تفسير سورة الزمر

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الزمر مكية إلا ثلاث آيات فيها نزلت في وحشي بن زيد وأصحابه بالمدينة وهن قوله تعالى :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى قوله :﴿ وأنتم لا تشعرون ﴾ [ آية : الآيات : ٥٣-٥٤ ] عددها خمس وسبعون آية كوفي

﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ﴾ فى ملكه ﴿ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [آية: ١] فى أمره ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ يقول: لم ننزله باطلاً لغير شىء ﴿ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ ﴾ يقول: فوحد الله ﴿ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِ ﴾ [آية: ٢] يعنى له التوحيد.﴿ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ﴾ يعنى التوحيد وغيره من الأديان ليس بخالص ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ يعنى كفار العرب ﴿ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ فيها إضمار قالوا: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ يعنى الآلهة، نظيرها فى " حم عسق ":﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ﴾[الشورى: ٦]، وذلك أن كفار العرب عبدوا الملائكة، وقالوا: ما نعبدهم ﴿ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ ﴾ يعنى منزلة فيشفعوا لنا إلى الله ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ ﴾ من الدين ﴿ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ لدينه ﴿ مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ ﴾ [آية: ٣].
﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ يعنى عيسى ابن مريم ﴿ لاَّصْطَفَىٰ ﴾ يعنى لاختار ﴿ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ من الملائكة، فإنها أطيب وأطهر من عيسى، كقوله فى الأنبياء﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ﴾[الأنبياء: ١٧] يعنى ولداً، يعنى عيسى﴿ لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ ﴾[الأنبياء: ١٧] يعنى من عندنا من الملائكة، ثم نزه نفسه عما قالوا من البهتان، فقال: ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ﴾ لا شريك له ﴿ ٱلْقَهَّارُ ﴾ [آية: ٤].
ثم عظم نفسه، فقال: ﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ﴾ لم يخلقهما باطلاً لغير شىء ﴿ يُكَوِّرُ ﴾ يعنى يسلط ﴿ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ ﴾ يعنى يسلط النهار ﴿ عَلَى ٱللَّيْلِ ﴾ يعنى انتقاص كل واحد منهما من الآخر ﴿ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ﴾ لبني آدم ﴿ كُـلٌّ يَجْرِي ﴾ يعنى الشمس والقمر ﴿ لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى ﴾ يعنى ليوم القيامة يدل على نفسه بصنعه ليعرف توحيده، ثم قال: ﴿ أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى ملكه ﴿ ٱلْغَفَّارُ ﴾ [آية: ٥] لمن تاب إليه.
﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ يعنى آدم، عليه السلام ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ يعنى حواء ﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ﴾ يعنى وجعل لكم من أمره مثل قوله فى الأعراف:﴿ يَابَنِيۤ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً ﴾[الأعراف: ٢٦] يقول جعلنا، ومثل قوله:﴿ وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ ﴾[الحديد: ٢٥] يقول: وجعلنا الحديد ﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ﴾ يعنى الإبل والبقر والغنم ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ يعنى أصناف، يعنى أربعة ذكور، وأربعة إناث ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ يعنى نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظماً، ثم الروح ﴿ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ﴾ يعنى البطن والرحم والمشيمة التى يكون فيها الولد، ثم قال: ﴿ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ﴾ الذى خلق هذه الأشياء هو ﴿ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ [آية: ٦] يقول: فمن أين تعدلون عنه إلى غيره. يقول لكفار مكة: ﴿ إِن تَكْفُرُواْ ﴾ بتوحيد الله ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾ عن عبادتكم ﴿ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ ﴾ الذين قال عز وجل: عنهم لإبليس:﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾[الحجر: ٤٢].
﴿ وَإِن تَشْكُرُواْ ﴾ يعنى توحدوا الله ﴿ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ يقول: لا تحمل نفس خطيئة أخرى ﴿ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ ﴾ فى الآخرة ﴿ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ٧].
