تفسير سورة النجم

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة النجم من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكية، وهي ألف وأربعمائة وخمسة أحرف، وثلاثمائة وستون كلمة، واثنتان وستون آية.
أخبرني أبو الحسن بن القاسم بن أحمد بقراءتي عليه، قال : حدّثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن جعفر، قال : أخبرنا أبو عمرو الحيري وعمر بن عبدالله البصري، قالا : حدّثنا محمد ابن عبدالوهاب قال : حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال : حدّثنا سلام بن سليم قال : حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة النجم أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد ومن جحد به ).

سورة النجم
مكية، وهي ألف وأربعمائة وخمسة أحرف، وثلاثمائة وستون كلمة، واثنتان وستون آية.
أخبرني أبو الحسن بن القاسم بن أحمد بقراءتي عليه، قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا أبو عمرو الحيري وعمر بن عبد الله البصري، قالا: حدّثنا محمد ابن عبد الوهاب قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة النجم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد ومن جحد به» [١١٤] «١».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١ الى ١٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢)
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال ابن عباس- في رواية الوالبي والعوفي ومجاهد برواية ابن أبي نجح-: يعني والثريّا إذا سقطت وغابت، والعرب تسمّي الثريّا نجما، وإن كانت في العدد نجوما.
قال أبو بكر محمد بن الحسن الدربندي: هي سبعة أنجم، ستة منها ظاهرة، وواحد منها خفي، يختبر الناس به أبصارهم، ومنه قول العرب إذا طلع النجم عشاء: ابتغى الراعي كساء- وعن مجاهد أيضا: يعني نجوم السماء كلها حتى تغرب، لفظه واحد ومعناه الجمع، كقول الراعي:
فباتت تعدّ النجم في مستحيره سريع بأيدي الآكلين جمودها «٢»
(١) تفسير مجمع البيان: ٩/ ٢٨٤.
(٢) لسان العرب: ١٢/ ٥٧٠.
134
وسمّي الكوكب نجما لطلوعه، وكلّ طالع نجم، ويقال: نجم السر والقرب والندب إذا طلع.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنّه الرجم من النجوم، يعني ما يرمى به الشياطين عند استراقهم السمع، وقال الضحاك: يعني القرآن إذا نزل ثلاث آيات وأربع وسورة، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة، وهي رواية الأعمش عن مجاهد وحيان عن الكلبي، والعرب تسمّي التفريق تنجيما والمفرق نجوما ومنه نجوم الدّين.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن خلف قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال:
حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا علي بن علي قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال: يقال: هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة، وقال الأخفش هي النبت، ومنه قوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ وهويّه: سقوطه على الأرض، لأنه ما ليس له ساق،
وقال جعفر الصادق: يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل من السماء ليلة المعراج.
فالهويّ: النزول والسقوط، يقال: هوى يهوى هويّا: مضى يمضي مضيّا، قال زهير:
يشج بها الأماعز وهي تهوي هوي الدلو أسلمها الرشاء «١»
وروى عروة بن الزبير عن رجال من أهل بيته قالوا: كانت بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند عتبة بن أبي لهب فأراد الخروج إلى الشام فقال: الأبتر محمد فلأوذينّه في جابنتهج؟؟؟ فأتاه فقال: يا محمد هو يكفر ب النَّجْمِ إِذا هَوى وبالذي دَنا فَتَدَلَّى، ثم تفل في وجهه ورد عليه ابنته وطلّقها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك» «٢» [١١٥] قال: وأبو طالب حاضر فوجم لها وقال:
ما كان أغناك يا بن أخي عن هذه الدعوة.
فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره بذلك ثم خرجوا إلى الشام، فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: أعينونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد، فجمعوا أحمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها وناموا حوله، فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب وضرب عتبة بيده ضربة، وأخذه فخدشه، فقال: قتلني ومات مكانه. فقال في ذلك حسان بن ثابت:
سائل بني الأصغر إن جئتهم ما كان أنباء أبي واسع
لا وسّع الله له قبره بل ضيّق الله على القاطع
رمى رسول الله من بينهم دون قريش رمية القاذع
(١) لسان العرب: ٢/ ٣٠٤.
(٢) السنن الكبرى: ٥/ ٢١١.
135
واستوجب الدعوة منه بما... بيّن للنّاظر والسامع
فسلّط الله به كلبه... يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه... وقد عليهم سمة الهاجع
فالتقم الرأس بيافوخه... والنحر منه قفرة الجائع
ثم علا بعد بأسنانه... منعفرا وسط دم ناقع
قد كان هذا لكم عبرة... للسيّد المتبوع والتابع
من يرجع العام إلى أهله... فما أكيل السبع بالراجع «١»
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ محمد وَما غَوى وهذا جواب القسم.
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أي بالهوى يعاقب بين عن وبين الباء، فيقيم أحدهما مكان الآخر.
إِنْ هُوَ ما ينطقه في الدّين إِلَّا وَحْيٌ يُوحى إليه.
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى وهو جبريل.
ذُو مِرَّةٍ قوة وشدّة، ورجل ممرّ أي قوي، قال الشاعر:
ترى الرجل النحيف فتزدريه... وفي أثوابه رجل مزير «٢»
وأصله من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله، ومنه
قول النبىّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرّة سويّ» [١١٦] «٣».
قال الكلبي: وكانت شدّته أنّه اقتلع قريات قوم لوط من الماء الأسود، وحملها على جناحه ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وكانت شدّته أيضا أنّه أبصر إبليس وهو يكلّم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدّسة فنفحه بجناحه نفحة ألقاه في أقصى جبل بالهند، وكانت شدّته أيضا صيحته بثمود فأصبحوا جاثمين خامدين، وكانت شدّته أيضا هبوطه من السماء على الأنبياء وصعوده إليها في أسرع من الطرف، وقال قطرب: يقول العرب لكل حرك الرأي حصف العقل:
ذو مرة، قال الشاعر:
قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة... عندي لكل مخاصم ميزانه «٤»
(١) دلائل النبوة: ٢٢٠ بتفاوت وكذلك في مجمع البيان: ٩/ ٢٨٧.
(٢) الصحاح: ٢/ ٨١٥.
(٣) كنز العمال: ٦/ ٤٥٣ ح ١٦٥٠١.
(٤) لسان العرب: ١٣/ ٤٤٧. [.....]
136
وكان من جزالة رأيه وحصافة عقله أن الله تعالى ائتمنه على تبليغ وحيه إلى جميع رسله.
وقال ابن عباس: ذُو مِرَّةٍ، أي ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن.
فَاسْتَوى يعني جبريل وَهُوَ يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وأكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه فيقولون: استوى هو وفلان، ما يقولون:
استوى وفلان، وأنشد الفرّاء:
ألم تر أنّ النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف «١»
والمعنى: لا يستوي هو والخروع.
ونظير هذه الآية قوله سبحانه: إِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا فعطف بالآباء على الكنى في كُنَّا من غير إظهار نحن، ومعنى الآية: استوى جبريل ومحمد ليلة المعراج بِالْأُفُقِ الْأَعْلى وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس في السماء، وقيل: استويا في القوة والصعود إلى السماء، وقيل:
استويا في العلم بالوحي، وقال بعضهم: معنى الآية: استوى جبريل أي ارتفع وعلا في السماء بعد أن علّم محمدا، عن سعيد بن المسيب، وقيل: فَاسْتَوى أي قام في صورته التي خلقه الله سبحانه عليها، وذلك
أنه كان يأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين، فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريه نفسه على صورته التي جبل عليها، وأراه نفسه مرّتين: مرة في الأرض، ومرّة في السماء فأمّا في الأرض ففي الأفق الأعلى، وذلك أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغشيا عليه، ونزل جبريل في صورة الآدميين وضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه [١١٧] «٢».
