بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبيّ بن كعب رضي الله عنه لزرّ : كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قال : ثلاثاً وسبعين. قال : فوالذي يحلف به أبيّ إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم «الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ». أراد أبيّ أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن. وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضي الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض.ﰡ
﴿يا أيّها النّبيّ﴾ وبالهمز نافع أي يا أيها المخبر عنا المأمون على أسرارنا المبلغ
الأحزاب (٤ - ١)
خطابنا إلى أحبابنا وإنما لم يقل يا محمد كما قال يا آدم يا موسى تشريفاً له وتنويهاً بفضله وتصريحه باسمه في قوله محمد رسول الله ونحوه لتعليم الناس بأنه رسول الله ﴿اتّق الله﴾ اثبت على تقوى الله ودم عليه وازدد منه فهو باب لايدرك مداه ﴿ولا تطع الكافرين والمنافقين﴾ ولا تساعدهم على شئ واحترس منهم فإنهم أعداء الله
﴿واتّبع ما يوحى إليك من رّبّك﴾ في الثبات على التقوى وترك طاعة الكافرين والمنافقين ﴿إنّ الله﴾ الذي يوحي إليك ﴿كان بما تعملون خبيرا﴾ أى لم يزل عالما بأعمالكم وقيل إنما جمع لأن المراد بقوله اتبع هو وأصحابه وبالياء أبو عمرو أى بما يعمل الكافرون والمنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم
﴿وتوكّل على الله﴾ أسند أمرك إليه وكله إلى تدبيره ﴿وكفى بالله وكيلاً﴾ حافظاً موكولاً إليه كل أمر وقال الزجاج لفظه وإن كان لفظ الخبر فالمعنى اكتف بالله وكيلاً
﴿مّا جعل الله لرجلٍ مّن قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهنّ أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم﴾ أي ما جمع الله قلبين في جوف ولا زوجية وأمومة في امرأة ولا بنوة ودعوة في رجل والمعنى أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين لأنه لا يخلو اما أن يفعل بالآخر فعلاً من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليه وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك
الأحزاب (٥ - ٤)
وتبناه وكانوا يقولون زيد بن محمد فلما تزوج النبى ﷺ زينب وكانت تحت زيد قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه فأنزل الله هذه الآية وقيل كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان قلب معكم وقلب مع أصحابه وقيل كان أبو معمر أحفظ العرب فقيل له ذو القلبين فأكذب الله قولهم وضربه مثلاً في الظهار والتبني والتنكير في رجل وادخال من الاستغراقيه على قلبين وذكر الجواب للتأكيد اللائي بياء بعد الهمزة حيث كان كوفي وشامي اللاء نافع ويعقوب وسهل وهي جمع التي تُظاهِرون عاصم من ظاهر إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي تَظَاهَرون على وحمزة وخلف تظاهرون شامى من أظاهر بمعنى تظاهرغيرهم تظهرون من أظهر بمعنى ظهر وعدى بمن لتضمنه معنى البعد لأنه كان طلاقاً في الجاهلية ونظيره آلى من امرأته لما ضمن معنى التباعد عدى بمن والافآلى في أصله الذي هو معنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه والدعي فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعي ولداً وجمع على أفعلاء شاذاً لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقي وأتقياء وشقي وأشقياء ولا يكون ذلك فى نحو رمى وسمى للتشبيه اللفظي ﴿ذلكم قولكم بأفواهكم﴾ أي أن قولكم للزوجة هي أم وللدعي هو ابن قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له إذ الابن يكون بالولادة وكذا الأم ﴿والله يقول الحقّ﴾ أي ما حق ظاهره وباطنه ﴿وهو يهدى السّبيل﴾ أي
﴿ادعوهم لآبائهم هو أقسط﴾ أعدل ﴿عند الله﴾ وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان ابن فلان ثم انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث وصل الجملة الطلبية فصل الخبرية عنها ووصل بيها ثم فصل الاسمية عنها ووصل بينها ثم فصل بالطلبية ﴿فإن لّم تعلموا آباءهم﴾ فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم ﴿فإخوانكم في الدّين ومواليكم﴾ أي فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم فى الدين فقالوا هذا أخى وهذا مولاى ويا أخى ويامولاى يريد الأخوة في الدين والولاية فيه ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي ﴿ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ ولكن الإثم عليكم فيما تعمدتموه بعد النهي أولا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بني على سبيل الخطأ وسبق اللسان ولكن إذا قلتموه متعمدين وما في موضع الجر عطف على ما الأولى ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ دون العمد على سبيل العموم ثم
الأحزاب (٧ - ٦)
تناول لعمومه خطأ التبني وعمده وإذا وجد التبني فإن كان المتبني مجهول النسب وأصغر سنامنه ثبت نسبه منه وعتق إن كان عبداً له وان كان أكبر سنامنه لم يثبت النسب وعتق عند أبي حنيفة رضى الله عنه وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وعتق إن كان عبداً ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ لا يؤاخذكم بالخطأ ويقبل التوبة من المتعمد
﴿النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ﴾ واذكر حين أخذنا من النبيين ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم ﴿وَمِنْكَ﴾ خصوصاً وقدم رسول الله على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم وأصحاب الشرائع فلما كان محمد ﷺ أفضل هؤلاء قدم عليهم ولولا ذلك لقدم من
الأحزاب (١٠ - ٧)
﴿وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا﴾
قدمه زمانه ﴿وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقًا غَلِيظاً﴾
