ﰡ
قراءات :
قرأ قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب : طاها، هكذا. وقرأ حمزة والكسائي وخلَف وابو بكر : طه بالإمالة.
ابتدأ الله تعالى السورةَ بهذه الحروف، لتحدّي المنكِرين والإشارة إلى أن القرآن مكون من هذه الحروف التي تتكلمون بها، ومع ذلك عجزتم عن الإتيان بسورة قصيرةٍ أو آيات مثله.
ما أنزلْنا عليك القرآن لتُتعب نفسك في مكابدة الشدائد، وتتحسَّر على عدم إيمان من تدعوه، بل أنزلْناهُ عليك لتبلِّغَ وتذكِّر، وقد فعلت.
قال الواحدي وغيرُه من المفسرين في أسباب النزول : قال ابو جهل والنضرُ بن الحارث، والوليد بن المغيرة، والمطعِم بن عَدِي للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك لتَتشقى بتركِ ديننا، لما رأوا من طول عبادته واجتهادهِ، فأنزلَ الله تعالى :﴿ طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى ﴾.
يخشى : يخاف الله.
ولكن أنزلناه تذكيراً لمن يخافُ الله ويطيعه، فحسْبُك ما حملته من متاعب التبليغ والتبشير والانذار.
وفي هذا تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على ما كان يعتزّ به من التعب حين كان يدعو أولئك القوم، وهم معاندون جاحدون.
والذي نزّل القرآن عليك هو خالق الأرضِ والسماوات العلى.
استوى : استولى عليه، ولهذه الكلمة عدة معان.
إنه هو الرحمن، نزّله عليك من الملأ العلى. لقد استوى على العرش.
وبيدِه زمامُ الأمر كله، وله وحدَه سبحانه ملكُ السموات وما فيها والأرض وما فيها وما عيلها. لقد شملت قدرتُه كل شيء، واحاط علمُه بهذا الكون.
فان تجهر بالدعاء يعلمه الله، لأنه يعلم حتى ما تحدِّثُ به نفسك، ﴿ والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ [ آل عمران : ١٥٤ ].
هل بلغكَ أيها النبيُّ، خبرُ موسى وكيف كان بدء الوحي إليه..
آنستُ : أبصرت، ولها معان اخرى. بقبس : بشعلة من نار على رأس عود.
لقد أبصر ناراً في مسيره ليلاً من مَدْيَنَ ومعه زوجتُه وبعضُ اهله.
فقال لزوجته ومن معها من أهلِه : انتظِروا في مكانكم، إني أبصرتُ نارا، وأرجو أن أَجيئكم بشُعلة منها، أو أجدَ حول النار من يهديني الطريق. وفي سورة القصص ٢٩ ﴿ لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ هذا يدلّ على أنه كان هناك بعضُ البرد، والجذوة : الجمرة.
قراءات :
قرأ حمزة : فقال لأهلهُ امكثوا، بضم هاء لأهله. والباقون لأهله بكسر الهاء.
فإذا بالصوت يقول له : إني أنا اللهُ ربك، فاخلَعْ نعلَيك احتراماً للبقعة المقدَّسة، وتكريماً للموقف، فإنك بالوادي المطهَّر المبارك المسمَّى « طوى ».
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو : أني أنا ربك بفتح همزة أني. والباقون إني بكسر الهمزة.
قراءات :
قرأ حمزة : وأنا اخترناك، بصيغة الجمع. والباقون : وأنا اخترتك كما هو في المصحف.
ثم بين الله له أهم ما أوحى اليه :
﴿ إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكريا ﴾.
لقد عرّفه اللهُ بنفسه وأنه إله واحد إلا هو. ثم بعد ذلك أمرَه بعبادته دون غيره، وأن يقيم الصلاة على أحسن وجهٍ ليذكره دائما. فهذان أمران من الأصول : توحيدُ الله، وعبادته بالإخلاص.
ثم بين الأصلَ الثالث المهم الذي ينكره المشركون والملحِدون. فقال :
﴿ إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى ﴾.
إن يوم القيامة آتٍ لا محالة، وإني أنا أُخفي توقيته ليُجزى كل عمل وتحاسَبَ كل نفس على ما عملتْ. وقد فسّر بعض المفسرين : أكاد أخفيها : أكاد أظهرها. وفي اللغة أخفَيْتُ الشيء أظهرته.
فلا يصرفنّك يا موسى عن الإيمان بالساعة والاستعدادِ لها من لا يؤمن بها، ولا يصدِّق بالبعث، فهو لا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا، فإن فعلتَ ذلك يا موسى هلكتَ.
أهشّ بها على غنمي : أخبط بها ورق الشجر لتأكله الغنم.
مآرب : واحدها مأرب، ومأربة : الحاجة.
فقال موسى مجيبا : إنها عصايَ، أعتمدُ عليها في سَيري، وتوقفي، وأسوق بها غنمي، وأضرب بها ورق الشجر ليسقط وتأكله الغنم، وليَ فيها حاجاتٌ ومنافع اخرى.
قال الله لموسى : ارمِ بها على الأرض.
﴿ قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى ﴾. فألقاها فإذا هي ثعبانٌ عظيم ينتقل من مكان الى مكان. وكانت مفاجأةً لموسى جعلتْه يهرب منها كما جاء في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ [ النمل : ١٠ ] [ القصص : ٣١ ].
فلما خافَ منها طمأنَهُ الله وأمره بأخذِها وهي على حالها :
خذها بيمينك ولا تخف منها، إنا سنرجعها الى حالتها الأولى التي كانت عليها من قبل عصا.
من غير سوء : من غير عاهة كالبرص.
آية اخرى : معجزة اخرى.
أدخِل يدك في جيبك ثم أخرجْها تخرجْ بيضاءَ ناصعةً من غير مرضٍ كالبرص وغيره وذلك لأن موسى كان أسمر، وكان خروجُ يده بيضاء تتلألأ ويسطع منها النور معجزةً ثانيةً جعلَها الله له بعد العصا.
وبعد أن زوّده بهذه المعجزات أمره بالذهاب الى فرعون الطاغية فقال :
﴿ اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى ﴾.