﴿ وَإِذَا مَسَّ ﴾ يعنى أصاب ﴿ ٱلإِنسَانَ ﴾ يعنى أبا حذيفة بن المغيرة بن عبدالله المخزومى ﴿ ضُرٌّ ﴾ يعنى بلاء أو شدة ﴿ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ﴾ يقول: راجعا إلى الله من شركه موحداً يقول: اللهم اكشف ما بى ﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ ﴾ يقول: أعطاه الله الخير ﴿ نَسِيَ ﴾ يعنى ترك ﴿ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ﴾ فى ضره ﴿ وَجَعَلَ ﴾ أبو حذيفة ﴿ لِلَّهِ أَندَاداً ﴾ يعنى شركاء ﴿ لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ يعنى ليستزل عن دين الإسلام ﴿ قُلْ ﴾ لأبى حذيفة ﴿ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً ﴾ فى الدنيا إلى أجلك ﴿ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٨].
ثم ذكر المؤمن، فقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ﴾ يعنى مطيع لله فى صلاته، وهو عمار بن ياسر ﴿ آنَآءَ ٱللَّيْلِ سَاجِداً ﴾ يعنى ساعات الليل ساجداً ﴿ وَقَآئِماً ﴾ فى صلاته ﴿ يَحْذَرُ ﴾ عذاب ﴿ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ يعنى الجنة كمن لا يفعل ذلك ليسا بسواء ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ ﴾ إن ما وعد الله إضمار فى الآخرة من الثواب والعقاب حق، يعنى عمار بن ياسر ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ يعنى أبا حذيفة ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٩] يعنى أهل اللب والعقل، يعنى عمار بن ياسر. ثم قال: ﴿ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾ العمل ﴿ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾ يعنى الجنة ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ يعنى المدينة ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ ﴾ يعنى جزاءهم الجنة وأرزاقهم فيها ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آية: ١٠].
﴿ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾ وذلك أن كفار قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على الذى أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله، وملة جدك عبدالمطلب، وإلى سادة قومك يعبدون اللات والعزى ومناة، فتأخذ به، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾ يعنى أن أوحد الله ﴿ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ ﴾ [آية: ١١] يعنى له التوحيد.﴿ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ١٢] يعنى المخلصين بتوحيد الله عز وجل ﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ﴾ فرجعت إلى ملة آبائى ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٣].
﴿ قُلِ ﴾ لهم يا محمد ﴿ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً ﴾ موحداً ﴿ لَّهُ دِينِي ﴾ [آية: ١٤] ﴿ فَٱعْبُدُواْ ﴾ أنتم ﴿ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ ﴾ من الآلهة ونزل فيهم أيضاً:﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ ﴾[الزمر: ٦٤] ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ ﴾ يعنى غبنوا ﴿ أَنفُسَهُمْ ﴾ فصاروا إلى النار ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ يعنى وخسروا أهليهم من الأزواج والخدم ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ ﴾ يعنى هذا ﴿ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ١٥] يعنى البين حين لم يوحدوا ربهم يعنى وأهليهم فى الدنيا. ثم قال: ﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ ﴾ يعنى أطباق من النار فتلهب عليهم ﴿ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ يعنى مهاداً من نار ﴿ ذَلِكَ ﴾ يقول: هذا الذى ذكر من ظل النار ﴿ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ ﴾ [آية: ١٦] يعنى فوحدون.﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ ﴾ يعنى الأوثان، وهى مؤنثة ﴿ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ يعنى ورجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الله عز وجل، فقال تعالى: ﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾ يعنى الجنة ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ [آية: ١٧] فبشر عبادى بالجنة. ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ يعنى أحسن ما فى القرآن من طاعة الله عز وجل، ولا يتبعون المعاصى مثل قوله: ﴿ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ ﴾ أى من طاعته ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ ﴾ لدينه ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ١٨] يعنى أهل اللب والعقل حين يستمعون فيتبعون أحسنه من أمره ونهيه، يعنى أحسن ما فيه من أمره ونهيه، ولا يتبعون السوء الذى ذكره عن غيرهم.﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ ﴾ يعنى وجب عليه ﴿ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ ﴾ يعنى يوم قال لإبليس:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾[هود: ١١٩].