﴿ليسأل﴾ الله ﴿الصادقين﴾ أي الأنبياء ﴿عَن صِدْقِهِمْ﴾ عما قالوه لقومهم أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن من قال الصادق صدقت كان صادقا فى قوله اوليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم أممهم وهو كقوله يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴿وَأَعَدَّ للكافرين﴾ بالرسل ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾ وهو عطف على أَخَذْنَا لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليماً أو على مادل عليه لِّيَسْأَلَ الصادقين كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين
﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب وهو يوم الخندق وكان بعد حرب أحد بسنة ﴿إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ﴾ أي الأحزاب وهم قريش وغطفان وقريظة والنصير ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً﴾ أي الصبا قال عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ﴿وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكة وكانوا ألفاً بعث الله عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم وأسفت التراب في وجوههم وأمر الملائكة فقلعت الاوتاد وقطعت الاطنان وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم فانهزموا من غير قتال وحين سمع رسول الله ﷺ بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنسوان فرفعوا في الآطام واشتد الخوف وكان قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من
﴿إذ جاؤوكم﴾ بدل من إِذْ جَاءتْكُمْ ﴿مّن فَوْقِكُمْ﴾ أي من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار﴾ مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع
الأحزاب (١٣ - ١٠)
﴿وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر﴾ الحنجرة رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم والحلقوم مدخل الطعام والشراب قالوا إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل هو مثل في اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة رُوي أن المسلمين قالوا لرسول الله ﷺ هل من شيء تقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللهم استرعوراتنا وآمن روعاتنا ﴿وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا﴾ خطاب للذين آمنوا ومنهم الثبت القلوب والأقدام والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون فظن الأولون بالله أنه يبتليهم فخافوا الزال وضعف الاحتمال وأما الآخرون فظنوا بالله ما حكى عنهم قرأ أبو عمرو وحمزة الظنون بغير ألف في الوصل والوقف وهو القياس وبالألف فيهما مدني وشامي وأبو بكر إجراء للوصل مجرى الوقف وبالألف في الوقف مكي وعلى وحفص
﴿هُنَالِكَ ابتلى المؤمنون﴾ امتحنوا بالصبر على الإيمان ﴿وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ وحركوا بالخوف تحريكاً بليغاً
﴿وَإِذْ يَقُولُ المنافقون﴾ عطف على الأول ﴿والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ قيل هو وصف المنافقين بالواوكقوله... إلى الملك القوم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم...
وقيل هم قوم لا بصيرة لهم في الدين كان المنافقون يستميلونهم بإدخارالشبه عليهم ﴿مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ روي أن معتّب بن قشير حين رأى الأحزاب قال يعدنا محمد فتح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبر زفرقا ما هذا إلا وعد غرور
﴿وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ﴾ من المنافقين وهم عبد الله بن أبى وأصحابة ﴿يا أهل يَثْرِبَ﴾ هم أهل المدينة ﴿لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ وبضم الميم حفص أى لافرار لكم ههنا ولا مكان تقومون فيه أو تقيمون ﴿فارجعوا﴾ عن الإيمان إلى الكفر أو من عسكر رسول الله إلى المدينة ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النبى﴾ أي
الأحزاب (١٨ - ١٤)
الله بأنهم لايخاقون ذلك وإنما يريدون الفرار من القتال
﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ﴾ المدينة أو بيوتهم من قولك دخلت على فلان داره ﴿مّنْ أَقْطَارِهَا﴾ من جوانبها أي ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة التي يفرون خوفاً منها مدينتهم أو بيوتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين ﴿ثم سئلوا﴾ عند ذلك الفزع ﴿الفتنة﴾ أي الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين ﴿لآتوها﴾ لأعطوها لا توها بلا مد حجازي أي لجاءوها وفعلوها ﴿وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا﴾ بإجابتها ﴿إِلاَّ يَسِيراً﴾ ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف أو مالبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيراً فإن الله يهلكهم والمعنى أنهم يتعللون باعورار بيوتهم ليفروا عن نصرة رسول الله ﷺ والمؤمنين وعن مصافة الأحزاب الذين ملؤوهم هولا ورعبا هؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء وما ذلك إلا لمعتهم الإسلام وحبهم الكفر
﴿وَلَقَدْ كَانُواْ عاهدوا الله مِن قَبْلُ﴾ أي بنو حارثة من قبل الخندق أو من قبل نظرهم إلى الأحزاب ﴿لاَ يُوَلُّونَ الأدبار﴾ منهزمين ﴿وكان عهد الله مسؤولا﴾ مطلوباً مقتضى حتى يوفى به
﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَوِ القتل وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي إن كان حضر أجلكم لم ينفعكم الفرار وإن لم بحضر وفررتم لم تمتعوا في الدنيا إلا قليلاً وهو مدة أعماركم وذلك قليل وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال ذلك القليل نطلب
﴿قُلْ مَن ذَا الذى يَعْصِمُكُمْ مّنَ الله﴾ أى مما أراد الله انزله بكم ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً﴾ في أنفسكم من قتل أو غيره ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ أي إطالة عمر في عافية وسلامة أو من يمنع الله من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة لما في العصمة من معنى المنع ﴿وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ ناصراً
