تفسير سورة الطور

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الطور من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة الطور
مكية
سورة والطور مكية١ :
١ هي كذلك في تفسير القرطبي ١٧/٥٨، والدر المنثور ٧/٦٢٦، والبرهان ١/١٩٣..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة والطور
مكية
سورة والطور مكية: قوله: (وَالطُّورِ) إلى قوله: (مِنْ دَافِعٍ) [١ - ٧].
هذه الأقسام أقسم الله تعالى بها أن عذابه لحال واقع لا بد منه. والتقدير: ورب الطور، ورب كتاب مسطور.
فالطور جبل، قال نوف: أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فارتفعت وشمخت، إلا الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله [لي]، فكان الأمر عليه.
7113
وقيل هو بمدين وهو طور سيناء.
قال مجاهد: الطور الجبل بالسريانية.
وقوله: ﴿وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ﴾ رواه أحمد بن صالح عن نافع بالصاد، وأكثر الرواة عنه بالسين كالجماعة على خط المصحف، والسين هو الأصل، وإنما جاز فيها الصاد لأجل الطاء التي بعدها ليكون النطق (بمطبق مستقر قبل مطبق مجهور) والسين مهموسة وليست بمطبقة، فالفظ بها قيل: حرف مجهور فيه تكلف واختلاف في عمل اللسان، وإذا قرأت بالسين كان عمل اللسان في تسفل ثم يتصعد بعد ذلك، ففيه بعض المشقة ولهذا نظائر كثيرة قد مضت.
7114
ومعنى المسطور: المكتوب.
وهو الصحيفة، قيل يعني به ما تكتب الحفظة وتستنسخ من أعمال بني آدم التي سبقت في علم الله تعالى قبل خلقه لهم.
أي: يعمر بكثرة الدعاء والغشيان، روى أنه بيت في السماء بحيال الكعبة من الأرض يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً.
وروي أنه كذلك في كل سماء بيت يقابل الذي تحته، وكلها تقابل الكعبة.
وعن ابن عباس أنه كان يقول: إن لله تعالى في السماوات والأرضين خمسة عشر بيتاً، سبعة في الأرضين وسبعة في السماوات والكعبة محادية كلها.
روي أن النبي ﷺ قال: " رفع لي البيت المعمور فقلت: يا جبريل ما هذا؟
قال: البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا ".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة من فوقها حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون فيه أبداً.
وعنه قال: هو في السماء السادسة.
وعن ابن عباس أنه قال: هو بيت حذاء العرش.
وقوله: ﴿والسقف المرفوع﴾ يعني به السماء. كقوله: ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ [الأنبياء: ٣٢] وقوله: ﴿والبحر المسجور﴾.
قال مجاهد: المسجور الموقد، ومثله ﴿وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦] أي: أوقدت من شجرة التنور إذا أوقدت، وهو قول ابن زيد.
وسأل علي بن أبي طالب رجلاً من اليهود فقال له: أين جهنم، فقال اليهودي: في البحر، فقال علي: ما أراه إلا صادقاً.
وقال قتادة: المسجور: المملوء بالماء. وقيل معناه: المملوء بالنار.
وقال ابن عباس: المسجور: الذي ذهب ماؤه، وسجره: ذهب مائه حين يفجر.
وعن ابن عباس أيضاً المسجور: المحبوس.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ قال: هو بحر تحت العرش.
أي: هو كائن ليس له راد يرده عن الكفار يوم القيامة، " وَإِنَّ " هي جواب القسم.
قوله: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً﴾ إلى قوله: (وَلَا تَأْثِيمٌ) الآيات [٩ - ٢١].
7117
معناه أن عذاب ربك يا محمد لحال بالكافرين في يوم تمور السماء موراً: أي: تدور وتتحرك.
قال مجاهد: تمور مَوْراً: تدور دوراً.
قال قتادة: مورها: تحركها.
وقال الضحاك: مورها: استدارتها وتحركها لأمر الله تعالى موج بعضها في بعض.
وقال ابن عباس: مورها: تشققها.
وقيل: معنى تمور: تَتَكَّفأ كما تَتَكفَّأ السفينة حتى تذهب فلا تكون شيئاً،
7118
وقيل :﴿ وتسير الجبال سيرا ﴾، أي : تسير عن١ أماكنها من الأرض، فتصير هباء منبثا٢.
١ ح: "علي"..
٢ انظر: جامع البيان ٢٧/١٣..
وتسير الجبال عن أماكنها كما تسير السحاب.
وقيل: ﴿وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً﴾، أي: تسير عن أماكنها من الأرض، فتصير هباءً منبثاً.
