تفسير سورة الزخرف

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
وهنا تودعنا ( سورة الشورى ) المكية، لننتقل منها إلى ( سورة الزخرف ) المكية أيضا، وإنما سميت ( سورة الزخرف ) أخذا من قوله تعالى في آيتها الخامسة والثلاثين :﴿ وسررا عليها يتكئون وزخرفا، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ﴾، ومعنى ( الزخرف ) الزينة من كل شيء،

وقد اتجهت الآيات الأولى من هذه السورة إلى مواصلة الحديث عن كتاب الله، وعن تعداد مزاياه، فقال تعالى :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم. ( ١ ) حم، والكتاب المبين( ٢ ) إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون( ٣ ) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم( ٤ ) ﴾، وها هنا بين الحق سبحانه وتعالى منزلة كتابه في الملأ الأعلى، ليقدسه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض، أسوة بالملائكة المقربين. والمراد ( بأم الكتاب ) اللوح المحفوظ، كما فسره ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما، وبقوله ( لعلي ) أي ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل، قاله قتادة، وبقوله ( حكيم ) أي محكم بريء من اللبس والزيغ والتناقض.
وفي معنى التنويه بكتاب الله وبيان عظيم مكانته جاء أيضا قوله تعالى ( ١١ : ٨٠ ) :﴿ كلا إنها تذكرة، فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة كرام بررة ﴾، وجاء قوله تعالى ( ٨٠. ٧٧ : ٥٦ ) ﴿ إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون، تنزيل من رب العالمين ﴾. قال ابن كثير :( ومن هاتين الآيتين استنبط العلماء أن المحدث لا يمس المصحف، وإذا كان الملائكة يعظمون القرآن في الملأ الأعلى، فأهل الأرض أولى بذلك وأحرى، لأنه نزل عليهم، وخطابه متوجه إليهم، فهم أحق أن يقبلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم ).
ثم اتجه كتاب الله إلى خطاب المنحرفين عن الحق من المشركين والكافرين، مستفسرا لهم : هل من الخير أن يتركهم الحق سبحانه وتعالى هملا، فلا يبعث إليهم الرسل، ولا ينزل عليهم الكتب :﴿ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ﴾( ٣٦ : ٧٥ )، وهل مصلحة الإنسانية ونفعها أن تقف الدعوة وهي في حالة جزر لا في حالة مد، وأن تتعطل حكمة الله البالغة في توالي النبوات والرسالات على الخلق، وذلك قوله تعالى :﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين( ٥ ) ﴾، وكأن الله تعالى يقول، ( إن ربوبيتي لكم تقتضي أن أمدكم برحمتي وإحساني، ولو كنتم مسرفين ظالمين منحرفين )، وهذا هو السر في مواصلة الأنبياء والرسل للدعوة الإلهية، حتى يتحقق الهدف منها وهو إرشاد فريق منهم وصلاحه على الأقل﴿ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ﴾ ( ١٦٥ : ٤ ). فمن لطف الله ورحمته بخلقه أن لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل أمر رسله بذلك، ليهتدي من يريد الهدى، ولتقوم الحجة على من يريد الضلال. قال قتادة :( والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد بعائدته ورحمته، فكرره عليهم، ودعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك ).
واهتمت الآيات الباقية من هذا الربع بالحديث عن موقف أعداء الرسالات عبر القرون والأجيال، فقال تعالى :﴿ وكم أرسلنا من نبيء في الأولين( ٦ ) وما يأتيهم من نبيء إلا كانوا به يستهزئون( ٧ ) ﴾، وبالحديث عن حقائق الإيمان وعقائد التوحيد التي يدعو إليها كتاب الله، مؤيدة بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، فقال تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهادا، وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون( ١٠ ) والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا، كذلك تخرجون( ١١ ) والذي خلق الأزواج كلها، وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون( ١٢ ) ﴾ إلى آخر الآيات الواردة في هذا السياق. كما اهتمت نفس الآيات بوصف معتقدات الوثنية وخرافات الجاهلية، وصفا مصحوبا بتسفيه دعاتها وأتباعها، وهدم الدعائم المنهارة التي قامت على أساسها، ﴿ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمان مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم( ١٧ ) ﴾، -﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمان إناثا، أشهدوا خلقهم، ستكتب شهادتهم ويسألون( ١٩ ) ﴾، -﴿ وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة ﴾ أي على دين مشترك﴿ وإنا على آثارهم مقتدون( ٢٢ ) ﴾.