﴿ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ١٩] ﴿ لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾ وحدوا ﴿ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ ﴾ ثم نعت الغرف، فقال: ﴿ مَّبْنِيَّةٌ ﴾ فيها تقديم ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ﴾ تجرى العيون من تحت الغرف، يعنى أسفل منها ﴿ ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ ﴾ هذا الخير ﴿ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ ﴾ [آية: ٢٠] ما وعدهم.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ ﴾ يعنى فجعله عيوناً وركاياً ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ ﴾ بالماء ﴿ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ ﴾ يعنى يبيس ﴿ فَـتَرَاهُ ﴾ بعد الخضرة ﴿ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً ﴾ يعنى هالكاً، نظيرها:﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾[النمل: ١٨] يعنى لا يهلكنكم سليمان هذا مثل ضربه الله فى الدنيا كمثل النبت، بينما هو أخضر إذ تغير فيبس، ثم هلك، فكذلك تهلك الدنيا بعد بهجتها وزينتها ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ ﴾ يعنى تفكر ﴿ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٢١].
﴿ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾ يقول: أفمن وسع الله قلبه للتوحيد ﴿ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ ﴾ يعنى على هدى ﴿ مِّن رَّبِّهِ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ ﴾ يعنى الجافية ﴿ قُلُوبُهُمْ ﴾ فلم تلن، يعنى أبا جهل ﴿ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى عن توحيد الله ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢٢] يعنى أبا جهل يقول الله تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم: ليس المشرح صدره بتوحيد الله كالقاسى قلبه ليسا بسواء.﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ ﴾ يعنى القرآن ﴿ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾ يشبه بعضه بعضاً ﴿ مَّثَانِيَ ﴾ يعنى يثنى الأمر فى القرآن مرتين أو ثلاثاً، أو أكثر من نحو ذكر الأمم الخالية، ومن نحو ذكر الأنبياء، ومن نحو ذكر آدم، عليه السلام، وإبلس، ومن نحو ذكر الجنة والنار، والبعث والحساب، ومن نحو ذكر النبت والمطر، ومن نحو ذكر العذاب، ومن نحو ذكر موسى وفرعون، ثم قال: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ ﴾ يعنى مما فى القرآن من الوعيد ﴿ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ ﴾ عذاب ﴿ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى إلى الجنة وما فيها من الثواب، ثم قال: ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذى ذكر من القرآن ﴿ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ ﴾ يعنى بالقرآن ﴿ مَن يَشَآءُ ﴾ لدينه ﴿ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن دينه ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [آية: ٢٣] ألى دينه يقول: من أضله الله عن الهدى، فلا أحد يهديه إليه. وقوله تعالى: ﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ﴾ يعنى شدة ﴿ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ يقول: ليس الضال الذى يتقى النار بوجهه كالمهتدى الذى لا تصل النار إلى وجهه، ليس بسواء، يقول الكافر يتقى بوجهه شدة العذاب، وهو فى النار مغلولة يده إلى عنقه، وفى عنقه حجر ضخم مثل الجبل العظيم من كبريت تشتعل النار فى الحجر، وهو معلق فى عنقه، وتشتعل على وجهه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال التى فى يده وعنقه ﴿ وَقِيلَ ﴾ وقالت الخزنة: ﴿ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ ﴾ العذاب بـ ﴿ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٢٤] من الكفر والتكذيب.﴿ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يعنى قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب فى الآخرة بأنه غير نازل بهم ﴿ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٢٥] وهم غافلون عنه.
﴿ فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ ﴾ يعنى العذاب ﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ ﴾ مما أصابهم فى الدنيا ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢٦].