اذهبْ الى الطاغية فرعون المتكبر، وادعُه الى الإيمان بالله الواحد الأحَد، فإنه تجاوز الحدَّ في كفره وطغيانه.
أن يشرح له صدره فلا يغضبَ بسرعة حتى يؤدي رسالته.
وأن يطلق حُبْسَة لسانه حتى يستطيع تبليغ رسالته.
ويُفهم الناس ما يقول.
أما الطلب الرابع فهو أن يمده بأخيه هارون يكون نبياً معه يُعينه ويساعده، لأن هارون كان فصيحا، وليّنا رقيقا، ووسيما، بخلاف موسى الذي كان حادَ الطبع سريع الغضب. وهذه أمور تعين الإنسان على أداء أكبر مهمة تناط به.
أما الطلب الرابع فهو أن يمده بأخيه هارون يكون نبياً معه يُعينه ويساعده، لأن هارون كان فصيحا، وليّنا رقيقا، ووسيما، بخلاف موسى الذي كان حادَ الطبع سريع الغضب. وهذه أمور تعين الإنسان على أداء أكبر مهمة تناط به.
قرأ ابن عامر : أشدد بهِ أزري بفتح همزة أشدد، والباقون : اشدد بهمزة وصل، فعل أمر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وزيرا : معينا.
أما الطلب الرابع فهو أن يمده بأخيه هارون يكون نبياً معه يُعينه ويساعده، لأن هارون كان فصيحا، وليّنا رقيقا، ووسيما، بخلاف موسى الذي كان حادَ الطبع سريع الغضب. وهذه أمور تعين الإنسان على أداء أكبر مهمة تناط به.
قراءات :
قرأ ابن عامر : أشركه في أمري : بضم همزة أشركه، والباقون : وأشركه : بفتح الهمزة.
لأنك تفضّلتَ علينا وكنت دائماً عليما بأحوالنا، ومتكفلاً بأمرنا.
بعد أن سأل موسى ربه فأطال السؤال، وبسط حاجته، وهو لا يزال في ذلك الموقف الكريم في ضيافة ربه، من عليه ربُّه وأجابه على سؤاله، قائلا : قد أعطيتُك ما سألتَ يا موسى.
ولقد سبق أن تفضّلنا عليك بمنةٍ أخرى من قبل.
وذلك حين ألهمنا أُمَّك إلهاماً كريما كانت فيه حياتك.
فاقذفيه في اليم : فألقيه في البحر.
ولتُصنع على عيني : ولتتربى برعايتي.
ألهمناها أن تضعَك في التابوت، ( وهو صندوق صغير ) ثم تلقي به في النِّيل، حتى تنجو أنتَ من فرعون، لأنه يقتل كُلَّ ذكر يولد في بني إسرائيل. وشاءت إرادتُنا أن يلقي النيل ذلك التابوت في بستانٍ لفرعون، عدوّي وعدّوك. وبينما فرعون جالس في ذلك البستان مع زوجته إذا بالتابوت يجري به الماء، فأمر فرعونُ غلمانه بإخراجه. وفتحوه فإذا فيه صبي لطيف. فأحبّه فرعون، وأمر أن يكون تحت رعايته.
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ على عيني ﴾.
وجعلتُ كل من رآك يُحبّك، ومن ثم أحبَّك فرعونُ وزوجته حتى قالت :﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ [ القصص : ٩ ]. وحتى تتربَّى برعايتي وكما أُحبّ.
وفتنّاك : اختبرناك.
مدْين : ببلد في شمال الحجاز معروفة الى الآن.
ورحمةً بأُمك، هيَّأتُ الظروف حتى جمعتُك بها، وكانت أُختك تمشي متتبّعةً التابوت حتى علمتْ أينَ ذهب. فجاءت متنكَرة الى قصر فرعون حيث وجدتْهم يطلبون لك مرضعا، فقالت : هل أدلُّكم على من يرضعه ويحفظه ويربيه ؟ قالوا : نعم، فجاءت بأُمك ورجعتَ إليها حتى تفرحَ وتُسَرَّ وتقر عينُها بك، ويزول عنها الحزن والقلق عليك.
وكنتَ قد قتلتَ نفساً من أهل مصر فنجّيناك مما لحقَكَ من الخوْفِ والغم، كما جاء في سورة القصص ١٥ :﴿ فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ ﴾ وهذا كما يأتي في سورة القصص : حين كبر وشبّ في قصر فرعون، ونزل المدينةَ يوماً فوجد فيها رجلَين يقتتلان : أحدُهما من شيعته والآخر من شيعة فرعون فاستغاثه الّذي هو من شِيعته، فوكز موسى المصريَّ بيده فسقط ميتاً. ولم يكن موسى ينوي قتله، فاغتمّ لذلك فهربَ الى مَدْيَن، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾.
اختبرناك اختباراً شديداً بالغُربة ومفارقة الأهل والوطن. وامتُحن بالخدمة ورعي الغنم، وهو ربيبُ القصور عند الملوك، وجازَ الامتحانَ ونجحَ في كل عمل عمله.
﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى ﴾.
ونجّيناك من الهمّ الذي لحق بك فذهبتَ الى مدين. وهناك لقيتَ شُعَيْب وتزوّجت ابنته على شرط أن ترعى له الغنم مدة، وأمضيتَها على أحسنِ حال، ثم عدتَ من مدين في الموعد الذي قدرناه لإرسالك.
لا تنيا : لا تقصرّا، لا تفترا.
في ذكري : في تبليغ رسالتي.
بعد أن أجاب الله موسى ما سأله، شرع الكتابُ الكريم يذكر الأوامر والنواهي التي طلب إليه الله أن يقوم بتنفيذها ويؤدي الرسالة على أكمل وجه.
اذهبْ أنت وأخوك الى فرعون، مؤيدين بمعجزاتي التي زودتك بها : العصا واليد البيضاء، وغيرها، كما قال تعالى في الآية ١٠١ من سورة الإسراء :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ ولا تتهاونا في تأديه الرسالة التي حمَّلتكم إياها.
ثم أرشدهما كيف تكونُ دعوتُهما لفرعون بقوله :
﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى ﴾.
