تفسير سورة سورة النحل من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة النحلوهي مكية سوى ثلاث آيات من آخرها، وهي قوله تعالى :( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ( ١ ) إلى آخر السورة، وقيل : إن قوله :( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد فتنوا ) ( ٢ ) الآية مدنية أيضا، وهذه السورة تسمى سورة النعم، وقيل : سورة الآلاء.
١ - النحل: ١٢٦..
٢ - النحل: ١١٠..
٢ - النحل: ١١٠..
ﰡ
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمر الله﴾ أَي: دنا وَقرب، كَالرّجلِ يَقُول لغيره: أَتَاك الْخَبَر، أَو أَتَاك الْغَوْث إِذا دنى مِنْهُ، وَيُقَال: إِن مَعْنَاهُ سَيَأْتِي أَمر الله، وَهَذَا مثل مَا يَقُول الْقَائِل: إِذا أكرمتني أكرمتك أَي: أكرمك. وَاخْتلفُوا فِي معنى قَوْله: ﴿أَمر الله﴾ فالأكثرون على أَن المُرَاد مِنْهُ عُقُوبَته وعذابه للمكذبين الجاحدين.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من أَمر الله هُوَ الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام، ذكره الضَّحَّاك، وَهَذَا قَول ضَعِيف. وَزعم الْكَلْبِيّ وَغَيره أَن المُرَاد مِنْهُ الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿فَلَا تستعجلوه﴾ الاستعجال طلب الشَّيْء قبل حِينه، وَمَعْنَاهُ: لَا تطلبوه قبل وقته، وَرُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: لما نزل قَوْله: ﴿أَتَى أَمر الله﴾ رفع الْكفَّار رُءُوسهم، وظنوا أَنَّهَا قد أَتَت حَقِيقَة، لما قَالَ: ﴿فَلَا تستعجلوه﴾ خفضوا رُءُوسهم. وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمر الله﴾ قَامَ رَسُول الله فَزعًا، فَقَالَ جِبْرِيل: فَلَا تستعجلوه "، قد ذكره مقَاتل فِي تَفْسِيره.
وَقَوله: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ﴾ مَعْنَاهُ: تعاظم بالأوصاف الحميدة عَمَّا يصفه بِهِ (الْمُشْركُونَ).
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من أَمر الله هُوَ الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام، ذكره الضَّحَّاك، وَهَذَا قَول ضَعِيف. وَزعم الْكَلْبِيّ وَغَيره أَن المُرَاد مِنْهُ الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿فَلَا تستعجلوه﴾ الاستعجال طلب الشَّيْء قبل حِينه، وَمَعْنَاهُ: لَا تطلبوه قبل وقته، وَرُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: لما نزل قَوْله: ﴿أَتَى أَمر الله﴾ رفع الْكفَّار رُءُوسهم، وظنوا أَنَّهَا قد أَتَت حَقِيقَة، لما قَالَ: ﴿فَلَا تستعجلوه﴾ خفضوا رُءُوسهم. وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمر الله﴾ قَامَ رَسُول الله فَزعًا، فَقَالَ جِبْرِيل: فَلَا تستعجلوه "، قد ذكره مقَاتل فِي تَفْسِيره.
وَقَوله: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ﴾ مَعْنَاهُ: تعاظم بالأوصاف الحميدة عَمَّا يصفه بِهِ (الْمُشْركُونَ).
قَوْله تَعَالَى: ﴿ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ من أمره﴾ روى
158
﴿من أمره على من يَشَاء من عباده أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون (٢) خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يشركُونَ (٣) خلق الْإِنْسَان من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين (٤) والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلكم﴾ مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: أَن الرّوح خلق من خلق الله تَعَالَى على صور بني آدم، وَلَيْسوا بِالْمَلَائِكَةِ، لَا ينزل الله ملكا إِلَّا وَمَعَهُ روح، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الرّوح هُوَ الْوَحْي؛ لِأَنَّهُ تقع بِهِ حَيَاة الْقُلُوب، كالروح تقع بهَا حَيَاة الْأَبدَان، وَقيل: إِنَّهَا النُّبُوَّة، وَقيل: إِنَّهَا الرَّحْمَة.
وَقَوله: ﴿على من يَشَاء من عباده﴾ يَعْنِي: من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ.
وَقَوله: ﴿أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون﴾ مَعْنَاهُ: مُرُوهُمْ بقول لَا إِلَه إِلَّا الله منذرين ومخوفين لَهُم بِالْعَذَابِ؛ يَقُولُوا أَو لم يَقُولُوا. فَقَوله: ﴿فاتقون﴾ أَي: فخافون.
وَقَوله: ﴿على من يَشَاء من عباده﴾ يَعْنِي: من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ.
وَقَوله: ﴿أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون﴾ مَعْنَاهُ: مُرُوهُمْ بقول لَا إِلَه إِلَّا الله منذرين ومخوفين لَهُم بِالْعَذَابِ؛ يَقُولُوا أَو لم يَقُولُوا. فَقَوله: ﴿فاتقون﴾ أَي: فخافون.
159
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ أَي: لإِظْهَار الْحق. وَقَوله تَعَالَى: ﴿تَعَالَى عَمَّا يشركُونَ﴾ أَي: ارْتَفع عَمَّا يشركُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق الْإِنْسَان من نُطْفَة﴾ يُقَال: إِنَّه نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بن خلف، وَالصَّحِيح أَنَّهَا عَامَّة فِي الْكل. وَقَوله: ﴿من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين﴾ أَي: مخاصم مفصح عَمَّا فِي ضَمِيره بِالْخُصُومَةِ، وَالْخُصُومَة: قد تكون حَسَنَة، وَقد تكون قبيحة؛ فالحسن مِنْهَا مَا كَانَ لإِظْهَار الْحق، والقبيح مَا كَانَ لدفع الْحق، وَمعنى الْآيَة بَيَان الْقُدْرَة، وَهِي أَن الله تَعَالَى خلق النُّطْفَة من كَائِن بِهَذِهِ الْحَالة، وَقيل: إِن المُرَاد من الْآيَة بَيَان النِّعْمَة، وَقيل: إِن المُرَاد من الْآيَة كشف قَبِيح مَا فعلوا من جحدهم نعْمَة الله مَعَ ظُهُورهَا عَلَيْهِم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء﴾ الدفء هُوَ الْحر المعتدل الَّذِي يكون فِي بدن الْإِنْسَان من الدثار. وَأما معنى الْآيَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: الدفء هُوَ اللبَاس، وَقَالَ قَتَادَة: مَا يستدفأ بِهِ من الأصواف والأوبار، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقَالَ بَعضهم: الدفء هُوَ النَّسْل، وَذكر الْآمِدِيّ أَن هَذَا من كَلَام الْعَرَب.
وَقَالَ بَعضهم: الدفء هُوَ النَّسْل، وَذكر الْآمِدِيّ أَن هَذَا من كَلَام الْعَرَب.
159
﴿فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون (٦) وَتحمل أثقالكم إِلَى بلد لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس إِن ربكُم لرءوف رَحِيم (٧) وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير﴾
وَقَوله: ﴿وَمَنَافع﴾ الْمَنَافِع هِيَ الرّكُوب والنتاج، وَسَائِر مَا ينْتَفع بِهِ. وَقَوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ هُوَ التَّنَاوُل من لَحمهَا ولبنها.
وَقَوله: ﴿وَمَنَافع﴾ الْمَنَافِع هِيَ الرّكُوب والنتاج، وَسَائِر مَا ينْتَفع بِهِ. وَقَوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ هُوَ التَّنَاوُل من لَحمهَا ولبنها.
160
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلكم فِيهَا جمال﴾ أَي: زِينَة، قَالَ السّديّ: الْجمال: أَنَّهَا إِذا خرجت ورئيت قيل: هَذِه إبل فلَان.
وَإِنَّمَا خص [بقوله] :﴿حِين تريحون وَحين تسرحون﴾ الرواح فِي الْأَنْعَام هُوَ إِذا جَاءَت من مراعيها إِلَى أفنية ملاكها عشيا، والسراح هُوَ إِذا خرجت من الأفنية إِلَى المراعي بكرَة؛ فَإِن قَالَ قَائِل: لم قدم الرواح، والسراح هُوَ الْمُقدم؟ قُلْنَا: لِأَن الْمَالِك يكون أعجب بهَا إِذا راحت؛ وَلِأَن الْمَنَافِع مِنْهَا إِنَّمَا تُؤْخَذ بعد الرواح.
وَإِنَّمَا خص [بقوله] :﴿حِين تريحون وَحين تسرحون﴾ الرواح فِي الْأَنْعَام هُوَ إِذا جَاءَت من مراعيها إِلَى أفنية ملاكها عشيا، والسراح هُوَ إِذا خرجت من الأفنية إِلَى المراعي بكرَة؛ فَإِن قَالَ قَائِل: لم قدم الرواح، والسراح هُوَ الْمُقدم؟ قُلْنَا: لِأَن الْمَالِك يكون أعجب بهَا إِذا راحت؛ وَلِأَن الْمَنَافِع مِنْهَا إِنَّمَا تُؤْخَذ بعد الرواح.
