تفسير سورة سورة النحل من كتاب تفسير الشعراوي
المعروف بـتفسير الشعراوي
.
لمؤلفه
الشعراوي
.
المتوفي سنة 1418 هـ
ﰡ
هكذا تبدأ السورة الجليلة؛ مُوضِّحةً أن قضاءَ الله وحُكْمه بنصر الرسول والمؤمنين لا شَكَّ فيه ولا محَالة؛ وأن هزيمة أهل الكفر قادمة، ولا مَفرَّ منها إنْ هُم استمرُّوا على الكفر.
7795
وقد سبق أنْ أنذرهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما نَزل عليه من آيات الكتاب؛ أنذرهم في السورة السابقة ببعض العذاب الدنيوي، كنصر الإيمان على الكفر، وأنذرهم مِنْ قَبْل أيضاً ببعض العذاب في الآخرة، كقوْل الحق سبحانه: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر: ٧٧].
وكذلك قوله الحق: ﴿سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ [القمر: ٤٥].
وهكذا وعد الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنْ يهزِم معسكر الكفر، وأنْ ينصرَ معسكر الإيمان؛ وإما أنْ يرى ذلك بعينيه أو إنْ قبض الحق أجلَه فسيراها في الآخرة.
وعن حال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال سبحانه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين﴾ [الحجر: ٩٥].
وأنذر الحق سبحانه أهل الشرك بأنهم في جهنم في اليوم الآخر، وهنا يقول سبحانه:
﴿أتى أَمْرُ الله﴾ [النحل: ١].
وهذا إيضاحٌ بمرحلة من مراحل الإخبار بما يُنذِرون به، كما قال مرة:
وكذلك قوله الحق: ﴿سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ [القمر: ٤٥].
وهكذا وعد الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنْ يهزِم معسكر الكفر، وأنْ ينصرَ معسكر الإيمان؛ وإما أنْ يرى ذلك بعينيه أو إنْ قبض الحق أجلَه فسيراها في الآخرة.
وعن حال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال سبحانه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين﴾ [الحجر: ٩٥].
وأنذر الحق سبحانه أهل الشرك بأنهم في جهنم في اليوم الآخر، وهنا يقول سبحانه:
﴿أتى أَمْرُ الله﴾ [النحل: ١].
وهذا إيضاحٌ بمرحلة من مراحل الإخبار بما يُنذِرون به، كما قال مرة:
7796
﴿اقتربت الساعة وانشق القمر﴾ [القمر: ١].
أي: اقتربتْ ساعة القيامة التي يكون من بعدها حسابُ الآخرة والعذاب لِمَنْ كفر، والجنة لِمَنْ آمنَ وعمِل صالحاً، فاقترابُ الساعة غَيْر مُخيف في ذاته، بل مُخيف لِمَا فيه من الحساب والعقاب.
وقيل: إن أهلَ الكُفْر لحظة أنْ سَمِعوا قول الحق سبحانه: ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١].
قالوا: «فلننتظر قليلاً؛ فقد يكون ما يُبلِّغ به محمد صحيحاً» وبعد أن انتظروا بعضاً من الوقت، ولم تَأْتِ الساعة كما بَشَّر الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قالوا: انتظرنا ولم تَأْتِ الساعة، فنزل قول الحق سبحانه: ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١].
وهذا حديث عن الأمر الذي سيحدث فوْرَ قيام الساعة، فَهَادنُوا وانتظروا قليلاً، ثم قالوا: أيْنَ الحساب إذن؟ فنزل قوله تعالى:
﴿أتى أَمْرُ الله..﴾ [النحل: ١].
وساعة سَمِع الكُلُّ ذلك فَزِعوا؛ بمن فيهم من المسلمين؛ وجاء الإسعاف في قوله من بعد ذلك:
﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ [النحل: ١].
أي: اقتربتْ ساعة القيامة التي يكون من بعدها حسابُ الآخرة والعذاب لِمَنْ كفر، والجنة لِمَنْ آمنَ وعمِل صالحاً، فاقترابُ الساعة غَيْر مُخيف في ذاته، بل مُخيف لِمَا فيه من الحساب والعقاب.