ولكنهم لا يعلمون قوله: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾ يعنى وضعنا ﴿ لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾ من كل شبه ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٧] يعنى كى يؤمنوا به. ثم قال: وصفنا ﴿ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ ليفقهوه ﴿ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ يعنى ليس مختلفاً، ولكنه مستقيم ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٢٨] ﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً ﴾ وذلك أن كفار قريش دعوا النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه وإلى عبادة اللات والعزى ومناة، فضرب لهم مثلاً ولآلهتهم مثلاً الذين يعبدون من دون الله عز وجل، فقال: ﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ ﴾ يعنى مختلفين يملكونه جميعاً، ثم قال: ﴿ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ ﴾ يعنى خالصاً لرجل لا يشركه فيه أحد، يقول: فهل يستويان؟ يقول: هل يستوى من عبد آلهة شتى مختلفة يعنى الكفار والذى يعبد رباً واحداً يعنى المؤمنين؟ فذلك قوله: ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾ فقالوا: لا يعنى هل يستويان فى الشبهن فخصهم النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: قل: ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ﴾ حين خصمهم ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢٩] توحيدهم ربهم. فذلك قوله: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾ [آية: ٣٠] يعنى أهل مكة ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أنت يا محمد وكفار مكة يوم القيامة ﴿ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [آية: ٣١].
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ ﴾ بأن له شريكاً ﴿ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ ﴾ يعنى بالحق وهو التوحيد ﴿ إِذْ جَآءَهُ ﴾ يعنى لما جاءه البيان هذا المكب بالتوحيد ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى ﴾ يعنى مأوى ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٣٢].
﴿ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ ﴾ يعنى بالحق، وهو النبى صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ يعنى بالتوحيد، المؤمنون صدقوا بالذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾ [آية: ٣٣] الشرك من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ ﴾ فى الجنة ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ من الخير يعنى ﴿ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٣٤] يعنى الموحدين ﴿ لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ ﴾ من المساوىء يعنى يمحوها بالتوحيد ﴿ وَيَجْزِيَهُمْ ﴾ بالتوحيد ﴿ أَجْرَهُمْ ﴾ يعنى جزاءهم ﴿ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٣٥] يقول: يجزيهم بالمحاسن ولا يجزيهم بالمساوىء.
﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ ﴾ يعنى أما الله ﴿ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم يكفيه عدوه، ثم قال: ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ ﴾ يعبدون ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ اللات والعزى ومناة، وذلك أن كفار مكة، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن نخاف أن يصيبك من آلهتنا اللات والعزى ومناة جنون أو خبل، قوله: ﴿ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ ﴾ [آية: ٣٦] يهديه للإسلام.﴿ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ ﴾ لدينه ﴿ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ﴾ يقول: لا يستطيع أحد أن يضله ﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ﴾ يعنى بمنيع فى ملكه ﴿ ذِي ٱنتِقَامٍ ﴾ [آية: ٣٧] من عدوه يعنى كفار مكة.﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم: من خلقهما؟ قالوا: الله خلقهما ﴿ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾ قال الله عز وجل لنبيه، عليه السلام: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ ﴾ يعنى تعبدون ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة ﴿ إنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ ﴾ يعنى أصابنى الله ﴿ بِضُرٍّ ﴾ يعنى ببلاء أو شدة ﴿ هَلْ هُنَّ ﴾ يعنى الآلهة ﴿ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ﴾ يقول: هل تقدر الآهلة أن تكشف ما نزل بى من النضر ﴿ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ ﴾ يعنى بخير وعافية ﴿ هَلْ هُنَّ ﴾ يعنى الآلهة ﴿ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ﴾ يقول: هل تقدر الآلهة أن تحبس عنى هذه الرحمة، فسألهم النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا ولم يجيبوه، قال الله عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ﴾ يعنى يثق ﴿ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [آية: ٣٨] يعنى الواثقون.﴿ قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ ﴾ يعنى على جديلتكم التى أنتم عليها ﴿ إِنِّي عَامِلٌ ﴾ على جديلتى التى أمرت بها ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٩] هذا وعيد ﴿ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ﴾ يعنى يهينه فى الدنيا ﴿ وَ ﴾ من ﴿ وَيَحِلُّ ﴾ يعنى يجب ﴿ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [آية: ٤٠] يقول: دائم لا يزول عنه فى الآخرة.
