مدنية بإجماع
ﰡ
(ألم تَرَ أنَّ اللَّهَ أعْطَاكَ سُورةً | ترى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ) |
أحدهما : أن الزنى منها أعَرُّ، وهو لأجل الحَبَل أضر.
الثاني : أن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب. وقدر الحد فيه بمائة جلدة من الحرية والبكارة وهو أكثر حدود الجلد لأن فعل الزنى أغلظ من القذف بالزنى، وزادت السنة على الجلد بتغريب عام بعده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ " ومنع العراقيون من التغريب اقتصاراً على الجلد وحده، وفيه دفع السنة والأثر.
والجلد مأخوذ من وصول الضرب إلى الجلد فأما المحصنان فحدهما الرجم بالسنة إما بياناً لقوله تعالى في سورة النساء :
﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾
[ النساء : ١٥ ] على قول فريق، وإما ابتداء فرض على قول آخرين. وروى زر بن حبيش عن أُبَيٍّ أن في مصحفه من سورة الأحزاب ذكر الرجم :" إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارْجُمَوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ".
﴿ وَلاَ تأخذكم بِهِمَا رأفة فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ أي في طاعة الله. وقد يعبر بالدين عن الطاعة.
﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ أي إن كنتم تقيمون طاعة الله قيام من يؤمن بالله واليوم الآخر. والرأفة الرحمة ولم ينه عنها لأن الله هو الذي يوقعها في القلوب وإنما نهى عما تدعو الرحمة إليه، وفيه قولان :
أحدهما : أن تدعوه الرحمة إلى إسقاط الحد حتى لا يقام، قاله عكرمة.
الثاني : أن تدعوه الرحمة إلى تخفيف الضرب حتى لا يؤلم، قاله قتادة، واستنبط هذا المعنى الجنيد فقال : الشفقة على المخالفين كالإِعراض عن المواقعين. ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾ يعني بالعذاب الحد يشهده عند الإِقامة طائفة من المؤمنين، ليكونوا زيادة في نكاله وبينة على إقامة حده. واختلف في عددهم على أربعة أقاويل :
أحدها : أربعة فصاعداً، قاله مالك والشافعي.
الثاني : ثلاثة فصاعداً، قاله الزهري.
الثالث : اثنان فصاعداً، قال عكرمة.
الرابع : واحد فصاعداً، قاله الحسن وإبراهيم.
ولما شرط الله إيمان من يشهد عذابهما قال بعض أصحاب الخواطر : لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب.
أحدها : تقبل شهادته قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه وعوده إلى عدالته، وهذا مذهب مالك والشافعي وبه قال جمهور المفسرين.
الثاني : لا تقبل شهادته أبداً، لا قبل الحدّ ولا بعده، وهذا مذهب شريح.
الثالث : أنه تقبل شهادته بالتوبة قبل الحد ولا تقبل بعده، وهذا مذهب أبي حنيفة.
الرابع : تقبل شهادته بعد الحد ولا تقبل قبله، وهذا مذهب إبراهيم النخعي قال الشعبي : تقبل توبته ولا تقبل شهادته.
وفي صفة التوبة قولان :
أحدهما : أنها بإكذابه نفسه وقد رواه الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة وقال لهم : من أكذب نفسه أحرز شهاته، فأكذب نفسه شبل ونافع، وأبى أبو بكرة أن يفعل. قال الزهري، وهو والله السنة فاحفظوه.
الثاني : أن توبته منه تكون بصلاح حاله وندمه على قذفه والاستغفار منه وترك العود إلى مثله، قاله ابن جرير.
(وأشهَدُ عِنْدَ اللَّه أنِّي أُحِبُّها | فهذَا لَهَا عِندي فَمَا عِنْدَها لِيا) |
أحدهما : أنه الحد، وهو مذهب مالك والشافعي.
الثاني : أنه الحبس، وهو مذهب أبي حنيفة.
﴿ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ ﴾
أحدها : بلعان الزوج وحده وهو مذهب الشافعي.
