تفسير سورة الرحمن

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة الرحمان مكية، أو مدنية أو متبعضة وآيها ثمان وسبعون.
لَمَّا عدَّدَ في السورةِ السابقةِ ما نزلَ بالأممِ السالفةِ من ضروبِ نقمِ الله عزَّ وجلَّ وبيّن عَقيبَ كلِّ ضربٍ منَها أنَّ القرآنَ قدْ يُسِّرِ لحملِ النَّاسِ عَلى التذكرِ والاتعاظِ ونَعَى عليهم إعراضَهُم عن ذلكَ عدَّدَ في هذه السورةِ الكريمةِ ما أفاضَ على كافَّةِ الأنامِ من فنونِ نِعَمِه الدينيةِ والدنيويةِ الأنفسيةِ والآفاقيةِ، وأنكرَ عليهم إِثْرَ كلِّ فنٍ منها إخلالَهُم بمواجبِ شُكرِها، وبُدئَ بتعليمِ القُرآنِ فقيلَ :﴿ الرحمن * عَلَّمَ القرءان ﴾.

﴿الرحمن﴾ ﴿علم القرآن﴾ لأنه أعظم النعم شأنان وأرفعُها مكاناً كيفَ لا وهُو مدارٌ للسعادةِ الدينيةِ والدنيويةِ عيارٌ على سائرِ الكتبِ السماويةِ ما منْ مرصدٍ يرنُو إليه أحداقُ الأممِ إلا وهُو منشؤُه ومناطُه ولا مقصدٍ يمتدُّ إليه أعناقُ الهممِ إلا وهُو منهجُه وصراطُه وإسنادُ تعليمِه إلى اسمِ الرَّحمنِ للإيذانِ بأنه من آثا الرحمةِ الواسعةِ وأحكامِها وقد اقتُصرَ على ذكرِه تنبيهاً على أصالتِه وجلالةِ قدرِه ثمَّ قيلَ
﴿خَلَقَ الإنسان﴾ ﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ تعييناً للمعلَّم وتبييناً لكيفيةِ التعليمِ والمرادُ بخلقِ الإنسانِ إنشاؤُه على ما هُو عليه منَ القُوى الظاهرةِ والباطنةِ والبيانُ هو التعبيرُ عمَّا في الضميرِ وليسَ المرادُ بتعليمِه مجردَ تمكينِ الإنسانِ من بيانِ نفسِه بل منْهُ ومنْ فهمِ بيانِ غيرِه أيضاً إذْ هُو الذي يدورُ عليه تعليمُ القُرآنِ والجملُ الثلاثُ أخبارٌ مترادفةٌ للرَّحمنُ وإخلاءُ الأخيرتينِ عن العاطفِ لورودِها على منهاجِ التعديدِ
﴿الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ﴾ أي يجريانِ بحسابٍ مقدرٍ في بروجِهما ومنازلِهما بحيثُ ينتظمُ بذلكَ أمورُ الكائناتِ السفلية وتختلفُ الفصولُ والأوقاتُ وتُعلمُ السنون الحساب
176
٩ ٦
177
﴿والنجم﴾ أي النباتُ الذي ينجُم أي يطلُع من الأرضِ ولا ساقَ لهُ ﴿والشجر﴾ أي الذي له ساقٌ ﴿يَسْجُدَانِ﴾ أي ينقادانِ له تعالَى فيمَا يريدُ بهما طبعاً انقيادَ الساجدينَ من المكلفينَ طوعاً والجملتانِ خبرانِ آخرانِ للرَّحمنُ جُردتاً عن الرابطِ اللفظيِّ تعويلاً على كمالِ قوةِ الارتباطِ المعنوى إذ لا يتوهمُ ذهابُ الوهمِ إلى كونِ حالِ الشمسِ والقمرِ بتسخيرِ غيرِه تعالى ولا إلى كونِ سجودِ النجمِ والشجرِ لما سواهُ تعالى كأنَّه قيلَ الشمس والقمر بحسبان والنجمُ والشجرُ يسجدانِ لهُ وإخلاءُ الجملةِ الأُولى عن العاطفِ لما ذُكِرَ من قبلُ وتوسيطُ العاطفِ بينَها وبينَ الثانيةِ لتناسبِهما من حيثُ التقابلُ لما أنَّ الشمسَ والقمرَ علويانِ والنجمَ والشجرَ سفليانِ ومن حيثُ إنَّ كلاًّ من حالِ العلويينِ وحالِ السفليينِ من بابِ الانقيادِ لأمرِ الله عزَّ وجلَّ
﴿والسماء رَفَعَهَا﴾ أي خلقَها مرفوعةً محلاً ورتبةً حيثُ جعلَها منشأَ أحكامِه وقضاياهُ ومتنزَّلَ أوامرِه ومَحَلَّ ملائكتِه وفيهِ من التَّنبيهِ على كبرياءِ شأنِه وعظمِ ملكِه وسلطانه مالا يَخْفى وقُرِىءَ بالرفعِ على الابتداءِ ﴿وَوَضَعَ الميزان﴾ أيْ شرعَ العدلَ وأمرَ بهِ بأنْ وفَّرَ كلَّ مستحقَ ما استحقَّهُ ووفَّى كلَّ ذِي حقَ حقَّه حتى انتظمَ به أمرُ العالمِ واستقامَ كَما قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بالعدلِ قامتِ السمواتُ والأرضُ قيلَ فَعلى هذا الميزانُ القرآنُ وهو قُولُ الحسينِ بنِ الفضلِ كما في قوله تعالى وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان وقيلَ هو ما يُعرفُ به مقاديرُ الأشياءِ من ميزانٍ ومكيالٍ ونحوِهما وهو قولُ الحسنِ وقتادةَ والضَّحاكِ فالمعنى خلقه موضوعا مخوضا على الأرضِ حيثُ علقَ به أحكامَ عبادهِ وقضايَاهُم ومَا تعّبدهُم بهِ من التسويةِ والتعديلِ في أخذِهم وإعطائِهم
﴿أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى الميزان﴾ أيْ لئلا تطغَوا فيهِ على أنَّ أنْ ناصبةٌ ولا نافيةٌ ولامَ العلةِ مقدرةٌ متعلقةٌ بقولِه تعالى ووضع الميزان أو أى لا تطغَوا على أنَّها مفسرةٌ لما في الشرعِ من مَعْنى القولِ ولا ناهيةٌ أي لا تعتدُوا ولا تتجاوزُوا الإنصافَ وقُرِىءَ لا تطغَوا على إرادةِ القولِ