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ ﴾ بالقرآن ﴿ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ ﴾ عن الإيمان بالقرآن ﴿ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ يقول: فضلالته على نفسه، يعنى إثم ضلالته على نفسه ﴿ وَمَآ أَنتَ ﴾ يا محمد ﴿ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ ﴾ [آية: ٤١] يعنى بمسيطر نسختها آية السيف.﴿ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا ﴾ يقول: عند أجلها، يعنى التى قضى الله عليها الموت، فيمسكها على الجسد فى التقديم ﴿ وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا ﴾ فتلك الأخرى التى يرسلها إلى الجسد ﴿ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ لعلامات ﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٤٢] فى أمر البعث.﴿ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ ﴾ نزلت فى كفار مكة زعموا أن للملائكة شفاعة ﴿ قُلْ ﴾ لهم: يا محمد ﴿ أَوَلَوْ ﴾ يعنى إن ﴿ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً ﴾ من الشفاعة ﴿ وَلاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٤٣] أنكم تعبدونهم نظيرها فى الأنعام.﴿ قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ﴾ فجميع من يشفع إنما هو بإذن الله، ثم عظم نفسه، فقال: ﴿ لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ وما بينهما من الملائكة وغيرهم عبيده وفى ملكه ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٤٤].
﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ ﴾ يعنى انقبضت، ويقال: نفرت عن التوحيد ﴿ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى لا يصدقون بالعبث الذى فيه جزاء الأعمال، يعنى كفار مكة ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ ﴾ عبدوا ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ من الآلهة ﴿ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [آية: ٤٥] بذكرها وهذا يوم قرأ النبى صلى الله عليه وسلم سورة النجم بمكة، فقرأ: ﴿ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ ﴾ تلك الغرانيق العلى، عندها شفاعة ترتجى، ففرح كفار مكة حين سمعوا أن لها شفاعة.
﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ ﴾ أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقول: ﴿ فَاطِرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [آية: ٤٦] ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ يعنى لمشركى مكة يوم القيامة ﴿ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ﴾ يعنى من شدة ﴿ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ ﴾ يعنى وظهر لهم حين بعثوا ﴿ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ ﴾ [آية: ٤٧] فى الدنيا أنه نازل بهم فى الآخرة.﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾ يعنى وظهر لهم حين بعثوا فى الآخرة الشرك الذى كانوا عليه حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك لقولهم ذلك فى سورة الأنعام﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾[الآية: ٢٣] ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ يعنى وجب لهم العذاب بتكذيبهم واستهزائهم بالعذاب أنه غير كائن، فذلك قوله: ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ ﴾ بالعذاب ﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٤٨].
﴿ فَإِذَا مَسَّ ﴾ يعنى أصاب ﴿ ٱلإِنسَانَ ﴾ يعنى أبا حذيفة بن المغيرة ﴿ ضُرٌّ ﴾ يعنى بلاء وشدة ﴿ دَعَانَا ﴾ يعنى دعا ربه منيبا يعنى مخلصاً بالتوحيد أن يكشف ما به من الضر ﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا ﴾ يقول: ثم إذا آتيناه، يعنى أعطيناه الخير ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ ﴾ يعنى إنما أعطيت الخير ﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾ عندى يقول: على علم عندى، يقول: على علمه الله منى، يقول الله عز وجل: ﴿ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ﴾ يعنى بل تلك النعمة بلاء ابتلى به ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤٩] ذلك.﴿ قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يقول: قد قالها قارون فى القصص قبل أبى حذيفة:﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ ﴾[الآية: ٧٨] يقول: على خير علمه الله عندى يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ ﴾ من العذاب يعنى الخسف ﴿ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٥٠].