الربع الأول من الحزب الخمسين في المصحف الكريم
بعدما أشارت الآيات الكريمة في نهاية الربع الماضي إلى ما اعتاده خصوم الرسالات الإلهية من التكذيب بها، والتصدي لمحاربتها بالجهل الفاضح والتقليد الأعمى، منذ فجر الحياة، وبعدما أشارت إلى وقوف مشركي العرب، من خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، موقفا مماثلا لموقف من سبقهم إزاء بقية الرسل، اتجه خطاب الله في بداية هذا الربع إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، ملقنا إياه سؤالا وجيها، موجها إلى مشركي قريش، المعتصمين بالتقاليد البالية، والمتسترين وراء تقديس ما كان عليه الآباء والأجداد، وهكذا يقول الله تعالى :﴿ قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ﴾، أي هل من المنطق والعقل أن تتبعوا التقاليد الفاسدة، والمعتقدات الباطلة، لمجرد أن آباءكم اتبعوها وآمنوا بها، ولو كان الذي جئتكم به هو أفضل وأرشد، وأحق وأصدق، مما وجدتم عليه آباءكم ؟ أليس من الحكمة والتبصر في العواقب أن تتأملوا فيما أعرضه عليكم، وأن تقارنوا بينه وبين ما وجدتم عليه آباءكم، لتهتدوا بعد الضلال، وتؤمنوا بعد الكفر.
ثم تشير الآيات الكريمة مرة أخرى إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع أبيه وقومه، وما كان له من صراع عنيف معهم، من أجل إحقاق التوحيد الحق، وإبطال الشرك الباطل، وفي ذلك رد صريح على ما يدعيه مشركو العرب لأنفسهم، من كونهم على ملة أبيهم إبراهيم، إذ ملته الحقيقية هي ملة التوحيد لا ملة الشرك، وعقيدة التوحيد هي التي أوصى بها إبراهيم بنيه، وهي التي حملها من أبنائه وعقبه : موسى، وعيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك قوله تعالى في هذا السياق :﴿ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون( ٢٦ ) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين( ٢٧ ) وجعلنا كلمة باقية في عقبه، لعلهم يرجعون( ٢٨ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:ثم تشير الآيات الكريمة مرة أخرى إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع أبيه وقومه، وما كان له من صراع عنيف معهم، من أجل إحقاق التوحيد الحق، وإبطال الشرك الباطل، وفي ذلك رد صريح على ما يدعيه مشركو العرب لأنفسهم، من كونهم على ملة أبيهم إبراهيم، إذ ملته الحقيقية هي ملة التوحيد لا ملة الشرك، وعقيدة التوحيد هي التي أوصى بها إبراهيم بنيه، وهي التي حملها من أبنائه وعقبه : موسى، وعيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك قوله تعالى في هذا السياق :﴿ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون( ٢٦ ) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين( ٢٧ ) وجعلنا كلمة باقية في عقبه، لعلهم يرجعون( ٢٨ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:ثم تشير الآيات الكريمة مرة أخرى إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع أبيه وقومه، وما كان له من صراع عنيف معهم، من أجل إحقاق التوحيد الحق، وإبطال الشرك الباطل، وفي ذلك رد صريح على ما يدعيه مشركو العرب لأنفسهم، من كونهم على ملة أبيهم إبراهيم، إذ ملته الحقيقية هي ملة التوحيد لا ملة الشرك، وعقيدة التوحيد هي التي أوصى بها إبراهيم بنيه، وهي التي حملها من أبنائه وعقبه : موسى، وعيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك قوله تعالى في هذا السياق :﴿ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون( ٢٦ ) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين( ٢٧ ) وجعلنا كلمة باقية في عقبه، لعلهم يرجعون( ٢٨ ) ﴾.
ويتحدث كتاب الله عن عهد ( الفترة ) التي مرت بجزيرة العرب، دون أن يبعث فيها نبي أو رسول، وأن الله لم يؤاخذ المشركين خلال تلك الفترة بما ارتكبوه من ذنوب، وبما اعتقدوه من ضلالات، بل إنه- تفضلا منه وكرما- قد أمهلهم، و( متعهم وآباءهم )، في انتظار حلول الوقت الذي تقتضي الحكمة الإلهية أن تبرز فيه الرسالة المحمدية، وها هي تلك الرسالة قد حان موعدها لإخراج المشركين من الظلمات إلى النور، وذلك قوله تعالى :﴿ بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين( ٢٩ ) ﴾.
غير أن مشركي العرب، إمعانا منهم في الشقاق والعناد، وأسوة بمن سبقهم من خصوم الرسالات المكذبين بالرسل، بدلا من أن يقبلوا على اعتناق الحق، ويعتزلوا الباطل، وبدلا من أن ينتقلوا إلى دين التوحيد الخالص، وينبذوا معتقدات الشرك، أخذوا يواجهون خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام بمثل ما واجه به فرعون وقومه موسى الكليم، وكما وصف فرعون موسى بأنه ( ساحر ) وادعى أن دعوته إنما هي مجرد( سحر ) ها هم مشركو قريش يرددون نفس الاتهام، ويكررون نفس النغمة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عنهم :﴿ ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون( ٣٠ ) ﴾، على غرار ما حكاه كتاب الله عن فرعون وقومه في نفس هذا الربع وهم يخاطبون موسى عليه السلام، ﴿ وقالوا يأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك ﴾( ٤٩ ).
