ﰡ
﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾. نزلت هذه الآية لما استعجل المشركون ما هددهم به رسول الله من العذاب والهلاك، فأخبرهم بها بأن ما أوعدهم به بمنزلة الأمر المحقق، وأنه لا خير لهم في استعجاله.
﴿ بالروح ﴾ أي بالوحي أو القرآن، فإنه يقوم في المجتمع مقام الروح في الجسد. ﴿ أن أنذروا ﴾ أي بأن أنذروا.
تفسير المعاني :
ينزل الله الملائكة بالوحي من أمره على من يشاء من عباده بأن أنذروا الناس أنه لا إله إلا أنا فخافوني.
خلق الله السموات والأرض بالحق، أي أوجدهما على أقدار وصور وأوضاع وخواص مختلفة قدرها بحكمته، تعالى وتنزه عما يشركونهم معه في الملك.
﴿ من نطفة ﴾ أصل النطفة الماء القليل، والمراد بها هنا ماء الرجل. ﴿ خصيم ﴾ أي مخاصم مجادل.
تفسير المعاني :
وخلق الإنسان من ماء قليل ليس به شعور ولا إدراك، فلما كبر واشتد إذا به مخاصم عنيف ينكر ودود خالقه، ويكذب رسله، ويعمل على صد الناس عن اتباعهم.
﴿ الأنعام ﴾ هي الإبل والغنم والبقر، ولا يقال لها أنعام إلا إذا كان معها الإبل، جمع نعم. ﴿ دفء ﴾ الدفء ما يتدفأ به فيقي البرد.
تفسير المعاني :
والأنعام خلقها لكم تستفيدون من أوبارها لدفئكم، وتأكلون مما تخرجه من ألبانها وما يشتق منه. وخلق لكم البهائم لمنافعها لكم ؛ إذ تتخذون من أوبارها ثيابا وأغطية تتقون بها شر البرد، ومن ألبانها وما يشتق منها غذاء تقتاتون به.
﴿ ولكم فيها جمال ﴾ أي زينة. ﴿ حين تريحون ﴾ أي حين تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي. يقال أراح ماشيته إذا ردها مساء إلى مأواها. ﴿ وحين تسرحون ﴾ أي حين تخرجونها بالغداة إلى المراعي.
تفسير المعاني :
ولكم فيها زينة حين تعود من مراعيها ملأي البطون والضروع وحين تسرحون بها صباحا.
﴿ إلا بشق الأنفس ﴾ أي إلا بكلفة ومشقة. وفيها قراءتان : إحداهما بالفتح أي بشق الأنفس، والأخرى بالكسر أي بشق الأنفس، فعلى الأولى يكون شق مصدر شق الأمر عليه أي صعب، وعلى الثاني يكون شق بمعنى نصف، فإن للشيء شقين أي نصفين، ويكون المعنى : لستم ببالغيه إلا بذهاب نصف قوة الأنفس بالتعب.
تفسير المعاني :
وتحمل أحمالكم إلى بلد لم تكونوا بواصلين إليه إلا بمشقة.
وخلق لكم الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق لكم ما لا تعملون من تسخير قوي البخار والكهرباء وغيرهما. وهذه من أغرب معجزات القرآن، فإن فيه تنبؤا صريحا بما اخترع في القرنين التاسع عشر والعشرين.
﴿ وعلى الله قصد السبيل ﴾ أي وعليه السبيل القصد أي المعتدل، فإن قصد يقصد قصدا أي استقام واعتدل، ومنه الاقتصاد أي الاعتدال والتوسط. ﴿ ومنها جائر ﴾ أي ومن السبل مائل عن القصد.
تفسير المعاني :
وعلى الله أن يهدي عباده إلى الطريق المعتدل، ومن الطريق ما هو مائل عن الحق، وقد جعل له أقواما تسلكه لحكمة يعلمها هو ولو شاء لهداكم أجمعين. ثم شرع يسرد ما أنعم به على خلقه من مختلف النباتات لعلهم يشكرون.
﴿ تسيمون ﴾ أي ترعون ماشيتكم.
تفسير المعاني :
وعلى الله أن يهدي عباده إلى الطريق المعتدل، ومن الطريق ما هو مائل عن الحق، وقد جعل له أقواما تسلكه لحكمة يعلمها هو ولو شاء لهداكم أجمعين. ثم شرع يسرد ما أنعم به على خلقه من مختلف النباتات لعلهم يشكرون.
﴿ ذرأ ﴾ أي خلق. يقال ذرأ يذرأ. ﴿ يذكرون ﴾ أي يتذكرون أين اختلافها في الأنواع والصور والخواص لا يكون إلا بإرادة خالق حكيم.
تفسير المعاني :
وعلى الله أن يهدي عباده إلى الطريق المعتدل، ومن الطريق ما هو مائل عن الحق، وقد جعل له أقواما تسلكه لحكمة يعلمها هو ولو شاء لهداكم أجمعين. ثم شرع يسرد ما أنعم به على خلقه من مختلف النباتات لعلهم يشكرون.
﴿ الفلك ﴾ السفينة، وهذا اللفظ يستوي في المفرد والجمع. ﴿ مواخر ﴾ جمع ماخرة أي جارية في الماء. وأصل المخر شق الماء، وقيل صوت جري لا السفن. يقال مخرت السفن تمخر مخرا أي جرت شاقة الماء. ﴿ ولتبتغوا ﴾ أي ولتطلبوا. يقال بغاه وابتغاه طلبه.