الثاني : بلعانهما معاً، وهو مذهب مالك.
الثالث : بلعانهما وتفريق الحاكم بينهما وهو مذهب أبي حنيفة.
والرابع : بالطلاق الذي يوقعه الزوج بعد اللعان وهو مذهب أحمد بن حنبل ثم حرمت عليه أبداً.
واختلفوا في إحلالها له إن أكذب بعد اللعان نفسه على قولين :
أحدهما : تحل، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني : لا تحل، وهو مذهب مالك والشافعي. وإذا نفى الزوج الولد باللعان لحق بها دونه، فإن أكذب نفسه لحق به الولد حياً أو ميتاً، وألحقه أبو حنيفة به في الحياة دون الموت.
أحدهما : أن فضل الله الإسلام ورحمته القرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أن فضل الله منّه، ورحمته نعمته، قاله السدي.
وفي الكلام محذوف اختلف فيه على قولين :
أحدهما : أن تقديره : لولا فضل الله عليكم ورحمته بإمهاله حتى تتوبوا لهلكتم.
الثاني : تقديره : لولا فضل الله عليكم ورحمته بكم لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم.
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ فيكون المحذوف على القول الأول الجواب وبعض الشرط، وعلى الثاني الجواب وحده بعد استيفاء الشرط.
(شهيدٌ على الإِفك غَيْرِ الصَّوابِ | وما شَاهِدُ الإِفك كَالأَحْنَفِ) |
﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءِ ﴾ يشهدون بما قالوه.
﴿ فَإِذَا لَمْ يأتوا بِالشُّهَدَاءِ. . . ﴾ الآية.
(لقد ذاق حسان الذي كان أهله | وحمنةُ إذ قالا هجيراً ومسطح) |
(وابن سلول ذاق في الحدّ خزيه | كما خاض في إفك من القول يفصح) |
(تعاطوْا برجم الغيب زوج نبيّهم | وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا) |
(وآذواْ رسول الله فيها فجللوا | مخازي تبقى عمموها وفضحواْ) |
(فصبت عليهم محصدات كأنها | شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح) |
(حَصَانٌ رزانٌ ما تُزَنّ بِرِيبَةٍ | وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ) |
(فإن كنتُ قد قلتُ الذي بُلِّغْتُم | فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ أنامِلِي) |
(فكيفَ ووُدِّي ما حَيِيتُ ونُصْرَتِي | لآلِ رسُولِ اللَّهِ زَينِ المَحَافِلِ) |
(.................. جَاءَتْ به عنسٌ من الشام تَلِقْ)
أي تسرع.
أحدهما : أن يكون وعيداً بما له عند الله من العقاب.
الثاني : أريد به تكذيب المؤمنين الذي يصدقون ما أنزل الله من كتاب.
واختلف هل حد النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الإِفك على قولين :
أحدهما : أنه لم يحدّ أحداً منهم لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو بينة ولم يتعبدنا الله أن نقيمها بإخباره عنها كما لم يتعبدنا بقتل المنافقين وإن أخبر بكفرهم.
والقول الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الإِفك حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة رواه عروة بن الزبير وابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها فقال بعض شعراء المسلمين :
لقد ذاق حسان الذي كان أهله | وحمنةُ إذ قالا هجيراً ومسطح |
وابن سلول ذاق في الحدّ خزيه | كما خاض في إفك من القول يفصح |
تعاطوْا برجم الغيب زوج نبيّهم | وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا |
وآذوا رسول الله فيها فجللوا | مخازي تبقى عمموها وفضحوا |
فصبت عليهم محصدات كأنها | شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح |
حَصَانٌ رزانٌ ما تُزَنّ بِرِيبَةٍ | وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ |
فإن كنتُ قد قلتُ الذي بُلِّغْتُم | فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ أنامِلِي |
فكيفَ ووُدِّي ما حَيِيتُ ونُصْرَتِي | لآلِ رسُولِ اللَّهِ زَينِ المَحَافِلِ |
أحدهما : هو أن تتحدث به وتلقيه بين الناس حتى ينتشر.
