الحجفتْ
وهو من الرجز لسؤر الذنب.
انظره مع أبيات أخرى في: "اللسان" ٩/ ٣٩ (حجف). ١١/ ٧٠ (بلن). "تاج العروس" ٢٣/ ١١٩ (حجف). وبلا نسبة في "رصف المباني" ص ٢٣٢، ٢٣٨، ٢٦٩، "المحتسب" ٢/ ٩٢.
(٢) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني"، رسالة ماجستير أعدها: محمد حسن إسماعيل، كلية الآداب، جامعة عين شمس- مصر. ص ١١٩٣ - ١١٩٤.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٨.
(٤) انظر قول الكسائي في "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٧٨١، "القرطبي" ١٥/ ١٤٦.
149
تذكر حب ليلى لات عينا... وأضحى الشيب قد قطع القرينا (١) (٢)
قال أبو إسحاق: النصب على أنها عملت عمل ليس، المعنى: وليس الوقت حين مناص، قال: والرفع جيد، ومن رفع بها جعل حين اسم ليس وأضمر الخبر على معنى: ليس حين منجى لنا) (٣). قال (٤) العرب من يضيف لات فتخفض بها، وأنشد:
علمت أنني قد قتلته... ندمت عليه حين لات ساعة مندم (٥)
وأنشد أيضًا قول أبي زيد:
(ولات أوان) (٦)
(١) البيت من الوافر، وهو لعمر بن شأس في "ديوانه" ص ٧٣، "تذكرة النحاة" ص ٧٣٤. وبلا نسبة في "خزانة الأدب" ٤/ ١٦٩، ١٧٨، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٩٧، "الدر المصون" ٥/ ٥٢٢، والقرين: هو المصاحب. انظر: "اللسان" ١٣/ ٣٣٧ (قرن).
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٧.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٢٥.
(٤) هكذا جاء الكلام في جميع النسخ وهو موهم، والكلام بنصه عند الطبري ٢٣/ ١٢٢ ونصُّه: وقال بعض نحوي الكوفة: من العرب من يضيف لات.
(٥) الذي عند الطبري إثبات الشاهد فقط وهو: لات ساعة مندم. والبيت الذي ذكره المؤلف سقطت منه كلمة (فلما) في أوله. وهو من الطويل، للقتال الكلابي في "الحماسة" ١/ ٦٣ إلا أن روايته فيه هكذا:
ولما رأيت أنني قد قتلته... ندمت عليه أي ساعة مندم
وفي تحقيق د/ أحمد الخراط لـ"رصف الماني" ص ٣٣٤ نسبه للقتال. وبلا نسبة في "تذكرة النحاة" ص ٧٣٤، "خزانة الأدب" ٤/ ١٦٨، ١٦٩، ١٧٤، ١٨٧، "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٢٩.
(٦) "تفسير الطبري" ٢٣/ ١٢٢.
150
قال ابن قنيبة: (وجر العرب بها يفسد مذهب أبي عبيد؛ لأنهم إذا جروا ما بعدها جعلوها كالمضاف للزيادة واحتجاجه بقوله: القاطعون تحين. فإن ابن الأعرابي قال: إنما هو القاطعونه بالهاء، فإذا وصلت صارت الهاء تاء، قال: وسمعتُ الكِلَّابي (١) ينهى رجلاً عن عمل، فقال له: حسبكلآن (٢) أراد حَسْبُكهُ الآن، فلما وصل صارت الهاء تاء) (٣).
قال أبو إسحاق: (الكسر بها شاذ، شبيه بالخطأ عند البصريين، ولم يرو سيبويه والخليل الكسر، والذي عليه العمل النصب والرفع. قال الأخفش: إن لات حين نصب حين بلا، كما تقول: لا رجل في الدار، ودخلت التاء للتأنيث) (٤).
قوله: ﴿وَعَجِبُوا﴾] (٥) قال صاحب النظم: هذا منظوم بقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾؛ لأنه منسوق عليه بالواو. قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا﴾ معترض وليس من النصب في شيء.
(١) هو: أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى الكِلابيُّ الدمشقي، يعرف بأخي تبوك، محدَّث صادق معمّر، ولد سنة ٣٠٦. روى عن محمد بن خُزيم وطاهر بن محمد وأبي عبيدة بن ذكران وخلق غيرهم، وعنه روى تمام الرازي وعبد الوهاب الميداني وأبو القاسم السُميساطي وغيرهم. مات رحمه الله سنة ٣٩٦ هـ. قال الكتَّاني: كان ثقة نبيلاً مأموناً.