تفسير المعاني :
وهو الذي ذلل لكم البحر لتصطادوا منه ما تأكلون منه لحما طريا وتستخرجوا منه لآلئ تتحلون بلبسها، وترى السفن فيه جواري ولتتطلبوا من فضله بركوبها للتجارة ولعلكم تشكرون.
﴿ رواسي ﴾ أي جبالا رواسي أي رواسخ جمع رأس. يقال رسا الشيء يرسو رسوا أي رسخ وثبت. ﴿ تميد ﴾ أي تميل وتضطرب. يقال مادت السفينة تميد ميدا أي اضطربت.
تفسير المعاني :
ووضع في الأرض جبالا رواسخ كراهة أن تميد، أي تميل بكم وتضطرب، وجعل لكم أنهارا وسبلا لعلكم تهتدون لمقاصدكم.
وأوجد لكم علامات، أي معالم تستدلون بها في سيركم، وبالنجم يهتدون في ظلمات الليل برا وبحرا.
﴿ تذكرون ﴾ أي تتذكرون، حذفت إحدى التاءين لأجل التخفيف.
تفسير المعاني :
أفمن يخلق كائنات غاية في الإبداع كمن لا يخلق شيئا أفلا تعتبرون ؟
﴿ لا تحصوها ﴾ أي لا تضبطوا عددها.
تفسير المعاني :
وإن تعدوا نعمة الله عليكم لا تضبطوا لها عددا إن الله لغفور رحيم.
﴿ ما تسرون ﴾ أي ما تخفون.
تفسير المعاني :
والله يعلم ما تخفون وما تبدون.
﴿ والذين يدعون من دون الله ﴾ أي والآلهة الذين يدعون من دون الله.
تفسير المعاني :
والذين تعبدونهم من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون.
﴿ أيان يبعثون ﴾ أي متى يبعثون.
تفسير المعاني :
أموات غير أحياء وما يعلمون متى يبعثون.
إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون.
﴿ لا جرم ﴾ أي حقا. ﴿ يسرون ﴾ أي يخفون في أنفسهم.
تفسير المعاني :
حقا أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم وما يعلنونه من خطرات هواجسهم، إنه لا يحب المستكبرين.
﴿ أساطير ﴾ جمع أسطورة أو إسطارة أي ما سطر من خرافات الأقدمين.
تفسير المعاني :
وإذا قيل لهؤلاء : ماذا أنزل ربكم ؟ قالوا : أباطيل الأولين.
﴿ أوزارهم ﴾ أي أحمالهم وذنوبهم جمع وزر. ﴿ ألا ساء ما يزرون ﴾ أي بئس ما يذنبون. يقال : وزر يزر وزرا أي أذنب.
تفسير المعاني :
ليحملوا ذنوبهم ومن ذنوب الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يذنبون.
﴿ فخر ﴾ أي فسقط. يقال خر السقف يخر خرا أي سقط.
تفسير المعاني :
قد مكر الذين كانوا من قبلهم فأتى أمر الله بنيانهم من قواعده، فسقط عليهم السقف، وجاءهم العذاب من حيث لا يحسون.
﴿ تشاقون فيهم ﴾ أي تنازعون المؤمنين في شأنهم.
تفسير المعاني :
ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول لهم : أين الذين جعلتموهم شركائي في الملك وكنتم تعادون المؤمنين من أجلهم ؟ قال الذين أوتوا العلم من الأنبياء والعلماء والحكماء : إن الخزي والعذاب على الكافرين.
﴿ السلم ﴾ أي الاستسلام. ﴿ بلى ﴾ تستعمل ردا لنفي نحو :﴿ قالوا لن تمسنا النار ﴾ الآية. بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هو فيها خالدون } وتستعمل أيضا جوابا لاستفهام مقترن بنفي نحو ﴿ ألست بربكم ؟ قالوا بلى ﴾.
تفسير المعاني :
الذين تتوفاهم الملائكة وهم ظالمون لأنفسهم فسالموا وأخبتوا حين شاهدوا العذاب، وقالوا : ما كنا نعمل من سوء، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون، فهو يجازيكم عليه مجازاة رادعة.
﴿ مثوى ﴾ أي منزل ومسكن. يقال ثوى بالمكان يثوى به ثواء أي سكنه.
تفسير المعاني :
فادخلوا أيها الكافرون أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس منزل المتكبرين.
وقيل للذين اتقوا، أي المؤمنين، ماذا أوحى ربكم إليكم ؟ قالوا : أوحى خيرا، فقضى أن يكون للذين أحسنوا في هذه الدنيا، بالأخذ بأسباب الترقي، والتكمل في العلم والعمل، مكافأة تناسب إحسانهم ونشاطهم، ولثوابهم في الآخرة على قيامهم بالدين أجزل وأفضل ولنعم دار المتقين...
﴿ جنات عدن ﴾ أي جنات استقرار وإقامة. يقال عدن بالمكان يعدن عدنا، أي استقر به وأقام.
تفسير المعاني :
جنات عدن لهم ما يشاءون فيها كذلك نكافئ المتقين.
﴿ طيبين ﴾ أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي.
تفسير المعاني :
الذين تتوفاهم الملائكة طيبين طاهرين من كل ظلم وعدوان. يقولون لهم : سلام عليكم، ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.
﴿ هل ينظرون ﴾ أي هل ينتظرون، فإن نظر ينظر نظرا يعني أبصر ويعني أيضا انتظر. ﴿ إلا أن تأتيهم الملائكة ﴾ لقبض أرواحهم. ﴿ أو يأتي أمر ربك ﴾ هو القيامة أو العذاب المستأصل لهم.
تفسير المعاني :
فهل ينتظر هؤلاء الكافرون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم أو يدهمهم عذاب ربك ؟ كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا يظلمون أنفسهم بالكفر والانهماك في المعاصي.
﴿ سيئات ما عملوا ﴾ أي جزاء سيئات ما عملوا. ﴿ وحاق بهم ﴾ أي وأحاط بهم. والحيق لا يستعمل إلا في الشر.
تفسير المعاني :
فأصابهم جزاء سيئات أعمالهم وأحاط بهم جزاء ما كانوا به يستهزئون.
﴿ البلاغ المبين ﴾ أي التبيين الواضح الذي لا إبهام فيه.
تفسير المعاني :
قال الذين أشركوا على سبيل الاستهزاء : لو كان الله يريد أن لا نعبد من دونه شيئا نحن وآباؤنا لما عبدنا هذه الآلهة، ولا حرمنا غير ما حرمه، كذلك قال الذين من قبلهم من المشركين، فهل على الرسل إلا الإبلاغ الواضح وإلزام الحجة البينة ؟
﴿ الطاغوت ﴾ أي الشيطان، وكل ما عبد من دون الله، مشتق من الطغيان وهو تجاوز الحد. ﴿ حقت ﴾ أي ثبتت ووجبت. يقال حق الأمر يحق، ويحق حقا ثبت ووجب.
تفسير المعاني :
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا وأمرناه أن يقول لهم : اعبدوا الله واجتنبوا عبادة الشيطان والأصنام، فمنهم من هداهم الله لدينه، ومنهم من ثبتت عليهم الضلالة، فسيروا في الأرض فانظروا ماذا أصاب المكذبين من نتائج تكذيبهم.
فمهما تحرص يا محمد على هدايتهم فإن الله لا يهدي من كتب عليه الضلال. وما لهم من ناصرين إذا حل بهم العذاب.
﴿ جهد أيمانهم ﴾ أي أقسموا مصرين، وجهد مفعول مطلق لفعل مقدر تقديره أقسموا بالله يجهدون جهدا. ﴿ يبعث الله من يموت ﴾ أي يحييه بعد الموت. ﴿ بلى ﴾ حرف يأتي ردا لنفي، نحو ﴿ وقالوا لن تمسنا النار ﴾، الآية. ﴿ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾. وتأتي جوابا لاستفهام مقترن بنفي نحو :﴿ ألست بربكم ؟ قالوا بلى ﴾.
تفسير المعاني :
وأقسموا بالله مصرين بأن الله لا يحيي من يموت، بلى إنه قد وعد بإعادة الموتى وعدا حقا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يعيدهم ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين في إنكارهم الدين والبعث.
إننا نقول للشيء إذا أردناه : كن. فيكون، فلا يتوقف حصوله على مادة ولا مدة.
﴿ لنبوئنهم في الدنيا بلدة حسنة ﴾ أي لننزلنهم في الدنيا بلدة حسنة هي المدينة. يقال بوأه الدار يبوئه إياها أنزله بها.
تفسير المعاني :
والذين هاجروا في مرضاة الله من بعد ما ظلمهم المشركون لننزلنهم في الدنيا مدينة حسنة هي يثرب، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.
﴿ فاسألوا أهل الذكر ﴾ أي فاسألوا العلماء والعارفين بالتواريخ.
تفسير المعاني :
وما أرسلنا إلى الأمم من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم لا ملائكة، فاسألوا أهل الكتب السماوية إن كنتم لا تعلمون ذلك.
﴿ والزبر ﴾ أي الكتب، جمع زبور. ﴿ الذكر ﴾ أي القرآن.
تفسير المعاني :
أرسلناهم بالآيات الواضحات والكتب، وأنزلنا إليك القرآن لتبين للناس ما أنزل إليهم، ولعلهم يتفكرون فيتنبهوا للحقائق.
﴿ مكروا السيئات ﴾ أي دبروا المكرات السيئات. ﴿ يخسف ﴾ أي يجعل عاليها سافلها.
تفسير المعاني :
أفأمن الذين دبروا المكرات السيئات لرسول الله أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون.
﴿ في تقلبهم ﴾ أي متقلبين في أسفارهم.
تفسير المعاني :
أو يأخذهم في أسفارهم أو يدهمهم وهم متخوفون منه، ولكنه لم يفعل، إن ربكم لرءوف رحيم.
﴿ على تخوف ﴾ أي على خوف ووجل من العذاب.
تفسير المعاني :
أو يأخذهم في أسفارهم أو يدهمهم وهم متخوفون منه، ولكنه لم يفعل، إن ربكم لرءوف رحيم.
﴿ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل ﴾ أي أو لم ينظروا إلى الكائنات التي لها ظلال متفيئة ؟ يقال فاء الظل يفئ تحول، وفيأت الشجرة ظللت، وتفيأت الظلال تقلبت. والشمائل جمع شمال. ﴿ داخرون ﴾ أي صاغرون. يقال دخر يدخر دخورا صغر وهان.
تفسير المعاني :
أو لم ينظروا إلى الكائنات التي لها ظلال متقلبة عن أيمانها وشمائلها ساجدين له، أي منقادين له في جميع أطوارهم وهم صاغرون.
﴿ من دابة ﴾ أي من كل حي يدب على الأرض، وهو يعم الإنسان. الدبيب هو الحركة الجسمانية.
تفسير المعاني :
ولله يسجد، أي ينقاد، ما في السموات وما في الأرض من دابة، وكذلك الملائكة وهم لا يستكبرون.
يخافون ربهم وهو فوقهم بالقهر ويفعلون ما يؤمرون.
﴿ فارهبون ﴾ أي فخافون. يقال رهبه يرهبه رهبة أي خافه.
تفسير المعاني :
وقال الله : لا تعبدوا إلهين إنما هو إله واحد فإياي فخافوني.
﴿ وله الدين واصبا ﴾ أي وله الطاعة دائمة. يقال وصب يصب وصوبا، دام. والمعنى : حق الإنسان أن يطيعه في جميع أحواله.
تفسير المعاني :
له ما في السموات والأرض، وله الطاعة دائما، أفغير الله تخافون ؟
﴿ تجأرون ﴾ : ترفعون صوتكم بالاستغاثة. يقال جأر يجأر جأرا وجؤارا، أي رفع صوته بالاستغاثة.
تفسير المعاني :
وما بكم من نعمة فمن الله، فإذا لحقكم الضر فإليه ترفعون أصواتكم مستغيثين.
فإذا كشف الضر عنكم، إذا جماعة منكم بربهم يشركون.
﴿ ليكفروا بما آتيناهم ﴾، أي : فليجحدوا ما منحناهم من نعم.
تفسير المعاني :
فليجحدوا ما منحناهم، فتمتعوا فسوف تعلمون أنكم كنتم ضالين.
﴿ ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا ﴾، أي : ويجعلون لآلهتهم التي لا تعلم شيئا ؛ لأنها جمادات نصيبا.
تفسير المعاني :
ويجعلون لآلهتهم التي لا تعلم شيئا ؛ لأنها جمادات لا تشعر، نصيبا مما رزقناهم من النعم، كالقربان والنذور.. إلخ، والله لتسألن عما كنتم تفترون، من أنها آلهة حقيقية.
ويزعمون أن الملائكة بنات الله، سبحانه، ولهم ما يشتهون من البنين.
﴿ كظيم ﴾، أي : ممسك غيظه في نفسه. يقال : كظم القربة يكظمها كظما، شد فاها.
تفسير المعاني :
وإذا أخبر أحدهم بأن قد ولدت له أنثى ؛ ظل وجهه مسودا، وهو ممسك غيظه في نفسه.
﴿ يتوارى ﴾، أي : يستخفى. ﴿ على هون ﴾، أي : على ذل وهوان. ﴿ أم يدسه في التراب ﴾، أي : أم يخفيه في التراب، وقد ذكر الضمير لإعادته على ﴿ ما ﴾ في قوله :﴿ من سوء ما بشر به ﴾. وقرئ " أيمسكها على هون أم يدسها في التراب ".
تفسير المعاني :
يستخفي من الناس من شناعة ما أخبر به، ويحدث نفسه : أيستبقيها على ذل وهوان، أم يدسها في التراب ؟ فما أسوأ ما يحكمون.
﴿ مثل السوء ﴾ أي : صفة السوء، أو السوء، وهي : الحاجة إلى الأولاد، وإيثار الذكور، ووأد الإناث... إلخ. ﴿ ولله المثل الأعلى ﴾، وهو : الكمال المحض.
تفسير المعاني :
لهؤلاء الكفرة الذين لا يؤمنون بالآخرة، صفة السوء، وهي الحاجة إلى الأولاد، وإيثار الذكور، وقتل الإناث.. إلخ، ولكن لله المثل الأعلى، وهو : الكمال المطلق.
﴿ دابة ﴾، الدابة : كل ما يدب على الأرض، ويدخل فيه الإنسان. ﴿ إلى أجل مسمى ﴾، أي : إلى موعد مقدر.
تفسير المعاني :
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهر الأرض من دابة، ولكنه يؤخرهم، أعمارا مقدرة، لا يتقدمونها ولا يتأخرون عنه ساعة.
﴿ أن لهم الحسنى ﴾، أي : أن لهم المثوبة الحسنى. الحسنى مؤنث الأحسن. ﴿ لا جرم ﴾، أي : حقا. ﴿ مفرطون ﴾، أي : مقدمون إلى النار. من أفرطته في طلب الماء، أي : قدمته.
تفسير المعاني :
ويجعلون لله ما يكرهونه، وهو البنات، بادعائهم أن الملائكة بناته، ومع ذلك يدعون كذبا أن لهم المثوبة الحسنى في الآخرة. حقا إن لهم النار، وإنهم يقدمون إليها قبل سواهم.
والله لقد أرسلنا رسلا مثلك إلى أمم من قبلك، فزين لهم الشيطان أعمالهم من الكفر والمعاصي، فهو ولي أمرهم في الدنيا، ولهم عذاب أليم.
وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين الذي اختلفوا فيه من أمر التوحيد والرسل والكتب والمعاد، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
والله أنزل من السماء ماء عذبا فأحيا به الأرض بالنباتات، بعد أن كانت جدباء ميتة، إن في ذلك لعلامة على قدرة الله لقوم يسمعون.
﴿ الأنعام ﴾، أي : البقر والغنم والإبل، مفردها نعم. ﴿ نسقيكم ﴾، أي : نشربكم. يقال : سقاه الماء، يسقيه إياه، وأسقاه إياه، بمعنى : أشربه إياه. ﴿ من بين فرث ودم ﴾ الفرث : هي الأشياء التي أكلها الحيوان وانهضمت في معدته بعض الانهضام. ﴿ سائغا ﴾، أي : سهل المرور في الحلق. يقال : صاغ له هذا الأمر، يسوغ سوغا، أي : سهل.
تفسير المعاني :
وإن لكم في الأنعام لدلالة على عظمة الله، يخرج لكم من بطونها لبنا خالصا من جميع الشوائب سائغا للشاربين.
﴿ ومن ثمرات النخيل والأعناب ﴾، هذا الكلام متعلق بمحذوف، تقديره : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب. ﴿ سكرا ﴾، السكر : مصدر سكر يسكر سميت به الخمر.
تفسير المعاني :
نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب عصيرا تتخذون منه خمرا ورزقا حسنا، كالتمر والدبس والزبيب والخل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
﴿ ومما يعرشون ﴾، أي : ومما يبنون مسقوفا. يقال : عرش يعرش عرشا، أي : بني.
تفسير المعاني :
وأوحى ربك إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا ومما يبنون.
﴿ ذللا ﴾، أي : مذللة ممهدة، جمع ذلول.
تفسير المعاني :
وأن تأكل من كل الثمرات، وتسلك الطرق التي ألهمها الله أن تسلكها، مذللة ممهدة، يخرج من بطونها شراب هو العسل ذو ألوان مختلفة، فيه شفاء لأدواء الناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون.
﴿ أرذل العمر ﴾، أي : أخسه، يعني : الهرم. يقال : رذل الشيء يرذل رذالة، صار رذلا، أي : خسيسا رديئا.
تفسير المعاني :
والله خلقكم ثم يتوفاكم عند انتهاء آجالكم، ومنكم من يعمر فيصل لأردأ العمر، وهو الهرم، لكيلا يعلم بعد علم الأشياء شيئا منها، فيصبح كالطفل، إن الله يعلم مقدار أعمارهم، قدير على إماتة الشاب المملوء قوة، وإبقاء الهرم الفاني.
﴿ فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ﴾، أي : فما الذين فضلهم الله في الرزق على غيرهم بمعطي مماليكهم الرزق المقسوم لهم، بل معطيهم رزقهم هو الله نفسه، وإنما جعل رزقهم تحت أيديهم، فهم وسطاء لا غير، فاستوى إذن : المالك والمملوك كلاهما عيال على الله.
تفسير المعاني :
وقد فضل الله بعضكم على بعض في الرزق، فما الذين فضلناهم برازقي مماليكهم، ولكنهم وسطاء في إيصال رزقهم إليهم، فهم سواء في الاستمداد من الله، أفبنعمة الله يجحدون ؟
﴿ وحفدة ﴾، أي : وأولاد أولاد، جمع حفيد.
تفسير المعاني :
والله جعل لكم من جنسكم أزواجا، وجعل لكم منهن أبناء وأبناء أبناء، ورزقكم من الطيبات، أفتؤمنون بالباطل : وهو اعتقادكم في نفع الأصنام، وتكفرون بنعمة الله، حيث تنفقون نعمه على الأصنام ؟
﴿ من السموات والأرض ﴾، أي : من مطر ونبات.
تفسير المعاني :
ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا يرسله إليهم من السماء كالمطر، أو يخرجه لهم من الأرض كالنبات، ولا يستطيعون لو حاولوه.
﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾، أي : فلا تجعلوا لله مثلا تشركونه به.
تفسير المعاني :
فلا تجعلوا لله أمثالا تشركونها به وتقيسونها عليه، إن الله يعلم فساد ما تزعمون، وأنتم لا تعلمون ذلك، ولو علمتموه لما جرؤتم عليه.
ضرب الله مثلا عبدا مملوكا عاجزا عن الكسب والتصرف، ورجلا أغدقنا عليه رزقا حسنا، فهو ينفق منه سرا وعلنا، هل يستويان ؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.
﴿ أبكم ﴾، أي : أخرس. يقال : بكم يبكم بكما، أي : خرس. ﴿ كل على مولاه ﴾، أي : عيال عليه، لا يستطيع أن يقوم بأمر نفسه. ﴿ صراط ﴾ : طريق، جمعه صرط.
تفسير المعاني :
وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أخرس لا يقدر على شيء من الأعمال لنقص قواه العقلية، وهو عالة على ولي أمره، إلى أي جهة يرسله لا ينجح، هل يستوي هو ورجل تام العقل، ذو فهم وكفاية، يأمر بالعدل والإحسان وهو على صراط مستقيم ؟
﴿ كلمح البصر ﴾، أي : كرجع العين.
تفسير المعاني :
ولله غيب السموات والأرض، أي : يعلم ما غاب فيهما عن علم سواه، وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته على الله إلا كلمح البصر أو هو أقرب، إن الله على كل شيء قدير.
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا ضعافا لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة آلات تدركون بها ما يحيط بكم من الكائنات لعلكم تشكرون.
﴿ مسخرات ﴾، أي : مذللات. ﴿ في جو السماء ﴾، أي : في الهواء المتباعد عن الأرض. ﴿ ما يمسكهن إلا الله ﴾، أي : ما يمسكهن في الهواء.
تفسير المعاني :
ألم يروا، وقرئ :﴿ ألم تروا ﴾ بالتاء، إلى الطير مذللات في جو السماء، ﴿ ما يمسكهن ﴾ فيه، أي : ما يحفظهن فيه إلا الله، ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾ ؛ لأنهم هم وحدهم الذين ينتفعون بأمثال هذه المشاهدات الجليلة.
﴿ سكنا ﴾، أي : موضعا تسكنون فيه. ﴿ الأنعام ﴾ : الغنم والبقر والإبل، ولا يقال لها أنعام إلا إذا كان من جملتها الإبل، جمع نعم. ﴿ ظعنكم ﴾، أي : ترحالكم. يقال : ظعن يظعن ظعنا، أي ترحل. ﴿ وأوبارها ﴾ جمع وبر. ﴿ وأشعارها ﴾ جمع شعر. ﴿ أثاثا ﴾، الأثاث : متاع البيت الكثير، وأصله من أث، أي : كثر وتكاثف. ويقال للمال كله إذا كثر : أثاث، لا واحد له. ويقال : تأثث فلان، أي : أصاب أثاثا.
تفسير المعاني :
والله جعل لكم من بيوتكم مواضع تسكنون فيها وقت إقامتكم، وجعل لكم من جلود الأنعام قبابا تتخذونها لخفتها في أسفاركم وفي إقامتكم أيضا. وتتخذون من أوبارها وأشعارها أثاثا يلبس ويفرش، ومتاعا إلى حين.
﴿ ظلالا ﴾، جمع ظل. ﴿ أكنانا ﴾، جمع كن : وهو الموضع الذي يستكن فيه، كالكهوف والمغاور. ﴿ سرابيل ﴾، جمع سربال : وهو الثوب.
تفسير المعاني :
والله جعل لكم مما خلق من الأشجار والجبال وغيرها ظلالا تتقون بها حرارة الشمس، وجعل لكم من الجبال مواضع تسكنون فيها من الكهوف والمغارات، وجعل لكم ثيابا تقيكم شدة الحر ودروعا تقيكم بأسكم، كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تنظرون إلى مصدر هذه النعم فتسلموا.
فإن أعرضوا فإنما عليك يا محمد الإبلاغ الواضح المبين.
يعرف هؤلاء المشركون نعمة الله المغدقة عليهم، ثم ينكرونها بعبادتهم غير الذي منحهم إياها، وأكثرهم الجاحدون عنادا.
﴿ ولا هم يستعتبون ﴾، أي : ولا هم يسترضون.
تفسير المعاني :
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا عليهم، ثم لا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار، ولا هم يسترضون.
﴿ ولا هم ينظرون ﴾، أي : ولا هم يمهلون. يقال : أنظره ينظره إنظارا، أمهله.
تفسير المعاني :
وإذا رأى الذين ظلموا عذاب جهنم فلا يخفف عنهم ولا هم يمهلون.
﴿ فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ﴾، أي : أجابوهم قائلين : إنكم لكاذبون.
تفسير المعاني :
وإذا أبصر المشركون شركاءهم، أي : أوثانهم، قالوا : يا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم من دونك، فرد عليهم أولئك الشركاء بأنهم كاذبون، فما كانوا يعبدونهم ولكنهم كانوا يعبدون أهواءهم.
﴿ السلم ﴾ : الاستسلام. ﴿ وضل عنهم ﴾، أي : وضاع عنهم. ﴿ يفترون ﴾، أي : يختلقون.
تفسير المعاني :
وألقى الكافرون إلى الله يوم القيامة مقاليدهم مستسلمين إليه، وضاع عنهم ما كانوا يختلقونه من نفع الوسطاء وغناء الشفعاء.
﴿ وصدوا ﴾، أي : ومنعوا. يقال : صده يصده صدا، منعه.
تفسير المعاني :
الذين كفروا، وازدادوا كفرا بمنعهم الناس عن سبيل الله، نزيدهم عذابا فوق عذابهم، بسبب ما كانوا يفسدون.
﴿ تبيانا ﴾، أي : بيانا.
تفسير المعاني :
ويوم نبعث في كل أمة نبيهم شهيدا عليهم، ونجيء بك شهيدا على هؤلاء المعاصرين لك من قومك، ونزلنا عليك القرآن بيانا لكل شيء من أمور الدين والدنيا، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
﴿ وإيتاء ذي القربى ﴾، أي : وإعطاء ذي القرابة ما يحتاج إليه. ﴿ الفحشاء ﴾، الإفراط في متابعة القوة الشهوية. ﴿ والمنكر ﴾، ما ينكره الشرع وينفر منه الطبع. ﴿ والبغي ﴾، الظلم والتجبر. ﴿ تذكرون ﴾، أي : تتذكرون، حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
تفسير المعاني :
إن الله يأمر بإقامة العدل وبالإحسان، وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه، وينهى عن الفاحشة والمنكر والظلم، يعظكم لعلكم تتذكرون.
﴿ كفيلا ﴾، أي : قائما عليه. يقال : كفله يكفله كفالة، أي : قام بأمره، وآتاه حاجاته. ومن معانيه ضمنه.
تفسير المعاني :
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله ضامنا لكم، إن الله يعلم ما تفعلون.
﴿ أنكاثا ﴾، أي : طاقات نكث فتلها، جمع نكث. ﴿ دخلا ﴾، أي : مفسدة، وأصل الدخل ما يدخل في الشيء وليس منه. ﴿ أن تكون أمة هي أربى من أمة ﴾، أي : بأن تكون طائفة أكثر عددا من أخرى. والمعنى : لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلتهم، وأربى، مشتق من الربا، وهو الزيادة. يقال : ربا المال يربو ربا، أي : زاد، ﴿ يبلوكم ﴾، أي : يختبركم. ﴿ به ﴾، هذا الضمير عائد ل " أن تكون أمة أربى من أمة " ؛ لأنه بمعنى المصدر، أي : يختبركم بكونكم أكثر عددا، ليرى هل تتخلقون بالوفاء بعهد الله أم لا، وقيل هذا الضمير عائد لأربى، وقيل : للأمر بالوفاء.