يدل عليه قوله سبحانه: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ، وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلّا محمد المصطفى صلوات الله عليه.
ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال بعضهم: معناها ثُمَّ دَنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فَتَدَلَّى فنزل إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم بالوحي وهوى عليه فَكانَ منه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أي: بل أدنى، وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة والربيع.
قال أهل المعاني: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: ثم تدلّى فدنا لأن التدلّي: الدنوّ، ولكنه سامع حسن لأن التدلّي يدل على الدنوّ، والدنو يدل على التدلّي، وإنمّا تدلى للدنوّ ودنا للتدلّي، وقال آخرون: معناه ثُمَّ دَنا الرب سبحانه من محمد صلّى الله عليه وسلّم فَتَدَلَّى فقرب منه حتى كان قابَ
(١) جامع البيان للطبري: ٢٧/ ٥٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ٨٧.
137
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، وأصل التدلي: النزول إلى الشيء حتى يقرب منه، فوضع موضع القرب، قال لبيد:
فتدلّيت عليه قافلا... وعلى الأرض غيابات الطفل «١»
وهذا معنى قول أنس ورواية أبي سلمة عن ابن عباس.
وأخبرني عقيل بن محمد أنّ أبا الفرج البغدادي، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا الربيع قال: حدّثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى أنّه عرج جبريل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلّا الله (عز وجل) حتى جاء سدرة المنتهى، ودَنا الجبار ربّ العزة فَتَدَلَّى، حتى كان منه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فَأَوْحى إليه ما شاء
، ودنوّ الله من العبد ودنوّ العبد منه بالرتبة والمكانة والمنزلة وإجابة الدعوة وإعطاء المنية، لا بالمكان والمسافة والنقلة، كقوله سبحانه: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ.
وقال بعضهم: معناه: ثُمَّ دَنا جبريل من ربّه عزّ وجل فَكانَ منه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، وهذا قول مجاهد، يدلّ عليه ما
روي في الحديث: «إنه أقرب الملائكة من جبرائيل الى الله سبحانه» «٢» [١١٨].
وقال الضحاك: ثُمَّ دَنا محمد من ربّه عز وجل فَتَدَلَّى فأهوى للسجود، فَكانَ منه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، وقيل: ثُمَّ دَنا محمد من ساق العرش فَتَدَلَّى، أي: جاور الحجب والسرادقات، لا نقلة مكان، وهو قائم بإذن الله كالمتعلق بالشيء لا يثبت قدمه على مكان، وهذا معنى قول الحسين بن الفضل.
ومعنى قوله قابَ قَوْسَيْنِ قدر قوسين عربيتين عن ابن عباس وعطاء، والقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن مقدار الشيء، ونظيره من الكلام زير وزار.
قال صلّى الله عليه وسلّم: «لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها» [١١٩] «٣».
وقال مجاهد: معناه حيث الوتر من القوس، وقال سعيد بن المسيب: القاب صدر القوس العربية حيث يشدّ عليه السير الذي يتنكّبه صاحبه، ولكل قوس قاب واحد، فأخبر أنّ قرب جبرئيل من محمد صلّى الله عليه وسلّم عند الوحي كقرب قاب قوسين.
وقال أهل المعاني: هذا إشارة إلى تأكيد المحبة والقربة ورفع المنزلة والرتبة، وأصله أنّ
(١) لسان العرب: ١٥/ ١٤٤.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ٩٠.
(٣) فتح الباري: ٤/ ٨٥.
138
الحليفين والمحبّين في الجاهلية كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد والوفاء خرجا بقوسيهما- والصفا بينهما- يريدان بذلك أنّهما متظاهران متحاميان يحامي كل واحد منهما عن صاحبه.
وقيل: هذا تمثيل في تقريب الشيء من الشيء، وهو مستعمل في أمثال العرب وأشعارهم، وقال سفيان بن سلمة وسعيد بن جبير وعطاء وابن إسحاق الهمداني: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قدر ذراعين، والقوس: الذراع يقاس بها كل شيء، وهي لغة بعض أهل الحجاز. أَوْ أَدْنى بل أقرب.
وقال بعض: إنّما قال أَوْ أَدْنى لأنه لم يرد أن يجعل لذلك حدّا محصورا.
وسئل أبو العباس بن عطاء عن هذه الآية فقال: كيف أصف لكم مقاما انقطع عنه جبريل وميكائيل وإسرافيل، ولم يكن إلّا محمد وربّه؟ وقال الكسائي: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أراد قوسا واحدا كقول الشاعر:
ومهمهين قذقين مرتين قطعته بالسّمت لا بالسّمتين «١»
أراد مهمها واحدا.
وقال بعض أهل المعاني: معنى قوله: فَتَدَلَّى فتدلّل من الدلال كقولهم: [تظني بمعنى تظنن] وأملى وأملل بمعنى واحد.
فَأَوْحى
يعني فأوحى الله سبحانه وتعالى إِلى عَبْدِهِ
محمد صلّى الله عليه وسلّم ما أَوْحى
قال الحسن والربيع وابن زيد: معناه فَأَوْحى
جبريل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أَوْحى
إليه ربّه، قال سعيد:
أوحى إليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً إلى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، وقيل: أوحى إليه أن الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمّتك، وسئل أبو الحسن الثوري عنه فقال:
أوحى إليه سرّا بسرّ من سرّ في سرّ وفي ذلك يقول القائل:
بين المحبين سر ليس يفشيه قول ولا قلم للخلق يحكيه «٢»
سرّ يمازجه أنس يقابله نور تحيّر في بحر من التّيه
ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قرأ الحسن وأبو جعفر [والجحدري] وقتادة (كَذَّبَ) بتشديد الذال، أي: ما كذّب قلب محمد ما رَأى بعينه تلك الليلة، بل صدّقه وحقّقه، وقرأ الباقون بالتخفيف، أي ما كَذَبَ فؤاد محمد محمدا الذي رأى بل صدّقه، ومجاز الآية: ما كذب الفؤاد فيما رأى، فأسقط الصفة، كقول الشاعر:
(١) لسان العرب: ٢/ ٤٦.
(٢) تفسير مجمع البيان: ٩/ ٢٨٩.
139
لو كنت صادقة الذي حدثتني لنجوت منجى الحارث بن هشام «١»
أي: في التي حدّثتني، وقال بندار بن الحسن: الفؤاد وعاء القلب فيما ارتاب الفؤاد فيما أرى الأصل وهو القلب.
واختلفوا في الذي رآه. فقال قوم: رأى جبريل، وإليه ذهب ابن مسعود، وقال آخرون:
هو الله سبحانه، ثم اختلفوا في معنى الرؤية، فقال بعضهم: جعل بصره في فؤاده، فرآه في فؤاده ولم يره بعينه، وقال قوم: بل رآه بعينه.
ذكر من قال: إنّه رآه بعينه
أخبرني الحسن بن الحسين قال: حدّثنا الفضل بن الفضل، قال: حدّثنا أبو يعلى محمد بن زهير الأبلي، قال: حدّثنا بن نحويه، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: حدّثنا ابن التيمي عن المبرك بن فضالة، قال: كان الحسن يحلف بالله عز وجل لقد رأى محمد ربّه.
وانبأني عقيل بن محمد قال: أخبرنا المعافي بن زكريا قال: حدّثنا محمد بن جرير قال:
حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان عن أبي إسحاق عمّن سمع ابن عباس يقول: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى محمد ربّه.
