ﰡ
﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفّاً ( ١ ) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً ( ٢ ) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً ( ٣ ) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ( ٤ ) ﴾
أقسم الله تعالى بالملائكة تصف في عبادتها صفوفًا متراصة،
وبالملائكة تزجر السحاب وتسوقه بأمر الله،
وبالملائكة تتلو ذكر الله وكلامه تعالى.
إن معبودكم -أيها الناس- لواحد لا شريك له، فأخلصوا له العبادة والطاعة. ويقسم الله بما شاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله، فالحلف بغير الله شرك.
﴿ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( ٥ ) ﴾
هو خالق السموات والأرض وما بينهما، ومدبِّر الشمس في مطالعها ومغاربها.
﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ( ٦ ) ﴾
إنَّا زينَّا السماء الدنيا بزينة هي النجوم.
﴿ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ( ٧ ) ﴾
وحفظنا السماء بالنجوم مِن كل شيطان متمرِّد عاتٍ رجيم.
﴿ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( ٨ ) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ( ٩ ) ﴾
لا تستطيع الشياطين أن تصل إلى الملأ الأعلى، وهي السموات ومَن فيها مِن الملائكة، فتستمع إليهم إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مِن شرعه وقدره،
ويُرْجَمون بالشهب من كل جهة ؛ طردًا لهم عن الاستماع، ولهم في الدار الآخرة عذاب دائم موجع.
﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ( ١٠ ) ﴾
إلا مَنِ اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها من السماء بسرعة، فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب المضيء قبل أن يلقيها، وربما ألقاها بقَدَر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب، فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكهنة، فيكذبون معها مائة كذبة.
﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ( ١١ ) ﴾
فاسأل -يا محمد- منكري البعث أَهُم أشد خلقًا أم من خلقنا من هذه المخلوقات ؟ إنا خلقنا أباهم آدم من طين لزج، يلتصق بعضه ببعض.
﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ( ١٢ ) ﴾
بل عجبتَ -يا محمد- من تكذيبهم وإنكارهم البعث، وأعجب من إنكارهم وأبلغ أنهم يستهزئون بك، ويسخرون من قولك.
﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ( ١٣ ) ﴾
وإذا ذكِّروا بما نسوه أو غَفَلوا عنه لا ينتفعون بهذا الذكر ولا يتدبَّرون.
﴿ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ( ١٤ ) ﴾
وإذا رأوا معجزة دالَّة على نبوَّتك يسخرون منها ويعجبون.
﴿ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ( ١٥ ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( ١٦ ) أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ( ١٧ ) ﴾
وقالوا : ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر بيِّن.
أإذا متنا وصِرْنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لمبعوثون من قبورنا أحياء،
أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا ؟
﴿ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ( ١٨ ) ﴾
قل لهم -يا محمد- : نعم سوف تُبعثون، وأنتم أذلاء صاغرون.
﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ( ١٩ ) ﴾
فإنما هي نفخة واحدة، فإذا هم قائمون من قبورهم ينظرون أهوال يوم القيامة.
﴿ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ( ٢٠ ) ﴾
وقالوا : يا هلاكنا هذا يوم الحساب والجزاء.
﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( ٢١ ) ﴾
فيقال لهم : هذا يوم القضاء بين الخلق بالعدل الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرونه.
﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ( ٢٢ ) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ( ٢٣ ) ﴾
اجمَعُوا الذين كفروا بالله ونظراءهم وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله،
فسوقوهم سوقًا عنيفًا إلى جهنم.
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ( ٢٤ ) ﴾
واحبسوهم قبل أن يصلوا إلى جهنم ؛ إنهم مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم التي صدرت عنهم في الدنيا، مساءلة إنكار عليهم وتبكيت لهم.
﴿ مَا لَكُمْ لا يَتَنَاصَرُونَ ( ٢٥ ) ﴾
ويقال لهم توبيخًا : ما لكم لا ينصر بعضكم بعضًا ؟
﴿ بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ( ٢٦ ) ﴾
بل هم اليوم منقادون لأمر الله، لا يخالفونه ولا يحيدون عنه، غير منتصرين لأنفسهم.
﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( ٢٧ ) ﴾
وأقبل بعض الكفار على بعض يتلاومون ويتخاصمون.