تفسير المعاني :
ولا تكونوا في إحباط أعمالكم كالتي نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام، تتخذون أيمانكم مفسدة بينكم بأن تكون طائفة أكثر عددا من طائفة، أي : فلا تغدر الطائفة القوية بالطائفة الضعيفة، فأنما يختبركم الله بذلك ليعلم هل تفون بعهد الله وبيعة رسوله أم لا، وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون.
ولو شاء الله لجعلكم أمة مسلمة واحدة، ولكنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، لحكمة عالية، ولتسألن عما كنتم تعملون.
﴿ فتزل قدم ﴾، أي : فتسقط. يقال : زلت قدمه تزل زللا، أي : سقطت وزلقت. ﴿ صددتم ﴾، أي : منعتم.
تفسير المعاني :
ولا تتخذوا أيمانكم مفسدة بينكم، فتسقط قدم بعد استقرارها، وتذوقوا العذاب بما منعتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم.
﴿ ولا تشتروا ﴾، أي : ولا تبيعوا، واشترى وباع يستعمل أحدهما مكان الآخر بمعنى واحد.
تفسير المعاني :
ولا تبيعوا عهد الله بثمن قليل، إن ما عند الله خير لكم إن كنتم تعلمون ذلك.
﴿ ينفد ﴾، أي : يفنى. يقال : نفد ينفد نفادا ونفودا، أي : فني.
تفسير المعاني :
ما عندكم يفنى وما عند الله باق، ولنثيبن الذين صبروا بثواب أحسن من أعمالهم.
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن بما أنزله الله على رسله، فلنجعلنه يحيا حياة طيبة مرضية، ولنوفينهم ثوابهم في الآخرة بأحسن ما عملوا في الدنيا.
﴿ فاستعذ بالله ﴾، أي : فاطلب إلى الله أن يعيذك، أي : يجيرك من وساوس الشيطان. ﴿ الرجيم ﴾، أي : المطرود، من رجمه يرجمه رجما، أي : قذفه بالحجارة وطرده.
تفسير المعاني :
فإذا قرأت القرآن فقل : ألتجئ إلى الله من وسوسة الشيطان الرجيم.
﴿ سلطان ﴾، أي : تسلط.
تفسير المعاني :
إنه ليس له تسلط على الذين آمنوا بالله وعلى ربهم يتوكلون، فإنهم لا يقبلون وساوسه.
﴿ يتولونه ﴾، أي : يتخذونه وليا لأمورهم.
تفسير المعاني :
إنما هو يتسلط على الذين يتخذونه وليا لأمورهم والذين هم به مشركون، أي : هم بسببه مشركون بالله.
وإذا بدلنا آية مكان آية بنسخ التي نزلت أول الأمر لتبدل الأحوال التي دعت إليها، والله أعلم بما ينزل، وأخبر بما يصلح الناس وما يفسدهم.. قالوا : إنما أنت مختلق، بل أكثرهم لا يعلمون أن الأحكام تتبدل بتبدل الأزمان.
﴿ روح القدس ﴾، أي : جبريل، والقدس، أي : الطهر.
تفسير المعاني :
قل نزل هذا القرآن جبريل من الله ملتبسا بالحق ليثبت الذين آمنوا في إيمانهم، وهدى وبشرى للمسلمين.
﴿ يلحدون ﴾، أي : يميلون عن الاستقامة، مشتق من لحد القبر، أي : مال به إلى ناحية.
تفسير المعاني :
ولقد نعلم أنهم يدعون إنما يلقن محمدا رجل من البشر، اتهموا بذلك جبرا ويسارا، وكانا من صناع السيوف بمكة.. كانا يقرآن التوراة والإنجيل، وكان يمر بهما رسول الله يستمع إليهما، واتهموا عائشا غلام حويطب بن عبد العزى، وقيل : سلمان الفارسي، وقد غفلوا عن أن لسان الذي يلحدون إليه أعجمي لا يحسن التعبير، وهذا القرآن عربي مبين.
إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم إلى سبيل النجاة، ولهم عذاب أليم.
﴿ يفتري ﴾، أي : يختلف.
تفسير المعاني :
إنما يختلق الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون.
﴿ إلا من أكره ﴾، أي : إلا من أجبر. ﴿ شرح بالكفر صدرا ﴾، أي : من اتسع صدره للكفر فقبله وطاب به نفسا. يقال : شرح يشرح شرحا، أي : وسع فانشرح، أي : فتوسع.
تفسير المعاني :
من كفر بالله من بعد إيمانه "، من هنا بدل الذين لا يؤمنون بآيات الله في الآية السابقة " إلا من أجبر على الكفر، فقال كلمة الكفر بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من اتسع صدره للكفر وطاب به نفسا، فعليهم غضب الله ولهم عذاب عظيم.
ذلك بأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، وأن الله لا يهدي القوم الكافرين.
﴿ طبع ﴾، أي : ختم. يقال : طبع الله على قلبه يطبع طبعا، أي : ختم عليه، والمراد بذلك : إغلاقه ومنعه عن الفهم.
تفسير المعاني :
أولئك الذين أغلق الله قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون.
﴿ لا جرم ﴾، أي : حقا.
تفسير المعاني :
حقا أنهم في الآخرة هم الخاسرون.
﴿ فتنوا ﴾، أي : عذبوا. يقال : فتنه يفتنه فتنة، أي : عذبه. ولفتن معان أخرى ستأتي في موطنها.
تفسير المعاني :
ثم إن ربك للذين هاجروا من مكة إلى المدينة من بعدما عذبوا، ثم جاهدوا وصبروا.. إن ربك من بعدها لغفور رحيم.