الثاني : أن يتلقاه بالقبول إذا حدث به ولا ينكره. وحكى ابن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقرأ إذ تلِقونه بكسر اللام مخففة وفي تأويل هذه القراءة وجهان :
أحدهما : ترددونه، قاله اليزيدي.
الثاني : تسرعون في الكذب وغيره ومنه قول الراجز :
. . . . . . . . . . . . . . . | جَاءَتْ به عنسٌ من الشام تَلِقْ١ |
لما رأوا جيشا عليهم قد طرق جاءوا بأسراب من السام ولق
والزلق الزملق الذي ينزل قبل أن يجامع.
أحدها : خطايا الشيطان، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : آثاره، قاله ابن شجرة.
الثالث : هو تخطي الشيطان الحلال إلى الحرام والطاعة إلى المعصية، قاله ابن عيسى.
الرابع : هو النذور في المعاصي، قاله أبو مجلز.
ويحتمل خامساً : أن تكون خطوات الشيطان الانتقال من معصية إلى أخرى مأخوذ من نقل القدم بالخطو من مكان إلى مكان.
﴿ فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُم ﴾ ولا يجوز التطلع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ لأَجْلِ البَصَرِ١. إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَفْتُوحاً فَيَجُوزُ إِذا كَانَ خَارِجاً أَنْ يَنْظُرَ لأَنَّ صَاحِبَهُ بالفتح قَدْ أَبَاحَ النَّظَرَ "
﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ وهنا ينظر فإن كان بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث، وإن كان قبل الدخول فهو رد الإِذن ومنع من الدخول. ولا يلزمه الانصراف عن موقفه من الطريق إلا أن يكون فناء الباب المانع فيكفى عنه. قال قتادة : لا تقعد على باب قوم ردوك فإن للناس حاجات.
أحدها : أنها الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، قاله محمد بن الحنفية رضي الله عنه.
الثاني : أنها حوانيت التجار قاله الشعبي.
الثالث : أنها منازل الأسفار ومناخات الرجال التي يرتفق بها مارة الطريق في أسفارهم، قاله مجاهد.
الرابع : أنها الخرابات العاطلات، قاله قتادة.
الخامس : أنها بيوت مكة١، ويشبه أن يكون قول مالك.
﴿ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها عروض الأموال التي هي متاع التجار، قاله مجاهد.
الثاني : أنها الخلاء والبول سمي متاعاً لأنه إمتاع لهم، قاله عطاء.
الثالث : أنه المنافع كلها، قاله قتادة. فلا يلزم الاستئذان في هذه المنازل كلها. قال الشعبي : حوانيت التجار إذنهم أنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس : هَلُمّ.
(يأخذ زينتهن أحسن ما ترى | وإذا عطلن فهن غير عواطل) |
(فَإِن تَنْكَحِي أَنكِحْ وإن تَتَأَيَّمِي | وإن كُنْتَ أَفْتَى منكُم أَتَأَيَّمُ) |
يعف عن أسرارها بعد الغسق.
يعني عن الزنى بها.
﴿ الذين لا يجدون نكاحا ﴾ يعني لا يقدرون عليه مع الحاجة إليه لإعسار إما بصداق أو نفقة.
﴿ حَتَّى يَغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما يغنيهم الله عنه بقلة الرغبة فيه.
الثاني : يغني بمال حلال يتزوجون به.
﴿ وَالَّذيَنَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِم خَيْراً ﴾ أما الكتاب المبتغى هنا هو كتابة العبد والأمة على مال إذا أدياه عتقا به وكانا قبله مالكين للكسب ليؤدي في العتق، فإن تراضى السيد والعبد عليها جاز، وإن دعا السيد إليها لم يجبر العبد عليها.