وبإسناده عن ابن حميد قال: حدّثنا يحيى بن واضح قال: حدّثنا عيسى بن عبيد سمعت عكرمة و [قد] سئل: هل رأى محمد ربّه؟ فقال: نعم، قد رأى ربّه.
وبه عن ابن حميد قال: حدّثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى ربّه عز وجل.
ذكر من قال: لم يره
أخبرنا أبو عبيد الله الحسين بن محمد الحافظ- بقراءتي عليه في داري- قال: حدّثنا موسى ابن محمد بن علي، قال: حدّثنا إبراهيم بن زهير، قال: حدّثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى بن عبيده عن محمد بن كعب قال: قال بعض أصحاب رسول الله: يا رسول الله، أرأيت ربّك؟ قال: «رأيته مرّتين، بفؤادي ولم أره بعيني» «٢» [١٢٠] ثم تلا هذه الآية ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى
ومثله روي عن ابن الحنفية عن أبيه، وأبو العالية عن ابن عباس.
وأخبرني الحسن، قال: حدّثنا أبو القاسم عن بن محمد بن عبد الله بن حاتم الترمذي،
(١) تفسير القرطبي: ١٧/ ٩٣.
(٢) جامع البيان للطبري: ٢٧/ ٦٢، تفسير ابن كثير: ٤/ ٢٦٨ والموجود في الكتب (لم أره بعيني ورأيته بفؤادي مرّتين).
140
قال: حدّثنا جدي لأمي محمد بن عبد الله بن مرزوق، قال: حدّثنا عفان بن مسلم قال: حدّثنا همان بن عبد الله بن شفيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسألته، قال: وعما كنت تسأله؟ قلت: كنت أسأله: هل رأى ربّه عز وجل؟ قال: فإني قد سألته فقال: «قد رأيت نورا، أنى أراه؟» «١» [١٢١].
وكذلك روي عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: «رأيت نورا»
«٢» [١٢٢]، ومثله روى مجاهد وعكرمه عن ابن عباس.
وقد ورد في هذا الباب حديث جامع وهو ما أخبرني الحسين بن الحسن، قال: حدّثنا ابن حبش، قال: أخبرنا علي بن زنجويه، قال: حدّثنا سلمة بن عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة عن مجالد عن سعيد عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: أمّا نحن بنو هاشم فنقول: إنّ محمدا رأى ربّه مرتين، وقال ابن عباس يحبّون أن تكون الخلّة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد. قال: فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال، ثم قال:
إن الله سبحانه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليه السلام، فكلّمه موسى ورآه محمد.
قال مجالد: وقال الشعبي: فأخبرني مسروق أنّه قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه، هل رأى محمد صلّى الله عليه وسلّم ربّه تعالى قط؟، قالت: إنك لتقول قولا، إنّه ليقف منه شعري، قال: قلت: رويدا فقرأت عليها: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى حتى قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فقالت: رويدا، أين يذهب بك؟ إنّما رأى جبريل في صورته. من حدّثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب، والله عز وجل يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، ومن حدّثك أنّه يعلم الخمس من الغيب فقد كذب، والله سبحانه يقول: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية، ومن حدّثك أنّ محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب، والله عز وجلّ يقول: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية.
قال عبد الرزاق: فذكرت هذا الحديث لعمر، فقال: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس.
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى أي: رأى.
قرأ علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة ومسروق والنخعي وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب أفتَمرونه بفتح الباء من غير ألف
على معنى أفتجحدونه، واختاره أبو عبيد، قال:
لأنهم لم يماروه وإنّما يجحدونه، يقول العرب: مريت الرجل حقّه إذا جحدته. قال الشاعر:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا «٣»
(١) شرح مسلم للنووي: ٣/ ١٢، تفسير القرطبي ١٧/ ٩٣ تفسير ابن كثير: ٣/ ٥ مع تقديم وتأخير في ألفاظ الحديث
(٢) المصدر السابق،.
(٣) تفسير القرطبي: ١٧/ ٩٣.
141
أي جحدته.
وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مسرف أفتُمرونه بضم التاء بلا ألف، أي تريبونه وتشككونه، وقرأ الباقون أَفَتُمارُونَهُ بالألف وضم التاء على معنى أفتجادلونه، وهو اختيار أبي حاتم،
وفي الحديث «لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر»
[١٢٣] «١».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٣ الى ٢٣]
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى مرة أخرى، فسمّاها نزلة على الاستعارة، وذلك أنّ جبريل رآه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على صورته التي خلق عليها مرتين: مرة بالأفق الأعلى في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى في السماء، وهذا قول عائشة وأكثر العلماء وهو الاختيار، لأنه قرن الرؤية بالمكان فقال عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، ولأنه قال: نَزْلَةً أُخْرى وتقديرها: ولقد رآه نازلا نزلة أخرى، ووصف الله سبحانه بالمكان والنزول الذي هو الانتقال محال ولأنه قال: نَزْلَةً أُخْرى ولم يرو في الحديث أنّه صلّى الله عليه وسلّم رأى ربّه عزّ وجل قبل ليلة المعراج فيراه تلك الليلة مرة أخرى، يدل عليها ما
أخبرني عقيل بن محمد أنّ أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير عن محمد بن المثنى قال: حدّثنا عبد الوهاب الثقفي. قال: حدّثنا داود بن عامر عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أنّ محمدا رأى ربّه فقد أعظم الفرية على الله.
قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجلي، أرأيت قول الله سبحانه وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ. قالت: إنّما هو جبريل رآه على صورته التي خلق عليها مرتين: مرة حين هبط من السماء إلى الأرض سادّا أعظم حلقة ما بين السماء إلى الأرض، ومرة عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. قالت: وأنا أوّل من سأل النبي «عن هذه الآية فقال: «هو جبريل» [١٢٤].
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (عند) صلة من قوله: رَآهُ والسدرة: شجرة النبق، وقيل لها سدرة المنتهى لأنه إليها ينتهي علم كل عالم.
وقال هلال بن سياف: سأل ابن عباس كعبا عن سِدْرَةِ الْمُنْتَهى وأنا حاضر فقال كعب:
(١) كنز العمال: ١/ ٦١٩ ج ٢٨٦٠.
142
إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، وما خلفها غيب لا يعلمه إلّا الله سبحانه.
وقال ابن مسعود: سمّيت بذلك لأنّه ينتهى إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله سبحانه وتعالى إذا انتهى من يصعد إليها من الأرض قبض منها، وقيل: لأنّه ينتهى إليها ما عرج من أرواح المؤمنين، وقيل: لأنّه ينتهي إليها كل من مات على سنّة رسول الله ومنهاجه.
روى الربيع عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: لمّا أسري بالنبي «انتهى إلى السدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ إلى قوله: مُصَفًّى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلّها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها مغطّية الأمة كلها.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا بن شيبة، قال: حدّثنا التنوخي قال: حدّثنا عبيد بن يعيش، قال: حدّثنا يونس بن بكير، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قال: سمعت النبي «يذكر سدرة المنتهى قال:
«يسير الراكب في ظلّ الفنن منها مائة عام، ويستظلّ في الفنن منها مائة راكب. فيها فراش من ذهب، كأنّ ثمارها القلال»
[١٢٥] «١».
وقال مقاتل: هي شجرة لو أنّ ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض، تحمل الحليّ والحلل والثمار من جميع الألوان، ولو أنّ رجلا ركب حقّة فطاف على ساقها ما بلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم، وهي طوى التي ذكرها الله سبحانه في سورة الرعد، وقد تقصيت وصفها في قصة المسرى.
