تفسير سورة الحج

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الحج من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة الحج
بسم الله الرحمان الرحيم
هذه السورة وصفها القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) بأنها من أعاجيب السور، نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، سلميا وحربيا، ناسخا ومنسوخا، محكما ومتشابها، مكيا ومدنيا، ومن بين آياتها المكية ما ورد مبدوءا ب ﴿ يا أيها الناس ﴾، ومن بين آياتها المدنية ما ورد مبدوء ب﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾، ويغلب على هذه السورة في أكثر آياتها طابع السور المكية، وموضوعاتها الرئيسية. وسميت ( سورة الحج ) أخذا من قوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ [ الآيتان : ٢٧ ٢٨ ].

الربع الأول من الأول من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
ومناسبة بداية سورة الحج لنهاية سورة الأنبياء أن كتاب الله ذكر في نهاية سورة الأنبياء حال الأشقياء والسعداء، وما يكون عليه الفريقان يوم الفزع الأكبر، وأعذر لمشركي قريش بعد أن أنذرهم وتوعدهم، واحتكم إلى الله في شأنهم، ثم جاءت بداية سورة الحج تجدد تحذير الشاكين، وتخويف المشركين، فأشارت إلى زلزلة الساعة وشدة هولها، وذكرت ما أعد الله لمنكريها، ونبهتهم على أحقية البعث ووقوعه بتطويرهم في خلقهم أطوارا، وبهمود الأرض ثم اهتزازها بالنبات أزهارا وثمارا.
يقول الله تعالى داعيا كافة عباده إلى عبادته وتقواه، تجنبا لسخطه، وابتغاء رضاه :﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾.
فقوله تعالى هنا :﴿ اتقوا ربكم ﴾ أي اتقوا عذابه، واحترسوا بطاعته عن عقوبته، و " الاتقاء " الاحتراس من الأمر المكروه، وقوله تعالى :﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾ : " الزلزلة " في الأصل شدة الحركة، ولفظها مأخوذ من زل عن الموضع إذا زال عنه وتحرك.
وقوله تعالى :﴿ يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ﴾ الظاهر أن الضمير في " ترونها " يعود على الزلزلة التي تسبق قيام الساعة، لا على الساعة نفسها، إذ الرضاع والحمل إنما يكونان في الدنيا، وليس بعد البعث حمل ولا إرضاع، والآية توضح إلى أي حد يبلغ الهول والفزع، حتى بمن بلغ عادة غاية الغاية في الرعاية والإشفاق، وهي المرضعة عندما تهمل رضيعها، والحامل عندما تنسى حملها.
يقول الله تعالى مستنكرا جدل المجادلين في الحق والدين، ومحذرا لهم من تقليد الشياطين، ومتابعتهم على الضلال المبين :﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ﴾، فمن " لا علم عنده " لا حق له في ان يجادل ويناظر، والآية عامة في كل من تعاطى المناظرة والجدال دون حجة ولا برهان، واستوحى زخرف القول من وحي الشيطان، و " الشيطان المريد " بمعنى المتمرد المصر على الشر، المتمسك بالباطل.
وليقطع كتاب الله ألسنة المجادلين المبطلين، ويخنق أنفاسهم، ويبطل شبههم، انتزع من حياة الإنسان، التي ينتقل بين أطوارها كل لحظة، ومن حياة النبات، التي يشاهد تحولها كل موسم، دليلين اثنين على قدرته المطلقة، الصالحة في كل آن لكل إنشاء واختراع، والمتمكنة دائما من خرق العوائد وقلب الأوضاع، والتي يعد بعث الإنسان بعد موته، وإنشاؤه نشأة ثانية، أهون الأشياء عليها وأيسرها جميعا، فقال تعالى تعبيرا عن الدليل الأول المنتزع من حياة الإنسان، رفعا لشك الشاكين واحتجاجا عليهم :﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ﴾ فمن تفكر في حياته وتدبر، أدرك بفطرته السليمة أن بعث الإنسان ونشأته الثانية أسهل وأيسر، وإن كان الكل في قدرة الله على السواء، إذ لا فرق بين إبداع وإبداع، وإنشاء وإنشاء ﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ [ يس : ٨٢ ]. وهذا أول دليل يسقط به جدل المجادلين، الذين يجادلون في قدرة الله على بعث الخليقة وحشرها يوم الدين.
و " النطفة " هي ماء الإخصاب الدافق، فإذا كبر حجم النطفة وتعلقت في جدار الرحم سميت " علقة " أخذا من علوق الشيء بغيره إذا تعلق به، و " المضغة " هي قدر ما يمضغ من اللحم، و " المخلقة " تامة الخلق، و " غير المخلقة " غير الكاملة والسقط، وإلى هذه الأطوار نفسها يشير قول الله تعالى في آية أخرى :﴿ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾ [ المومنون : ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد وقف علم التشريح والأجنة في هذا العصر مبهورا أما ما حدده كتاب الله في شأن ترتيب خلق الجنين، ولم يستطع أن يزيد ولا أن ينقص مما ورد في الذكر الحكيم، من المسميات والمفاهيم ﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ].
وقوله تعالى هنا :﴿ لنبين لكم ﴾ كأنه يقول فيما يراه الزمخشري : " إنما نقلناكم من حال إلى حال، ومن خلقة إلى خلقة لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانيا ولا تناسب بين الماء والتراب وقدرعلى أن يجعل النطفة علقة- وبينهما تباين ظاهر- ثم يجعل العلقة مضغة، والمضغة عظاما، قادر على إعادة ما أبدأه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس ".
وقوله تعالى هنا :﴿ لتبلغوا أشدكم ﴾ معنى " الأشد " كمال القوة والعقل والتمييز وعنفوان الشباب، وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد، و ﴿ أرذل العمر ﴾ أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف الذي يصير الإنسان معه ضعيف البنية سخيف العقل، قال أبو حيان : " ولا زمان لذلك محدود، بل ذلك بحسب ما يقع في الناس، وقد نرى من علت سنه وقارب المائة أو بلغها في غاية جودة الذهن والإدراك مع قوة ونشاط، ونرى من هو في سن الاكتهال وقد ضعفت بنيته ".
وإذا كان كتاب الله في الدليل الأول على البعث لم يحل على الرؤية في جميع الأطوار التي يتقلب فيها الإنسان، لأن بعضها لا يقع تحت المشاهدة المباشرة، واكفتى بأن قال :﴿ إن كنتم في ريب من البعث ﴾ [ الآية : ٥ ] فإنه قد أحال على الرؤية في الدليل الثاني إحالة واضحة، فقال تعالى تعبيرا عن الدليل الثاني المنتزع من حياة النبات :﴿ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾، لأن هذا الدليل الثاني مشاهد للأبصار، ولا يتأتى فيه للعين أي جحود أو إنكار وهذا الدليل قد ورد ذكره في القرآن عدة مرات، لكونه من أوضح الدلائل والآيات، ومعنى " هامدة " يابسة لا نبات فيها، ومعنى " اهتزت " تخلخلت الأرض وتحركت، لأجل خروج النبات، ومعنى " ربت " زادت وارتفعت بنفس النبات، والمراد ب " كل زوج بهيج " كل لون يبهج من رآه، من البهجة وهي الحسن.