وقيل: إن أهلَ الكُفْر لحظة أنْ سَمِعوا قول الحق سبحانه: ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١].
قالوا: «فلننتظر قليلاً؛ فقد يكون ما يُبلِّغ به محمد صحيحاً» وبعد أن انتظروا بعضاً من الوقت، ولم تَأْتِ الساعة كما بَشَّر الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قالوا: انتظرنا ولم تَأْتِ الساعة، فنزل قول الحق سبحانه: ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١].
وهذا حديث عن الأمر الذي سيحدث فوْرَ قيام الساعة، فَهَادنُوا وانتظروا قليلاً، ثم قالوا: أيْنَ الحساب إذن؟ فنزل قوله تعالى:
﴿أتى أَمْرُ الله..﴾ [النحل: ١].
وساعة سَمِع الكُلُّ ذلك فَزِعوا؛ بمن فيهم من المسلمين؛ وجاء الإسعاف في قوله من بعد ذلك:
﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ [النحل: ١].
7797
أي: أن الأمر الذي يُعلنه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يعلم ميعادَه إلا الله سبحانه؛ واطمأنَّ المسلمون.
وكُلُّ حدث من الأحداث كما نعلم يحتاج كُلٌّ منها لظرفيْن؛ ظرْفِ زمانٍ؛ وظرْفِ مكان. والأفعال التي تدلُّ على هذه الظروف إما فِعْل مَاض؛ فظرْفُه كان قبل أن نتكلَم، وفعلٌ مضارع. أي: أنه حَلَّ، إلا إنْ كان مقروناً ب «س» أو ب «سوف».
أي: أن الفعل سيقع في مستقبل قريب إنْ كان مقروناً ب «س» أو في المستقبل غير المحدد والبعيد إن كان مسبوقاً ب «سوف»، وهكذا تكون الأفعال ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً.
وكلمة (أتى) تدلُّ على أن الذي يُخبرك به وهو الله سبحانه إنما يُخبِرك بشيء قد حدث قبل الكلام، وهو يُخبِر به، والبشر قد يتكلَّمون عن أشياءَ وقعتْ؛ ويُخبِرون بها بعضَهم البعض.
ولكن المتكلِّم هنا هو الحقُّ سبحانه؛ وهو حين يتكلَّم بالقرآن فهو سبحانه لا ينقص عِلْمه أبداً، وهو علم أَزَليٌّ، وهو قادر على أن يأتيَ المستقبل وَفْق ما قال، وقد أعدَّ توقيت ومكان كُل شيء من قبل أنْ يخلقَ؛ وهو سبحانه خالق من قبل أن يخلق أي شيء؛ فالخَلْق صفة ذاتية فيه؛ وهو مُنزَّه في كل شيء؛ ولذلك قال:
﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ﴾ [النحل: ١].
أي: أنه العليمُ بزمن وقوع كُلِّ حدَث، وقد ثبت التسبيح له ذاتاً من قَبْل أن يوجد الخَلْق؛ فهو القائل:
وكُلُّ حدث من الأحداث كما نعلم يحتاج كُلٌّ منها لظرفيْن؛ ظرْفِ زمانٍ؛ وظرْفِ مكان. والأفعال التي تدلُّ على هذه الظروف إما فِعْل مَاض؛ فظرْفُه كان قبل أن نتكلَم، وفعلٌ مضارع. أي: أنه حَلَّ، إلا إنْ كان مقروناً ب «س» أو ب «سوف».
أي: أن الفعل سيقع في مستقبل قريب إنْ كان مقروناً ب «س» أو في المستقبل غير المحدد والبعيد إن كان مسبوقاً ب «سوف»، وهكذا تكون الأفعال ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً.
وكلمة (أتى) تدلُّ على أن الذي يُخبرك به وهو الله سبحانه إنما يُخبِرك بشيء قد حدث قبل الكلام، وهو يُخبِر به، والبشر قد يتكلَّمون عن أشياءَ وقعتْ؛ ويُخبِرون بها بعضَهم البعض.