﴿ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ ﴾ يعنى عقوبة ما كسبوا من الشرك ﴿ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [آية: ٥١] يعنى وما هم بسابقى الله عز وجل باعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها، ثم وعظوا ليعتبروا فى توحيده، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ﴾ يعنى يوسع ﴿ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾ يعنى ويقتر على من يشاء ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يعنى لعلامات ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥٢] يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل.﴿ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ نزلت فى مشركى مكة وذلك أن الله عز وجل أنزل فى الفرقان:﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا آخَرَ ﴾[الآية: ٦٨] فقال وحشى، مولى المطعم بن عدى بن نوفل: إنى قد فعلت هذه الخصال فكيف لى بالتوبة فنزل فيه:﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾[الفرقان: ٧٠] فأسلم وحشى، فقال مشركو مكة قد قبل من وحشى توبته، وقد نزل فيه ولم ينزل فينا فنزلت فى مشركى مكة: ﴿ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ يعنى بالإسراف: الشرك والقتل والزنا فلا ذنب أعظم إسرافاً من الشرك ﴿ لاَ تَقْنَطُواْ ﴾ يقول: لا تيأسوا ﴿ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ لأنهم ظنوا ألا توبة لهم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ يعنى الشرك والقتل والزنا الذى ذكر فى سورة الفرقان ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ٥٣] لمن تاب منها ثم دعاهم إلى التوبة. فقال سبحانه: ﴿ وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ ﴾ يقول: وارجعوا من الذنوب إلى الله ﴿ وَأَسْلِمُواْ لَهُ ﴾ يعنى وأخلصوا له بالتوحيد، ثم خوفهم فقال: ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٥٤] يعنى لا تمنعون من العذاب.﴿ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم ﴾ من القرآن ﴿ مِّن رَّبِّكُـمْ ﴾ يعنى ماذكر من الطاعة من الحلال والحرام ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً ﴾ يعنى فجأة ﴿ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٥٥] حين يفجؤكم من قبل ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا ﴾ يعنى يا ندامتا ﴿ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ ﴾ يعنى ما ضيعت ﴿ فِي جَنبِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى فى ذات الله يعنى من ذكر الله ﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ ﴾ [آية: ٥٦] يعنى لمن المستهزئين بالقرآن فى الدنيا.﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٥٧] ﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً ﴾ يعنى رجعة إلى الدنيا ﴿ فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٥٨] يقول: فأكون من الموحدين لله عز وجل يقول الله تبارك وتعالى رد عليه ﴿ بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي ﴾ يعنى آيات القرآن ﴿ فَكَذَّبْتَ بِهَا ﴾ أنها ليست من الله ﴿ وَٱسْتَكْبَرْتَ ﴾ يعنى وتكبرت عن إيمان بها ﴿ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٥٩] ثم أخبرم بما لهم فى الآخرة، فقال سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ بأن معه شريكاً ﴿ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ ﴾ لهذا المكذب بتوحيد الله ﴿ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى ﴾ يعنى مأوى ﴿ لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [آية: ٦٠] عن التوحيد.
﴿ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ﴾ من جنهم ﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ ﴾ يعنى بنجاتهم بأعمالهم الحسنة ﴿ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ ﴾ يقول: لا يصيبهم العذاب ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آية: ٦١] ﴿ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [آية: ٦٢] يقول رب كل شىء من الخلق ﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة ﴿ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى بآيات القرآن ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ ﴾ [آية: ٦٣] فى العقوبة ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ ﴾ [آية: ٦٤] وذلك أن كفار قريش دعوا النبى صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائه فحذر الله عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم أن يتبع دينهم فقال: ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾ من الأنبياء ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ﴾ بعد التوحيد ﴿ لَيَحْبَطَنَّ ﴾ يعنى ليبطلن ﴿ عَمَلُكَ ﴾ الحسن إضمار الذى كان ﴿ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٦٥] فى العقوبة. ثم أخبر بتوحيده، فقال تعالى: ﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ ﴾ يقول: فوحد ﴿ وَكُن ﴾ له ﴿ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ٦٦] فى نعمه فى النبوة والرسالة. قوله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ نزلت فى المشركين، يقول: وما عظموا الله حق عظمته ﴿ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ مطويات يوم القيامة بيمنه فيها تقديم فيهما كلاهما فى يمينه يعنى فى قبضته اليمنى، قال ابن عباس: يقبض على الأرض والسموات جميعاً فما يرى طرفها من قبضته ويده الأخرى يمين ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ نزه نفسه عن شركهم ﴿ وَتَعَالَىٰ ﴾ وارتفع ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٦٧] به.﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ وهو القرن وذلك أن إسرافيل وهو واضع فاه على القرن يشبه البوق ودائرة رأس القرن كعرض السماء والأرض وهوشاخص ببصره نحو العرض، يؤمر فينفخ فى القرن فإذا نفخ فيه: ﴿ فَصَعِقَ ﴾ يعنى فمات ﴿ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾ من شدة الصوت والفزع من فيها من الحيوان، ثم استثنى ﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ يعنى جبريل، وميكائيل، ثم روح جبريل، ثم روح إسرافيل، ثم يأمر ملك الموت، فيموت ثم يدعهم، فيما بلغنا أمواتاً أربعين سنة، ثم يحيى الله عز وجل إسرافيل، فيأمره أن ينفخ الثانية، فذلك قوله: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ﴾ على أرجلهم ﴿ يَنظُرُونَ ﴾ [آية: ٦٨] إلى البعث الذى كذبوا به، فذلك قوله تعالى:﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾[المطففين: ٦] مقدار ثلاث مائة عام ﴿ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾ يعنى بنور ساقة، فذلك قوله تعالى:﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾[القلم: ٤٢] ﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ ﴾ الذى عملوا فى أيديهم ليقرءوه ﴿ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ ﴾ فشهدوا عليهم بالبلاغ ﴿ وَٱلشُّهَدَآءِ ﴾ يعنى الحفظة من الملائكة، فشهدوا عليهم بأعمالهم التى عملوها ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى بالعدل ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٩] فى أعمالهم.﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ بر وفاخجر ﴿ مَّا عَمِلَتْ ﴾ فى الدنيا من خير أو شر ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٧٠] يقول الرب تبارك وتعالى: أعلم بأعمالهم من النبيين والحفظة.
﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ ﴾ بتوحيد الله ﴿ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً ﴾ يعنى أفواجاً من كفار كل أمة على حدة ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا ﴾ يعنى جهنم ﴿ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ يومئذ وكانت مغلقة ونشرت الصحف وكانت مطوية ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ ﴾ يعنى خزنة جهنم ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ يعنى أنفسكم ﴿ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ﴾ يعنى يقرءون عليكم ﴿ آيَاتِ رَبِّكُمْ ﴾ القرآن ﴿ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ﴾ يعنى بالعبث ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ قد فعلوا ﴿ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ ﴾ يعنى وجبت ﴿ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ ﴾ يعنى بالكلمة يوم قال لإبليس:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[ص: ٨٥] ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٧١].
﴿ قِيلَ ﴾ قالت لهم الخزنة: ﴿ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون ﴿ فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ ﴾ [آية: ٧٢] عن التوحيد.
﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً ﴾ يعنى أفواجاً ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ وأبواب الجنة ثمانية مفتحة أبداً ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [آية: ٧٣] لا يموتون فيها. فلما دخلوها ﴿ وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾ يعنى أرض الجنة بأعمالنا ﴿ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ ﴾ يعنى نتنزل منها حيث نشاء رضاهم بمنازلهم منها، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾ [آية: ٧٤] وقال فى هذه السورة ﴿ وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾ يعنى أرض الجنة وقال فى سورة الأنبياء:﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ ﴾[الأنبياء: ١٠٥] يعنى أرض الجنة﴿ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ ﴾[الأنبياء: ١٠٥].
﴿ وَتَرَى ﴾ يا محمد ﴿ ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ ﴾ يعنى تحت العرش ﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ يعنى يذكرونه بأمر ربهم ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٧٥].
وذلك أن الله تبارك وتعالى افتتح الخلق بالحمد، وختم بالحمد، فقال:﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾[الأنعام: ١]، وختم بالحمد حين قال: ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى العدل ﴿ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: ٧٥].
حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: قال الهذيل، حدثنى جرير بن عبدالحميد، عن عطاء بن السائب، عن أبى جبير، فى قوله تعالى:﴿ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا ﴾[الزمر: ٤٢] قال: تقبض أنفس الأموات وترسل أنفس الأحياء إلى أجل مسمى فلا تقبضها:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[الزمر: ٤٢].
Icon