بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لم يكن( ١ ) مكية( ٢ )٢ ساقط من ث. وفي أ: مدينة، وفي الكشف ٢/٣٨٥: مكية. وهذا قول عائشة كما في الدر ٨/٥٨٥ وقول ابن عباس كما في البحر ٨/٤٩٨ وعزاه إلى الجمهور، وقول يحيى بن سلام كما في تفسير الماوردي ٤/٤٩٣. وهو الأشهر عند ابن الفرس. ونقل أبو حيان عن ابن عطية أنها مدينة في قول ابن الزبير وعطاء بن يسار. وعزاه الماوردي إلى الجمهور ورجحه، وانظر: ما أورده ابن كثير في تفسيره ٤/٥٧٣ من الأخبار الثابتة التي تدل على أنها مدينة. وهو الأصح أيضا عند الآلوسي في روح المعاني ٣٠/٢٥٦..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لم يكنمكية
قوله: ﴿لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ﴾ إلى آخرها.
معناه: لم يكن الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من عبدة الأوثان منتهين عن كفرهم حتى يأتيهم القرآن.
قال مجاهد: معناه: لم يكونوا لينتهوا حتى يتبين لهم الحق.
وقيل: معناه: لم يكونوا تاركين ما عندهم من ذكر محمد ﷺ حتى يظهر، فلما
وقال عطاء: لم يكونوا زائلين عما هم عليه حتى [يجيئهم] الرسول (فبين لهم ضلالهم.
وقيل: معناه: لم يكونوا متفرقين إلا إذا جاءهم الرسول، لأنهم فارقوا ما كان عندهم من صفة الرسول) وكفروا بعد البيان، فيكون ﴿مُنفَكِّينَ﴾ على هذا من: انفك الشيء [من الشيء]، إذا فارقه، فلا [يحتاج] إلى خبر، وعلى القول الأول - وهو بمعنى زائلين -[فيحتاج] إلى خبر. وإنما عطف " المشركين " على " أهل " ولم يعطفوا على " الذين كفروا " فيرفعوا، لأن المعنى يتغير، فيصير الصنفان كلاهما من
وقوله: ﴿حتى تَأْتِيَهُمُ البينة﴾ أي: حتى يأتيهم محمد صلوات الله عليه. وقد بين البينة ما هي، فقال: ﴿رَسُولٌ مِّنَ الله﴾ " فرسول " بدل من " البينة ". وفي حرف أُبي: " رسول " بالنصب على الحال.
وقوله: ﴿يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً﴾ هو من نعت " رسول "، أي: يقرأ صحفاً مطهرة من الباطل، [وهي] القرآن.
ثم قال: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ أي: في الصحف كتب من الله عادلة مستقيمة لا خطأ فيها.
أن أمر محمد أنه نبي مرسل إلى [الخلق]، فلما بعثه الله نبياً تفرقوا فيه، فآمن به بعضهم وكفر به بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير متفرقين في أمره أنه نبي ﷺ.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين حُنَفَآءَ﴾.
أي: وما أمر أهل الكتاب إلا ليعبدوا الله وحده مفردين له بالطاعة لا يخلطونها بشرك، فأشركت اليهود بربها فقالت: ﴿عُزَيْرٌ ابن الله﴾ [التوبة: ٣٠]، وأشركت النصارى [فقالت: ﴿المسيح ابن الله﴾ [التوبة: ٣٠].
وجحد جميعهم نبوة محمد ﷺ.
ومعنى: " حنفاء ": مائلين عن كل دين إلى دين الإسلام. أي: وما تفرق اليهود والنصارى في أمر محمد فكذبوا به إلا من بعدما جاءهم ببيا.
قال قتادة: " [الحنيفية] الختان، وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات، والمناسك ".
وقال الضحاك: هو الحج.
وأصل الحنف في اللغة: الميل، فقيل للمائل عن الأديان إلى دين الإسلام ميلاً لا خلل فيه: " حنيف " وقد تقدم ذكره.
وقال الفراء: اللام في " ليعبدوا " لام " أن "، وهي لام " كي " عند البصريين،
و" مخلصين " و " حنفاء " نصب على الحال.
ثم قال: ﴿وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكاة﴾.
أي: وأمروا بإقامة الصلاة المفروضة وإيتاء الزكاة المفروضة، يخلصون فعل ذلك لله لا يريدون به غير الله.
روى ابن وهب - (يرفعه) إلى أبي تمامة - قال: [قال] الحواريون لعيسى: أخبرنا من المخلص لله. قال: الذي يعمل (لله)، لا يحب أن يحمده الناس عليه، قالوا: فمن الناصح لله؟ قال: الذي يبدأ/ بحق الله قبل حق الناس، ويؤثر حق الله على حق الناس، وإذا عرض له (أمران) أمر الدنيا وأمر الآخرة بدأ بأمر
ثم قال: ﴿وَذَلِكَ دِينُ القيمة﴾.
أي: وهذا الذي أمروا به هو دين المهلة المستقيمة ودين الجماعة المستقيمة لا يتم دين الإسلام إلا بذلك.
وهذا نص واضح على أن الإيمان قول وعمل بخلاف ما قاله المرجئة أن الإيمان قول لا غير، وقد قال تعالى: " ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ [آل عمران: ١٩] "، وبين هاهنا أن أقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإخلاص العمل لله هو الدين المستقيم العادل.
ثم قال: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾
أي: إن الذين جحدوا نبوة محمد ﷺ من اليهود والنصارى ومن عبدة الأوثان كلهم في نار جهنم خالدين فيها أبداً لا يخرجون ولا يموتون.
﴿أولئك هُمْ شَرُّ البرية﴾.
ي: هم شر من خلق الله.
ثم قال: ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾.
[أي]: آمنوا بالله ورسوله من أهل الكتاب وغيرهم وعملوا (الأعمال)
قال أنس: " سمعت رجلا قال للنبي ﷺ: يا خير البرية، فقال النبي ﷺ: ذلك إبراهيم ﷺ " وقد تعلق من فضل بني آدم على الملائكة ﴿خَيْرُ البرية﴾، وغلط في ذلك، إنما معناه: خير البرية ممن برأ الله في الأرض من الجن والإنس، فالملائكة غير داخلين في ذلك، دليله قوله تعالى حكاية عن إبليس إذا قال لآدم وحواء: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ﴾
[الأعراف: ٢٠]: أتراه قال لهما: أن تكونا [دون] من حالكما؟! فلو كان ذلك ما رغبا في الأكل منها، وإنما أكلاها طمعاً أن يكونا أشرف من حالهما فيكونا ملكين.
وقد قال الله تعالى لنبيه محمد: ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب ولا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام: ٥٠].
أتراه أمره أن ينفي عن نفسه منزلة جليلة، أو منزلة دون منزلته؟! بل ما [نفى] عن نفسه إلا منزلة رفيعة.
وكذلك قال نوح لقومه: ﴿ولا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام: ٥٠]، وهو كثير في
وقد قال (في قصة عيسى: ﴿وَلاَ الملائكة المقربون﴾ [النساء: ١٧٢]، فإنما ذكر الله أنه لا يستنكف عنه) أن يكون عبداً له المسيح ولا من هو أشرف منزلة منه وهم الملائكة المقربون.
وأيضاً فإن الملائكة صنف من خلق الله، وبنو آدم صنف، فلا يقع التفاضل بين صنفين مختلفين، وإنما يقع التفاضل بين بعض الصنف وبعض.
[ولعمري]، إن هذه المسألة من المسائل التي يكره للعلماء الكلام (فيها)، ولولا ما كثير الكلام فيها ما ذكرتها، ولكان السكوت عنها أحسن من الكلام، لأن الله لم يتعبدنا بذلك، أسأل الله التوفيق والعفو عن [الزلل] بمنه وفضله.
ثم قال: ﴿جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار﴾.
أي: ثواب هؤلاء الذين آمنوا وعملوا [الصالحات] عند ربهم يوم القيامة
ثم قال: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.
أي: هذا الجزاء الذي ذكر ووصف هو لمن خاف الله في الدنيا سراً وعلانية، واتقاه بأداء فرائضه واجتنابه محارمه.