انظر: "سير أعلام النبلاء" ١٦/ ٥٥٧، "شذرات الذهب" ٣/ ١٤٧، "العبر" ٣/ ٦١.
(٢) في "تأويل المشكل" ص ٥٣١: (حسبَك تلان).
(٣) "تأويل المشكل" ص ٥٣٠ - ٥٣١.
(٤) "معاني القرآن وإعرإبه" ٤/ ٣٢١.
(٥) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
151
قوله: ﴿مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ قال ابن عباس (١) ومقاتل (٢): يعني رسولاً من أنفسهم. ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ من أهل مكة. ﴿هَذَا سَاحِرٌ﴾ يفرق بين الإثنين بسحره، يعني: بين الولد ووالده والرجل وزوجته يُميل أحدهما فيَميل إليه ويهجر صاحبه. ﴿كَذَّابٌ﴾ حين يزعم أنه رسول.
٥ - قوله: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: كان لهم ثلاثمائة وستون صنفًا فلما دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عبادة إله واحد أنكروا وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ (٣).
والمعنى: أنهم كانوا يعبدونها مع الله، فلما أبطلها النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، تعجبوا وقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحداً! أي: كيف جعل لنا إلهًا واحدًا بعد ما كنا نعبد آلهة، وليس المعنى أنه جعل جميعها واحداً، وإنما المعنى أنه أبطل آلهتنا وأثبت الإِلهية لواحد وهو الله
(١) "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٨٠.
(٢) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ.
(٣) لم أقف عليه عن ابن عباس. وما ذكره المفسرون هو جزء من حديث طويل، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن قريشًا شكوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ابن طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال: "يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذَل لهم بها العرب، وتؤدِّي إليهم بها الجزية العجم". قال: كلمه. قال: "كلمة واحدة". قال: ما هي؟. قال: "لا إله إلا الله". فقالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحدًا، فأنزل الله هذه الآية. وهذا الحديث وردّ بعدة روايات وبطرق مختلفة، رواه الإمام أحمد في "مسنده"١/ ٣٦٢، والترمذي في "سننه" ٢/ ١٥٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك" كتاب التفسير، تفسير سورة ص ٢/ ٤٣٢ وصححه ووافقه الذهبي. وذكره من المفسرين "الطبري" ٢٣/ ١٢٥، "البغوي" ٤/ ٤٨، "القرطبي" ١٥/ ١٥٠.
152
تعالى، فقالوا: كيف جعلها واحدًا أي: كيف جعل الآلهة من الآلهة التي كنا نعبدها واحدًا وهو الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا﴾ الذي يقول محمد من أن الآلهة واحد. ﴿لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ قال مقاتل (١): لأمر عجب بلغة أزد شنوءة (٢).
وقال أبو عبيدة: (العرب قد تحول فعيلا إلى أفعال، وأنشد لعباس بن مرداس:
أين دريد وهو ذو براعة تغدوا به سلهبة سراعة (٣)
أي: سريعة) (٤). ونحو هذا قال الفراء (٥) والزجاج (٦) وغيرهما، قالوا: تقول العرب: رجل كريم وكُرَّام وكُرَام، وشيء كبير وكُبَّار وكُبَار، وطويل وطوّال، وطَوال وشيء عجب وعُجّاب وعُجَاب بالتشديد، وهي قراءة عيسى بن عمر (٧).
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٥ أ، "القرطبي" ١٥/ ١٥٠، "الدر المصون" ٥/ ٥٢٥.
(٢) أزد شنؤة من الأزد، وهي من أعظم قبائل العرب وأشهرها، وأزد شنوءة قسم من الأزد، نسبتهم إلى كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، كانت منازلهم السَّراة بتثليث وتُربة وبيشة. قلت: وهذه مدن ثلاث معروفة من مدن المملكة العربية السعودية.
انظر: "معجم قبائل العرب" ١/ ١٥.
(٣) هذا البيت من الرجز لعباس بن مرداس في "مجاز القرآن" ٢/ ١٧٧. والسلهبة: هي وصف يقال للفرس، إذ عظم وطال وطالت عظامه. انظر: "اللسان" ١/ ٤٧٤ (سلهب).
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ١٧٧.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٨ س.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٢١.
(٧) لم أستطع تحديد من هو؛ لوجود أكثر من قارئ بنفس الاسم، فهناك:
أ- عيسى بن عمر الثقفي.