وإن دعا العبد إليها ففي إجبار السيد عليها إذ علم فيه خيراً مذهبان :
أحدهما : وهو قول عطاء وداود يجب على السيد مكاتبته ويجبر إن أبى.
الثاني : وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء أنه يستحب له ولا يجبر عليه فإذا انعقدت الكتابة لزمت من جهة السيد وكان المكاتب فيها مخيراً بين المقام والفسخ.
وفي قوله ﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾ خمسة تأويلات :
أحدها : أن الخير : القدرة على الاحتراف والكسب، قاله ابن عمر وابن عباس.
الثاني : أن الخير : المال، قاله عطاء ومجاهد.
الثالث : أنه الدين والأمانة، قاله الحسن.
الرابع : أنه الوفاء والصدق، قاله قتادة وطاوس.
الخامس : أنه الكسب والأمانة، قاله الشافعي.
﴿ وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني من مال الزكاة من سهم٢ الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد. ولا يكره للسيد أخذه وإن كان غنياً، قاله الحسن وإبراهيم وابن زيد.
الثاني : من مال المكاتبة معونة من السيد لمكاتبه كما أعانه غيره من الزكاة.
واختلف من ذهب إلى هذا التأويل في وجوبه فذهب أبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب، وذهب الشافعي إلى وجوبه وبه قال عمر وعليّ وابن عباس.
واختلف من قال بوجوبه في هذا التأويل في تقديره فحكي عن علي أنه قدره بالربع من مال الكتابة، وذهب الشافعي إلى أنه غير مقدر، وبه قال ابن عباس.
وإن امتنع السيد منه طوعاً قضى الحاكم به عليه جبراً واجتهد رأيه في قدره، وحكم به في تركته إن مات، وحاصّ به الغرماء إن أفلس.
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم في قول الشافعي وأصحابه. وإذا عجز عن أداء نجم٣ عند محله كان السيد بالخيار بين إنظاره وتعجيزه وإعادته رقاً، ولا يرد ما أخذه منه أو من زكاة أعين بها أو مال كسبه.
قال الكلبي وسبب نزول قوله تعالى :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُم فِيهِمْ خَيْرا. . ً ﴾ الآية ؛ أن عبداً اسمه صبح لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه فامتنع حويطب فأنزل الله ذلك فيه٤.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ الفتيات الإماء، البغاء الزنى. والتحصن التعفف. ولا يجوز أن يكرهها ولا يمكنها سواء أرادت تعففاً أو لم تُرِدْ.
وفي ذكر الإِكراه هنا وجهان :
أحدهما : لأن الإِكراه لا يصح إلا فيمن أراد التعفف، ومن لم يرد التعفف فهو مسارع إلى الزنى غير مكره عليه.
الثاني : أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطاً فيه، وهذا ما روى جابر بن عبد الله أن عبد الله بن أبيّ بن سلول كانت له٥ أمة يقال لها مسيكة وكان يكرهها على الزنى فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه فقال : ارجعي فازني على آخر فقالت : لا والله ما أنا براجعة وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فأنزل الله هذه الآية. وكان مستفيضاً من أفعال الجاهلين طلباً للولد والكسب.
﴿ لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي لتأخذوا أجورهن على الزنى.
﴿ وَمَن يُكْرِههُّنَّ ﴾ يعني من السادة.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يعني للأمة المكرهة دون السيد المكرِه.
٢ سهم: سقطت من ك.
٣ النجم: هنا القسط المدفوع..
٤ وبعد ذلك كاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا فأداها وقتل بحنين في الحرب. ذكره القشيري والنقاش. وقال مكي هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..
٥ الذي في صحيح مسلم أنهما جاريتان الأخرى اسمها أميمة..
(بُورِكَ الْمَيْتُ الغَرِيبُ كَمَا بُو | رِكَ نَضْرُ الرُّمَّانِ والزَّيْتُونِ) |
﴿ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن ذكره بأسمائه الحسنى.