وعقب كتاب الله على الدليل الأول المستمد من حياة الإنسان، والدليل الثاني المستمد من حياة النبات، بالنتيجة الحتمية والمعقولة، التي يجب أن ينتهي إليها كل من أنصف وترك الجدال، وترفع عن الثرثرة وكثرة القيل والقال، فقال تعالى :﴿ ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾.
ولا بد هنا من وقفة خاصة عند قوله تعالى :﴿ ذلك بأن الله هو الحق ﴾، وسيعيد كتاب الله نفس المعنى مع تتمته الضرورية شرعا وطبعا، إذ يقول في الربع الأخير من السورة نفسها :﴿ ذلك بأن الله هو الحق وان ما تدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾ [ الآية : ٦٢ ]، فها هنا ينبه كتاب الله على ان كل ما سوى الله، وإن كان موجودا فعلا، فإنه لا وجود له من نفسه، لأن وجوده مرتبط بغيره، إذ هو تحت تصرف الله ومشيئته، يصرف أمره كيف يشاء، و " الحق الحقيقي " هو الموجود المطلق، الغني المطلق، الذي يصدر كل وجود عن وجوده، إذ هو مبدع الكون وممده بمدده وجوده، وليس ذلك إلا لله تعالى الملك الحق، الموجود الثابث، الذي لا يتغير ولا يزول.
ووصف كتاب الله صنفا ثانيا من المجادلين المتحذلقين، المعرضين عن الحق لمجرد الكبر والعناد، الذين يدعون على الضلال والفساد، فقال تعالى :﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ﴾
والمراد " بالعلم " هنا العلم الضروري، و " بالهدى " الاستدلال والنظر، لأنه يهدي إلى المعرفة، و " بالكتاب المنير " الوحي الإلهي. فهذا الصنف من المجادلين يجادل في الحق دون مستند ولا دليل، وغايته الوحيدة هي التدجيل والتضليل،
﴿ ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله ﴾، وقوله تعالى هنا :﴿ ثاني عطفه ﴾ أي معرضا عن الحق في جداله وكلامه، و " العطف " ما انثنى من العنق، تقول : ثنى فلان عني عطفه إذا أعرض عنك، على غرار قوله تعالى :﴿ أعرض ونأ بجانبه ﴾ [ الإسراء : ٨٣ ]، وقوله تعالى ﴿ لووا رؤوسهم ﴾ [ المنافقون : ٥ ].
﴿ له في الدنيا خزي، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾
ووصف كتاب الله نوعا ثالثا من المذبذبين والانتهازيين والمنافقين الذين تتقلب بهم الأحوال، ولا يثبتون على حال، فقال تعالى :﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير ﴾. وقوله تعالى هنا :﴿ على حرف ﴾ يشبه قوله تعالى في آية أخرى :﴿ على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ﴾ [ التوبة : ١٠٩ ]، إشارة إلى أن هذا النوع من الناس يكون على وشك السقوط لأول دفعة، إذ حرف كل شيء طرفه وحده، و " حرف الجبل " أعلاه المحدد، والمراد " بالفتنة " الابتلاء والامتحان،
﴿ يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾
والمراد " بالمولى " هنا الناصر والمعين، والمراد " بالعشير " الصاحب المخالط.
وبعدما وصف كتاب الله أصناف المجادلين والمذبذبين، واستنكر مواقفهم، وتوعدهم بالعذاب الأليم جزاء وفاقا، عقب على ذلك بذكر أهل الإيمان والعمل الصالح، ووصف ما أعده لهم من نعيم مقيم فقال تعالى :﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد ﴾.
ثم أعاد كتاب الله الكرة مرة أخرى، ليوبخ أعداء الحق وخصوم الحقيقة من أهل الجدال والنفاق، وليتحدى كيدهم وعنادهم، فقال تعالى :﴿ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ﴾ فلا ملجأ من الله إلا إليه، ولا اعتماد إلا عليه، والمراد " بالسبب " هنا الحبل، والسبب ما يتوصل به إلى الأشياء.
وذكر كتاب الله بالطابع المميز للذكر الحكيم، وانه عبارة عن آيات بينات تقنع كل ذي عقل سليم، وتتجاوب مع كل فطرة سليمة، فمن جادل فيها فإنما يجادل عن جهل أو عناد أو نفاق، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد ﴾.
وأشار كتاب الله إلى أن أمة التوحيد والإيمان التي تمسكت بعبادة الرحمن سيفصل الله بينها وبين من تقطعوا أمرهم بينهم، ففارقوا حظيرة التوحيد، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
ونبه كتاب الله كافة الطوائف والأقوام إلى أن عالم الملك والملكوت بجميع ما فيه خاضع لله تعالى، مطيع لذي الجلال والإكرام، لا يستكبر عن عبادته وطاعته، ما عدا طائفة ضالة تمردت على الله وتنكرت لهدايته، لا يحسب لها حساب، وحقت عليها كلمة العذاب، ﴿ ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وكثير من الناس، وكثير حق عليه العذاب ﴾.
وختم هذا الربع بالإشارة إلى أن من خلقه الله في أحسن تقويم، وأكرمه بالعقل والإيمان، ثم هانت نفسه عليه فرضي لها بالعكوف عل عبادة الأصنام والأوثان، ولم ينجع في هدايته إلى الحق لا دليل ولا برهان، لا سبيل إلى إنقاذه من الهوان والخسران، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ﴾.
الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية : " أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس : " لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية :" أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس :" لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.


﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾
ومعنى " يصهر به ما في بطونهم " أي يذاب به، من " الصهر " وهو الإذابة، ويوضحه قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾ [ محمد : ١٥ ]، وكما تذاب الأحشاء تذاب الجلود، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ﴾ [ النساء : ٥٦ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية :" أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس :" لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.


﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾
والمراد ( بالمقامع ) المطارق أو السياط وما يشبههما.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:الربع الثاني من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية :" أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس :" لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.


﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
وقوله تعالى :﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ أي ويقال لهم ذوقوا، وعبر " بالذوق " الذي هو في الأصل الإحساس بالطعم عن الإحساس بألم الحريق، إمعانا في تبكيتهم على ما أصروا عليه في الدنيا من استهتار واستهزاء، وعناد وعداء.
وقال تعالى في شأن المؤمنين السعداء :﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا، ولباسهم فيها حرير ﴾.