فكلماه بكلامٍ رقيق لين، ليكون أوقعَ في نفسه، لعلَّه يجِيب دعوتكما الى الإيمان، ويخشى عاقبة كفره وطغيانه.
قال موسى وهارون متضرّعَين الى الله : يا ربّنا، إننا نعرف هذا الجبّارَ المتكبر، ونخشى أن يبادرَنا بالأذى والعقوبة، أو يزدادَ طغياناً وكفرا.
فلا يستطيع أن يُلحق بكما أذى.
اذهبا إلى فرعون فقولا له : إننا رسولان إليك من ربك، جئنا ندعوكَ الى الإيمان به، ونسألك أن تُطلق بني إسرائيل من الأسر والعذاب. وقد أتيناكَ بمعجزةٍ من الله تشهد لنا بصدق ما دعوناك إليه، ﴿ والسلام على مَنِ اتبع الهدى ﴾.
والسلامةُ والأمنُ من العذاب على من اتبع رسُلَ ربه، واهتدى بآياته التي ترشد الى الحق
قال فرعون وهو جالس في طغيانه وجبروته : مَن ربكما الذي أرسلكما يا موسى ؟
ثم هدى : ثم عرّفه كيف ينتفع بما أعطي له.
قالا : ربنا الذي منح نعمةَ الوجود لكل موجود، وأودع في كل شيء صفاتِهِ الخاصة، وخلَقَه على الصورة التي اختارها سبحانه له. ﴿ ثُمَّ هدى ﴾ ثم أرشده ووجَّه لما خُلق له.
فقال فرعون يحتج بالقرون الأولى الذين لم يعبدوا هذه الإله : وماذا جرى لها ؟
فأجابه موسى :﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾.
إن عِلْمَ هذه القرون عند ربّي، وهي من علوم الغيب، وهي مسجَّلة لديه في كتاب
لا يغيب عن علمه شيء منه، ولا ينساه.
وسلك لكم فيها سبلا : سهل لكم فيها طرقا.
أزواجا : أصنافا.
شتى : مختلفة النفع والطعم واللون.
ثم عاد إلى تتميم كلامه بإبراز الدلائل على الوجود فقال :
﴿ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً.... ﴾.
إنه هو الإله المتفضّل على عباده بالوجود والحفظ، مهَّد لكم الأرضَ فبسطها بقدرته وجعلها لكم كالفراش، وشقّ لكم فيها طرقاً تسلكونها. وأنزلَ المطر عليها تجري به الأنهار فيها، فأخرج أنواعَ النبات المختلفة في ألوانها وطعومها ومنافعها.
قراءات :
قرأ الكوفيون : مهدا. والباقون : مهادا بالجمع.
وقال لخلقه يوجِّههم الى الانتفاع بما أخرج من النبات، كلوا منها، وارعوا أنعامكم. إن في هذا الخلْق والإبداع والإنعام به دلائلَ واضحة، يهتدي بها أصحابُ العقول الى الايمان بالله ورسالاته.
﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى ﴾.
من تراب هذه الأرض خلقَ الله آدم وذريته، وإليها يردّهم بعد الموت، ومنها يُخرجهم أحياء مرة أخرى للبعث والجزاء.
ثم قال : فوالله لنأْتينَّك بسحرٍ مثلِ سحرك، فاجعلْ بيننا وبينك موعدا نجتمع فيه نحن وأنتم فنبطلَ ما جئتَ به بما عندنا من السِّحر، ولا يتخلَّفَ منكم أحد عن ذلك الموعد في مكانٍ مستوٍ مكشوف حتى يحضُرَه أكبرُ عددٍ من الناس.
يُحشر الناس : يجمعون فيه. فجمع كيده : ما يكيد به من السحرة وادواتهم.
قال موسى : ميعادُكم للاجتماع يوم عيدكم الذي تسمّونه يوم الزينة، فيجتمع الناس في ضحى ذلك اليوم، ليكون الحفل عاماً، وليشهدَ الناس ما يكون بيننا وبينكم.
قراءات :
قرأ ابن عمر وعاصم وحمزة ويعقوب : يومُ الزينة بضم ميم يوم. والباقون : يوم الزينة بنصب الميم.
فيسحتكم : يستأصلكم بعذاب شديد.
ثم أقبل في الموعد المحدد، وجلس على سرير ملكه وحوله أكابر دولته وأعوانه، واجتمع الناس ينتظرون، وجاء موسى يتوكأ على عصاه ومعه أخوه هارون وحدَهما
لا سند لهما ولا نصير إلا الله يسمع ويرى.
ووقف موسى وحذر السّحرة ﴿ قَالَ لَهُمْ موسى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى ﴾.
لا تختلقوا على الله الكذب، بزعمكم أن فرعون إله، وتكذِّبوا رسلَ الله، فإن فعلتم استأصلكم الله بعذابٍ شديد، وقد خابَ من افترى على الله الكذب.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب : فيُسحتكم : بضم الياء وكسر الحاء والباقون : فيَسحَتكم : بفتح الياء والحاء.
فلما سمع السحرةُ كلامَ موسى هاجوا وذُعروا، فتشاوروا فيما بينهم ماذا يفعلو، وبالغوا في كتمان ما يقولون عن موسى وأخيه حتى لا يسمعا ما يُقال عنهما.
ثم يبن الله خلاصة ما استقرّت عليه آراؤهم بعد التشاور السّريّ الذي خاضوا فيه.
إن هذا الرجلَ وأخاه ساحران خبيران بصناعة السِحر، وهما يعملان على إخراجكم من أرضكم، حتى تكون الرياسةُ لهم دونكم.
قراءات :
قرأ ابو عمرو : إن هذين لساحران، بتشديد إن ونصب هذين. وقرأ نافع وحمزة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم : إن هذان لساحران.
باسكان نون إن.
صفّا : مصطفين.
استعلى : غلب.
ثم بين السحرة ما يجب لمقابلة هذا الخطر الداهم فقالوا :
﴿ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى ﴾.
اجعلوا ما تكيدون به موسى أمراً متفقاً عليه، ثم احضُروا مصطفّين مجتمعين، وألقوا
ما في أيديكم دفعةً واحدة، لتكون لكم في نفوس الناسِ الهيبةُ والغلبة، وقد فاز اليومَ من غلب.
