تفسير سورة الإنشقاق

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الإنشقاق مكية
وهي خمس وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إذا السماء انشقت ﴾، عن علي رضي الله عنه ( تنشق من المجرة١
١ المجرة: منطقة في السماء قوامها نجوم كثيرة، لا يميزها البصر، فيراها كبقعة بيضاء يقال لها بالفارسية كبكشاي..
﴿ وأذنت لربها ﴾ : سمعت١ له في أمره بالانشقاق، وأطاعت وانقادت، ﴿ وحقت ﴾، وهي حقيقة بأن تستمع وتنقاد،
١ إنها أطاعته في الانشقاق، ولم تأب، ولم تمتنع مشتق من الأذن وهو الاستماع للشيء، والإصغاء إليه، وحق لها أن تطيع، وتنقاد، وتسمع، وقد استعمل الأذن في الاستماع في أشعار العرب وفي الحديث " ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يتغنى بالقرآن" قال الشاعر:
﴿ وإذا الأرض مدت ﴾ : مد الأديم، وبسطت فلم يبق فيها جبال، وبناء،
﴿ وألقت ما فيها ﴾ : ما في بطنها من الأموات والكنوز، ﴿ وتخلت ﴾ : بلغ جهده في الخلو، حتى لا يبقى في باطنها شيء،
﴿ وأذنت لربها وحقت ﴾، تكرار للأول، أو أذنت في الإلقاء والتخلية، وجواب إذا محذوف، يدل عليه ما بعده،
﴿ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ﴾، أي : جاهد بالعمل إليه ساع فملاق لربك فيجازيك، أو فملاق لكدحك ويصل إليك جزاؤه،
﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾، أي : سهلا بلا تعسير، وفي الصحيحين عن عائشة : قال عليه السلام :" من نوقش الحساب عذب "، قالت : فقلت أليس الله يقول :" فسوف يحاسب حسابا يسيرا " ؟، قال : ليس ذاك بالحساب، ولكن ذاك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " وفي غيرهما عنها قالت : قال عليه السلام :" إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا، فقلت " الحديث، إلخ،
﴿ وينقلب إلى أهله ﴾، في الجنة من الحور، والآدميات، ﴿ مسرورا ﴾
﴿ وأما من أوتي كتابه وراء١ ظهره ﴾، يثنى شماله إلى ورائه، ويعطي كتابه بها،
١ نقل أنه تغل يداه إلى عنقه، ويجعل شماله وراء ظهره، فيؤتى كتابه بشماله وراء ظهره / ١٢ منه..
﴿ فسوف يدعو ثبورا ﴾ : هلاكا يقول : يا ثبوراه،
﴿ ويصلى سعيرا ﴾ : يدخل النار،
﴿ إنه كان في أهله ﴾ : في الدنيا، ﴿ مسرورا ﴾، بإتباع هواه، وبدنياه ليس له هم الآخرة،
﴿ إنه ظن أن لن يحور ﴾ : لن يرجع إلى الله،
﴿ بلى ﴾ : يرجع إلى الله، ﴿ إن ربه كان بصيرا ﴾ : عالما بأعماله، فيعيده ويجازيه،
﴿ فلا أقسم بالشفق١ : الحمرة بعد الغروب، وعن أبي هريرة رضي الله عنه : البياض الذي يلي الحمرة، وعن مجاهد : النهار كله،
١ والشفق: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة، قال الواحدي: هذا قول المفسرين وأهل اللغة جميعا، قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق، وكان أحمر، وحكاه القرطبي عن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء، وقال أسد بن عمرو وأبو حنيفة في أحدى الروايتين عنه: إنه البياض، ولا وجه لهذا القول، ولا متمسك له، لا من لغة العرب، ولا من الشرع، قال في الصحاح: الشفق:" بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب العتمة، وكتب اللغة والشرع مطبقة على هذا/١٢ فتح..
﴿ والليل وما وسق ﴾ : ما جمع، وما ضم من دابة، وغيرها،
﴿ والقمر إذا اتسق ﴾ : استوى وتم بدرا،
﴿ لتركبن طبقا عن طبق ﴾ : حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة بعد الموت، أو حالا بعد حال من مثل الصغر والكبر، والهرم، والغنى والفقر، والصحة والسقم، أو لتركبن ما طابق سنن من كان قلبكم، وفي الحديث " لتركبن سنن من كان قبلكم من اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه "، والظاهر أن " لتركبن " بالضم على خطاب الجنس، فإن النداء له، وبالفتح على خطاب الإنسان في " يا أيها الإنسان " باعتبار اللفظ، وعن بعض١ من السلف : لتركبن يا محمد سماء بعد سماء، أي : ليلة المعراج، أو درجة بعد درجة في الرتبة، وكان منشأ هذا قول ابن عباس كما بيناه في الحاشية٢، و " عن طبق " صفة ل " لطبقا "، أي : طبقا مجاوز الطبق، أو حال من ضمير تركبن، أي مجاوزين لطبق،
١ هو الشعبي، وروى عن ابن مسعود، ومسروق، وأبي العالية/١٢ منه..
٢ في البخاري عن ابن عباس:(لتركبن طبقا عن طبق)، حالا بعد حال، قال هذا نبيكم، وعن ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه:(لتركبن طبقا عن طبق)، قال: يعني نبيكم حالا بعد حال هذا لفظه، ثم اعلم أن هذه العبارة يحتمل أن مراده أن هذا التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون قول(نبيكم) مرفوعا على أنه فاعل، قال: وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون مراده أن النبي عليه السلام ليركبن حالا بعد حال فيكون رفع نبيكم بخبرية هذا، هذا هو المتبادر إلى كثير من الرواة/١٢ منه..
﴿ فما لهم لا يؤمنون ﴾ : بالقيامة،
﴿ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ﴾ : إعظاما١ وإكراما،
١ إعظاما وإكراما للقرآن، أي: لا يتواضعون، تعجب من انتفاء إيمانهم، وقد وضحت الدلائل/١٢..
﴿ بل الذين كفروا يكذبون ﴾ : به، مكان السجود والخضوع،
﴿ والله أعلم بما يوعون ﴾ : بما يضمرون في أنفسهم،
﴿ فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾، الاستثناء منقطع، وقيل متصل، أي : إلا من تاب وآمن منهم، ﴿ لهم أجر غير ممنون ﴾ : غير مقطوع، أو منقوص، ولله المنة١ على أهل الجنة في كل حال دائما سرمدا.
والحمد لله حق حمده، والصلاة على نبيه.
١ هذا رد لمن قال: معناه غير ممنون عليهم كما فسره القاضي أيضا/١٢ منه..
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
صم إذ سمعوا خيرا ذكرت ب وإن ذكرت بسوء عندهم أذن.