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
ثم عقب كتاب الله الحديث عما آل إليه أمر الفريقين، بما هدى الله إليه وميز به فريق المؤمنين، من القول الطيب بدلا من القول الخبيث، ومن العمل الصالح بدلا من العمل الفاسد، فقال تعالى :﴿ وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ :
وهداية الله لهم إلى الطيب من القول في الدنيا، تصدق بالشهادتين، والتوسل إلى الله بجميع الأذكار المشروعة والأقوال الطيبة، المتعلقة بالبر والخير والإصلاح بين الناس، وخصوصا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهداية الله لهم إلى الطيب من القول في الآخرة، تصدق بمثل قولهم فيها :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ [ الزمر : ٧٤ ] ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ﴾ [ فاطر : ٣٤ ] ﴿ وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ]. و " صراط الحميد " الذي هداهم الله إليه هو دين الإسلام الحق، الذي لا يقبل الله دينا سواه، ومحجته البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
يضاف إلى " الطيب من القول " ما تتلقاهم به في الدار الآخرة ملائكة الرحمن، من البرور والرعاية ومزيد الإحسان ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] ﴿ ويلقون فيها تحية وسلاما ﴾ [ الفرقان : ٧٥ ] ﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٤، ٢٣ ] ﴿ لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما ﴾ [ الواقعة : ٢٦، ٢٥ ].
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن صورة مثيرة من صور الصراع القائم بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، فقد كان الشرك بمكة في فترة من الدهر عاتيا طاغيا، فاستولى على مهد التوحيد وقاعدته الأولى في الحرم الشريف، واستبد بهما، حتى حرم من الكعبة ومقام إبراهيم وارث إبراهيم خاتم الأنبياء والمرسلين، وصده ومن معه من المؤمنين، عن الوصول إلى بيت الله الحرام وأداء مناسكهم فيه، وكان ذلك عام الحديبية، وزعم مشركو قريش أنهم أولياء البيت وأصحابه ﴿ وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ﴾ [ الأنفال : ٣٤ ]، فتصدى كتاب الله لإبطال مزاعمهم، إذ قال تعالى :﴿ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ﴾، وبذلك أكد كتاب الله ان بيت الله الحرام ليس ملكا لفريق دون آخر، وأن المقيمين بمكة، وهم " العاكفون " والوافدون عليها، وهم " البادون " سواسية فيما لهم في بيت الله من حقوق، بصفته منسكا وقبلة ومتعبدا. وأعلن كتاب الله أن صد الناس عن المسجد الحرام بأية وسيلة من الوسائل، وبأي عذر ينتحل من الأعذار، يعتبر إلحادا وظلما، إذ هو تحويل لصبغة المسجد الحرام، وخروج به عن أصله بالمرة، وتوعد كتاب الله كل من صد عن سبيله بالعذاب الأليم.
وحمل بعض المفسرين لفظ ( الإلحاد ) في قوله تعالى هنا :﴿ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ﴾ على معناه العام، فأدرج فيه كل ما يعد ميلا وانحرافا عن الإسلام، اعتقادا كان أو عملا، من الصغائر أو من الكبائر، كما حمل بعض المفسرين جملة " ومن يرد " على معنى العمل والنية معا، حتى أن من نوى سيئة من السيئات بمكة حوسب عليها ولو لم يعملها، لعظم حرمة المكان، أما إذا عملها فإنه يرتكب معصيتين : إحداهما بنفس المخالفة، والثانية بانتهاك حرمة البلد الحرام، وقد روي هذا التفسير عن ابن مسعود وابن عمر، وذهب إليه الضحاك وابن زيد.
وبعد أن استنكر كتاب الله ما قام به مشركو قريش من صد الرسول والمؤمنين عن بيت الله الحرام عام الحديبية، وبعدما توعد الله كل من أراد في بيته بإلحاد، انتقل مجرى الحديث إلى التذكير ببناء البيت الذي رفع قواعده إبراهيم وابنه إسماعيل، والتذكير بالرسالة السامية التي أعد الله لها هذا البيت عبر القرون والأجيال، فقال تعالى :﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود، وأذن في الناس بالحج ﴾ [ الآيتان : ٢٤، ٢٥ ].
وهذه الآية تتضمن بطريق التعريض توبيخ مشركي قريش على ما هم فيه من المفارقات والتناقضات، فبينما هم يدعون البنوة لإبراهيم، إذا بهم يصرون على الشرك الذي كان إبراهيم أعدى عدو له حتى تبرأ من أبيه وقومه من أجله، وبينما إبراهيم كان يحرص على تطهير البيت من كل رجس و خبث-بما في ذلك رجس الأوثان والأصنام، وخبث الأوساخ والأقذار-إذا بمشركي قريش ينتهكون حرمة البيت الحرام، ويملأونه بالأوثان والأصنام، وبينما إبراهيم كان يعد للعدة ليكون البيت مكانا مقدسا يحج إليه عباد الرحمن، الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، من جميع الأقاليم والأوطان، إذا بمشركي قريش ينزلون به إلى عبادة الأوثان.
والخطاب في قوله تعالى هنا ﴿ لا تشرك بي شيئا ﴾ ﴿ وطهر بيتي ﴾ ﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ موجه لإبراهيم الخليل عليه السلام، وكأن كتاب الله يعيد على مسامع رسوله والمؤمنين نفس الخطاب الإلهي الذي تلقاه إبراهيم الخليل، يوم وكل الله إليه وإلى ابنه إسماعيل إقامة البيت الحرام، وإذا كان هذا الخطاب موجها بالأصالة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام فإنه موجه بالتبع إلى خاتم الأنبياء والرسل، مجدد ملة إبراهيم، الذي أمره الله بإعادة الحق إلى نصابه، عند تيسر أسبابه، وكأنما كان التذكير ببناء البيت الحرام، وبالحكمة التي من أجلها وضع للناس، تمهيدا لما ورد بعد ذلك في هذا الربع، من توجيه الخطاب إلى مشركي قريش ومن سلك مسلكهم، بقوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ﴾. ومعنى ﴿ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ جعلناه يبوء إليه ويقيم فيه، كقوله تعالى في آية أخرى ﴿ لنبوئنهم من الجنة غرفا ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ].
والجمع بين عبادة الأوثان وقول الزور هنا في قران واحد، والأمر باجتنابهما معا في آن واحد، مبني على ما يوجد بينهما من ارتباط وثيق، فالشرك في الحقيقة هو رأس الزور، لأن المشرك بالله يزعم زورا وبهتانا أن الوثن يستحق العبادة، ويشهد له بالقدرة على الضر والنفع وغيره من صفات الكمال، التي هي من صفات الله وحده دون سواه، وكل قول من أقوال الزور يلتقي مع الشرك في أنه كذب وباطل، وغير مطابق للحقيقة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:وبعد أن استنكر كتاب الله ما قام به مشركو قريش من صد الرسول والمؤمنين عن بيت الله الحرام عام الحديبية، وبعدما توعد الله كل من أراد في بيته بإلحاد، انتقل مجرى الحديث إلى التذكير ببناء البيت الذي رفع قواعده إبراهيم وابنه إسماعيل، والتذكير بالرسالة السامية التي أعد الله لها هذا البيت عبر القرون والأجيال، فقال تعالى :﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود، وأذن في الناس بالحج ﴾ [ الآيتان : ٢٤، ٢٥ ].