ولكن المتكلِّم هنا هو الحقُّ سبحانه؛ وهو حين يتكلَّم بالقرآن فهو سبحانه لا ينقص عِلْمه أبداً، وهو علم أَزَليٌّ، وهو قادر على أن يأتيَ المستقبل وَفْق ما قال، وقد أعدَّ توقيت ومكان كُل شيء من قبل أنْ يخلقَ؛ وهو سبحانه خالق من قبل أن يخلق أي شيء؛ فالخَلْق صفة ذاتية فيه؛ وهو مُنزَّه في كل شيء؛ ولذلك قال:
﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ﴾ [النحل: ١].
أي: أنه العليمُ بزمن وقوع كُلِّ حدَث، وقد ثبت التسبيح له ذاتاً من قَبْل أن يوجد الخَلْق؛ فهو القائل:
7798
﴿يُسَبِّحُونَ اليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠].
ثم خلق السماوات وخلق الأرض وغيرهما.
أي: أنه مُسبِّح به من قَبْل خَلْق السماوات والأرض، وهو القائل سبحانه: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ [الحشر: ١].
ولكن هل انتهى التسبيح؟ لا، بل التسبيح مُستمِرٌّ أبداً، فهو القائل: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ [الجمعة: ١].
إذن: فقد ثبتتْ له «السُّبْحَانية» في ذاته، ثم وجد الملائكة يُسبِّحون الليلَ والنهارَ ولا يفترُون، ثم خلق السماء والأرض، فسبَّح ما فيهما وما بينهما؛ وجاء خَلْقه يُسبِّحون أيضاً فيا مَنْ آمنتَ بالله إلهاً سَبِّح كما سَبَّحَ كُلُّ الكون.
ولقائل أنْ يسألَ: وما علاقة «سبحانه وتعالى» بما يُشرِكون؟ ونعلم أنهم أشركوا بالله آلهةً لا تُكلِّفهم بتكليف تعبُّدي، ولم تُنزِل منهجاً؛ بل تُحلِّل لهم كُلَّ مُحرَّم، وتنهاهم عن بعضٍ من الحلال، وتخلوْا بذلك عن اتباع ما جاء به الرُّسل مُبلِّغين عن الله من تكليف يحمل مشقَّة الإيمان.
وهؤلاء هم مَنْ سيلقوْنَ الله، وتسألهم الملائكة: أين هم الشركاء الذين عبدتموهم مع الله؟ ولن يدفَع عنهم أحدٌ هَوْلَ ما يلاقونه من العذاب.
ثم خلق السماوات وخلق الأرض وغيرهما.
أي: أنه مُسبِّح به من قَبْل خَلْق السماوات والأرض، وهو القائل سبحانه: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ [الحشر: ١].
ولكن هل انتهى التسبيح؟ لا، بل التسبيح مُستمِرٌّ أبداً، فهو القائل: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ [الجمعة: ١].
إذن: فقد ثبتتْ له «السُّبْحَانية» في ذاته، ثم وجد الملائكة يُسبِّحون الليلَ والنهارَ ولا يفترُون، ثم خلق السماء والأرض، فسبَّح ما فيهما وما بينهما؛ وجاء خَلْقه يُسبِّحون أيضاً فيا مَنْ آمنتَ بالله إلهاً سَبِّح كما سَبَّحَ كُلُّ الكون.
ولقائل أنْ يسألَ: وما علاقة «سبحانه وتعالى» بما يُشرِكون؟ ونعلم أنهم أشركوا بالله آلهةً لا تُكلِّفهم بتكليف تعبُّدي، ولم تُنزِل منهجاً؛ بل تُحلِّل لهم كُلَّ مُحرَّم، وتنهاهم عن بعضٍ من الحلال، وتخلوْا بذلك عن اتباع ما جاء به الرُّسل مُبلِّغين عن الله من تكليف يحمل مشقَّة الإيمان.
وهؤلاء هم مَنْ سيلقوْنَ الله، وتسألهم الملائكة: أين هم الشركاء الذين عبدتموهم مع الله؟ ولن يدفَع عنهم أحدٌ هَوْلَ ما يلاقونه من العذاب.