وَقَوله: ﴿وَتحمل أثقالكم﴾ الثّقل: هُوَ الْمَتَاع الَّذِي يثقل حمله. وَقَوله: ﴿إِلَى بلد لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس﴾ أَي: بِجهْد الْأَنْفس ومشقتها، وَقُرِئَ: " بشق الْأَنْفس ". وَاخْتلفُوا فِي الْبَلَد الْمَذْكُور، قَالَ بَعضهم: هِيَ مَكَّة، وَقَالَ بَعضهم: أَي بلد كَانَ فِي الْعَالم، فَإِن قَالَ قَائِل: أَي مشقة فِي أَن يركب دَابَّة وطية ويسير عَلَيْهَا من بلد إِلَى بلد مَعَ الزَّاد التَّام وَأمن الطَّرِيق؟
وَالْجَوَاب أَن السّفر لَا يَخْلُو عَن مشقة فِي الْجُمْلَة، وَالثَّانِي: أَن معنى الْآيَة لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس، لَوْلَا هَذِه الدَّوَابّ.
وَقَوله: ﴿إِن ربكُم لرءوف رَحِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَالْجَوَاب أَن السّفر لَا يَخْلُو عَن مشقة فِي الْجُمْلَة، وَالثَّانِي: أَن معنى الْآيَة لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس، لَوْلَا هَذِه الدَّوَابّ.
وَقَوله: ﴿إِن ربكُم لرءوف رَحِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير﴾ الْآيَة حُكيَ أَن أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء سُئِلَ: لم سميت الْخَيل خيلا؟ فَلم يذكر شَيْئا، وَكَانَ ثمَّ أَعْرَابِي حَاضرا، فَقَالَ: سميت الْخَيل خيلا لاختيالها.
وَقَوله: ﴿لتركبوها﴾ زعم بَعضهم أَن ركُوب الْحمر الْغرَّة الحسان أبلغ فِي الزِّينَة من الْخَيل وَالْبِغَال؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿لتركبوها وزينة﴾ عقيب ذكر الْحمر، وَهَذَا
وَقَوله: ﴿لتركبوها﴾ زعم بَعضهم أَن ركُوب الْحمر الْغرَّة الحسان أبلغ فِي الزِّينَة من الْخَيل وَالْبِغَال؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿لتركبوها وزينة﴾ عقيب ذكر الْحمر، وَهَذَا
160
﴿لتركبوها وزينة ويخلق مَا لَا تعلمُونَ (٨) ﴾ كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿قَالُوا ادْع لنا رَبك يخرج لنا مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها﴾ دلّ أَن البصل أرذل من هَذِه الْأَشْيَاء حَيْثُ ذكر قَوْله: ﴿أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى﴾ عقيب ذكر البصل، وَقيل: شَرّ الْحمر الْأسود الْقصير.
وَالْأولَى أَن يُقَال: إِن الْجمال فِي الْخَيل أَكثر لِلْحسنِ والعيان؛ وَلِأَن الله تَعَالَى بَدَأَ بهَا بِالذكر.
وَقيل لخَالِد بن صَفْوَان: مَا لَك لَا تركب الْحمر؟ قَالَ: هِيَ بطيئة الْغَوْث كَثِيرَة الروث، إِذا سَار أَبْطَأَ وَإِذا وقف أدلى. ورؤي مرّة على حمَار؛ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: أدب عَلَيْهِ دبيبا، وَألقى عَلَيْهِ حبيبا، ويمنعني أَن أكون جبارا عنيدا.
وَقد ثَبت أَن رَسُول الله ركب الْفرس والبغل وَالْحمار. وَفِي الْآثَار: أَن الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل كَانُوا يركبون الأتن. وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه كره لحم الْخَيل؛ قَالَ: لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿لتركبوها وزينة﴾. وَقد ثَبت بِرِوَايَة جَابر أَن النَّبِي أذن فِي لُحُوم الْخَيل "، وَثَبت أَيْضا عَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق أَنَّهَا قَالَت: " أكلنَا لحم فرس على عهد رَسُول الله " فَالْأولى هُوَ الْإِبَاحَة، وَعَلِيهِ أَكثر أهل الْعلم.
وَقَوله: ﴿ويخلق مَا لَا تعلمُونَ﴾ قيل مَعْنَاهُ: ويخلق مَا لَا يخْطر ببال أحد،
وَالْأولَى أَن يُقَال: إِن الْجمال فِي الْخَيل أَكثر لِلْحسنِ والعيان؛ وَلِأَن الله تَعَالَى بَدَأَ بهَا بِالذكر.
وَقيل لخَالِد بن صَفْوَان: مَا لَك لَا تركب الْحمر؟ قَالَ: هِيَ بطيئة الْغَوْث كَثِيرَة الروث، إِذا سَار أَبْطَأَ وَإِذا وقف أدلى. ورؤي مرّة على حمَار؛ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: أدب عَلَيْهِ دبيبا، وَألقى عَلَيْهِ حبيبا، ويمنعني أَن أكون جبارا عنيدا.
وَقد ثَبت أَن رَسُول الله ركب الْفرس والبغل وَالْحمار. وَفِي الْآثَار: أَن الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل كَانُوا يركبون الأتن. وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه كره لحم الْخَيل؛ قَالَ: لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿لتركبوها وزينة﴾. وَقد ثَبت بِرِوَايَة جَابر أَن النَّبِي أذن فِي لُحُوم الْخَيل "، وَثَبت أَيْضا عَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق أَنَّهَا قَالَت: " أكلنَا لحم فرس على عهد رَسُول الله " فَالْأولى هُوَ الْإِبَاحَة، وَعَلِيهِ أَكثر أهل الْعلم.
وَقَوله: ﴿ويخلق مَا لَا تعلمُونَ﴾ قيل مَعْنَاهُ: ويخلق مَا لَا يخْطر ببال أحد،
161
﴿وعَلى الله قصد السَّبِيل وَمِنْهَا جَائِر وَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أنزل من السَّمَاء مَاء لكم مِنْهُ شراب وَمِنْه شجر فِيهِ تسيمون (١٠) ينْبت لكم بِهِ الزَّرْع وَالزَّيْتُون﴾ وَالْإِنْسَان قل مَا يَخْلُو فِي يَوْم وَلَيْلَة أَن يرى شَيْئا من خلق الله تَعَالَى لم يره من قبل. وروى ابْن السّديّ عَن أَبِيه أَن معنى قَوْله: ﴿ويخلق مَا لَا تعلمُونَ﴾ أَي: السوس فِي النَّبَات والحبوب. وَفِي بعض التفاسير: أَن النَّبِي قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: " إِن لله تَعَالَى أَرضًا بَيْضَاء خلقهَا، ومسافتها قدر مسيرَة الشَّمْس ثَلَاثِينَ لَيْلَة، وَقد ملأها من خلق لم يعصوا الله طرفَة عين؛ فَقيل لَهُ: أهم من بني آدم؟
فَقَالَ: إِنَّهُم لَا يعلمُونَ أَن الله تَعَالَى خلق آدم، فَقيل لَهُ: فَكيف لَا يفتنهم إِبْلِيس؟ قَالَ: إِنَّهُم لَا يعلمُونَ أَن لله فِي خلقه إِبْلِيس " وَهَذَا خبر غَرِيب، وَالله أعلم.
فَقَالَ: إِنَّهُم لَا يعلمُونَ أَن الله تَعَالَى خلق آدم، فَقيل لَهُ: فَكيف لَا يفتنهم إِبْلِيس؟ قَالَ: إِنَّهُم لَا يعلمُونَ أَن لله فِي خلقه إِبْلِيس " وَهَذَا خبر غَرِيب، وَالله أعلم.
162
قَوْله تَعَالَى: ﴿وعَلى الله قصد السَّبِيل﴾ قيل مَعْنَاهُ: وعَلى الله بَيَان الْهدى من الضَّلَالَة، وَقيل: بَيَان الْحق بِالْآيَاتِ والبراهين، وَهَذَا بِحكم الْوَعْد، وَيُقَال: وعَلى الله قصد السَّبِيل أَي: على الله الحكم بِالْعَدْلِ بَين الْخلق.
وَقَوله: ﴿وَمِنْهَا جَائِر﴾ مَعْنَاهُ: وَمن السَّبِيل جَائِر، وَقَرَأَ عَليّ وَابْن مَسْعُود: " ومنكم جَائِر ". أَي: عَادل عَن الْحق، قَالَ الشَّاعِر:
الثقال: البطر.
وَقَوله: ﴿وَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَفِيه رد على الْقَدَرِيَّة.
وَقَوله: ﴿وَمِنْهَا جَائِر﴾ مَعْنَاهُ: وَمن السَّبِيل جَائِر، وَقَرَأَ عَليّ وَابْن مَسْعُود: " ومنكم جَائِر ". أَي: عَادل عَن الْحق، قَالَ الشَّاعِر:
(لما خلطت دماؤنا بدمائهم | وقف الثقال بهَا (وجار) الْعَادِل) |
وَقَوله: ﴿وَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَفِيه رد على الْقَدَرِيَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أنزل من السَّمَاء مَاء لكم مِنْهُ شراب﴾ أَي: لكم مِنْهُ مَا تشربون.
وَقَوله: ﴿وَمِنْه شجر فِيهِ تسيمون﴾ أَي: تسيمون الْمَوَاشِي فِيهَا، والإسامة هِيَ
وَقَوله: ﴿وَمِنْه شجر فِيهِ تسيمون﴾ أَي: تسيمون الْمَوَاشِي فِيهَا، والإسامة هِيَ
162
﴿والنخيل وَالْأَعْنَاب وَمن كل الثمرات إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يتفكرون (١١) وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ (١٢) وَمَا ذَرأ لكم فِي الأَرْض مُخْتَلفا ألوانه إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يذكرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سخر الْبَحْر لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طريا وتستخرجوا مِنْهُ حلية تلبسونها﴾ تخلية الْمَوَاشِي للرعي.
