تفسير سورة البروج

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة البروج من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها ثنتان وعشرون
بسم الله الرحمان الرحيم
نزلت تثبيتا للمؤمنين على ما هم عليه من الإيمان، وتصبيرا لهم على ما يلقونه من أذى المشركين. وإعلاما بما نال من سبقهم من المؤمنين من أذى العتاة الظالمين ؛ ليردهم عن الإيمان. وبما كان منهم من الثبات على الإيمان، والصبر على العذاب في سبيل الله. أي فكونوا مثلهم ؛ وسيحيق بكفار مكة ما حاق بأمثالهم من الكفار السابقين، والعاقبة للمتقين !

﴿ ذات البروج ﴾ ذات المنازل والطرق الأثنى عشر التي تسير فيها الكواكب، شبهت بالقصور لنزول الكواكب بها ؛ كما ينزل الأكابر والأشراف بالقصور. جمع برج، وهو القصر العالي.
﴿ واليوم الموعود ﴾ هو يوم القيامة الذي وعد الله به الخلق.
﴿ وشاهد ومشهود ﴾ من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين. وما يحضر فيه من الأهوال والعجائب ؛ من الشهادة بمعنى الحضور. أو من يشهد في ذلك اليوم على غيره، ومن يشهد عليه فيه ؛ من الشهادة على الخصم، أوله. أقسم الله بالسماء ذات البروج لما فيها من الدلالة على القدرة. وبيوم القيامة وما فيه تعظيما له، وإرهابا لمنكريه.
وجواب القسم قوله :﴿ قتل أصحاب الأخدود ﴾ بتقدير اللام وقد. أي لقد قتلوا ؛ أي لعنوا أشد اللعن.
والجملة خبرية. وقيل : هي دعاء عليهم بالإبعاد والطرد من رحمة الله تعالى وجواب القسم محذوف لدلالتها عليه ؛ كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود. والأخدود : الخد، وهو الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق ؛ وجمعه أخاديد. وأصحاب
الأخدود : قوم كافرون ذوو بأس وشدة، نقموا على المؤمنين إيمانهم بالله ونكلوا بهم ؛ فحفروا لهم أخدودا في الأرض، وأسعروا النار فيه، وألقوهم فيه لإبائهم الارتداد إلى الكفر. ﴿ النار ذات الوقود ﴾ بدل اشتمال من الأخدود ؛ أي النار فيه.
﴿ إذ هم عليها قعود ﴾ أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها، مشرفين عليها من حافات الأخدود، يقذفون فيها المؤمنين، ويشهدون تعذيبهم هذا العذاب المهلك.
﴿ وما نقموا... ﴾ ما عابوا عليهم، أو ما كرهوا منهم إلا إيمانهم بالله. يقال : نقم الأمر – من باب ضرب – كرهه وفي لغة كفهم.
﴿ فتنوا المؤمنين.... ﴾ محنوهم في دينهم بالأذى والتعذيب بالنار ؛ ليرتدوا عن الإيمان. والفتن : تقدم في [ آية ١٠٢ البقرة ص ٤٠ ].
﴿ لم يتوبوا ﴾ من فتنتهم﴿ فلهم عذاب جهنم ﴾ بسبب فتنتهم﴿ ولهم عذاب الحريق ﴾ وهو نار أخرى زائدة في الإحراق.
﴿ إن بطش... ﴾ إن أخذ الله الجبابرة والظلمة لأليم عنيف. والبطش : الأخذ بقوة وعنف.
﴿ هو يبدئ ويعيد ﴾ أي يبدئ البطش بالكفار في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة ؛ فبطشه بهم شديد.
﴿ وهو الغفور ﴾ لمن تاب وآمن. ﴿ الودود ﴾ كثير المحبة لمن أطاعه.
﴿ ذو العرش ﴾ خالقه أو مالكه. ﴿ المجيد ﴾ العظيم في ذاته وصفاته.
﴿ فعال لما يريد ﴾ لا يتخلّف عن إرادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال غيره.
﴿ حديث الجنود ﴾ الجموع القوية الطاغية من الأمم الخالية، الذين عرفوا بالشدة وقوة البأس، وتجندوا على الأنبياء وكفروا بهم، واجتمعوا على أذاهم. أي قد أتاك حديثهم وعرفته، وعرفت وبال أمرهم ؛ فذكر قومك بشئونه تعالى، وأنذرهم مثل ما أصاب أولئك الطاغين.
﴿ بل الذين كفروا ﴾ أي من قومك أشد كفرا من أولئك، واستيجابا للعذاب ؛ لاستقرارهم على التكذيب عنادا.
﴿ بل هو... ﴾ أي بل الذي كذبوا به قرآن منتاه في الشرف والرفعة.
﴿ في لوح محفوظ ﴾ من التغيير والتبديل، ووصول الشياطين إليه ؛ وهو أم الكتاب.
والله أعلم.
Icon