ب- عيسى بن عمر الأسدي.
153
٦ - قوله: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ﴾ قال المفسرون: لما أسلم عمر -رضي الله عنه- شق على قريش ذلك وفرح به المؤمنون، فانطلق الملأ منهم من قريش وهم سبعة وعشرون رجلاً من أشرافهم إلى أبي طالب وشكوا إليه ابن أخيه، فأرسل إليه أبو طالب فدعاه وعاتبه. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أدعوكم إلى كلمة واحدة. قالوا: وما هي؟. قال: لا إله إلا الله، فنفروا من ذلك، قالوا: أجعل إلآلهة إلهًا واحداً، وهو معنى قول ابن عباس (١) ومقاتل (٢) وسعيد بن جبير (٣).
قال محمد بن إسحاق: نزلت ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ في مجلسهم ذلك (٤). يعني: مجلس أبي طالب حين نازعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذلك قوله: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد الأشراف منهم إلى أبي طالب. ﴿أَنِ امْشُوا﴾ قال: معناه: أي امشوا. وتأويله: يقولون امشوا.
قال أهل المعاني (٥): أن هاهنا بمعنى أي التي للتفسير، وذلك أنه صار انطلاقهم بدلالته على المشي بمنزلة الناطق به، كقولهم: قام فلان يصلي، أي أنه رجل صالح، فهذان وجهان: أحدهما وهو ما ذكره أبو إسحاق أن التأويل يقولون امشوا، والثاني: فسر انطلاقهم بقول بعضهم لبعض: امشوا.
(١) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢٥، "القرطبي" ١٥/ ١٥٠، وأورده السيوطي في "الدر" ٧/ ١٤٦، وزاد نسبته لابن مردويه عن ابن عباس.
(٢) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ.
(٣) انظر: "المصادر السابقة".
(٤) انظر: "القرطبي" ١٥/ ١٥١.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٩٩، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٤/ ٣٢١، "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٨٠.
154
وقال مقاتل (١): أن امشوا إلى أبي طالب.
وذكر الفراء (٢) وأبو إسحاق وجهًا آخر في ﴿أَنِ امْشُوا﴾ وهو أن في موضع النصب لفقد الخافض، والتقدير: انطلق الملأ منهم بأن امشوا، أي بهذا القول. وهذا يتوجه إذا حملت الانطلاق والمشي على الخروج من عند أبي طالب والذهاب من عنده لا إليه.
وقد ذكر أبو إسحاق (٣) هذا فقال: وقص هذه القصة التي ذكرناها في سبب النزول ثم نهضوا وانطلقوا من مجلسهم يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على آلهتكم. وعلى هذا القول المعنى: اخرجوا من عند أبي طالب وتفرقوا على هذا القول، وهو أن يمشوا فيصبروا على دينهم الذي هم عليه ويتمسكوا به.
وقال مقاتل (٤): يعني واثبتوا على عبادة آلهتكم، كقوله في الفرقان: ﴿لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾ [الفرقان: ٤٢]. قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ أي: لأمر يراد بنا، يعنون بإسلام عمر وزيادة أصحاب أصحاب -صلى الله عليه وسلم- قاله ابن عباس (٥) ومقاتل (٦).
وقال الكلبي (٧): إن هذا لشيء يراد بأهل الأرض.
(١) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٩
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٢١.
(٤) "تفسير مقاتل" ١١٥ أ.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "الماوردي" ٥/ ٧٩، "القرطبي" ١٥/ ١٥٢.
(٧) الطبري ٢٣/ ١٢٥، "الماوردي" ٥/ ٧٨.
155
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة الزخرف إلى آخر سورة الحجرات
تحقيق
د. على بن عمر السحيباني
من أول سورة ق إلى آخر سورة الطور
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن بسطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء العشرون
1
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة الزخرف إلى آخر سورة الحجرات
تحقيق
د. على بن عمر السحيباني
من أول سورة ق إلى آخر سورة الطور
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن بسطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء العشرون
2
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٣٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الواحدي (ت ٤٦٨ هـ)./ على بن عمر السحيباني؛ فاضل
بن صالح بن عبد الله الشهري الرياض ١٤٣٠ هـ.
٢٥مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمكـ: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٢ - ٨٧٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢٠)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمكـ: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٢ - ٨٧٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢٠)
3
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[٢٠]
4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

5
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة الزخرف إلى آخر سورة الحجرات
تحقيق
د. على بن عمر السحيباني
6
Icon