163
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ينْبت لكم بِهِ الزَّرْع وَالزَّيْتُون والنخيل وَالْأَعْنَاب وَمن كل الثمرات إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يتفكرون﴾ الْآيَة. ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ أَي: ذلل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار، وَقيل: سخر ضوء الشَّمْس بِالنَّهَارِ وَنور الْقَمَر بِاللَّيْلِ.
وَقَوله: ﴿والنجوم مسخرات بأَمْره﴾ أَي: مذللات بأَمْره. وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿والنجوم مسخرات بأَمْره﴾ أَي: مذللات بأَمْره. وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
﴿وَمَا ذَرأ لكم فِي الأَرْض﴾ أَي: مَا خلق لكم فِي الأَرْض. وَقَوله: ﴿مُخْتَلفا ألوانه﴾ أَي: صورته وهيئته. وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يذكرُونَ﴾ أَي: يعتبرون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سخر الْبَحْر﴾ أَي: ذلل الْبَحْر ﴿لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طريا﴾ أَي: السّمك. وَقَوله: ﴿وتستخرجوا مِنْهُ حلية تلبسونها﴾ يَعْنِي: دَرأ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ لباسا للتحلي.
وَقَوله: ﴿وَترى الْفلك مواخر فِيهِ﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مواقر - أَي مَمْلُوءَة - وَيُقَال: مواخر أَي: مقبلة مُدبرَة برِيح وَاحِدَة، والمخر هُوَ الشق، والسفينة تمخر المَاء أَي: تشقه، وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا أَرَادَ أحدكُم الْبَوْل فليتمخر الرّيح " أَي:
وَقَوله: ﴿وَترى الْفلك مواخر فِيهِ﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مواقر - أَي مَمْلُوءَة - وَيُقَال: مواخر أَي: مقبلة مُدبرَة برِيح وَاحِدَة، والمخر هُوَ الشق، والسفينة تمخر المَاء أَي: تشقه، وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا أَرَادَ أحدكُم الْبَوْل فليتمخر الرّيح " أَي:
163
﴿وَترى الْفلك مواخر فِيهِ ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون (١٤) وَألقى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم وأنهارا وسبلا لَعَلَّكُمْ تهتدون (١٥) وعلامات وبالنجم هم يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق أَفلا تذكرُونَ (١٧) وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها إِن الله لغَفُور رَحِيم (١٨) وَالله يعلم مَا تسرون وَمَا تعلنون (١٩) وَالَّذين﴾ لينْظر مَوضِع هبوبها فليستدبرها، والمخر: صَوت هبوب الرّيح عِنْد شدتها.
وَقَوله: ﴿ولتبتغوا من فَضله﴾ يَعْنِي: للتِّجَارَة. وَقَوله: ﴿ولعلكم تشكرون﴾ يَعْنِي: إِذا رَأَيْتُمْ صنع الله فِيمَا سخر لكم، وَرُوِيَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كتب إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ يسْأَله عَن الْبَحْر؛ فَقَالَ: خلق عَظِيم يركبه خلق ضَعِيف، دود على عود، لَيْسَ إِلَّا السَّمَاء وَالْمَاء، إِن مَال غرق، وَإِن نجا برق، أَي: دهش وتحير.
وَقَوله: ﴿ولتبتغوا من فَضله﴾ يَعْنِي: للتِّجَارَة. وَقَوله: ﴿ولعلكم تشكرون﴾ يَعْنِي: إِذا رَأَيْتُمْ صنع الله فِيمَا سخر لكم، وَرُوِيَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كتب إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ يسْأَله عَن الْبَحْر؛ فَقَالَ: خلق عَظِيم يركبه خلق ضَعِيف، دود على عود، لَيْسَ إِلَّا السَّمَاء وَالْمَاء، إِن مَال غرق، وَإِن نجا برق، أَي: دهش وتحير.
164
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَألقى فِي الأَرْض رواسي﴾ أَي: جبالا ثوابت، وَفِي الْآثَار: أَن الله تَعَالَى لما خلق الأَرْض كَانَت تكفأ؛ فَقَالَت الْمَلَائِكَة: إِن هَذِه غير مقرة على ظهرهَا أحد؛ فَأَصْبحُوا وَقد خلق الْجبَال فاستقرت وَثبتت.
وَقَوله: ﴿أَن تميد بكم﴾ أَي: أَن تميل بكم. وَقَوله: ﴿وأنهارا وسبلا﴾ يَعْنِي: طرائق. وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تهتدون﴾ أَي: لَعَلَّكُمْ تهتدون بِالطَّرِيقِ وَالْجِبَال.
وَقَوله: ﴿أَن تميد بكم﴾ أَي: أَن تميل بكم. وَقَوله: ﴿وأنهارا وسبلا﴾ يَعْنِي: طرائق. وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تهتدون﴾ أَي: لَعَلَّكُمْ تهتدون بِالطَّرِيقِ وَالْجِبَال.
وَقَوله: ﴿وعلامات﴾ أَي: ودلالات، وَقيل: إِن هَذِه العلامات هِيَ الْجبَال. وَقَوله: ﴿وبالنجم هم يَهْتَدُونَ﴾ قَالَ الْفراء: بالجدي والفرقدين، وَقيل: وبالنجوم هم يَهْتَدُونَ، وَعَن قَتَادَة قَالَ: خلق الله النُّجُوم لثَلَاثَة أَشْيَاء: لزينة السَّمَاء الدُّنْيَا، ولرجم الشَّيَاطِين، وليهتدي بهَا فِي الْبَحْر وَالْبر، فَمن طلب مِنْهَا علما غير هَذَا فقد أَخطَأ، وَهَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة مَذْكُورَة فِي الْقُرْآن.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق﴾ قيل: أَفَمَن ينعم كمن لَا ينعم. وَقَوله: ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ أَي: أَفلا تعتبرون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها﴾ أَي: تُطِيقُوا عدهَا، وَقيل: لَا تُطِيقُوا شكرها. وَقَوله: ﴿إِن الله لغَفُور رَحِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
164
﴿يدعونَ من دون الله لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون (٢٠) أموات غير أَحيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون (٢١) إِلَهكُم إِلَه وَاحِد فَالَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة قُلُوبهم مُنكرَة﴾
165
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالله يعلم مَا تسرون وَمَا تعلنون وَالَّذين يدعونَ من دون الله لَا يخلقون شَيْئا﴾ أَرَادَ بِهِ الْأَصْنَام. وَقَوله: ﴿وهم يخلقون﴾ مَعْنَاهُ: أَن الْمَخْلُوق لَا يكون إِلَهًا.
والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا ) أراد به الأصنام. وقوله :( وهم يخلقون ) معناه : أن المخلوق لا يكون إلها.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أموات غير أَحيَاء﴾ فَإِن قيل: الصَّنَم كَيفَ يكون مَيتا وَلم يكن حَيا قطّ؟ الْجَواب: أَن مَعْنَاهُ: أَنَّهَا كالأموات فِي أَنَّهَا لَا تعقل.
وَقَوله: ﴿غير أَحيَاء﴾ تَأْكِيد للْأولِ. وَقَوله: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون﴾ أَي: مَتى يبعثون؟ فَإِن قيل: هَل للأصنام بعث؟ وَالْجَوَاب: أَنه قد ذكر فِي بعض التفاسير: أَن الْأَصْنَام تبْعَث، وَتجْعَل فِيهَا الْحَيَاة، وتتبرأ من عابديها، وَقد دلّ على هَذَا الْقُرْآن فِي مَوَاضِع، وَقيل فِي معنى الْآيَة: وَمَا تشعر الْأَصْنَام مَتى يبْعَث الْكفَّار؟ وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَن مَعْنَاهَا: وَمَا يشْعر الْكفَّار مَتى يبعثون؟.
وَقَوله: ﴿غير أَحيَاء﴾ تَأْكِيد للْأولِ. وَقَوله: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون﴾ أَي: مَتى يبعثون؟ فَإِن قيل: هَل للأصنام بعث؟ وَالْجَوَاب: أَنه قد ذكر فِي بعض التفاسير: أَن الْأَصْنَام تبْعَث، وَتجْعَل فِيهَا الْحَيَاة، وتتبرأ من عابديها، وَقد دلّ على هَذَا الْقُرْآن فِي مَوَاضِع، وَقيل فِي معنى الْآيَة: وَمَا تشعر الْأَصْنَام مَتى يبْعَث الْكفَّار؟ وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَن مَعْنَاهَا: وَمَا يشْعر الْكفَّار مَتى يبعثون؟.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَهكُم إِلَه وَاحِد فَالَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة قُلُوبهم مُنكرَة﴾ أَي: جاحدة، وَهَذَا دَلِيل على أَن الْعبْرَة بجحد الْقلب وإنكاره.
وَقَوله: ﴿وهم مستكبرون﴾ أَي: متكبرون، وَيُقَال: إِنَّه لَا يُنكر الدّين إِلَّا متكبر.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ﴾ وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة أحد فِي قلبه ذرة من كبر ".
وَقَوله: ﴿وهم مستكبرون﴾ أَي: متكبرون، وَيُقَال: إِنَّه لَا يُنكر الدّين إِلَّا متكبر.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ﴾ وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة أحد فِي قلبه ذرة من كبر ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا جرم﴾ مَعْنَاهُ: حَقًا {أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون إِنَّه
165
﴿وهم مستكبرون (٢٢) لَا جرم أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون إِنَّه لَا يحب المستكبرين (٢٣) وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين (٢٤) ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمن أوزار الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم أَلا سَاءَ مَا يزرون (٢٥) ﴾ لَا يحب المستكبرين) أَي: المتكبرين.
166
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم﴾ مَعْنَاهُ: وَإِذا قيل للْكفَّار الَّذين تقدم ذكرهم: " مَاذَا أنزل ربكُم "؟ مَا الَّذِي أنزل ربكُم؟
وَقَوله: ﴿قَالُوا أساطير الْأَوَّلين﴾ يَعْنِي: أكاذيب الْأَوَّلين، والأساطير وَاحِدهَا أسطورة، وَقيل: أقاصيص الْأَوَّلين.
وَقَوله: ﴿قَالُوا أساطير الْأَوَّلين﴾ يَعْنِي: أكاذيب الْأَوَّلين، والأساطير وَاحِدهَا أسطورة، وَقيل: أقاصيص الْأَوَّلين.
وَقَوله: ﴿وليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة﴾ الأوزار هِيَ الذُّنُوب.
وَقَوله: ﴿كَامِلَة﴾ إِنَّمَا ذكر الْكَمَال؛ لِأَن البلايا والمحن الَّتِي تلحقهم فِي الدُّنْيَا لَا تكفر عَنْهُم شَيْئا، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُونَهُ بنية الْحَسَنَات.
وَقَوله: ﴿وَمن أوزار الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم﴾ وَمن ذنُوب الَّذين يضلونهم، وهم الأتباع.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يحملون أوزار الأتباع، وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى﴾ ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: يحملوا ذنوبهم بِحكم الإغواء وَالدُّعَاء إِلَى الضلال؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَيّمَا دَاع دَعَا إِلَى الْهدى (فَاتبع) ؛ فَلهُ أجره وَأجر من عمل بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء، وَأَيّمَا دَاع دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتبع فَعَلَيهِ وزرها ووزر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من غير أَن ينقص من أوزارهم شَيْء ".
وَقَوله: ﴿كَامِلَة﴾ إِنَّمَا ذكر الْكَمَال؛ لِأَن البلايا والمحن الَّتِي تلحقهم فِي الدُّنْيَا لَا تكفر عَنْهُم شَيْئا، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُونَهُ بنية الْحَسَنَات.
وَقَوله: ﴿وَمن أوزار الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم﴾ وَمن ذنُوب الَّذين يضلونهم، وهم الأتباع.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يحملون أوزار الأتباع، وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى﴾ ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: يحملوا ذنوبهم بِحكم الإغواء وَالدُّعَاء إِلَى الضلال؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَيّمَا دَاع دَعَا إِلَى الْهدى (فَاتبع) ؛ فَلهُ أجره وَأجر من عمل بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء، وَأَيّمَا دَاع دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتبع فَعَلَيهِ وزرها ووزر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من غير أَن ينقص من أوزارهم شَيْء ".
166
﴿قد مكر الَّذين من قبلهم فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم﴾
وَقَوله: ﴿بِغَيْر علم﴾ مَعْنَاهُ: أَنهم رجعُوا إِلَى مَحْض التَّقْلِيد من غير دَلِيل، وَمِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ: أَنهم دعوهم إِلَى الضلال من غير حجَّة. وَقَوله: ﴿أَلا سَاءَ مَا يزرون﴾ مَعْنَاهُ: أَلا بئس مَا يحملون من الذُّنُوب.
وَقَوله: ﴿بِغَيْر علم﴾ مَعْنَاهُ: أَنهم رجعُوا إِلَى مَحْض التَّقْلِيد من غير دَلِيل، وَمِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ: أَنهم دعوهم إِلَى الضلال من غير حجَّة. وَقَوله: ﴿أَلا سَاءَ مَا يزرون﴾ مَعْنَاهُ: أَلا بئس مَا يحملون من الذُّنُوب.
167
قَوْله تَعَالَى: ﴿قد مكر الَّذين من قبلهم﴾ مَعْنَاهُ: قد أشرك الَّذين من قبلهم، وَقيل: الْمَكْر هُوَ التَّدْبِير الْفَاسِد.
وَقَوله: ﴿فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد﴾ وَهَذَا مَذْكُور على طَرِيق التَّمْثِيل، يَعْنِي: قلع الله مَكْرهمْ من أَصله، ورد وبال مَكْرهمْ وضرره عَلَيْهِم، وَإِلَّا فَلَيْسَ ثمَّ بُنيان وَلَا أساس وَلَا سقف.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْآيَة نزلت فِي نمروذ بن كنعان لما بنى الصرح ليصعد إِلَى السَّمَاء، وَفِي الْقِصَّة: أَنه بنى قصرا طوله فِي السَّمَاء فرسخان، وَقيل: كَانَ خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَزِيَادَة شَيْء، وَعرضه ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع؛ فَبعث الله جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَرمى بِرَأْسِهِ فِي الْبَحْر، ثمَّ خرب الْبَاقِي؛ فَسقط عَلَيْهِم وهم تَحْتَهُ، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم﴾ وَهَذَا محكي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -.
فَإِن قيل: قَالَ: ﴿فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم﴾ فأيش معنى قَوْله: ﴿من فَوْقهم﴾ وَقد فهم الْمَعْنى بقوله: ﴿فَخر عَلَيْهِم السّقف﴾ ؟ وَالْجَوَاب: أَن ذَلِك مَذْكُور على طَرِيق التَّأْكِيد مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم﴾، وَمثل قَوْله: ﴿فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم﴾.
جَوَاب آخر ذكره ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره: أَن الْعَرَب تَقول: خر على فلَان بيوته، إِذا سَقَطت، وَإِن لم يكن تحتهَا، فَإِذا قَالَت: خر على فلَان بَيته من فَوْقه يفهم أَنه كَانَ
وَقَوله: ﴿فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد﴾ وَهَذَا مَذْكُور على طَرِيق التَّمْثِيل، يَعْنِي: قلع الله مَكْرهمْ من أَصله، ورد وبال مَكْرهمْ وضرره عَلَيْهِم، وَإِلَّا فَلَيْسَ ثمَّ بُنيان وَلَا أساس وَلَا سقف.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْآيَة نزلت فِي نمروذ بن كنعان لما بنى الصرح ليصعد إِلَى السَّمَاء، وَفِي الْقِصَّة: أَنه بنى قصرا طوله فِي السَّمَاء فرسخان، وَقيل: كَانَ خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَزِيَادَة شَيْء، وَعرضه ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع؛ فَبعث الله جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَرمى بِرَأْسِهِ فِي الْبَحْر، ثمَّ خرب الْبَاقِي؛ فَسقط عَلَيْهِم وهم تَحْتَهُ، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم﴾ وَهَذَا محكي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -.
فَإِن قيل: قَالَ: ﴿فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم﴾ فأيش معنى قَوْله: ﴿من فَوْقهم﴾ وَقد فهم الْمَعْنى بقوله: ﴿فَخر عَلَيْهِم السّقف﴾ ؟ وَالْجَوَاب: أَن ذَلِك مَذْكُور على طَرِيق التَّأْكِيد مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم﴾، وَمثل قَوْله: ﴿فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم﴾.
جَوَاب آخر ذكره ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره: أَن الْعَرَب تَقول: خر على فلَان بيوته، إِذا سَقَطت، وَإِن لم يكن تحتهَا، فَإِذا قَالَت: خر على فلَان بَيته من فَوْقه يفهم أَنه كَانَ
167
﴿وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يخزيهم وَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تشاقون فيهم قَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم إِن الخزي الْيَوْم وَالسوء على الْكَافرين (٢٧) الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم فَألْقوا السّلم مَا كُنَّا نعمل من سوء بلَى إِن﴾ تَحْتَهُ. وَقَوله: ﴿وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ مَعْنَاهُ: من الْجِهَة الَّتِي كَانُوا آمِنين مِنْهَا.
168
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يخزيهم﴾ يَعْنِي: يذلهم ويهينهم فِيهَا. وَقَوله: ﴿وَيَقُول أَيْن شركاءي الَّذين كُنْتُم تشاقون فيهم﴾ أَي: تعادون الْمُؤمنِينَ فيهم.
فَإِن قيل: أَيْن شركائي؟ وَلَيْسَ لله شريك، فَكيف معنى الْآيَة؟ وَالْجَوَاب أَن مَعْنَاهَا: أَيْن شكائي فِي زعمكم؟ ﴿وَمِنْهُم من قَالَ: أَيْن الَّذين كُنْتُم تدعونهم شُرَكَاء؟﴾
وَقَوله: ﴿قَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ﴿إِن الخزي الْيَوْم وَالسوء على الْكَافرين﴾ مَعْنَاهُ: أَن الْعَذَاب الْيَوْم والهوان على الْكَافرين.
فَإِن قيل: أَيْن شركائي؟ وَلَيْسَ لله شريك، فَكيف معنى الْآيَة؟ وَالْجَوَاب أَن مَعْنَاهَا: أَيْن شكائي فِي زعمكم؟ ﴿وَمِنْهُم من قَالَ: أَيْن الَّذين كُنْتُم تدعونهم شُرَكَاء؟﴾
وَقَوله: ﴿قَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ﴿إِن الخزي الْيَوْم وَالسوء على الْكَافرين﴾ مَعْنَاهُ: أَن الْعَذَاب الْيَوْم والهوان على الْكَافرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: هَذِه نزلت فِي قوم أَسْلمُوا بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر النَّبِي لم يهاجروا، ثمَّ إِن الْمُشْركين لما هَاجرُوا إِلَى بدر أخرجوهم مَعَ أنفسهم، فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِي وَقلة من مَعَه ظنُّوا أَنهم يهْلكُوا على أَيدي الْمُشْركين، فَمَكَثُوا مَعَ الْكفَّار فَقتلُوا يَوْمئِذٍ فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم هَذِه الْآيَة: ﴿الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم﴾ مَعْنَاهُ: فِي حَال ظلمهم أنفسهم بتركهم المهاجرة مَعَ النَّبِي وخروجهم مَعَ الْكفَّار.
قَوْله: ﴿فَألْقوا السّلم﴾ أَي: استسلموا وانقادوا لملك الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿مَا كُنَّا نعمل من سوء﴾ أَي: مَا كُنَّا مُشْرِكين. وَقَوله: ﴿بلَى إِن الله عليم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَن الله عليم بأنكم عملتم عمل الْكفَّار - وَعمل الْكفَّار هُوَ ترك المهاجرة وَالْخُرُوج مَعَ الْمُشْركين - وَقد كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام لَا يقبل
قَوْله: ﴿فَألْقوا السّلم﴾ أَي: استسلموا وانقادوا لملك الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿مَا كُنَّا نعمل من سوء﴾ أَي: مَا كُنَّا مُشْرِكين. وَقَوله: ﴿بلَى إِن الله عليم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَن الله عليم بأنكم عملتم عمل الْكفَّار - وَعمل الْكفَّار هُوَ ترك المهاجرة وَالْخُرُوج مَعَ الْمُشْركين - وَقد كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام لَا يقبل
168
﴿الله عليم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (٢٨) فادخلوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا فلبئس مثوى المتكبرين (٢٩) وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا للَّذين أَحْسنُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة ولدار الْآخِرَة خير ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ (٣٠) جنَّات عدن يدْخلُونَهَا تجْرِي﴾ الْإِسْلَام إِلَّا مَعَ الْهِجْرَة، فَهَؤُلَاءِ أَسْلمُوا وَلم يهاجروا، فَلم يقبل إسْلَامهمْ.
169
وَقَوله: ﴿فادخلوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا﴾ أَي: مقيمين دائمين فِيهَا، وَهَا هُنَا إِضْمَار، وَهُوَ أَنه يُقَال لَهُم: ادخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم. وَقَوله: ﴿فلبئس مثوى المتكبرين﴾ يَعْنِي: منزل الْكَافرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم﴾ فَإِن قيل: قد قَالَ من قبل: ﴿وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين﴾ بِالرَّفْع وَقَالَ هَا هُنَا: ﴿مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا﴾ بِالنّصب، فَكيف وَجه الْآيَتَيْنِ؟
وَالْجَوَاب: أَن معنى قَوْله: ﴿أساطير الْأَوَّلين﴾ أَي: الْمنزل أساطير الْأَوَّلين، وَقَوله: ﴿قَالُوا خيرا﴾ مَعْنَاهُ: أنزل رَبنَا خيرا. وَقَوله: ﴿للَّذين أَحْسنُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ إحسانهم هُوَ قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَقَوله: ﴿حَسَنَة﴾ اخْتلف القَوْل فِيهَا:
قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ تَضْعِيف الْأجر إِلَى الْعشْر فَمَا زَاد، وَقَالَ الضَّحَّاك: الْحَسَنَة هُوَ النَّصْر وَالْفَتْح، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الرزق الْحسن، وَقَالَ غَيره: مَا فتح الله على الْمُسلمين من الْبلدَانِ، وأفاء عَلَيْهِم من الْغَنَائِم.
وَقَوله: ﴿ولدار الْآخِرَة خير﴾ مَعْنَاهُ: ولحال دَار الْآخِرَة خير.
وَقَوله: ﴿ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد [مِنْهَا] الْجنَّة، وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: هِيَ الدُّنْيَا، وَالدُّنْيَا دَار الْمُتَّقِينَ، وَمِنْهَا يتزود إِلَى الْآخِرَة، [و] فِيهَا يطْلب رضَا الله تَعَالَى، وَرُوِيَ عَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ إِذا فرق العطايا بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قَالَ: هَذَا لكم فِي الدُّنْيَا وَمَا ادخر الله لكم فِي الْآخِرَة.
وَالْجَوَاب: أَن معنى قَوْله: ﴿أساطير الْأَوَّلين﴾ أَي: الْمنزل أساطير الْأَوَّلين، وَقَوله: ﴿قَالُوا خيرا﴾ مَعْنَاهُ: أنزل رَبنَا خيرا. وَقَوله: ﴿للَّذين أَحْسنُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ إحسانهم هُوَ قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَقَوله: ﴿حَسَنَة﴾ اخْتلف القَوْل فِيهَا:
قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ تَضْعِيف الْأجر إِلَى الْعشْر فَمَا زَاد، وَقَالَ الضَّحَّاك: الْحَسَنَة هُوَ النَّصْر وَالْفَتْح، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الرزق الْحسن، وَقَالَ غَيره: مَا فتح الله على الْمُسلمين من الْبلدَانِ، وأفاء عَلَيْهِم من الْغَنَائِم.
وَقَوله: ﴿ولدار الْآخِرَة خير﴾ مَعْنَاهُ: ولحال دَار الْآخِرَة خير.
وَقَوله: ﴿ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد [مِنْهَا] الْجنَّة، وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: هِيَ الدُّنْيَا، وَالدُّنْيَا دَار الْمُتَّقِينَ، وَمِنْهَا يتزود إِلَى الْآخِرَة، [و] فِيهَا يطْلب رضَا الله تَعَالَى، وَرُوِيَ عَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ إِذا فرق العطايا بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قَالَ: هَذَا لكم فِي الدُّنْيَا وَمَا ادخر الله لكم فِي الْآخِرَة.
169
﴿من تحتهَا الْأَنْهَار لَهُم فِيهَا مَا يشاءون كَذَلِك يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (٣٢) هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي أَمر رَبك كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم وَمَا ظلمهم الله وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ (٣٣) فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا عمِلُوا وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ﴾
170
قَوْله تَعَالَى: ﴿جنَّات عدن يدْخلُونَهَا تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار لَهُم فِيهَا مَا يشاءون كَذَلِك يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ﴾ ظَاهر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين﴾ يَعْنِي: طاهرين زاكين من الشّرك، وَقيل: مَعْنَاهُ: أَن وفاتهم تقع طيبَة سهلة.
قَوْله: ﴿يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم﴾ يُقَال: إِن المُرَاد مِنْهُ تَسْلِيم الْمَلَائِكَة، يبلغون سَلام الله إِلَيْهِم، وَفِي الْأَخْبَار: " أَنهم يَقُولُونَ لكل وَاحِد مِنْهُم: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله ". وَعَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -: أَن الْمَيِّت الْمُؤمن يزف إِلَى الله كَمَا تزف الْعَرُوس. وَقَوله: ﴿ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي: يُقَال لَهُم: ادخُلُوا الْجنَّة بإيمانكم وطاعتكم.
قَوْله: ﴿يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم﴾ يُقَال: إِن المُرَاد مِنْهُ تَسْلِيم الْمَلَائِكَة، يبلغون سَلام الله إِلَيْهِم، وَفِي الْأَخْبَار: " أَنهم يَقُولُونَ لكل وَاحِد مِنْهُم: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله ". وَعَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -: أَن الْمَيِّت الْمُؤمن يزف إِلَى الله كَمَا تزف الْعَرُوس. وَقَوله: ﴿ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي: يُقَال لَهُم: ادخُلُوا الْجنَّة بإيمانكم وطاعتكم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة﴾ مَعْنَاهُ: هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة بِالْمَوْتِ؟ ﴿أَو يَأْتِي أَمر رَبك﴾ الْقِيَامَة.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن أعوان ملك الْمَوْت سِتَّة أَمْلَاك: ثَلَاثَة يقبضون أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ، وَثَلَاثَة يقبضون أَرْوَاح الْكفَّار، وَقيل: هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة بِالْعَذَابِ وَالْقَتْل للْكفَّار، أَو يَأْتِي أَمر رَبك؟ يَعْنِي: الْمَوْت. وَقَوله: ﴿كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم﴾ يَعْنِي: كَذَلِك كفر الَّذِي من قبلهم. وَقَوله: ﴿وَمَا ظلمهم الله وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن أعوان ملك الْمَوْت سِتَّة أَمْلَاك: ثَلَاثَة يقبضون أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ، وَثَلَاثَة يقبضون أَرْوَاح الْكفَّار، وَقيل: هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة بِالْعَذَابِ وَالْقَتْل للْكفَّار، أَو يَأْتِي أَمر رَبك؟ يَعْنِي: الْمَوْت. وَقَوله: ﴿كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم﴾ يَعْنِي: كَذَلِك كفر الَّذِي من قبلهم. وَقَوله: ﴿وَمَا ظلمهم الله وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا عمِلُوا﴾ مَعْنَاهُ: فَأَصَابَهُمْ وبال السَّيِّئَات الَّتِي
170
﴿يستهزءون (٣٤) وَقَالَ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا عَبدنَا من دونه من شَيْء نَحن وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من دونه من شَيْء كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم فَهَل على الرُّسُل إِلَّا﴾ عمِلُوا، وَقيل: جَزَاء السَّيِّئَات الَّتِي عمِلُوا. وَقَوله: ﴿وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون﴾ مَعْنَاهُ: نزل بهم، وأحاط بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون.
171
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا عَبدنَا من دونه من شَيْء نَحن وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من دونه من شَيْء﴾.
وَمعنى التَّحْرِيم الْمَذْكُور فِي الْآيَة هُوَ مَا حرمُوا من الْبحيرَة والوصيلة والسائبة والحام، وَقد احتجت الْقَدَرِيَّة بِهَذِهِ الْآيَة، وَوجه احتجاجهم أَن الْمُشْركين قَالُوا: لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا، [ ﴿وَلَا حرمنا من دونه من شَيْء﴾ ] ثمَّ إِن الله تَعَالَى قَالَ فِي آخر الْآيَة: ﴿كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم﴾ ردا وَإِنْكَارا عَلَيْهِم، فَدلَّ على أَن الله تَعَالَى لَا يَشَاء الْكفْر، وَأَنَّهُمْ فعلوا مَا فعلوا بِغَيْر مَشِيئَة الله.
وَالْجَوَاب عَنهُ: ذكر الزّجاج وَغَيره أَنهم قَالُوا هَذَا القَوْل على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء لَا على طَرِيق التَّحْقِيق، وَلَو قَالُوا على طَرِيق التَّحْقِيق لَكَانَ قَوْلهم مُوَافقا لقَوْل الْمُؤمنِينَ، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة شُعَيْب: ﴿إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد﴾ فَإِنَّهُم قَالُوا هَذَا على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء لَا على طَرِيق التَّحْقِيق، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة يس، ﴿وَإِذا قيل لَهُم أَنْفقُوا مِمَّا رزقكم الله قَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ﴾ وَهَذَا إِنَّمَا قَالُوهُ على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء؛ لِأَنَّهُ فِي نَفسه قَول حق يُوَافق قَول الْمُؤمنِينَ، كَذَلِك هَاهُنَا قَالُوا مَا قَالُوا على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء؛ فَلهَذَا أنكر الله تَعَالَى عَلَيْهِم، ورد قَوْلهم، وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد من هَذَا مَا ذكر من بعد وسنبين.
وَقَوله: ﴿فَهَل على الرُّسُل إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين﴾ يَعْنِي: لَيْسَ إِلَيْهِم الْهِدَايَة والإضلال، وَإِنَّمَا عَلَيْهِم التَّبْلِيغ.
وَمعنى التَّحْرِيم الْمَذْكُور فِي الْآيَة هُوَ مَا حرمُوا من الْبحيرَة والوصيلة والسائبة والحام، وَقد احتجت الْقَدَرِيَّة بِهَذِهِ الْآيَة، وَوجه احتجاجهم أَن الْمُشْركين قَالُوا: لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا، [ ﴿وَلَا حرمنا من دونه من شَيْء﴾ ] ثمَّ إِن الله تَعَالَى قَالَ فِي آخر الْآيَة: ﴿كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم﴾ ردا وَإِنْكَارا عَلَيْهِم، فَدلَّ على أَن الله تَعَالَى لَا يَشَاء الْكفْر، وَأَنَّهُمْ فعلوا مَا فعلوا بِغَيْر مَشِيئَة الله.
وَالْجَوَاب عَنهُ: ذكر الزّجاج وَغَيره أَنهم قَالُوا هَذَا القَوْل على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء لَا على طَرِيق التَّحْقِيق، وَلَو قَالُوا على طَرِيق التَّحْقِيق لَكَانَ قَوْلهم مُوَافقا لقَوْل الْمُؤمنِينَ، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة شُعَيْب: ﴿إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد﴾ فَإِنَّهُم قَالُوا هَذَا على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء لَا على طَرِيق التَّحْقِيق، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة يس، ﴿وَإِذا قيل لَهُم أَنْفقُوا مِمَّا رزقكم الله قَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ﴾ وَهَذَا إِنَّمَا قَالُوهُ على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء؛ لِأَنَّهُ فِي نَفسه قَول حق يُوَافق قَول الْمُؤمنِينَ، كَذَلِك هَاهُنَا قَالُوا مَا قَالُوا على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء؛ فَلهَذَا أنكر الله تَعَالَى عَلَيْهِم، ورد قَوْلهم، وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد من هَذَا مَا ذكر من بعد وسنبين.
وَقَوله: ﴿فَهَل على الرُّسُل إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين﴾ يَعْنِي: لَيْسَ إِلَيْهِم الْهِدَايَة والإضلال، وَإِنَّمَا عَلَيْهِم التَّبْلِيغ.
171
﴿الْبَلَاغ الْمُبين (٣٥) وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة فسيروا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين (٣٦) إِن تحرص على هدَاهُم فَإِن الله لَا يهدي من يضل وَمَا لَهُم من ناصرين (٣٧) وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت بلَى وَعدا عَلَيْهِ﴾
172
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت﴾ أَي: وحدوا الله وَاجْتَنبُوا الْأَصْنَام. وَقَوله: ﴿فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة﴾ مَعْنَاهُ: فَمنهمْ من هداه الله للْإيمَان، وَمِنْهُم من وَجَبت عَلَيْهِ الضَّلَالَة، وَتَركه فِي الْكفْر بِالْقضَاءِ السَّابِق، فَهَذِهِ الْآيَة تبين أَن من آمن بِمَشِيئَة الله، وَأَن من كفر، كفر بِمَشِيئَة الله.
وَقَوله: ﴿فسيروا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين﴾ مَعْنَاهُ: مآل أَمر المكذبين ومرجعهم.
وَقَوله: ﴿فسيروا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين﴾ مَعْنَاهُ: مآل أَمر المكذبين ومرجعهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن تحرص على هدَاهُم﴾ الْحِرْص: طلب الشَّيْء بالجد وَالِاجْتِهَاد: وَقَوله: ﴿فَإِن الله لَا يهدي من يضل﴾ قَرَأَ بقراءتين: قَرَأَ أهل الْكُوفَة: " لَا يهدي من يضل " بِفَتْح الْيَاء الأولى وَضم الثَّانِيَة، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " لَا يهدي من يضل " بِضَم اليائين، أما الْقِرَاءَة الأولى فَمَعْنَاه: لَا يهدي الله من أضلّهُ، وَأما الْقِرَاءَة الثَّانِيَة فَمَعْنَاه: فَإِن من يضله الله لَا يهدى، وَقيل: لَا يقدر أحد على هدايته، قَالُوا: وَهَذَا أولى الْقِرَاءَتَيْن. وَقَوله: ﴿وَمَا لَهُم من ناصرين﴾ أَي: مانعين من الْعَذَاب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم﴾ جهد الْيَمين هُوَ أَن يحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيره. وَقَوله: ﴿لَا يبْعَث الله من يَمُوت﴾ هَذَا دَلِيل على أَنهم كَانُوا مستبصرين فِي كفرهم.
وَقَوله: ﴿بلَى وَعدا عَلَيْهِ حَقًا﴾ مَعْنَاهُ: لَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالُوا، وَلَكِن الله يَبْعَثهُم، ثمَّ قَالَ: ﴿وَعدا عَلَيْهِ حَقًا﴾ أَي: وَاجِبا.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ﴾ يَعْنِي: أَن وعد الله حق؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُعلمهُ
وَقَوله: ﴿بلَى وَعدا عَلَيْهِ حَقًا﴾ مَعْنَاهُ: لَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالُوا، وَلَكِن الله يَبْعَثهُم، ثمَّ قَالَ: ﴿وَعدا عَلَيْهِ حَقًا﴾ أَي: وَاجِبا.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ﴾ يَعْنِي: أَن وعد الله حق؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُعلمهُ
172
﴿حَقًا وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ (٣٨) ليبين لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وليعلم الَّذين كفرُوا أَنهم كَانُوا كاذبين (٣٩) إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه أَن نقُول لَهُ كن فَيكون (٤٠) وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا لنبوئنهم فِي الدُّنْيَا حَسَنَة ولأجر الْآخِرَة﴾ الْمُؤْمِنُونَ دون الْكفَّار.
173
قَوْله تَعَالَى: ﴿ليبين لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ يَعْنِي: ليظْهر لَهُم الْحق فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وَقَوله: ﴿وليعلم الَّذين كفرُوا أَنهم كَانُوا كاذبين﴾ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه﴾ فَإِن قيل: قد قُلْتُمْ بِأَن الْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْء، وَقد جعل الله هَاهُنَا الْمَعْدُوم شَيْئا حَيْثُ قَالَ: ﴿إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه﴾ وَمَعْنَاهُ: أردنَا تكوينه.
وَالْجَوَاب: أَن الْأَشْيَاء الَّتِي قدر الله كَونهَا هِيَ فِي علم الله كالكائنة (الْقَائِمَة) ؛ فاستقام قَوْله: ﴿إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه﴾ وَقيل: إِن هَذَا على طَرِيق الْمجَاز، وَمَعْنَاهُ: إِنَّمَا يكون شَيْئا إِذا أردنَا تكوينه.
وَقَوله: ﴿أَن نقُول لَهُ﴾ مَعْنَاهُ: أَن نقُول لأَجله: ﴿كن فَيكون﴾ أَي: كن فَكَانَ، وقرىء بقرائتين. " فَيكون " بِالنّصب، " وَيكون " بِالرَّفْع.
أما بِالرَّفْع مَعْنَاهُ: فَهُوَ يكون، وَأما بِالنّصب فَهُوَ منسوق على قَوْله: ﴿أَن نقُول﴾ وَذَلِكَ يَقْتَضِي النصب.