وهذه الآية تتضمن بطريق التعريض توبيخ مشركي قريش على ما هم فيه من المفارقات والتناقضات، فبينما هم يدعون البنوة لإبراهيم، إذا بهم يصرون على الشرك الذي كان إبراهيم أعدى عدو له حتى تبرأ من أبيه وقومه من أجله، وبينما إبراهيم كان يحرص على تطهير البيت من كل رجس و خبث-بما في ذلك رجس الأوثان والأصنام، وخبث الأوساخ والأقذار-إذا بمشركي قريش ينتهكون حرمة البيت الحرام، ويملأونه بالأوثان والأصنام، وبينما إبراهيم كان يعد للعدة ليكون البيت مكانا مقدسا يحج إليه عباد الرحمن، الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، من جميع الأقاليم والأوطان، إذا بمشركي قريش ينزلون به إلى عبادة الأوثان.
والخطاب في قوله تعالى هنا ﴿ لا تشرك بي شيئا ﴾ ﴿ وطهر بيتي ﴾ ﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ موجه لإبراهيم الخليل عليه السلام، وكأن كتاب الله يعيد على مسامع رسوله والمؤمنين نفس الخطاب الإلهي الذي تلقاه إبراهيم الخليل، يوم وكل الله إليه وإلى ابنه إسماعيل إقامة البيت الحرام، وإذا كان هذا الخطاب موجها بالأصالة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام فإنه موجه بالتبع إلى خاتم الأنبياء والرسل، مجدد ملة إبراهيم، الذي أمره الله بإعادة الحق إلى نصابه، عند تيسر أسبابه، وكأنما كان التذكير ببناء البيت الحرام، وبالحكمة التي من أجلها وضع للناس، تمهيدا لما ورد بعد ذلك في هذا الربع، من توجيه الخطاب إلى مشركي قريش ومن سلك مسلكهم، بقوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ﴾. ومعنى ﴿ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ جعلناه يبوء إليه ويقيم فيه، كقوله تعالى في آية أخرى ﴿ لنبوئنهم من الجنة غرفا ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ].
والجمع بين عبادة الأوثان وقول الزور هنا في قران واحد، والأمر باجتنابهما معا في آن واحد، مبني على ما يوجد بينهما من ارتباط وثيق، فالشرك في الحقيقة هو رأس الزور، لأن المشرك بالله يزعم زورا وبهتانا أن الوثن يستحق العبادة، ويشهد له بالقدرة على الضر والنفع وغيره من صفات الكمال، التي هي من صفات الله وحده دون سواه، وكل قول من أقوال الزور يلتقي مع الشرك في أنه كذب وباطل، وغير مطابق للحقيقة.


وقوله تعالى :﴿ ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ﴾ فيه وعد من الله لإبراهيم بتلبية الناس لندائه إلى حج البيت، وأنهم ستهوي أفئدتهم إليه، ويقبلون عليه، مشاة وركبانا، بمختلف الوسائل التي يملكونها في كل عصر، وجاء التعبير ب " يأتوك " بدلا من " ياتوا " البيت " مثلا، كأن من أتى الكعبة حاجا أتى إبراهيم، لأن النداء إلى الحج إنما وصل إلى الناس بواسطته، وفي ذلك من التشريف لإبراهيم الخليل ما هو أهل له. ولفظ " رجال " هنا جمع راجل، ولفظ " الضامر " إشارة إلى الإبل بالخصوص إنما جرت مجرى التمثيل، فقد كانت هي المركوب الشائع بين العرب، و " الفج " الطريق الواسع، و " العميق " هنا معناه البعيد.
وقوله تعالى :﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ وردت فيه كلمة ﴿ منافع ﴾ نكرة بدون تعريف، إشارة إلى مختلف المنافع الدينية والدنيوية المختصة بهذه العبادة، مما لا يوجد نظيره في بقية العبادات.
وقوله تعالى :﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ ورد فيه وصف الأيام " بالمعلومات "، كما ورد في آية أخرى وصف الأيام " بالمعدودات "، تنبيها على ان أيام النحر وأيام التشريق أيام فاضلة تستحق مزيد الاعتناء، وعلى أنها أيام مخصوصة ليست كغيرها من أيام العمر، فينبغي اغتنام فضلها، لما لها من خصوصية وامتياز.
والمراد ( بذكر اسم الله ) هنا نفس النحر والذبح، مما يقوم به حجاج بيت الله الحرام، وإنما كنى كتاب الله عنهما ( باسم الله ) نظرا لأن المسلم لا ينفك عن ذكر اسم الله كلما نحر أو ذبح،
ولأن الغاية الأولى والأخيرة مما يتقرب به المؤمن إلى الله هو ذكر اسم الله ونيل تقواه ﴿ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ﴾
الربع الثالث من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
في الربع الماضي تحدث كتاب الله عما قام به مشركو قريش من صد رسول الله والمؤمنين عن البيت الحرام عام الحديبية، إلحادا وظلما، وفي هذا الربع يتصدى كتاب الله لتقرير حق الدفاع عن النفس والدين، لأول مرة، دفعا للظلم، ومقاومة للإلحاد، حتى يتحرر البيت الحرام من رجس الأوثان، ولا يبقى تحت ربقة الوثنيين، وحتى يتحرر المستضعفون بمكة من عنت المشركين. وقبل أن يأذن الله للمؤمنين بقتال من ظلمهم، وتثبيتا لهم على الحق، أوحى إلى رسوله انه سبحانه سيتولى الدفاع عنهم، وأنهم سيكونون في حمايته ورعايته، عندما يعدون العدة لمكافحة الباطل وتقليم أظفاره، ويهبون لنصرة الحق وتحرير أنصاره، فمن كان الله له عونا، لم يخف هضما ولا غبنا، وإلى المعنى يشير قوله تعالى في بداية هذا الربع :﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾، وكما ألقى بهذا الوعد الحق السكينة في قلوب المؤمنين، أعلن غضبه على الكفر والكافرين، وسخطه على الخيانة والخائنين، ومن غضب الله عليه وكله إلى نفسه أحوج ما يكون إليه، وخذله حتى أقرب الناس إليه، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾. وهكذا تضمنت هذه الآية وعدا من الله بنصر المؤمنين، ووعيدا بخذلان الكافرين والخائنين، والخيانة هنا تصدق بالأصالة على " الخيانة الكبرى " وهي خيانة الأمانة الإلهية التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، مما يجب على الإنسان الوفاء به من حقوق الله وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف الخيانات، مما يتفرع عنها ويظهر أثره في مختلف التصرفات.