﴿وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط﴾ قوِّموا وزنَكُم بالعدلِ وقيلَ أقيمُوا لسانَ الميزانِ بالقسطِ والعدلِ وقيلَ الإقامةُ باليدِ والقسطُ بالقلبِ ﴿وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان﴾ أي لا تُنقصُوه أمرَ أولاً بالتسويةِ ثمَّ نهَى عن الطغيانِ الذي هو اعتداءٌ وزيادةٌ ثمَّ عن الخسران الى هو تطفيفٌ ونقصانٌ وكررَ لفظَ الميزانِ تشديداً للتوصية به وتأكيداً للأمرِ باستعمالِه والحثِ عليهِ وقُرِىءَ ولا تَخسُروا بفتحِ التاء وضم السين وكسرها يقال خسر الميزان يخسر ويخسره وبفتح السينِ أيضاً على أنَّ الأصلَ ولا تخسَروا
177
} ٣ ١٠
في الميزانِ فَحُذِفَ الجارُّ وأوصلَ الفعلُ
178
﴿والأرض وَضَعَهَا﴾ أي خفضَها مدحوَّةً على الماءِ ﴿لِلأَنَامِ﴾ أي الخلقِ قيلَ المرادُ به كلُّ ذِي رُوحٍ وقيلَ كلُّ ما على ظهرِ الأرضِ مِن دابَّةٍ وقيلَ الثقلان وقوله تعالى
﴿فِيهَا فاكهة﴾ الخ استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير ما أفادته الجملة السابقةُ من كونِ الأرضِ موضوعةً لمنافعِ الأنامِ وتفصيلِ المنافعِ العائدةِ إلى البشرِ وقيلَ حالٌ مقدرةٌ من الأرضِ فالأحسنُ حينئذٍ أن يكون الحال هو الجارَّ والمجرورَ وفاكهةٌ رفعَ على الفاعليةِ أي فيها ضروبٌ كثيرةٌ مما يُتفكَّه بهِ ﴿والنخل ذَاتُ الأكمام﴾ هي أوعيةُ الثمرِ جَمعُ كِمَ أو كلُّ ما يُكَمّ أي يُغطَّى من ليفٍ وسعفٍ وكُفُرَّى فإنَّه مما ينتفعُ به كالمكمومِ من ثمرهِ وجُمَّارهِ وجذوعِه
﴿والحب﴾ هو ما يُتغذَّى بهِ كالحنطةِ والشعيرِ ﴿ذُو العصف﴾ هو ورقُ الزرعِ وقيل التبنُ ﴿والريحان﴾ قيلَ هو الرزقُ أريدَ به اللبُّ أي فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغذي وهو ثمر النخل وما يُتغذَّى بهِ وهو الحبُّ الذي له عصفٌ هو علفُ الأنعامِ وريحانٌ هو مطِعُم الناسِ وقُرِىءَ والحبَّ ذا العصفِ والريحانَ أي خلقَ الحبَّ والريحانَ أو أخص ويجوز ان يرادو ذا الريحانِ فحُذف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليهِ مُقامَهُ والريحانُ إما فعيلان من روح فقلبت الواو ياءً وأُدغمَ ثمَّ خففَ أو فعلانٌ قلبتْ واوُه ياءً للتخفيفِ أو للفرقِ بينَهُ وبين الرَّوحانِ وهو ماله روحٌ قاله القرطبيُّ
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ الخطابُ للثقلينِ المدلولِ عليهما بقولِه تعالى للأنامِ وسينطقُ به قولُه تعالى أيُّها الثقلانِ والفاءُ لترتيبِ الإنكارِ والتوبيخِ على ما فُصِّل من فنون النَعماء وصنوفِ الآلاءِ الموجبةِ للإيمان والشكر والتعرّضُ لعنوانِ الربوبيةِ المُنْبئة عن المالكيةِ الكلِّيةِ والتربيةِ مع الإضافةِ إلى ضميرِهم لتأكيدِ النكيرِ وتشديدِ التوبيخِ ومعنى تكذيبِهم بآلائِه تعالى كفرهم بها إما بإنكارِ كونِه نعمةً في نفسهِ كتعليمِ القرآنِ ومايستند إليهِ من النعمِ الدينيةِ وإما بإنكارِ كونِه من الله تعالى مع الاعترافِ بكونِه نعمةً في نفسِه كالنعمِ الدنيويةِ الواصلةِ إليهم بإسنادِه إلى غيرِه تعالَى استقلال أو اشتراكاً صريحاً أو دلالة فإن إشراكهم لألهتم به تعالَى في العبادةِ من دواعِي إشراكِهم لها به تعالى فيما يُوجبها والتعبيرُ عن كفرِهم المذكورِ بالتكذيبِ لما أنَّ دلالةَ الآلاءِ المذكورةِ على وجوبِ الإيمانِ والشكرِ شهادةٌ منها بذلك فكفرُهم بها تكذيبٌ بَها لا محالةَ أي فإذا كان الأمر كما فُصِّلَ فبأيِّ فردٍ من أفراد آلاء ما لككما ومربِّيكُما بتلكَ الآلاءِ تكذبانِ مع أنَّ كلاً منها ناطقٌ بالحقِّ شاهدٌ بالصدقِ
178
} ٢ ١٤
179
﴿خَلَقَ الإنسان مِن صلصال كالفخار﴾ تمهيدٌ للتوبيخِ على إخلالِهم بمواجبِ شكرِ النعمةِ المتعلقة بذاتي كلِّ واحدٍ من الثقلينِ والصلصالُ الطينُ اليابسُ الذي له صلصال والفخَّارُ الخزفُ وقد خلقَ الله تعالى آدمَ عليهِ السلامُ من ترابٍ جعلَهُ طيناً ثم حمأً مسنوناً ثم صلصال فلا تنافيَ بين الآيةِ الناطقةِ بأحدِها وبينَ ما نطقَ بأحدِ الآخرينِ
﴿وَخَلَقَ الجان﴾ أي الجِنَّ أو أبَا الجِنِّ ﴿مِن مَّارِجٍ﴾ من لهبٍ صافٍ ﴿مّن نَّارٍ﴾ بيانٌ لمارجٍ فإنَّه في الأصلِ للمضطربِ من مرج إذا اضرطب
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ مما أفاضَ عليكُما في تضاعيفِ خلقِكما من سوابغِ النعمِ
﴿رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين﴾ بالرفعِ على خبريَّة مبتدأٍ محذوفٍ أي الذي فعلَ ما ذُكرَ من الأفاعيلِ البديعةِ ربُّ مشرقي الصيفِ والشتاءِ ومغربيهما ومن قضيتِه أن يكونَ ربَّ ما بينهما منَ الموجوداتِ قاطبةً وقيلَ على الابتداءِ والخبرُ قولُه تعالى مرجَ الخ وقُرِىءَ بالجرِّ على أنَّه بدل من ربكما