﴿ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ ( ٢٨ ) ﴾
قال الأتباع للمتبوعين : إنكم كنتم تأتوننا من قِبَل الدين والحق، فتهوِّنون علينا أمر الشريعة، وتُنَفِّروننا عنها، وتزينون لنا الضلال.
﴿ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( ٢٩ ) ﴾
قال المتبوعون للتابعين : ما الأمر كما تزعمون، بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان، قابلة للكفر والعصيان.
﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ( ٣٠ ) ﴾
وما كان لنا عليكم من حجة أو قوَّة، فنصدكم بها عن الإيمان، بل كنتم -أيها المشركون- قومًا طاغين متجاوزين للحق.
﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ( ٣١ ) ﴾
فلزِمَنا جميعًا وعيد ربنا، إنا لذائقو العذاب، نحن وأنتم، بما قدمنا من ذنوبنا ومعاصينا في الدنيا.
﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ( ٣٢ ) ﴾
فأضللناكم عن سبيل الله والإيمان به، إنا كنا ضالين من قبلكم، فهلكنا ؛ بسبب كفرنا، وأهلكناكم معنا.
﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ( ٣٣ ) ﴾
فإن الأتباع والمتبوعين مشتركون يوم القيامة في العذاب، كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله.
﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ( ٣٤ ) ﴾
إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي الله في الدنيا على طاعته، فنذيقهم العذاب الأليم.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ( ٣٥ ) ﴾
إن أولئك المشركين كانوا في الدنيا إذا قيل لهم : لا إله إلا الله، ودعوا إليها، وأُمروا بترك ما ينافيها، يستكبرون عنها وعلى من جاء بها.
﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ( ٣٦ ) ﴾
ويقولون : أنترك عبادة آلهتنا لقول رجل شاعر مجنون ؟ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ( ٣٧ ) ﴾
كذَبوا، ما محمد كما وصفوه به، بل جاء بالقرآن والتوحيد، وصدَّق المرسلين فيما أخبروا به عنه من شرع الله وتوحيده.
﴿ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ ( ٣٨ ) ﴾
إنكم -أيها المشركون- بقولكم وكفركم وتكذيبكم لذائقو العذاب الأليم الموجع.
﴿ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٣٩ ) ﴾
وما تجزون في الآخرة إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا من المعاصي.
﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( ٤٠ ) ﴾
إلا عباد الله تعالى الذين أخلصوا له في عبادته، فأخلصهم واختصهم برحمته ؛ فإنهم ناجون من العذاب الأليم.
﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ( ٤١ ) ﴾
أولئك المخلصون لهم في الجنة رزق معلوم لا ينقطع.
﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ( ٤٢ ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( ٤٣ ) ﴾
ذلك الرزق فواكه متنوعة، وهم مكرمون بكرامة الله لهم
﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ( ٤٤ ) ﴾
ومن كرامتهم عند ربهم وإكرام بعضهم بعضًا أنهم على سرر متقابلين فيما بينهم.
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ( ٤٥ ) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ( ٤٦ ) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ( ٤٧ ) ﴾
يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها،
بيضاء في لونها، لذيذة في شربها،
ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل.
﴿ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ( ٤٨ ) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ( ٤٩ ) ﴾
وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات، لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين،
كأنهن بَيْض مصون لم تمسه الأيدي.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( ٥٠ ) ﴾
فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أحوالهم في الدنيا وما كانوا يعانون فيها، وما أنعم الله به عليهم في الجنة، وهذا من تمام الأنس.
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ( ٥١ ) ﴾
قال قائل من أهل الجنة : لقد كان لي في الدنيا صاحب ملازم لي.
﴿ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ ( ٥٢ ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ( ٥٣ ) ﴾
يقول : كيف تصدِّق بالبعث الذي هو في غاية الاستغراب ؟
أإذا متنا وتمزقنا وصرنا ترابًا وعظامًا، نُبعث ونُحاسب ونُجازى بأعمالنا ؟
﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ( ٥٤ ) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ( ٥٥ ) ﴾
قال هذا المؤمن الذي أُدخل الجنة لأصحابه : هل أنتم مُطَّلعون لنرى مصير ذلك القرين ؟
فاطلع فرأى قرينه في وسط النار.