الثاني : عن الأذان، قاله يحيى بن سلام. ﴿ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبِ وَالأبْصَارُ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : يعني تقلبها على حجر جهنم.
الثاني : تقلب أحوالها بأن تلفحها النار ثم تنضجها وتحرقها.
الثالث : أن تقلب القلوب وجيبها، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال.
الرابع : أن تقلب القلوب بلوغها الحناجر، وتقلب الأبصار الزّرَق بعد الكحل، والعمى بعد البصر.
الخامس : أن الكافر بعد البعث يتقلب قلبه عن الكفر إلى الإيمان وينقلب بصره عما كان يراه غياً فيراه رشداً.
أحدهما : أنه ترغيب فاقتصر على ذكر الرغبة.
الثاني : أنه يكون في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر فكانت صغائرهم مغفورة.
﴿ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها.
الثاني : ما يتفضل به من غير جزاء.
﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : بغير جزاء بل يسديه تفضلاً.
الثاني : غير مقدر بالكفاية حتى يزيد عليها.
الثالث : غير قليل ولا مضيق.
الرابع : غير ممنون به.
وقيل لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء فحضر عبد الله بن رواحة فقال : يا رسول الله قد أفلح من بنى المساجدا ؟ قال :" نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ "، قال : وصلى فيها قائماً وقاعدا ؟ً قال :" نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةِ " قال : ولم يبت لله إلا ساجداً ؟ قال :" نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ. كُفّ عَنِ السَّجْعِ فَمَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيئاً شَرّاً مِن طَلاَقَةِ في لِسَانِهِ ".
(فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُهُمْ | كَلَمْعِ سَرَابٍ بِالْفَلاَ مُتَأَلِّق) |
(فوّلَّى مُدْبِراً وَأيْقَنَ | أنَّه لاَقِى الْحِسَابَا) |
وفي قوله لجيّ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه البحر الواسع الذي لا يرى ساحله، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنه البحر الكثير الموج، قاله الكلبي.
الثالث : أنه البحر العميق، وهذا قول قتادة، ولجة البحر وسطه، ومنه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" مَنْ رَكِبَ البَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " يعني إذا توسطه.
﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ [ ١يحتمل وجهين :
أحدهما : يغشاه موج من فوق الموج ريح، من فوق الريح سحاب ] فيجمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب.
الثاني : معناه يغشاه موج من بعده فيكون المعنى الموج بعضه يتبع بعضاً حتى كأن بعضه فوق بعض وهذا أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب، ومن فوق هذا الموج سحاب وهو أعظم للخوف من وجهين :
أحدهما : أنه قد يغطي النجوم التي يهتدى بها.
الثاني : الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه.
﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يريد الظلمات التي بدأ بذكرها وهي ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
الثاني : يعني بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض.
﴿ إِذَا أخْرَجَ يَدَه لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه أنه رآها بعد أن كاد لا يراها، حكاه ابن عيسى.
الثاني : لم يرها ولم يكد، قاله الزجاج وهو معنى قول الحسن.
وفي قوله لم يكد وجهان :
أحدهما : لم يطمع أن يراها.
الثاني : لم يرها ويكاد صلة زائدة في الكلام.
﴿ ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهَ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن لم يجعل الله له سبيلاً إلى النجاة في الآخرة فما له من سبيل إليها، حكاه ابن عيسى.
الثاني : ومن لم يهده الله للإِسلام لم يهتد إليه، قاله الزجاج.
وقال بعض أصحاب الخواطر وجهاً ثالثاً : ومن لم يجعل الله نوراً له في وقت القسمة فما له من نور في وقت الخلقة.
ويحتمل رابعاً : ومن لم يجعل الله له قبولاً في القلوب لم تقبله القلوب.
وهذا المثل ضربه الله للكافر، فالظلمات ظلمة الشرك وظلمة الليل وظلمة المعاصي، والبحر اللجي قلب الكافر. يغشاه من فوقه عذاب الدنيا، فوقه عذاب الآخرة.