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ ممَّا في ذلكَ من فوائدَ لا تُحصى من اعتدالِ الهواءِ واختلافِ الفصولِ وحدوثِ ما يناسبُ كلَّ فصلٍ في وقتِه إلى غيرِ ذلكَ
﴿مَرَجَ البحرين﴾ أي أرسلَهُما منْ مرجتُ الدابَّةَ إذا أرسلتُها والمَعْنى أرسلَ البحرَ المِلْحَ والبحرَ العذبَ ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ أي يتجاورانِ ويتماسُّ سطوحُهما لافصل بينَهما في مرأى العينِ وقيلَ أرسلَ بحرَيْ فارسَ والرومِ يلتقيانِ في المحيطِ لأنهما خليجان يتشعبنا منه
﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾ أي حاجزٌ من قدرة الله عز وجَلَّ أو منَ الأرضِ ﴿لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ أي لا يبغي أحدهام على الآخرِ بالممازجةِ وإبطالِ الخاصِّيةِ أو لا يتجاوزانِ حدَّيهُما بإغراقِ ما بينهُما
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ وليسَ منهُما شيءٌ يقبلُ التكذيبَ
﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾
179
} ٩ ٢ {
الُّلؤْلُؤُ الدرُّ وَالمَرْجَانُ الخرزُ الأحمرُ المشهورُ وقيلَ اللؤلؤُ كبارُ الدرِّ والمرجانُ صغارُه فنسبةُ خروجِهما حينئذٍ إلى البحرينِ معَ أنَّهما إنما يخرجانِ من المِلْحِ على ما قالُوا لما قيلَ أنَّهما لا يخرجانِ إلا من ملقتى الملح والعذب أو لأنهام لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ساغ أن يقال يخرجان من البحرِ مع أنهما لا يخرجانِ من جمع البحرِ ولكنْ من بعضِه وهو الأظهرُ وقُرِىءَ يُخرَجُ مبنياً للمفعولِ من الإخراجِ ومبنياً للفاعلِ بنصبِ اللؤلؤُ والمرجانُ وبنونِ العظمةِ
180
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ ﴿وَلَهُ الجوار﴾ أي السفنُ جمعُ جاريةٍ وقرِىءَ برفعِ الراءِ وبحذفِ الياءِ كقولِ مَن قال لها ثَنَايَا أَرْبعٌ حسان وَأَرْبعٌ فكُلُّها ثَمَانُ ﴿المنشآت﴾ المرفوعاتُ الشُّرُعِ أو المصنوعاتُ وقُرِىءَ بكسرِ الشينِ أيْ الرافعاتُ الشرُعَ أو اللاتِي ينشئنَ الأمواجَ بجريهنَّ ﴿فِى البحر كالأعلام﴾ كالجبالِ الشاهقةِ جمعُ عَلَمِ وهو الجبلُ الطويلُ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * وَلَهُ الجوار ﴾ أي السفنُ جمعُ جاريةٍ، وقرِئَ برفعِ الراءِ وبحذفِ الياءِ كقولِ منْ قال :[ الراجز ]
لَهَاَ ثَنَايَا أَرْبعٌ حسان وَأَرْبعٌ فكُلُّها ثَمَانُ١
﴿ المنشآت ﴾ المرفوعاتُ الشُّرُعِ، أو المصنوعاتُ، وقُرِئ بكسرِ الشينِ. أيْ الرافعاتُ الشرُعَ، أو اللاتِي ينشئنَ الأمواجَ بجريهنَّ ﴿ فِي البحر كالأعلام ﴾ كالجبالِ الشاهقةِ جمعُ عَلَمِ وهو الجبلُ الطويلُ.
١ الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب (٧/٣٦٥)؛ وشرح الأشموني (٣/٢٦٧)؛ ولسان العرب (ثغر)، (ثمن)..

﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ من خلقِ موادِّ السفنِ والإرشادِ إلى أخذها وكيفية تركيبها وجرائها في البحرِ بأسبابٍ لا يقدرُ على خلقِها وجمعِها وترتيبِها غيره سبحانَهُ
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا﴾ أي على الأرضِ من الحيواناتِ أو المركبات ومن التغليب أو من الثقلينِ ﴿فَانٍ﴾ هالكٌ لا محالةَ
﴿ويبقى وَجْهُ رَبّكَ﴾ أي ذاتُه عزَّ وجلَّ ﴿ذُو الجلال والإكرام﴾ أي ذُو الاستغناءِ المطبقِ والفضلِ التامِ وقيلَ الذي عندَهُ الجلالُ والإكرامُ للمخلصينَ من عبادِه وهذهِ من عظائمِ صفاتِه تعالى ولقد قال ﷺ ألظُّوا بياذَا الجلالِ والإكرامِ وعنه عليه الصلاة والسلام أنه برجلٍ وهُو يُصلِّي ويقولُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ فقال استُجيبَ لكَ وقُرِىءَ ذِي الجلالِ والإكرام على أنه صفةُ ربِّك وأياً ما كانَ ففي وصفهِ تعالَى بذلكَ بعدَ ذكرِ فناءِ الخلق وبقائه تعالى إيذان يفيضُ عليهم بعد فنائِهم أيضاً آثارَ لطفِه وكرمِه حسبما ينبيء عنه قوله تعالى
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ فإن إحياؤهم بالحياةِ الأبديةِ وإثابتَهم بالنعيمِ المقيمِ أجلُّ النعماءِ وأعظمُ الآلاءِ
﴿يسأله من في السماوات والأرض﴾ قاطبةً ما يحتاجونَ
180
} ٣ ٣٠