7799
وهكذا تعرَّفْنا على أن تنزيه الله سبحانه وتعالى ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً هو أمر ثابتٌ له قَبْل أنْ يُوجَد شيء، وأمرٌ قد ثبت له بعد الملائكة، وثبتَ له بعد وجود السماوات والأرض. وهو أمر طلب الله من العبد المُخيَّر أن يفعله؛ وانقسم العبادُ قسمين، قِسْم آمن وسبَّح، وقِسْم له يُسبِّح فتعالى عنهم الحق سبحانه لأنهم مُشْركون.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: ﴿يُنَزِّلُ الملائكة... ﴾.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: ﴿يُنَزِّلُ الملائكة... ﴾.
7800
وساعة نقرأ قوله ﴿يُنَزِّلُ﴾ فالكلمة تُوحِي وتُوضِّح أن هناك عُلواً يمكن أن ينزِلَ منه شيء على أسفل. والمَثلُ الذي أُحِبّ أنْ أضربه هنا لأوضحَ هذا الأمر هو قَوْل الحق سبحانه: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١].
أي: أقبلوا لتسمعوا مِنِّي التكليفَ الذي نزل لكم مِمَّنْ هو أعلى منكم، ولا تظلُّوا في حضيض الأرض وتشريعاتها، بل تَساموا وخُذوا الأمر مِمَّنْ لا هَوى لَه في أموركم، وهو الحق الأعلى.
أما مَنْ ينزلون فَهُم الملائكة، ونعلم أن الملائكة خَلْق غيبيّ آمنَّا به؛ لأن الله سبحانه قد أخبرنا بوجودهم. وكُلَّ ما غاب عن الذِّهْن
أي: أقبلوا لتسمعوا مِنِّي التكليفَ الذي نزل لكم مِمَّنْ هو أعلى منكم، ولا تظلُّوا في حضيض الأرض وتشريعاتها، بل تَساموا وخُذوا الأمر مِمَّنْ لا هَوى لَه في أموركم، وهو الحق الأعلى.
أما مَنْ ينزلون فَهُم الملائكة، ونعلم أن الملائكة خَلْق غيبيّ آمنَّا به؛ لأن الله سبحانه قد أخبرنا بوجودهم. وكُلَّ ما غاب عن الذِّهْن
7800
ودليله السماع مِمَّنْ تثق بصدقه، وقد أبلغنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما نزلَ به القرآن وأنبأنا بوجود الملائكة، وأن الحق سبحانه قد خلقهم؛ ورغم أننا لا نراهم إلا أننا نُصدِّق ما جاء به البلاغ عن الحق من الصادق الصَّدُوق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وحين يقول الحق سبحانه:
﴿يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢].
فنحن نعلم أنه لا يمكن أنْ ينزلَ شيءٌ من أعلى إلى الأدْنى إلا بواسطة المُقربات. وقد اختار الحق سبحانه ملكاً من الملائكة لِيُبلّغ رُسُله بالوحي من الله، والملائكة كما أخبرنا الحق سبحانه: ﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧].
ويقول في آية أخرى: ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦].
وهم من نور، ولا تصيبهم الأغيار، ولا شهوةَ لهم فلا يتناكحون ولا يتناسلون؛ وهم أقربُ إلى الصَّفَاء. وهم مَنْ يُمكِنهم التلقِّي من الأعلى ويبلغون الأَدْنى.
وحين يقول الحق سبحانه:
﴿يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢].
فنحن نعلم أنه لا يمكن أنْ ينزلَ شيءٌ من أعلى إلى الأدْنى إلا بواسطة المُقربات. وقد اختار الحق سبحانه ملكاً من الملائكة لِيُبلّغ رُسُله بالوحي من الله، والملائكة كما أخبرنا الحق سبحانه: ﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧].
ويقول في آية أخرى: ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦].
وهم من نور، ولا تصيبهم الأغيار، ولا شهوةَ لهم فلا يتناكحون ولا يتناسلون؛ وهم أقربُ إلى الصَّفَاء. وهم مَنْ يُمكِنهم التلقِّي من الأعلى ويبلغون الأَدْنى.
7801
ولذلك نجد الحق سبحانه يقول عن القرآن: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ [الشعراء: ١٩٣].
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿يُنَزِّلُ الملائكة﴾ [النحل: ٢].
والآية الإجمالية التي تشرح ذلك هو قَوْلُ الحق سبحانه: ﴿الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥].