(إِنِّي أتَيْتُكَ من أَهْلِي ومنْ وَطَنِي | أُزْجِي حُشَاشَةَ نَفْسٍ ما بِها رَمَقٌ) |
(أثرن عجاجة وخرجن منها | خروج الودق من خلَلَ السحاب) |
(فلا مزنة ودقت ودقها | ولا أرض أبقل أبقالها) |
(وما كادت إذا رفعت سناها | ليبصر ضوءها إلاّ البصير) |
(يضي سناه أو مصابيح راهب | أمال السليط بالذبال المفتل) |
أحدها : هو أن يأتي بالليل بعد النهار ويأتي بالنهار بعد الليل، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أن ينقص من الليل ما يزيد من النهار وينقص من النهار ما يزيد في الليل، حكاه يحيى ابن سلام.
الثالث : أنه يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى، ويغير الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة، حكاه النقاش.
ويحتمل رابعاً : أن يقلبها باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر.
وقيل : إنها نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية كان بينه وبين عليّ كرم الله وجهه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم علياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنه يبغضني فنزلت هذه الآية.
أحدهما : طائعين، حكاه ابن عيسى.
الثاني : خاضعين، حكاه النقاش.
الثالث : مسرعين، قاله مجاهد.
الرابع : مقرنين، قاله الأخفش وفيها دليل على أن من دعى إلى حاكم فعليه الإِجابة ويحرج إن تأخر.
وقد روى أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ دُعِيَ إِلَى حَاكِمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لاَ حَقَّ لَهُ ".
أحدهما : شرك، قاله الحسن.
الثاني : نفاق، قاله قتادة.
﴿ أَمِ ارْتَابُوا ﴾ أي شكوا ويحتمل وجهين :
أحدهما : في عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني : في نبوته.
﴿ فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ﴾ أي عليه ما حمل من إبلاغكم، وعليكم ما حملتم من طاعته.
ويحتمل وجها ثانيا : أن عليه ما حمل من فرض جهادكم، وعليكم ما حملتم من وزر عباده.
﴿ وإن تطيعوه تهتدوا ﴾ يعني إلى الحق.
( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) يعني بالقول لمن أطاع وبالسيف لمن عصى.
(فلو أن ما في بطنه بين نسوة | حبلن ولو كان القواعد عقراً) |
فلو أن ما في بطنه بين نسوة | حبلن ولو كان القواعد عقراً |
﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جَنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : جلبابها وهو الرداء الذي فوق خمارها فتضعه عنها إذا سترها باقي ثيابها، قاله ابن مسعود وابن جبير.
الثاني : خمارها ورداؤها، قاله جابر بن زيد.
﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ ﴾ والتبرج أن تظهر من زينتها ما يستدعي النظر إليها فإنه في القواعد وغيرهن محظور. وإنما خص القواعد بوضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن ما لم يبد شيء من عوراتهن. والشابات المشتهيات يمنعن من وضع الجلباب أو الخمار ويؤمرن بلبس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن. وقد روى مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لِلزَّوْجِ مَا تَحْتَ الدِّرْعِ، وَلِلإِبْنِ وَالأَخِ مَا فَوقَ الدِّرْعِ، وَلِغَيْرِ ذِي مُحْرِمٍ أَرْبَعَةُ أَثْوَابٍ : دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَجِلْبَابٍ وَإِزَارٍ ".
﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ يعني إن يستعفف القواعد عن وضع ثيابهن ويلزمن لبس جلابيبهن خير لهن من وضعها وإن سقط الحرج عنهن فيه.
(دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا. | . بأسهم أعداءٍ وهن صديقُ) |
(وقريش تجول منكم لواذاً | لم تحافظ وخفّ منها الحلوم) |
مكية كلها قال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي: ﴿والذين لا يدعون﴾ إلى قوله: ﴿غفورا رحيما﴾. بسم الله الرحمن الرحيم