إليه في ذواتِهم ووجوداتِهم حدوثا وبقاء سائر أحوالِهم سؤالاً مستمراً بلسانِ المقالِ أو بلسانِ الحالِ فإنَّهم كافةً من حيثُ حقائقُهم الممكنةُ بمعزلٍ من استحقاقِ الوجودِ وما يتفرَّع عليه من الكمالاتِ بالمرةِ بحيثُ لو انقطعَ ما بينَهم وبين العنايةِ الإلهية من العلاقةِ لم يشَمُّوا رائحةَ الوجودِ أصلاً فهم في كلِّ آنٍ مستمرونَ على الاستدعاءِ والسؤالِ وقد مرَّ في تفسيرِ قولِه تعالى ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ من سورةِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ ﴿كُلَّ يَوْمٍ﴾ أي كلَّ وقتٍ من الأوقاتِ ﴿هُوَ في شأن﴾ من الشؤن التي من جُمْلتها إعطاءُ ما سألُوا فإنَّه تعالى لا يزالُ ينشىءُ أشخاصاً ويغني آخرينَ ويأتِي بأحوالٍ ويذهبُ بأحوالٍ حسبَما تقتضيهِ مشيئتُه المبنيةُ على الحكم البالغة وفي الحديثِ من شأنِه أنْ يغفرَ ذنباً ويفرّجَ كرباً ويرفعَ قوماً ويضعَ آخرينَ قيل وفيه ردٌّ على اليهودِ حيثُ يقولونَ إنَّ الله لا يقضِي يومَ السبتِ شيئاً
181
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ مع مشاهدتِكم لما ذُكِرَ من إحسانِه
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ أي سنتجردُ لحسابِكم وجزائِكم وذلكَ يومَ القيامة عند انتهاء شؤن الخلقِ المشارِ إليَها بقولِه تعالى كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ فلا يَبْقى حينئذٍ إلا شأنٌ واحدٌ هو الجزاءُ فعبرَ عنْهُ بالفراغِ لهم بطريقِ التمثيلِ وقيلَ هو مستعارٌ من قولِ المتهدِّدِ لصاحبهِ سأفرُغُ لكَ أي سأتجردُ للإيقاعِ بكَ من كلِّ ما يشغلنِي عنْهُ والمرادُ التوفرُ على النِّكايةِ فيهِ والانتقامِ منْهُ وقُرىءَ سَيفرُغُ مبنياً للفاعل وللمفعول قرىء سَنفرُغُ إليكُم أي سنقصدُ إليكُم ﴿أَيُّهَا الثقلان﴾ هما الإنسُ والجنُّ سُمِّيا بذلكَ لثقلِهما على الأرضِ أو لرزانةِ آرائِهما أو لأنَّهما مثقلان بالتكليف
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا﴾ التي من جُمْلتِها التنبيهُ على ما سيلقَوْنه يومَ القيامةِ للتحذيرِ عمَّا يُؤدِّي إلى سوءِ الحسابِ ﴿تكذبان﴾ بأقوالكما وأعمالكما
﴿يَا مَعْشَرَ الجن والإنس﴾ هما الثقلانِ خوطِبا باسمِ جنسِهما لزيادةِ التقريرِ ولأنَّ الجنَّ مشهورونَ بالقدرةِ على الأفاعيلِ الشاقةِ فخُوطبوا بما ينبىءُ عن ذلكَ لبيان أن قدرتَهُم لا تَفِي بما كُلِّفُوه ﴿إِنِ استطعتم﴾ إنْ قدرتُم عَلى ﴿أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السماوات والأرض﴾ أي أن تهربُوا من قضائِي وتخرجُوا من ملكوتِي ومن أقطارِ سمواتِي وأرضِي ﴿فانفذوا﴾ منها وخلِّصُوا أنفسَكُم من عقابِي ﴿لاَ تنفذون﴾ لا تقدرون على النفوذِ ﴿إِلاَّ بسلطان﴾ أي بقوةٍ وقهرٍ وأنتُم من ذلكَ بمعزلٍ بعيدٍ رُويَ أن الملائكةَ تنزلُ فتحيطُ بالخلائق فإذا رآهم الجن والإنسن هربُوا فلا يأتونَ وجهاً
181
٤٠ ٣٤
إلا وجدُوا الملائكةَ أحاطتْ به
182
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ أي من التنبيهِ والتحذيرِ والمساهلةِ والعفوِ مع كمالِ القدرةِ على القوبة
﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ﴾ قيلَ هو اللهبُ الخالصُ وقيلَ المختلطُ بالدخانِ وقيل اللهبُ الأحمر وقيل اللهبُ الأخضرُ المنقطعُ من النارِ وقيل هو الدخانُ الخارجُ من اللهبِ وقيلَ هو النارُ والدخانُ جميعاً وقُرِىءَ شِواظٌ بكسرِ الشينِ ﴿مّن نَّارٍ﴾ متعلقٌ بيرسلُ أو بمضمرٍ هو صفة للشواط أي كائنٌ من نارٍ والتنوينُ للتفخيمِ ﴿وَنُحَاسٌ﴾ أي دُخانٌ وقيلَ صُفرٌ مذابٌ يصب على رؤسهم وقُرِىءَ بكسرِ النُّونِ وقُرىء بالجرِّ عطفاً على نارٍ وقُرِىءَ نُرسلُ بنونِ العظمةِ ونصبِ شُواظاً ونحاساً وقُرِىءَ نُحُس جمعُ نِحاسِ مثلُ لِحافِ ولُحُفِ وقُرِىءَ ونَحُسُّ أي نقتلُ بالعذابِ ﴿فَلاَ تَنتَصِرَانِ﴾ أي لا تمتنعانِ
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ فإنَّ بيانَ عاقبةِ ما هُم عليهِ من الكفرِ والمَعَاصِي لطفٌ وأيُّ لُطفٍ ونعمةٌ وأيُّ نعمةٍ
﴿فَإِذَا انشقت السماء﴾ أي انصدعتْ يومَ القيامةِ ﴿فَكَانَتْ وردة﴾ كوردة حمراء وقرئ وردةٌ بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ أيَّ حصلتْ سماءٌ وردةٌ فيكونُ من بابِ التجريدِ كقولِ منْ قالَ... وَلَئِنْ بَقيْتُ لأَرْحَلَّنَّ بغزوة تَحوِي الغنائمَ أَوْ يموتَ كريمُ... ﴿كالدهان﴾ خبرٌ ثانٍ لكانَتْ أو نعتٌ لوردةً أو حالٌ من اسمِ كانتْ أي كدُهنِ الزيتِ وهو إمَّا جمعُ دُهنٍ أو اسمٌ لَما يُدهنُ بهِ كالحِزامِ والأدامِ وقيلَ هو الأديمُ الأحمرُ وجوابُ إذَا محذوفٌ أي يكون من الأحوال والأهوال مالا يحيطُ بهِ دائرةُ المقالِ
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ مع عظمِ شأنِها