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى
قال ابن مسعود وأصحابه: فراش من ذهب، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس، ورفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال الحسن: غشيها نور ربّ العزة فاستنارت، وقيل: الملائكة،
ويروى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت على كلّ ورقة من ورقها ملكا قائما يسبّح الله عزّ وجل»
«٢» [١٢٦]،
وروى الربيع عن أبي هريرة أو غيره قال: لمّا أسري بالنبي صلّى الله عليه وسلّم انتهى إلى السدرة، قال: فغشيها نور الخلائق وغشيها الملائكة من حب الله مثل الغربان حين يقعن على الشجر.
قال: فكلّمه عند ذلك وقال له: سل.
(١) سنن الترمذي: ٤/ ٨٦ بتفاوت يسير [.....]
(٢) جامع البيان للطبري: ٢٧/ ٧٥.
143
وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فغشيها «١» رفرف من طير خضر» [١٢٧] «٢».
قال السدي: من الطيور فوقها،
وروى أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «انتهيت إلى السدرة وأنا لأعرف أنّها سدرة، أعرف ورقها وثمرها، وإذا ينعها مثل الجرار، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. فلمّا «٣» غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتا وزمردا حتى ما يستطيع أحد يصفها، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى» [١٢٨] «٤».
قال ابن عباس: هي يمين العرش، وهي منزلة الشهداء، نظيره فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى وأخبرنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا أبو عبد الله عمر بن أحمد بن محمد بن الحرث القضباني.
قال: حدّثنا علي بن العباس المقانعي، قال: حدّثنا ميمون بن الأصبع، قال: حدّثنا يحيى بن صالح الوحاطي قال: حدّثنا محمد بن سليمان بن حمزة البصري، قال: حدّثنا عبد الله بن أبي قيس، قال سمعت عبد الله بن الزبير يقرأ هذه الآية عِنْدَها جَنَّهُ بالهاء الْمَأْوى يعني جنّه المبيت، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد قالا: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد، قال: حدّثني أبو صدقة قال: حدّثنا أبو الأسباط قال: حدّثنا عبد الرّحمن عن علي بن القاسم الكندي عن موسى بن عبيدة، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقرأ جَنَّهُ الْمَأْوى وقال مجاهد: يريد أجنّه، والهاء في هذه القراءة كناية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال أبو حاتم: وهي قراءة علي وأنس يعني ستره، وقال الأخفش: أدركه.
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى أي: ما جاور ما أمر به، ولا مال عمّا قصد له.
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى أي الآية الكبرى.
قال ابن مسعود: رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سدّ الأفق، وقال الضحاك: سدرة المنتهى، وقال عبد الرّحمن بن يزيد ومقاتل بن حيان: رأى جبريل في صورته التي تكون في السماوات، وقيل: المعراج، وما أري تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه. دليله قوله سبحانه لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى...
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ قراءة العامة بتخفيف التاء، وهي من (الله) ألحقت بها التاء فاثبت. كما قيل: عمر للذكر، ثم قيل: للأنثى عمرة، وكما قيل عباس وعباسة، وكذلك سمّى المشركون أوثانهم بأسماء الله فقالوا: من الله (اللات)، ومن العزيز (العزّى).
(١) في المصدر: يغشاها.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ٩٧.
(٣) في المخطوط: فما.
(٤) راجع جامع البيان للطبري: ٢٧/ ٧٢٠٧١ فالحديث ليس واحدا.
144
قال قتادة: أمّا اللات فكانت بالطائف. ابن زيد: اللات بيت بنخلة كانت قريش تعبده «١».
وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح اللاتَّ بتشديد التاء، وقالوا: كان رجلا يلتّ «٢» السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه، وروى السدي عن أبي صالح أنّه كان بالطائف، وكان يقوم على آلهتهم ويلتّ لهم السويق، فلمّا مات عبدوه.
وقال مجاهد: كان رجلا في رأس جبل له غنم يسلى منها السمن، ويأخذ منها الأقط، ويجمع رسلها ثم يتخذ منها [حيسا] «٣» فيطعم الحاج، وكان ببطن نخلة، فلما مات عبدوه، وهو اللات، وقال الكلبي: كان رجلا من ثقيف يقال له: (صرمة) بن غنم كان يسلأ السمن فيضعها على صخرة ثم تأتيه العرب فتلتّ به سيوفهم، فلمّا مات الرجل [أخذت] «٤» ثقيف الصخرة الى منازلها فعبدتها فمدرة الطائف على وضع اللات.
وَالْعُزَّى اختلفوا فيها فقال مجاهد: هي شجرة لغطفان يعبدونها،
وهي التي بعث إليها رسول الله خالد بن الوليد فقطعها، وجعل خالد يضربها بالفأس ويقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك «٥»
فخرجت منها شيطانة، ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، ويقال: إن خالدا رجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال قد قطعتها، فقال: «ما رأيت؟»، قال: لم أر شيئا، قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما قطعت». فعاودها ومعه المعول فقلعها واجتثّ أصلها، فخرجت جمنهاج امرأة عريانة فقتلها، ثم رجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بذلك فقال: «تلك العزى ولن تعبد أبدا» «٦» [١٢٩].
وقال الضحاك: وهي صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني، وذلك أنّه قدم مكة فرأى الصفا والمروة، ورأى أهل مكة يطوفون بينهما، فعاد إلى [بطن نخلة] «٧» وقال لقومه:
إنّ لأهل مكة الصفا والمروة وليست لكم، ولهم اله يعبدونه وليس لكم، قالوا: فما تأمرنا؟ قال:
أنا أصنع لكم كذلك، فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة فنقلهما إلى بطن نخلة، فوضع الذي من الصفا، فقال: هذا الصفا، ثم وضع الذي أخذ من المروة، فقال: هذه المروة، ثم أخذ ثلاثة أحجار فاسندها إلى شجرة وقال: هذا ربّكم، فجعلوا يطوفون بين الحجرين وعبدون
(١) تفسير الطبري: ٢٧/ ٧٧ مورد الآية، وفي تفسير القرطبي (١٧/ ١٠٠) بيت كان ببطن نخلة.
(٢) لتّ الشيء: دقه وفتّه وسحقه، ولتّ السويق: تلّه بشيء من الماء أو خلطه بالسمن (عن المنجد).
(٣) يسلى: يجمع، والاقط: لبن مجفف يابس، والحيس طعام من التمر والأقط والسمن.
(٤) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٥) الصحاح: ٣/ ٨٨٦.
(٦) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٠٠.
(٧) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
145
الحجارة حتى افتتح رسول الله مكة فأمر برفع الحجارة، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعهما
، وقال ابن زيد: هي بيت بالطائف كانت تعبده ثقيف.
وَمَناةَ قرأ ابن كثير بالمد، ومثله روى الشموني عن أبي بكر عن عاصم وأنشد:
ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة على الشنئ فيما بيننا ابن تميم «١»
والباقون بالقصر.
قال قتادة: هي حجارة كانت تعبد. ابن زيد: بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب.
الضحاك: مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة، وقيل: إن اشتقاقه من ناء النجم ينوء نوءا، وقال بعضهم: اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها «٢».
واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة، فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء، وقال بعضهم: كل شيء في القرآن مكتوب بالتاء فإنه يوقف عليه بالتاء نحو بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
وشَجَرَةُ الزَّقُّومِ ونحوهما، وما كان منها مكتوبا بالهاء فالوقف عليه بالهاء، وقال بعضهم:
الاختيار في كل ما لم يضف ان يكون بالهاء، نحو رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي وشَجَرَةً تَخْرُجُ وما كان مضافا فجائز بالهاء والتاء، فالتاء للإضافة والهاء لأنه تفرد دون التاء.