قراءات :
قرأ أبو عمرو وحده : فاجمعوا كيدكم، بهمزة الوصل وإسكان الجيم. والباقون : فأجمعوا كيدكم : بهمزة القطع.
وخُيّل لموسى أنها حقيقة من شدة سحرهم، وأحس بالخوف لِما رآه من أثر السحر.
فأدركه الله بلطفه فأوحى اليه قائلا :﴿ لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى ﴾ لا تخشَ شيئا، إنك انت الغالب المنتصر على باطلهم.
تلقف ما صنعوا : تبتلع كل حبالهم وعصيّهم.
حيث أتى : أينما كان.
ألقِ العصا التي بيمينك فإنها تبتلع ما زوّروا من السحر، فليس الذي فعلوه إلا كيد ساحر وكانت صنعة السحر هي الغالبة في ذلك الزمان، وكانوا يضعون الزئبق بطريقة خفية في الحبال والعصي، فعندما تتأثر بحرارة الشمس ( وجوُّ مصرَ حارٌّ ) تضطرب الحبال وتتحرك فيظنُّ من يراها أنها تسعى.
فلا تخفْ يا موسى، فالساحر لا يفلح. امتثل موسى أمر ربه، وألقى عصاه فاذا هي حية تسعى. بل إنها أخذت تلقف ما زوّروه من حبال وعصي وتبتلعها.
قراءات :
قرأ حفص : تلقفْ بفتح القاف وسكون الفاء. وقرأ ابن عامر : تلقّفُ : بتشديد القاف ورفع الفاء. والباقون : تلقف : بتشديد القاف وسكون الفاء. وقرأ حمزة : كيد سحر. والباقون كيد ساحر.
وقال رئيس السحرة : كنا نغلِب الناسَ بالسحر، فلو كان هذا سحرا فأين الذي ألقيناه من حبال وعصي، أي ذهبت ؟ ما هذه العصا الصغيرة التي تأكل كل ما عندنا ؟ إن هذا ليس سحرا، إنما هو شيء إلهي خارق للعادة ؟ ولذلك آمنوا وخرّوا ساجدين.
قال صاحب الكشّاف : سبحان الله، ما أعجبَ أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيَّهم للكفر الجحود، ثم ألقوا رؤوسَهم ساعةٍ للشكر والسجود ! ! وقال ابن عباس رضي الله عنه : كانوا أول النهار سحَرة، وفي آخره شهداء بررة، لأن فرعون قتلهم.
من خلاف : وذلك أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلا.
ولما خاف فرعون أن يصير إيمانهم سبباً لاقتداء الناس بهم في الإيمان.
قال فرعون : كيف تؤمنون به دون إذنٍ مني ؟ إنكم تلاميذُ موسى في السحر وهو كبيركم الذي علمكم إياه، وليس عمله معجزةً كما توهمتم.
ثم هددهم بالقتل والتعذيب تحذيراً لغيرهم من الاقتداء بموسى وهارون :
فقال :
﴿ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾.
وأقسم إني لأقطعنّ من كل واحدٍ منكم يدَه ورجلَه المختلفتين، يده اليمنى، ورجله اليسرى
ولم يكتفِ بذلك بل قال :﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾. زيادة في التعذيب والإيلام، وتشهيرا بهم. ولأجعلنكم مُثْلَةً يتعجّب منها الناس.
ثم يزيد استعلاء بقوته وجبروته فيقول :﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى ﴾.
وسوف ترون من هو الذي يكون أشدَّ عذاباً، أنا، أم إله موسى وهارون ؟
قراءات :
قرأ حفص وابن كثير وورش : أمنتم، فعل ماض على انه خبر. وقرأ الباقون : أآمنتم بهمزتين.
فَطرنا : خلقنا.
فاقض ما أنت قاض : اعمل ما تريد.
لم يكن يعلم أنه فاتَ الأوان، وأن الإيمان قد بلغ ذِروتَه في قلوبهم، وهانت عليهم نفوسُهم في الله، فلن يأبهوا لوعيده وتهديده، فأجابوه مطمئين :
﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات والذي فَطَرَنَا ﴾.
أراد فرعون من السحرة أن يرجعوا عن إيمانهم، فثبتوا عليه، ودفعوا تهديده بقولهم : لن نختارك على ما جاءنا من الهدى، وعلى خالِقنا الذي فطرنا وأنشأَنا من العدم.
﴿ فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ... ﴾
افعل ما تريد، إن سلطانك وحكمك لا يتجاوز هذه الحياة الدنيا.
﴿ والله خَيْرٌ وأبقى ﴾
خيرٌ منك يا فرعون ومن ثوابك، وأبقى منك سلطانا وقدرة.
﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى ﴾.
إن من يلقى الله وهو مجرم بكفره يكون مصيره الى جهنم لا يموت فيها فينتهي عذابه، ولا يحيى حياة طيبة ينتفع فيها بالنعيم.
ثم فسر تلك المنازل والدرجات بقوله :
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَآءُ مَن تزكى ﴾.
تلك المنازل هي جنات الإقامة الدائمة، في نعيمٍ خالد، تجري بين أشجارها الأنهار، وذلك الفوز الذي أوتوه جزاءٌ لمن طهّر نفسه من الكفر بالإيمان الطاعة والأعمال الصالحة.
اضرب لهم طريقا في البحر يَبَسا : افتح لهم طريقا يابسا لا ماء فيه.
لا تخاف دَرْكا : لا تخاف أن يلحقك احد.
دركا : لَحقا.
لم يذكر في هذه السورة ما الذي حصل بعد مواجهة موسى لفرعون وقومه حيث آمن السحرة وبنو اسرائيل ( ولقد فصّل ذلك في سورة أخرى ) وإنما انتقل الكلام هنا الى الهجرة والنصر الكبير الذي حصل عند عبور البحر وغرقِ فرعون وجنوده. ثم أتبع ذلك بتعدادِ نعمه على بني اسرائيل، وذكّره بأن يكونوا معتدلين فلا يأتوا أعمالاً توجب غضبه وأنه غفار لمن تاب وآمن.
وأوحى الله الى موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلا، وأن يشقّ لهم طريقا في البحر، وطمأَنه أن لا يخاف من فرعون فإنه لن يدركهم.
وضرب موسى بعصاه البحر، فانشق شقَّين، كل جانب كأنه طودٌ عظيم كما جاء في
سورة الشعراء ﴿ فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾، واجتازه موسى ومن معه. قراءات :
قرأ حمزة : لا تخف دركا. والباقون : لا تخاف دركا.
وتبعهم فرعونُ وجنوده، ودخلوا الطريق نفسها فانطبق عليهم الماء، وغشيَهم من اليمّ
ما غشيَهم، وغرقوا جميعا.
هكذا أضل فرعون قومه عن الحق، وغرّر بهم فهلكوا.
﴿ يا بني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ... ﴾.
لقد أنجيناكم من عدوّكم فرعونَ وجنودِهِ حين كانوا يسومونكم سوءَ العذاب، وقد أقرّ الله أعينكم بغرقِهم وأنتم تنظرون، كما قال تعالى :﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ [ البقرة : ٥٠ ].
وواعدناكم جانب الطور الأيمن بمناجاةِ موسى لربه وإنزال التوراة عليهم، ونَزَّل عليكم المنَّ والسلوى رزقاً طيباً من الحلو ولحم الطير الشهي.
قراءات :
قرأ الجمهور : قد أنجيناكم، وواعدناكم بنون الجمع. وقرأ حمزة والكسائي وخلف : قد أنجيتك من، وواعدتكم.
هوى : سقط.
وقلْنا لكم : كلوا من تلك اللذائذ التي أنعمنا بها عليكم، ولا تطغوا فيه : لا تظلموا وتبطَروا فتركبوا المعاصي ولا تُسرفوا بل عيشوا في هذه النعم، حتى لا ينزل عليكم غضبي، ومن ينزل عليه فقد هلك.
قراءات :
قرأ الجمهور :« ما رزقناكم » بنونالجمع، وقرأ حمزة والكسائي وخلف :«ما رزقتكم »بتاء المفرد.
قراءات :
قرأ الكسائي : فيحلّ عليكم غضبي : بضم الحاء، ومن يحلل عليه غضبي : بضم اللام والباقون : بالكسر فيحِل، ومن يحلِل عليه.
سأله ربه عن سبب تعجُّله بالمجيء إليه وتركِ قومه خلفه، والله أعلم بما سأل.
فقال موسى مجيبا :
﴿ قَالَ هُمْ أولاء على أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى ﴾. إنهم لاحقون بي، وإنما عجِلتُ إليك وتقدمتُهم يا ربي رغبةً في رضاك.
يقول بعض المفسرين : إن موسى ذهب الى الميعاد قبل الوقت المحدد وترك قومه وراءه ليلحقوا به، وهذا سببُ لومِ ربه له على الاستعجال بالمجيء.
والقصة هنا مختصرة، وقد مرت مفصلة في سورة البقرة وسورة الأعراف، وذلك أن موسى لما نجا هو وقومه من فرعون، واستقر في سيناء، واعَدَه ربه، وضرب له ميقاتا كما جاء في سور الاعراف ١٤٢ ﴿ وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ.... الآية ﴾ فذهب إلى ربه عند الطور، وكلّمه وتلقّى عنه. وكان استخلف أخاه هارون على بني إسرائيل. فجاءهم السامريّ وأضلهم بجعلِه لهم عِجلاً من الذهب له صوتٌ، فعكفوا عليه يعبدونه، ولم يستطع هارون أن يردّهم عن غيّهم وكفرهم.
قراءات :
قرأ الجمهور : على أثري بفتح الهمزة. وقرأ رويس عن يعقوب : على إثري بكسر الهمزة وسكون الثاء.
وأضلّهم : اوقعهم في الضلال.
السامريّ : دجال من شعب اسرائيل.
وقد أخبره ربه بأن قومه من بعده قد ضلّوا فقال :
﴿ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السامري ﴾.
لقد أوصلهم الى اتخاذ العجلِ إلهاً والدعاء الى عبادته، وظهر عندهم الاستعداد لذلك، لأنهم حديثو عهد بالوثنية في مصر. وفي سورة الاعراف سألوا موسى أن يجعل لهم إلها كما للقوم الذين مرّوا عليهم آلهة :﴿ فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾.
فأخلفتم موعدي : ما وعدتموني من الثبات على الايمان.
عاد موسى الى قومه بعد أن قضى الميعاد وهو في غضبٍ شديد وحزنٍ لِما أحدثوه بعده، وخاطب قومه منكِرا عليهم عملهم :
﴿ قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً ﴾.
لقد وعدكم ربكم بالنجاة والهداية بإنزال التوراة، والنصر، فهل تناسيتُم وعدَ ربكم ؟.
﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد ﴾.
لم يطل عليكم العهدُ حتى تنسوا وعد الله لكم، أم أردتم بسوء صنيعكم أن ينزل بكم غضبُ الله جزاء عبادتكم العجلَ، فأخلفتم عهدَكم لي ! !
من زينة القوم : من حليهم ومصاغهم.
فقذفناها : طرحناها في النار.
فاعتذروا بعذرٍ عجيب إذ قالوا :﴿ قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾.
نحن لم نخلفْ موعدك باختيارنا، ﴿ ولكنا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم فَقَذَفْنَاهَا ﴾ وإنّما غَلَبَنا السامريّ وحملنا أثقالاً من حَلي المصريين الذي خرجنا به، فقذفناها في النار بإشارة السامريّ.
قراءات :
قرأ نافع وعاصم : بملكنا بفتح الميم. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب : بملكنا بكسر الميم. وقرأ حمزة والكسائي وخلق : بملكنا بضم الميم وهي ثلاث لغاة. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم، ورويس عن يعقوب : حملنا بضم الحاء وتشديد الميم المكسورة. وقرأ أبو بكر وحمزة وابو عمرو والكسائي : حملنا بفتح الحاء والميم مخففة بدون تشديد
له خوار : لو صوت.
فصاغ لنا عجْلاً جسدا له صوت.
قال السامري ومن تبعه : هذا معبودُكم ومعبود موسى، ونسيَ السامري ربَّه فعمل هذا العمل السّيء وأضلَّ به القوم.
وقال عدد من المفسرين : نسي موسى الطريق الى ربه وضلّ عنه، وهذا غير واضح. وتكلم المفسرون في السامري كلاماً طويلا، عن أصله، واسمه وهل هو من بني اسرائيل او هو قبطي. وهذا كله كلام طويل لا طائل تحته. والسامري يهودي من بني اسرائيل دجّال.
﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ﴾.
أفلا يعتبرون ويتفكرون في أن هذا العِجل لا يتكلم ولا يردّ على أقوالهم، وأنه لا يستطيع أن يدفع عنهم ضرراً، ولا أن يجلب لهم نفعا، فكيف يتخذونه إلهاً ! وتقدير الكلام : أفلا يرون أنه لا يرجعُ اليهم قولاً.
وليس اتخاذ العجل من الذهب إلهاً بغريب على اليهود، فإنهم عبيد الذهب والمادة منذ خُلقوا. ومن يقرأ التلمود يجد العجائب في استحلال كل شيء في سبيل المال والحصولِ عليه، فهم يحلّلون كل وسيلة في أخذ المال من غير اليهود لأن كل ما في الارض لهم وحدهم.
في هذه الآيات تتمةٌ للقصة، فقد نصح هارونُ لقومه الذين عبدوا العِجل قبل رجوع موسى، فقال لهم : يا قوم، ما الذي غركم من عبادة هذا العجل فوقعتم في فتنة السامري ؟ إن إلهكم الحق هو الرحمن، فاتبعوني فيما أنصحكم به وأطيعوني أهدِكم سبيل الرشاد.
فلم يسمعوا نصحه، ولم يطيعوا أمره وأجابوه بعناد :
﴿ قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى ﴾.
سنبقى مستمرّين على عبادة العجل الى أن يعود إلينا موسى.
﴿ قَالَ ياهرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾.
قال موسى متأثرا مما رآه من عمل قومه : يا هارون، أي سبب منعك أن تلحقني إلى الطور بمن آمنَ معك من قومك، حين رأيت الباقين قد ضلّوا بعبادتهم للعجل ؟
فقال هارون مجيباً أخاه في رفق ولين :
﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾.
قال هارون لموسى : يا ابن أمي، لا تغضبْ عليّ ولا تجرَّني بلحيتي، ومن شعر رأسي لقد خفتُ إن شددتُ عليهم أن يتفرقوا، فتقول لي : لقد فرّقت بين بني إسرائيل، ولم تخلُفْني فيهم كما أمرتُك، ولم تحفظ وصيتي كما عهدت اليك. وقد رأيت من الصواب أن أحفظ العامة، وأداريهم على وجه لا يختلّ به نظامهم حتى ترجع فنتداركَ الأمر بحسب ما ترى. ولقد كادوا يقتلونني، كما جاء في سورة الأعراف الآية ٥٠ ﴿ إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ﴾.
قراءات :
قرأ الجمهور : يا ابن أمَّ بفتح الميم. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر وخلف : يا ابن أُمّ بكسر الميم.
وبعد أن انتهى موسى من سماع أقوال قومه وإسنادهم الفساد إلى السامري، ومن سماع اعتذار هارون، التفت إلى السامري ووجه الخطاب اليه :
﴿ قَالَ : فَمَا خَطْبُكَ ياسامري ﴾.
ما هذا الأمر الخطيب الذي أتيتَ، وأفسدتَ به بني اسرائيل ؟
قبضة من أثر الرسول : الرسول جبريل أو موسى.
فنبذتها : فطرحتها.
سولت نفسي : زينت وحسنت.
﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول فَنَبَذْتُهَا وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾.
قال السامري لموسى : إني علمتُ ما لم يعلمه قومك، وصنعتُ لهم العِجل من الذهب فعبدوه. وقد اتّبعتُك مدةً وأخذتُ من دينك، ثم تبيّن لي أنه غير صحيح فتركته.
كذلك زينتْ لي نفسي أن أفعلَ ما فعلته.
فكأن السامريّ يريد أن يهرب من ذكر الحقائق ويموّه على موسى.
هذا ما أراه أقرب الى الصواب في تفسير هذه الآية، وبهذا المعنى قال عدد من المفسرين المحديثن، ولكن أكثر المفسّرين القدامى قالوا : إن المراد بالرسول هو جبريل، وأن السامريّ رآه راكبا على فرس، وأخذ ترابا من أثرِ الفرس، وألقاه على العِجل حتى صار له خوار. وذكروا أقوالا كثيرة، وروايات عديدة. ! !
وهناك معركة كبيرة بين المرحوم عبد الوهاب النجار، ولجنة من علماء الأزهر حول السامري والعجل وحقيقتهما، لمن أراد الاطلاع عليها أن يجدها في كتاب « قصص الانبياء » ص ٢٢٠ - ٢٢٣.
قراءات :
قرأ الجمهور : بصرت بما لم يبصروا : بالياء. وقرأ حمزة والكسائي وخلف : بما لم تبصروا بالتاء، على انه خطاب لموسى وقومه.
لن تخلفه : سيأتيك حتما.
ظلت : ظللت، أقمت.
اليمّ : البحر.
قال موسى للسامري : اذهبْ فأنت طريدٌ لا يمسّك أحد، ولا تمس أحداً، بعيداً عن الناس معزولا عنهم، لا يخالطك أحد.
وخرج السامري طريدا في البراري. هذا جزاؤه في الدنيا. أما في الآخرة فله موعدٌ محدد لعذابه لا مفرّ منه. وقد ند موسى به وبإلهه قائلا : انظر الى إلهك الذي عبدته، ماذا نصنع به ؟ سنحرقه ونلقيه في البحر حتى نتخلّص منه.
قراءات :
قرأ الجمهور : لن تخلفه : بفتح اللام. وقرأ ابن كثير ويعقبوك لن تخلفه : بكسر اللام.
﴿ إِنَّمَآ إلهكم الله الذي لا إله إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾.
وبهذه الآية وما فيها من إعلان عن الإله الحقيقي الذي لا اله الا هو ينتهي هذا القدْر من قصة موسى في هذه السورة، وتتجلى فيه رحمةُ الله ورعايته بحَمَلِة دعوته من عباده.
بعد أن ذكر الله تعالى قصص موسى مع فرعون ثم السامريَّ وفتنته، بيّن للرسول الكريم في هذه الآيات ان مثل هذا القصص عن الأمم الماضية يلقيه سبحانه وتعالى إليه تسلية لقلبه وإذهابا لحزنه حتى يعلم أن ما يحدث له قد حدث مثلُه للرسل من قبله.
وزرا : حملا، وقد فسره في الآية التي بعدها.
إن من كذّب بهذا القرآن وأعرض عن اتّباعه، فإنه يضل في حياته، ويأتي يوم القيامة حاملاً إثم عناده، ويجازَى بالعذاب الشديد.
﴿ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً ﴾.
بئس الحمل الذي حملوه من الأوزار في ذلك اليوم العصيب.
زرقا : ألوانهم متغيرة.
ذلك اليوم الذي يُنفخ فيه بالصور، ويُساق المجرمون الى المحشَر زُرق الألوان، يرهق وجوهَهم الذلّ.
قراءات :
قرأ الجمهور : يوم ينفخ في الصور بالياء، وقرأ أبو عمرو وحده : ننفخ بالنون.
يتهامسون بينهم من الرعب، ويقول بعضهم لبعض ما لبثتم في الدنيا
إلا عشرةَ أيام.
والله يسمع تهامسهم وهو أعلمُ بما يقولون بينهم، كما يعلم ما يقول أعدَلُهم رأياً وأكملهم عقلا : ما لبثتم إلا يوما واحدا.
ويسألك المنكرِون للبعث أيها الرسول عن مصير الجبال يوم القيامة، فقل لهم : إن الله تعالى يفتّتها، ثم ينسِفها هباء.
أخرج ابنُ المنذر عن ابن جريج قال : قالت قريش يا محمد، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة ؟ فنزلت ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال.... ﴾.
قاعا : أرضا ملساء.
صفصفا : مستوية.
ثم بعد ذلك يدع أماكنها بعد نسفِها ملساءَ مستوية.
أمتا : نتوءا يسيرا.
ولا تبصِر العين في الأرض انخفاضا ولا ارتفاعا، وكأنها لم تكن معمورة من قبل.
همسا : صوتا خفيا.
يومئذ يرى الناس هذه الأهوال، يتّبعون داعي الله الى المحشر، يجمعهم فيه الى موقف الجزاء والحساب، ولا يستطيع أحد أن يعدل عنه.
﴿ وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن... ﴾.
بالسكون والرهبةِ لعظَمة الله، فلا تسمع إلا صوتاً خفيّا لا يكاد يبين.
القيوم : القائم بتدبير الأمور.
وكما ذكر سبحانه وتعالى خشوع الأصوات أتبعَه خضوعَ ذويها فقال :
﴿ وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾.
استسلمت الخلائق لخالقها الحيّ الذي لا يموت، القائم على خلقه بتدبير شئونهم. في ذلك اليوم خسر النجاة كل من ظلم نفسه في الدنيا فأشرك بربه.
وبعد أن ذكر أهوال يوم القيامة بيّن حال المؤمنين في ذلك اليوم فقال :
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً ﴾.
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجاؤوا ربَّهم في ذلك اليوم، فإنهم في كَنَفِ الله وضيافته، لا يخافون من ظلمٍ ولا نقصٍ لحقوقهم. ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل : ٩٧ ].
قراءات :
قرأ الجمهور : فلا يخاف ظلماً ولا هضما : بالياء. وقرأ ابن كثير : فلا يخف بالجزم.
ذكرا : عظمة وعبرة.
وكما أنزلنا ما ذُكر من البيان الحق الذي سلف في هذه السورة، كذلك أنزلنا القرآن كلَّه بأسلوب عربي واضح، وصَرَّفنا فيه القول في أساليب الوعيد ليجتنبوا الشِرك والوقوعَ في المعاصي، أو يتذكروه إذا أذنبوا فيتوبوا الى الله ويسألوه العفو.
﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾.
بالقرآنِ ومعانيه وكل شيء. وهذا يدل على فضيلة العلم، فإن الله تعالى لم يأمر رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم. ولقد قام الاسلام على العلم والتعلم من بدايته، وبالعلم سيطرت الأمم المسيطِرة في الوقت الحاضر، ولو أننا اتّبعنا القرآن حق اتباعه لكنّا اليومَ في الذروة من كل شيء.
وسبب نزول هذه الآية أن الرسول الكريم كان إذا لقَّنه جبريلُ الوحي، يتبعه عند تلفظ كل كلمةٍ وكل حرف، لكمالِ اعتنائه بالتلقّي والحفظ، فأرشده الله الى التأني ريثما يسمعه ويفهمه. ونحوه قوله تعالى :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [ القيامة : ١٦ - ١٩ ].
روى الترمذي عن أبي هريرة قال :« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« اللهمّ انفعني بما علّمتني، وعلّمني ما ينفعني، وزِدني علما، والحمدُ لله على كل حال، وأعوذ باللهِ من حالِ أهل النار »
قراءات :
قرأ يعقوب : من قبل أن نقضي اليك وحيه. بفتح النون وكسر الضاد ونصب وحيه. والباقون : من قبل أن يُقضَى اليك وحيُه، بضم الياء ورفع وحيه.
ما عهِد الله به إليه، وضَعُفَ أمام الإغراء بالخلود فاستمع لوسوسةِ الشيطان. وكان هذا ابتلاءً من ربّه قبل أن يعهد اليه بخلافة الأرض. ثم تداركت رحمةُ الله آدم فاجتباه وهداه
ولقد وصينا آدم وقلنا له أن لا يخالف لنا أمرا، فنسي العهدَ وخالف، ولم نجدْ له ثباتا في الرأي، ولا تصميماً قوياً يمنع من أن يتسلل الشيطان الى نفسه بوسوسته.
وكل هذا العرض بإجمال، لأنه فصِّل في سورة البقرة والأعراف والحِجر والإسراء والكهف.
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى.... ﴾.