أي: أنه سبحانه يختار ملائكة قادرين على التلقّي منه لِيُعْطوا المصطفين من الناس؛ لِيُبلِّغ هؤلاء المُصْطفين عن الله لبقية الناس.
ذلك أن العُلْويات العالية لا يملك الكائن الأَدْنى طاقة ليتحمَّل ما تتنزَّل به الأمور العُلْوية مباشرة من الحق سبحانه.
وسبق أنْ شبَّهتْ ذلك بالمُحوّل الذي نستخدمه في الكهرباء لينقل من الطاقة العالية إلى الأَدْنى من المصابيح، «وكُلّنا يعلم ما حدث للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين تلقَّى الوحي عبر جبريل عليه السلام» فَضمَّني حتى بلغ مِنَّي الجهد «وتفصد جبينه الطاهر عرقاً، وعاد إلى بيته ليقول» زملوني زملوني «و» دثروني دثروني «.
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿يُنَزِّلُ الملائكة﴾ [النحل: ٢].
والآية الإجمالية التي تشرح ذلك هو قَوْلُ الحق سبحانه: ﴿الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥].
أي: أنه سبحانه يختار ملائكة قادرين على التلقّي منه لِيُعْطوا المصطفين من الناس؛ لِيُبلِّغ هؤلاء المُصْطفين عن الله لبقية الناس.
ذلك أن العُلْويات العالية لا يملك الكائن الأَدْنى طاقة ليتحمَّل ما تتنزَّل به الأمور العُلْوية مباشرة من الحق سبحانه.
وسبق أنْ شبَّهتْ ذلك بالمُحوّل الذي نستخدمه في الكهرباء لينقل من الطاقة العالية إلى الأَدْنى من المصابيح، «وكُلّنا يعلم ما حدث للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين تلقَّى الوحي عبر جبريل عليه السلام» فَضمَّني حتى بلغ مِنَّي الجهد «وتفصد جبينه الطاهر عرقاً، وعاد إلى بيته ليقول» زملوني زملوني «و» دثروني دثروني «.
7802
ذلك أن طاقة عُلْوية نزلت على طاقة بشرية، على الرغم من أن طاقة رسول الله هي طاقة مُصْطفاة. ثم يألف الرسول الوحي وتخفّ عنه مِثْل تلك الأعباء، وينزل عليه قوله الحق:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ [الشرح: ١ - ٦].
ثم يفتر الوحي لبعض من الوقت لدرجة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يشتاق إليه، فلماذا اشتاق للوحي وهو مَنْ قال «دثِّروني دثِّروني» ؟
لقد كان فُتور الوحي بسبب أنْ يتعوّد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على متاعب نُزول المَلَك؛ فتزولُ متاعب الالتقاء وتبقى حلاوة ما يبلغ به.
وقال بعض من الأغبياء: «إن ربَّ محمد قد قلاه».
فينزل قوله سبحانه: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ [الضحى: ٣ - ٥].
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ [الشرح: ١ - ٦].
ثم يفتر الوحي لبعض من الوقت لدرجة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يشتاق إليه، فلماذا اشتاق للوحي وهو مَنْ قال «دثِّروني دثِّروني» ؟
لقد كان فُتور الوحي بسبب أنْ يتعوّد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على متاعب نُزول المَلَك؛ فتزولُ متاعب الالتقاء وتبقى حلاوة ما يبلغ به.
وقال بعض من الأغبياء: «إن ربَّ محمد قد قلاه».
فينزل قوله سبحانه: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ [الضحى: ٣ - ٥].
7803
وكلمة الروح وردتْ في القرآن بمعَانٍ متعددة، فهي مرَّة الروح التي بها الحياة في المادة ليحدث بها الحسّ والحركة: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩].
وهذا النفْخ في المادة يحدثُ للمؤمن والكافر، وهناك رُوح أُخْرى تعطي حياةً أعلى من الحياة الموقوتة: ﴿وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤].
إذن: فالملائكة تنزل بالبلاغ عن الله بما فيه حياة أَرْقى من الحياة التي نعيش بها ونتحرَّك على الأرض. وهكذا تكون هناك رُوحان لا روحٌ واحدة؛ رُوح للحِسِّ والحركة؛ وروح تُعطي القِيم التي تقودنا إلى حياة أخرى أَرْقى من الحياة التي نحياها؛ حياةٌ لا فناءَ فيها.