﴿قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ﴾ أي من يعوق عن نصرة رسول الله ﷺ أي يمنع وهم المنافقون ﴿والقائلين لإخوانهم﴾ في الظاهر من المسلمين ﴿هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ أي قربوا أنفسكم إلينا ودعوا محمداً وهي لغة أهل الحجاز فإنهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال وهو صوت سمي به فعل متعد نحو أحضر وقرب ﴿ولا يأتون﴾
الأحزاب (٢١ - ١٨)
﴿البأس﴾ أي الحرب ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ إلا إتياناً قليلا أى يحضرون ساعة رياء يقفون قليلا مقدار ما يرى شهودهم ثم بنصرفون
﴿أَشِحَّةً﴾ جمع شحيح وهو البخيل نصب على الحال من الضمير في يَأْتُونَ أي يأتون الحرب بخلاء ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بالظفر والغنيمة ﴿فَإِذَا جَاء الخوف﴾ من قبل العدو أو منه عليه السلام ﴿رأيتهم ينظرون إليك﴾ فى تلك الجملة ﴿تَدورُ أَعْيُنُهُمْ﴾ يميناً وشمالاً ﴿كالذى يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت﴾ كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخوفا ولو اذا بك ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الخوف﴾ زال ذلك الخوف وأمنوا وحيزت الغنائم ﴿سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾
﴿يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ﴾ أي لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا مع أنهم قد انصرفوا ﴿وَإِن يَأْتِ الأحزاب﴾ كرة ثانية ﴿يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الأعراب﴾ البادون جمع المبادى أى يتمنى المنافقون لجنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية حاصلون بين الأعراب ليأمنوا على أنفسهم ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال ﴿يسألون﴾ كل قادم منهم من جانب المدينة ﴿عَنْ أَنبَائِكُمْ﴾ عن أخباركم وعما جرى عليكم ﴿وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ﴾ ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال ﴿مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ رياء وسمعة
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ بالضم حيث كان عاصم أي قدوة وهو المؤتسى به أى المفتدى به كما تقول فى البينة عشرون مناً حديداً أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه ﴿لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر﴾ يخاف الله ويخاف اليوم الآخر أو يأمل ثواب الله ونعيم اليوم الآخر قالوا لِمَنْ يدل من لَكُمْ وفيه ضعف لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب
الأحزاب (٢٥ - ٢١)
وقيل لمن يتعلق بحسنة أي أسوة حسنة كائنة لمن كان
﴿وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب﴾ وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خلوا من قبلكم إلى قوله قريب فلما جاء الأحزاب واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد ﴿قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ﴾ وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى ﷺ قال لأصحابه إن الأحزاب سائرون إليكم في آخر تسع ليال أو عشر فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك وهذا إشارة إلى الخطب والبلاء ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ ما رأوا من اجتماع الأحزاب عليهم ومجيئهم ﴿إِلاَّ إِيمَانًا﴾ بالله وبمواعيده ﴿وَتَسْلِيماً﴾ لقضائه وقدره
﴿مّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ﴾ أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل صدقني سن بكره أي صدقني في سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله ﷺ ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن زيد وحمزة ومصعب وغيرهم ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ﴾ أي مات شهيداً كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حي من المحدثات لا بد له أن يموت فكأنه نذر لازم فى رقبته فإذا مات فقد مضى نحبه أي نذره ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ﴾
﴿لّيَجْزِىَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ﴾ بوفائهم بالعهد ﴿وَيُعَذّبَ المنافقين إِن شَاء﴾ إذا لم يتوبوا ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ إن تابوا ﴿إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً﴾ بقبول التوبة ﴿رَّحِيماً﴾ بعفو الحوبة جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبها والسعي في تحصيلها
﴿وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ﴾ الأحزاب ﴿بِغَيْظِهِمْ﴾ حال أى مغيظين كقوله تنبت بالدهن ﴿لم ينالوا خيرا﴾ ظفر أى لم يظفروا بالمسلمين وسماه خيرا يزعمهم وهو حال أي غير ظافرين ﴿وَكَفَى الله المؤمنين القتال﴾ بالريح والملائكة
الأحزاب (٢٨ - ٢٥)
﴿وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً﴾ قادراً غالباً
﴿وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم﴾ عاونوا الأحزاب ﴿مّنْ أَهْلِ الكتاب﴾ من بني قريظة ﴿مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ من حصونهم الصيصية ما تحصن به رُوي أن جبريل عليه السلام اتى رسول الله ﷺ صبيحة الليلة التى انهوم فيها الأحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا صلاحهم على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس
﴿وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم﴾ أي المواشي والنقود والأمتعة روي أن رسول الله ﷺ جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار وقال لهم انكم فى منازلكم ﴿وأرضا لم تطؤوها﴾ بقصد القتال وهي مكة أو فارس والروم او خيبرا وكل أرض إلى يوم القيامة ﴿وَكَانَ الله على كُلّ شيء﴾ قادرا
﴿يا أيها النبى قُل لأزواجك إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا﴾ أي السعادة في الدنيا وكثرة الأموال ﴿فَتَعَالَيْنَ﴾ أصل تعال أن يقوله من فى المكان