أي: فالواد السائل من قبح وصديد في جهنم لهم، ودخلت الفاء في " فويل " لجواب الجملة التي قبلها؛ لأن الجملة فيها إبهام، فشابهت الشرط فجوبت بالفاء كما يجاب الشرط.
أي: في فتنة واختلاط في الدنيا غافلين لاهين عما هم صائرون إليه.
أي: يدفعون ويرهقون إليها دفعاً.
يقال هذه النار التي كنتم تكذبون
وتجحدون، أي: تردونها وتصلونها.
أي: يقال لهم يوم القيامة حين يعاينون العذتب، [أفسحر هذا الذي وردتموه أم أنتم لا تعاينونه وهذا الكلام معناه التوبيخ والتقريع]، وتحقيق العطف أن معناه: " بل أنتم " فهو خروج من أمر إلى أمر، أي: لا تبصرون الحق، وقد كانوا يبصرون، لكنه توبيخ لهم وتقريع وتوقيف على صحة ما كانوا يكذبوا به من النار، فهو من بصر القلب لا من بصر العين.
قال: ﴿اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: ذوقوا حر هذه النار فاصبروا على ألمها وشدتها أو لا تصبروا على ذلك، سواء عليكم أصبرتم أن جزعتم، لا بد لكم من الخلود فيها مجازاة لكم بأعمالكم في الدنيا وكفركم بالله سبحانه فلفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر عنهم دليله قوله بعد ذلك: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ﴾، أي: سواء عليكم الجزع والصبر.
أي: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في بساتين ونعيم في الآخرة.
وقال الحسن: ﴿المتقين﴾ هم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما أفترض عليهم.
7120
وقال ابن عباس: إنما سمي المتقون لأنهم ذكروا الله عند طاعته فأخذوا بها تقية له، وذكروه عند معصيته فتركوها تقية له.
قال ميمون بن مهران: [لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه].
وقال الحسن: من اتقى الشرك فهو متق، ولو زاد الحسن في قوله " والكبائر " لكان قولاً مختاراً.
وقال أبو الدرداء: تمام التقوى أن يتقي العبد الله حتى يتقيه في مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خيفة أن يكون حراماً فيكون حجاباً بينه وبين
7121
الحرام، فأن الله قد بين للعباد ما هم صائرون إليه. وقال: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨]، فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه، ولا شيئاً من الخير أن تفعله.
قوله ﴿فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾.
أي: عندهم فاكهة كثيرة. تقول العرب: هو رجل تامر ولابن: إذا كان عنده تمر كثير ولبن.
وقيل معنى فاكهين: طيبي الأنفس، ضاحكين بما أعطاهم ربهم في الآخرة من النعيم وبما دفع عنهم من عذاب النار.
قال: ﴿كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ﴾ أي: يقال لهم كلوا واشربوا في الجنة هنيئاً، لا تخافون انتقالاً ولا موتاً ولا هرماً ولا مرضاً جزاء لهم بعملكم في الدنيا.
7122
﴿مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ﴾ [أي]: على نمارق وعلى سرر جعلت صفوفاً. وترك ذكر " النمارق " لدلالة الكلام عليها /.
ثم قال: ﴿وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾ أي: جعلنا للذكور من هؤلاء، المتقين أزواجاً بحور عين قربناهم بهم.
والحور: جمع حوراء، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة.
والعين: جمع عيناء، وهي العظيمة العين في حسن سعة.
قال الضحاك: ﴿بِحُورٍ عِينٍ﴾، بيض حسان العيون /. والحَوَرُ في اللغة: البياض، ومنه قيل الحواري، وقيل: للقصار حوار، ولصفوة الأنبياء حواريون.
7123
متكئين على سرر مصفوفة } [ ١٨ ] [ أي ١ ] : على نمارق وعلى سرر جعلت ٢ صفوفا. وترك ذكر " النمارق " لدلالة الكلام عليها/ ٣.
ثم قال :﴿ وزوجناهم بحور عين ﴾ أي : جعلنا للذكور من هؤلاء، المتقين أزواجا بحور عين ٤ قربناهم ٥ بهم.
والحور : جمع حوراء ٦، وهي الشديدة بياض مقلة ٧ العين في شدة سواد الحدقة ٨.
والعين : جمع عيناء ٩، وهي العظيمة ١٠ العين في حسن ١١ سعة ١٢.
قال الضحاك :﴿ بحور عين ﴾، بيض حسان العيون/ ١٣. والحور في اللغة : البياض، ومنه قيل الحواري ١٤، وقيل : للقصار حوار، ولصفوة الأنبياء حواريون ١٥.
﴿ مصفوفة ﴾ : تمام عند نافع ١٦ ١٧.
١ ساقط من ح..
٢ ح: "رجعت" وهو تحريف..
٣ ع: "عليهم"..
٤ ع: "العين"..
٥ ح: "بصرناهم"..
٦ ح: "حوار"..
٧ ع: "وقلت" وهو تحريف..
٨ انظر: جامع البيان ٢٧/١٥، وإعراب النحاس ٤/٢٥٦..
٩ ح: "عينا"..
١٠ ع: "عظيمة"..
١١ ع: "حصن"..
١٢ انظر: مفردات الراغب ٣٥٥، وإعراب النحاس ٤/٢٥٦، ولسان العرب ٢/٩٤٦..
١٣ ع: "العين"..
١٤ ع: "الحوار"..
١٥ انظر: مفردات الراغب ١٣٥، والصحاح ٢/٦٣٨، ولسان العرب ١/٧٥١..
١٦ ع: "عندنا" وهو تحريف..
١٧ انظر: القطع والإئتناف ٦٨٥، ومنار الهدى ٢٦٨..
﴿مَّصْفُوفَةٍ﴾: تمام عند نافع.
قال: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾.
قال ابن عباس: هو المؤمن (يرفع الله ذريته) لتقر بذلك عينه وإن كانوا دونه في العمل.
وعن ابن عباس أنه قال: المؤمن تتبعه ذريته بإيمان يلحق الله به ذريته الصغار التي لم تبلغ الإيمان.
وروى عبادة بن الصامت عن كعب الأحبار أنه قال: والذي نفسي بيده إن أطفال المسلمين ليقدسون حول العرش، ويسبحون، ويحمدون الله، وما من أحد أكرم على الله تعالى منهم، فإذا كان يوم القيامة يقول الله تبارك وتعالى: ادخلوا الجنة
7124
فيقولون: ربَّنا وآباؤنا، فيقال لهم ويقولون ثلاث مرات: وآباؤنا فيقول الله تعالى في الثالثة: ادخلوا الجنة وآباؤكم معكم.
قوله: ﴿وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ أي: ولم ينقص الآباء من عملهم شيئا.
وقال الضحاك معناها: من أدرك ذريته الإيمان فعمل بطاعتي ألْحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار أيضاً على ذلك.
وقال ابن زيد بمثل هذا القول إلا أنه جعل الهاء، والميم في ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ﴾ من ذكر الذرية، فالمعنى عنده: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بالإيمان [ألحقنا بالذرية] أبناءهم الصغار الذين لم يلحقوا الإيمان ولم يبلغوا العمل.
وقيل المعنى: إن الله تعالى ذكره ليضل (الذرية الجنة) بعمل الآباء إذا كانوا مؤمنين من غير أن ينقص الآباء من أجرهم شيئاً، قاله عامر وابن جبير.
7125
وقال النخعي: يعطي الله ذرية الرجل إذ اتبعوه على افيمان من الأجر مثل ما أعطاه الآباء من غير أن ينقص الآباء شيئاً من أجرهم. وقاله الربيع.
وقال قتادة: عملت الذرية بطاعة الله، فألحقهم الله بآبائهم وما نقص الآباء من أجورهم شيئاً.
ثم قال: ﴿كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾ أي: كل إنسان مرتهن بما عمل من خير وشر، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.
أي: أمددنا هؤلاء الذين اتبعتهم ذريتهم بإيمان مع ذرياتهم بفاكهة وبلحم مما يشتهون من اللُّحمان.
قال: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً﴾ أي: يتعاطون في الجنة كأس الشراب، ويتناولونه بينهم. لا لغو في الكأس: أي: لا يلغو من شربها كما تفعل خمر الدنيا.
﴿وَلاَ تَأْثِيمٌ﴾ أي: ولا يأثم من شربها كما يأثم من شرب خمر الدنيا.
وقيل: التأثيم هنا: الكذب، واللغو: الباطل.
قوله: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾.
أي: يطوف على هؤلاء الذين تقدمت صفتهم غلمان لهم كأنهم اللؤلؤ المكنون في بياضه وصفائه. والمكنون: المصون، أي: يطوفون عليهم في الجنة بكؤوس الشراب الذي تقدمت صفته.
قال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً قال: " يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إن فضل الخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ".
أي: أقبل بعض المؤمنين يسأل عن حال بعض.
قال ابن عباس: يتساءلون حين بعثوا في النفخة الثانية. قيل: إنهم يقول بعضهم لبعض ما صيرك إلى هذه المنزلة الرفيعة.
ثم قال: (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) [٢٤] أي: قال بعضهم
لبعض: إنا كنا من قبل في الدنيا مشفقين خائفين من عذاب الله تعالى فمنَّ الله علينا بفضله، فغفر الصغائر وترك المحاسبة على النعم المستغرقة للأعمال.
قال النبي ﷺ: " " لا يدخل أحد الجنة بعمله " قيل: ولا أنت يا رسول الله، قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " ".
قال: ﴿وَوَقَانَا عَذَابَ السموم﴾ أي: (عذاب النار) وأدخلنا الجنة. وقيل معناه إذا أمر الكفار بالانطلاق إلى ظل ذي ثلاث شعب من دخان النار أمر بالمؤمنين إلى ظل من ظل الله، فتقف كل طائفة في الظل الذي أمرت به إليه حتى يفرغ من الحساب، فعند ذلك يقول المؤمنون: ﴿فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم﴾ وهو الظل ذو ثلاث / شعب.
قال: ﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ / نَدْعُوهُ﴾ هذا كله قول المؤمنين، أي: كنا في الدنيا نعبده، ونخلص العمل له ﴿إِنَّهُ هُوَ البر﴾ أي: اللطيف بعباده، الرحيم بخلقه أن يعذبهم بعد توبتهم.
أي: فذكر يا محمد من أرسلناك إليهم من قومك وعظهم فلست بفضل ربك عليك بكاهن كما يقول المشركون ولا بمجنون، ولكن رسول الله.
أي: بل يقول المشركون في محمد ﷺ هو شاعر نتربص به حوادث الدهر تكفيناه بموت أو بحادثة متلفة.
قال ابن عباس: إن قريشاً اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي ﷺ، فقال قائل منهم: احبسوه في وثاق ثم تربصوا به الموت حتى يهلك كما هلك قبله من الشعراء، إنما
هو كأحدهم، فأنزل الله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾ والمنون: الموت، وهو واحد لا جمع له، قاله الأصمعي.
وقال الأخفش: المنون: جمع لا واحد له.
وقال الفراء: هو الواحد والجمع. والدهر يسمى بالمنون لأنه يذهب بمنة الحيوان، أي: بقوتها.
وقال أبو عبيدة: قيل للدهر " منون " لأنه مضعف من قوله " حبل منين " إذا كان بالياً ضعيفاً.
أي: قل لهم يا محمد انتظروا وتمهلوا في ريب المنون، فإني متربص معكم حتى يأتي أمر الله تعالى فيكم وفيّ.
قال: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بهاذآ﴾ أي: أن تأمرهم عقولهم وألبابهم بأن يقولوا لمن جاءهم بالحق شاعر ومجنون، بل هم قوم طاغون.
وقيل: المعنى: أم تأمرهم عقولهم بأن يعبدوا الأصنام ويتركوا عبادة خالقهم
ثم قال :﴿ فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾ [ ٣٢ ] أي : فليأت قائلو ذلك من المشركين بقرآن مثله فيكونوا صادقين في قولهم أن محمدا تقوله.
ورازقهم بل هم قوم قد طغوا وبغوا فتجاوزوا أمر ربهم و " أَمْ " في هذا كله بمعنى " بل ".
ثم قال: ﴿فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ﴾ أي: فليأت قائلو ذلك من المشركين بقرآن مثله فيكونوا صادقين في قولهم أن محمداً تقَوَّلَهُ.
" أم " في موضع الألف، والتقدير: أخلق هؤلاء المشركون من غير آباء وأمهات، فهم كالجماد لا يعقلون ولا يفقهون لله حجة، ولا يتَّعظون بموعظة.
وقيل المعنى: أخلقوا من غير صانع صنعهم ودبرهم، فهم لا يقبلون من أحد، أم هم الخالقون للأشياء، فلذلك لا ياتمرون لأمر الله سبحانه. وقيل المعنى: أم هم الخالقون لأنفسهم.
وقيل معنى الآية: أم خلقوا لغير شيء؛ أي: أَخلقوا عبثاً لا يؤمرون ولا ينهون.
أي: أفعلوا ذلك فيكونوا هم الخالقون.
ومعناه لم يخلقوا ذلك [بل] لا يوقنون؛ أي: لا يعلمون ما يلزمهم.
وقيل المعنى: لم يتركوا قبول أمر ربهم لأنهم خلقوا السماوات والأرض ولكنهم تركوه لأنهم لا يوقنون بوعيد الله سبحانه، وما أعد من العذاب لمن عصى أمره، فهم يكفرون ويعصون؛ لأنهم لا يوقنون بالعقاب والمجازات.
