تفسير سورة المرسلات

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة المرسلات مكية وهي خمسون آية

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)
﴿والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً والناشرات نَشْراً فالفارقات فَرْقاً فالملقيات ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره فعصفن في مضيهن وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي أو نشرن الشرائع في الأرض أو
نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أو حين ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكراً إلى الأنبياء عليهم السلام عذراً للمحقين أو نذراً للمبطلين أو أقسم برياح عذاب أرسلهن فعصفن وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن بينه كقوله ويجعله كسفا فألقين ذكراً إما عذراً للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها واما نذراً للذين لا يشكرون وينسبون ذلك إلى الأنواء وجعلن ملقيات الذكر باعتبار السببية عُرْفاً حال أي متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضاً أو مفعول له أي أرسلن للاحسان والمعروف وعصفا ونشرا مصدران أو نذرا أبو عمرو وكفى غير أبي بكر وحماد والعذر والنذار مصدران من عذر إذا محا الإساءة ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والشكر
584
وانتصابهما على البدل من ذِكْراً أو على المفعول له
585
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧)
﴿إن ما تُوعَدُونَ﴾ إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة ﴿لَوَاقِعٌ﴾ لكائن نازل لا ريب فيه وهو جواب القسم ولا وقف إلى هنا لوصل الجواب بالقسم
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨)
﴿فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ﴾ محيت أو ذهب بنورها وجواب فَإِذَا محذوف والعامل فيها جوابها وهو وقوع الفصل ونحوه والنجوم فاعل فعل يفسره طُمِسَتْ
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (٩)
﴿وَإِذَا السماء فُرِجَتْ﴾ فتحت فكانت أبواباً
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (١٠)
﴿وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ﴾ قلعت من أماكنها
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١)
﴿وَإِذَا الرسل أقتت﴾ أي وقتت كقراءة أبي عمر وأبدلت الهمزة من الواو ومعنى توقيت الرسل تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢)
﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ أخرت وأمهلت وفيه تعظيم لليوم وتعجيب من هو له والتأجيل من الأجل كالتوقيت من الوقت
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)
﴿ليوم الفصل﴾ بيان ليوم التأحيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾ تعجيب آخر وتعظيم لأمره
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)
﴿وَيْلٌ﴾ مبتدأ وإن كان نكرة لأنه في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ونحوه سلام عليكم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ظرفه ﴿لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بذلك اليوم خبره
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦)
﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين﴾ الأمم الخالية المكذبة
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)
﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين﴾ مستأنف بعد وقف وهو وعيد لأهل مكة أي
585
ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثلما فعلنا بالأولين لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم
586
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨)
﴿كذلك﴾ مثل ذلك الفعل الشنيع ﴿نَفْعَلُ بالمجرمين﴾ بكل من أجرم
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بما أوعدنا
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠)
﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاءٍ مَّهِينٍ﴾ حقير وهو النطفة
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (٢١)
﴿فجعلناه﴾ أي الماء في ﴿قرار﴾
﴿مكين﴾
مَّكِينٍ مقر يتمكن فيه وهو الرحم ومحل
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢)
﴿إلى قدر معلوم﴾ الحال أي مؤخرا إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به وهو تسعة أشهر أو ما فوقها أو ما دونها
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣)
﴿فَقَدَّرْنَا﴾ فقدرنا ذلك تقديراً ﴿فَنِعْمَ القادرون﴾ فنعم المقدرون له نحن أو فقدرنا على ذلك فنعم القادرون عليه نحن والأول أحق لقراءة نافع وعلي بالتشديد ولقوله مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فقدره
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بنعمة الفطرة
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥)
﴿ألم نجعل الأرض كفاتا﴾ وهو من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه وهو اسم ما يكفت كقولهم الضمام لما يضم وبه انتصب
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)