﴿فيومئذ﴾ أي يوم إذ تنشقُ السماءُ حسبَما ذُكِرَ ﴿لا يُسألُ عن ذنبهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ﴾ لأنَّهم يُعرفونَ بسيماهُم وذلكَ أولَ ما يخرجونَ من القبورِ ويحشرونَ إلى الموقفِ ذَوْداً ذَوداً على اختلافِ مراتبِهم وأما قولُه تعالى فَوَرَبّكَ لنسألنهم أجميعن ونحُوه ففي موقفِ المناقشةِ والحسابِ وضميرُ ذنبِه للإنسِ لتقدمِه رتبةً وإفرادُه لما أنَّ المرادَ فردٌ من الإنسِ كأنَّه قيلَ لا يسأل ذنبهِ إنسيٌّ ولا جنيٌّ
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ معَ كثرةِ منافعِها فإنَّ الإخبارَ بما ذُكِرَ ممَّا يزجرُكُم عن
182
٤٦ ٤ {
الشرِّ المؤدِّي إليهِ وأما ما قيلَ ممَّا أنعمَ الله على عبادِه المؤمنينَ في هذا اليومِ فلا تعلق له بالمقام وقوله تعالَى
183
﴿يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم﴾ استئنافٌ يَجْرِي مَجْرى التعليلِ لعدمِ السؤالِ قيلَ يُعرفونَ بسوادِ الوجوهِ وزرقةِ العُيونِ وقيلَ بما يعلُوهم منِ الكآبةِ والحُزنِ ﴿فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام﴾ الجارُّ والمجرورُ هُو القائمُ مقامَ الفاعلِ يُقَالُ أخذَهُ إِذَا كانَ المأخوذُ مقصوداً بالأخذِ ومنه قولُه تعالى خُذُواْ حِذْرَكُمْ ونحُوه وأخذَ بهِ إذَا كانَ المأخوذُ شيئاً من ملابساتِ المقصودِ بالأخذِ ومنه قولُه تعالى لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى وقولُ المستغيثِ خُذْ بيدِي أخذَ الله بيدِك أيْ يُجمعُ بين نواصِيهم وأقدامِهم في سلسلةٍ من وراءِ ظُهورِهم وقيلَ تسحبُهم الملائكةُ تارةً تأخذُ بالنَّواصِي وتارةً تأخذُ بالأقدامِ
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى
﴿هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون﴾ على إرادةِ القولِ أي يقال لهم ذلكَ بطريقِ التوبيخِ على أن الجملة إما استئنافٌ وقع جوابا عن سؤال ناشئ من حكايةِ الأخذِ بالنَّواصِي والأقدامِ كأنَّه قيلَ فماذا يفعلُ بهِم عندَ ذلكَ فقيلَ يقالُ إلخ أو حالٌ من أصحابِ النواصِي والأقدامِ لأنَّ الألفَ واللامَ عوضٌ عن المضافِ إليهِ وما بينَهما اعتراضٌ
﴿يطوفون﴾ أي بينَ النَّارِ يُحرقُون بها ﴿وبين حميم آن﴾ ماءٍ بالغٍ من الحرارةِ أقصَاها يُصبُّ عليهم أو يُسقون منْهُ وقيلَ إذَا استغاثُوا من النارِ أغيثُوا بالحميم
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ وقد أُشيرَ إلى سرِّ كونِ بيانِ أمثالِ هذه الأمورِ من قبيلِ الآلاءِ مِرَاراً
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ﴾ شروعٌ في تعدادِ الآلاءِ الفائضةِ عليهم في الآخرةِ بعدَ تعدادِ ما وصلَ إليهم في الدُّنيا من الآلاءِ الدينيةِ والدنيويةِ واعلمْ أنَّ ما عُدِّدَ فيمَا بينَ هذه الأيةِ وبين خاتمة السورة الكريمة من فنونِ الكراماتِ كَما أنَّ أنفسَها آلاءٌ جليلةٌ واصلةٌ إليهمْ في الآخرةِ كذلكَ حكاياتُها الواصلةُ إليهم في الدُّنيا آلاءٌ عظيمةٌ لكونِها داعيةً لهم إلى السَّعِي في تحصيلِ ما يُؤدِّي إلى نيلِها منَ الإيمانِ والطَّاعةِ وأنَّ ما فُصِّلَ من فاتحةِ السورةِ الكريمةِ إلى قولِه تعالى كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ من النِّعم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ الأنفسية والآفاقيةِ آلاءٌ جليلةٌ واصلةٌ إليهم في الدُّنيا وكذلكَ حكاياتُها منْ حيثُ إيجابُها للشكرِ والمثابرةِ على
183
٤٧ ٥ ﴿
ما يُؤدِّي إلى استدامتِها وأمَّا مَا عُدِّدَ فيمَا بين قوله تعالى سنفرغ لكُم وبين هذهِ الآيةِ من الأحوالِ الهائلةِ التي ستقعُ في الآخرةِ فليستْ هيَ من قبيلِ الآلاءِ وإنَّما الآلاءُ حكاياتُها الموجبةُ للانزجار عما يؤدى على الإبتلاءِ بَها من الكفرِ والمعاصِي كَما أُشيرَ إليهِ في تضاعيفِ تعدادِها ومقامُه تعالَى موقفُه الذي يقفُ فيه العبادُ للحسابِ يومَ يقوم الناس لرب العالمين أو قيامُه تعالَى على أحوالِه من قامَ عليهِ إذا راقبَهُ أو مقامُ الخائفِ عندَ ربِّه للحسابِ بأحدِ المعنيينَ وإضافتُه إلى الربِّ للتفخيمِ والتهويلِ أو مقحمٌ للتعظيمِ {جَنَّتَانِ﴾
جنةٌ للخائفِ الإنسيِّ وجنةُ للخائفِ الجنيِّ فإنَّ الخطابَ للفريقينِ فالمَعْنى لكلِّ خائفينِ منكُما أو لكُلِّ واحدٍ جنةٌ لعقيدتِه وأُخرى لعملهِ أو جنةٌ لفعلِ الطاعاتِ وأُخرى لتركِ المعاصِي أو جنةٌ يثابُ بَها وأُخرى يتفضلُ بها عليهِ أو روحانيةٌ وجسمانية وكذاا ما جَاء مَثْنى بعدُ
184
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى
﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ صفةٌ لجنَّتانِ وما بينهُمَا اعتراضٌ وُسّطَ بينهُمَا تنبيهاً على أنَّ تكذيبَ كلَ من الموصوفِ والصفةِ موجبٌ للإنكارِ والتوبيخِ والأفنانُ إمَّا جمعُ فَنَ أيْ ذَوَاتا أنواعٍ من الأشجارِ والثمارِ أو جمعُ فَنَنٍ أي ذَوَاتا أغصانٍ متشعّبةٍ من فروعِ الشجرِ وتخصيصُها بالذكرِ لأنها التي تورقُ وتثمرُ وتمد الظلَّ
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ وليسَ فيها شئ يقبلُ التكذيبَ
﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾ صفةٌ أخرى لجنتانِ أي في كلِّ واحدةٍ عينٌ تجري كيفَ يشاءُ صاحبُها في الأعالي والأسافلِ وقيلَ تجريانِ من جبلٍ من مسكٍ وعن ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ تجريانِ بالماءِ الزلالِ إحداهُما التسنيمُ والأُخرى السلسبيلُ وقيلَ إحداهُما من ماءٍ غيرِ آسنٍ والأُخرى من خمر لذة للشاربين قالَ أبو بكرِ الورَّاقُ فيهما عينانِ تجريانِ لمن كانتْ عيناهُ في الدُّنيا تجريانِ من مخافةِ الله عز وجل
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ﴾ أي صنفانِ معروفٌ وغريبٌ أو رطبٌ ويابسٌ صفةٌ أُخرى لجنَّتانِ وتوسيطُ الاعتراضِ بينَ الصفاتِ لمَا مر آنفا ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾
184
وقوله تعالى
185
وقولُه تعالَى ﴿ فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ ﴾ أي صنفانِ : معروفٌ وغريبٌ أو رطبٌ ويابسٌ، صفةٌ أُخرى لجنَّتانِ. وتوسيطُ الاعتراضِ بينَ الصفاتِ لمَا مرَّ آنِفاً ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾.
﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حالٌ من الخائفينَ لأنَّ منْ خافَ في مَعْنى الجمعِ أو نُصب على المدحِ ﴿عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ من ديباجٍ ثخينٍ وحيثُ كانتْ بطائنُها كذلكَ فما ظنُّكَ بظهائرِها وقيل ظهائرُها من سندسٍ وقيل من نورٍ ﴿وَجَنَى الجنتين دَانٍ﴾ أيْ مَا يُجتنَى من أشجارِها من الثمارِ قريبٌ ينالُه القائمُ والقاعدُ والمضطجعُ قالَ ابن عباس رضي الله عنُهمَا تدنُو الشجرةُ حتى تجتنيها وليُّ الله إنْ شاءَ قائماً وإنْ شاءَ قاعداً وإن شاء مضطجعا وقرئ بكسر الجيم
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿فِيهِنَّ﴾ أيْ في الجنانِ المدلولِ عليه بقولِه تعالَى جَنَّتَانِ لِما عرفتَ أنَّهما لكلِّ خائفينِ منَ الثقلينِ أوْ لكلِّ خائفٍ حسبَ تعددِ عملِه وقد اعتُبرَ الجمعيةُ في قولِه تعالَى متكئينَ وقيلَ فيهما من الأماكنِ والقصورِ وقيلَ في هذِه الآلاءِ المعدودة من الجنتين والفاكهةِ والفرشِ ﴿قاصرات الطرف﴾ نساءٌ يقصُرنَ أبصارَهنَّ على أزواجهنَّ لا ينظرنَ إلى غيرِهم ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ﴾ أي لم يَمسَّ الإنسياتِ أحدٌ من الإنسِ ولا الجنياتِ أحدٌ من الجنِّ قبلَ أزواجِهنَّ المدلولَ عليهُم بقاصراتُ الطرفِ وقيلَ بقولِه تعالى متكئينَ وفيه دليلٌ على أن الجن يطمثون وقرئ يَطْمُثْهنَّ بضمِّ الميمِ والجملةُ صفةٌ لقاصراتُ الطرفِ لأنَّ إضافتَها لفظيةٌ أو حالٌ منَها لتخصصِها بالإضافةِ
وقوله تعالى :﴿ فِيهِنَّ ﴾ أيْ في الجنانِ المَدلُولِ عليها بقولِه تعالَى :﴿ جَنَّتَانِ ﴾ [ سورة سبأ، الآية ١٥. وسورة الرحمن، الآية ٤٦ و٦٢ ] لِما عرفتَ أنَّهما لكلِّ خائفينِ منَ الثقلينِ أوْ لكلِّ خائفٍ حسبَ تعددِ عملِه، وقد اعتُبرَ الجمعيةُ في قولِه تعالَى متكئينَ وقيلَ فيما فيهما من الأماكنِ والقصورِ وقيلَ في هذِه الآلاءِ المعدودةِ من الجنتينِ والعينينِ والفاكهةِ والفرشِ. ﴿ قاصرات الطرف ﴾ نساءٌ يقصُرنَ أبصارَهُنَّ على أزواجِهنَّ لا ينظرنَ إلى غيرِهم ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ ﴾ أي لم يَمسَّ الإنسياتِ أحدٌ من الإنسِ ولا الجنياتِ أحدٌ من الجنِّ قبلَ أزواجِهنَّ المدلولَ عليهُم بقاصراتُ الطرفِ، وقيلَ : بقولِه تعالى متكئينَ، وفيه دليلٌ على أنَّ الجِنَّ يطمثُونَ. وقُرِئَ يَطْمُثْهنَّ بضمِّ الميمِ. والجملةُ صفةٌ لقاصراتُ الطرفِ، لأنَّ إضافتَها لفظيةٌ، أو حالٌ منَها لتخصصِها بالإضافةِ. ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان﴾ إمَّا صفةٌ لقاصراتُ الطرفِ أو حالٌ منَها كالتي قبلَها أي مشبهاتٌ بالياقوتِ في حُمرةِ الوجنةِ والمرجانِ أي صغارِ الدرِّ في بياضِ البشر وصفائِها فإنَّ صغارَ الدرِّ أنصعُ بياضاً من كبارِه قيل إنَّ الحوراءَ تلبَسُ سبعينَ حُلَّة فيُرى مخُّ ساقِها منْ ورائِها كما يُرى الشرابُ الأحمرُ في الزجاجة البيضاء