يوم تجيء كل نفس تجادل عن نفسها وتسعى في خلاصها. وإذ ذاك توفي كل نفس جزاء ما عملت، وهم لا يظلمون.
﴿ رغدا ﴾، أي : واسعا. يقال : عيش رغد، أي : واسع. ويقال : أرغد القوم، ساروا في رغد من العيش. ﴿ بأنعم الله ﴾، جمع نعمة. ﴿ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ﴾، أي : فأذاقها آلام الجوع والخوف، استعار الذوق لإدراك أثر الضرر أو اللباس لما غطاهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف.
تفسير المعاني :
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة لا يشوب صفاء أهلها كدر، يأتيها رزقها موسعا من جميع نواحيها فكفرت بنعم الله عليها، فأذاقها الله ألم الجوع والخوف بما كانوا يعملون.
﴿ رسول منهم ﴾، أي : من جنسهم.
تفسير المعاني :
ولقد جاءهم رسول من جنسهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون.
فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون.
﴿ وما أهل لغير الله به ﴾، أي : وما ذكر اسم غير اسم الله عند ذبحه. أصل الإهلال الصياح لرؤية الهلال، ثم أطلق على تكبير الله. ﴿ غير باغ ﴾، أي : غير ظالم. ﴿ ولا عاد ﴾، أي : ولا متعد. يقال : عدا يعدو عدوا وعدوانا : تعدى وتجاوز الحد.
تفسير المعاني :
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما لم يذكر اسم الله عليه عند ذبحه، فمن اضطر لتناول شيء من هذه المحرمات غير ظالم ولا متعد فإن الله غفور رحيم.
﴿ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ﴾، أي : ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم، ووصف ألسنتهم بالكذب.
تفسير المعاني :
ولا تكذبوا على الله، فتقولوا هذا حلال وهذا حرام لتفتروا عليه، إن الذين يقترفون هذا الإثم لا يفلحون.
﴿ متاع ﴾ أي تمتع.
تفسير المعاني :
متاع في الدنيا قليل، ولهم يوم القيامة عذاب أليم.
﴿ الذين هادوا ﴾ : اليهود ؛ لقول موسى : " هدنا إليك "، أي : رجعنا تائبين. يقال : هاد يهود هودا، أي : رجع.
تفسير المعاني :
وقد حرمنا على اليهود ما ذكرناه لك من قبل، وما ظلمناهم نحن، ولكن كانوا يظلمون أنفسهم.
ثم إن ربك للذين ارتكبوا الآثام بجهالة وهم جاهلون بها وبآثارها، ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ما أفسدوه بجهالتهم، فالله يغفر لهم ويرحمهم.
﴿ إن إبراهيم كان أمة ﴾، أي : إن إبراهيم لاستجماعه الفضائل المتفرقة كان أمة وحده. وقيل : أمة بمعنى مأموم، من أمه إذا قصده، أي : كان الناس يؤمونه للاستفادة منه. ﴿ قانتا ﴾، أي : مطيعا لله قائما بأوامره. ﴿ حنيفا ﴾، أي : مطيعا لله قائما بأوامره.
تفسير المعاني :
إن إبراهيم كان لاستجماعه الفضائل المتفرقة بمثابة أمة وحده، مطيعا لله ومائلا عن العقائد الزائغة، ولم يك من المشركين.
﴿ لأنعمه ﴾، أي : لنعمه. ﴿ اجتباه ﴾، اختاره.
تفسير المعاني :
شاكرا لنعمه، اختاره لرسالته، وهداه إلى طريق مستقيم.
وأعطيناه في الدنيا حسنة، ذكرا جميلا، وعمرا طويلا، وتأييدا عظيما، وإنه في الآخرة لمن الصالحين.
﴿ حنيفا ﴾، أي : مائلا عن العقائد الزائغة من الحنف وهو الاستقامة، ضد الجنف.
تفسير المعاني :
﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم ﴾ مائلا عن العقائد الزائغة، وما كان من المشركين.
﴿ إنما جعل السبت ﴾، أي : جعل تعظيمه والانقطاع للعبادة فيه. ﴿ على الذين اختلفوا فيه ﴾، أي : على اليهود، أمرهم موسى بالتضرع للعبادة يوم الجمعة فأطاع بعضهم وطلب بعضهم السبت فشدد عليهم فيه.
تفسير المعاني :
إنما فرضنا تعظيم السبت على اليهود الذين اختلفوا فيه، وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
﴿ بالتي هي أحسن ﴾، أي : بالطريقة التي هي أحسن الطرق.
تفسير المعاني :
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة المشفوعة بالأدلة المقنعة، والموعظة الحسنة المستندة إلى العبر المؤثرة، وجادلهم بالطريقة التي هي أحسن الطرق، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
وإن عاقبتم قوما على تعد فعاقبوهم على قدر تعديهم عليكم، لا تزيدون عليه انتقاما منهم، ولئن صبرتم على أذاهم فالصبر خير لكم وأجدى عليكم ؛ لأن دفع الشر بالخير أفعل من دفعه بالشر في بعض الأحوال.
﴿ ضيق ﴾، الضيق والضيق بمعنى واحد.
تفسير المعاني :
واصبر يا محمد على أذاهم، وما صبرك إلا بتوفيق من الله، ولا تحزن على الكافرين لتماديهم في الضلال، أو ولا تحزن على ما أصاب المؤمنين من الأذى، ولا تك في ضيق مما يمكر الكافرون ؛ لأن العاقبة لكم فإن الله مع المتقين ومع المحسنين.