تفسير سورة الليل

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الليل من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها إحدى وعشرون
بسم الله الرحمان الرحيم
أقسم الله تعالى بأقسام ثلاثة، على أن أعمال الناس مختلفة : بعضها هدى، وبعضها ضلال ؛ كما أن أحوال الليل والنهار والمخلوقات مختلفة.

فقال :﴿ والليل إذا يغشى ﴾ أي أقسم بالليل كله حين يغطى النهار بظلمته فيذهب ضوءه ؛ كقوله تعالى : " يغشى الليل النهار " ١. أو حين يغطى كل شيء بظلمته ؛ من التغشية بمعنى التغطية. وإنما أقسم به تعالى لعظم فائدته ؛ إذ يأوى فيه كل حيوان إلى مأواه، ويسكن فيه الخلق عن الحركة، ويغشاهم النوم الذي جعله الله راحة للأبدان، وغداء للأرواح.
١ آية ٥٤ الأعراف، آية ٣ الرعد..
﴿ والنهار إذا تجلى ﴾ وأقسم بالنهار حين ينكشف ويظهر بزوال ظلمة الليل ؛ من الجلاء بمعنى الظهور. إذ به ينكشف ما كان مستورا بظلمة الليل ؛ وفيه الحركة والعمل.
﴿ وما خلق الذكر والأنثى ﴾ وأقسم بمن خلق الصنفين : الذكر والأنثى في الإنسان والحيوان والنبات لبقاء النوع ؛ يعنى نفسه عز وجل. وعبر ب " ما " لقصد الوصف ؛ كأنه قيل : والقادر العظيم القدرة، الذي خلق صنفي الذكر والأنثى. وقيل : المقسم به خلق الصنفين.
وجواب القسم على القولين قوله تعالى :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ أي إن مساعيكم لمختلفة متباعدة ؛ فإن منكم المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، والساعي في فكاك نفسه من النار، والقاذف بنفسه فيها. و " سعيكم " مصدر مضاف فيفيد العموم، فهو في معنى الجمع ؛ أي مساعيكم. و " شتى " أي متفرقة. جمع شتيت ؛ من شت يشت أي تفرق. والاسم الشتات.
﴿ فأما من أعطى ﴾ حق الله تعالى، أو أنفق في سبيله مما عنده من الفضل. ﴿ واتقى ﴾ محارمه ومعاصيه.
﴿ وصدق بالحسنى ﴾ أي أيقن بالخصلة الحسنى، وهي الإيمان بكل ما يجب الإيمان به. أو بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام. أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة. أو الخلف في الدنيا مع المضاعفة عما أنفق.
﴿ فسنيسره لليسرى ﴾ فسنهيئه للخصلة التي تؤدى إلى يسر وراحة، وهي الأعمال الصالحة التي تورث الخير والفلاح في الدنيا والآخرة.
﴿ وأما من بخل ﴾ بماله فلم يؤد حق الله فيه أو لم ينفق منه في سبيله. ﴿ واستغنى ﴾ زهد فيما عند الله ؛ كأنه مستغن عنه سبحانه ! فلم يتّقه. أو استغنى بنعيم الدنيا عن نعيم العقبى.
﴿ وكذب بالحسنى ﴾ وهي ما أسلفنا بيانه.
﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ فسنهيئه للخصلة التي تؤدى إلى عسر وشدة، وهي الأعمال السيئة تورث الخسران في الدنيا والآخرة. وأصل التيسير : التهيؤ والتسهل. يقال : تيسر للقتال. واستيسر له الخروج : أي تهيأ له. وتيسر واستيسر : تستهل. وتكون في الخير والشر ؛ منه ما في الحديث :( اعملوا وسددوا وقاربوا لكل ميسر لما خلق له ) أي مهيأ مصروف مسهل. وقيل المعنى : فما من أعطى فسنلطف به ونوفقه حتى تكون الطاعة أيسر شيء عليه. وأما من بخل فسندخله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه.
﴿ وما يغني عنه ماله... ﴾ أي أيّ شيء يغنى عنه ماله الذي بخل به إذا سقط يوم القيامة في الهاوية. والتردي : السقوط.
﴿ إن علينا للهدى ﴾ أي لبيان الحق من الباطل، وطريق الأول لاتباعه، وطريق الثاني لاجتنابه.
﴿ وإن لنا... ﴾ أي وإن لنا التصرف الكامل فيهما كيفما يشاء، فنفعل فيهما ما نشاء. ومن ذلك ما ذكرنا فيمن أعطى وفيمن بخل.
﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ﴾ تتلهب وتتوقد. وأصله : تتلظى ؛ من اللظى وهو اللهب الخالص.
﴿ لا يصلاها إلا الأشقى... ﴾ لا يعذب بين أطباقها، ولا يقاسي حرها على وجه الأشدّية إلا الكافر الذي كذب بالحق، وأعرض عن الطاعة. قيل : نزلت في أمية بن خلف ونظرائه من المكذبين.
﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ وسيبعد عنها بالكلية المبالغ في اتقاء الكفر والمعاصي.
﴿ الذي يؤتى ماله يتزكى ﴾ أي يتطهر به من الذنوب. أو يطلب به أن يكون عند الله زاكيا ؛ إذ لم يؤته رياء ولا سمعة نزلت في الصديق رضي الله عنه.
﴿ وما لأحد... ﴾ لا يفعل الخير ذلك الأتقى جزاء على نعمة سلفت إليه من أحد، لكنه يفعله ابتداء خالصا لوجه الله تعالى.
﴿ ولسوف يرضى ﴾ وعد من الله لأبي بكر نيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها.
والله أعلم.
Icon