الأحزاب (٣٢ - ٢٩)
فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح فى وجه رسول الله ﷺ ثم اختار جميعهن اختيارها وروي أنه قال لعائشة انى ذاكر لك أمر او لا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وحكم التخير في الطلاق أنه إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أن تقع تطليقة بائنة وإذا اختارت زوجها لم يقع شئ وعن على رضى الله عنه إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة
﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن﴾ من البيان لا للتبعيض ﴿أجرا عظيما﴾
﴿يا نساء النبى مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة﴾ سيئة بليغة فى القبح ﴿مبينة﴾ ظاهر فحثها من بيّن بمعنى تبين وبفتح الياء مكي وأبو بكرقيل هى عصيانهن رسول الله ﷺ ونشوزهن وقيل الزنا والله عاصم رسوله من ذلك ﴿يضاعف لها العذاب﴾ يضعف لها العذاب مكى وشامى
﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ القنوت الطاعة ﴿وَتَعْمَلْ صالحا نُؤْتِهَا﴾ وبالياء فيهما حمزة وعلي ﴿أجرها مرتين﴾ مثل ثواب غيرها ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾ جليل القدر وهو الجنة
﴿يا نساء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء﴾ أي لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل وأحد في الأصل وجد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مسويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراء ﴿إِنِ اتقيتن﴾ إن أردتن التقوى أو إن كنتن متقيات ﴿فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول﴾ أي إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعا أى ليناخنثا مثل كلام المربيات ﴿فَيَطْمَعَ﴾ بالنصب على جواب النهي ﴿الذى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ ريبة وفجور ﴿وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ حسنا مع كونه خشنا
﴿وقرن﴾ مدنى
الأحزاب (٣٥ - ٣٣)
وعاصم غير هبيرة وأصله اقررن فحذفت الراء تخفيفاً وألقيت فتحتها على ما قبلها أو من فاريقا إذا اجتمع والباقون قرن من وقريقر وقادرا او من قريقر حذفت الأولى من راءى اقررن اقرارا من التكرار نقلت كسرتها إلى القاف ﴿فِى بُيُوتِكُنَّ﴾ بضم الباء بصري ومدني وحفص ﴿وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى﴾ أي القديمة
﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله﴾ القرآن ﴿والحكمة﴾ أي السنة أو بيان معاني القرآن ﴿إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً﴾ عالماً بغوامض الأشياء ﴿خَبِيراً﴾ عالماً بحقائقها أي هو عالم بأفعالكن وأقوالكن فاحذرن مخالفة أمره ونهيه ومعصية رسوله
ولما نزل فى نساء النبى ﷺ ما نزل فينا شئ فنزلت ﴿إِنَّ المسلمين والمسلمات﴾ المسلم الداخل في السّلم بعد الحرب المنقاد الذي لا يعاند أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه من
الأحزاب (٣٧ - ٣٥)
المتوضعين لله بالقلوب والجوارح أو الخائفين ﴿والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات﴾ فرضاً ونفلاً ﴿والصائمين والصائمات﴾ فرضاً ونفلاً وقيل من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين ﴿والحافظين فُرُوجَهُمْ﴾ عمالا يحل ﴿والحافظات والذاكرين الله كَثِيراً﴾ بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر والمعنى والحافظات فروجهن ﴿والذاكرات﴾ الله فحذف ادلالة ما تقدم عليه والفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين لأن الأول نظير قوله ثيبات وأبكارا في أنهما جنسان مختلفان واشتركا في حكم واحد فلم يكن بد من توسط العاطف بينهما وأما الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ومعناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات ﴿أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عظيما﴾ على طاعاتهم
خطب رسول الله ﷺ زينب بنت جحش بنت عمته أميمة على مولاه زيد بن حارثة بأبت وأبى أخوها عبد الله فنزلت ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ﴾ أي وما صح لرجل مؤمن ولا امرأة مؤمنة ﴿إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ﴾ أي رسول الله ﴿أمْراً﴾ من الأمور ﴿أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ أن يختاروا من أمرهم
﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ﴾ بالإسلام الذي هو أجل النعم ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بالإعتاق والتبني فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله وهو زيد بن حارثة ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ زينب بنت جحش وذلك أن رسول الله ﷺ أبصرها بعدما أنكح إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله فقال لرسول الله ﷺ انى أريد أن أفارق صاحبتى فقال
الأحزاب (٣٩ - ٣٧)
مالك ارابك منها شئ قال لا والله ما رأيت منها الاخيرا ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني فقال له أمسك عليك زوجك ﴿واتق الله﴾ فلا تطلقها وهو نهي تنزيه إذ الأولى أن لا يطلق أو واتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأدى الزوج ﴿وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ﴾ أي تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد وهو الذى ابداه الله وقيل الذي أخفى في نفسه
﴿مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ﴾ أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد أو قدر له من عدد النساء ﴿سُنَّةَ الله﴾ اسم موضوع موضع المصدر كقولهم ترابا وجند لا مؤكد لقوله مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ كأنه قيل سن الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين وهو أن لا يحرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره وقد
