تفسير سورة الطارق

مراح لبيد
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة الطارق
مكية، سبع عشرة آية، اثنتان وسبعون كلمة، مائتان وواحد وسبعون حرفا
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) أي الظاهر في الليل وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) أي وأي شيء أعلمك يا أشرف الرسل ما الطارق قال سفيان بن عيينة: كل شيء في القرآن ما أدراك فقد أخبر الله الرسول به، وكل شيء فيه وما يدريك لم يخبره به النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف وقع جوابا عن استفهام أي هو النجم المضيء في الغاية كأنه يثقب الأفلاك بضوئه، وينفذ فيها قيل: هو النجم الذي يقال له كوكب الصبح، وهو النجم الذي يهتدى به في ظلمات البر والبحر، ويوقف به على أوقات الأمطار، أو هو جنس الشهب الذي يرجم بها، ووصف النجم بكونه طارقا لأنه يبدو بالليل أو لأنه يطرق الجني أن يصكه، وقال محمد بن الحسين، والفراء: إنه زحل لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات، وقال ابن زيد: هو الثريا، وقال ابن عباس: هو الجدي، وقال علي: هو نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، وهو زحل، فهو طارق حين ينزل وحين يصعد، وقال آخرون: إنه الشهب التي يرجم بها الشياطين لقوله تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات: ١٠]
روي أن أبا طالب أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأت الأرض نورا ففزع أبو طالب، وقال: أي شيء هذا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله» فعجب أبو طالب، فنزلت هذه السورة
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)، وهذا جواب للقسم، و «إن» نافية و «لما» بمعنى إلا، أي ما كل نفس إلا عليها رقيب، وهو الله تعالى وهذا بالتشديد على قراءة عاصم، وحمزة، وابن عامر، والنخعي أما على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، ونافع، والكسائي، وهي بتخفيف الميم ف «إن» مخففة من الثقيلة واللام في «لما» مخلصة من «إن» النافية وما صلة أي إن الشأن كل نفس برة أو فاجرة لعليها من يحصي عليها ما تكسب من خير وشر وهم الملائكة. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ أبو طالب وغيره مِمَّ خُلِقَ (٥) أي من أي شيء خلق نفسه خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦)، وهو استئناف وقع جوابا عن استفهام أي خلق الإنسان من ماء ذي سيلان بسرعة في رحم المرأة يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧)
أي من صلب ماء الرجل، ومن عظام صدر المرأة، وقال الحسن: يخرج من صلب الرجل وترائبه، ومن صلب المرأة وترائبها، وحكى القرطبي أن ماء الرجل ينزل من الدماغ، ثم يتجمع في الأنثيين إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) أي إن الذي خلق الإنسان ابتداء قادر على رده حيا بعد موته.
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) أي يظهر ما أخفي من الأعمال، وما أسر في القلوب من العقائد، والنيات، وهو يوم القيامة. قال ابن عمر رضي الله عنهما: يبدي الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا في الوجوه وشينا في الوجوه هذا إن أريد برجعه نشر الإنسان يوم القيامة، ف «يوم» ظرف نرجعه فلا يوقف على قوله تعالى: لَقادِرٌ وإن أريد برجعه رد الماء إلى الإحليل كما قاله مجاهد، أو إلى الصلب كما قاله عكرمة، والضحاك، أورد الإنسان ماء كما كان قبل كما قاله الضحاك أيضا ف «يوم» منصوب بمضمر أي واذكر «يوم» فالوقف على «لقادر» كاف كالوقف على «السرائر» إلا إذا جرينا على قول الرازي: إن «يوم» منصوب بقوله: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ فلا وقف على السرائر فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) أي فما للإنسان شيء من قوة يدفع به عن نفسه ما جاء من عذاب الله، ولا أحد من الأنصار ينصره في دفعه،
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) أي ذات المطر بعد المطر حينا بعد حين، وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) أي ذات النبات لأن الأرض تنصدع بالنبات كما قاله الليث. إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) أي إن ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم في اليوم الذي تبلى سرائركم فيه لقول حق، وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) أي ليس ذلك الخبر بالباطل وهذا كما قاله القفال، لكن أكثر المفسرين قالوا: أي أن القرآن الذي أخبر بمبدأ حال الإنسان ومعاده لقول مبين، حق، وقاطع شر، وليس في شيء منه لعب، بل كله جد محض فمن حقه أن يهتدي به الغواة وتخضع له رقاب العتاة. إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) أي إن أهل مكة يمكرون في إبطال أمر القرآن وإطفاء نوره، وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) أي أقابلهم بكيد قوي لا يمكن رده حيث أمهلهم على كفرهم حتى آخذهم على غرة فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أي لا تستعجل يا أشرف الخلق بالدعاء عليهم بإهلاكهم أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧) أي أمهلهم على مهلة قريبة إلى يوم القيامة أو أمهلهم إمهالا قليلا إلى يوم بدر ف «رويدا» إما مصدر مؤكد لمعنى العامل، أو نعت لمصدره المحذوف.
Icon