وقولُه تعالى :﴿ كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان ﴾ إمَّا صفةٌ لقاصراتُ الطرفِ، أو حالٌ منَها كالتي قبلَها أي مشبهاتٌ بالياقوتِ في حُمرةِ الوجنةِ، والمرجانِ أي صغارِ الدرِّ في بياضِ البشرةِ وصفائِها، فإنَّ صغارَ الدرِّ أنصعُ بياضاً من كبارِه قيل : إنَّ الحوراءَ تلبَسُ سبعينَ حُلَّة فيُرى مخُّ ساقِها منْ ورائِها كما يُرى الشرابُ الأحمرُ في الزجاجةِ البيضاءِ ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾. وقولُه تعالَى :﴿ هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان ﴾ استئنافٌ مقررٌ لمضمونِ ما فُصِّلُ قبلَهُ أي ما جزاءُ الإحسانِ في العملِ إلا الإحسانُ في الثوابِ.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان﴾ استئنافٌ مقررٌ لمضمونِ ما فُصِّلُ قبلَهُ أي ما جزاءُ الإحسانِ في العملِ إلا الإحسانُ في الثواب
185
٦١ ٧٠
186
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ مبتدأٌ وَخبرٌ أيْ ومنْ دونِ تينكَ الجنَّتينِ الموعودتينِ للخائفينِ المقربينِ جنتانِ أخريان لمن دونهن من أصحابِ اليمينِ
وقولُه تعالَى :﴿ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴾ مبتدأٌ وَخبرٌ، أيْ ومنْ دونِ تينكَ الجنَّتينِ الموعودتينِ للخائفينِ المقربينِ جنتانِ أخريان لمن دُونَهُم من أصحابِ اليمينِ ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ صِفةٌ لجنَّتانِ وسِّط بينهُمَا الاعتراضُ لما ذُكِرَ من التَّنبيه على أنَّ تكذيبَ كلَ من الموصوفِ والصفةِ حقيقٌ بالإنكارِ والتوبيخِ أيْ خضراوانِ تضربانِ إلى السوادِ من شدةِ الخُضرةِ وفيه إشعارٌ بأنَّ الغالبَ على هاتينِ الجنتينِ النباتُ والرياحينُ المنبسطةُ على وجهِ الأرض وعلى الأولين الأشجار والفواكه
وقولُه تعالَى ﴿ مُدْهَامَّتَانِ ﴾ صِفةٌ لجنَّتانِ وسِّط بينهُمَا الاعتراضُ لما ذُكِرَ من التنبيهِ على أنَّ تكذيبَ كلَ من الموصوفِ والصفةِ حقيقٌ بالإنكارِ والتوبيخِ أيْ خضراوانِ تضربانِ إلى السوادِ من شدةِ الخُضرةِ، وفيه إشعارٌ بأنَّ الغالبَ على هاتينِ الجنتينِ النباتُ والرياحينُ المنبسطةُ على وجهِ الأرضِ وعلى الأُوليينِ الأشجارُ والفواكهُ. ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾.
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ أيْ فوَّارتانِ بالماءِ والنضح أكثرُ من النضح بالحاءِ المهملةِ وهُو الرَّشُّ
﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ أيْ فوَّارتانِ بالماءِ. والنضخُ أكثرُ من النضح بالحاءِ المهملةِ، وهُو الرَّشُّ ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾.
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ ﴿فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ عُطفَ الأخيرانِ على الفاكهةِ عَطفَ جبريلَ وميكالَ على الملائكةِ بياناً لفضلِهما فإنَّ ثمرةَ النخل فاكهةٌ وغذاءٌ والرمانُ فاكهةٌ ودواءٌ وعنْ هَذا قالَ أبو حنيفة رحمه الله مَنْ حلفَ لا يأكلُ فاكهةً فأكلَ رمَّاناً أو رُطباً لم يحنثْ
﴿ فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ عُطفَ الأخيرانِ على الفاكهةِ عطفَ جبريلَ وميكالَ على الملائكةِ بياناً لفضلِهما فإنَّ ثمرةَ النخل فاكهةٌ وغذاءٌ والرمانُ فاكهةٌ ودواءٌ وعنْ هَذا قالَ أبُو حنيفةَ رحمَهُ الله : منْ حلفَ لا يأكلُ فاكهةً فأكلَ رمَّاناً أو رُطباً لم يحنثْ ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿فِيهِنَّ خيرات﴾ صفةٌ أُخرى لجنتانِ كالجُملةِ التي قبلَها والكلامُ في جميعِ الضميرِ كالَّذي مرَّ فيمَا مرَّ وخيراتٌ مخففةٌ من خَيِّراتٍ لأنَّ خَيْراً الذي بَمعْنى أخيرَ لا يجمعُ وقد قرئ على الأصلِ ﴿حِسَانٌ﴾ أي حسانُ الخَلْقِ والخُلُقِ
186
٧٨ ٧ {
187
وقولُه تعالَى :﴿ فِيهِنَّ خيرات ﴾ صفةٌ أُخرى لجنتانِ كالجُملةِ التي قبلَها. والكلامُ في جميعِ الضميرِ كالَّذي مرَّ فيمَا مرَّ. وخيراتٌ مخففةٌ من خَيِّراتٍ لأنَّ خَيْراً الذي بَمعْنى أخيرَ لا يجمعُ. وقد قُرِئَ على الأصلِ ﴿ حِسَانٌ ﴾ أي حسانُ الخَلْقِ والخُلُقِ. ﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿حُورٌ﴾ بدلٌ من خيراتٌ ﴿مقصورات فِى الخيام﴾ قُصرنَ في خُدورِهنَّ يقالُ امرأةٌ قصيرةٌ وقَصورةٌ أيْ مُخدَّرةٌ أو مَقْصُوراتُ الطرفِ عَلَى أَزْواجِهنَّ وقيلَ إنَّ الخيمةَ من خيامِهنَّ درَّةٌ مجوَّفةٌ
