تفسير سورة الزلزلة

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

قال ابن عباس ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾ : أي تحركت من أسفلها ﴿ وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا ﴾ يعني ألقت ما فيها من الموتى، كقوله تعالى :﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الحج : ١ ]، وكقوله :﴿ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾ [ الانشقاق : ٤ ]، وفي الحديث :« تلقى الأرض كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً »، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا ﴾ أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة، وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال، فصارت متحركة مضطربة، قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين، وحينئذٍ استنكر الناس أمرها، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ أي تحدث بما عمل العاملون على ظهرها، عن أبي هريرة قال :« قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية :﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ قال :» أتدرون ما أخبارها؟ « قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :» فإن أخبارها أن تشهد كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها «، وفي » معجم الطبراني «، » تحفظوا من الأرض فإنها أمكم، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلاّ وهي مخبرة « وقوله تعالى :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا ﴾ قال البخاري : أوحى لها، وأوحى إليها، ووحى لها، ووحى إليها، وكذا قال ابن عباس ﴿ أوحى لَهَا ﴾ أي أوحى إاليها، والظاهر أن هذا مضمن بمعنى أذن لها، وقال ابن عباس :﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ قال، قال لها ربها قولي، فقالت؛ وقال مجاهد ﴿ أوحى لَهَا ﴾ أي أمرها، وقال القرظي : أمرها أن تنشق عنهم، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً ﴾ أي يرجعون عن موقف الحساب ﴿ أَشْتَاتاً ﴾ أي أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد، مأمور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار، قال ابن جريج : يتصدعون أشتاتاً فلا يجتمعون آخر ما عليهم، وقال السدي ﴿ أَشْتَاتاً ﴾ فرقاً.
وقوله تعالى :﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي ليجازوا بما عملوا في الدنيا من خير وشر، ولهذا قال :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾. روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :»
الخيل لثلاثة : لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر « الحديث. فسئل رسول الله ﷺ عن الحمر؟ فقال :
2732
« ما أنزل الله فيها شيئاً إلاّ هذه الآية الفاذة الجامعة :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ » وروى الإمام أحمد عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه « أتى النبي ﷺ فقرأ عليه :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ قال : حسبي أن لا أسمع غيرها »، وفي « صحيح البخاري » عن عدي مرفوعاً :« اتقوا النار ولو بشرق تمرة ولو بكلمة طيبة »، وله أيضاً في الصحيح :« لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط » وفي الصحيح أيضاً :« يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة » يعني ظلفها، وفي الحديث الآخر :« ردوا السائل ولو بظلف محرق » وعن عائشة « أن رسول الله ﷺ قال :» يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان « » وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة وقالت : كم فيها من مثقال ذرة، وروى ابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :« لما نزلت ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾ وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد، فبكى حين أنزلت، فقال له رسول الله ﷺ :» ما يبكيك يا أبا بكر «؟ قال يبكيني هذه السورة. فقال له رسول الله ﷺ :» لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم « ».
وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ وذلك لمانزلت هذه الآية :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾ [ الإنسان : ٨ ] كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم، فيستقلون أن يعطوه التمرة الكسرة والجوزة نحو ذلك فيردونه ويقولون : ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان آخرون يرون أنه لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر، فرغبهم في القليل من الخير أن يعلموه فإنه يؤشك أن يكثر، وحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر، فنزلت ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ يعني وزن أصغر ﴿ خَيْراً يَرَهُ ﴾ يعني في كتاب ويسره ذلك قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة وبكل حسنة عشر حسنات، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضاً بكل واحدة عشراً ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات فمن زادت حسناته عن سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود « أن رسول الله ﷺ قال :» إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه « وإن رسول الله ﷺ ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً، وأججوا ناراً، وأنضجوا ما قذفوا فيها ».
2733
Icon