وَالْجَوَاب: أَن الْأَشْيَاء الَّتِي قدر الله كَونهَا هِيَ فِي علم الله كالكائنة (الْقَائِمَة) ؛ فاستقام قَوْله: ﴿إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه﴾ وَقيل: إِن هَذَا على طَرِيق الْمجَاز، وَمَعْنَاهُ: إِنَّمَا يكون شَيْئا إِذا أردنَا تكوينه.
وَقَوله: ﴿أَن نقُول لَهُ﴾ مَعْنَاهُ: أَن نقُول لأَجله: ﴿كن فَيكون﴾ أَي: كن فَكَانَ، وقرىء بقرائتين. " فَيكون " بِالنّصب، " وَيكون " بِالرَّفْع.
أما بِالرَّفْع مَعْنَاهُ: فَهُوَ يكون، وَأما بِالنّصب فَهُوَ منسوق على قَوْله: ﴿أَن نقُول﴾ وَذَلِكَ يَقْتَضِي النصب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: نزلت الْآيَة فِي عمار، وبلال، وصهيب بن سِنَان، وخباب بن الْأَرَت، وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة. وَقَوله: ﴿من بعد مَا ظلمُوا﴾ يَعْنِي: من بعد مَا عذبُوا وأوذوا.
وَقَوله: ﴿لنبوئنهم فِي الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ وَالْحسن: هِيَ الْمَدِينَة، وَيُقَال: هِيَ قدم الصدْق، وَقيل: التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة.
وَقَوله: ﴿لنبوئنهم فِي الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ وَالْحسن: هِيَ الْمَدِينَة، وَيُقَال: هِيَ قدم الصدْق، وَقيل: التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة.
173
﴿أكبر لَو كَانُوا يعلمُونَ (٤١) الَّذين صَبَرُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ والزبر وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم ولعلهم يتفكرون (٤٤) أفأمن﴾
وَقَوله: ﴿ولأجر الْآخِرَة أكبر لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ أَي: أعظم لَو كَانُوا يعلمُونَ. وَقَوله: ﴿لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ منصرف إِلَى الْمُشْركين دون هَؤُلَاءِ النَّفر، فَإِنَّهُم كَانُوا يعلمُونَ أَن أجر الْآخِرَة أكبر.
وَقَوله: ﴿ولأجر الْآخِرَة أكبر لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ أَي: أعظم لَو كَانُوا يعلمُونَ. وَقَوله: ﴿لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ منصرف إِلَى الْمُشْركين دون هَؤُلَاءِ النَّفر، فَإِنَّهُم كَانُوا يعلمُونَ أَن أجر الْآخِرَة أكبر.
174
وَقَوله: ﴿الَّذين صَبَرُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَهِي نازلة فِي هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم﴾ مَعْنَاهُ: إِلَّا رجَالًا من الْبشر نوحي إِلَيْهِم، فَإِن الْمُشْركين كَانُوا يُنكرُونَ إرْسَال الْآدَمِيّين، وَيطْلبُونَ إرْسَال الْمَلَائِكَة على مَا ذكر الله تَعَالَى ذَلِك فِي غير مَوضِع. وَقَوله: ﴿فاسألوا أهل الذّكر﴾ يَعْنِي: مؤمني أهل الْكتاب، وَقيل: حَملَة أهل الْكِتَابَيْنِ، فَإِنَّهُم كَانُوا لَا يُنكرُونَ هَذَا. وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ والزبر﴾ اخْتلفُوا فِي أَن قَوْله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ والزبر﴾ إِلَى مَاذَا يرجع؟
قَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ: وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا بِالْبَيِّنَاتِ والزبر، وَمِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ: وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم بِالْبَيِّنَاتِ والزبر. ثمَّ قَالَ: ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾.
قَوْله: ﴿وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم﴾. وَقد كَانَ الرَّسُول مُبينًا للوحي، وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِن بَيَان الْكتاب فِي السّنة. وَقَوله: ﴿ولعلهم يتفكرون﴾ يَعْنِي: يتدبرون ويعتبرون.
قَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ: وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا بِالْبَيِّنَاتِ والزبر، وَمِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ: وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم بِالْبَيِّنَاتِ والزبر. ثمَّ قَالَ: ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾.
قَوْله: ﴿وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم﴾. وَقد كَانَ الرَّسُول مُبينًا للوحي، وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِن بَيَان الْكتاب فِي السّنة. وَقَوله: ﴿ولعلهم يتفكرون﴾ يَعْنِي: يتدبرون ويعتبرون.
قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات أَن يخسف الله بهم الأَرْض﴾ " مكروا السَّيِّئَات " يَعْنِي: فعلوا السَّيِّئَات، وَذَلِكَ جحدهم التَّوْحِيد وعبادتهم غير الله، وعملهم بِالْمَعَاصِي، وَقد قَالُوا: إِن الْمَكْر فِي هَذَا الْمَوْضُوع هُوَ السَّعْي بِالْفَسَادِ، وَمَا قُلْنَاهُ أفسد الْفساد.
174
﴿الَّذين مكروا السَّيِّئَات أَن يخسف الله بهم الأَرْض أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم فَمَا هم بمعجزين (٤٦) أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف﴾
وَقَوله: ﴿أَن يخسف الله بهم الأَرْض﴾ الْخَسْف مَعْلُوم الْمَعْنى، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " بَيْنَمَا رجل يتبختر فِي حلَّة لَهُ فَخسفَ بِهِ الأَرْض، فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَحكى النقاش عَن بعض أهل الْعلم مُسْندًا: أَن قوما تدافعوا الْإِمَامَة بعد مَا أُقِيمَت الصَّلَاة فَخسفَ الله بهم الأَرْض.
وَفِي بعض المسانيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " يفتح للنَّاس مَعْدن، ويبدو من الذَّهَب أَمْثَال البخت؛ فيميل النَّاس إِلَيْهِ فيخسف الله بهم وبالمعدن، فهم يتجلجلون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَقَوله: ﴿أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ.
وَقَوله: ﴿أَن يخسف الله بهم الأَرْض﴾ الْخَسْف مَعْلُوم الْمَعْنى، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " بَيْنَمَا رجل يتبختر فِي حلَّة لَهُ فَخسفَ بِهِ الأَرْض، فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَحكى النقاش عَن بعض أهل الْعلم مُسْندًا: أَن قوما تدافعوا الْإِمَامَة بعد مَا أُقِيمَت الصَّلَاة فَخسفَ الله بهم الأَرْض.
وَفِي بعض المسانيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " يفتح للنَّاس مَعْدن، ويبدو من الذَّهَب أَمْثَال البخت؛ فيميل النَّاس إِلَيْهِ فيخسف الله بهم وبالمعدن، فهم يتجلجلون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَقَوله: ﴿أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ.
175
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم﴾ قَالَ ابْن جريج: فِي إقبالهم وإدبارهم، وَقيل: فِي ليلهم ونهارهم، وَقيل: فِي أسفارهم. وَقَوله: ﴿فَمَا هم بمعجزين﴾ أَي: بفائتين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: على تنقص، وَمعنى التنقص فِي هَذَا الْموضع أَنه يَأْخُذهُمْ الأول فَالْأول حَتَّى يُهْلِكهُمْ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى التخوف هُوَ أَن يَأْخُذ قوما وَلَا يَأْخُذ آخَرين، وتخوفهم بِأخذ هَؤُلَاءِ، قَول الْحسن وَالضَّحَّاك.
وَالْقَوْل الثَّالِث: حكى عَن اللَّيْث بن سعد أَنه قَالَ: سَمِعت أَنه على عجل.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى التخوف هُوَ أَن يَأْخُذ قوما وَلَا يَأْخُذ آخَرين، وتخوفهم بِأخذ هَؤُلَاءِ، قَول الْحسن وَالضَّحَّاك.
وَالْقَوْل الثَّالِث: حكى عَن اللَّيْث بن سعد أَنه قَالَ: سَمِعت أَنه على عجل.
175
﴿فَإِن ربكُم لرءوف رَحِيم (٤٧) أولم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل سجدا لله﴾
وَقَوله: ﴿فَإِن ربكُم لرءوف رَحِيم﴾ رَحمته للْكفَّار هِيَ إمهالهم فِي الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿فَإِن ربكُم لرءوف رَحِيم﴾ رَحمته للْكفَّار هِيَ إمهالهم فِي الْعَذَاب.
176
قَوْله تَعَالَى: (أولم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله) يتَحَوَّل ظلاله، وَأما الْفرق بَين الْفَيْء والظل: فَيُقَال: إِن الظل بِالْغَدَاةِ، والفيء بالْعَشي، وَيُقَال: إِن مَعْنَاهُمَا وَاحِد.
وَقَوله: ﴿عَن الْيَمين﴾ أَي: عَن الْأَيْمَان؛ لِأَنَّهُ قد قَالَ عَقِيبه: ﴿وَالشَّمَائِل﴾ والظل دائر من جَوَانِب الْإِنْسَان، فَمرَّة يكون عَن يَمِينه، وَمرَّة يكون عَن شِمَاله، وَمرَّة يكون قدامه، وَمرَّة يكون خَلفه.
وَقَوله: ﴿سجدا لله﴾ أَكثر السّلف أَن السُّجُود هَاهُنَا: هُوَ الطَّاعَة لله، وَأَن كل الْأَشْيَاء سَاجِدَة لله مطيعة من حَيَوَان وجماد، وَهَذَا محكي عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ الْحسن: يَا ابْن آدم، ظلك يسْجد لله تَعَالَى، وَأَنت لَا تسْجد، فبئس مَا صنعت.
وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِرِوَايَة ابْن عمر عَن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي قَالَ: أَربع بعد الزَّوَال قبل الظّهْر يعدلن مِثْلهنَّ من السحر، وَمَا من شَيْء إِلَّا وَيسْجد لله فِي تِلْكَ السَّاعَة، ثمَّ تَلا قَوْله تَعَالَى: ﴿أولم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله﴾ الْآيَة.
قَالَ الضَّحَّاك: المُرَاد من سُجُود الظلال سُجُود الْأَشْخَاص، وَذكر بَعضهم أَن معنى قَوْله: ﴿سجدا لله﴾ أَي: خاضعة ذليلة خادمة فِيمَا أُرِيد لَهَا بِأَصْل الْخلقَة، والأشياء.
وَقَوله: ﴿عَن الْيَمين﴾ أَي: عَن الْأَيْمَان؛ لِأَنَّهُ قد قَالَ عَقِيبه: ﴿وَالشَّمَائِل﴾ والظل دائر من جَوَانِب الْإِنْسَان، فَمرَّة يكون عَن يَمِينه، وَمرَّة يكون عَن شِمَاله، وَمرَّة يكون قدامه، وَمرَّة يكون خَلفه.
وَقَوله: ﴿سجدا لله﴾ أَكثر السّلف أَن السُّجُود هَاهُنَا: هُوَ الطَّاعَة لله، وَأَن كل الْأَشْيَاء سَاجِدَة لله مطيعة من حَيَوَان وجماد، وَهَذَا محكي عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ الْحسن: يَا ابْن آدم، ظلك يسْجد لله تَعَالَى، وَأَنت لَا تسْجد، فبئس مَا صنعت.
وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِرِوَايَة ابْن عمر عَن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي قَالَ: أَربع بعد الزَّوَال قبل الظّهْر يعدلن مِثْلهنَّ من السحر، وَمَا من شَيْء إِلَّا وَيسْجد لله فِي تِلْكَ السَّاعَة، ثمَّ تَلا قَوْله تَعَالَى: ﴿أولم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله﴾ الْآيَة.
قَالَ الضَّحَّاك: المُرَاد من سُجُود الظلال سُجُود الْأَشْخَاص، وَذكر بَعضهم أَن معنى قَوْله: ﴿سجدا لله﴾ أَي: خاضعة ذليلة خادمة فِيمَا أُرِيد لَهَا بِأَصْل الْخلقَة، والأشياء.
176
﴿وهم داخرون (٤٨) وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة وَالْمَلَائِكَة وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم ويفعلون مَا يؤمرون (٥٠) وَقَالَ الله﴾ كلهَا مجبولة على مَا أُرِيد لَهَا فِي أصل الْخلقَة.
وَذكر بَعضهم: أَنه إِنَّمَا أضَاف السُّجُود إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء؛ لِأَنَّهَا تَدْعُو إِلَى السُّجُود، فَكَأَنَّهَا فِي أَنْفسهَا سَاجِدَة، وَالأَصَح هُوَ القَوْل الأول ثمَّ الثَّانِي.
وَقَوله: ﴿وهم داخرون﴾ أَي: صاغرون.
وَذكر بَعضهم: أَنه إِنَّمَا أضَاف السُّجُود إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء؛ لِأَنَّهَا تَدْعُو إِلَى السُّجُود، فَكَأَنَّهَا فِي أَنْفسهَا سَاجِدَة، وَالأَصَح هُوَ القَوْل الأول ثمَّ الثَّانِي.
وَقَوله: ﴿وهم داخرون﴾ أَي: صاغرون.
177
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة﴾ المُرَاد من الدَّابَّة هَاهُنَا قَالُوا: هِيَ الْحَيَوَان؛ لِأَن الْحَيَوَان من شَأْنه الدبيب، وَيُقَال: وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَوَات من الْمَلَائِكَة، وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا الْمَعْنى، وَقد قَالَ بعده: ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ ؟
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه خصهم بِالذكر تَشْرِيفًا لَهُم.
وَالْآخر: أَن المُرَاد من الْمَلَائِكَة الْمَذْكُورين أخيرا هم مَلَائِكَة الله فِي الأَرْض، يعْبدُونَ الله تَعَالَى ويسبحونه. وَقَوله: ﴿وهم لَا يستكبرن﴾ الاستكبار: طلب الْكبر بترك الإذعان للحق.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا الْمَعْنى، وَقد قَالَ بعده: ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ ؟
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه خصهم بِالذكر تَشْرِيفًا لَهُم.
وَالْآخر: أَن المُرَاد من الْمَلَائِكَة الْمَذْكُورين أخيرا هم مَلَائِكَة الله فِي الأَرْض، يعْبدُونَ الله تَعَالَى ويسبحونه. وَقَوله: ﴿وهم لَا يستكبرن﴾ الاستكبار: طلب الْكبر بترك الإذعان للحق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم﴾ قَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ: يخَافُونَ عَذَاب رَبهم من فَوْقهم، وَالْقَوْل الثَّانِي - وَهُوَ الْأَصَح - أَن هَذِه صفة الْعُلُوّ [الَّتِي] تفرد الله بهَا، وَهُوَ كَمَا وصف بِهِ نَفسه من غير تكييف.
وَقَوله: ﴿ويفعلون مَا يؤمرون﴾ يَعْنِي: أَن الْمَلَائِكَة لَا يعصونه.
وَقَوله: ﴿ويفعلون مَا يؤمرون﴾ يَعْنِي: أَن الْمَلَائِكَة لَا يعصونه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الله لَا تَتَّخِذُوا إلَيْهِنَّ اثْنَيْنِ﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: أيش معنى قَوْله: ﴿اثْنَيْنِ﴾ وَقد قَالَ: ﴿إِلَهَيْنِ﴾ ؟
الْجَواب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: على طَرِيق التَّأْكِيد، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَام
الْجَواب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: على طَرِيق التَّأْكِيد، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَام
177
﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد فإياي فارهبون (٥١) وَله مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَله الدّين واصبا أفغير الله تَتَّقُون (٥٢) وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله ثمَّ إِذا﴾ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا أرجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة).
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن الْآيَة على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَمَعْنَاهَا: وَقَالَ الله: لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد. ﴿فإياي فارهبون﴾ يَعْنِي: فخافون.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن الْآيَة على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَمَعْنَاهَا: وَقَالَ الله: لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد. ﴿فإياي فارهبون﴾ يَعْنِي: فخافون.
178
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَله مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿وَله الدّين واصبا﴾ أَي: دَائِما، هَكَذَا قَالَه ابْن عَبَّاس، وَالدّين بِمَعْنى الطَّاعَة.
وَحَقِيقَة الْمَعْنى أَن [طَاعَة] غير الله تَنْقَطِع وتزول، وَطَاعَة الله لَا تَزُول وَلَا تَنْقَطِع، وَقيل: واصبا أَي: خَالِصا، والوصب فِي اللُّغَة هُوَ التَّعَب، فَيُقَال على هَذَا: أَن معنى الْآيَة أَن الطَّاعَات كلهَا لله، وَإِن كَانَ فِيهَا الوصب والتعب.
وَقَوله: ﴿أفغير الله تَتَّقُون﴾ أَي: تخافون، وَهَذَا اسْتِفْهَام على طَرِيق الْإِنْكَار.
وَحَقِيقَة الْمَعْنى أَن [طَاعَة] غير الله تَنْقَطِع وتزول، وَطَاعَة الله لَا تَزُول وَلَا تَنْقَطِع، وَقيل: واصبا أَي: خَالِصا، والوصب فِي اللُّغَة هُوَ التَّعَب، فَيُقَال على هَذَا: أَن معنى الْآيَة أَن الطَّاعَات كلهَا لله، وَإِن كَانَ فِيهَا الوصب والتعب.
وَقَوله: ﴿أفغير الله تَتَّقُون﴾ أَي: تخافون، وَهَذَا اسْتِفْهَام على طَرِيق الْإِنْكَار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله﴾ مَعْنَاهُ: وَمَا يكن لكم من نعْمَة فَمن الله، وَفِي بعض المسانيد بِرِوَايَة ابْن عمر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " مَا مس عبدا نعْمَة فَعلم أَنَّهَا من الله إِلَّا وَقد [شكر] الله، وَإِن لم يحمده ".
وَقَوله: ﴿ثمَّ إِذا مسكم الضّر﴾ قيل: الْقَحْط، وَقيل: الْمَرَض. وَقَوله: ﴿فإليه تجأرون﴾ الجؤار هُوَ الصَّوْت على وَجه الاستغاثة، وَمِنْه جؤار الْبَقر، وَمعنى الْآيَة أَنكُمْ تدعون الله مستغيثين. قَالَ الشَّاعِر:
وَقَوله: ﴿ثمَّ إِذا مسكم الضّر﴾ قيل: الْقَحْط، وَقيل: الْمَرَض. وَقَوله: ﴿فإليه تجأرون﴾ الجؤار هُوَ الصَّوْت على وَجه الاستغاثة، وَمِنْه جؤار الْبَقر، وَمعنى الْآيَة أَنكُمْ تدعون الله مستغيثين. قَالَ الشَّاعِر:
178
﴿مسكم الضّر فإليه تجأرون (٥٣) ثمَّ إِذا كشف الضّر عَنْكُم إِذا فريق مِنْكُم برَبهمْ يشركُونَ (٥٤) ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فتمتعوا فَسَوف تعلمُونَ (٥٥) ويجعلون لما لَا يعلمُونَ نَصِيبا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تالله لتسألن عَمَّا كُنْتُم تفترون (٥٦) ويجعلون لله الْبَنَات﴾