وقولُه تعالَى :﴿ حُورٌ ﴾ بدلٌ من خيراتٌ ﴿ مقصورات فِي الخيام ﴾ قُصرنَ في خُدورِهنَّ، يقالُ امرأةٌ قصيرةٌ وقَصورةٌ، أيْ مُخدَّرةٌ أو مَقْصُوراتُ الطرفِ عَلَى أَزْواجِهنَّ، وقيلَ إنَّ الخيمةَ من خيامِهنَّ درَّةٌ مجوَّفةٌ. ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ﴾ كالذي مرَّ في نظيرِه من جميعِ الوجوه
وقولُه تعالَى :﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ ﴾ كالذي مرَّ في نظيرِه من جميعِ الوجوهِ. ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ ﴾
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ نُصبَ على الاختصاصِ ﴿على رَفْرَفٍ خضر﴾ الرفرف إمَّا اسمُ جنسٍ أو اسمُ جمعٍ وَاحِدُهُ رفرفةٌ قيل هو ماتدلى من الأسرّةِ من أَعَالِي الثيابِ وقيلَ هو ضربٌ منَ البُسطِ أو البُسطُ وقيلَ الوسائدُ وقيل النمارقُ وقيل كلُّ ثوبٍ عريضٍ رفرف وقيل لأطرافِ البسطِ وفضولِ الفُسطاطِ رفارفُ ورفرفُ السحابِ هيدبُهُ ﴿وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ﴾ العبقريُّ منسوبٌ إلى عبقرٍ تزعمُ العربُ أنَّه اسمُ بلدِ الجِنِّ فينسبونَ إليهِ كلَّ شيءٍ عجيبٍ والمرادُ به الجنسُ ولذلكَ وصفَ بالجمعِ حَمْلاً على المَعْنى كَما في رفرفٍ على أحدِ الوجهينِ وقُرىء عَلَى رَفَارِفَ خُضُر بضمَّتينِ وعَبَاقريَ كمدائِني نسبة إلى عباقرَ في اسمِ البلد
﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ ﴾ نُصبَ على الاختصاصِ ﴿ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ ﴾ الرفوفُ إمَّا اسمُ جنسٍ أو اسمُ جمعٍ وَاحِدُهُ رفرفةٌ قيلَ هُو ما تدلَّى من الأسرّةِ من أَعَالِي الثيابِ وقيلَ هو ضربٌ منَ البُسطِ، أو البُسطُ، وقيلَ الوسائدُ وقيل : النمارقُ وقيل : كلُّ ثوبٍ عريضٍ رفرفٌ ويقالُ لأطرافِ البسطِ وفضولِ الفُسطاطِ رفارفُ ورفرفُ السحابِ هيدبُهُ ﴿ وَعَبْقَرِي حِسَانٍ ﴾ العبقريُّ منسوبٌ إلى عبقرٍ، تزعمُ العربُ أنَّه اسمُ بلدِ الجِنِّ فينسبونَ إليهِ كلَّ شيءٍ عجيبٍ، والمرادُ به الجنسُ، ولذلكَ وصفَ بالجمعِ حَمْلاً على المَعْنى كَما في رفرفٍ على أحدِ الوجهينِ، وقُرِئَ عَلَى رَفَارِفَ خُضُر بضمَّتينِ وعَبَاقريَ كمدائِني نسبة إلى عباقرَ في اسمِ البلدِ ﴿ فَبِأَيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾.
﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وقوله تعالى ﴿تبارك اسم رَبّكَ﴾ تنزيهٌ وتقديسٌ له تعالَى فيه تقريرٌ لما ذُكِرَ في السورةِ الكريمةِ من آلائِه الفائضةِ على الأنامِ أي تعالَى اسُمه الجليلُ الذي من جُمْلتِه ما صُدِّرتْ به السورةُ من اسم الرحمن المنبىءِ عن إفاضتِه الآلاءَ المُفصَّلةَ وارتفعَ عمَّا لاَ يليقُ بشأنِه من الأمور التي من جملتها جحودُ نعمائِه وتكذيبُها وإذا كان حال اسمه بملامسة دلالتِه عليهِ فما ظنُّك بذاتِه الأقدسِ الأَعْلى وقيل الاسمُ بمَعْنى الصفةِ وقيلَ مقحمٌ كما في قولِ من قال... إلى الحولِ ثم اسمُ السلام عليكما... ﴿ذِى الجلال والإكرام﴾ وصفَ به الربُّ تكميلاً لما ذُكِرَ من التنزيهِ والتقريرِ وقُرِىءَ ذُو الجلال على أنَّه نعتٌ للاسمِ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم من قرأ سروة الرحمن أدَّى شكرَ ما أنعم الله عليه
187
الواقعة ٥ ﴿
{بسم الله الرحمن الرحيم﴾
188
وقولُه تعالى :﴿ تبارك اسم رَبّكَ ﴾ تنزيهٌ وتقديسٌ له تعالَى فيه تقريرٌ لما ذُكِرَ في السورةِ الكريمةِ من آلائِه الفائضةِ على الأنامِ أي تعالَى اسُمه الجليلُ الذي من جُمْلتِه ما صُدِّرتْ به السورةُ من اسم الرحمن المنبئُ عن إفاضتِه الآلاءَ المُفصَّلةَ وارتفعَ عمَّا لاَ يليقُ بشأنِه من الأمور التي منْ جُمْلتها جحودُ نعمائِه وتكذيبُها، وإذا كانَ حالُ اسمِه بملابسةِ دلالتِه عليهِ فما ظنُّك بذاتِه الأقدسِ الأَعْلى، وقيل : الاسمُ بمَعْنى الصفةِ وقيلَ مقحمٌ كما في قولِ منْ قالَ :[ الطويل ]
إِلى الحَوْلِ ثُمَّ اسمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا [ ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ]١
﴿ ذِي الجلال والإكرام ﴾ وصفَ به الربُّ تكميلاً لما ذُكِرَ من التنزيهِ والتقريرِ. وقُرِئَ ذُو الجلال على أنَّه نعتٌ للاسمِ.
١ وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه (ص ٢١٤)؛ والأغاني (١٣/٤٠)، وخزانة الأدب (٤/٣٣٧، ٣٤٠)، ولسان العرب (غدر)، وبلا نسبة في أمالي الزجاج (ص ٦٣)، وشرح الأشموني (٢/٣٠٧) وشرح عمدة الحافظ (ص٥٠٧)..
Icon