وأما قوله سبحانه الثَّالِثَةَ الْأُخْرى قال: العرب لا تقول للثالثة أخرى وأنّما الأخرى نعت للثانية، واختلفوا في وجهها فقال الخليل: إنّما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله:
مَآرِبُ أُخْرى ولم يقل: أخر، وقال الحسين بن الفضل: في الآية تقديم وتأخير، مجازها:
أفرأيتم اللات والعزى الاخرى ومناة الثالثة، ومعنى الآية: أَفَرَأَيْتُمُ أيها الزاعمون أن اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ بنات الله.
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى روى القواس والبزي عن ابن كثير بالهمز. الباقون بغير همز، وقال ابن عباس وقتادة: يعني قسمة جائرة حيث جعلتم لربّكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم. مجاهد ومقاتل: عوجا. الحسن: غير معتدلة. ابن سيرين: غير مستوية أن يكون لهم الذكور ولله الإناث. الضحاك: ناقصة. سفيان منقوصة. ابن زيد: مخالفة.
قال الكسائي: يقال فيه: ضاز يضيز ضيزا. ضاز يضوز ضوزا. ضاز يضاز ضأزا إذا ظلم ونقص. قال الشاعر:
ضازت بنو أسد بحكمهم إذ يجعلون الرأس كالذّنب «٣»
(١) لسان العرب: ١٤/ ٤٣٤.
(٢) راجع زاد المسير: ٧/ ٢٣٢. [.....]
(٣) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٠٢.
146
وأنشد الأخفش:
فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تغب فسهمك مضئوز وأنفك راغم «١»
وتقدير ضِيزى من الكلام فعلى بضم الفاء لأنها صفة من الصفات، والصفات لا تكون إلّا (فعلى) بضم الفاء، نحو: حبلى وأنثى ويسرى، أو (فعلى) بفتح الفاء نحو: غضبى وسكرى وعطشى، وليس في كلام العرب (فعلى) بكسر الفاء في النعوت، إنّما يكون في الأسماء نحو:
دفرى، وذكرى وشعري. قال المؤرخ: كرهوا ضم الضاد وخافوا انقلاب الياء واوا وهو من بنات الياء فكسروا الضاد لهذه العلّة، كما قالوا في جمع أبيض: بيض، والأصل بوض مثل:
حمر وصفر، وأما من قال: ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى.
إِنْ هِيَ يعني هذه الأوثان إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ قرأ العامة بالياء، وقرأ عيسى بالتاء إِلَّا الظَّنَّ في قولهم: إنّها آلهة وإنّها شفعاؤهم وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى لبيان أنّها ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلّا لله الواحد القهار.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٤ الى ٣٢]
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى اشتهى، وهم الكفار وزعموا أن الأصنام تشفع لهم عند الله، يعني: أتظنون أنّ لهم ما يتمنون من شفاعة الأصنام، ليس كما ظنوا أو تمنوا، بل لله الْآخِرَةُ وَالْأُولى، يعني الدنيا، يعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء، لا ما تمنّى الإنسان واشتهى، وهذا كقوله: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أي لا إله مع الله، وقال ابن زيد: إن كان محمد تمنّى شيئا فأعطاه الله ذلك فلا تنكروه.
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى يعطي من يشاء ما يشاء، ويحرم من يشاء ما يشاء.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ ممن يعبدونهم هؤلاء الكفار ويزعمون أنهم بنات الله
(١) جامع البيان للطبري: ٢٧/ ٧٩.
147
ويرجون شفاعتهم عند الله. لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى قال الأخفش: الملك موحّد ومعناه الجمع، وهو مثل قوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ.
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ أي كتسمية أو بتسمية الْأُنْثى وَما لَهُمْ وذلك حين قالوا: إنهم بنات الله سبحانه، تعالى الله عن افترائهم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ أي من العذاب شَيْئاً نظيره ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ. يعني أنها لا تشفع لهم، وأن ظنهم لا ينقذهم من العذاب.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعني القرآن، وقيل: الإيمان، وقيل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قال الفرّاء: وذلك حين قالوا: إنهم بنات الله، تعالى الله عن افترائهم وازرى بهم بعد ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ دينه وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ اختلفوا في معنى إِلَّا فقال قوم: هو استثناء صحيح، واللمم من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلّا ان يلم بالفاحشة ثم يتوب وتقع الوقعة ثم ينتهي، وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن وأبي صالح،
ورواية عطاء عن ابن عباس قال:
هو الرجل يلمّ بالفاحشة ثم يتوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
إن تغفر اللهم تغفر جمّا وأي عبد لك لا ألمّا «١»
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: اللمم: ما دون الشرك.
وقال آخرون: هو استثناء منقطع مجازه: لكن اللمم، ولم يجعل اللمم من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنما كانوا بالأمس يعملون معنا، فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه، وروى الوالبي عن ابن عباس، وقال بعضهم: هو صغار الذنوب مثل النظرة والغمزة والقبلة، وهو من ألمّ بالشيء إذا لم يتعمق فيه ولم يلزمه، وهو قول ابن مسعود ومسروق والشعبي وأبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان، ورواية طاوس عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما
قال أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظّه من الزنا أدركه ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق أو يكذبه، فإن تقدّم بفرجه كان زانيا وإلّا فهو اللمم» [١٣٠] «٢».
(١) تفسير الطبري: ٢٧/ ٨٧.
(٢) تفسير الطبري: ٢٧/ ٨٧، والمستدرك للحاكم ٢/ ٤٧٠
148
وقال ابن الزبير وعكرمة وقتادة والضحاك: هو ما بين الحدّين: حدّ الدنيا وعذاب الآخرة، وهي رواية العوفي والحكم بن عيينة عن ابن عباس، وقال الكلبي: اللمم على وجهين، كل ذنب لم يذكر عليه حدّا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة، فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر، والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلمّ به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه، وقال مقاتل: اللمم ما بين الحدّين من الذنوب. نزلت في نبهان التمار وقد مضت القصة في سورة آل عمران، وقال عطاء بن أبي رياح: اللمم عباده النفس الحين بن الحين، وقال سعيد بن المسيب:
هو ما لمّ على القلب، اي حظر، وقال محمد بن الحنفية: كل ما هممت به من خير أو شرّ فهو لمم.
ودليل هذا التأويل
الخبر المروي «إنّ للشيطان لمّة، وللملك لمّة، فلمّة الشيطان الوسوسة، ولمّة الملك الإلهام» «١» [١٣١]
وقال الحسين بن الفضل: اللمم: النظرة من غير تعمد، وهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب، وقال الفرّاء: اللمم: المتقارب من صغار الذنوب، وأصل اللمم والإلمام هو ما يعمله الإنسان المرة بعد المرة، والحين بعد الحين ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه. يقال: ألممت به إذا زرته وانصرفت، إلمام الخيال، قال الأعشى:
ألمّ خيال من قتيلة بعد ما وهي حبلها من حبلنا فتصرّما «٢»
وقال آخر:
أنى ألمّ بك الخيال يطيف ومطافه لك ذكرة وشغوف
إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ لا يتعاظمه ذنب، نظيره وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبد السلام الأصفهاني قال: حدّثنا محمد بن عاصم، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن أبي وائل قال: رأى أبو مسيرة عمرو بن شرحبيل، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله في المنام قال: رأيت كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة فقلت: لمن هذه؟ فقالوا: لذي الكلاع وحوشب- وكانا ممن قتل مع معاوية- فقلت فأين عمار وأصحابه؟ فقالوا: أمامك، قلت: وقد قتل بعضهم بعضا؟: إنهم لقوا الله سبحانه فوجدوه واسع المغفرة.