وبعدما نهى كتاب الله عن قتال المشركين في نيف وسبعين آية، لعدم توافر الظروف الملائمة، وضعف الاستعدادات اللازمة، نزلت أول آية في الإذن بالقتال، بعدما استنفد الرسول والمؤمنون جميع الوسائل السلمية، ولم يبق للصبر والاحتمال أي مجال، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ﴾، والمأذون فيه محذوف، أي أذن لهم في القتال، بدليل قوله :﴿ يقاتلون ﴾، وكأنه لما قال :﴿ أذن للذين يقاتلون ﴾ قال :﴿ فليقاتل المؤمنون ﴾، وعلل كتاب الله هذا الإذن ﴿ بأنهم ظلموا ﴾، فقتال المسلمين إنما هو لرفع الظلم، وإزهاق الباطل، وإحقاق الحق.
وقوله تعالى :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ تعهد من الله على وجه التفضل والإحسان بنصر المؤمنين نصرا مؤزرا، متى خاضوا المعركة، لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، وقد جاء هذا التعهد في صيغة تحفز على الاستماتة في سبيل الله، كلها توكيد وتأييد. ومن كانت قدرة الله توجهه وترافق خطواته، لم يستطع أي عائق كيفما كان أن يقف في طريقه أو يعطل حركاته.
ثم كشف كتاب الله النقاب عن أشنع وجوه الظلم التي نزلت بالمسلمين على أيدي المشركين، مما يبرر انتفاضتهم ضد الظلم والطغيان، ومكافحتهم للمشركين، المعتصمين بتقاليد الجاهلية وعبادة الأوثان، فقال تعالى في وصف المؤمنين ﴿ الذين ظلموا ﴾ :﴿ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله ﴾، مبينا أن حرية الاستقرار والإقامة بالأوطان، وحرية الضمير والوجدان، حقان أساسيان لا بد من ضمانهما لكل إنسان، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بعقيدة التوحيد والإيمان.
ووضع كتاب الله أمام أنظار المؤمنين حقيقة واقعية وتاريخية لا جدال فيها ولا نزاع، ألا وهي ان الحق مهما كان نوعه لا بد له من نصرة ودفاع، فكثيرا ما يطغى الباطل ويحاول أن يسيطر سيطرة نهائية، لولا ما يقف في وجهه من حركات الدفاع المضاد، التي تدفع بالطغاة الظالمين إلى الهاوية. وهذه الحقيقة هي التي عبر عنها كتاب الله بمنتهى الدقة والوضوح في قوله تعالى :﴿ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ﴾ [ البقرة : ٢٥١ ] وإليها يشير قوله تعالى هنا مع ذكر المثال :﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾، مما يدل على أن العقائد والأديان، إنما هي مدينة بوجودها وبقائها لمن دافعوا عنها بحماس وإيمان، ولولا ذلك لدخلت كلها في خبر كان.
ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام ما في هذه الآية الكريمة من ذكر لجملة من معابد الملل الأخرى إلى جانب " المساجد " التي هي بيوت الله، والإتيان بها جميعا في صعيد واحد، ففي ذلك تلميح لطيف إلى مبدأ الإسلام الأساسي القائل : " لا إكراه في الدين "، وإشارة واضحة، إلى أن الإسلام يضمن لمخالفيه حرية الاعتقاد، وأنه كما لا يسمح بالاعتداء على معابده ومقدساته لا يسمح بالاعتداء على معابدهم ومقدساتهم أيضا. قال ابن خويز منداد : " هذه الآية تضمنت المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نيراهم "، وقال القرطبي : " إنما لم ينقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة، لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عوهدوا على صيانتها ".
وقوله تعالى هنا :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ بعد ذكر الصوامع والبيع والصلوات والمساجد يعود الضمير فيها على المساجد دون إشكال، ويمكن أن يعود حتى على الصوامع والبيع والصلوات، باعتبار ما كان عليه الأمر فيها قبل أن ينحرف أهلها عن دين الحق ويدخلوا فيه البدع والمحدثات.
وبعدما أذن الله لعباده المؤمنين بالقتال، دفاعا عن عقيدتهم وحريتهم وكيانهم الخاص، ومقاومة للظلم والإلحاد، وبعدما حدد كتاب الله مبادئ الدفاع المشروع، وفائدة هذا الدفاع، وضرورة الالتجاء إليه في معترك الحياة، لحفظ التوازن والحد من الطغيان، حول مجرى الحديث إلى الكلام عن الغاية الأولى والأخيرة التي يجب أن يتوخاها المؤمنون من جهادهم ودفاعهم، بمجرد تمكنهم في الأرض وانتصارهم، فقال تعالى :﴿ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ﴾ مبينا بذلك المبادئ الأساسية التي يجب أن ترعاها الدولة الإسلامية، ومبرزا الطابع الخاص الذي يجب ان يتميز به المجتمع الإسلامي، وأول هذه المبادئ : إقامة الصلاة وربط الصلة بالله، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية في انسجام تام مع التوجه الإلهي العام، فلا تمرد على الله ولا عصيان، ولا غفلة ولا طغيان، ولكن طاعة وإذعان، ويقظة وإيمان، والصلاة هي عماد الدين، والحق الأول من حقوق الله على المؤمنين.
وثاني هذه المبادئ : إيتاء الزكاة، وتوثيق رباط المحبة والتكافل بين عباد الله، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على درجة كبيرة من الإنسانية والتعاطف والتراحم والتواصل، بدلا من الأنانية والتقاطع والتهارش والتقاتل، شعارهما " نفسي وأخي، بل أخي قبل نفسي، لا نفسي نفسي "، والزكاة هي دعامة الإخاء والوئام بين الإخوة المؤمنين، والحق الأول من حقوق المعسرين على الموسرين.
وثالث هذا المبادئ : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على تمام الوعي بخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقهما في صيانة الإسلام من كل ما هو دخيل، والحفاظ عليه شكلا وموضوعا، مظهرا ومخبرا، عرضا وجوهرا، حماية للكيان الإسلامي من الفناء، ووقوفا في وجه الدسائس والمؤامرات التي تحاك ضده في الخفاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى نصرة الصلاح والقيام بالإصلاح، ومحاربة الفساد والحيلولة دون الإفساد هو الواجب الأول من واجبات الدولة الإسلامية، وهو الضامن الأكبر لسلامة الدين، وسلامة المجتمع، وسلامة الدولة.
وواضح من هذه الآية الكريمة أن " تمكين " المسلمين في الأرض مشروط بهذه الشروط كلها وبما تفرع منها، فمتى توافرت كان لهم النصر والتمكين، ومتى أهملت أو أهمل بعضها حل بساحتهم الخذلان والتفكك إلى حين، ﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾.
واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:واتجه الخطاب بعد ذلك إلى الرسول والمؤمنين، باستخلاص العبرة مما جرى للأنبياء والرسل السابقين، والتحذير مما أصاب أقوامهم من الهلاك والعذاب بين الحين والحين، تثبيتا لرسوله على الحق، وإنذارا للمصرين على الباطل من الخلق، فقال تعالى :﴿ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ﴾
وردا على المشركين الذين كانوا يتحدون الرسول ويستعجلونه بالعذاب الذي حذرهم منه كتاب الله، جاء قوله تعالى :﴿ قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ﴾ أي ليس لي تعجيل عذابكم، ولا تأخيره عنكم، وإنما أنا منذركم به،
ثم عرف كتاب الله كل فريق من المؤمنين والكافرين بمصيره عند الله، حتى يكون على بينة من أمره، فقال تعالى في شأن المؤمنين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ﴾،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٠:ثم عرف كتاب الله كل فريق من المؤمنين والكافرين بمصيره عند الله، حتى يكون على بينة من أمره، فقال تعالى في شأن المؤمنين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ﴾،

وقال تعالى في شأن الكافرين المعاندين :﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾.
وتأكيدا لما وعد الله به رسوله من أن يعصمه من الناس، وكشفا عن حقيقة المحاولات التي يحاولها أعداء الرسالات الظالمون المضللون، من بث البلبلة في الصفوف، ونشر الشبه المضللة بين ضعفاء النفوس، ثبت الله نبيه على الحق، وأطلعه على ما تعرض له الرسل والأنبياء السابقون من ابتلاء في هذا السبيل، فقال تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ﴾ إشارة إلى ان جميع الرسل والأنبياء السابقين كانوا حريصين على هداية قومهم، متمنين لذلك مثابرين عليه، وأنه ما منهم من أحد إلا وكان الشيطان لدعوته بالمرصاد، واقفا في وجه نبوته ورسالته، يقاومه ويراغمه، بتزيين الكفر لقومه، وإلقاء الشبه في نفوسهم، لكن الله تعالى لا يلبث أن يمحو تلك الشبه من قلوبهم شيئا فشيئا حتى يؤمنوا، ثم يظهر الله آياته محكمة لا لبس فيها ولا خفاء، ولا يبقى لتلك الشبه وزخارف القول أي أثر،
وإنما نسب إلى " الشيطان " في هذه الآية ما يقوم به خصوم النبوات والرسالات من تحدي الأنبياء والرسل، وبثهم البلبلة وإلقائهم الشبه، لأن الشيطان هو المغوي، والمحرك شياطين الإنس للإغواء، مصداقا لما حكى عنه كتاب الله ﴿ ولأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ [ الحجر : ٣٩، ٤٠ ]. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار إخوانه الأنبياء والرسل السابقين، من أحرص الناس على هداية قومه، بشهادة الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، إذ قال في وصفه :﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، وقال أيضا :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ [ الأحزاب : ٦ ] وكان في قومه شياطين، كالنضر بن الحارث، يلقون لقومه وللوافدين عليه من الشبهات ما يثبطونهم به عن الإسلام، ورغما عن ذلك فقد أظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ودخل الناس في دين الله أفواجا اللهم إلا فيمن كان قلبه مريضا وقاسيا
﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾
أما قصة ( الغرانيق ) " السفلى " التي هول بها البعض في هذا المقام، فهي كما قال الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية، من وضع الزنادقة، وليس لها أصل في الإسلام، واستدل علاء الدين المعروف " بالخازن " في تفسيره على ضعفها باضطراب رواتها، واختلاف ألفاظها، وانقطاع سندها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:وتأكيدا لما وعد الله به رسوله من أن يعصمه من الناس، وكشفا عن حقيقة المحاولات التي يحاولها أعداء الرسالات الظالمون المضللون، من بث البلبلة في الصفوف، ونشر الشبه المضللة بين ضعفاء النفوس، ثبت الله نبيه على الحق، وأطلعه على ما تعرض له الرسل والأنبياء السابقون من ابتلاء في هذا السبيل، فقال تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ﴾ إشارة إلى ان جميع الرسل والأنبياء السابقين كانوا حريصين على هداية قومهم، متمنين لذلك مثابرين عليه، وأنه ما منهم من أحد إلا وكان الشيطان لدعوته بالمرصاد، واقفا في وجه نبوته ورسالته، يقاومه ويراغمه، بتزيين الكفر لقومه، وإلقاء الشبه في نفوسهم، لكن الله تعالى لا يلبث أن يمحو تلك الشبه من قلوبهم شيئا فشيئا حتى يؤمنوا، ثم يظهر الله آياته محكمة لا لبس فيها ولا خفاء، ولا يبقى لتلك الشبه وزخارف القول أي أثر،
وإنما نسب إلى " الشيطان " في هذه الآية ما يقوم به خصوم النبوات والرسالات من تحدي الأنبياء والرسل، وبثهم البلبلة وإلقائهم الشبه، لأن الشيطان هو المغوي، والمحرك شياطين الإنس للإغواء، مصداقا لما حكى عنه كتاب الله ﴿ ولأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ [ الحجر : ٣٩، ٤٠ ]. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار إخوانه الأنبياء والرسل السابقين، من أحرص الناس على هداية قومه، بشهادة الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، إذ قال في وصفه :﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، وقال أيضا :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ [ الأحزاب : ٦ ] وكان في قومه شياطين، كالنضر بن الحارث، يلقون لقومه وللوافدين عليه من الشبهات ما يثبطونهم به عن الإسلام، ورغما عن ذلك فقد أظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ودخل الناس في دين الله أفواجا اللهم إلا فيمن كان قلبه مريضا وقاسيا
﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾
أما قصة ( الغرانيق ) " السفلى " التي هول بها البعض في هذا المقام، فهي كما قال الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية، من وضع الزنادقة، وليس لها أصل في الإسلام، واستدل علاء الدين المعروف " بالخازن " في تفسيره على ضعفها باضطراب رواتها، واختلاف ألفاظها، وانقطاع سندها.

وقوله تعالى :﴿ وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ﴾في هذا السياق فسره جار الله الزمخشري بأنه " تعهد من الحق سبحانه وتعالى بتوفيق المؤمنين من أهل العلم، على تأويل ما تشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة، وحمل ما أشكل منه على ما تقتضيه الأصول المحكمة، والقوانين الممهدة، حتى لا تلحق المؤمنين حيرة، ولا تعتريهم شبهة، ولا تزل لهم قدم ".
﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾،
وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٦:﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾،
وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٦:﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾،
وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾

سورة الحج
بسم الله الرحمان الرحيم
هذه السورة وصفها القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) بأنها من أعاجيب السور، نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، سلميا وحربيا، ناسخا ومنسوخا، محكما ومتشابها، مكيا ومدنيا، ومن بين آياتها المكية ما ورد مبدوءا ب ﴿ يا أيها الناس ﴾، ومن بين آياتها المدنية ما ورد مبدوء ب﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾، ويغلب على هذه السورة في أكثر آياتها طابع السور المكية، وموضوعاتها الرئيسية. وسميت ( سورة الحج ) أخذا من قوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ [ الآيتان : ٢٧ ٢٨ ].
الربع الأخير من الحزب الرابع والثلاثين في المصحف الكريم
*خ في بداية الربع الماضي قرر كتاب الله حق المومنين في الدفاع عن دينهم وكيانهم ضد كل اعتداء، كما تعهد الحق سبحانه وتعالى بنصرتهم على الأعداء، فقال تعالى :﴿ إن الله يدافع عن الذين أمنوا ﴾ ﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وفي نهايته نوه بموقف المهاجرين في سبيل الله، الذين قتلوا أو ماتوا، وأعلن عن ثوابهم في دار النعيم، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقهم الله رزقا حسنا ﴾ [ الآية : ٥٨ ]. وكان مسك الختام في الربع الماضي قول الله تعالى :﴿ إن الله لعليم حليم ﴾ إشارة إلى أنه لولا حلم الله على البشر، لأخذهم بظلمهم أخذا وبيلا، على حد قوله تعالى :﴿ ولو يواخذ الله الناس بما كسبوا مات ترك على ظهرها من دابة ﴾ [ فاطر : ٤٥ ]. خ*/
وفي نفس هذا الجو، جو الدفاع المشروع، المأذون فيه من قبل الشارع، والمؤيد بنصر الله في الدنيا، وثوابه في الآخرة، تجيء بداية هذا الربع عودا على بدء، فتؤكد من جديد ما يطالب به كل مسلم، من رد عدوان المعتدين، والوقوف في وجه الطغاة الظالمين، وأن المسلم إذ قام برد العدوان، ثم وقع عليه عدوان آخر، لا ينبغي أن ييأس من روح الله، فليعد الكرة، وليجاهد لإعلاء كلمة الله المرة تلو المرة، ولا بد أن يصل إلى الغاية، وينصره الله في النهاية، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ﴾، ثم قال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لعفو غفور ﴾ إشارة إلى الحالات التي يمكن أن يحدث فيها " العفو " أثره المطلوب، ويحقق المرغوب.
وقوله تعالى هنا :﴿ ومن عاقب بمثل ما عوقب به ﴾ ورد فيه " العقاب " مورد " الجزاء "، فأطلق على جزاء العقوبة عقوبة، لاستواء الفعلين في ظاهرهما، ولملابسة أحدهما للآخر، ومما يشبه هذا الطراز قوله تعالى :﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ]، وقوله تعالى في سورة الشورى :﴿ بمثل ما عوقب به ﴾ يقتضي أن يقف دفاع المسلمين عند حدود رد العدوان، بحيث لا يطلقون لشهواتهم ونزواتهم العنان، ولا يجاوزون في دفاعهم مقتضيات العدل والإحسان.
وقوله تعالى :﴿ ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ﴾ إشارة إلى ما تتعاقب علي أحوال الدنيا من ضياء وظلمة وليل ونهار، وكذلك الأيام يداولها الله بين الناس، فمن نصر إلى هزيمة، ومن هزيمة إلى نصر، ومهما طال ليل الظلم والطغيان، فإن فجر العدل والحق لا بد أن يمحو ظلمة الليل الطويل متى حان الأوان
وانتقل كتاب الله مرة أخرى إلى عرض آيات الله البارزة في الأنفس والآفاق، الدالة على وجود الله ووحدانيته، وعظيم قدرته وبالغ حكمته، عسى أن يقلع المشركون عن شركهم وكفرهم، ويتراجعوا عن عدوانهم وظلمهم، ويتوبوا إلى بارئهم توبة نصوحا، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير * له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد * ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ﴾. على أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى كل إنسان، في أي زمان كان وفي أي مكان، ليتدبر آيات الله في الأنفس والآفاق ويدخل في حظيرة الإيمان.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس : " خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:وانتقل كتاب الله مرة أخرى إلى عرض آيات الله البارزة في الأنفس والآفاق، الدالة على وجود الله ووحدانيته، وعظيم قدرته وبالغ حكمته، عسى أن يقلع المشركون عن شركهم وكفرهم، ويتراجعوا عن عدوانهم وظلمهم، ويتوبوا إلى بارئهم توبة نصوحا، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير * له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد * ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ﴾. على أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى كل إنسان، في أي زمان كان وفي أي مكان، ليتدبر آيات الله في الأنفس والآفاق ويدخل في حظيرة الإيمان.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس :" خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:وانتقل كتاب الله مرة أخرى إلى عرض آيات الله البارزة في الأنفس والآفاق، الدالة على وجود الله ووحدانيته، وعظيم قدرته وبالغ حكمته، عسى أن يقلع المشركون عن شركهم وكفرهم، ويتراجعوا عن عدوانهم وظلمهم، ويتوبوا إلى بارئهم توبة نصوحا، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير * له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد * ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ﴾. على أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى كل إنسان، في أي زمان كان وفي أي مكان، ليتدبر آيات الله في الأنفس والآفاق ويدخل في حظيرة الإيمان.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس :" خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:وانتقل كتاب الله مرة أخرى إلى عرض آيات الله البارزة في الأنفس والآفاق، الدالة على وجود الله ووحدانيته، وعظيم قدرته وبالغ حكمته، عسى أن يقلع المشركون عن شركهم وكفرهم، ويتراجعوا عن عدوانهم وظلمهم، ويتوبوا إلى بارئهم توبة نصوحا، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير * له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد * ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ﴾. على أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى كل إنسان، في أي زمان كان وفي أي مكان، ليتدبر آيات الله في الأنفس والآفاق ويدخل في حظيرة الإيمان.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس :" خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.


وقوله تعالى هنا :﴿ إن الإنسان لكفور ﴾ بعد ذكر آيات الله في الأنفس والآفاق، إشارة إلى ما عليه الشاكون والمنكرون من جحود لوجود الله، وما عليه الكافرون والمشركون من جحود لوحدانيته، وما عليه الغافلون والضالون من جحود لنعمته، بالرغم من قيام الدلائل القاطعة والبراهين الساطعة على قدرته وحكمته ﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾ [ سبأ : ١٣ ].
وانتقل كتاب الله إلى تقرير حقيقة واقعية وتاريخية هي أن نزول الشرائع وتواليها واختلاف بعضها عن بعض في التفاصيل والجزئيات ظاهرة عرفتها الإنسانية خلال أجيال وقرون، فليس ظهور الشريعة التي هي خاتمة الشرائع على الشكل الذي تميزت به عن غيرها أمرا غريبا ولا عجيبا ﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾ [ المائدة : ٤٨ ].