﴿الذين يُبَلّغُونَ رسالات الله﴾ بدلاً من الذين الأول وقف إن جعلته في محل الرفع أو النصب على المدح أي هم الذين يبلغون
الأحزاب (٤٣ - ٣٩)
أو اعنى الذين يبلغون ﴿وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله﴾ وصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلا الله تعريض بعد التصريح في قوله وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه ﴿وكفى بالله حَسِيباً﴾ كافياً للمخاوف ومحاسباً على الصغيرة والكبيرة فكان جديراً بأن تخشى منه
﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم﴾ أي لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح والمراد من رجالكم البالغين والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ والطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم توفوا صبياناً ﴿ولكن﴾ كان ﴿رَسُولِ الله﴾ وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لافى سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه كحكمكم والتبني من باب الاختصاص والتقريب لاغير ﴿وَخَاتَمَ النبيين﴾ بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أي آخرهم يعني لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله وحين بنزل عاملا على شريعة محمد ﷺ كأنه بعض أمته وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم وتقوّيه قراءة ابن مسعود ولكن نَبِيّاً خَتَمَ النبيين ﴿وَكَانَ الله بِكُلّ شيء عليما﴾
﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً﴾ أثنوا عليه بضروب الثناء وأكثروا ذلك
﴿وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً﴾ أول النهار ﴿وَأَصِيلاً﴾ آخر النهار وخصا بالذكر لأن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون فيهما وعن قتادة قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبرولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والفعلان أي اذكروا الله وسبحوه موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك صم وصل يوم الجمعة والتسبيح من جملة الذكر وإنما اختص من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة إبانة لفضله على سائر الأذكار لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات وجاز أن يراد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والعبادات فإنها من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وهي صلاة الفجر وأصيلاً وهي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أوصلاة الفجر والعشاءين
﴿هو الذي يصلي عليكم وملائكته﴾ لما كان من شأن المصلي أن ينعطف فى ركوعه وسجوده استعير لمن يتعطف على غيره حنواً عليه وترؤفاً كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم ﷺ أي ترحم عليك وترأف والمراد بصلاة الملائكة قولهم اللهم صل على المؤمنين جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة والمعنى هو الذي يترحم عليكم ويترأف حين يدعوكم إلى الخير ويأمركم باكثار الذكروالتوفر على الصلاة
الأحزاب (٤٨ - ٤٣)
والطاعة ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة ﴿وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً﴾ هو دليل على أن المراد بالصلاة والرحمة وروى أنه لما نزل الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى قال أبو بكر ما خضك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فنزلت
﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ من إضافة المصدر إلى المفعول أي تحية الله لهم {يَوْمِ
﴿يا أيها النبى إِنَّا أرسلناك شَاهِداً﴾ على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم وهو حال مقدرة كما تقول مررت برجل معه صقر صائداً به إي مقدراً به الصيد غداً ﴿وَمُبَشّراً﴾ للمؤمنين بالجنة ﴿وَنَذِيرًا﴾ للكافرين بالنار
﴿وداعيا إلى الله بإذنه﴾ بأمره وبتيسيره والكل منصوب على الحال ﴿وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾ جلا به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به والجمهور على أنه القرآن فيكون التقدير وذا سراج منير أو وتالياً سراجاً منيراً ووصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضئ إذا قل سليطه ودقت فتيلته أو شاهداً بوحدانيتنا ومبشرا برحمتنا ونذيرا بنقمتنا وداعيا الله عبادتنا وسراجاً وحجة ظاهرة لحضرتنا
﴿وَبَشّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً﴾ ثواباً عظيماً
﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ المراد به التهييج أو الدوام والثبات على ما كان عليه ﴿ودع أذاهم﴾ هو بمعنى الإيذاء فيحمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي اجعل إيذاءهم إياك في جانب ولا تبال بهم ولا تخف من إيذائهم أو إلى المفعول أي دع إيذاءك إياهم مكافأة لهم ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ فإنه يكفيكهم ﴿وكفى بالله وَكِيلاً﴾ وكفى به مفوضاً إليه وقيل إن الله تعالى وصفه بخمسة أو صاف وقابل كلامنهما بخطاب
الأحزاب ٥٠ - ٤٩)
جميع خلقه
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات﴾ أى تزوجتم والنكاح هو الوطء في الأصل وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث إنه طريق إليه كتسمية الخمر اثما لانها سببه وكقول الراجز أسنمة الآبال في سحابه
سمى الماء بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الآبال وأرتفاع اسمنتها ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان وفي تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوي المؤمنات في هذا الحكم إشارة إلى أن الأولى بالمؤمن أن ينكح مؤمنة ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ والخلوة الصحيحة كالمس ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ فيه دليل على أن العدة تجب على النساء الرجال ومعنى تَعْتَدُّونَهَا تستوفون عددها تفتعلون من العد ﴿فَمَتّعُوهُنَّ﴾ والمتعة تجب للتي طلقها قبل الدخول بها ولم يسم لها مهر دون غيرها ﴿وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ أي لا تمسكوهن ضراراً وأخرجوهن من منازلكم إذ لا عدة لكم عليهن