(١) في المصادر تفاوت: فأمّا لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب الحق، وأما لمّة الملك فإيعاد بالخير وتصديق الحق... » السنن الكبرى للنسائي: ٦/ ٣٠٥، ومسند أبي يعلى ٨/ ٤١٧، وصحيح ابن حبان: ٣/ ٢٧٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٠٩.
149
قال أبو خالد: بلغني أن ذا الكلاع أعتق اثنتي عشر ألف بنت.
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي خلق أباكم من التراب وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ جمع جنين، وهو الولد ما دام في البطن، سمّي جنينا لاجتنانه أي استتاره.
روى مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت اليهود إذا هلك لهم صديق قالوا: هو صديق.
فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «كذبوا ما من نسمة يخلقها الله سبحانه في بطن أمها إلّا شقي أو سعيد»
[١٣٢] «١» فأنزل الله سبحانه هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ.
فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ قال ابن عباس: لا تمدحوها. مجاهد وزيد بن أسلم: فلا تبرّئوها، وقال الكلبي ومقاتل: كان أناس يعملون أعمالا خبيثة ثم يقولون: صلاتنا وصيامنا وحجّنا. فأنزل الله سبحانه هذه،
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب [١٣٣] «٢».
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى الشرك فآمن،
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يعني عمل حسنة وارعوى عن سيئة
، وقال الحسن: أخلص العمل لله.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٣ الى ٤٤]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)
أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى... الآيات، قال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك: نزلت في عثمان بن عفان رضوان الله عليه كان يتصدق وينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يبقى لك شيء. فقال عثمان: إن لي ذنوبا وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله وأرجو عفوه. فقال له عبد الله:
أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة والنفقة فأنزل الله سبحانه أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى يعني يوم أحد حين نزل ترك المركز «٣».
وَأَعْطى يعني صاحبه قَلِيلًا وَأَكْدى ثم قطع نفقته فعاد عثمان رضي الله عنه إلى أحسن ذلك وأجمله.
(١) كنز العمال: ١/ ١٢٢.
(٢) مسند أحمد: ٢/ ٩٤.
(٣) مراده حين ترك مركز القتال.
150
وقال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على دينه فعيّره بعض المشركين وقال له: أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار، كان ينبغي لك ان تنصرهم. قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له الذي عاتبه ان هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله، ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له، ثم بخل ومنحه تمام ما ضمن له
فأنزل الله سبحانه أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى أدبر عن الإيمان وَأَعْطى يعني صاحبه الضامن قَلِيلًا وَأَكْدى بخل بالباقي، وقال مقاتل: يعني أَعْطى الوليد قَلِيلًا من الخير بلسانه ثم أَكْدى اي قطعه ولم يقم عليه.
وروى موسى بن عبيدة الزبيدي عن عطاء بن يسار قال: نزلت في رجل قال لأهله:
جهّزوني انطلق إلى هذا الرجل- يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم- فتجهّز وخرج، فلقيه رجل من الكفار فقال له:
أين تريد؟ قال: محمدا، لعلّي أصيب من خيره، فقال له الرجل: أعطني جهازك وأحمل عنك إثمك، فنزلت فيه هذه الآية.
وروي عن السدّي أيضا قال: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنّه كان ربما يوافق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأمور، وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد إلّا بمكارم الأخلاق فذلك قوله: أَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى أي لم يؤمن.
قال المفسّرون: أَكْدى أي قطعه ولم يقم عليه، وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر ويمنع من الحفر ويؤيس من الماء.
قال الكسائي: تقول العرب: أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل، وقال: كديت أصابعه إذا محلت، وكديت يده إذا كلّت فلم يعمل شيئا، وكدى النبت إذا قلّ ريعه، وقال المؤرخ: أَكْدى أي منع الخير، قال الحطيئة:
فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ومن يبذل المعروف في الناس يحمد «١»
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ يخبر بِما فِي صُحُفِ مُوسى يعني أسفار التوراة وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ما أرسل به من تبليغ رسالة الله وهي قوله: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى روى عكرمة وطاوس عن ابن عباس قال: كانوا قبل إبراهيم صلوات الله عليه يأخذون الرجل بذنب غيره، ويأخذون الولي بالولي في القتل، حتى أنّ الرجل يقتل بأبيه وأخيه وابنه وعمه وخاله، والزوج يقتل بامرأته، والسيد يقتل بعبده، حتى كان إبراهيم عليه السّلام فنهاهم عن ذلك وبلّغهم عن الله أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
(١) تفسير القرطبي: ١٧/ ١١٢.
151
وقال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد: عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربّه الى خلقه مجاهد: وفّى بما فرض عليه. ربيع: وفّى رؤياه وقام بذبح ابنه. عطاء الخراساني: استعمل الطاعة. أبو العالية: وفّى بتمام الإسلام وهو قوله: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، وما ابتلى بهذا الدين أحد فأقام سهامه كلها إلّا إبراهيم، والتوفية: الإتمام. فقال: وفيت عليه حقّه ووفرته، قال الله سبحانه: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ. سفيان بن عيينة: أدّى الأمانة. الضحّاك:
وفّى بشأن المناسك. عطاء بن السائب: بلغني أن إبراهيم كان عهد أن لا يسأل مخلوقا شيئا، فلمّا قذف في النار وأتاه جبريل فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فأثنى الله سبحانه وتعالى عليه بقيامه بما قال ووفائه بما عهد فقال عز من قائل: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى. الحسين ابن الفضل: وَفَّى بشأن الأضياف حتى سمّي أبا الأضياف. أبو بكر الورّاق: قام بشرط ما ادّعى، وذلك ان الله سبحانه قال له: أسلم قال: أسلمت، فطالبه الله سبحانه بصحة دعواه، فابتلاه في ماله وولده ونفسه، فوجده في ذلك كلّه وافيا، فقال سبحانه وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أي ادعى الإسلام ثم صحح دعواه.
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في تفسير هذه الآية قولان:
أحدهما: ما
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا حسين، قال: حدّثنا ابن لهيعة قال: حدّثنا ريان بن فائد عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألا أخبركم لم سمّى تعالى إبراهيم خليله الذي وفّى لأنه كان يقول كلّما أصبح وأمسى: سُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ حتى تختم الآية» [١٣٤] «١».
والآخر: ما
أخبرنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: حدّثنا أحمد بن الفرج المقري، قال: حدّثنا أبو عمر، قال: حدّثنا نصر بن علي قال: أخبرنا معمر بن سليمان عن جعفر عن القاسم عن أبي أمانة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال:
«أتدرون بما وفّى؟» [١٣٥] قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: وَفَّى: يعني عمل يومه بأربع ركعات «٢» كان يصلّيهن من أول النهار [١٣٦].
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ملك قال: حدّثنا ابن حنبل، قال: حدّثنا أبي: قال:
حدّثنا ابن مهدي، قال: حدّثنا معاوية عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» [١٣٧].
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال: حدّثنا أبو طلحة أحمد بن
(١) جامع البيان للطبري: ١/ ٧٣٥،
(٢) جامع البيان للطبري: ١/ ٧٣٥
152
محمد بن عبد الكريم قال: حدّثنا نصر بن علي قال: حدّثنا المعمر بن سليمان، قال: حدّثنا محمد بن المعتصم ابو جميل عن أبي يزيد عن سعيد بن جبير أنه قرأ وإبراهيم الذي وفى خفيفة.
فأما الجامع بين قوله سبحانه: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وبين قوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ فهو ما قال الحسين بن الفضل: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى طوعا، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ كرها.
أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: حدّثنا عبد الله بن أياد بن لقيط عن أبي رمتة، قال: انطلقت مع أبي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما رأيته قال لي أبي: أتدري من هذا؟، هذا رسول الله. قال: فاقشعررت عن ذلك حين قال لي، وكنت أظن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذا وفرة بها ردع من حناء وعليه ثوبان أخضران، فسلّم عليه أبي، ثم جلسنا فتحدّثنا ساعة ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي: «هذا ابنك؟» قال أبي: ورب الكعبة حقا أشهد به، فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا من تثبيت شبهي في أبي، ومن حلف أبي عليّ قال: «أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. ثم نظر أبي إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال: يا رسول الله إني أطبّب «١» الرجال، ألا أعالجها لك؟ قال: «لا طبيبها الذي خلقها» [١٣٨] «٢».
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى أي عمل. نظيره قوله سبحانه: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى.
قال ابن عباس: هذه الآية منسوخة، فأنزل الله بعدها وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذريّاتهم وما ألتناهم فادخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة،
وقال عكرمة: كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، فأما هذه الأمّة فلهم ما سعوا وما سعى غيرهم. بخير سعد حين سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل لأمّي إن تطوعت عنها؟ قال: «نعم» [١٣٩]، وخبر المرأة التي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن أبي مات ولم يحجّ، قال: «فحجي عنه» [١٤٠].
وقال الربيع بن أنس: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ يعني الكافر، فأمّا المؤمن فله ما سعى وما سعي، وقيل: ليس للكافر من الخير إلّا ما عمله فيثاب عليه في دار الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير.
ويروى أن عبد الله بن أبيّ كان أعطى العباس قميصا ألبسه إياه، فلمّا مات عبد الله أرسل رسول الله قميصه ليكفّن فيه. فلم تبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها.
(١) في المصدر: كأطب.
(٢) صحيح ابن حبان: ١٣/ ٣٣٧، والمعجم الكبير: ٢٢/ ٢٧٩. [.....]
153
وسمعت ابن حبيب يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب يقول: سمعت أبي يقول: دعا عبد الله بن طاهر والي خراسان الحسين بن الفضل قال: أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي، قال: وما هي أيّها الأمير؟، قال: قوله تعالى في وصف ابني آدم فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
وصحّ الخبر بأن «الندم توبة»
[١٤١]، وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ،
وصحّ الخبر «جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة»
[١٤٢]، وقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى فما بال الأضعاف فقال الحسين: يجوز ان لا يكون ندم قابيل توبة له، ويكون ندم هذه الأمة توبة لها، إن الله سبحانه خص هذه الأمة بخصائص لم يشركهم فيها الأمم.
وفيه قول آخر: وهو أن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، وإنما كان على حمله، وأما قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى يعني عن طريق العدل، ومجاز الآية: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى عدلا، [ولى أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا]، وأمّا قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فإنّها شؤون يعيدها لا شؤون يبديها، ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت. قال: فقام عبد الله بن طاهر وقبّل رأسه وسوّغ خراجه.
قال أبو بكر الوراق: إِلَّا ما سَعى أي نوى، بيانه
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث الناس على نيّاتهم»
[١٤٣] «١».
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى قال الأخفش: يقال: جزيته الجزاء وجزيته بالجزاء لا فرق بينهما، قال الشاعر:
إن أجز علقمة بن سعد سعيه لم أجزه ببلاء يوم واحد «٢»
فجمع بين اللغتين.
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى أي منتهى الخلق ومصيرهم، وهو مجازيهم بأعمالهم، وقيل:
منه ابتداء المنّة وإليه انتهاء الآمال.
أخبرني الحسن بن محمد السفياني قال: حدّثنا محمد بن سماء بن فتح الحنبلي، قال:
حدّثنا علي بن محمد المصري قال: حدّثنا اسحق بن منصور الصعدي، قال: حدّثنا العباس بن زفر عن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله سبحانه: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال: «لا فكرة في الله «٣» » [١٤٤].
والشاهد لهذا الحديث ما
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن شيبة، قال: حدّثنا عمير بن
(١) سنن ابن ماجة: ٢/ ١٤١٤، كنز العمال: ٣/ ٤١٩ ج ٧٢٤٢.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١١٥.
(٣) كنز العمال: ٣/ ٦٩٦.
154
مرداس قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم السلمي، قال: حدّثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا ذكر الله عز وجل فانتهوا» [١٤٥] «١».
[أخبرنا] أبو منصور محمد بن عبد الله الجمشاذي لفظا سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، قال:
حدّثنا أبو محمد عبد الرّحمن بن محمد بن مجبور قال: حدّثنا أبو يحيى البزاز قال: حدّثني محمد ابن زكريا، قال: حدّثني إبراهيم بن الجنيد، قال: محمد بن يحيى المغني، قال: حدّثنا داود عم الحسين بن قابيل عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه وهم يتفكرون، فقال: «فيم أنتم؟» قالوا: نتفكر في الخالق. فقال: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق، فإنه لا تحيط به الفكرة، تفكّروا أنّ الله خلق السموات والأرض سبعا غلظ كل أرض خمسمائة عام، وما بين كلّ أرضين خمسمائة عام، وما بين السماء والأرض خمسمائة عام، غلظ كل سماء خمسمائة عام، وما بين كل سمائين خمسمائة عام، وفي السماء السابعة بحر عمقه مثل ذلك كلّه، فيه ملك لم يجاور الماء كعبه» [١٤٦] «٢».
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ من شاء من خلقه وَأَبْكى من شاء منهم.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الخطاب، قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل، قال:
حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، قال: حدّثتنا دلال بنت أبي المدل، قالت: حدّثتنا الصهباء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: مرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على قوم يضحكون فقال: «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» [١٤٧] فنزل عليه جبريل فقال: إن الله تعالى يقول: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى فرجع إليهم فقال «ما خطوت أربعين خطوة حتى أتى جبريل وقال: أئت هؤلاء فقل لهم: إن الله عز وجل يقول: هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى» [١٤٨] «٣».
وقال عطاء بن أبي أسلم: يعني: أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء.
سمعت أبا منصور الحمساذي يقول: سمعت أبا بكر بن عبد الله الرازي يقول: سمعت يوسف بن جبير يقول: سئل طاهر المقدسي: أتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم، وقيل لعمر: هل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحكون؟ قال: نعم والله، والإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي، وقال مجاهد: أَضْحَكَ اهل الجنة في الجنة، وَأَبْكى أهل النار في النار، وقال الضحاك: أَضْحَكَ الأرض بالنبات وَأَبْكى السماء بالمطر، وقيل: أَضْحَكَ الأسحار بالأنوار وَأَبْكى السماء بالأمطار. ذو النون: أَضْحَكَ قلوب
(١) مسند الشاميين: ٣/ ٣٠٨ ج ٢٣٥٠.
(٢) صدر الحديث في تفسير القرطبي: ٤/ ٣١٤، وذيله في تفسير الطبري: ٢٨/ ١٩٥.
(٣) تفسير القرطبي: ١٧/ ١١٦.
155
المؤمنين والعارفين بشمس معرفته، وَأَبْكى قلوب الكافرين العاصين بظلمة نكرته ومعصيته.
سهل: أَضْحَكَ المطيع بالرحمة وَأَبْكى العاصي بالسخط. محمد بن علي الترمذي: أَضْحَكَ المؤمن في الآخرة، وأبكاه في الدنيا. قسام بن عبد الله: أَضْحَكَ أسنانهم وَأَبْكى قلوبهم وأنشد في معناه:
اللسن تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكها زور ومختلق
يا ربّ باك بعين لا دموع لها وربّ ضاحك سنّ ما به رمق «١»
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ أفنى في الدنيا وَأَحْيا للبعث، وقيل: أَماتَ الآباء وَأَحْيا الأبناء، وقيل: أَماتَ النطفة وَأَحْيا النسمة، وقيل: أَماتَ الكافر بالنكرة والقطيعة، وَأَحْيا المؤمن بالمعرفة والوصلة، قال سبحانه: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وقال القاسم: أَماتَ عن ذكره وَأَحْيا بذكره. ابن عطاء: أَماتَ بعدله وَأَحْيا بفضله، وقيل: أَماتَ بالمنع والبخل وَأَحْيا بالجود والبذل.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٤٥ الى ٦٢]
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩)
وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى تصبّ في الرحم، يقال: مني الرجل وأمنى، قاله الضحاك، وعطاء بن أبي رياح، وقال آخرون: تقدّر، يقال: منيت الشيء إذا قدّرته، ويقال: ارض بما يمنى لك الماني، ومنه سمّيت المنية لأنها مقدّرة، وأصلها ممنيّة.
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى الخلق الآخر، يعيدهم أحياء.
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى قال أبو الصلاح: أَغْنى الناس بالمال، وَأَقْنى: أعطى القينة وأصول الأموال. الضحّاك: أَغْنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال، وَأَقْنى بالإبل والغنم والبقر. مجاهد والحسن وقتادة: أخدم. ابن عباس: أرضى بما أعطى، وهي رواية بن أبي نجيح وليث عن مجاهد. سليمان التيمي عن الحضرمي: أَغْنى نفسه وأفقر الخلائق إليه. ابن زيد:
أَغْنى: أكثر وأفقر: أقل، وقرأ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ. الأخفش أَقْنى: أفقر. ابن كيسان: أولد.
(١) تفسير القرطبي: ١٧/ ١١٧.
156
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وهي كوكب خلف الجوزاء تتبعه، يقال له مرزم الجوزاء، وهما شعريان يقال لأحدهما: العبور، وللأخرى: الغميضاء.
وقالت العرب في خرافاتها: إن سهيلا والشعرتين كانت مجتمعة فأخذ سهيل فصار يمانيا فتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة، فسمّيت العبور، فأقامت الغميضاء فبكت لفقد سهيل حتى غمضت عينها لأنه أخفى من الآخر، وأراد هاهنا الشعرى العبور، وكانت خزاعة تعبده، وأول من سنّ لهم ذلك رجل من أشرافهم يقال له: أبو كبشة عبد الشعرى العبور وقال: لأن النجوم تقطع السماء عرضا والشعرى طولا فهي مخالفة لها، فعبدتها خزاعة جميعا، فلمّا خرج رسول الله على خلاف العرب في الدين شبّهوه بأبي كبشة فسمّوه بأبي كبشة، بخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى.
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وهم قوم هود.
وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو ويعقوب عادا الأولى مدرجا مدغما، وهمز واوه نافع برواية المسيبي، وقال بطريق الحلواني: ، والعرب تفعل ذلك فتقول: قم لان عنّا. يريدون جقم الآن عنّاج وضمّ لثنين يريدون: ضم الإثنين.
وَثَمُودَ يعني قوم صالح فَما أَبْقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى وَالْمُؤْتَفِكَةَ المنقلبة، وهي قرى لوط الأربع: صنواهم، وداذوما، وعامورا، وسدوم. أَهْوى يعني اهواها جبريل إلى الأرض بعد ما رفعها إلى السماء.
فَغَشَّاها ما غَشَّى يعني الحجارة المنضودة المسوّمة.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ أي نعمائه عليك تَتَمارى تشك وتجادل.
هذا يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم نَذِيرٌ رسول مِنَ النُّذُرِ الرسل الْأُولى أرسل إليكم كما أرسلوا الى أقوامهم، وهذا كما يقال: فلان واحد من بني آدم، وواحد من الناس، وقال أبو ملك: يعني هذا الذي أنذرتكم به من وقائع الأمم الخالية العاصية في صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى.
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ قربت القيامة.
لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ مطهرة مقيمة، و (الهاء) فيه للمبالغة، بيانه قوله: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ، وقال قتادة: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ رادّ، وقيل: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كشف وقيام، ولا تقوم إلّا بإقامة الله إياها، وهي على هذا القول اسم و (الهاء) فيه كالهاء في الباقية والعافية والراهية. ثم قال لمشركي العرب: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ساهون لاهون غافلون. يقال: دع عنك سمودك أي لهوك، وهي رواية الوالبي والعوفي عن ابن عباس، وقال عكرمة: عنه هو الغناء وكانوا إذا سمعوا القرآن سمدوا ولعبوا، وهي لغة أهل اليمن يقولون: اسمد لنا أي تغنّ.
157
قال الكلبي: السامد: الحزين بلسان طيئ، وبلسان أهل اليمن: اللاهي. الضحّاك:
أشرون بطرون. قال: وقال ابن عباس: كانوا يمرّون على النبي صلّى الله عليه وسلّم شامخين، ألم تر إلى الفحل يخطر شامخا. عكرمة: هو الغناء باللغة الحميرية.
قال أبو عبيدة: يقال للجارية: اسمدي لنا أي غنّي. مجاهد: غضاب مبرطمون، فقيل له:
ما البرطمة قال الإعراض.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن صقلاب، قال: حدّثنا ابن أبي الخصيب. قال: حدّثنا محمد بن يونس، قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو الباهلي قال: حدّثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: لمّا نزلت هذه الآية أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ بكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصرّ على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله سبحانه بقوم يذنبون ثم يغفر لهم» [١٤٩] «١».
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد قال: حدّثنا أبي.
قال: حدّثنا إبراهيم بن خالد، قال: حدّثنا رباح قال: حدّثنا أبو الجراح عن رجل من أصحابهم يقال له: حارم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكي فقال له: من هذا؟ قال: «فلان» [١٥٠] «٢» قال: إنّا نزن أعمال بني آدم كلها إلّا البكاء فإن الله سبحانه ليطفئ بالدمعة بحورا من نيران جهنم.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن حمدان بن عبد الله، قال: حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال: حدّثنا جعفر بن محمد أبو بكر الجرار، قال: حدّثنا سعيد بن يعقوب والطالقاني، قال:
حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا إسماعيل بن رافع، قال: حدّثني ابن أبي مليكة الأحول عن عبد الله بن السائب، قال: قدم علينا سعد بن أبي وقاص بعد ما كفّ بصره، فأتيته مسلّما عليه، فانتسبني فانتسبت، فقال: مرحبا بابن أخي بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» [١٥١] «٣».
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا القطيعي، قال: حدّثنا عبد الله، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا وكيع، قال: حدّثنا زياد بن أبي مسلم عن صالح أبي الخليل، قال: لما نزل أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ما رأي النبي صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا.
(١) كنز العمال: ٣/ ١٥٠ ج ٥٩١٧.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٢٢.
(٣) سنن ابن ماجة: ١/ ٤٢٤.
158
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا
أخبرنا الحسين قال: حدّثنا ابن حمدان، قال: حدّثنا ابن ماهان، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن محبوب بن حسان البصري، قال: حدّثنا عبد الوارث ابن سعيد قال: حدّثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة النجم فسجد فيها، فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
وأخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا مكي بن عبدان، قال: حدّثنا محمد بن يحيى، قال: وفيما قرأت على عبد الله بن نافع، وحدّثني مطرف بن عبد الله، عن ملك، عن ابن شهاب، عن عبد الرّحمن الأعرج عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قرأ لهم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فسجد فيها.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا بن حمدان، قال: حدّثنا بن ماهان، قال: حدّثنا عبد الله ابن مسلمة عن ابن أبي ذيب عن زيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند النبي بالنجم صلّى الله عليه وسلّم فلم يسجد فيها.
159
Icon