أي: أعندهم عطاء ربك فيستغنوا عنه، فيعرضوا عن أمره ونهيه أم هم المصيطرون.
قال ابن عباس: المصيطرون: المسلطون، وعنه: المتولون.
وقال أبو عبيدة: أم هم الأرباب، يقال: تسيطرت علي، أي: أتَّخذتني خولاً لَكَ. وقيل المعنى: أم هم الجبارون.
أي: ألهم سلم (يرتقون) فيه إلى السماء يستمعون الوحي فيكونوا قد سمعوا صواب ما هم عليه من الكفر فيستمسكوا به، فإن كانوا يدعون ذلك، فليأتِ من يزعم أنه استمع بحجة تبين أنها حق.
ثم قال: / (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [٣٧] أي: ألِربكم أيها المشركون البنات ولكم البنون كما تزعمون، هذه قسمة ضيزى.
ثم قال: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [٣٨] أي: أتسألهم يا محمد جعلاً على دعائك إياهم فتثقل عليهم إجابتك لذلك.
قال قتادة: معناه هل سألت يا محمد هؤلاء القوم أجراً فجهدتهم فلا يستطيعون الإسلام.
ثم قال: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) [٣٩] أي: هم لا يعلمون الغيب فكيف يقولون لا نؤمن برسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويقولون شاعر نتربص به ريب المنون، فهم يكتبون؛ أي: يكتبون / للناس ما أرادوا ويخبرونهم له.
قال: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً﴾ أي: أراد هؤلاء المشركون بدين الله وبرسوله كيداً، أي: مكراً وخديعة.
﴿فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون﴾ أي: هم الممكور بهم المهلكون دون محمد ودينه ومن آمن به.
ثم قال: (أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [٤١] أي: ألهم معبود يرزقهم ويخلقهم وينفعهم ويضرهم غير الله، سبحان الله عما يشركون.
ثم قال: (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ) [٤٢] أي: وإن ير هؤلاء المشركون قطعاً من السماء ساقطاً يقولوا هذا سحاب بعضه فوق
بعض وهذا إنما عني به قول المشركين للنبي ﷺ: لن نؤمن لك حتى تفعل كذا وكذا وتسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، فقال جل ذكره لنبيه عليه السلام وإن ير هؤلاء المشركون (ما سألوا من الآيات) لم ينتقلوا عمّا هم عليه من التكذيب، ولقالوا: إنما هو سحاب مركوم؛ أي: سحاب بعضه فوق بعض.
ثم قال: (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [٤٣] أي: فدع يا محمد هؤلاء الكفار حتى يلاقوا يوم موتهم، والصعق: الموت وذلك عند النفخة الأولى.
﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ أي: لا يغني عنهم مكرهم شيئاً، ولا ناصر لهم من عذاب الله تعالى.
قال: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ﴾ قال ابن عباس وغيره: هو عذاب القبر.
وقال مجاهد: هو الجوع.
وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا للمؤمن أجرٌ وللكافر تعجيل عذاب.
فالمعنى: لهؤلاء المشركين عذاب آخر (فبل يوم القيامة) وهو ما ذكرنا فلا يستعجلون به.
﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك أي: لا يؤمنون به فيعلمون أنه حال بهم.
قال ابن الماجشون: سمعت محمد بن المنكدر يقول: بلغني أن الله تبارك وتعالى يسلط على الكافر في قبره دابة عمياء في يدها سوط من حديد في رأسه جمرة مثل غرب الجمل يضربه إلى يوم القيامة لا تراه ولا تسمع صوته فترحمه. ومعنى غرب الجمل: هو الدلو الذي يسقى به الجمل.
قال: ﴿واصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ أي: امض يا محمد
لأمر ربك وتبليغ ما أرسلت به فإنك بمرأى منا [ونحن نحوطك] ونحفظك.
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أي: حين تقوم من نومك قال: سبحان الله وبحمده، قاله سفيان.
وقيل المعنى: (إذا قمت إلى الصلاة) المفروضة فقل سبحان الله وبحمده. وقيل: تقول سبحانك اللهم وبحمدك.
وقيل التسبيح هنا تكبيرة الإحرام.
يريد به صلاة العشاء الآخرة، وركعتا الفجر.
وعن ابن عباس أنه التسبيح في أدبار الصلوات، وأكثرهم على أن ﴿وَإِدْبَارَ النجوم﴾: وركعتا الفجر.
وعن النبي ﷺ أنه قال: " هما خير من الدنيا جميعاً ".
7136
وقال الضحاك وابن زيد ﴿وَإِدْبَارَ النجوم﴾: صلاة الصبح بعينها وهو اختيار الطبري.
7137
Icon