سورة النمل
سورة النمل مكية
وهي ثلاث أو أربع وتسعون آية وسبع ركوعات
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ طس ﴾ عن ابن عباس : هو من أسماء الله
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ﴾ إشارة إلى آيات تلك السورة
﴿ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ : وهو القرآن، وعطفه لعطف إحدى الصفتين على الأخرى
﴿ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ حالان من الآيات، أو خبران المحذوف، أو بدلا من الآيات، أو خبران بعد خبر
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ تكرير الضمير للاختصاص، والواو للعطف أو للحال
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي : أعمالهم القبيحة حتى رأوها حسنة ﴿ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ عنها لا يدركون قباحتها
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ : في الدارين ﴿ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾ : ما أحد أشد منهم خسرانا
﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ﴾ لتؤتى ﴿ الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ أي حكيم أي عليم، ولهذا المعنى نكرهما، وهذا تمهيد لذكر هذه القصص التي تأتي، فكم فيها من لطائف حكمه، ودقائق علمه
﴿ إِذْ قَالَ ﴾ مقدر باذكر، كأنه قال خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى، أو متعلق بعليم ﴿ مُوسَى لِأَهْلِهِ ﴾ حين مسيره من مدين إلى مصر، وقد ضل الطريق ﴿ إِنِّي آنَسْتُ ﴾ : أبصرت ﴿ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا ﴾ : من أهل النار ﴿ بِخَبَر ﴾ عن حال الطريق ﴿ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ الشهاب : الشعلة، والقبس : النار المقتبسة من جمر ونحوه، فهو إما بدل أو صفة، وقراءة الإضافة من إضافة الخاص إلى العام ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ رجاء أن تستدفئوا بها من البرد فإنهم في ليل شتوي
﴿ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ ﴾ أي : بأن، أو ( أن ) مفسرة، فإن في النداء معنى القول ﴿ مَن فِي النَّارِ ﴾ عن ابن عباس وغيره أي : قدس من في النار، وهو الله سبحانه، والنار نوره تعالى على معنى أنه نادى موسى منها، وأسمعه كلامه من جهتها، أو المراد من في طلب النار وهو موسى، أو المراد الملائكة، فإن فيها ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ الملائكة، أو موسى ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ من تمام ما نودي به، لئلا يتوهم أنه مكاني يشبه شيئا من مخلوقاته
﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ ﴾ الضمير للشأن ﴿ أَنَا اللَّهُ ﴾ أو راجع إلى المتكلم، و( أنا ) خبره، والله بيان له، أو خبر بعد خبر ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ : الغالب ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ فيما يفعله
﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ عطف على بورك، أي : قيل له بورك من في النار، وقيل له : ألق عصاك ﴿ فَلَمَّا رَآهَا ﴾ أي : فلما ألقى رآها ﴿ تَهْتَزُّ ﴾ : تتحرك ﴿ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ : حية خفيفة سريعة، ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا ﴾ أي : هرب موسى، ﴿ وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ : لم يرجع، ﴿ يَا مُوسَى ﴾ أي : نودي يا موسى، ﴿ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ حين يوحي إليهم من فرط الاستغراق، قيل معناه : من أمنته من عذابي لا يخاف من حية،
﴿ إِلَّا مَن ظَلَمَ ﴾، لكن من ظلم من العباد نفسه، ﴿ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ﴾ : تاب وعمل صالحا، ﴿ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أغفر له ظلمه أي : لستم أيها المرسلون من الظالمين التائبين، فلا خوف عليكم بوجه، أو لكن من ظلم قبل النبوة، ثم تاب فإني أغفر له، ومن غفر له لا يخاف، أو الاستثناء متصل أي : لا يخافون إلا الذين ظلموا بارتكاب الصغائر حينئذ تم الكلام، ويكون ( ثم بدل ) عطفا على محذوف تقديره : فمن ظلم ثم بدل إلخ، فإني أغفر له، أو معناه لا يخافون إلا من فرط منه ما غفر له فإنه يخاف، وقد تحقق أن المغفور له المرحوم لا يخاف من الذنب المغفور البتة، فإذن لا يخاف منهم أحد البتة على القطع،
﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾ أي : في جيب درعك، وقد نقل أنه كان عليه مدرعة من صوف لا كم لها، ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاء ﴾ كأنها قطعة قمر تلألأ، ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ كبرص، ﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ ﴾ أي : اذهب في تسع آيات، ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ﴾ أو معناه أدخل يدك في جملة تسع آيات وعدادهن، وعلى هذا ( إلى فرعون ) متعلق بمحذوف، أي : مبعوثا مرسلا إليه ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾
﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا ﴾ بأن جاءهم موسى بها، ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ : ظاهرة للناظرين، ﴿ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين ﴾
﴿ وَجَحَدُوا ﴾ : كذبوا، ﴿ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ﴾ أي : وقد استيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، الواو للحال، ﴿ ظُلْمًا ﴾ أي : جحدوا للظلم، ﴿ وَعُلُوًّا ﴾ : وللترفع والتكبر عن اتباعه، ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ في الدارين.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾ أي علم، ﴿ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ : شكرا على ما أعطاهما من العلم،
﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ نبوته، وعلمه وملكه دون سائر أولاده، ﴿ وَقَالَ ﴾ سليمان يعدد نعم الله عليه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ ﴾ : نفهم ما يقصد بصوته، ﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي : أوتينا ما يحتاج إليه الملك، أو المراد الكثرة كما تقول : فلان يعلم كل شيء، ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾
﴿ وَحُشِر ﴾ : جمع، ﴿ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ ﴾ وكانوا هم حول الإنس، ﴿ وَالْإِنسِ ﴾ وهم يلونه، ﴿ وَالطَّيْرِ ﴾ وهن فوق رأسه فإن كان حر أظلته منه بأجنحتها، ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ يحبس أولهم على آخرهم ليجتمعوا،
﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ ﴾ هو بالشام، أو بالطائف، ولما كان إتيانهم من فوق عدَّى بعلي، أو المراد قطعه كما تقول : أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره، ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾ لما نسب إليهم ما يختص به العقلاء بحسب الظاهر خاطبهم خطاب العقلاء، ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾ أي : لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم، استئناف، أو بدل من الأمر، ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أنهم يحطمونكم، فيه إشعار بأنهم لو علموا لم يحطموا ؛ لأنهم جنود نبي،
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا ﴾ أي : تبسم مقدرا الضحك، فإن المتبسم يصير ضاحكا إذا اتصل وداوم، وهو للتعجب أو للسرور، ﴿ مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾ : ألهمني شكرها، أو أولعني وحرصني به، ﴿ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي ﴾ : عداد، ﴿ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ : الكاملين في الصلاح،
﴿ وَتَفَقَّدَ ﴾ : تعرف، ﴿ الطَّيْرَ ﴾ فلم ير فيها الهدهد، ﴿ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾ كأنه ظن أنه حاضر، ولا يراه لساتر، ثم لاح أنه غائب فقال :﴿ أَمْ كَانَ ﴾ بل أكان، ﴿ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له، عن ابن عباس : إن الهدهد يدل سليمان على الماء ينظر الماء تحت الأرض، ويعرف كم مساحة بعده، ويخبره فيأمر الجن بالحفر، فنزل بفلاة يوما ولم يجده فقال :
﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾، بحجة تبين عذره، حلف على أحد الثلاثة التعذيب أو الذبح أو العفو بشرط العذر، أو الحلف على الأولين إن لم يكن الثالث، والثالث للتقابل، أدخل في سلكهما لا أنه محلوف عليه بالحقيقة،
﴿ فَمَكَثَ ﴾ الهدهد، ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ : زمانا غير مديد، ﴿ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ : علمت ما لم تعلمه، ﴿ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ ﴾ : مدينة باليمن، أو اسم قبيلة هم ملوك اليمن، ﴿ بِنَبَإٍ ﴾ : بخبر، ﴿ يَقِينٍ ﴾
﴿ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً ﴾ أي : بلقيس، ﴿ تَمْلِكُهُمْ ﴾ الضمير للسبإ باعتبار أهلها، ﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾، يحتاج إليه الملوك، ﴿ وَلَهَا عَرْش عَظِيمٌ ﴾ بالنسبة إلى عروش أمثالها من ذهب مكلل بأنواع الجواهر،
﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ : فلا يهتدون إلى قبائح أعمالهم، ﴿ فَصَدَّهُمْ ﴾ : منعهم، ﴿ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ : طريق الحق، ﴿ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ إليه،
﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا ﴾ أي : صدهم أو زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا، ومن قرأ ( ألا ) بالتخفيف، فمعناه : ألا يا قوم اسجدوا، وهو استئناف أمر من الله بالسجود، أو من الهدهد، أو من سليمان، ﴿ لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ﴾ : يظهر ما خفي في غيره، وهو عام لإنزال المطر، وإنبات النبات، وإنشاء البنين، والبنات، وغيرها، ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ فله استحقاق السجود لا لكرة تدور على الفلك بأمر مديرها،
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم ﴾ : المحيط بجملةالمكونات،
﴿ قَالَ ﴾ سليمان :﴿ سَنَنظُرُ ﴾، نتعرف من النظر بمعنى التأمل، ﴿ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ أي : أم كذبت فالتغير للمبالغة، ومحافظ الفواصل،
﴿ اذْهَب بِّكِتَابِيهَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾، تنح عنهم إلى مكان قريب، ﴿ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ : يردون بالجواب، أو ماذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول،
﴿ قَالَتْ ﴾ بعدما ألقي الكتاب إليها، ﴿ يَا أَيُّهَا المَلَأُ ﴾ خاطبت عظماء قومها، ﴿ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ لوجازته وفصاحته، أو لأنه مختوم أو لشرف صاحبه، أو لغرابته من جهات،
﴿ إِنَّهُمِن سُلَيْمَانَ ﴾ استئناف، ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي : المكتوب أو المضمون، ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، وعن السلف لم يكتب أحد قلبه البسملة،
﴿ ألَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ﴾ أي : المقصود ألا تتكبروا علي، أو عليكم أن لا تتكبروا علي، ف( أن ) مصدرية، ﴿ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ : مؤمنين أو منقادين لما أظهر عندهم المعجزة، وهي إلقاء الكتاب على تلك الحالة أمرهم بالإسلام والانقياد، ونقل بعض المفسرين أن عبارة الكتاب ﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ الآية، فعلى هذا لما قالت :﴿ ألقى إلى كتاب كريم ﴾ كأن سائلا قال : بين لي مضمونه ومكتوبه ؟ فأجابت وقرأت، وعن بعضهم إن عبارته : من عبد الله سليمان ابن داود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمان الرحيم السلام على من ابتع الهدى، أما بعد : فلا تعلوا على وأتوني مسلمين، فحينئذ كأن سائلا يقول : بعدما قالت : ألقي إلي، ما فيه ؟ فقالت : إن مضمونه، وما فيه من سليمان، وإن فيه بسم الله الرحمان الرحيم إلخ، وترك الواو في ﴿ ألا تعلوا ﴾ ليدل على أنه المقصود من الكتاب.
﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ﴾ : أجيبوا لي في أمري الحادث، ﴿ مَا كُنتُ قَاطِعَةً ﴾ : فاصلة، ﴿ أَمْرًا ﴾ : ما أبته، ﴿ حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ : إلا بمحضركم،
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ ﴾ : عدد كثير، ﴿ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ : بلاء ونجدة في الحرب كان الملأ ثلاثمائة واثنا عشر أميرا مع كل منهم عشرة آلاف، ﴿ وَالْأَمْرُ ﴾ موكول، ﴿ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ : من المقاتلة والصلح نطعك،
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً ﴾ عنوة وقهرا، ﴿ أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾، ذكرت لهم عاقبة الحرب، وسوء مغبتها، وأنها سجال لا يدري عاقبتها، ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ هو من كلام الله تصديقا لها، وقيل : من تتمة كلامها تقريرا، وتأكيدا لما وصفت،
﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ ﴾ : بأيادي رسل، ﴿ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ : بأي شيء يرجعون من حالة حتى أعمل بحسب ذلك، عن ابن عباس وغيره قالت : إن قبل الهدية فهو ملك نحاربه، وإن لم يقبل فهو نبي نتبعه،
﴿ فَلَمَّا جَاء ﴾ ما أهدى إليه أو الرسول، ﴿ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ ﴾ خطاب للرسل، أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب، ﴿ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ ﴾ : من النبوة والملك والمال، ﴿ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم ﴾ فلا وقع لهديتكم عندي ﴿ بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ ﴾ التي يرسل بها بعضكم إلى بعض، ﴿ تَفْرَحُونَ ﴾ أو بل أنتم بهذه الهدية التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك، بأنكم قدرتم على إهداء مثلها، وأما أنا فغني عنها، وقيل معناه : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم، وتفرحوا بها، فيكون عبارة عن الرد، والهدية الذهب والجواهر مع الجواري والغلمان
﴿ ارْجِعْ ﴾ أيها الرسول، ﴿ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ ﴾ : لا طاقة، ﴿ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا ﴾، من بلدتهم، ﴿ أَذِلَّةً ﴾، ذليلين بذهاب أسباب عزهم، ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ : أسراء،
﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ لما وصف الهدهد عرشها أعجبه فأراد أن يأخذه قبل إسلامها، لأنه يحرم عليه أموالهم بعد الإسلام، أو طلب عرشها ليريها معجزة أخرى، أو أراد اختبار عقلها بأن تعرف عرشها،
﴿ قَالَ عِفْريتٌ ﴾ : خبيث قوي، ﴿ مِّنَ الْجِنِّ ﴾ بيان له، ﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ : من مجلسك للحكومة، وكان يجلس إلى نصف النهار، ﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ ﴾ : على حمله، ﴿ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ على ما فيه الجواهر، فقال سليمان : أريد أسرعمن هذا،
﴿ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ﴾ جنس الكتب السماوية، وهو آصف كاتبه صديق يعلم اسم الله الأعظم، وعن بعض هو خضر، وكان عرشها في اليمن وسليمان في بيت المقدس، ﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ أي : قبل أن ترد طرفك التي أرسلت نحو شيء، وهذا مثل في الإسراع، وآتيك في الموضعين يحتمل الفعل واسم الفاعل، ﴿ فَلَمَّا رَآهُ ﴾ : العرش، ﴿ مُسْتَقِرًّا ﴾ : حاصلا، ﴿ عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ اعتراف بأنه فضل، وهو غير مستحق به، ﴿ لِيَبْلُوَنِي ﴾ : يعامل معي معاملة من يختبر بعده، ﴿ أَأَشْكُرُ ﴾ نعمه فأرى ذلك من فضله بلا حول ولا قوة مني، ﴿ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ بأن أرى نفسي مستحقا له أقصر في أداء مواجبه، والفعلان بدلان من مفعول يبلو، ﴿ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِه ﴾ ترجع فوائده إليه، ﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن شكره، ﴿ كَرِيمٌ ﴾ بالإفضال على من يكفر،
﴿ قَالَ نَكِّرُوا ﴾ : غيروا، ﴿ لَهَا عَرْشَهَا ﴾ بتقديم شيء، وتأخير شيء من أجزائه، وتبديل جواهره عن مكانها، ﴿ نَنظُرْ ﴾ جواب الأمر، ﴿ أَتَهْتَدِي ﴾ : إلى أنه عرشها، ﴿ أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ : بلهاء لا تعرف شيئا إذا ذكرت عندها بسخافة العقل،
﴿ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ رعت الحزم فما جزمت لقيام احتمال عقلي، وهذا من ذكائها، ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ﴾ بصحة نبوته، ﴿ مِن قَبْلِهَا ﴾ : قبل تلك المعجزة التي رأيناها اليوم، ﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ : منقادين له قبل مجيئنا،
﴿ وَصَدَّهَا ﴾ : منعها، ﴿ مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ : عبادتها الشمس عن التقدم إلى الإسلام، ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾، مستأنفة بمنزلة العلة، وقوله :﴿ وصدها ﴾ إلى هنا إما من كلام الله، أو من كلام سليمان، أو قوله :﴿ وأوتينا العلم ﴾ إلخ من كلام سليمان وقومه عطفوه على جوابها ؛ لأنه لاح من جوابها إيمانها بالله ورسوله، حيث جوزت خرق العادة الذي هو من معجزات الأنبياء أي : وأوتينا العلم بالله قلبها، وكنا منقادين لم نزل على دين الله، وغرضهم من هذا الحديث التحدث بنعم الله شكرا له، وقيل معناه : وصد سليمان بلقيس عن عبادة الشمس، أو صدها عن التوحيد عبادتها للشمس وكونها نشأت بين أظهر المشركين لا سخافة عقلها كما قيل،
﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ﴾ القصر أمر قبل قدومها فبُنيَ صحنه من زجاج أبيض وتحته الماء، وألقي فيه حيوانات البحر، ووضع سريره في صدره، ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾ ماءا راكدا، ﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ وإنما فعل ذلك ليريها عظمته ومعجزته، أو لأنه أراد أن يتزوجها، وقد قيل له : إن قديمها كحافر حمار، فأراد أن يبصرها فرأى أحسن الناس ساقا، ﴿ قَالَ ﴾ لها :﴿ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ ﴾، مملس، ﴿ مِّن قَوَارِيرَ ﴾ : زجاج فلا تخافي ولا تكشفي عن ساقيك، ﴿ قَالَتْ ﴾ لما رأت معجزته ودعاها إلى الإسلام، ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ بالشرك، ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فيما أمر به عباده.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ ﴾ أي : بأن، ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ ﴾ : فريق مؤمن وفريق كافر، ﴿ يَخْتَصِمُونَ ﴾، واختصامهم ما مر في سورة الأعراف ﴿ قل الذين استكبروا ﴾ [ الأعراف : ٧٥ ] الآية،
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ : بالعقوبة فتقولون : ائتنا بما تعدنا، ﴿ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ : التوبة، فتؤخرونها إلى نزول العذاب، كانوا يقولون إن صدق إيعاده : تبنا حينئذ، زاعمين أنها مقبولة حينئذ، فخاطبهم على حسب اعتقادهم، ﴿ لَوْلَا ﴾ : هلا، ﴿ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ﴾ قبل العذاب، ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ فإنها لا تقبل حينئذ،
﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا ﴾ : تشاءمنا، ﴿ بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ﴾ فإنهم قحطوا وتفرقت كلمتهم منذ كذبوه، ﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ﴾ أي : شؤمكم عنده أتاكم منه بكفركم، ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ : تختبرون بالخير والشر، أضرب عن بيان الطائر إلى ذكر ما هو الداعي إلى الضراء،
﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ : في مدينة ثمود، ﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ ﴾ أي : أنفس، وقع تميزا للتسعة، لأنه بمعنى الجماعة، وهو من الثلاثة أو من السبعة إلى العشرة، وهم الذين عقروا الناقة أبناء أشرافهم، ﴿ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ يعني : أعمالهم محض فساد،
﴿ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ﴾ أي : قال بعضهم لبعض احلفوا، ﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ ﴾ أي : لنقتلنه ليلا، ﴿ وَأَهْلَهُ ﴾، والبينات : مباغتة العدو ليلا، ﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾ لولي دمه، ﴿ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾ : ما حضرنا إهلاكهم، ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ أي : ونحلف إنا لصادقون، أو نقول له ذلك، والحال إنا عند الناس عظماء صادقون قيل : إنا صادقون في ذلك القول لأنا ما حضرنا مهلكهم وحده، بل مهلكه ومهلكهم كأن الكذب عندهم أقبح من قتل نبي الله والمؤمنين،
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا ﴾ بتلك المواضعة، ﴿ وَمَكَرْنَا مَكْرًا ﴾ : جازيناهم على ذلك، ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ بمكرنا،
﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ﴾ فإنهم لما خرجوا لإهلاكهم بعد عقر الناقة دمغتهم الملائكة بالحجارة، أو جثم عليهم جبل فماتوا، ﴿ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ : وإهلاكهم بالصيحة، وقراءة ( إنا ) بكسر الهمزة بالاستئناف، وخبر كان ( كيف )، وإن جعلتها تامة ف ( كيف ) حال، أو بدل،
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ﴾ : خالية أو ساقطة، حال عاملها معنى الإشارة، ﴿ بِمَا ظَلَمُوا ﴾ : بسبب ظلمهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ فإن الجهل لا يتأملون حتى يتعظوا،
﴿ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ : صالحا ومن معه،
﴿ وَلُوطًا ﴾ أي : اذكره، ﴿ إِذْ قَالَ ﴾ بدل، ﴿ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ﴾ كأنها لقبحها ليست الفاحشة إلا إياها، ﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ : يبصر بعضكم بعضا لا تستترون، وتأتون في ناديكم المنكر، أو تعلمون أنها فاحشة،
﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ﴾ : تتركون المانع الشرعي والزاجر العقلي بمجرد شهوة، ﴿ مِّن دُونِ النِّسَاء ﴾ التي لا مانع لها لا شرعيا ولا طبعيا، ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ : سفهاء، ولما كان القوم في معنى المخاطب ذكر الفعل بصيغة الخطاب،
﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ : يتنزهون عن أفعالنا ويعدونها أقذارا، وعن ابن عباس : هذا استهزاء،
﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ أي : قدرنا كونها من الباقين في العذاب،
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ﴾ : هو الحجارة، ﴿ فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ قد مر إعرابه في آخر سورة الشعراء فتذكر،
﴿ قُلِ ﴾ يا محمد :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ أمره أن يحمد على نصرة أوليائه وإهلاك أعدائه وأن السلام على عباد الله المصطفين الأخيار، وهم الأنبياء، وهن ابن عباس هم الصحابة اصطفاهم لنبيه رضي الله عنهم، ﴿ آللَّهُ ﴾ الذي نجّي من وحّده من الهلاك، ﴿ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ الأصنام التي لم تغن شيئا عن عابديها، وهو إلزام لهم وتسفيه لرأيهم، فمن المعلوم ألا خير فيما أشركوه أصلا.
﴿ أَمَّنْ ﴾ بل أمّن، ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ قيل : تقديره أما يشركون خير أمّن خلق السماوات والأرض، ﴿ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ ﴾ عدل إلى التكلم، للتنبيه على أن الإنبات الذي هو عندكم من أنفع الأشياء مختص لا يقدر عليه غيره، ﴿ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ : بساتين ذات حسن، ﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ ﴾ ليس في قدرتكم، ﴿ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ : أغيره يقرن به، ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ عن الحق،
﴿ أَمَّن جَعَلَ ﴾ بدل من ( أمّن خلق )، ﴿ الْأَرْضَ قَرَارًا ﴾ : دحاها وسواها للاستقرار، ﴿ وَجَعَلَ خِلَالَهَا ﴾ : وسطها، ﴿ أَنْهَارًا ﴾ جارية، ﴿ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ : جبالا ثوابت، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ : العذب والمالح، ﴿ حَاجِزًا ﴾ : مانعا من قدرته لا يختلطان كما مر في سورة الفرقان، ﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ : جهلاء،
﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ الكفرة يعترفون بذلك لا يلجئون في حال الاضطراب إلا إليه، ﴿ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ ﴾ : سكانها يهلك قرنا وينشئ آخر، ﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ ( ما ) صلة، أي : تذكرون ذكرا قليلا لا يترتب عليه نفع، أو المراد من القلة العدم،
﴿ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ بما خلق من الدلائل السماوية كالنجوم، والأرضية كالجبال، ﴿ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا ﴾ : مبشرات، ﴿ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ : قدام المطر، ﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ يقدر على مثله، ﴿ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
﴿ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ الكفرة وإن أنكروا الإعادة، لكن كانت مبينة بالحجج الواضحة فهي ثابتة، ﴿ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ ﴾ بأسباب سماوية وأرضية، ﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ يفعل ذلك، ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على أن مع الله إلها آخر، ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، في دعواكم،
﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾، لما بين اختصاصه بكمال القدرة أتبعه ما هو كاللازم له، وهو التفرد بعلم الغيب، وقد ذكر أنها نزلت حين سأل المشركون متى البعث والإعادة، والاستثناء منقطع، ورفعه على لغة بني تميم، واختيار تلك اللغة لنكتة، وهي المبالغة في نفي علم الغيب عن غيره كما قالوا في :
وبلدة ليس بها أنيس *** إلا اليعافير وإلا العيس
والمراد بمن فيهما الموجودون، فإن العوام يحسبون أن كل موجود فيهما البتة، فعلى هذا الاستثناء متصل، ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ : متى ينشرون،
﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴾ انتهى واضمحل، في شأن الآخرة لا يقرون بوجوده سيما بوقته، وقراءة ( ادّراك ). بمعناه، أي : تتابع حتى انقطع قيل : بمعنى تلاحق، وتساوى أي : هم في الجهل في أمر الآخرة سواء، أو بمعنى أدرك وانتهى وتكامل وإدراك : تتابع، واستحكم علمهم في يوم القيامة حين عاينوها، ولا ينفعهم العلم كما قال تعالى :﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ﴾ [ مريم : ٣٨ ]، الآية، ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ﴾ أي : لا يقرون بوجودها، بل هم الشك فيها فإن عدم الإقرار بشيء قد يكون لعدم التوجه إليه، وقد يكون بعده، والثاني أقبح، ويحسن الإضراب، ﴿ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾ : عيون قلوبهم عمي، ومنشؤ عماهم الآخرة، فلذلك عداه بمن دون عن، فإن الكفر بها صيرهم أضل من البهائم، وهذا وإن كان خاصا بالمشركين ممن في السماوات والأرض، نسب إلى الجميع كما يسند فعل البعض إلى الكل.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾ من القبور أحياء، والعامل في ( إذا ) فعل يدل عليه ﴿ أئنا لمخرجون ﴾، وهو يخرج ؛ لأن ما بعد كل من الهمزة وإن واللام لا يعمل فيها قلبه، وتكرير الهمزة لتأكيد الإنكار،
﴿ لَقَدْ وعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل بعث محمد، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ : سمرهم وأكاذيبهم،
﴿ قُلْ ﴾ لهم :﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ حتى تعلموا أن هذا ليس بكذب وإسمار،
﴿ وَلَا تَحْزَنْ ﴾ يا محمد، ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ : على تكذيبهم وإعراضهم عنك، ﴿ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ ﴾ : حرج صدر، ﴿ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ : من مكرهم فإن الله يعصمك،
﴿ وَيَقُولُونَمَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾ : القيامة، وقيل : وعد العذاب، ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
﴿ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم ﴾، دنا لكم وتبعكم، ﴿ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ كيوم بدر، فإنه قامت فيه قيامتهم، وحكم لعل وعسى في مواعيد الملوك حكم الجزم، وإنما يطلقونه إظهارا لوقارهم، وأن الرمزة منهم كافية في الأغراض،
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ بتأخير عذابهم مع استحقاقهم، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾
﴿ وَإِنَّرَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ ﴾ : ما تخفي، ﴿ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
﴿ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ ﴾ : خافية، ﴿ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ : اللوح المحفوظ،
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ : كأمر عيسى وعزيز، وأحوال الجنة والنار،
﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ : فإنهم أهل الانتفاع به،
﴿ إِنَّرَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم ﴾ : بين المختلفين في الدين، ﴿ بِحُكْمِهِ ﴾ : بما يحكم به، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ : فلا يرد حكمه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بأحوال من يحكم عليه وله،
﴿ فَتَوَكَّلْعَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ : والحق يعلو ولا يعلى،
﴿ إِنَّكَلَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ : الكفار، فإنهم كالموتى في عدم الانتفاع بما يستمعون، ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ والكفار كالصم في تلك الحال، التي هي أبعد من الاستماع، فإن الأصم إذا كان قد يسمع،
﴿ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ﴾ : وهم عمي، ﴿ إِن تُسْمِعُ ﴾ سماع انتفاع، ﴿ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾ : من هو في علم الله مصدقا بآياتنا، ﴿ فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾ : مخلصون منقادون، فبلغ أنت رسالتك، ولا تضيق صدرك،
﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ ﴾ : وجب العذاب والسخط، ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ حين لا يقبل من كافر الإيمان، ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ ﴾ : من نفس مكة، أو من بواديها، وفي الحديث ( ( * )أول الآيات خروجا طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتها كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريب )، ﴿ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ من الكلام، أو من الكَلْم، أي : الجرح، فقد ورد إن عصا موسى تكون بيدها فتنكت في وجه المؤمنين نكتة بيضاء فتبيض منها وجوههم، وبيدها خاتم سليمان، وتنكت الكافر بها في وجهه فتسود منها وجوههم( ** )، وفي الشواذ ( تكَلْمهم ) بفتح التاء وجزم الكاف، ﴿ أَنَّ النَّاسَ ﴾ قرئ بفتح الهمزة وكسرها، ومن قال : إن هذا كلامها، فيكون تقديره : بأن الناس، والكسر لتضمين الكلام معنى القول، وعند من يقول : إنه من الكلم، أو كلامها إبطال كل دين سوى الإسلام، أو لعنة الله على الكافرين، فتقديره : لأن الناس علة لتكلمهم، أو لأخرجنا، وعلى كسرها مستأنفة، ﴿ كَانُوا بِآيَاتِنَا ﴾ يعني بخروجها، وسائر أحوالها، فإنهما من آيات الله، أو بالقرآن، فإن أكثر الناس حينئذ كفار، ﴿ لَا يُوقِنُونَ ﴾ وكلامها على بعض التوجيهات حكاية لقول الله.
﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ ( من ) للتبعيض، ﴿ فَوْجًا ﴾ : جماعة، ﴿ مِّمَّن ﴾ ( من ) للبيان، ﴿ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ يحبس أولهم على آخرهم ليجتمعوا، وهو عبارة عن كثرتهم،
﴿ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا ﴾ إلى المحشر، ﴿ قَالَ ﴾ الله لهم :﴿ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا ﴾ الواو للحال أي : أكذبتموها بادئ الرأي من غير إحاطة علم بكنهها أو للعطف، أي : أجمعتم بين التكذيب، وعدم التأمل لتحققها ﴿ أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أم أي شيء كنتم تعملون بها بعد ذلك ؟ ! وهذا توبيخ وتبكيت كما تقول لعبدك الذي أكل مالك، وأنت تعلمه : أكلته أم بعته أم ضل عنك أم ماذا عملت به ؟ !
﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم ﴾ حل عليهم العذاب الموعود، ﴿ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ﴾ بحجة وعذر في جواب هذا السؤال عنهم،
﴿ أَلَمْ يَرَوْا ﴾ ألم ينظروا ويتفكروا ؟ ﴿ أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ بالقرار والنوم، ﴿ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ في نصب مبصرا بالحال مبالغة، فإن ما هو حال لأهلك جعله من أحواله يعني : لو تأملوا لعلموا كمال قدرته ولطفه على خلقه، فما أنكروا الحشر وشكروا نعمه فما أشركوا به، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ فإنهم المتأملون في مثل تلك الآيات،
﴿ وَيَوْمَ ﴾ أي : اذكر يوم، ﴿ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ﴾ : قرن ينفخ فيه إسرافيل في آخر عمر الدنيا، والمراد الزمان الممتد الشامل لزمان النفختين، ﴿ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ﴾ من الهول، وعن بعضهم معناه يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا، ﴿ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ﴾، عن كثير من السلف : هم الشهداء لا يصل إليهم الفزع أحياء عند ربهم، أو جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، لا يصل إليهم الفزع ثم يقبض أرواحهم، أو موسى بدل صعقته في الدنيا، أو الحور والرضوان ومالك والزبانية، وقيل غير ذلك، ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ ﴾ المراد حضورهم الموقف، ﴿ دَاخِرِينَ ﴾ : صاغرين،
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ﴾ : ثابتة في مكانها، ﴿ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ في السرعة والأجرام العظام إذا تحركت لا يكاد تتبين حركتها كالسحاب، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ ﴾ مصدر مؤكد لنفسه من مضمون ( يوم ينفخ ) الآية، ﴿ الَّذِي أَتْقَنَ ﴾ : أحكم ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ وأودع فيه من الحكم ما أودع، ﴿ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ فيجازيهم عليه،
﴿ مَن جَاء ﴾ في ذلك اليوم، ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ : كلمة التوحيد، والإخلاص، ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ﴾ : رضوان الله، أو تضعيف حسنته، ﴿ وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ نوع فزع، وهو فزع دخول النار، أو الفزع مطلقه،
﴿ وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أجمع السلف على أن المراد من السيئة هنا الشرك، ﴿ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾، المراد من الوجوه : الأنفس، أو ذكر الوجوه للإيذان بأنهم يكبون فيها منكوسين، ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي : قيل لهم ذلك،
﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾ أمر رسوله أن يقول لهم ذلك، والبلدة مكة حرم الله صيدها ونباتها وأشجارها ولقطتها، ﴿ وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴾ : ملكا، ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ لله،
﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ﴾ على الناس، ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى ﴾ : بالقبول والاتباع، ﴿ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ﴾ لا ينفع إلا نفسه، ﴿ وَمَن ضَلّ ﴾ : بعدم القبول والاتباع، ﴿ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴾ فلا علي من ضلالكم شيء،
﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ على ما أنعم علي من النبوة والعلم، ﴿ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ في الدنيا كوقعة بدر، ﴿ فَتَعْرِفُونَهَا ﴾ حين لا ينفعكم، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ فتأخير العذاب ليس لغفلة، بل لرحمة.
والحمد لله رب العالمين.