﴿أَحْيَاءً وأمواتا﴾ كأنه قيل كافتة أحياء وأمواتاً أو بفعل مضمر يدل عليه كِفَاتاً وهو تكفت أي تكفت أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها والتكبير فيهما للتفخيم أي تكفت أحياء لا يعدون امواتا لا يحصرون
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (٢٧)
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ﴾ جبالاً ثوابت ﴿شامخات﴾ عاليات ﴿وأسقيناكم ماء فراتا﴾ عذبا
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بهذه النعمة
انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)
﴿انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي يقال للكافرين يوم القيامة سيروا إلى النار التي كنتم بها تكذبون
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (٣٠)
﴿انطلقوا﴾ إلى تكرير التوكيد ﴿إلى ظل﴾ دخان جهنهم ﴿ذي﴾ في ﴿ثلاث شُعَبٍ﴾ يتشعب لعظمه ثلاث شعب وهكذا الدخان العظيم يتفرق ثلاث فرق
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١)
﴿لاَّ ظَلِيلٍ﴾ نعت ظل أي لا مظل من حر ذلك اليوم وحر النار ﴿وَلاَ يغني﴾ في محل الجراى وغير مغنٍ لهم ﴿مِنَ اللهب﴾ من حر اللهب شيئا
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢)
﴿إِنَّهَا﴾ أي النار ﴿تَرْمِى بِشَرَرٍ﴾ هو ما تطاير من النار ﴿كالقصر﴾ في العظم وقيل هو الغليظ من الشجر الواحدة قصرة
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)
﴿كأنه جمالة﴾ كوفي غير أبي بكر جمع جمل جمالات غيرهم جمع الجمع صُفْرٌ جمع أصفر أي سود تضرب إلى الصفرة وشبه الشرر بالقصر لعظمه وارتفاعه وبالجمال للعظم والطول واللون
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بأن هذه صفتها
هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥)
﴿هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾ وقرىء بنصب اليوم أي هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية وعن قوله ثُمَّ إِنَّكُمْ يوم القيامة عند ربكم تختصمون فقال في ذلك اليوم مواقف في بعضها يختصمون وفي بعضها لا ينطقون أو لا ينطقون بما ينفعهم بجعل نطقهم كلا نطق
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)
﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ﴾ في الاعتذار ﴿فَيَعْتَذِرُونَ﴾ عطف على يُؤْذَنُ منخرط في سلك النفي أي لا يكون لهم إذن واعتذار
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بهذا اليوم
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)
﴿هذا يَوْمُ الفصل﴾ بين المحق والمبطل والمحسن والمسيء بالجزاء
587
﴿جمعناكم﴾ يا مكذبي محمد ﴿والأولين﴾ والمكذبين بين قبلكم
588
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)
﴿فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ﴾ حيلة في دفع العذاب ﴿فَكِيدُونِ﴾ فاحتالوا عليّ بتخليص أنفسكم من العذاب والكيد متعدٍ تقول كدت فلاناً إذا احتلت عليه
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالبعث
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١)
﴿إِنَّ المتقين﴾ من عذاب الله ﴿فِى ظلال﴾ جمع ظل ﴿وَعُيُونٍ﴾ جارية في الجنة
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢)
﴿وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي لذيذة مشتهاة
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
﴿كُلُواْ واشربوا﴾ في موضع الحال من ضمير المتقين في الظرف الذي هو فِى ظلال أي هم مستقرون في ظلال مقولاً لهم ذلك ﴿هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤)
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ فأحسنوا تجزوا بهذا
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالجنة
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦)
﴿كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ﴾ كلام مستأنف خطاب للمكذبين في الدنيا على وجه التهديد كقوله اعملوا مَا شئتم ﴿قَلِيلاً﴾ لأن متاع الدنيا قليل ﴿إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ﴾ كافرون أي ان كل مجرم يأكل ويتمتع أياماً قلائل ثم يبقى في الهلاك الدائم
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالنعم
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨)
﴿وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا﴾ اخشعوا لله وتواضعوا إليه بقبول وحيه واتباع دينه ودعوا هذا الاستكبار لاَ يَرْكَعُونَ لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم وإذا قيل لهم صلوا لا يصلون
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩)
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالأمر والنهي
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ﴾ بعد القرآن ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ أي إن لم يؤمنوا بالقرآن مع أنه آية مبصرة ومعجزة باهرة من بين الكتب السماوية فبأي كتاب بعده يؤمنون والله أعلم
588
سورة النبأ مكية وهي أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

589
Icon