﴿يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن إذ المهر أجر على البضع ولهذا قال الكرخي إن النكاح بلفظ الإجارة جائز وقلنا التأبيد من شرط النكاح والتأقيت من شرط الإجازة وبينهما منافاة وإيتاؤها إعطاؤها عاجلاً أو فرضها وتسميتها في العقد ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ﴾ وهي صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما ﴿وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ﴾ ومع ليس القرآن بل لوجودها فحسب كقوله وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان وعن أم هانئ بنت أبى طالب خطبنى رسول الله ﷺ فاعتذرت فعذرني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأني لم أهاجر معه ﴿وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ﴾ وأحللنا لك ما وقع لها ان تهب لك نفسها ولا تطلب مهراً من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ولذا تكرها قال ابن عباس هو بيان حكم في المستقبل ولم يكن عنده أحد منهن بالهبة وقيل الواهبة نفسها ميمونة بنت الحرث أو زينب بنت خزيمة أو أم شريك بنت جابر أو خولة بنت حكيم وقرأ الحسن أن بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه بغير إن ﴿إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾
الأحزاب (٥١ - ٥٠)
استنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه وقيل نكح واستنكح بمعنى والشرط الثاني تقييد للشرط الأول شرط في الإحلال هبتها نفسها وفي الهبة إرادة استنكاح رسول الله ﷺ كأنه قال أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها لأن إرادته هي قبول الهبة وما به تتم وفيه دليل جواز النكاح بلفظ الهبة لأن رسول الله ﷺ وأمته سواء في الأحكام إلا فيما خصه الدليل ﴿خَالِصَةٌ﴾ بلا مهر حال من الضمير في
﴿تُرْجِى﴾ بلا همز مدني وحمزة وعلي وخلف وحفص وبهمز غيرهم تؤخر ﴿من تشاء منهن وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء﴾ تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء أو لا تقسيم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوّج من شئت وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فإما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها ورُوي أنه أرجى منهن جويرية وسودة وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء وكانت ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب أرجى خمساً وآوى أربعاً وروي أنه
الأحزاب (٥٣ - ٥١)
أي أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً لأنهن إذا علمن أن هذا التفويض من عند الله اطمأنت نفوسهن وذهب التغاير وحصل الرضا وقرت العيون كُلُّهُنَّ بالرفع تأكيد لنون يرضين وقرئ ويرضين كلهن بما آتيتهن على التقديم وقرئ شاذا كلهن بالنصب تأكيدا لهن فى آتيتهن ﴿والله يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ﴾ فيه وعيد لمن لم يرض منهن بمادبر الله من ذلك وفوض إلى مشيئة رسوله ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً﴾ بذات الصدور ﴿حَلِيماً﴾ لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقي ويحذر
﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء﴾ بالتاء أبو عمرو ويعقوب وغيرهما بالتذكير لأن تأنيث الجمع غير وإذا جاز بغير فصل فمع الفصل أجوز ﴿مِن بَعْدِ﴾ من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول الله ﷺ من الازواج كما أن الاربع تصاب أمته ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ بالطلاق والمعنى ولا أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجاً أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاء على ما اخترن ورضين فقصر رسول الله ﷺ عليهن وهن التسع التي مات عنهن عائشة حفصة أم حبيبة سودة أم سلمة صفية ميمونة زينب بنت جحش جويرية ومن فى من أزواج لتأكيد النفى وفائدته استغراق جنس الازواج باتحريم ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ في موضع
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين إناه﴾ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ في موضع الحال أي لا تدخلوا إلا مأذوناً لكم أو في معنى الظرف تقديره إلا وقت أن يؤذن لكم وغير ناظر حال من لاَ تَدْخُلُواْ وقع الاستثناء على الحال والوقت معاً كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين أي غير منتظرين وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول الله ﷺ فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه ومعناه لا تدخلوا يا أيها المتحينون الطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه واتى الطعام إدراكه يقال انى الطعام انى
الأحزاب (٥٤ - ٥٣)
كقولك قلاه قلي وقيل إناه وقته أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله ورُوي أن النبى ﷺ أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنساً أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجاً يأكل فوج ويخرج ثم يدخل فوج إلى أن قال يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحداً أدعوه فقال ارفعوا طعامكم وتفرق الناس وبقي ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا فقام رسول الله ﷺ ليخرجوا فطاف رسول الله ﷺ بالحجرات وسلم عليهن ودعون له ورجع فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون
﴿إن تبدوا شيئا﴾ من إيذاء النبى ﷺ أو من نكاحهن ﴿أَوْ تُخْفُوهْ﴾ في أنفسكم من ذلكم ﴿فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شَىْء عليما﴾ فيعاقبكم به
ولما نزلت
الأحزاب (٥٨ - ٥٥)
آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب يا رسول الله أو نحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل ﴿لا جناح عليهن في آبائهن وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن﴾ أي نساء المؤمنات ﴿وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ أى لا اثم عليهن فى أن لا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجرينا مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال الله تعالى وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق وإسمعيل عم يعقوب وعبيدهن عند الجمهوركاجانب ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفي هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل ﴿واتقين الله﴾ فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار واحتطن فيه ﴿إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ عالماً قال ابن عطاء الشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح
﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صَلُّواْ عَلَيْهِ﴾ أي
﴿إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي يؤذون رسول الله وذكر اسم الله للتشريف أو عبر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى الله ورسوله كالكفر وإنكار النبوة مجازاً وإنما جعل مجازاً فيهما وحقيقة الإيذاء يتصور في رسول الله لئلا يجتمع المجاز والحقيقة في لفظ واحد ﴿لَعَنَهُمُ الله فِى الدنيا والآخرة﴾ طردهم الله من رحمته في الدارين ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ فى الآخره
﴿والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا﴾ أطلق إيذاء الله ورسوله
الأحزاب (٦٠ - ٥٨)
وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبداً وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزير ومنه باطل قيل نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليا رضى الله عنه ويسمعونه وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات وعن الفضيل لا يحل لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً
﴿يا أيها النبى قُل لأزواجك وبناتك وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن﴾ الجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد ومعنى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة إذن ثوبك على وجهك ومن للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة أو المراد أن يتجلبن ببعض ما لهن من الجلابيب وأن لا يكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعداً في بيتها وذلك أن النساء في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة فى درع وخمار لافضل بين الحرة والأمة وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن فى النخل والغيطان للإماء وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرؤس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله ﴿ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ لما سلف منهن من التفريط ﴿رَّحِيماً﴾ بتعليمهن آداب المكارم
﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين فِى قُلُوبِهِمْ مرض﴾ فجوروهما الزناة من قوله فَيَطْمَعَ الذى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴿والمرجفون فِى المدينة﴾ هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرا يا رسول الله ﷺ فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب
الأحزاب (٦٧ - ٦١)
لنأمرنك بأن تفعل الأفعال التي تسوءهم ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زماناً قليلاً ريثما يرتحلون فسمي ذلك إغراء وهو التحريش على سبيل المجاز
﴿مَّلْعُونِينَ﴾ نصب على الشتم أو الحال أي لا يجاورونك إلا ملعونين فلاستثناء دخل على الظرف والحال معاً كما مر ولا ينتصب عن أخذو الان بعد حروف الشرط لا يعمل فيما قبلها ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُواْ﴾ وجدوا ﴿أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً﴾ والتشديد يدل على التكثير
﴿سُنَّةَ الله﴾ في موضع مصدر مؤكد أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا أينما وجدوا ﴿فِى الذين خَلَوْاْ﴾ مضوا ﴿مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً﴾ أي لا يبدل الله سنته بل يجريها مجرى واحدا فى الامم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنزه بذاته عن إشارة الأوهام المقدس بصفاته عن إدراك العقول والأفهام المتصف بالألوهية قبل كل موجود الباقي بالنعوت السرمدية بعد كل محدود الملك الذي طمست سبحات جلاله الأبصار المتكبر الذي أزاحت سطوات كبريائه الأفكار القديم الذي تعالى عن مماثلة الحدثان العظيم الذى تنزه عن مماسة المكان المتعالى عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام القادر الذي لا يشار إليه بالتكييف القاهر الذي لا يسأل عن التحميل والتكليف العليم الذي خلق الانسان وعلمه البيان الحكيم الذى نزل القرآن شفاء للأرواح والأبدانوالصلاة والسلام عى المستل من أرومة البلاغة والبراعة المحتل في بحبوحة النصاحة والفصاحة محمد المبعوث إلى خليقته الداعى إلى الحق وطريقته ﷺ وعلى آله وشيعته
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة الكتابمقدمة
مكية وقيل مدنية والأصح أنها مكية ومدنية نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ثم نزلت بالمدينة حين حولت القبلة إلى الكعبة وتسمى أم القرآن للحديث قال عليه السلام لا صلاة لمن لم يقرا بام القرآن ولاشتمالها على المعاني التى في القرآن وسورة الوافية والكافية لذلك وسورة الكنز لقوله عليه السلام حاكيا عن الله تعالى فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى وسورة الشفاء والشافية لقولة عليه السلام فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام وسورة المثانى لأنها تثنى في كل صلاة وسورة الصلاة لما يروى ولانها تكون واجبة أو فريضة وسورة الحمد والاساس فانها أساس القرآن قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس وآيها سبع بالاتفاق﴿يسألك الناس عَنِ الساعة﴾ كان المشركون يسألون رسول الله ﷺ عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء واليهود يسألونه امتحاناً لأن الله تعالى عمى وقتها في التوراة وفي كل كتاب فأمر رسوله بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله به ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع تهديداً للمستعجلين وإسكاناً للممتحنين بقوله ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً﴾