وأوصى الحق سبحانه وتعالى رسوله هنا كما أوصاه هناك بأن لا يقبل من خصوم الإسلام أي نزاع أو جدال فيما جاء به عن الله من الحق، وبأن يواصل دعوته عن بينة واقتناع، تاركا الفصل النهائي بينه وبين المعاندين والمنكرين إلى يوم الفصل والجزاء، وذلك قوله تعالى ﴿ فلا ينازعنك في الأمر ﴾ أي لا ينازعك أحد منهم فيما يشرع لأمتك من أمر الدين ﴿ وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ﴾
وبمثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في آية أخرى :﴿ ولا يصدنك عن آياته الله بعد إذ نزلت إليك، وادع إلى ربك ﴾ [ القصص : ٨٧ ].
ووصف كتاب الله ما يكون عليه حال المشركين والمنافقين عندما تتلى عليهم آيات الذكر الحكيم، التي تكشف عن سرائرهم الستار، وتزعزع بحججها البالغة كل ما كان راسخا عندهم من باطل المعتقدات وسخيف الآراء والأفكار، حتى أنهم لتعلو وجوههم علامات الاستنكار ومظاهر التهجم، ولتكاد أيديهم تمتد إلى المومنين بالبطش والسطو والتهجم، لهول ما يقرع أسماعهم من إنذار ووعيد، وما ينتظرهم وأمثالهم من العذاب الشديد، وذلك قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ﴾.
وزاد كتاب الله إمعانا في توهين الشرك والمشركين، فضرب المثل بالذباب الذي هو أصغر وأضعف الأحياء، لكنه مع ذلك يحمل سر الحياة، ويحمل في كثير من الأحيان أخطر الأمراض وأعدى الجراثيم، وبين كتاب الله ان الأصنام والأوثان التي يخر لها المشركون سجدا لا تستطيع أن تدفع عنها حتى أذى الذباب، وهي أعجز ما تكون عن أن تنزع من الذباب ما سطا عليه وأخذه منها، فكيف تعبد من دون الله، وهي على ما عليه من الضعف والعجز أمام الذباب الصغير الضعيف، ونفس الأمر يرد بالنسبة للأصنام البشرية من الدعاة المضللين، الذين يسيطرون على عباد الله، فهؤلاء كلهم لو اجتمعوا منذ بدء الخليقة إلى الآن في صعيد واحد ليخلقوا ذبابا لما استطاعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، لأن " سر الحياة " من غيب الله، والله وحده هو الذي يخلق الموت والحياة، ولو سلبهم الذباب شيئا لما استطاعوا له ردا مهما كان تافها، وإذا نقل الذباب إلى أحد من أتباعهم مثلا جرثومة السل أو جرثومة الرمد، سقط فريسة المرض والكمد، وإلى هذه المعاني يشبر قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز :﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ﴾، قال القرطبي : " وخص الذباب هنا لأربعة امور : لمهانته، وضعفه، واستقذاره، وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز ان يكونوا آلهة معبودين، وأربابا مطاعين، وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان "، وقال القاضي عبد الجبار : " حكي عن أبي الهذيل انه سئل : ما الفائدة في خلق الذباب، فأجاب قائلا : الفائدة في خلق الذباب هي إذلال الجبابرة ".
وعاد كتاب الله إلى مجابهة المشركين الذين طالما استغربوا أن يكون الرسول الذي أرسل إليهم " بشرا رسولا " في آن واحد، إذ هم لم يكونوا يتصورون الرسول إلا ملكا نازلا من السماء من بين الملائكة، فبين كتاب الله أن الله يختار من بين الملائكة رسلا وهؤلاء يرسلهم إلى أنبيائه ورسله ويختار من بين البشر رسلا، وهؤلاء يرسلهم إلى أمثالهم من الناس، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير* يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾. على حد قوله تعالى في سورة الأنبياء، ومثله في سورة يوسف وسورة النحل :﴿ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام، وما كانوا خالدين ﴾ [ الأنبياء : ٧، ٨ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:وعاد كتاب الله إلى مجابهة المشركين الذين طالما استغربوا أن يكون الرسول الذي أرسل إليهم " بشرا رسولا " في آن واحد، إذ هم لم يكونوا يتصورون الرسول إلا ملكا نازلا من السماء من بين الملائكة، فبين كتاب الله أن الله يختار من بين الملائكة رسلا وهؤلاء يرسلهم إلى أنبيائه ورسله ويختار من بين البشر رسلا، وهؤلاء يرسلهم إلى أمثالهم من الناس، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير* يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾. على حد قوله تعالى في سورة الأنبياء، ومثله في سورة يوسف وسورة النحل :﴿ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام، وما كانوا خالدين ﴾ [ الأنبياء : ٧، ٨ ].
ووجه كتاب الله الخطاب إلى رسوله والمومنين يحدد لهم معالم الرسالة الإسلامية، ويضع أيديهم على دعائمها الأساسية، التي بدونها لا ينتظم للمسلمين وجود ولا بقاء، فقال : تعال :﴿ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون * وجاهدوا في الله حق جهاده ﴾. وهذه الأوامر الإلهية تتضمن ثلاثة إمور جوهرية : الأمر الأول : أن تكون طاعة الله والصلة به قائمة في كل وقت ﴿ اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم ﴾. الأمر الثاني : أن يكون فعل الخير بجميع أصنافه باسطا رواقه في كل مكان ﴿ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ﴾.
الأمر الثالث : أن يكون المسلمون على أهبة الاستعداد للدفاع عن كيانهم بكل ما يلزم للجهاد، من عدة وعتاد ﴿ وجاهدوا في الله حق جهاده ﴾.
ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ﴾، إشارة إلى أن المسلمين إذا أقاموا دولتهم على هذه الدعائم، وحافظوا على ما لديهم من شعائر ومعالم، فإنهم سيكونون الصفوة المختارة من بين البشر، التي تحيي من ملة إبراهيم ما ضاع واندثر، والتي لا تعرف إفراطا ولا تفريطا في ورد ولا صدر. ووصف إبراهيم بكونه ( أبا ) للمسلمين : من جهة أنه إمام الموحدين، ومقيم قواعد البيت الحرام الذي جعله الله مثابة وأمنا للناس أجمعين.
وختم هذا الربع بالإشارة إلى ما ميز الله به أمة التوحيد من اسم " الإسلام والمسلمين "، ووصفها واشتهارها بهذا الاسم الشريف على مر الأعوام والسنين، والإشارة إلى ما ادخر الله لها من " الشهادة " على العالمين، والتركيز على ما يضمن لها البقاء والنصر في كل حين، فقال تعالى :﴿ هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ﴾.
Icon