ثم يبرز كتاب الله ما انطوى عليه تكذيب مشركي قريش للرسول عليه السلام من اعتبارات وأسباب سياسية ومادية، فهم بالرغم عن كونهم لا ينكرون شرف محتد الرسول، وكونه ( خيارا من خيار )، نسبا وحسبا، إلا أنهم يرون أنه لا يتمتع بزعامة قبلية، ولا برياسة زمنية، وإذن فليس هناك ما يؤهله في نظرهم لحمل الرسالة، وهم يرون أنه إذا كان ولا بد من إرسال رسول إليهم، فالأولى أن يكون هذا الرسول أعظم رجل في مكة أو في الطائف عصبية ونفوذا، طبقا ( لاعتبارات الجاهلية ) الخاصة، وذلك ما يحكيه عنهم قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ٣١ ) ﴾ وكأن مشركي قريش كانوا بهذه الاعتبارات ينظرون إلى الموقف الذي وقفه قبلهم فرعون من موسى، عندما أخذ يحط من مقامه، مدعيا أنه غير أهل للرسالة، لأنه لا سلطان له ولا مال، ولا يلبس مثله أساورة من ذهب، وذلك ما حكاه كتاب الله عن فرعون في هذا الربع نفسه، إذ قال :﴿ ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون( ٥١ ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين، ولا يكاد يبين( ٥٢ ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾( ٥٣ ).
لكن كتاب الله رد على المشركين ادعاءهم، مبينا أن اعتباراتهم الواهية ما بين مادية وسياسية، لا عبرة بها عند الله، بالنسبة إلى النبوة والرسالة، وأن الله تعالى هو الذي يتولى اختيار الأنبياء والرسل، بمحض مشيئته، وأنه يختارهم لحكمة سامية هو المنفرد بعلمها قبل ظهورها للناس، وذلك قوله تعالى :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ؟ ﴾، إشارة إلى أن النبوة والرسالة مظهر من مظاهر رحمة الله، وأنه يختص برحمته من يشاء كما يشاء، وأنه هو الذي ( يعلم حيث يجعل رسالاته ) دون بقية الخلق، فالرسالة عطية إلهية مجردة، واختيار إلهي صرف، بحيث لا ينفع فيها التمني، ولا تنال بالسعي والاكتساب، ولا بالاقتراح والترشيح من الأحباب والأصحاب.
وفي هذا السياق، رفع كتاب الله الستار عن حقيقة اجتماعية واقعية لها تأثير في نظام المجتمع البشري، وما يلزم أن يكون عليه من تعايش وتعاون وتكامل، فقال تعالى :﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ﴾، أي : قسمنا لكل إنسان حظه في العيش، من المطعم والمشرب والمسكن وما يتوقف عليه من المنافع، وأذنا له في تناوله، على أن يسلك في تناوله الطرق المشروعة، حتى تكون قسمته حلالا طيبا، ثم قال تعالى :﴿ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ﴾، أي : أن الله تعالى فاوت بين خلقه، فيما وهبهم من العقول والفهوم والقوى الظاهرة والباطنة، والاستعدادات المختلفة، والميول المتعددة، فسلك بعضهم طريقا، وسلك بعضهم طريقا آخر، إذ لم يكونوا في درجة واحدة من تلك الهبات، وبذلك تنوعت أعمالهم ومكاسبهم، واحتاج بعضهم إلى ما عند البعض الآخر، وأصبح كل فريق منهم متوقفا على خبرة الآخر ومعونته، مسخرا لخدمته، وذلك لخير المجتمع كله، وخدمة الصالح العام، وهذه هي الحكمة الإلهية من وراء التفاوت الذي جعله الله بين خلقه ﴿ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ﴾، كما قال تعالى، وليس المراد أن فريقا يعتبر ( أعلى ) وفريقا يعتبر( أدنى )، فلا طبقية في الإسلام، وكلمة ( سخريا ) الواردة في هذه الآية من ( التسخير ) بالمعنى الوارد في قوله تعالى :﴿ سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ﴾ ( ٢٠ : ٣١ )، لا من ( السخرية ) بمعنى الاستهزاء، الوارد في قوله تعالى :﴿ إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم ﴾ ( ٣٨ : ١١ )، قال الإمام القشيري :( لو كانت المقادير متساوية لتعطلت المعايش، ولبقي كل عند حاله ).
وليريح كتاب الله ضمير الرسول من كل قلق يساوره، بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ولم يستجب له في الحين ( الصم ) الذين لا يسمعون، و( العمي ) الذين لا يهتدون، خاطبه ربه قائلا :﴿ أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين( ٤٠ ) ﴾، وكأنه يذكره بخطابه الآخر :﴿ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾( ٤٠ : ١٣ )
وبين كتاب الله أن الحق سبحانه وتعالى قادر على الانتقام من خصوم الرسالة، حتى لو انقطعت عنهم الرسالة، بحلول أجل الرسول، وأن تملصهم من الاستجابة لها لا يغنيهم شيئا، كما أنه سبحانه قادر على أن يطيل حياة رسوله حتى يريه رأي العين ما يصيبهم من هزيمة وخذلان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فإنما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون( ٤١ ) أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون( ٤٢ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:وبين كتاب الله أن الحق سبحانه وتعالى قادر على الانتقام من خصوم الرسالة، حتى لو انقطعت عنهم الرسالة، بحلول أجل الرسول، وأن تملصهم من الاستجابة لها لا يغنيهم شيئا، كما أنه سبحانه قادر على أن يطيل حياة رسوله حتى يريه رأي العين ما يصيبهم من هزيمة وخذلان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فإنما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون( ٤١ ) أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون( ٤٢ ) ﴾.
وفي هذه الغمرة من غمرات الكفاح ضد الشرك والمشركين يتوجه كتاب الله إلى الرسول عليه السلام مخاطبا إياه، وموصيا له بالثبات على ما جاء به من عند الله، فقال تعالى :﴿ فاستمسك بالذي أوحي إليك ﴾، وهذه دعوة إلى المزيد من الثبات والصمود، وعدم التبرم والضجر، والتصلب في الحق والدفاع عنه إلى آخر رمق. ثم قال تعالى :﴿ إنك على صراط مستقيم( ٤٣ ) ﴾، تأكيدا لما عليه الرسول من ثبات في الفؤاد، ورسوخ في الاعتقاد، فكتاب الله هو المفضي إلى صراط الله المستقيم، والموصل إلى جنات النعيم، والخير الدائم المقيم، وهذا الخطاب موجه أيضا بالتبع إلى كل مسلم ومسلمة في القديم والحديث.
وإمعانا في تكريم الرسول والرسالة، وإنعاما عليه بأعلى درجات التوقير والجلال، خاطبه ربه قائلا :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ وكلمة ( الذكر ) هنا تحمل معنيين لا تعارض بينهما، فكتاب الله يتضمن تذكير الرسول وتذكير عشيرته الأقربين، كما يتضمن تذكير الناس أجمعين، مصداقا لقوله تعالى ( ١٠ : ٢١ ) :﴿ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم، أفلا تعقلون ﴾، وكتاب الله في نفس الوقت هو شرف للرسول الذي اصطفاه الله لرسالته، وشرف لقومه ولغته، وشرف لمجموع أمته، ﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾( ٤ : ٩٤ )، ولما كان السابقون الأولون أفهم الناس لكتاب الله كانوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه، ﴿ وسوف تسألون( ٤٤ ) ﴾، أي : سوف تسألون عن هذا القرآن : هل قمتم بحقه وشكرتم الله على أن خصكم به ؟ ومن هنا كان فهم اللسان العربي المبين، أكبر عون على فهم الدين، والتمسك به عن بينة ويقين، فهذه الآية الكريمة عند نزولها تنبأت بما سيؤول إليه أمر رسالة الإسلام التي حملها إلى الخلق رسول الهدى والحق، وأن هذه الرسالة سيكون لها وله بفضلها، ذكر خالد في العالمين، وسيستمر هذا الذكر العاطر إلى يوم الدين :﴿ ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٢ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ثم يبرز كتاب الله ما انطوى عليه تكذيب مشركي قريش للرسول عليه السلام من اعتبارات وأسباب سياسية ومادية، فهم بالرغم عن كونهم لا ينكرون شرف محتد الرسول، وكونه ( خيارا من خيار )، نسبا وحسبا، إلا أنهم يرون أنه لا يتمتع بزعامة قبلية، ولا برياسة زمنية، وإذن فليس هناك ما يؤهله في نظرهم لحمل الرسالة، وهم يرون أنه إذا كان ولا بد من إرسال رسول إليهم، فالأولى أن يكون هذا الرسول أعظم رجل في مكة أو في الطائف عصبية ونفوذا، طبقا ( لاعتبارات الجاهلية ) الخاصة، وذلك ما يحكيه عنهم قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ٣١ ) ﴾ وكأن مشركي قريش كانوا بهذه الاعتبارات ينظرون إلى الموقف الذي وقفه قبلهم فرعون من موسى، عندما أخذ يحط من مقامه، مدعيا أنه غير أهل للرسالة، لأنه لا سلطان له ولا مال، ولا يلبس مثله أساورة من ذهب، وذلك ما حكاه كتاب الله عن فرعون في هذا الربع نفسه، إذ قال :﴿ ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون( ٥١ ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين، ولا يكاد يبين( ٥٢ ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾( ٥٣ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ثم يبرز كتاب الله ما انطوى عليه تكذيب مشركي قريش للرسول عليه السلام من اعتبارات وأسباب سياسية ومادية، فهم بالرغم عن كونهم لا ينكرون شرف محتد الرسول، وكونه ( خيارا من خيار )، نسبا وحسبا، إلا أنهم يرون أنه لا يتمتع بزعامة قبلية، ولا برياسة زمنية، وإذن فليس هناك ما يؤهله في نظرهم لحمل الرسالة، وهم يرون أنه إذا كان ولا بد من إرسال رسول إليهم، فالأولى أن يكون هذا الرسول أعظم رجل في مكة أو في الطائف عصبية ونفوذا، طبقا ( لاعتبارات الجاهلية ) الخاصة، وذلك ما يحكيه عنهم قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ٣١ ) ﴾ وكأن مشركي قريش كانوا بهذه الاعتبارات ينظرون إلى الموقف الذي وقفه قبلهم فرعون من موسى، عندما أخذ يحط من مقامه، مدعيا أنه غير أهل للرسالة، لأنه لا سلطان له ولا مال، ولا يلبس مثله أساورة من ذهب، وذلك ما حكاه كتاب الله عن فرعون في هذا الربع نفسه، إذ قال :﴿ ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون( ٥١ ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين، ولا يكاد يبين( ٥٢ ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾( ٥٣ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ثم يبرز كتاب الله ما انطوى عليه تكذيب مشركي قريش للرسول عليه السلام من اعتبارات وأسباب سياسية ومادية، فهم بالرغم عن كونهم لا ينكرون شرف محتد الرسول، وكونه ( خيارا من خيار )، نسبا وحسبا، إلا أنهم يرون أنه لا يتمتع بزعامة قبلية، ولا برياسة زمنية، وإذن فليس هناك ما يؤهله في نظرهم لحمل الرسالة، وهم يرون أنه إذا كان ولا بد من إرسال رسول إليهم، فالأولى أن يكون هذا الرسول أعظم رجل في مكة أو في الطائف عصبية ونفوذا، طبقا ( لاعتبارات الجاهلية ) الخاصة، وذلك ما يحكيه عنهم قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ٣١ ) ﴾ وكأن مشركي قريش كانوا بهذه الاعتبارات ينظرون إلى الموقف الذي وقفه قبلهم فرعون من موسى، عندما أخذ يحط من مقامه، مدعيا أنه غير أهل للرسالة، لأنه لا سلطان له ولا مال، ولا يلبس مثله أساورة من ذهب، وذلك ما حكاه كتاب الله عن فرعون في هذا الربع نفسه، إذ قال :﴿ ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون( ٥١ ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين، ولا يكاد يبين( ٥٢ ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾( ٥٣ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات الأخيرة من الربع الماضي جرى الحديث عن عيسى بن مريم عليهما السلام، ابتداء من قوله تعالى :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ﴾، وذلك في سياق الرد على المشركين الذين أرادوا أن يساووا بينه وبين معبوداتهم من الأوثان والأصنام، نظرا لأن النصارى يتوجهون إليه بالعبادة كما يتوجهون هم إلى معبوداتهم، وفي بداية هذا الربع جاءت تتمة الرد عليهم، وإبطال قياسهم الفاسد، فقد نقلت كتب السيرة أن مشركي قريش هالهم ما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم من قوله تعالى في خطابه لهم :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾( ٩٨ : ٢١ )، إذ إن مضمون هذه الآية يقتضي أن المشركين وجميع معبوداتهم التي يعبدونها من دون الله سيكونون في جهنم، فأورد المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إشكالا ) بما يقوم به النصارى من عبادة لعيسى بن مريم، وسألوه هل سيكون عيسى بن مريم أيضا في جهنم كما تكون فيها أصنام المشركين وأوثانهم التي يعبدونها من دون الله، هذا وهم يعلمون مسبقا أن عيسى بن مريم كان رسولا ولم يكن صنما، لكنهم أرادوا أن ينتقلوا من هذا القياس الفاسد -لأنه قياس مع وجود الفارق- إلى أن آلهتهم ومعبوداتهم لن تكون في النار، ما دام عيسى بن مريم لا يدخل النار، وهو في نظرهم ليس خيرا من آلهتهم، ﴿ وقالوا أآلهتنا خير أم هو ﴾، فغرضهم في الحقيقة هو الجدل والمشاكسة، لا الوصول إلى جوهر الحق في الموضوع :﴿ ما ضربوه لك جدلا، بل هم قوم خصمون ﴾، وقد كانوا ينتظرون من رسول الله أن يقول لهم : إن آلهتكم خير( فيكون ذلك إقرارا لهم على عبادتها ) أو يقول :( إن عيسى خير من ألهتكم ) فيكون إقرارا منه بأن عيسى أهل للعبادة، أو أن ينفي ( الخيرية ) عنهم جميعا، وذلك طعن في عيسى، فكان فحوى جواب النبي صلى الله عليه وسلم :( إن عيسى خير من آلهتكم، ولكنه لا يستحق أن ( يعبد ). وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ثم يبرز كتاب الله ما انطوى عليه تكذيب مشركي قريش للرسول عليه السلام من اعتبارات وأسباب سياسية ومادية، فهم بالرغم عن كونهم لا ينكرون شرف محتد الرسول، وكونه ( خيارا من خيار )، نسبا وحسبا، إلا أنهم يرون أنه لا يتمتع بزعامة قبلية، ولا برياسة زمنية، وإذن فليس هناك ما يؤهله في نظرهم لحمل الرسالة، وهم يرون أنه إذا كان ولا بد من إرسال رسول إليهم، فالأولى أن يكون هذا الرسول أعظم رجل في مكة أو في الطائف عصبية ونفوذا، طبقا ( لاعتبارات الجاهلية ) الخاصة، وذلك ما يحكيه عنهم قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ٣١ ) ﴾ وكأن مشركي قريش كانوا بهذه الاعتبارات ينظرون إلى الموقف الذي وقفه قبلهم فرعون من موسى، عندما أخذ يحط من مقامه، مدعيا أنه غير أهل للرسالة، لأنه لا سلطان له ولا مال، ولا يلبس مثله أساورة من ذهب، وذلك ما حكاه كتاب الله عن فرعون في هذا الربع نفسه، إذ قال :﴿ ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون( ٥١ ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين، ولا يكاد يبين( ٥٢ ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾( ٥٣ ).
الربع الثاني من الحزب الخمسين في المصحف الكريم
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات الأخيرة من الربع الماضي جرى الحديث عن عيسى بن مريم عليهما السلام، ابتداء من قوله تعالى :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ﴾، وذلك في سياق الرد على المشركين الذين أرادوا أن يساووا بينه وبين معبوداتهم من الأوثان والأصنام، نظرا لأن النصارى يتوجهون إليه بالعبادة كما يتوجهون هم إلى معبوداتهم، وفي بداية هذا الربع جاءت تتمة الرد عليهم، وإبطال قياسهم الفاسد، فقد نقلت كتب السيرة أن مشركي قريش هالهم ما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم من قوله تعالى في خطابه لهم :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾( ٩٨ : ٢١ )، إذ إن مضمون هذه الآية يقتضي أن المشركين وجميع معبوداتهم التي يعبدونها من دون الله سيكونون في جهنم، فأورد المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إشكالا ) بما يقوم به النصارى من عبادة لعيسى بن مريم، وسألوه هل سيكون عيسى بن مريم أيضا في جهنم كما تكون فيها أصنام المشركين وأوثانهم التي يعبدونها من دون الله، هذا وهم يعلمون مسبقا أن عيسى بن مريم كان رسولا ولم يكن صنما، لكنهم أرادوا أن ينتقلوا من هذا القياس الفاسد -لأنه قياس مع وجود الفارق- إلى أن آلهتهم ومعبوداتهم لن تكون في النار، ما دام عيسى بن مريم لا يدخل النار، وهو في نظرهم ليس خيرا من آلهتهم، ﴿ وقالوا أآلهتنا خير أم هو ﴾، فغرضهم في الحقيقة هو الجدل والمشاكسة، لا الوصول إلى جوهر الحق في الموضوع :﴿ ما ضربوه لك جدلا، بل هم قوم خصمون ﴾، وقد كانوا ينتظرون من رسول الله أن يقول لهم : إن آلهتكم خير( فيكون ذلك إقرارا لهم على عبادتها ) أو يقول :( إن عيسى خير من ألهتكم ) فيكون إقرارا منه بأن عيسى أهل للعبادة، أو أن ينفي ( الخيرية ) عنهم جميعا، وذلك طعن في عيسى، فكان فحوى جواب النبي صلى الله عليه وسلم :( إن عيسى خير من آلهتكم، ولكنه لا يستحق أن ( يعبد ). وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ﴾

وهكذا تولى كتاب الله إبطال قياسهم لعيسى بن مريم على آلهتهم، وبين أن الدعوة التي دعا إليها عيسى النصارى كانت قاصرة على إفراد الله بالعبادة، والاعتراف له بالعبودية، والتعريف بإلوهيته ووحدانيته المطلقة دون سواه، فهو لم يدع أحدا من أتباعه لا إلى عبادته ولا إلى تأليهه، ولا إلى اعتباره ابنا للإله، كما ادعاه النصارى المبطلون، وذلك قوله تعالى في بداية هذا الربع :﴿ ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة، ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه، فاتقوا الله وأطيعون( ٦٣ ) إن الله هو ربي وربكم، فاعبدوه، هذا صراط مستقيم( ٦٤ ) ﴾ على غرار ما جاء في آية أخرى حكاية عن عيسى ابن مريم ( ١١٧ : ٥ ) :﴿ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:الربع الثاني من الحزب الخمسين في المصحف الكريم
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات الأخيرة من الربع الماضي جرى الحديث عن عيسى بن مريم عليهما السلام، ابتداء من قوله تعالى :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ﴾، وذلك في سياق الرد على المشركين الذين أرادوا أن يساووا بينه وبين معبوداتهم من الأوثان والأصنام، نظرا لأن النصارى يتوجهون إليه بالعبادة كما يتوجهون هم إلى معبوداتهم، وفي بداية هذا الربع جاءت تتمة الرد عليهم، وإبطال قياسهم الفاسد، فقد نقلت كتب السيرة أن مشركي قريش هالهم ما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم من قوله تعالى في خطابه لهم :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾( ٩٨ : ٢١ )، إذ إن مضمون هذه الآية يقتضي أن المشركين وجميع معبوداتهم التي يعبدونها من دون الله سيكونون في جهنم، فأورد المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إشكالا ) بما يقوم به النصارى من عبادة لعيسى بن مريم، وسألوه هل سيكون عيسى بن مريم أيضا في جهنم كما تكون فيها أصنام المشركين وأوثانهم التي يعبدونها من دون الله، هذا وهم يعلمون مسبقا أن عيسى بن مريم كان رسولا ولم يكن صنما، لكنهم أرادوا أن ينتقلوا من هذا القياس الفاسد -لأنه قياس مع وجود الفارق- إلى أن آلهتهم ومعبوداتهم لن تكون في النار، ما دام عيسى بن مريم لا يدخل النار، وهو في نظرهم ليس خيرا من آلهتهم، ﴿ وقالوا أآلهتنا خير أم هو ﴾، فغرضهم في الحقيقة هو الجدل والمشاكسة، لا الوصول إلى جوهر الحق في الموضوع :﴿ ما ضربوه لك جدلا، بل هم قوم خصمون ﴾، وقد كانوا ينتظرون من رسول الله أن يقول لهم : إن آلهتكم خير( فيكون ذلك إقرارا لهم على عبادتها ) أو يقول :( إن عيسى خير من ألهتكم ) فيكون إقرارا منه بأن عيسى أهل للعبادة، أو أن ينفي ( الخيرية ) عنهم جميعا، وذلك طعن في عيسى، فكان فحوى جواب النبي صلى الله عليه وسلم :( إن عيسى خير من آلهتكم، ولكنه لا يستحق أن ( يعبد ). وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ﴾

وهكذا تولى كتاب الله إبطال قياسهم لعيسى بن مريم على آلهتهم، وبين أن الدعوة التي دعا إليها عيسى النصارى كانت قاصرة على إفراد الله بالعبادة، والاعتراف له بالعبودية، والتعريف بإلوهيته ووحدانيته المطلقة دون سواه، فهو لم يدع أحدا من أتباعه لا إلى عبادته ولا إلى تأليهه، ولا إلى اعتباره ابنا للإله، كما ادعاه النصارى المبطلون، وذلك قوله تعالى في بداية هذا الربع :﴿ ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة، ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه، فاتقوا الله وأطيعون( ٦٣ ) إن الله هو ربي وربكم، فاعبدوه، هذا صراط مستقيم( ٦٤ ) ﴾ على غرار ما جاء في آية أخرى حكاية عن عيسى ابن مريم ( ١١٧ : ٥ ) :﴿ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد ﴾.

ثم عقب كتاب الله على هذا الرد المفحم الذي أبطل شبه المشركين، موضحا مصدر العقائد الباطلة التي انتشرت عن المسيح بين فرق النصارى المختلفة، وذلك قوله تعالى :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ إشارة إلى الشيع والمذاهب والفرق التي انقسمت إليها النصرانية بعد عيسى عليه السلام، والتي اخترعت بمحض خيالها عقيدة ( المسيح الإله )، أو( المسيح ابن الله )، وما شابههما من المعتقدات الزائفة، التي هي ( ظلم في حق الله )- إذ يصدق على معتقديها أنهم ما قدروا الله حق قدره -( وظلم في حق المسيح )، لأنه لم يكن سوى عبد لله، فغالى فيه أتباعه ورفعوه إلى مرتبة الإله، وهذا الظلم الصارخ هو الذي يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم( ٦٥ ) ﴾ عقب الإشارة لاختلاف الفرق والمذاهب النصرانية، التي تضمنها قوله تعالى :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾.
وأشار كتاب الله في هذا السياق إلى ما يقوم بين أهل الأهواء والضلالات من صداقة مدخولة، وخلة مشبوهة، أساسها التضامن ضد الحق وأهله، والتعاون على الإثم والعدوان، مبينا أن هذه الصداقة مهما طالت فمآلها إلى عداوة صريحة، وكراهة بالغة، بحيث تنفصم عراها لأول احتكاك يقع بينهم من أجل المغانم أو المغارم، فلا يلبث بعضهم أن يتبرأ من بعض، وتتجلى هذه القطيعة بينهم على أشدها يوم القيامة، حيث لا ينفع أحد منهم الآخر، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ﴾، على غرار قوله تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل وهو يخاطب قومه الضالين ( ٢٥ : ٢٩ ) :﴿ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ﴾. أما الصحبة في الله من أجل التعاون على البر والتقوى، والتزام الحق والصدق دون مداراة ولا مداهنة، فهي نافعة في الدنيا، وأثرها ممتد إلى الآخرة بفضل الله وكرمه، وذاك ما يشير إليه قوله تعالى هنا بصيغة الاستثناء :﴿ إلا المتقين( ٦٧ ) ﴾.
وبشر كتاب الله المتآخين في الله، الذين قامت أخوتهم على تقوى من الله ورضوان، بأنهم سيدعون يوم القيامة بأفضل نداء يدعى به المقربون عند الله، فقال تعالى :﴿ يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون( ٦٨ ) ﴾، ثم بين السر فيما أعد الله لهم من نعيم مقيم، إذ قال تعالى في وصفهم :﴿ الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين( ٦٩ ) ﴾، فقد آمنوا بآيات الله حقا وصدقا، وقد أسلموا وجوههم لله رقا وعتقا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:وأشار كتاب الله في هذا السياق إلى ما يقوم بين أهل الأهواء والضلالات من صداقة مدخولة، وخلة مشبوهة، أساسها التضامن ضد الحق وأهله، والتعاون على الإثم والعدوان، مبينا أن هذه الصداقة مهما طالت فمآلها إلى عداوة صريحة، وكراهة بالغة، بحيث تنفصم عراها لأول احتكاك يقع بينهم من أجل المغانم أو المغارم، فلا يلبث بعضهم أن يتبرأ من بعض، وتتجلى هذه القطيعة بينهم على أشدها يوم القيامة، حيث لا ينفع أحد منهم الآخر، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ﴾، على غرار قوله تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل وهو يخاطب قومه الضالين ( ٢٥ : ٢٩ ) :﴿ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ﴾. أما الصحبة في الله من أجل التعاون على البر والتقوى، والتزام الحق والصدق دون مداراة ولا مداهنة، فهي نافعة في الدنيا، وأثرها ممتد إلى الآخرة بفضل الله وكرمه، وذاك ما يشير إليه قوله تعالى هنا بصيغة الاستثناء :﴿ إلا المتقين( ٦٧ ) ﴾.
وعرج كتاب الله بعد ذلك على العقيدة الباطلة التي يعتقدها المشركون وبعض اليهود والنصارى، حيث يدعون أن لله ولدا، وهذه العقيدة هي التي أشار إليها كتاب الله في الآية الخامسة عشرة من هذه السورة، حيث قال تعالى :﴿ وجعلوا له من عباده جزءا، إن الإنسان لكفور مبين ﴾، وفي الآية الثلاثين من سورة التوبة حيث قال تعالى :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله ﴾، واتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الربع ملقنا إياه ماذا يقوله لمن يعتقد هذه العقيدة الباطلة :﴿ قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين( ٨١ ) ﴾، أي : فأنا أول من يعظم ذلك الولد، لكن الله واحد أحد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
ومن هنا انتقلت الآيات الكريمة إلى تنزيه الله عن كل صفة من صفات النقص، وإلى تمجيده بكل صفة من صفات الكمال :﴿ سبحان رب السماوات والأرض، رب العرش، عما يصفون( ٨٢ ) ﴾، ﴿ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٣ : ٦ )﴿ وهو الله في السماوات وفي الأرض ﴾، أي : لا إله سواه، لا في الأرض ولا في السماء، ثم قال تعالى :﴿ وهو الحكيم العليم( ٨٤ ) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما، وعنده علم الساعة، وإليه ترجعون( ٨٥ ) ﴾.
واتجه الخطاب إلى الرسول عليه السلام مرة أخرى يدعوه إلى انتظار وعد الله بشأن مصير المشركين، فقال تعالى :﴿ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون( ٨٣ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام، فسوف يعلمون( ٨٩ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:ومن هنا انتقلت الآيات الكريمة إلى تنزيه الله عن كل صفة من صفات النقص، وإلى تمجيده بكل صفة من صفات الكمال :﴿ سبحان رب السماوات والأرض، رب العرش، عما يصفون( ٨٢ ) ﴾، ﴿ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٣ : ٦ )﴿ وهو الله في السماوات وفي الأرض ﴾، أي : لا إله سواه، لا في الأرض ولا في السماء، ثم قال تعالى :﴿ وهو الحكيم العليم( ٨٤ ) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما، وعنده علم الساعة، وإليه ترجعون( ٨٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:ومن هنا انتقلت الآيات الكريمة إلى تنزيه الله عن كل صفة من صفات النقص، وإلى تمجيده بكل صفة من صفات الكمال :﴿ سبحان رب السماوات والأرض، رب العرش، عما يصفون( ٨٢ ) ﴾، ﴿ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٣ : ٦ )﴿ وهو الله في السماوات وفي الأرض ﴾، أي : لا إله سواه، لا في الأرض ولا في السماء، ثم قال تعالى :﴿ وهو الحكيم العليم( ٨٤ ) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما، وعنده علم الساعة، وإليه ترجعون( ٨٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:واتجه الخطاب إلى الرسول عليه السلام مرة أخرى يدعوه إلى انتظار وعد الله بشأن مصير المشركين، فقال تعالى :﴿ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون( ٨٣ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام، فسوف يعلمون( ٨٩ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:ومن هنا انتقلت الآيات الكريمة إلى تنزيه الله عن كل صفة من صفات النقص، وإلى تمجيده بكل صفة من صفات الكمال :﴿ سبحان رب السماوات والأرض، رب العرش، عما يصفون( ٨٢ ) ﴾، ﴿ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٣ : ٦ )﴿ وهو الله في السماوات وفي الأرض ﴾، أي : لا إله سواه، لا في الأرض ولا في السماء، ثم قال تعالى :﴿ وهو الحكيم العليم( ٨٤ ) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما، وعنده علم الساعة، وإليه ترجعون( ٨٥ ) ﴾.
Icon