﴿إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً﴾ ناراً شديدة الاتقاد
﴿خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ هذا يرد مذهب الجهمية لأنهم يزعمون أن الجنة والنار تفنيان ولا وقف على سَعِيراً لأن قوله خالدين فِيهَا حال عن الضمير في لَهُمْ ﴿لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ ناصراً يمنعهم اذكر
﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النار﴾ تصرّف في الجهات كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلت وخصصت الوجوه لأن الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده أو يكون الوجه عبارة عن الجملة ﴿يقولون﴾ حال ﴿يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا﴾ فنخلص من هذا العذاب فتمنوا حين لا ينفعهم التمنى
﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا﴾ جمع سيد ساداتنا شامي وسهل ويعقوب جمع الجمع والمراد رؤساء الكفرة الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم ﴿وَكُبَرَاءنَا﴾ ذوي الأسنان منا أو علماءنا ﴿فَأَضَلُّونَا السبيلا﴾ يقال ضل السبيل وأضله اياه
الأحزاب (٧٢ - ٦٨)
وزيادة الألف لإطلاق الصوت جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع وأن ما بعده مستأنف
﴿ربنا آتهم ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب﴾ للضلال والإضلال ﴿والعنهم لَعْناً كَبِيراً﴾ بالباء عاصم ليدل على أشد اللعن وأعظمه وغيره بالثاء تكثيراً لأعداد اللعائن ونزل في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة بعض الناس
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ﴾ ما مصدرية أو موصولة وأيهما كان فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها أو اتهامهم إياه بقتل هرون فأحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام كما برأ نبينا عليه السلام بقوله مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ ﴿وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً﴾ ذا جاه ومنزلة مستجاب الدعوة وقرأ ابن مسعود والأعمش وكان عبدا لله وجيها
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ صدقاً وصواباً أو قاصداً إلى الحق والسداد القصد إلى الحق والقول بالعدل والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول والبعث على أن يسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس كل خير ولا تقف على سَدِيداً لأن جواب الأمر قوله
﴿يصلح لكم أعمالكم﴾ يقبل طاعاتكم أو يوفقكم لصالح العمل ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أي يمحها والمعنى راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والاثابة عليها ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها وهذه الآية مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله ﷺ وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والأمر مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه ولما علق بالطاعة الفوز العظيم بقوله ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ أتبعه قوله
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال﴾ وهو يريد بالأمانة
الأحزاب (٧٣ - ٧٢)
للمؤتمن عليها وهو حاملها ولهذا يقال ركبته الديون ولي عليه حق فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها يعنى أن هذه الاجرام العظام من السموات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها وهو ما يتأتى من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي تليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته أيجادا وتكوينا وتسوية على هيآت مختلفة وأشكال متنوعة كما قال ثُمَّ استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض أثتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وأخبر أن الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب يسجدون لله وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع وهذا معنى قوله ﴿فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا﴾ أي أبين الخيانة فيها وأن لا يؤدينها ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ وخفن من الخيانة فيها ﴿وَحَمَلَهَا الإنسان﴾ أي خان فيها وأبى أن لا يؤديها ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً﴾ لكونه تاركاً لأداء الأمانة ﴿جَهُولاً﴾ لإخطائه ما يسعده مع تمكه منه وهو أداؤها قال الزجاج الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا ولم يطيعا ومن أطاع من الأنبياء والمؤمنين فلا يقال كان ظلوماً جهولاً وقيل معنى الآية أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمه أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأفواه فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها وضمنها ثم خان بضمانه فيها ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب وما جاء القرآن إلا على أساليبهم من ذلك قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوي العوج
واللام في ﴿لّيُعَذّبَ الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات﴾
سورة سبأ
سورة سبأ مكية وهي أربع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم