تفسير سورة ص

بيان المعاني
تفسير سورة سورة ص من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

تفسير سورة ص عدد ٣٨- ٣٨
نزلت بمكة بعد القمر وهي ثمان وثمانون آية، وسبعمائة واثنتان وثلاثون كلمة، وثلاثة آلاف وسبعة وتسعون حرفا، وتسمى سورة داوود، لا يوجد سورة مبدوءة أو مختومة بما بدئت أو ختمت به.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى «ص» ابتدأ تعالى بعض سور كتابه العظيم بحرف من الحروف على سبيل التحدي والبينة والاعجاز وان إتباعه بقسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه واعجاز البشر عن الإتيان بمثله وقد تسمى السورة بما بدئت به كهذه وسورتي ن وق ويجوز أن يكون مفتاحا لبعض أسمائه الحسنى كالصمد والصادق والصبور والصانع ويقرأ بالسكون وبالكسر اختلاسا ومع التنوين وبالضم، أيضا وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه سورة ص أو مبتدأ لخبر محذوف أي سورة ص هذه سورته المعجزة «وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ١» والموعظة الحسنة وجواب القسم أنك يا محمد لمن المرسلين وأنه ما كفر من كفر بك لخلل وجده فيك أو فيما أنزل عليك «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ٢» أنفة وخلاف وإنما اخترت أن يكون جواب القسم جملة (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) لمناسبتها للمقام وموافقتها للمعنى وإن من المفسّرين من قدره بجملة (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ) الآية الآتية ومنهم من جعل جملة (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) الآية الآتية بعد تلك جواب للقسم ومنهم من قال جوابه (كَمْ أَهْلَكْنا) الآية أيضا ومنهم من قدره (بَلِ الَّذِينَ) إلخ الآية المارة وكلها أقوال تعقبت وفندت لعدم انطباقها على المراد في الآية المقسم بها لذلك لم نعتمد شيئا منها ولما كان القرآن يفسر بعضه وتشير بعض آياته إلى بعض وإلى شيء لا يوجد في بعضها وكان مثل هذا الحذف المقدر هنا موجودا في مثل هذه الآية في سورة يس الآتية قدرناه هنا بمثل ما هو هناك، ويقويه ذكر النذارة هناك وهنا أيضا لأن الرسالة تتضمن البشارة والنذارة وعليه
297
تكون (بَلِ) في الآية المتقدمة بعد القسم للانتقال من القسم والمقسم به والمقسم عليه إلى ذكر أنفة المشركين وغلظتهم ومخالفتهم لما جاء به حضرة الرسول لأن عزتهم تلك عبارة عن حمية جاهلية وتكبر عن الحق الصريح مشاحنة وعداوة به صلّى الله عليه وسلم ليس إلا قال تعالى «كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ» أي قومك أيها المخاطب النبيل «مِنْ قَرْنٍ» أي أهله من اطلاق الظرف وإرادة المظروف «فَنادَوْا» عند نزول العذاب بهم بالويل والثبور والاستغاثة قصد النجاة منه فلم يجابوا وأرادوا الفرار فلم يقدروا «وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ٣» أي ليس الحين حين فرار وخلاص مما نزل بهم وجاء هذا على ما كانت تعتاده كفرة قريش عند مضايقتها في الحروب إذ يقول بعضهم لبعض مناص أي اهربوا وخذوا حذركم والمعنى هنا أن عذاب الله لا مخلص منه. وما قيل إن هذه الآية نزلت في حادثة بدر لا صحة له لأن هذه السورة كلها مكية والآية جارية في معرض ذكر هلاك الأمم الماضية المنوه بها في السورة قبلها وأن سياقها يأبى ذلك «وَعَجِبُوا» هؤلاء الكفرة «أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ» من أنفسهم نسبا وأحسنهم حسبا وأعظمهم مكانة «وَقالَ الْكافِرُونَ» أني بالظاهر بدل المضمر في معرض الذم اعلاما بأنه لا يقدم على هذا إلا المنهمك في الكفر المتوغل في الفسوق «هذا» أي محمد الذي جاءكم يدعي النبوة «ساحِرٌ كَذَّابٌ ٤» مع أنهم يسمونه الأمين قبل أن يكون نبيا، ويعلمون أنه ليس بساحر ولا يوجد بمكة من يعرف السحر إذ ذاك، ولم يخرج من بين أظهرهم فوصمهم لحضرته بالسحر محض افتراء وبهتان. قالوا: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه شق إسلامه على قريش وفرح المؤمنون به فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش وهم خمسة وعشرون صنديدا امشوا إلى أبي طالب، فأتوه، وبينوا له حال ابن أخيه واستغوائه قريشا واحدا بعد واحد واشرحوا له حالته التي لم يبق بوسعنا السكوت عليها، فأتوه فقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء (يعنون محمد وأصحابه) وقد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك وأنك قاضينا فيه وفي غيره. فدعاه فقال: يا ابن أخي إن هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا
298
تمل كل الميل فقال صلّى الله عليه وسلم: وماذا يسألون؟ قالوا ارفض آلهتنا وندعك وإلهك.
فقال صلّى الله عليه وسلم: أعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم الأمم. فقال أبو جهل نعطيكها وعشرة أمثالها، فقال: قولوا لا إله إلا الله، فنفروا وقالوا كيف يسع الخلق إله واحد؟ فأنزل الله جل أنزاله «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا» الذي يقوله محمد «لَشَيْءٌ عُجابٌ ٥» بليغ في العجب والتعجب «وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ» من مجلس ابي طالب قائلين بعضهم لبعض «أَنِ امْشُوا» عنه حيث كان هذا مراد ابن أخيه ولم يصده عنه «وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ» واثبتوا على عبادتها وتحملوا ما يقدح فيها «إِنَّ هذا» الذي قاله محمد وتعليمه على دعوته لإله واحد وما نراه من ازدياد أتباعه يوميا وسكوت عمه عليه وعدم اصغائه لشكايتنا منه «لَشَيْءٌ يُرادُ ٦» بنا بأن يتحكم فينا وفي ذرارينا، ويترفع علينا ويستولي على أموالنا وأملاكنا، ثم قال بعضهم لبعض «ما سَمِعْنا بِهذا» الذي يقوله محمد قبلا ولا «فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ» ملة عيسى عليه السلام التي هي آخر الملل وهي ملة غير موحدة إذ يدعون آلهة ثلاثة ومن أدركنا من آبائنا لهم آلهة متعددة «إِنْ هذا» القول بالتوحيد الذي يدعوا اليه محمد ما هو «إِلَّا اخْتِلاقٌ ٧» من تلقاء نفسه لم يسبقه به أحد وانه يريد به التولي علينا وان نكون تبعا له فيما يريد، فيا قومنا أخبرونا «أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ» الذي يدعيه وحيا من ربّه، هل اختص به وحده «مِنْ بَيْنِنا» يتفوق به علينا ويحتفي به دوننا ونحن رؤساء الناس وأشرافهم، وما هي هذه الميزة التي اختص بها وحده. قال تعالى «بَلْ هُمْ» هؤلاء الحسدة لرسولي على ما فضلته به عليهم «فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي» الذي أنزلته عليه المشحون بالتوحيد وهذا دائما من التعجب بتخصيص محمد به «بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ٨» حتى يزول حسدهم لرسولي ورميهم لذكري فاذا ذاقوه زال ذلك منهم واتعظوا بمن قبلهم واعترفوا برسالته وإلهه وإن ما يقوله حق لا مرية فيه «أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ» يا محمد ليهبوا ما فيها من مفاتح النبوة لمن شاءوا وأرادوا ويصرفوها عنك. قال تعالى «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ» الآية ٣٢ من سورة الزخرف وبمعناها الآية ١٣٤ من الأنعام في ج ٢
299
كلا لا دخل لهم بها ولا بشيء من مختارات الإله بل هو من خصائص «الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ٩» القاهر الذي لا يقابلة شيء، كثير المواهب التي من جملتها تخصيصك بالنبوة «أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما» حتى يتداخلوا فيما بستأثر به مالكهما من إعطاء ومنع فإذا كان لهم شيء من ذلك «فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ ١٠» التي توصلهم إلى أقطارها ليديروا أمر العالم وينزلوا الوحي على من يريدونه في الأرض، وهذه الجملة في معرض التهديد إذ ليس لأحد من قدرة على ذلك غيره، واستدل حكماء الإسلام بهذه على ان الاجرام الفلكية وما أودع فيها من خواص وقوى اسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمّى الفلكيات أسبابا ومهما كان ذلك، ولهذا فإن ما يزعمه الفلكيون من صعودهم إلى المريخ والقمر وغيرهما من الكواكب زعم بعيد عليهم لم يدركوه ولن يدركوه لأن الله تعالى قال لا تنفذوا إلا بسلطان راجع الآية ٣٢ من سورة الرحمن إذ تحدى بها الجن والإنس وأذلهم ذلك السلطان الذي يتوصلون به إلى النفوذ في أقطار السموات والأرض.
هذا ثم وعد نبيه بالنصر على هؤلاء العتاة المعاندين بقوله انهم «جُنْدٌ ما» قبل هذا بالنسبة لمن سبقهم من الجنود الذين تحزبوا على أنبيائهم قبلك وسيكون لك يا حبيبي معهم شأن «هنالك» عند اللقاء الآتي في بدر، عند ما يكون ذلك الجند «مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ١١» كما هزم من قبلهم فلا يهمنك شأنهم، ولا تكترث بهذيانهم.
مطلب الآيات السبع التي تأخر حكمها عن نزولها:
وهذا من الإخبار بالغيب لأنها من الآيات السبع التي سبق ذكرها في الآية ٤٦ من سورة القمر المارة وقد أنزلت تسلية لحضرة الرسول داعية لحمل أذاهم مادام في مكة وأن قريشا كغيرها من الأجناد الذين أجمعوا على تكذيب الرسل وأنه سيظهر عليهم ويرى مصارعهم في محل غيهم، وإشارة إلى حادثة بدر الآتية في الآية ٥ من سورة الأنفال في ج ٣ التي حققها الله له وأقر عينيه بها. ثم شرع يعزيه بما لاقى منهم ويقول له ليس أمتك أول من كذبت الرسل ولا أنت أول من سخر به وأوذي فقد «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ١٢» الذين كانوا أكثر عددا وعددا من قومك الذين ليس بشيء بالنسبة لهم «وَثَمُودُ»
300
«وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ» أيضا لا يقاسون بقومك من حيث القلة والكثرة، وتقدم تفسير ذي الأوتاد في الآية ١٠ من سورة الفجر وقصته مفصلة كما تقدم بيان قصص الآخرين في الآية ١٢ من سورة ق المارة «أُولئِكَ الْأَحْزابُ ١٣» الذين بضرب بهم المثل «إِنْ كُلٌّ» من أولئك «إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ» المرسلين إليهم «فَحَقَّ عِقابِ ١٤» على كل من الطوائف الأول لتكذيبهم أنبيائهم، لأن كل هؤلاء يا سيد الرسل عملوا برسلهم ما عمل بك قومك وقد أصابهم البلاء لعدم إيمانهم بهم «ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ» الذين يجادلونك من قومك إذا لم يؤمنوا «إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً» من ملكنا إسرافيل «ما لَها مِنْ فَواقٍ ١٥» إذا جاءتهم لم تصرف عنهم ولم تتأخر عن الوقت المقرر لها ولو بمقدار فواق الناقة (وهو الزمن بين الحليتين) بل هو أقل من ذلك بكثير، وإنما جاء هذا اللفظ على عادتهم، لأنهم يستقلون هذا الزمن ويضربون به المثل في القلة والسرعة، وفي هذه الآية زجر لهم عظيم، وتهديد وخيم، إذ خوفهم فيها مغبة أمرهم، وقيل معنى فواق رجوع أي إذا جاءت تلك الصيحة لم ترد عنهم بقطع النظر عن الزمن، والمراد بهذه الصيحة الصيحة الثانية لأن سياقها يدل عليها ولأن الصيحة الأولى لا يشاهد هولها، وإنما بصعق فيها من كان حيا من الخلق عند وقوعها حالا، ولا يكون العذاب الموعودون به إذ ذاك واقعا، ولا العذاب المطلق مؤخرا لوقوعها، وما قاله صاحب الغالية بأن النفخات ثلاثة، نفخة الإماتة ونفخة الإحياء ونفخة الفزع المنوه بها آخر سورة النمل الآتية لا يتجه لأن نفخة الفزع هي النفخة الثانية التي يكون فيها الخروج من القبر والحشر والنشر.
تدبر، قالى تعالى «وَقالُوا» كفرة قريش عند سماعهم من حضرة الرسول ما وعد الله به المؤمنين وأوعد به الكافرين أمثالهم «رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا» حظنا ونصيبنا من هذا العذاب الذي توعدنا به على لسان محمد «قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ١٦» على الأعمال، الذي يذكره لنا ويهددنا فيه، وقائل هذا، النضر بن الحارث على سبيل السخرية والاستهزاء، أي أسرع بإنزاله علينا إن كان ما تقوله حقا، قال تعالى يا محمد: «اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ» فيك وفي ربك وكتابك «وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ» القوة
301
العظيمة واذكر ذلته التي عاتبته عليها مع كرامته عليّ ومعزته عندي وتأسّ به «إِنَّهُ أَوَّابٌ ١٧» أي كثير الرجوع إلى ربه بالتوبة والندم، ثم شرع يقص نعمه على داود فقال «إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ» بتسبيحه إذا سبح «بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ ١٨» صباح مساء، فالعشي من العصر إلى الليل، والإشراق من طلوع الشمس إلى الضحى، قال ابن عباس ما عرفت صلاة الضحى إلا في هذه الآية «وَالطَّيْرَ» تسبح بتسبيحه أيضا «مَحْشُورَةً» حالة كونها مجموعة لديه، قال ابن عباس كان داود إذا سبح جاوبته الجبال واجتمعت إليه الطير «كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ١٩» رجّاع يردد تسبيحه كل منهم «وَشَدَدْنا مُلْكَهُ» قوّيناه بالحرس والجنود، كما قويناه بأمر الدين ولهذا وصفه بكلمة ذي الأيد بما يشمل القوتين، ويدل على الأخير قوله أواب، وعلى الأول وشددنا ملكه «وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ» هي المعرفة بحقائق الأشياء وكنهها وماهيتها وكل كلام وافق الحق فهو حكمة «وَفَصْلَ الْخِطابِ» التمييز بين الحق والباطل والحكم بما يوافق مراد الله، فاجتمعت له القوى الأربع: قوة الدين وقوة الملك وقوة الحكمة وقوة الحكم وقيل فصل الخطاب جملة (أما بعد) لأنه أول من تكلم بها، لأن الأمر الذي له شأن يستفتح فإذا أراد الشروع في الغرض المسوق إليه فصل بين الخطبة وبينه بها والأول أولى، ومن جملة نعم الله على داود إذ أعطاه النبوة والسلطان، راجع نسبه وكيفية إعطائه الملك بتفسير قوله تعالى (وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) الآية ٢٥٠ من البقرة في ج ٣ وكان قبله الملك في سبط والنبوة في سبط آخر من أسباط يعقوب الاثني عشر أي أولاده
ثم طفق يقص على رسوله زلة داوود فقال «وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ» يطلق على الجماعة المتخاصمين «إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ٢١» بيت عبادة داوود وخلوته مع ربه، إذ كانوا يسمونه محرابا ومنه محراب زكريا ومريم الواردين في الآية ١٥ من مريم الآتية و ٣٧ من آل عمران في ج ٣ ويطلق على صدر المسجد ومحل وقوف الإمام عندنا أي هل بلغك ذلك «إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ» لعدم دخولهم من الباب وقفزهم من أعلى الجدار وعدم استئذانهم إذ لم يحس بهم إلا وهم بين يديه،
302
فقال لهما: لماذا دخلتما متسورين الجدار ولم تستأذنوا وتدخلوا من الباب وكان عليه علامة الفزع لما رأى من جراءتهما هذه «قالُوا لا تَخَفْ» ولا تظن بنا سوءا انما نحن «خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ» وهذا من معاريض الكلام لا من تحقيق البغي لأنهما جبريل واسرافيل عليهما السلام أوفدهما الله إلى نبيه داود ليعرفاه زلته وذلك انه عليه السلام رأى آباءه إبراهيم ويعقوب وإسحق أفضل منه فسأل ربه عن ذلك، فقال: إنهم ابتلوا فصبروا ففضلوا، فقال يا رب لو ابتليتني لصبرت ولم يسأله العافية مما ابتلاهم طلبا لعلو الدرجات عنده لا اختبارا، فامتحنه الله بما ذكرهنا قال تعالى «فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ» تجر وتحف وتملّ عنه «وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ٢٢» في هذه الخصومة بان تتبع الحق فيها وتعدل عن الباطل، قال تكلما، فقال أحدهما «إِنَّ هذا أَخِي» في الدين والخلقة لأن الملائكة لا تناسب بينهم ولا تقارب لأنهم خلقوا بلا شهوة ولا توالد بل بطريق التولد بلفظ كن بين الكاف والنون وإذا لم يكن توالد فلا تكون قرابة «لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً» امرأة والعرب تكني عن المرأة بالنعجة، قال ابن عون:
أنا أبوهن ثلاث هن... رابعة في البيت صغراهن
ونعجتي خمس توفيهن... آلا فتى سمح يغذيهن
«وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ» وهذا على سبيل التعريض وتصوير المسألة إذ ليس في الواقع هناك نعاج ولا يعني ولا يمنع فعل ذلك على فرض وجوده على الملائكة «فقال» صاحب للتسع والتسعين لصاحب الواحدة «أَكْفِلْنِيها» أعطينها وتنازل عنها واجعلها نصيبي لأن الكفيل النصيب «وَعَزَّنِي» غلبني وفي المثل من عزيز أي تفوّق عليّ وأخذني بفصاحته «فِي الْخِطابِ ٢٣» المخاطبة أو في الخطبة حين طلبها منه وقد صور الملكان الحادثة ومثلاها حرفيّا ولم يتركا منها الا إبدال المرأة بالنعجة قال داود عليه السلام بعد أن سأل الخصم الآخر واعترف له بالحادثة كما قررها الخصم الأول، لأنه لا يمكن أن يحكم قبل أخذ الجواب من الخصم ولهذا بين بحكمه سبب الظلم فقال والله انّ هذا «لَقَدْ ظَلَمَكَ» يا صاحب النعجة
303
الواحدة «بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ» وضمها «إِلى نِعاجِهِ» التسع والتسعين ولكن ليس هذا وحده الباغي «وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ» الشركاء أمثاله الذين يخلطون أموالهم باموال غيرهم وتطلق كلمة الخلطاء على غير المحمودين من الناس ولذلك قال «لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ» بسائق الطمع والحرص وحب التكاثر بالأموال التي تميل بذويها إلى الباطل إن لم يتولّهم الله بلطفه وهم المتشبثون بقوله عز قوله «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» فإنهم لا يبغون ولا يطمعون «وَقَلِيلٌ ما هُمْ» الصالحون المؤمنون المبعدون عن الظلم جدا قليلون ولما فهمهما حكمه هذا نظرا إلى بعضهما وصعدا إلى السماء على مرأى من داود فعرفهما أنهما أنها ملكان بعثهما الله اليه ليذكراه ما وقع منه من الخطيئة، ويروى أن داود حينما سأل المدعى عليه عن سبب أخذه النعجة أجابه بانه يريد إكمال نعاجه مائة بها فقال داود ان رمت ذلك ضربنا منك هذا وأشار إلى أنفه وجبهته، فقال يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا، لأنك فعلت كيت وكيت، ثم نظر داود فلم ير أحدا. فإن صح قول الملك إلى داود هذا الكلام يحمل على ان ذنوب الأنبياء مهما صغرت فهي كبائر بالنظر لعلو شأنهم. والقصد من قوله فعلت كيت وكيت انك كلفت الرجل بالتنازل عن زوجته أو خطيبته لك مع استغناءك عنها تبعا لإرادة نفسك قال ابن عباس: ان داود لما دخل عليه الملكان وقضى على نفسه تحولا في صورتها وعرجا إلى السماء وهما يقولان قضى الرجل على نفسه فعلم أنهما عنياه وانهما ملكان وتنبه لعمله ولهذا قال تعالى «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ» ابتليناه واختبرناه حتى عرف زلته «فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ» مما وقع منه «وَخَرَّ» سقط على الأرض «راكِعاً» ساجدا لأن الركوع مجاز من السجود ولأن الخرّ السقوط وتقول العرب نخلة راكعة وساجدة إذا رأوها ساقطة على الأرض. قال قائلهم:
فخر على وجهه راكعا... وتاب إلى الله من كل ذنب
فمعناه السجود الا انه يعبر عنه أحيانا بالركوع مجازا «وَأَنابَ ٢٤» إلى ربه راجعا عن خطأه تائبا من زلته تعظيما لامتحان ربه واستعطافا لجلب رحمته فقبل
304
الله منه وسترها عليه وأظهر له قبول توبته بقوله «فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ» الذي وقع منه «وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى» قرية ومكانة حسنة «وَحُسْنَ مَآبٍ ٢٥» مرجع ومعاد فوق المغفرة بسبب اعترافه وندمه الآتي، وهذه السجدة عند أبي حنيفة من عظ ثم السجود لما روى البخاري. قال مجاهد قلت لابن عباس أأسجد في (ص) فقرأ (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) الآيات ٨٤ الى ٩١ من الأنعام في ج ٢. فقال نبيكم أمران نقتدي بهم فسجدها داود وسجدها محمد صلوات الله عليهم وسلامه.
وعند الشافعي، انها سجدة نبيّ لا توجب سجود التلاوة، وقدمنا ما يتعلق بهذا أواخر سورتي والنجم والعلق المارتين فراجعهما ففيهما كفاية. هذا ما قصه الله علينا من زلة داود عليه السلام،
مطلب قصة داود وسجود ابو بكر:
ولكن القصاص ذكروا وجوها كثيرة فيما وقع من السيد داود عليه السلام، أقوالا أعدلها وأقربها إلى المنطق وأصدقها عقلا هو ان داود عليه السلام كان رأى زوجة عامله أوريا فأعجبته، وكان في زمانه جواز سؤال الرجل أن يتنازل للغير عن زوجته، وكانت هذه عادة متفشية بينهم فسأله النزول عنها إليه، فلم يسعه أن يرده لما له من الهيبة والوقار في مقام النبوة والملك، فتنازل له عنها ثم تزوجها وأولدها سليمان عليه السلام، فعتب الله عليه لعظم منزلته عنده وكثرة نسائه ووجود أمثالها في أمته وعدم منع إرادته، وانه لا ينبغي لمثله وعنده النساء الكثيرات وقدرته على تزوج من شاء فيهن أن يسأل رجلا من رعيته ليس له غير امرأة واحدة التنازل عنها له، بل كان عليه أن يغلب هواه ويقهر نفسه ويصبر على ما امتحن به من رؤيتها وإعجابها، وليس في هذا ما يدل على الذنب بمعناه الحقيقي، لأن أهل زمانه لا يرون به بأسا لكثرة وقوعه، إلا أن مقام النبوة أشرف المقامات وأعلاها شرفا، فيطالبون بأكمل الأخلاق وأسمى الأوصاف فإذا نزلوا من ذلك إلى طبع البشر الذين هم دونهم مرتبة ومقاما وعزة عاقبهم الله عقاب معاتبة ليتيقظوا ويتنزهوا عن أمثاله، ثم يغفره لهم. وإن مثل هذا لا يعدّ ذنبا في حق بقية البشر، ألا ترى أن المهاجرين لما نزلوا على الأنصار في المدينة ساووهم بمالهم وتشبهم وتخلوا لهم عن بعض نسائهم، فتزوجوهن ولم يروا بأسا بذلك، ولم ت (٢٠)
305
يتورعوا عن زواجهن، لأن هذا مما تعورف عند الأعراب، ولا تزال هذه العادة حتى الآن لدى عرب البادية، وإن الرجل منهم قد يأتي إلى الآخر ويقول له على ملأ من الناس (خلّ لي زوجتك) أي تنازل لي عنها طلقها وأعطنيها لأتزوجها فيفعل، وكثيرا ما تقول المرأة لزوجها خلني لفلان فيخليها أي يطلقها فتتزوج به، الا ان الأنبياء لما فضلوا على غيرهم ورفعهم الله بالنبوة لا يليق بمقامهم الشريف التنازل لبعض ما فيه بأس من عادات الناس لأنها تحط بقدرهم، وكذلك الأمثل فالأمثل ينبغي أن لا يقارب أمثال هذا وأن يتورع عنه كل ذي مروءة لأن الزمن هذا غير ذاك، ورحم الله امرأ جب المغيبة عن نفسه، هذا وقيل أن أوريا خطب تلك المرأة وغاب في غزاة فخطبها داود بعده وتزوجها، فاغتم أوريا لذلك، فعاتب الله داود عليه، واستدل صاحب هذا القيل بقوله تعالى (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي الخطبة، ووجه العتب عليه خطبة على خطبته وقد جاءت شريعتنا بها حيث نهى رسول الله الخطبة على الخطبة والبيع على البيع راجع كتب الفقه بذلك، فالحادث عبارة عن إحدى هاتين وهي موافقة في المعنى لما أخبر الله به عنه وقد اعتمد جهابذة المفسرين، أما ما ذكره بعض الأخباريين، في أنه عليه السلام حين رأى المرأة أحبها وبعث زوجها أوريا إلى الغزو أو أمر بإرساله، وأن يتقدم التابوت لا يرجع حتى يقتل بقصد أخذ زوجته، فهو باطل بعيد عن الصحة، تتحاشى غير الأنبياء ومروءتهم عنه، وإن إرشادهم للخلق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر يحول دون ذلك، ويتباعد مقامهم الشريف عنه، بل غيرهم من الصالحين لا يقدر عليه، ولأنه لو نسب إلى آحاد المؤمنين لاستنكف عن قربه وأنف من إحداهما مثله، فكيف يجوز إذا نسبته إلى صفوة خلق الله وأمينه على الوحي، روى سعيد بن المسيب والحارث الأعور عن علي كرم الله وجهه أنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة جلدة مضاعفا. لأن الجلد غايته ثمانون وهذا حد الفرية على الأنبياء، قال القاضي عياض لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطر الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا في مثل حادثة داود وسليمان
306
ويوسف وأيوب عليهم السلام لانهم لم ينقلوها من كتاب صحيح، ولم يتلقوها من ثقة. وإن الله تعالى لم ينص على شيء من ذلك ولا رسوله أخبر به، وقال الإمام فخر الدين الرازي: حاصل ما ذكره القصاص يرجع الى أمرين: السعي إلى قتل رجل مؤمن بغير حق، والطمع في أخذ زوجة ذات زوج، وكلاهما منكر عظيم، فلا يليق بعاقل أن يظن أبدا بداود عليه السلام أنه أقدم على ذلك، كيف وإن الله أثنى عليه قبل ذكر القصة المسطورة في القرآن وبعدها، مما يدل على استحالة ما نقله القصاصون
، وكيف يتوهم من له مسكة من عقل، أن يقع ذم بين مدحين في كلام الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، إذ لو وقع مثله بين كلام الناس لاستهجن، ولقال العقلاء للقائل أنت في مدح فكيف تذم من تمدح أثناء مدحك له؟
ومن المعلوم أن الأنبياء أنموذج البشر فلا يقع منهم إلا ما يكون قدوة لهم في الأخلاق والآداب لأنهم كاملون ولا يصدر من الكامل إلا الكامل، وقيل كلام الله ملك الكلام، ورأي العاقل عقل من الآثام. قال تعالى «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً» عنا «فِي الْأَرْضِ» لتدبير أمر أهلها في معاشهم ومعادهم نيابة عنا وأعلم أن هذه الآية تشير إلى أن التوبة تمحو الذنب كما جاءت الآثار الصحيحة به وإلى أن حالة داود عليه السلام بعد التوبة كحالته قبلها فلم يتبدل أو يتغير عليه شيء من الله بدلالة قوله «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» الذي شرعته لك لتقوم به بينهم، وبما أوحيه إليك فيما تردد فيه «وَلا تَتَّبِعِ» منه في حكمك «الْهَوى» فنقض بما تراه نفسك لان اتباع هوى النفس لا يكاد يقع من معصوم مثلك، وهذا على سبيل الإرشاد لمقتضى الخلافة وتنبيه لغيره ممن يتولى القضاء بين الناس، ولان الحكم بغير ما شرعه الله غير مناسب لمقامه تعالى، ولهذا كان حضرة الرسول الأعظم عند ما يسأل عن شيء لم ينزل به الله قرآنا، يرجىء الجواب حتى يتلقى الوحي فيه خوفا من أن يفتي بغير مراد الله «فَيُضِلَّكَ» اتباع الهوى في القضاء وغيره «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» طريقه السوي الذي سنه لعباده. ومما يدل على أن في هذه الآية تنبيه ولاة الأمور على الإطلاق من الوقوع في الخطأ والحكم بالرأي أو العلم قوله جل قوله «إِنَّ الَّذِينَ
307
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»
في الأحكام وغيرها «لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» في الآخرة «بِما نَسُوا» غفلوا عما أمروا به في الدنيا، ومن أعظم ذلك عذابا ترك العدل في القضاء «يَوْمَ الْحِسابِ ٢٦» والجزاء لأنهم لو تذكروا عذاب الله في ذلك اليوم العظيم لما فرطوا في الأمر ولما حصلت لهم الغفلة والنسيان والخطأ. كان إسماعيل الساماني إذا قضى بشيء قال: إلهي هذا جهدي وطاقتي ولا أعلم أجنفت أم ظلمت فاغفر لي. وأنا ممن يقول هذا، وأستغفر الله. هذا، وإذا أردت استيفاء هذا البحث فعليك بمراجعة تفسير الآية ٥٨ من النساء في ج ٣ لأنا سنبين فيها إن شاء الله ما تقف عليه مما يتعلق في هذا البحث، قال بعض المفسرين إن ذنب داوود الذي أستغفر منه ليس بسبب أوريا وزوجته، بل بسبب قضائه للخصم قبل سماع كلام الآخر، ولحكمه بالظلم عليه بمجرد الدعوى، وهذا مخالف للعدل، فتاب وقبلت توبته ويستدل بهذا على نزاهة داود عليه السلام مما أسند اليه ولكن الأول أولى وأحرى.
مطلب الحكم الشرعي في الأحكام:
الحكم الشرعي: لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه ولا قبل سماع دفاع الخصم وإن فصل الخطاب في شريعتنا، هو البينة على من أدعى واليمين على من أنكر ويجب عليه أن يتبصر بكلام الطرفين ويسوي بينهما بالمكان والكلام، والنظر ويتروى بالحكم بأن يتحقق من صحة الدعوى، ومطابقة الشهادة لها، ولبعضها، ومن عدالة الشهود وعدم المانع من قبولهم حتى تقطع الخصومة بوجه صحيح يكسر من عزم المنكر وجحوده، وأن يفهم حكمه إلى المحكوم عليه بلين ورفق ويبين له خطأه في إنكاره ويفصل أسباب الحكم وصحة الدعوى ليقع في قلبه عدم الحيف عليه ومنه، فهذا إذا لم يحمل المدعى عليه على الانحراف بالحق يحمله على الاعتراف بعدل الحاكم ويحمل ما يراه من الخطأ حسب زعمه على اجتهاد القاضي، والاجتهاد قد يحتمل الخطأ فيسلك طريق المراجعة إلى محكمة أخرى إذا كان يعتقد الخطأ فيه برضى واختيار وسكينة، راجع حديث البطاقة في الآية ٧ من الأعراف الآتية، وهذا كله يتوقف
308
على تحري العدل ومعرفه العلم وأصول القضاء، فيا ويل قضاة زماننا- وأنا منهم- إذا لم يسلكوا ما سنه الله لهم ورسوله، ويا ويل من ولاهم إذا كان في رعيته من هو خير منهم، ولا حول عن اجتناب المعصية، ولا قوة على فعل الطاعة إلا بإرادة الله وتوفيقه، قال بعض المفسرين: لما أنتبه داوود إلى خطأه الذي هو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، سجد لله أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة أو لصلاة مكتوبة عليه، ثم يعود ساجدا تمام الأربعين يوما لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه، وهو ينادي ربه عز وجل ويسأله قبول توبته وكان من جملة دعائه في سجوده: سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء سبحان خالق النور، سبحان الحائل بين القلوب، إلهي خليت بيني وبينك عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي، سبحان خالق النور، إلهي أنت خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا إليه صائر، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداوود يوم يكشف عنه الغطاء، فيقال هذا داوود الخاطئ، سبحان خالق النور، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة، وإنما ينظر الصالحون من طرف خفي، سبحان خالق النور، إلهي بأي قدم أقوم أمامك يوم القيامة يوم تزل فيه أقدام الخائنين ولم يزل كذلك حتى قبل الله توبته، على أن ظاهر القرآن يشعر بقبول توبته آنيا لقوله تعالى: «فَغَفَرْنا لَهُ» والفاء تفيد التعقيب والترتيب وهناك أخبار أخرى من قبول توبته أعرضنا عنها لعدم الوقوف بها اكتفاء بما ذكره الله القائل «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا» عبثا لعبا ولهوا «ذلِكَ» أي خلقهما باطلا «ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا» ليس إلا «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ٢٧» على ظنهم الباطل هذا لأنا لم نخلق شيئا إلا لحكمة بالغة «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» الذين يتفكرون في عجائبهما ويمعنون النظر فيما بينهما من الصنع البديع والمخلوقات المتنوعة والانتظام في سير الكواكب وما يحدث عنها من المنافع وكيفية نبات الأرض واختلاف أصنافه وألوانه وأشكاله وما فيها من المياه والأودية والجبال وما خد فيها من الطرق والمغاور والوديان، وما أودعه فيها من المعادن والدواب والحيات والطير
309
وما أودع فيها من الداء والدواء في نباتها ومعادنها، أي لا نجعل الصالحين المصلحين «كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ» الذين لا يفقهون شيئا من ذلك ولا يتدبرون مراد الله فيهما وما فيهما، وفضلا عن هذا يزعمونها باطلا، كلا لا يجعلهم الله سواء في الدنيا ولا في الآخرة «أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ» ما نهوا عنه الملازمين ما أمروا به لأن الخير كل الخير في التقوى وما أحسن ما قيل فيها:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقيّ هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بدّ أن يأتي قريب ولكنّ الذي يمضي بعيد
أي لا نجعل هؤلاء المتقين أبدا «كَالْفُجَّارِ ٢٨» في الآخرة وان اتفقا في بعض الأشياء في الدنيا فبينهما في الآخرة بون شاسع، فهذا التقي يكون في عليين، وذلك الشقي في سجين، وهذا منعم، وذاك معذب «وأم» هذه والتي قبلها منقطعة وتقدر ب (بل) لأنها تفيد الإضراب والانتقال، والهمزة لإنكار التسوية بين الفريقين وتعيينها على أبلغ وجه وهذا القرآن العظيم هو «كِتابٌ» كثير البركة والخير «أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ» يا سيد الرسل «مُبارَكٌ» جليل النفع في الدنيا والآخرة فأمر قومك «لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ» فيعرفوا أسرار التكوين والتشريع منها «وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ٢٩» فيه بأنا لم ننزله إلا لهذه الغاية كما انا لم نخلقهم إلا للعبادة ونظير هذه الآية الآية ١٥٥ من الأنعام والآية ٥٠ من الأنبياء في ج ٢. قال تعالى «وَوَهَبْنا لِداوُدَ» زيادة على نعمنا السابقة «سُلَيْمانَ» خلفا له في نبوته وملكه ونعم الهبة الولد الصالح وهو «نِعْمَ الْعَبْدُ» المخصوص بالمدح هو سليمان عليه السلام وبعض المفسرين جعل المخصوص بالمدح داود وهو أهل للمدح إلا أن القول به غير سديد لأن سياق الآية ينفيه، وما بعده لا يقتضيه، لأن عود الاختصاص لا قرب مذكور هو المشهور، وإن الله مدح داود قبل، وإن قوله «إِنَّهُ أَوَّابٌ ٣٠» يصلح رجوعه إلى كل منهما وإن كانت بحسب الواقع تنصرف للقريب أيضا، ومعناه كثير الرجوع إلى ربه بالتوبة والندم الذي ديدنه الالتجاء
310
إلى فضل الله والخضوع لأمره، وهو من أسماء المبالغة أي كل ما بدرت منه بادرة، أو فرط منه شيء تاب منه واستغفر ربه عنه.
مطلب صلاة الأوّابين وقصة سليمان وفي حادثة السيد سليمان هذه شرعت صلاة الأوابين وهي من السنن في شريعتنا وتسمّى صلاة الغفلة، لأن سيدنا سليمان غفل عن صلاة العصر بسبب اشتغاله باستعراض الخيل، صلاها بعد المغرب، مع أن المفروض عليه صلاة العصر، فلما غفل عنها صلاها بعد المغرب وقبل العشاء وهو وقت غفلة. وأقلها ركعتان، وغالبها ست وأكثرها عشرون كما في البيجوري علي ابن قاسم، ونقل الطحطاوي عن شرح الوقاية لشيخي زاده أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال أفضل الصلوات عند الله المغرب، لم يحطها عن مسافر ولا مقيم، فتح الله بها صلاة الليل، وختم بها صلاة النهار، فمن صلّى بعد المغرب ركعتين بنى الله له قصرين في الجنة، ومن صلّى بعدها أربعا غفر له ذنوب عشرين سنة، وقال المنادي الصلاة بين العشاءين هي ناشئة الليل المنوه بها في الآية ٦ من المزمل المارة. وقال الغزالي إحياء ما بين العشاءين سنة مؤكدة، ولهذا البحث صلة في الآية ٢٥ من الإسراء الآتية فراجعها،
واذكر يا محمد لقومك قصة «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ» على سليمان قولا واحدا متفق عليه «بِالْعَشِيِّ» هو من العصر إلى الليل «الصَّافِناتُ الْجِيادُ ٣١» سميت الخيل صافنات لأنها تصفن أي تقوم على ثلاث وطرف الرابعة وسميت جيادا لسرعة ركضها وجريها، وما لم يكن كذلك فهي الكدش أي غير الأصيل من الخيل، وبقي يستعرضها حتى غابت الشمس فقال «إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ» سميت الخيل خيرا لسبق الخير فيها لأنها آلة الجهاد، قال تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) الآية ٦٠ من الأنفال في ج ٣. وقال صلّى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. ومصداق هذا الحديث ظاهر لأنه مع احداث العجلات والسيارات والطيارات وغيرها لم يستغن عن الخيل، أي آثرتها فأشغلتني «عَنْ ذِكْرِ رَبِّي» في صلاة العصر لأنها مكتوبة عليه، وعلى أبيه قبله كتبت صلاة الظهر، ولا زال يستعرضها «حَتَّى تَوارَتْ»
311
الشمس «بِالْحِجابِ ٣٢» أي غربت ولم تر. وقيل الحجاب جبل دون جبل (ق) بمسيرة سنة تغرب الشمس وراءه وبعض أهل العصر يقولون: ق هو جبل القوقاز وسيقولون غير هذا إذا انكشف لهم غير ما اطلعوا عليه الآن من مكنونات الله تعالى القائل (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الآية ٨٥ من الإسراء الآتية وعود الضمير إلى غير معهود إذا كان معلوما جائز. راجع تفسير (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) المارة لا سيما وذكر العشى قبله ولما رأى عليه السلام انه اخطأ بتمادي استعراضه لضياع صلاة العصر، قال لحرسه «رُدُّوها عَلَيَّ» فردوا الخيل عليه «فَطَفِقَ» شرع يضربها «مَسْحاً» ضربا شديدا مبرحا «بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ ٣٣» وكان ذلك جائزا في شريعته لأن فيها، من يتسبب بالذنب يعاقب عليه كفاعله، وهذا مخالف لشريعتنا لأن فيها (جناية العجماء جبار) وجاء في التنزيل (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) الآية ٣٨ من النجم المارة ومثلها في الآية ١٨ من سورة فاطر والآية ١٥ من الإسراء الآتية، وفي الآية ١٦٢ من الأنعام، والآية ٧ من الزّمر في ج ٢. وكان في شريعته يجوز أكل لحم الخيل فلا تترك بعد قتلها عبثا، ولأنه يعتبر أن قتلها كفارة لما فرط منه في شريعته، وشكرا لله حيث ردّ له الشمس وأدى صلاته على قول آخر، مروي عن علي كرم الله وجهه، وقد سبق أن ردت الشمس لسيدنا يوشع عليه السلام كما سيأتي بيانه وسببه في تفسير الآية ٢٤ من سورة المائدة في ج ٣.
مطلب في رد الشمس لسيدنا محمد وغيره:
وقد صارت هذه المعجزة لسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم ايضا إذ ردت له الشمس حينما شغله المشركون بحفر الخندق يوم الأحزاب، وصلّى العصر، وهي مشهورة متعارفة، وردت لعلي كرم الله وجهه حينما نام المصطفى في حجره كما روى عن أسماء رضي الله عنها وروى الطبراني في معجمه بإسناد حسن، كما حكاه شيخ الإسلام ابن العراقي في شرح التقريب، ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة، وكان احمد بن صالح يقول لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من علامات النبوة، وفيه بالغ ابن الجوزي وابن تيمية في عدم صحته حتى عدّاه من الموضوع وهذا هو ديدنهما
312
رحمهما الله، في كل ما كان من شأنه أن يعد كرامة أو خارقا للعادة، على ان انكار هذا قد يؤدي إلى انكار انشقاق القمر وما وقع في الإسراء والمعراج وأن ما أورده من الطعن فيه هو ذاك لا غير فراجعه في أوائل سورة القمر المارة لينشرح صدرك وتتيقن مغالاة النافين له، هذا وما جرينا عليه في تفسير هذه الآية أولى من التفسير بخلافه لأن ظاهر الآية يؤيده وسياق التنزيل يؤكده وهدف العقل يأبى غيره. ثم ان بعض المفسرين أعاد ضمير (توارت) إلى الخيل وهو غير وجيه، ولا يستحسن عود ضميرين إلى كلمة واحدة إذ يصير المعنى حتى توارت الخيل رودا على الخيل وان صاحب هذا القول يعبّر عن الحجاب بالاصطبل، قال الإمام الرازي في تفسيره:
احتاج سليمان عليه السلام الى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وإجرائها أمامه حتى غابت الشمس عن بصره، ثم أمر برد الخيل اليه، وهو قوله تعالى (رُدُّوها عَلَيَّ) فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها تشريفا لها لكونها عونا في دفع العدو، وليظهر للناس حيطته لسياسة الملك، حتى انه يباشر هكذا أمرا بنفسه، وانه عالم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها، وقال هذا التفسير ينطبق على لفظ القرآن. على ان مسح تأتي بمعنى ضرب في اللغة الفصحى وعليه يكون ما مشينا عليه من تأويل المسح بالضرب لا يخالف ظاهر القرآن الذي جعلناه أساسا في تفسيرنا هذا وبعض المفسرين أعاد ضمير (رُدُّوها) إلى الملائكة أي ردوا عليّ الشمس أيها الملائكة لأصلي العصر مستدلا بما جاء عن علي كرم الله وجهه أنه قال معنى ردوها علي يقوله للملائكة الموكلين بالشمس ردوها عليّ بأمر الله، فردوها حتى صلّى العصر بوقتها، على أنه لو كان لهذا القول صحة لقال سليمان لرب الملائكة لأنه أعلى رتبة منهم، وأقدم عند ربهم فكان الأجدر أن يخاطب ربه لا الملائكة فضلا عن انه لم يسبق ذكر للملائكة حتى يعود الضمير إليهم.
مطلب قصة سليمان عليه السلام:
وقال القصاص والأخباريون: إن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وصلّى الظهر وقعد على كرسيه واستعرضها فعرض له تسعمائة رأس ثم تنبه لصلاة العصر عند غروب الشمس، ولم يقدر أحد من رجاله أن يعلمه
313
بضيق الوقت لعظمة هيبته، فاغتمّ لذلك، وقال ردوها عليّ، فصار يضرب سوقها وأعناقها بالسيف. كفارة لما وقع منه، وتقربا إلى الله تعالى وطلبا لمرضاته، وإعلاما بأنها من حطام الدنيا، وأن الدنيا لا قيمة لها عنده، وان ذلك كان مباحا في شريعته، وبقي منها مائة فرس، وان جلّ ما في أيدي الناس من نسلها، فأبدله الله خيرا منها إذ سخر له الريح وجعلها تحت أمره كما سيأتي. وقد ذكرنا أن أقوال القصاص والأخباريين لا ننقلها ثقة بصحتها لأنهم مولعون بنقل كل غريب من غير تثبيت، ولكن ننقلها على طريق الاستئناس أسوة بأكثر المفسرين للاطلاع عليه، إذ قد يوافق نقلهم الواقع أحيانا كما هي الحال هنا من حيث المعنى على ما نرى، ولا ننقل إلا المعقول منه شرعا، وهذا مما يوافق ما جرينا عليه في التفسير قال تعالى:
«وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ» ابتليناه لنختبره كسائر الأنبياء الذين امتحناهم لنظهر له وللناس ما كان معلوما ومدونا في لوحنا من قصة «وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ» المختص بجلوسه للملك «جَسَداً» لا روح فيه «ثُمَّ أَنابَ ٣٤» إلى ربه وندم على ما وقع منه، وخلاصة قصته أنه ولد له ولد فقالت الشياطين لئن عاش لم ننفك عن الخدمة كما هي الحال في زمن أبيه، وتآمروا على قتله، فلما علم بذلك صار يغذيه في السماء خوفا عليه منهم فلم يحس إلا وقد ألقي ميتا على كرسيه فتنبه بأنه لم يتوكل على الله بشأنه، فطلب مغفرة ربه فغفر له، يؤيد هذا ما أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال عليه الصلاة والسلام قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل إلا واحدة منهن جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه فوضع في حجره، فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون، وجاء مثله في صحيح البخاري عدا أربعين بدل سبعين وزيادة أن الملك قال له إن شاء الله فلم يقل، فالشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه عقوبة له لأنه لم يستثن، وفيه قال المعري:
314
خاف غدر الأنام فاستودع الريح سليلا تغذوه درّ العهاد
ومكسور له النجاة وقد يو قن أن الحمام بالمرصاد
مكسور به على جانب الكر سي أم اللهيم أخت الناد
أي الميتة الداهية، والعهاد الأمطار المتتابعة، وغاية ما وقع منه عليه السلام عدم الاستثناء وهذا عبارة عن خلاف الأولى وليس بذنب، وإنما عده ذنبا لأن ترك الأفضل والأولى وما لا يعد ذنبا عند الغير، وصغار الذنوب أيضا تعدها الأنبياء ذنوبا كبارا بالنسبة لمقامهم، لأنه إذا كانت حسنات الأبرار سيئات المقربين، فمن باب أولى أن تكون هذه من الكبائر عند الأنبياء والمرسلين، ويحتمل أن هذا الشق هو الذي رباه بالسحاب على ما جاء في القصة، أما ما ذكره وهب بن منبه من أنه أمر الشياطين أن تصور له أبا زوجته التي أصابها بالغزو في جزيرة حيدون وصارت هي وجواريها يسجدن عند غيابه حتى أخبره آصف بن برخيا بعد أربعين يوما، ونسي أن شيطانا جاء إلى أم ولده أمينة بصورته وأخذ خاتمه منها وكان ملكه فيه وكان يضعه عندها إذا دخل الخلاء أو أتى إحدى نسائه، وان ذلك الشيطان لبس الخاتم وجلس على كرسيه، وان سليمان جاء إلى أمينة وطلب منها الخاتم فقالت لست بسليمان وقد أعطيته له، وانه إذ ذاك عرف خطيئته، وصارت الناس تحثو عليه التراب كلما قال أنا سليمان، وبقي أربعين يوما ينقل الحيتان لأهل السوق بالأجرة وهي مدة عبادة الصنم في بيته، وأن آصف وعظماء بني إسرائيل أنكروا حاله في التشبيه وسألوا نساءه فقالوا مثل ذلك، ولما علم الشيطان ذلك طار وطرح الخاتم في البحر فبلعته سمكة أعطاها الصيادون لسليمان عن أجرته فبقر بطنها ليشويها فوجد الخاتم فلبسه ووقع ساجدا لله تعالى ورجع كما كان وغير هذا من الترهات كذب محض من أباطيل اليهود أهل الجحود الناقضين للعهود أهل كل شر في الوجود، والعجيب كل العجيب كيف نقلوا هذه الحكاية السخيفة مع ما فيها من الطعن في عصمة الأنبياء المتفق عليها وعلى حصانة نسائهم الطاهرات، قال الحسن ما كان الله سبحانه ليسلط الشيطان على نساء نبيه صلّى الله عليه وسلم ثم إنه عليه السلام سأل ربه المغفرة عما وقع منه، «قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي
315
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ٣٥»
كثير العطاء غزير المن وهذا لا يقصد التفوق على غيره من الأنبياء لأن الملك يعطى للنبي وغيره بل يقصد المعجزة الخارقة للعادة لان ملكه إذا لم يكن بالغا المنتهى لم يكن معجزة خارقة وأنه عليه السلام أراد بدعوته هذه تخصيصه بشيء خاص كما خصص أباه من قبله بإلانة الحديد وغيرها ولم يكن حرصا على الدنيا والانغماسة فيها وانظر لقول المعري:
إذا عامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن الجبن حزم وتلك خديعة الطبع اللئيم
وروى في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ان عفربتا من الجن انفلت عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان (في الآية المارة) فرددته خاسئا، فيعلم من هذا أن الله تعالى أعطى حبيبه محمد صلّى الله عليه وسلم جميع معجزات الأنبياء أي في نوعها كلها وهو كذلك قال تعالى مجيبا لدعوته «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً» لينة لا تزعج الراكب عليها فتعدمه الراحة إتماما للنعمة فتوصله «حَيْثُ أَصابَ ٣٦» قعد وأراد في الامكنة التي يرومها دون انزعاج «و» سخرنا له أيضا «الشَّياطِينَ» جميعهم ثم خص منهم على طريق البدلية «كُلَّ بَنَّاءٍ» يبتون له ما يشاء من محاريب وقصور «وَ» سخرنا أيضا منهم «كلّ غَوَّاصٍ ٣٧» ماهر في غوص البحار ليخرجوا له الدر واللؤلؤ وغيره «وَآخَرِينَ» من الجن المسخرين تركهم «مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ٣٨» والاغلال بالقيود والجوامع، ومنها الأغلال التي توضع بالأعناق، لان الجوامع لليدين والاغلال لها والرأس ويطلق الغل على العطاء لانه ارتباط للمنعم عليه قال علي كرم الله وجهه من برّك فقد أسرك، ومن جفاك فقد أطلقك، وقال غيره، غل يدا مطلقها وفك رقبة معتقها، قال أبو تمام:
316
وقال المتنبي:
هممي معلقة عليك رقابها مغلولة إن العطاء إسار
وقيدت نفسي في ذراك محبة ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا
إلا أنهم فرقوا بين الفعل فقالوا صفده قيده وأصفده، أعطاه عكس، وعد وأوعد وقد صفد هذه الطائفة بأمر الله درأ لأذاهم الناس لعلمه تعالى أن ذاك ديدنهم قال تعالى «هذا» العطاء العظيم «عَطاؤُنا» أيها الناس فتعرضوا له نصبكم منه «فَامْنُنْ» به يا عبدنا سليمان إلى من شئت وأحسن به على من أردت فهو غير نافد «أَوْ أَمْسِكْ» امنع من شئت منه من لا تريد إعطاءه وارفع رفدك عنه فأنت مخير بذلك مطلق الارادة «بِغَيْرِ حِسابٍ ٣٩» عليك فيما تعطي وتمنع وهذه خصوصية له عليه السلام لانه يؤجر إن أعطى ولا يأثم إذا منع بخلاف غيره «وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا» نحن الإله العظيم المانّ عليه بما ذكر عدا ذلك «لَزُلْفى» قربة وكرامة «وَحُسْنَ مَآبٍ ٤٠» في الآخرة وقد جمع له خيرهما وهو للآخرة أتوق لأنها دار راحة ونعيم دائم وفيها يقول المعري:
متى أنا للدار المريحة ضاعن فقد طال في دار الفناء مقامي
وقد ذقتها ما بين شهد وعلقم وخبرتها من صحة وسقام
وقال أبو العتاهية:
ألم تر ريب الدهر في كل ساعة له عارض فيه المنية تلمع
أيا باني الدنيا لغيرك تبتني ويا جامع الدنيا لغيرك تجمع
أرى المرء وثابا على كل فرحة وللمرء يوما لا محالة مصرع
هذا ومن عرف أن هذا حال الدنيا رغب عنها إلى الآخرة
قال تعالى «وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ» في معرض الأنبياء المبتلين أمثالك يا محمد «إِذْ نادى رَبَّهُ» لما اشتد به البلاء فقال يا رب «أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ» اتعاب كثيرة ومشقات «وَعَذابٍ ٤١» أضربي لا طاقة لي عليه يا رب فأعني فأجابه بقوله جل جلاله «ارْكُضْ» اضرب الأرض «بِرِجْلِكَ» فضربها فنبعت ماء فقال له ربه «هذا» الماء لك منه «مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ٤٢» تشرب منه فاغتسل فذهب
317
ما فيه ظاهرا من آثار المرض، وشرب فذهب ما فيه من آلامه الداخلية «وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ» أي مثل ما فقد له منهم من المال والولد «وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» على سبيل التفضل «رَحْمَةً مِنَّا»
وجزاء لصبره على ابتلائنا وثباته على عبادتنا «وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ٤٣» العقول السليمة والبصائر الحاذقة، ليعلموا أن من صبر على بلائي ولم يضجر وشكر نعمائي ولم يفرح، أعامله معاملة أخصّائي، ثم بين له المخرج من صلفه كما سيأتي في القصة بعد مفصلة في الآية ٨٤ من الأنبياء في ج ٢، وكذلك قصص الأنبياء الآتي ذكرهم فراجعها، ثم قال له «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً» حزمة حشيش صغيرة بملء اليد.
«فَاضْرِبْ بِهِ» امرأتك التي حلفت عليها أن تجلدها «وَلا تَحْنَثْ» بيمينك لأن البرّ به واجب.
مطلب التخفيف وكفارة اليمين بحيلة في محله الملائم:
وقد حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها شكرا لصبرها عليه مدة مرضه الحكم الشرعي اختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده مائة سوط فجمعها بيده وضربه بها ضربة واحدة، فقال مالك والليث بن سعد وأحمد لا يبرّ، وقال مجاهد: هذا خاصّ بأيوب عليه السلام. وقال أبو حنيفة والشافعي: إذا ضربه بها ضربة واحدة فأصابه كل سوط على حدة فقد برّ بيمينه، استدلالا بهذه الآية. وقال ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح إنه يبرّ مطلقا بقطع النظر عن خصوص السبب. وهذا هو الأوفق بالقاعدة وهي العبرة للعام ما لم يقيّد، وهذا إذا استوعبت يد الضارب المائة سوط لا المائة قصلة من الحشيش لأنها خاصة ولا يسقط بها الحنث، ويشترط ان يصيب جسد المضروب كل واحد منها وإلا لا، وسنأتي على بحث كفارة اليمين وما يتعلق بها في الآية ٩٢ من المائدة في ج ٣. قال تعالى مبينا سبب إعطائه ضعفي أهله رماله وولده وتخفيف الكفارة عليه بقوله «إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً» على بلائنا ولم يشك منه ولم يضجر ولم يتوسل بغيرنا على كشفه ولذلك أجبنا دعوته وزدناه على ما طلب لأنه أظهر لعدوه إبليس وللناس أنه يعبدنا لذاتنا لا للمال والولد والأهل وغيرها، وإنما أفتيناه بتخفيف الكفارة لأنه حلف عليها من أجلنا بسبب المحنة
318
التي قدرناها عليه «نِعْمَ الْعَبْدُ» أيوب الصابر الشاكر «إِنَّهُ أَوَّابٌ ٤٤» رجاع إلينا كثير الأيادي على غيرنا «وَاذْكُرْ» يا أكمل الرسل «عِبادَنا» الصابرين الشاكرين أمثال أيوب «إِبْراهِيمَ» إذ امتحناه بإلقائه بالنار واختبرنا وفاءه بالعهد حينما ألقي فيها، إذ جاءه جبريل ليغيثه فقال: إني عاهدت ربي أن لا أسأل غيره. وقد قال له سله ليكشف عنك فقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي «وَإِسْحاقَ» إذ ابتلي بالذبح وهذا على القول بأنه هو الذبيح وليس بشيء كما سنبينه في الآية ٨٨ من يوسف في ج ٢ ولعله ابتلي ببلاء آخر لم نعلمه أو بما كان على أبيه وأخيه إسماعيل عليهم السلام «ويعقوب» إذ ابتلي بفقد ولده وغشاوة بصره من البكاء عليه «أُولِي الْأَيْدِي» القوة العاملة على الطاعة والعبادة والجهاد والصبر على المصائب وعدم الاستعانة بغير الله، وفي هذه الآية تنديد على أولي البطالة والكسالى بأمر الدين والدنيا لأن الله يبغض العبد البطال وكتبت الأيدي بالياء ويجوز حذفها بلا حاذف كياء (يسر) في الآية ٤ من الفجر المارة وقوله «وَالْأَبْصارِ ٤٥» جمع بصيرة لا جمع بصر لأن البصيرة تجمع على أبصار وبصائر والمراد بها هنا والله أعلم القوة العالمية والمعرفة الحاذفة اللتين يصدر عنهما معرفة الله والعلم بخصائص مكوناته فهؤلاء وأمثالهم «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ» لعبادتنا «بِخالِصَةٍ» أي خصلة خالصة لا شوب فيها «ذِكْرَى الدَّارِ ٤٦» الدائمة وهي الآخرة أي اصطفيناهم ليذكروا الناس في الآخرة فيعملوا لها يزهدوهم في الدنيا لئلا يتوغلوا فيها «وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا» بسبب صبرهم وشكرهم وتفاديهم في سبيلنا وقيامهم بأوامرنا «لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ٤٧» المصفّين من الأدناس المختارين من جنسهم «وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ» المبتلين الصابرين أيضا «وكلّ» منهم عندنا «مِنَ الْأَخْيارِ ٤٨» إذ كل منهم امتحن واختبر فرضي وشكر وسنأتي على قصة كل منهم بانفراده عند ذكره إن شاء الله كي لا تتكرر وقد عدد الله تعالى جمعا من رسله المصابين بالبلاء بأجسادهم وأهلهم ومن قومهم تسلية لحضرة محمد صلّى الله عليه وسلم وتشجيعا له على تحمل أذى قومه وجفاهم له والصبر على سوء أخلاقهم معه إرشادا لأن يسلك طريقهم ويقتفي أثرهم ويفكر بما كان على
319
هؤلاء الأبرار من أقوامهم الفجار، وكيفية نصرهم عليهم بالوقت الذي قدره، لا الذي أرادوه، وانه سينصره عليهم بالوقت المقدر لذلك في علمه الأزلي. قال تعالى: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) الآية ٨٥ من مريم الآتية قال تعالى:
«هذا» الذي نتلوه عليك يا محمد «ذِكْرٌ» عظيم شريف جميل يذكر فيه هؤلاء الأنبياء الأبرار مدى الدنيا «وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ» هؤلاء وأمثالهم في الآخرة «لَحُسْنَ مَآبٍ ٤٩» مأوى جليل ومرجع كريم هو «جَنَّاتِ عَدْنٍ» خالدة وحينما يأتونها يرونها «مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ٥٠» حيث تتقدمهم الملائكة فتفتحها لهم زيادة في إكرامهم لا يكلفون فتحها بأيديهم ومفتحة هنا واقعة حالا كالواو في قوله تعالى:
(وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) الآية ٧٣ من الزمر في ج ٢ فإنها واو الحال ولهذا البحث صلة في تفسير هذه الآية، هناك يجلسون في تلك الجنان حالة كونهم
«مُتَّكِئِينَ فِيها» على الأرائك الطرية القوية زيادة في البسط والتنعم «يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ» متنوعة مختلفة بالطعم واللون والشكل والرائحة «وَشَرابٍ ٥١» كثير يحضر لهم معها وحذفت كلمة كثير هنا لدلالة الأولى عليها راجع الآية ١٧ من ق المارة تجد الشاهد والمثل «وَعِنْدَهُمْ» مع ذلك النعيم العظيم بنات أبكار «قاصِراتُ الطَّرْفِ» على كل منهم دون غيره فكل زوجة مقصور نظرها على زوجها فقط، وفي تمام السرور أنهن «أَتْرابٌ ٥٢» متساوين في السن والحسن والخلق والخلق وكل منهم يتحقق أن زوجته لا مثيل لها وكذلك الزوجة «هذا» الذي أعددناه لكم في الدار الآخرة أيها المتقون هو «ما تُوعَدُونَ» به في كتبنا على لسان رسلنا مهيا لكم «لِيَوْمِ الْحِسابِ ٥» والجزاء على الأعمال «إِنَّ هذا» كله وأضعافه معه «لَرِزْقُنا» الذي قدرناه لكم جزاء أعمالكم «ما لَهُ مِنْ نَفادٍ ٥٤» دائم أبدا إذا أخذت منه شيئا صار مثله مكانه لا ينقص أبدا فهو باق كالدار الآخرة باقية لا نفاد لها ولا يتطرق لما فيها تغيير أو تبديل بخلاف ما في الدنيا فإنه معرض لذلك وللفناء مثلها «هذا» الأمر الذي ذكرناه لمن ذكرنا من عبادنا الخاشعين الخاضعين لأوامرنا، وفي هذه الاشارة تنبيه على هول ما قاله تعالى بعدها وهو
«وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ٥٥» مرجع قبيح ومصير مخزي ومأوى مخجل، وهذا بمقابلة ما للمتقين. ثم بين ذلك المآب بقوله: «جهنم» يجوز أن تكون بدلا من المآب أو عطف بيان وهي منصوبة على الذم «يَصْلَوْنَها» يحرقون فيها حرقا فظيعا «فَبِئْسَ الْمِهادُ ٥٦» جهنم المخصوصة بالذم فهي شر الفراش أعاذنا الله منها «هذا» العذاب الأليم «فَلْيَذُوقُوهُ» الطغاة أعداء الله فهو «حَمِيمٌ» ماء شديد الغليان «وَغَسَّاقٌ ٥٧» ماء آخر شديد البرودة يؤذي كالشديد الحرارة، ألم تر أيها القارئ فعل البرد في الزرع كيف يصيره أسود كأنه محروق بالنار لا بالحر الشديد لأنه يسوده بل ييبسه فقط وقد تصيبه سمرة راجع الآية ٥ من الأعلى المارة قال تعالى: «وَآخَرُ» نوع وجنس آخر من العذاب «مِنْ شَكْلِهِ» أي الحميم والغساق «أَزْواجٌ ٥٨» كثيرة وأضعاف متنوعة ثم يقال للقادة والرؤساء إذا أدخلوا النار وجاءت الزبانية بأتباعهم وزجوهم فيها معهم «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» العذاب أيضا كما اقتحموا أسبابه معكم في الدنيا، أي هؤلاء أتباعكم الضلال فيقولون «لا مَرْحَباً بِهِمْ» ضاقت الدار بهم لا وسعت وهذا على ما تعورف عند العرب إذ يقولون للقادم مرحبا أي دارنا رحبة واسعة بمقدمك، وأهلا أي نزلت على أهلك، وسهلا أي ما تطلبه يسر علينا إنفاذه هذا إذا كان خيرا وإذا كان شرا فبالعكس، كما هنا، ويقولون «إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ ٥٩» مثلنا فيردون عليهم بقولهم: «قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ» لأنكم رؤساؤنا بالكفر والشرك والضلال والإضلال لأنكم «أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ» أي العذاب المذكور «لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ ٦٠» الذي أوصلتمونا اليه ثم يبادرون بالدعاء عليهم إذ لم تنفعهم المخاصمة
«قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا» العذاب الأليم أي تسبب به «فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ ٦١» لضلالهم أنفسهم وإضلالهم إيانا «وَقالُوا» أي الرؤساء والقادة الطغاة بعضهم لبعض، الأولون والآخرون، ومنهم بغاة قريش «ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ٦٢» في الدنيا يعنون بذلك أتباع الرسل إذ كانوا يسمونهم في الدنيا أشرارا قال قوم هود لهود عليه السلام (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ ت (٢١)
321
إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) الآية ٢٧ من ج ٢ وقال قوم محمد لمحمد عليه الصلاة والسلام أنؤمن كما آمن السفهاء الآية ١٣ من البقرة حتى ان قريشا لم ترض بمجالسة فقراء المسلمين كما سيأتي في الآية ٥١ من الأنعام والآية ٢٧ من الكهف في ج ٢ وقالوا أيضا «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» بهمزة الاستفهام أسقطت معها همزة الوصل أي ما لهم لم يدخلوا معنا النار وكنا نسخر منهم في الدنيا ولا نرضى مجالستهم، سموهم أشرارا لكونهم على خلاف دينهم، وأراذل لأنهم فقراء «أم» أنهم موجودون ولكن «زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ ٦٣» فلم ترهم لكثرة أهل النار، واعلموا أيها الناس «إِنَّ ذلِكَ» الأخذ والرديين التابعين والمتبوعين «لحق» واقع لأنه «تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ٦٤» في النار كائن لا مرية فيه وهذا التشاحن بين العابدين والمعبودين والضالين والمضلين لا محالة صائر بينهم في بعض مواقف القيامة راجع الآية ٣٥ من المرسلات المارة والآية ٢١ من ابراهيم في ج ٢ والآية ١٦٦ من البقرة في ج ٣ «قُلْ» يا سيد الرسل لمشركي قومك «إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ» لكم من هذا المصير السيء «وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ٦٥» لكل شيء وان ما تزعمونه من الآلهة كلها مخلوقة لله ومقهورة له لا تملك من خلقه شيئا ولا لنفسها نفعا وان إلهي «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ» الغالب الذي لا يمتنع عنه شيء «الْغَفَّارُ ٦٦» لمن رجع اليه نادما من ضلاله وأن عظمت ذنوبه كرما منه لأنه واسع المغفرة. قال الأبوصيري:
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت إن الكبائر في الغفران كاللمم.
أي إذا أراد غفرانها راجع الآية ٥٢ من سورة الزمر في ج ٢ «قُلْ» يا أكمل الرسل لقومك ان هذا الذي أنبأتكم به من حالتي أهل الجنة والنار وكوني رسولا منذرا بأن الإله واحد وأن القرآن منزل من لدنه وأن شركاءكم لا يغنون عنكم من الله شيئا «هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ٦٧» قدره، جليل أمره، ولكنكم «أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ٦٨» مع أنه لا يغفل عنه ويجب الانتباه له والتمسك به وأن الله تعالى أنزله إليّ لأقصه عليكم والا أنا «ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ» أبدا
322
«بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ٦٩» لأني لم اقرأ الكتب القديمة ولا أحسن الكتابة لأنقلها إليكم وأن جميع ما قرأته لكم من الآيات وما سأتلوه عليكم بعد ليس من نفسي «إِنْ يُوحى إِلَيَّ» أي ما علمته إلا بوحي إليّ من الله «إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ» لكم من عذاب الله وبشير لكم بما عنده للمؤمنين «مُبِينٌ» ما يأمرني به ربي وشارح لكم عاقبة أمره معكم وكلما أذكره لكم عن الملأ الأعلى وعن أحوال الدنيا والآخرة ما هو من تلقاء نفسي، إنما هو بوحي منه، وأراد بالملأ الأعلى الملائكة وبالخصومة هو ما وقع بينهم وبين آدم عليه السلام مما قصه قبل وما يقصه بعد من اعتراضهم على خلافته كما سيأتي في الآية ٣٠ من البقرة في ج ٣. قال تعالى.
واذكر يا محمد لقومك «إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ٧١» لا من نور كالملائكة ولا من نار كالجن «فَإِذا سَوَّيْتُهُ» أتممت خلقه كما هو في علمي «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» أضاف الروح لنفسه المنزهة على سبيل التشريف اضافة ملك كبيت الله وناقة الله، والروح جوهر لطيف يسري في بدن الإنسان سريان الضوء في الفضاء، والنار في الفحم، والماء في العود، والشمس في الظل، والرائحه في الماء، أي إذا أفضت عليه ما يحيا به من الروح الطاهرة المقدسة الشريفة التي هي أمري وجعلته حيا حساسا متنفسا «فَقَعُوا لَهُ» حالا بلا توان «ساجِدِينَ» تعظيما له واحتراما لقدرتي حيث خلقته من تراب على غير مثال سابق وجعلته على أحسن صورة، فلما سمعوا ما أمرهم به ربهم أجابوه فورا كما يدل عليه قوله: «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٧٣» لم يتخلف منهم أحد امتثالا لأمره «إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ» على ذلك المخلوق آدم عليه السلام الذي اصطفاه الله واجتباه أن يكون أبا لأكمل الخلائق وأحسنها «وَكانَ» هذا الخبيث بسبب امتناعه عن السجود «مِنَ الْكافِرِينَ ٧٤» الملعونين المطرودين «قالَ» تعالى «يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ» على آدم الذي توليت خلقه بنفسي «أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ٧٥» المتفوقين عليه، والعالون صنف من الملائكة المقربين كحملة العرش والروح، قيل إن هؤلاء لم يؤمروا بالسجود
323
وإنما الأمر صدر من الله تعالى لعوام الملائكة، فظن هذا الخبيث نفسه منهم فلم يسجد مع علمه أنه داخل فيمن أمر بالسجود ولهذا احتج وقال «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ» فلا أسجد لمن هو دوني لانك «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ٧٦» والنار على زعمه أشرف من الطين فيكون على ظنه أنه أفضل منه والفاضل لا يتواضع المفضول عادة ولم يعلم الخبيث خطأ قياسه الذي سنبينه في الآية ١١ من الأعراف الآتية لأن النار مصيرها الرماد ولا ينتفع به والطين أصل كل نام من الحيوان والأشجار، ولا شك أن من الأشجار ما هو مثمر ومن الحيوان الإنسان، وكل منها خير من الرماد وإذا كان للنار خاصة الإحراق والضياء فللطين خواص كثيرة فلو فرض أن رجلا نسيبا مجردا من كل فضيلة وآخر غير نسيب جامع للفضائل كلها فهل يفضل ذلك عليه لمجرد نسبه كلا، وكان على الخبيث أن يمتثل لمجرد الأمر من غير أن ينطرق للسبب وللمسجود له لما هو عليه من معرفة ربه على أن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع قال ابن الوردي:
إنما الورد من الشوك وما ينبت النرجس إلا من بصل
قد يسود المرء من غير أب وبحسن السبك قد ينفى الدغل
لكنه عليه اللعنة لم يكن هذا قصده ومغزاه وإنما أراد التكبر عليه لأنه يقول في نفسه قبل أن يصرح بما انتحله من السبب والعلة أنه لو فرض أنه خلق من النار ما سجدت له لأنه مثلي فكيف وقد خلق من الطين ويريد التفوق علي فإني ان سجدت له صرت دونه ولا أرضى لنفسي الدون. هذا وجاء لفظ أستكبرت بهمزة الاستفهام وأصلها بهمزة الوصل ولكن لما دخلت همزة الاستفهام حذفتها ويجوز بدون الاستفهام لدلالة (أم) التي أتت بعدها عليها «قال» تعالى تنفيذا لما هو في سابق علمه الأزلي أن يكون «فَاخْرُجْ مِنْها» أي الجنة، وإنما رمز إليها بالضمير ولم يسبق لها ذكر لشهرة كونه من سكانها، والمعلوم دائما يرمز إليه بالضمير كما بيناه في أول سورة القدر المارة وزاد في إخسائه بقوله: «فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ٧٧» طريد منها «وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ٧٨» الجزاء والحساب
324
ولا يقال ان غاية هذه اللعنة منتهية إلى يوم القيامة، لأنه إذا كان مطرودا في أوان الرحمة الشاملة للمؤمن والكافر فلأن يكون مطرودا في غير أوانها يوم القيامة من باب أولى لأن الرحمة فيها خاصة بالطائعين وكيف تنقطع وقال تعالى: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الآية ٤٣ من الأعراف الآتية وعلى هذا فإن اللعنة باقية عليه في الدنيا فإذا كان يوم القيامة زيد له عليها من أجناس العذاب ما ينسيه إياها ويكون كأنها انقطعت عنه، والرجيم في الآية الاولى محمول على الطرد من الجنة والمعنى في الآية الثانية محمول عن الطرد من الرحمة فلا تكرار فيهما ولما أيس الخبيث ورأى ان صورته تغيرت عما كانت عليه لظهور آثار غضب الله عليه حيث اسود جسمه وازرقت عيناه بعد أن كان يباهي الملائكة بخلقه وعرف ان لا يبدل قول الله ولا يتغير لفرط حذاقته التي استعملها بالخبث «قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي» أخرني ولا تمتني «إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ٧٩» يعني آدم وذريته، وقد استمهل الملعون ليتمادى في البغي والطغيان وليجد فسحة للاضلال مع علمه ان لا سبيل للبقاء ليأخذ ثأره من آدم وذريتة باغوائهم وعلى زعمه انه بإجابة دعوته ينجو من الموت لأنه لا يكون بعد البعث موت وهو امر معروف عند الملائكة وقد كان معهم كأنه منهم ولشدة مخالفته لهم علموا أنه منهم «قالَ» تعالى: «فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ٨٠» جمع الضمير مع عدم وجود منظر غيره لأن الذين يحضرون القيامة الاولى منظرون إليها بآجالهم فجعله منهم في هذه الحيثية ليس إلا وهذا الانظار
«إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ٨١» للنفخة الأولى الموقت والمقدر لموت كافة الخلق اجمع ولما لم يفز الملعون ببغيته كما أراد صرح لربه عما في ضميره، وهو أعلم به «قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٨٢» آدم وذريته ولما عرف أنه لم يقدر على إغواء الجميع استثنى فقال «إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ٨٣» بفتح اللام اي الذين استخلصتهم لعبادتك وبكسرها أي المخلصين لك منهم، أقسم الخبيث بسلطان الله وقهره على إغواء عامة الخلق اولا، ثم استثنى منهم من لم يقدر على اغوائه والتوصل إليه لا لأجل إخلاصهم، قاتله الله ما ألعنه «قالَ» تعالى «فَالْحَقُّ»
325
أنا الإله القاهر «وَالْحَقَّ أَقُولُ ٨٤» أقسم بذاته جلت وعلت وهذا أعظم قسم به «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ» نفسك وذريتك وجنسك من الشياطين والجن والمردة «مِمَّنْ تَبِعَكَ» في الإغواء والضلالة والغواية والإضلال «مِنْهُمْ» من ذرية آدم الذين أقسمت على إغوائهم «أَجْمَعِينَ ٨٥» توكيد للضميرين في منك ومنهم أي التابعين والمتبوعين. وليعلم القارئ الفطن أن هذه القصة قد تكرر في سور أخرى كثيرة في القسم المكي والمدني ولكن يوجد في بعضها ما لا يوجد في الأخرى للايجاز، وقد يكون فيها لفظان متحدان مآلا، مختلفان لفظا رعاية للتفنن وقد يحمل الاختلاف على تعدد الصدور فيقال إنه أقسم مرة بعزة الله كما هنا وأخرى باغوائه كما في الأعراف الآتية في الآية ٦٧، وقد يحمل الاختلاف على اختلاف المقام كإثبات الفاء هنا في (فانظرني) وتركها في الأعراف وغيرها، فالذي يجب اعتباره هو أصل المعنى ونفس المدلول، وحيث أن مقام الحكاية اقتضى ذلك وهو ملاك الأمر، فلا يخلّ تغير الألفاظ في أصل المعنى كما ترى، وسنأتي على تفصيل القصة في الآية المذكورة من الأعراف إن شاء الله بأوضح من هذا. قال تعالى يا محمد «قُلْ» لقومك ان ما أنذركم به عن الله واجب عليّ حتما تنفيذا لأمر الله به واثبه إليكم مجازا «ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ»
ما أبدا ولا أطلب منكم جعلا البتة «وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ٨٦» المتعصّبين المتحلّين بما ليسوا من أهله، ولا المتخلفين المتقولين من أنفسهم، ولا من المدعين بما ليس عندهم حتى أنتحل لكم وأتقول بالقرآن والادعاء بالنبوة «إِنْ هُوَ» الذي أنذركم به ليس «إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ٨٧» أجمع، أنزله الله عليّ لأذكركم به علّكم تتعظون بأوامره ونواهيه «و» إن لم تفعلوا وعزة ربي وجلاله «لَتَعْلَمُنَّ» يا قومي ويا أيها الناس أجمع «نَبَأَهُ» الصادق وخبره الحق اليقين «بَعْدَ حِينٍ ٨٨» أي مطلق زمن معلوم عند الله لم يظهر لأحد، إلا أن الآية تفيد أن من بقي حيا علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا، ومن يموت علمه بعد موته، والكل يعلمه يوم القيامة حقا، قال الحسن: عند الموت يأتيك الخبر اليقين. أخرج ابن عدي عن ابي برزة
326
قال: قال صلّى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم باهل الجنة، قلنا بلى يا رسول الله، قال: هم الرحماء بينهم، قال ألا أنبئكم بأهل النار، قلنا بلى يا رسول الله قال: هم الآيسون القانطون الكذابون المتكلفون. والمتكلف من ينازل من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم. وروى البخاري ومسلم عن مسروق قال دخلنا على ابن مسعود فقال: يا أيها الناس من علم شيئا فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) الآية المارة، فعلى العاقل ان يتعظ بما تضمنه هذا الخبر الكريم. هذا، وأستغفر الله، والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه واتباعه ومن تبعهم بإحسان أجمعين إلى يوم الدين.
تفسير سورة الأعراف عدد ٣٩- ٧
نزلت بمكة بعد ص، عدا الآيات من ١٦٢ إلى ١٧٠ فإنها نزلت بالمدينة، وهي مائتان وست آيات، وثلاث آلاف وخمس وعشرون كلمة، واربعة عشر الفا وعشرة أحرف، يوجد في القرآن ثلاث عشرة سورة مبدوءة بالحروف المهملة، هذه والبقرة وآل عمران ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة. أما ما بدأ بالحروف المعجمة فقد ذكرنا في سورة نون أنها هي وق، وقد اختلفوا في معانيها على أقوال كثيرة ولا يعلمها على الحقيقة إلا الله لأنها من المتشابه الذي لم يطلع على المراد منه أحد إذ استأثر به نفسه وهي من أسرار القرآن التي يجب الإيمان بها على ظاهرها ويوكل علم ما فيها إلى منزلها. قال علي كرم الله وجهه لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي، ومن معجزات القرآن أنها جمعت في آية واحدة من آل عمران في ج ٣ عدد ١٥٤ وهي (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) إلخ وإن عشر سور أخرى من هذا القبيل مريم والطور والخواتيم، قال أبو بكر: في كل كتاب سر،
327
Icon