اذكر أيها الرسول حين أمرنا الملائكةَ أن يسجدوا لآدم سجودَ تعظيم، فامتثلوا ولبّوا الأمر إلا ابليس الذي امتنع وأبى أن يكون من الساجدين.
ولا ظمأ ولا حر شمس.
قراءات :
قرأ نافع وأبو بكر :( وإنك ) لا تظمأ فيها، بكسر إن. والباقون :( وأنك ) بفتح الهمزة.
غوى : ضل.
فنسي آدم العهد وأكل هو وزوجته، وخالفا أمر ربهما، فظهرت لهما عوراتُهما جزاء مخالفتهما الأوامر الربانية، وصارا يقطعان من ورقِ شجر الجنّة، ويستران بها ما بدا منهما.
﴿ وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى ﴾.
خالف آدم أمر ربه، فحُرِم الخلد، وأفسد على نفسه تلك الحياة الهنيئة التي كان يعيشها.
ثم أدركتْ آدمَ وزوجتَه رحمةُ الله بعد ما عصاه، فاصطفاه للرسالة، وقبل توبته، وهداه الى الخير.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة في الدنيا، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة ».
أعمى : أعمى البصيرة :
ومن أعرضَ عن هدى الله وطاعته، فإن له معيشةً ضيقة شديدة ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى ﴾ أي أعمى البصيرة عاجزاً عن الحُجّة التي يعتذر بها.
وكذلك اليوم تُنسى : تترك.
فيجيبه ربه بقوله :﴿ قال كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى ﴾.
لقد جاءتك آياتنا ورسُلنا في الدنيا فنسيتها، وتعاميتَ عنها، وكذلك اليوم تُترك وتنسى.
أفلم يرشدْهم الى وجهِ العِبرَ، إهلاكُنا لكثيرٍ من الأمم الماضية قبلهم بسبب كفرهم، ولم يتّعظوا بهم مع أنهم يمشُون في ديارِهم ومساكنهم، ويشهدون آثار ما حلّ بهم من العذاب ! إن ما يشاهدون، ويرون من آثار ما حلّ بهم لدلائلَ وعبراً واضحة لأصحاب العقول الراجحة.
ولولا حكمٌ سبقَ من ربك بتأخير العذاب عنهم إلى أجلٍ مسمّى هو يوم القيامة، لكان العذابُ لازماً لهم في الدنيا، كما حل بأصحاب القرون الماضية.
وتقدير الكلام : ولولا كلمة وأجلٌ مسمى لكان العذابُ لِزَاماً.
فاصبر أيها الرسول، على ما يقولون من كفرٍ واستهزاء، واتّجه إلى ربك وسبح بحمده قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، ونزهْه واعبدْه في ساعات الليل، وفي أطراف النهار. ﴿ لَعَلَّكَ ترضى ﴾ فتطمئنَّ الى ما أنتَ عليه.
قراءات :
قرأ أبو بكر والكسائي :« لعلك تُرضى » بضم التاء. والباقون : لعلك ترضى » بفتح التاء.
متعنا : أعطيناهم ما يتلذذون به.
أزواجا : أشكالا وأشباها.
زهرة الحياة الدنيا : زينتها وبهجتها.
لنفتنهم : لنختبرهم ونبتليهم.
ولما صبَّر رسوله الكريم على ما يقولون وأمَرَه بالعبادة والتسبيح، أتبع ذلك بنهْيهِ عن مدِّ عينيه إلى ما مُتِّعوا به من زينة الدنيا فقال :
﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ... ﴾.
ولا تتعدّ بنظرك الى ما متعنا به أصنافاً من الكفار، لأن هذا المتاع زينةُ الحياة الدنيا وزخرفها، يمتحن الله به عباده في الدنيا. ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى ﴾ يدّخره لك الله في الآخرة، وهو رزق نعمةٍ لا للفتنة، رزقٌ طيب باق، وهو خير من هذا المتاع الزائل.
عن زيد بن ثابت قال :« سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » من كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِه من الدنيا الا ما كتبَ له ».
وهذه التَّنبيهات ليست دعوةً للزهد في طيبات الحياة، ولكنها دعوة الى الاعتزاز بالقِيم الأصيلة الباقية، وبالصِلة بالله والرضى به.
قراءات :
قرأ يعقوب : زَهَرة الحياة. بفتح الزاء والهاء وهي لغة. والباقون : زهرة، بسكون الهاء.
البينة : البرهان.
الصحف الأولى : التوراة والنجيل.
وقال المشركون المتعنتون في عنادهم : لماذا لا يأتينا محمدٌ بمعجزة تدلّ على صدقه في دعوى النبوة ؟ ألم يأتِهم القرآنُ ؟ وهو أكبر بينةٍ جاء مشتملاً على ما في الكتب السابقة من أنباء الأمم الماضية، وكفى بذلك آية.
وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة البقرة ١١٨، وفي سورة يونس الآية ٢٠.
ولو أهلكنا هؤلاء المكذِّبين قبل أن ننزل عليهم القرآن على يد رسول كريم لقالوا : ربّنا، هلاّ أرسلت إلينا رسولا قبل أن تهلكنا حتى نؤمن به ونتبعه، من قبل أن ينزل بنا العذابُ والخزي في الآخرة ؟ ! ولكن الله بإرساله النبي الكريم قطع جميع حججهم وأعذارهم.
الصراط : الطريق.
السوي : المستقيم.
قل أيها الرسول لهؤلاء المعاندين : إننا جميعاً منتظِرون فتربَّصوا وارتقبوا، فستعلمون من هم أهلُ الطريق المستقيم، وأيّ الفريقين صاحب الدين الحق والمهتدي بهدى الله.
وهكذا خُتمت سورة طه بأن يؤمر الرسول أن يترك هؤلاء المشركين فلا يشقى بهم ولا يكرُبُه عدم إيمانهم. وقد بدأت السورة بنفي الشقاء عن النبيّ الكريم من تنزيل القرآن، وحددت وظيفةَ القرآن بأنه تذكرةٌ لمن يخشى. وجاء الخاتم متناسقاً مع المطلع كل التناسق فهو التذكِرة الأخيرة لمن ينفعه التذكير، وسيندم المخالفُ حيث لا ينفع الندم.