﴿ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ( ٥٦ ) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ ( ٥٧ ) ﴾
قال المؤمن لقرينه المنكر للبعث : لقد قاربت أن تهلكني بصدك إياي عن الإيمان لو أطعتك.
ولولا فضل ربي بهدايتي إلى الإيمان وتثبيتي عليه، لكنت من المحضرين في العذاب معك.
﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ( ٥٨ ) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( ٥٩ ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ٦٠ ) ﴾
أحقًا أننا مخلَّدون منعَّمون،
فما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى في الدنيا، وما نحن بمعذَّبين بعد دخولنا الجنة ؟
إنَّ ما نحن فيه من نعيم لهُوَ الظَّفَر العظيم.
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ( ٦١ ) ﴾
لمثل هذا النعيم الكامل، والخلود الدائم، والفوز العظيم، فليعمل العاملون في الدنيا ؛ ليصيروا إليه في الآخرة.
﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ( ٦٢ ) ﴾
أذلك الذي سبق وصفه مِن نعيم الجنة خير ضيافة وعطاء من الله، أم شجرة الزقوم الخبيثة الملعونة، طعام أهل النار ؟
﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ( ٦٣ ) ﴾
إنا جعلناها فتنة افتتن بها الظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي، وقالوا مستنكرين : إن صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر.
﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ( ٦٤ ) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ( ٦٥ ) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ( ٦٦ ) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ( ٦٧ ) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ ( ٦٨ ) ﴾
إنها شجرة تنبت في قعر جهنم،
ثمرها قبيح المنظر كأنه رؤوس الشياطين،
فإذا كانت كذلك فلا تَسْألْ بعد هذا عن طعمها، فإن المشركين لآكلون من تلك الشجرة فمالئون منها بطونهم.
ثم إنهم بعد الأكل منها لشاربون شرابًا خليطًا قبيحًا حارًّا،
ثم إن مردَّهم بعد هذا العذاب إلى عذاب النار.
﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ( ٦٩ ) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ( ٧٠ ) ﴾
إنهم وجدوا آباءهم على الشرك والضلال،
فسارعوا إلى متابعتهم على ذلك.
﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ ( ٧١ ) ﴾
ولقد ضلَّ عن الحق قبل قومك -يا محمد- أكثر الأمم السابقة.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ ( ٧٢ ) ﴾
ولقد أرسلنا في تلك الأمم مرسلين أنذروهم بالعذاب فكفروا.
﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ( ٧٣ ) ﴾
فتأمَّل كيف كانت نهاية تلك الأمم التي أنذرت، فكفرت ؟ فقد عُذِّبت، وصارت للناس عبرة.
﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( ٧٤ ) ﴾
إلا عباد الله الذين أخلصهم الله، وخصَّهم برحمته لإخلاصهم له.
﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ( ٧٥ ) ﴾
ولقد نادانا نبينا نوح ؛ لننصره على قومه، فلنعم المجيبون له نحن.
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ٧٦ ) ﴾
ونجيناه وأهله والمؤمنين معه مِن أذى المشركين، ومن الغرق بالطوفان العظيم.
﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ( ٧٧ ) ﴾
وجعلنا ذرية نوح هم الباقين بعد غرق قومه.
﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( ٧٨ ) ﴾
وأبقينا له ذِكْرًا جميلا وثناءً حسنًا فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به.
﴿ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ( ٧٩ ) ﴾
أمان لنوح وسلامة له من أن يُذْكر بسوء في الآخِرين، بل تُثني عليه الأجيال من بعده.
﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ٨٠ ) ﴾
مثل جزاء نوح نجزي كلَّ مَن أحسن من العباد في طاعة الله.
﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ٨١ ) ﴾
إن نوحًا من عبادنا المصدقين المخلصين.
﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ( ٨٢ ) ﴾
ثم أغرقنا الآخرين المكذبين من قومه بالطوفان، فلم تبق منهم عين تَطْرِف.
﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ ( ٨٣ ) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( ٨٤ ) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ( ٨٥ ) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ( ٨٦ ) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٨٧ ) ﴾
وإنَّ من أشياع نوح على منهاجه وملَّته نبيَّ الله إبراهيم،
حين جاء ربه بقلب بريء من كل اعتقاد باطل وخُلُق ذميم،
حين قال لأبيه وقومه منكرًا عليهم : ما الذي تعبدونه من دون الله ؟
أتريدون آلهة مختلَقَة تعبدونها، وتتركون عبادة الله المستحق للعبادة وحده ؟
فما ظنكم برب العالمين أنه فاعل بكم إذا أشركتم به وعبدتم معه غيره ؟
﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( ٨٨ ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ( ٨٩ ) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ( ٩٠ ) ﴾
فنظر إبراهيم نظرة في النجوم متفكرًا فيما يعتذر به عن الخروج معهم إلى أعيادهم،
فقال لهم : إني مريض. وهذا تعريض منه.
﴿ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ( ٩١ ) مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ ( ٩٢ ) ﴾
فمال مسرعًا إلى أصنام قومه فقال مستهزئًا بها : ألا تاكلون هذا الطعام الذي يقدمه لكم سدنتكم ؟
ما لكم لا تنطقون ولا تجيبون مَن يسألكم ؟
﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ( ٩٣ ) ﴾
فأقبل على آلهتهم يضربها ويكسِّرها بيده اليمني ؛ ليثبت لقومه خطأ عبادتهم لها.
﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ( ٩٤ ) ﴾
فأقبلوا إليه يَعْدُون مسرعين غاضبين.
﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ( ٩٥ ) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ( ٩٦ ) ﴾
فلقيهم إبراهيم بثبات قائلا كيف تعبدون أصنامًا تنحتونها أنتم، وتصنعونها بأيديكم،
وتتركون عبادة ربكم الذي خلقكم، وخلق عملكم ؟
﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ( ٩٧ ) ﴾
( فلما قامت عليهم الحجة لجؤوا إلى القوة ) وقالوا : ابنوا له بنيانًا، واملؤوه حطبًا، ثم ألقوه فيه.
﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ ( ٩٨ ) ﴾
فأراد قوم إبراهيم به كيدًا لإهلاكه، فجعلناهم المقهورين المغلوبين ؛ إذ نفذت حجته من حيث لم يكن دفعها، ولم ينفذ فيه مكرهم ولا كيدهم.
﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ٩٩ ) رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ ( ١٠٠ ) ﴾
وقال إبراهيم : إني مهاجر إلى ربي من بلد قومي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي ؛ فإنه سيدلني على الخير في ديني ودنياي.
﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ( ١٠١ ) ﴾
فأجبنا له دعوته، وبشَّرناه بغلام حليم، أي : يكون حليمًا في كبره، وهو إسماعيل.
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ ( ١٠٢ ) ﴾
فلما كَبِر إسماعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه : إني أرى في المنام أني أذبحك، فما رأيك ؟ ( ورؤيا الأنبياء حق ) فقال إسماعيل مُرْضيًا ربه، بارًّا بوالده، معينًا له على طاعة الله : أمض ما أمرك الله به مِن ذبحي، ستجدني -إن شاء الله- صابرًا طائعًا محتسبًا.
﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ( ١٠٣ ) ﴾
فلما استسلما لأمر الله وانقادا له، وألقى إبراهيم ابنه على جبينه -وهو جانب الجبهة- على الأرض ؛ ليذبحه.
﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٠٥ ) ﴾
ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة : أن يا إبراهيم،
قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة.
﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ( ١٠٦ ) ﴾
إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أبان عن صدق إيمانك.
﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ( ١٠٧ ) ﴾
واستنقذنا إسماعيل، فجعلنا بديلا عنه كبشًا عظيمًا.
﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( ١٠٨ ) ﴾
وأبقينا لإبراهيم ثناءً حسنًا في الأمم بعده.
﴿ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( ١٠٩ ) ﴾
تحيةٌ لإبراهيم من عند الله، ودعاءٌ له بالسلامة من كل آفة.
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١١٠ ) ﴾
كما جزينا إبراهيم على طاعته لنا وامتثاله أمرنا، نجزي المحسنين من عبادنا.
﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ١١١ ) ﴾
إنه من عبادنا المؤمنين الذين أعطَوا العبودية حقها.
﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ ( ١١٢ ) ﴾
وبشَّرنا إبراهيم بولده إسحاق نبيًّا من الصالحين ؛ جزاء له على صبره ورضاه بأمر ربه، وطاعته له.
﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ( ١١٣ ) ﴾
وأنزلنا عليهما البركة. ومِن ذريتهما من هو مطيع لربه، محسن لنفسه، ومَن هو ظالم لها ظلمًا بيِّنًا بكفره ومعصيته.
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( ١١٤ ) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ١١٥ ) ﴾
ولقد مننَّا على موسى وهارون بالنبوة والرسالة،
ونجيناهما وقومهما من الغرق، وما كانوا فيه من عبودية ومَذلَّة.
﴿ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ ( ١١٦ ) ﴾
ونصرناهم، فكانت لهم العزة والنصرة والغلبة على فرعون وآله.
﴿ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ( ١١٧ ) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ( ١١٨ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ ( ١١٩ ) ﴾
وآتيناهما التوراة البينة،
وهديناهما الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام دين الله الذي ابتعث به أنبياءه،
وأبقينا لهما ثناءً حسنًا وذكرًا جميلا فيمن بعدهما.
﴿ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( ١٢٠ ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٢١ ) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ١٢٢ ) ﴾
تحيةٌ لموسى وهارون من عند الله، وثناءٌ ودعاءٌ لهما بالسلامة من كل آفة،
كما جزيناهما الجزاء الحسن نجزي المحسنين من عبادنا المخلصين لنا بالصدق والإيمان والعمل.
إنهما من عبادنا الراسخين في الإيمان.
﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ( ١٢٣ ) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٢٤ ) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ( ١٢٥ ) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ ( ١٢٦ ) ﴾
وإن عبدنا إلياس لمن الذين أكرمناهم بالنبوة والرسالة،
إذ قال لقومه من بني إسرائيل : اتقوا الله وحده وخافوه،
ولا تشركوا معه غيره، كيف تعبدون صنمًا، وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين،
وهو ربكم الذي خلقكم، وخلق آباءكم الماضين قبلكم ؟
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( ١٢٧ ) إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( ١٢٨ ) ﴾
فكذب قوم إلياس نبيهم، فليجمعنهم الله يوم القيامة للحساب والعقاب،
إلا عباد الله الذين أخلصوا دينهم لله، فإنهم ناجون من عذابه.
﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( ١٢٩ ) سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ( ١٣٠ ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٣١ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ١٣٢ ) ﴾
وجعلنا لإلياس ثناءً جميلا في الأمم بعده.
تحية من الله، وثناءٌ على إلياس.
وكما جزينا إلياس الجزاء الحسن على طاعته، نجزي المحسنين من عبادنا المؤمنين.
إنه من عباد الله المؤمنين المخلصين له بالصدق والإيمان.
﴿ وَإِنَّ لُوطاً لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ( ١٣٣ ) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ( ١٣٤ ) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ ( ١٣٥ ) ﴾
وإن عبدنا لوطًا اصطفيناه، فجعلناه من المرسلين
إذ نجيناه وأهله أجمعين من العذاب،
إلا عجوزًا هَرِمة، هي زوجته، هلكت مع الذين هلكوا من قومها لكفرها.
﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ ( ١٣٦ ) ﴾
ثم أهلكنا الباقين المكذبين من قومه.
﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ( ١٣٧ ) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( ١٣٨ ) ﴾
وإنكم -يا أهل " مكة " - لتمرون فى أسفاركم على منازل قوم لوط وآثارهم وقت الصباح،
وتمرون عليها ليلا. أفلا تعقلون، فتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ؟
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ( ١٣٩ ) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ١٤٠ ) ﴾
وإن عبدنا يونس اصطفيناه وجعلناه من المرسلين،
إذ هرب من غير أمر ربه، وركب سفينة مملوءة ركابًا وأمتعة.
﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ ( ١٤١ ) ﴾
وأحاطت بها الأمواج العظيمة، فاقترع ركاب السفينة لتخفيف الحمولة خوف الغرق، فكان يونس من المغلوبين.
﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ( ١٤٢ ) ﴾
فأُلقي في البحر، فابتلعه الحوت، ويونس عليه السلام آتٍ بما يُلام عليه.
﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ( ١٤٣ ) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( ١٤٤ ) ﴾
فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح قبل وقوعه في بطن الحوت، وتسبيحه، وهو في بطن الحوت بقوله :﴿ لا اله الا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين ﴾،
لمكث في بطن الحوت، وصار له قبرًا إلى يوم القيامة.
﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ : فطرحناه من بطن الحوت، وألقيناه في أرض خالية عارية من الشجر والبناء، وهو ضعيف البدن.
﴿ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴾ : وأنبتنا عليه شجرة من القَرْع تظلُّه وينتفع بها.
﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ : وأرسلناه إلى مائة ألف من قومه بل يزيدون.
فصدَّقوا وعملوا بما جاء به، فمتعناهم بحياتهم إلى وقت بلوغ آجالهم.
﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ ﴾ : فاسأل -يا محمد- قومك : كيف جعلوا لله البنات اللاتي يكرهونهنَّ، ولأنفسهم البنين الذين يريدونهم ؟
﴿ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ : واسألهم أخَلَقْنا الملائكة إناثًا، وهم حاضرون ؟
﴿ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ( ١٥١ ) ﴾
وإنَّ مِن كذبهم قولهم :
﴿ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ : ولَد الله، وإنهم لكاذبون ؛ لأنهم يقولون ما لا يعلمون.
﴿ أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ﴾ : لأي شيء يختار الله البنات دون البنين ؟
﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ : بئس الحكم ما تحكمونه -أيها القوم- أن يكون لله البنات ولكم البنون، وأنتم لا ترضون البنات لأنفسكم.
﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ : أفلا تذكرون أنه لا يجوز ولا ينبغي أن يكون له ولد ؟ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ﴾ : بل ألكم حجة بيِّنة على قولكم وافترائكم ؟
﴿ أْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ : إن كانت لكم حجة في كتاب من عند الله فأتوا بها، إن كنتم صادقين في قولكم ؟
َ﴿ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ : وجعل المشركون بين الله والملائكة قرابة ونسبًا، ولقد علمت الملائكة أن المشركين محضرون للعذاب يوم القيامة.
﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ : تنزَّه الله عن كل ما لا يليق به ممَّا يصفه به الكافرون.
﴿ لاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ : لكن عباد الله المخلصين له في عبادته لا يصفونه إلا بما يليق بجلاله سبحانه.
فإنكم -أيها المشركون بالله- وما تعبدون من دون الله من آلهة.
ما أنتم بمضلِّين أحدًا إلا مَن قدَّر الله عز وجل عليه أن يَصْلَى الجحيم ؛ لكفره وظلمه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٢:ما أنتم بمضلِّين أحدًا إلا مَن قدَّر الله عز وجل عليه أن يَصْلَى الجحيم ؛ لكفره وظلمه.
قالت الملائكة : وما منا أحدٌ إلا له مقام في السماء معلوم،
وإنا لنحن الواقفون صفوفًا في عبادة الله وطاعته،
وإنا لنحن المنزِّهون الله عن كل ما لا يليق به.
وإن كفار " مكة " ليقولون قبل بعثتك -يا محمد- :
لو جاءنا من الكتب والأنبياء ما جاء الأولين قبلنا،
لكنا عباد الله الصادقين في الإيمان، المخلَصين في العبادة.
﴿ فكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ : فلما جاءهم ذكر الأولين، وعلم الآخرين، وأكمل الكتب، وأفضل الرسل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، كفروا به، فسوف يعلمون ما لهم من العذاب في الآخرة.
ولقد سبقت كلمتنا -التي لا مردَّ لها- لعبادنا المرسلين،
أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة،
وأن جندنا المجاهدين في سبيلنا لهم الغالبون لأعدائهم في كل مقام باعتبار العاقبة والمآل.
فأعرض -يا محمد- عَمَّن عاند، ولم يقبل الحق حتى تنقضي المدة التي أمهلهم فيها، ويأتي أمر الله بعذابهم،
وأنظرهم وارتقب ماذا يحل بهم من العذاب بمخالفتك ؟ فسوف يرون ما يحل بهم من عذاب الله.
﴿ أفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ : أفبنزول عذابنا بهم يستعجلونك يا محمد ؟
فإذا نزل عذابنا بهم، فبئس الصباح صباحهم.
﴿ وتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ : وأعرض عنهم حتى يأذن الله بعذابهم.
وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب والنكال.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ ﴾ : تنزَّه الله وتعالى رب العزة عما يصفه هؤلاء المفترون عليه.
﴿ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾ : وتحية الله الدائمة وثناؤه وأمانه لجميع المرسلين.
﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ : والحمد لله رب العالمين في الأولى والآخرة، فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له.