تفسير سورة البلد

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة البلد من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة البلد وهي مكية

قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد﴾ مَعْنَاهُ: أقسم، و " لَا " صلَة.
قَالَ الْفراء: وَهُوَ على مَذْهَب كَلَام الْعَرَب يَقُولُونَ: لَا وَالله لَا أفعل كَذَا.
أَي: وَالله، وَكَذَلِكَ لَا وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَي: وَالله، فَيجوز أَن تكون " لَا " صلَة، وَيجوز أَن يكون ردا لقَوْل سَابق، وَابْتِدَاء الْقسم من قَوْله وَالله، فَكَذَلِك قَوْله: ﴿لَا أقسم﴾ يجوز أَن يكون " لَا " صلَة، وَيجوز أَن يكون ردا لزعمهم من إِنْكَار الْبَعْث أَو إِنْكَار نبوة الرَّسُول، وَالْقسم من قَوْله: ﴿أقسم﴾ وَقَالَ الْفراء: هَذَا الثَّانِي أولى.
وَقَوله: ﴿بِهَذَا الْبَلَد﴾ هُوَ مَكَّة فِي قَول الْجَمِيع، ذكره مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَقَتَادَة وَغَيرهم.
وَقَوله: ﴿وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد﴾ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَي: حَلَال لَك أَن تقَاتل فِي هَذَا الْبَلَد، وَلم يحل لأحد قبلك، وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " إِن مَكَّة حرَام، حرمهَا الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، لم تحل لأحد قبلي، وَلَا تحل لأحد بعدِي، وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار ".
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد﴾ أَي: استحلوا مِنْك مَا حرمه الله من الْأَذَى، وإيصال الْمَكْرُوه إِلَيْك مَعَ اعْتِقَادهم حُرْمَة الْحرم، ذكره الْقفال.
وَالْقَوْل الثَّالِث: ﴿وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد﴾ أَي: نَازل بِهَذَا الْبَلَد، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى زِيَادَة حُرْمَة وَشرف للبلد لمَكَان النَّبِي فِيهِ.
225
﴿ووالد وَمَا ولد (٣) ﴾
226
وَقَوله: ﴿ووالد وَمَا ولد﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو صَالح مَعْنَاهُ: آدم وَولده، وَعَن أبي عمرَان [الْجونِي] : هُوَ إِبْرَاهِيم وَولده.
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن قَوْله: ﴿ووالد وَمَا ولد﴾ هُوَ الْوَالِد والعاقر، معنى الَّذِي يلد، وَالَّذِي لَا يلد، فَتكون مَا للنَّفْي.
وَقَوله: ﴿لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد﴾ على هَذَا وَقع الْقسم، (وَمعنى الْقسم) وَمعنى الكبد: الشدَّة.
وروى شريك، عَن عَاصِم، عَن زر عَن عَليّ فِي قَوْله: ﴿ووالد وَمَا ولد﴾ آدم وَذريته، على مَا ذكرنَا.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بذلك أَبُو مُحَمَّد الصريفيني، أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، أخبرنَا عَليّ بن الْجَعْد، عَن شريك... الْأَثر.
وَأما الكبد بَينا أَنه الشدَّة.
وروى عَليّ بن الْجَعْد، عَن عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لَيْسَ أحد يكابد من الشدَّة مَا يكابده الْإِنْسَان.
وَقَالَ سعيد " خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد " أَي: فِي مضائق الدُّنْيَا وشدائد الْآخِرَة.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِمَا ذكرنَا عَن الْحسن: الصريفيني، عَن [ابْن] حبابة، عَن الْبَغَوِيّ، عَن عَليّ ابْن الْجَعْد.
وَقيل فِي تَفْسِير الكبد: هُوَ أَنه يكابد ضيق الرَّحِم، وعسر الْخُرُوج من بطن الْأُم، ثمَّ يكون فِي الرِّبَاط والقماط، ثمَّ نَبَات الْأَسْنَان، ثمَّ الْخِتَان، ثمَّ إِذا بلغ التكليفات والأوامر والنواهي، ثمَّ يكابد أَمر معيشته، وَالْأَحْوَال المنقلبة عَلَيْهِ إِلَى أَن
226
﴿لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد (٤) أيحسب أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد (٥) يَقُول أهلكت مَالا لبدا (٦) أيحسب أَن لم يره أحد (٧) ﴾ يَمُوت، ثمَّ بعد ذَلِك مَا يعود إِلَى أهوال الْقَبْر وأهوال الْقِيَامَة، إِلَى أَن يسْتَقرّ فِي إِحْدَى المنزلتين.
وَقَالَ لبيد فِي الكبد.
﴿يَا عين هلا بَكَيْت أَرْبَد إِذْ قمنا وَقَامَ الْخُصُوم فِي كبد﴾
أَي: فِي شدَّة.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَمُجاهد وَعبد الله بن شَدَّاد: فِي كبد أَي: فِي انتصاب، وَالْمعْنَى: أَنه خلق منتصبا فِي بطن أمه، غير منْكب على وَجهه بِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات.
وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن الله تَعَالَى وكل ملكا بِالْوَلَدِ فِي بطن الْأُم فَإِذا قَامَت الْمَرْأَة، أَو اضطجعت رفع رَأس الْوَلَد؛ لِئَلَّا يغرق فِي الدَّم.
227
قَوْله تَعَالَى: ﴿أيحسب الْإِنْسَان أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد﴾ نزلت الْآيَة فِي [أبي] الأشدين، فَكَانَ رجلا من بني جمح من أقوى قُرَيْش وأشدهم، وَكَانَ يبسط لَهُ الْأَدِيم العكاظي، فَيقوم عَلَيْهِ، ويجتمع الْقَوْم على الْأَدِيم، فيجذبونه من تَحت قدمه فَيَنْقَطِع وَلَا تَزُول قدمه، وَكَانَ شَدِيدا فِي عَدَاوَة النَّبِي، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة فِيهِ.
وَمَعْنَاهُ: أيظن أَن لن يقدر عَلَيْهِ الله، وَقَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ مغترا بقوته وشدته.
وَقَوله: ﴿يَقُول أهلكت مَالا لبدا﴾ أَي: أنفقت مَالا كثيرا فِي عَدَاوَة مُحَمَّد، و " لبدا " أَي: بعضه على بعض.
قَالَ الْكَلْبِيّ: (وَكَانَ يكذب فِي ذَلِك،
فَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿أيحسب أَن لم يره أحد﴾ أيحسب أَن الله لم ير مَا أنفقهُ، وَيُقَال: أيحسب أَن لم يطلع الله على فعله فيكذب، وَلَا يعلم الله كذبه.
قَالَ معمر: قُرِئت هَذِه الْآيَة عِنْد قَتَادَة، فَقَالَ: أيحسب أَن لن يسْأَله الله تَعَالَى من أَيْن جمعه، وَأَيْنَ أنفقهُ؟.
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " يُؤْتى بِالْعَبدِ يَوْم
227
﴿ألم نجْعَل لَهُ عينين (٨) وَلِسَانًا وشفتين (٩) وهديناه النجدين (١٠) ﴾ الْقِيَامَة، فَيُقَال لَهُ: مَاذَا عملت بِمَالك؟ فَيَقُول: أنفقت، وزكيت طلبا لرضاك، فَيَقُول: كذبت إِنَّمَا أنفقت وَأعْطيت، ليقال: فلَان سخي، وَقد قيل ذَلِك، فجروه إِلَى النَّار ".
وَالْخَبَر طَوِيل صَحِيح خرجه مُسلم.
وَمن الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ: " لَا تَزُول قدما ابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يسْأَل عَن أَرْبَعَة: عَن عمره فِيمَا أفناه، وَعَن جسده فِيمَا أبلاه، وَعَن مَاله من أَيْن كَسبه وَأَيْنَ وَضعه ".
228
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم نجْعَل لَهُ عينين﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: ثمَّ إِن الله تَعَالَى ذكر نعمه عَلَيْهِ وعظيم قدرته، ليعرف أَن الله تَعَالَى قَادر على إِعَادَته يَوْم الْقِيَامَة خلقا جَدِيدا، وَأَنه مسئول عَمَّا يَفْعَله.
وَقَوله: ﴿وَلِسَانًا وشفتين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وهديناه النجدين﴾ قَالَ ابْن مَسْعُود: سَبِيل الْخَيْر وسبيل الشَّرّ.
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن قَوْله: ﴿وهديناه النجدين﴾ أَي: الْيَدَيْنِ.
وَالْقَوْل الأول أشهر، وَهُوَ قَول أَكثر الْمُفَسّرين.
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِنَّمَا هما نجدان، نجد خير، ونجد شَرّ، فَلَا تجْعَل نجد الشَّرّ أحب السَّبِيل من نجد الْخَيْر ".
228
﴿فَلَا اقتحم الْعقبَة (١١) وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة (١٢) فك رَقَبَة (١٣) ﴾
229
وَقَوله: ﴿فَلَا اقتحم الْعقبَة﴾ أَي: فَهَلا أنْفق مَاله الَّذِي أنفقهُ فِي عَدَاوَة مُحَمَّد فِي اقتحام الْعقبَة، وَيُقَال: ﴿فَلَا اقتحم الْعقبَة﴾ أَي: لم يقتحم الْعقبَة، وَمَعْنَاهُ: لم يجاوزها، وَقيل: إِن الْعقبَة جبل فِي النَّار، وَيُقَال: هبوط وصعود، مصعد سَبْعَة آلَاف سنة، ومهبط ألف سنة.
وَقيل: مصعد ألف عَام، وفيهَا غِيَاض ممتلئة من الأفاعي والحيات والعقارب.
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي الْعقبَة: إِنَّهَا مجاهدة النَّفس والهوى والشيطان.
فعلى هَذَا ذكر الْعقبَة تَمْثِيل؛ لِأَن الْعقبَة يشق صعدوها، كَذَلِك الْإِنْسَان يشق عَلَيْهِ مجاهدة النَّفس والشيطان.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة﴾ أَي: فَمَا أَدْرَاك (مَا تجَاوز بهَا) الْعقبَة، ثمَّ فسر فَقَالَ: ﴿فك رَقَبَة﴾ وَفك الرَّقَبَة إعْتَاقهَا.
وروى عقبَة بن عَامر: أَن النَّبِي قَالَ: " من أعتق رَقَبَة، كَانَت فكاكه من النَّار ".
وَمن الْمَعْرُوف أَن رجلا أَتَى النَّبِي فَقَالَ: " يَا رَسُول الله، عَلمنِي عملا يدخلني الْجنَّة، فَقَالَ: لَئِن أقصرت الْخطْبَة فقد أَعرَضت فِي الْمَسْأَلَة، أعتق النَّسمَة، وَفك الرَّقَبَة، فَقَالَ: أوليسا وَاحِدًا يَا رَسُول؟ قَالَ: لَا، عتق النَّسمَة أَن تنفرد بِعتْقِهَا، وَفك الرَّقَبَة أَن تعين فِي ثمنهَا، وَعَلَيْك بالفيء على ذِي الرَّحِم الظَّالِم، فَإِن لم يكن ذَلِك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وَأمر بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنه
229
﴿أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة (١٤) يَتِيما ذَا مقربة (١٥) ﴾. عَن الْمُنكر، فَإِن لم تطق ذَلِك، فَكف لسَانك إِلَّا من خير ".
وَورد - أَيْضا - عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من أعتق رَقَبَة مسلمة، أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار ".
وَالْخَبَر صَحِيح.
وَقُرِئَ: " فك رَقَبَة "، فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فَمَعْنَاه: هِيَ فك رَقَبَة، وَمن قَرَأَ بِالنّصب فَمَعْنَاه: لَا يقتحم الْعقبَة إِلَّا من فك رَقَبَة.
230
ثم فسر فقال :( فك رقبة ) وفك الرقبة إعتاقها. وروى عقبة بن عامر : أن النبي قال :" من أعتق رقبة، كانت فكاكه من النار " ١. ومن المعروف أن رجلا أتى النبي فقال :" يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال : لئن أقصرت الخطبة فقد أعرضت في المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة، فقال : أوليسا واحدا يا رسول ؟ قال : لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها، وعليك بالفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم يكن ذلك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وأنه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من خير " ٢.
وورد - أيضا - عن النبي أنه قال :" من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " ٣. والخبر صحيح.
وقرئ :" فك رقبة "، فمن قرأ بالرفع فمعناه : هي فك رقبة، ومن قرأ بالنصب فمعناه : لا يقتحم العقبة إلا من فك رقبة.
١ - رواه أحمد ( ٤ /١٤٧)، و الطيالسى ( ١٣٦ رقم ١٠٠٩)، و أبو يعلى ( ٣ /٢٩٦ – ٢٩٧ رقم ١٧٦٠). و الطبراني في الكبير ( ١٧/ ٣٣٢ -٣٣٣ رقم ٩١٨ -٩١٩- ٩٢٠ )، و الحاكم ( ٢ /٢١١) و صححه.
و قال الهيثمي في المجمع (٤ /٢٤٥ ) : رواه أحمد، أبو يعلى و الطبراني، و رجاله رجال الصحيح خلا فيس الجذامي، ولم يضع أحد.
و قال المنذري في الترغيب ( ٣/٣٠) : رواه أحمد يإسناد صحيح..

٢ - رواه البخاري في الأدب المفرد ( رقم ٦٩)، و أحمد ( ٤ /٢٩٩)، و الطيلسى ( ١٠٠ رقم ٧٣٩)، و ابن حبان في صحيحه (كم في موارد الظمآن)، و الدارقطنى (٢/١٣٥)، الحاكم ( ٢ /٢١٧) و صححه، و البيهقي ( ١٠ /٢٧٢ -٢٧٣)، و البغوي في تفسير ( ٤ /٢٩٠) عن البراء بن عازب مرفوعا به..
٣ - متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري ( ٥ /١٧٤ رقم ٢٥١٧ و طرفه : ٦٧١٥)، و مسلم ( ١٠ /٢١٢-٢١٣ رقم ١٥٠٩)..
وَقَوله: ﴿أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة﴾ أَي: إطْعَام مِسْكين فِي يَوْم ذِي جوع والسغب: الْجُوع، والمسغبة: المجاعة.
قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَو كنت جارا يَابْنَ قيس بن عَاصِم لما بت شبعانا وجارك ساغب)
أَي: جَائِع.
وَقَوله: تَعَالَى: ﴿يَتِيما ذَا مقربة﴾ أَي: ذَا قرَابَة، واليتيم هُوَ الَّذِي لَا وَالِد لَهُ، وَيُقَال: هُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ.
قَالَ قيس بن الملوح:
وَقَوله: ﴿أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة﴾ أَي: لصق بِالتُّرَابِ من الْفقر.
قَالَ مُجَاهِد: لَا يحول بَينه وَبَين التُّرَاب شَيْء.
وَقيل: ذَا مَتْرَبَة، أَي: ذَا زمانة، وَقيل ذَا مَتْرَبَة أَي: لَيْسَ لَهُ أحد من النَّاس.
230
﴿أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة (١٦) ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة (١٧) أُولَئِكَ أَصْحَاب الميمنة (١٨) وَالَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا هم أَصْحَاب المشأمة (١٩) عَلَيْهِم نَار مؤصدة (٢٠) ﴾.
231
وَقَوله: ﴿ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي: يقتحم الْعقبَة من فعل هَذِه الْأَشْيَاء، فَكَانَ من الَّذين آمنُوا.
فَإِن قيل: كلمة " ثمَّ " للتراخي بِاتِّفَاق أهل اللُّغَة، فَكيف وَجه الْمَعْنى فِي الْآيَة، وَقد ذكر الْإِيمَان متراخيا عَن هَذِه الْأَشْيَاء؟
وَالْجَوَاب: قَالَ النّحاس: هُوَ مُشكل، وَأحسن مَا قيل فِيهِ أَن مَعْنَاهُ: ثمَّ أخْبركُم أَنه كَانَ من الَّذين آمنُوا حِين فعل هَذِه الْأَشْيَاء، وَقد قيل: إِن " ثمَّ " بِمَعْنى الْوَاو، وَلَيْسَ يَصح.
وَقَوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ﴾ أَي: بِالصبرِ عَن معاصي الله، وَقيل: بِالصبرِ على طَاعَة الله، وَقيل: بِالصبرِ عَن لذات الدُّنْيَا وشهواتها.
وَقَوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بالمرحمة﴾ أَي: مرحمة بَعضهم على بعض، وَتَوَاصَوْا بالمرحمة هُوَ وَصِيَّة البعضِ البعضَ.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب الميمنة﴾ أَي: أَصْحَاب الْيَمين، وهم الَّذين اسْتخْرجُوا من شقّ آدم الْأَيْمن، وَيُقَال: الَّذين [يُعْطون] الْكتاب بأيمانهم، وَقيل: الميامين على أنفسهم.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا هم أَصْحَاب المشأمة﴾ أَي: المشائيم على أنفسهم، وَيُقَال: هم الَّذين يُعْطون الْكتاب بشمالهم، وَكَذَلِكَ القَوْل الأول.
وَقَوله: ﴿عَلَيْهِم نَار مؤصدة﴾ أَي: مطبقة، يُقَال: وصدت الْبَاب، وأصدته إِذا أطبقته، وَيُقَال: مؤصدة أَي: مُبْهمَة لَا بَاب لَهَا.
قَالَ الشَّاعِر:
(إِلَى الله أَشْكُو فقد ليلِي كَمَا شكا إِلَى الله فقد الْوَالِدين يَتِيم)
231
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ﴿وَالشَّمْس وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا (٢) وَالنَّهَار إِذا جلالها (٣) وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا (٤) وَالسَّمَاء وَمَا بناها (٥) وَالْأَرْض وَمَا طحاها (٦) وَنَفس وَمَا﴾.
تَفْسِير سُورَة وَالشَّمْس
وَهِي مَكِّيَّة
232
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(قوم يُصَالح شدَّة أبنائهم وسلاسلا حلقا وبابا مؤصدا) أَي مطبقاً