ولذلك يُسمَّى الحق سبحانه القرآن روحاً؛ فيقول: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ [الشورى: ٥٢].
ويُسمَّى الحق سبحانه الملَكَ الذي ينزل بالقرآن روحاً، فيقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤].
ويشرح الحق سبحانه أن القرآن روحٌ تعطينا حياةً أَرْقى، فيقول: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤].
وهذا النفْخ في المادة يحدثُ للمؤمن والكافر، وهناك رُوح أُخْرى تعطي حياةً أعلى من الحياة الموقوتة: ﴿وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤].
إذن: فالملائكة تنزل بالبلاغ عن الله بما فيه حياة أَرْقى من الحياة التي نعيش بها ونتحرَّك على الأرض. وهكذا تكون هناك رُوحان لا روحٌ واحدة؛ رُوح للحِسِّ والحركة؛ وروح تُعطي القِيم التي تقودنا إلى حياة أخرى أَرْقى من الحياة التي نحياها؛ حياةٌ لا فناءَ فيها.
ولذلك يُسمَّى الحق سبحانه القرآن روحاً؛ فيقول: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ [الشورى: ٥٢].
ويُسمَّى الحق سبحانه الملَكَ الذي ينزل بالقرآن روحاً، فيقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤].
ويشرح الحق سبحانه أن القرآن روحٌ تعطينا حياةً أَرْقى، فيقول: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤].
7804
أي: يدخل بكم إلى الحياة الأبدية التي لا موْتَ فيها ولا خَوْف أن تفقد النعمة أو تذهب عنك النعمةُ.
وهنا يُبلِّغنا سبحانه أن القرآن ينزل مع الملائكة:
﴿يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢].
أي: تنزيلاً صادراً بأمره سبحانه، ويقول الحق سبحانه في موقع آخر: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله﴾ [الرعد: ١١].
والسَّطْحيون لا يلتفتون إلى أنَّ معنى: ﴿مِنْ أَمْرِ الله﴾ [الرعد: ١١].
هنا تعني أنهم يحفظُونه بأمر من الله.
والأمر هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها هو ما جاء في الآية الأولى منها: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١].
وهذا الأمر هو نتيجة لِمَا يشاؤه الله من حياة للناس على الأرض، ونعلم أن الحق سبحانه له أوامر مُتعدِّدة يجمعها إبراز المعدوم إلى الوجود؛ فهو سبحانه القائل: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
[النحل: ٤٠].
وهنا يُبلِّغنا سبحانه أن القرآن ينزل مع الملائكة:
﴿يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢].
أي: تنزيلاً صادراً بأمره سبحانه، ويقول الحق سبحانه في موقع آخر: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله﴾ [الرعد: ١١].
والسَّطْحيون لا يلتفتون إلى أنَّ معنى: ﴿مِنْ أَمْرِ الله﴾ [الرعد: ١١].
هنا تعني أنهم يحفظُونه بأمر من الله.
والأمر هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها هو ما جاء في الآية الأولى منها: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١].
وهذا الأمر هو نتيجة لِمَا يشاؤه الله من حياة للناس على الأرض، ونعلم أن الحق سبحانه له أوامر مُتعدِّدة يجمعها إبراز المعدوم إلى الوجود؛ فهو سبحانه القائل: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
[النحل: ٤٠].
7805
فإذا شاء أمراً جزئياً فهو يقول له: كُنْ فيكون، وإذا أراد منهجاً؛ فهو يُنزله، وإذا أراد حساباً وعقاباً وساعةً؛ فهو القائل ﴿أتى أَمْرُ الله﴾ وهكذا نفهم أن معنى ﴿أَمْرُ الله﴾ هو ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي: إخراج المعدوم إلى حَيِّز الوجود؛ سواء أكان معدوماً جزئياً، أو معدوماً كلياً، أو معدوماً أزلياً.
وكُلّ ذلك اسمه أمر، ولحظةَ أنْ يأمرَ الله؛ فنحن نَثِقُ أن مأمور الله يبرز؛ ولذلك قال سبحانه: ﴿إِذَا السمآء انشقت وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ [الانشقاق: ١ - ٢].
أي: أنها لم تسمع الأمر فقط؛ بل نفّذتْه فَوْر صدوره؛ دون أَدْنى ذرة من تخلُّف، فأمْر الله يُنفَّذ فَوْر صدوره من الحق سبحانه، أما أَمْر البشر فهو عُرْضَة لأنْ يُطَاع، وعُرْضَة لأنْ يُعصَى.
وسبحانه يُنزِّل الملائكة بالرُّوح على مَنْ يشاء لِيُنذِروا؛ ولم يَأْتِ الحق سبحانه بالبشارة هنا؛ لأن الحديث مُوجّه للكفار في قوله: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ [النحل: ١].
ونزَّه ذاته قائلاً:
﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١].
أو: أن الحق يُنبّه رسوله، إنْ دخلتَ عليهم فُفسِّر لهم مُبْهَم ما لا يعرفون. وهم لا يعرفون كيفية الاصطفاء. وهو الحق الأعلم بمَنْ يصطفي.
وكُلّ ذلك اسمه أمر، ولحظةَ أنْ يأمرَ الله؛ فنحن نَثِقُ أن مأمور الله يبرز؛ ولذلك قال سبحانه: ﴿إِذَا السمآء انشقت وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ [الانشقاق: ١ - ٢].
أي: أنها لم تسمع الأمر فقط؛ بل نفّذتْه فَوْر صدوره؛ دون أَدْنى ذرة من تخلُّف، فأمْر الله يُنفَّذ فَوْر صدوره من الحق سبحانه، أما أَمْر البشر فهو عُرْضَة لأنْ يُطَاع، وعُرْضَة لأنْ يُعصَى.
وسبحانه يُنزِّل الملائكة بالرُّوح على مَنْ يشاء لِيُنذِروا؛ ولم يَأْتِ الحق سبحانه بالبشارة هنا؛ لأن الحديث مُوجّه للكفار في قوله: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ [النحل: ١].
ونزَّه ذاته قائلاً:
﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١].
أو: أن الحق يُنبّه رسوله، إنْ دخلتَ عليهم فُفسِّر لهم مُبْهَم ما لا يعرفون. وهم لا يعرفون كيفية الاصطفاء. وهو الحق الأعلم بمَنْ يصطفي.
7806
ومشيئته الاصطفاء والاجتباء والاختيار إنما تتِمّ بمواصفات الحق سبحانه؛ فهو القائل: ﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ... ﴾ [الأنعام: ١٢٤].
وعُلِم أن الكافرين قد قالوا: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١].
وقال الحق سبحانه في رَدِّه عليهم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢].
فإذا كان الحق سبحانه قد قَسَّم بين الخَلْق أرزاقهم في معيشتهم المادية؛ وإذا كان سبحانه قد رفع بعضهم فوق بَعْض درجات؛ وهو مَنْ يجعل المرفوع مخفوضاً؛ ويجعل المخفوضَ مرفوعاً، فكيف يأتي هؤلاء في الأمور القِيَميّة المُتعلِّقة بالروح وبالمنهج، ويحاولون التعديل على الله؛ ويقولون «نريد فلاناً ولا نريد فلاناً» ؟
أو: أن الحق سبحانه يوضِّح لرسوله: بعد أنْ شرحتَ لهؤلاء أمر الوحي، فعليك أنْ تُبلِّغهم كلمة الله:
﴿لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ [النحل: ٢].
وما دام لا يوجد إلهٌ آخر فعلى الرسول أن يُسْدِي لهم النصيحة؛ بأن يقصروا على أنفسهم حَيْرة البحث عن إله، ويُوضِّح لهم أنْ لا إله إلا هو؛ وعليهم أنْ يتقوه.
وعُلِم أن الكافرين قد قالوا: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١].
وقال الحق سبحانه في رَدِّه عليهم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢].
فإذا كان الحق سبحانه قد قَسَّم بين الخَلْق أرزاقهم في معيشتهم المادية؛ وإذا كان سبحانه قد رفع بعضهم فوق بَعْض درجات؛ وهو مَنْ يجعل المرفوع مخفوضاً؛ ويجعل المخفوضَ مرفوعاً، فكيف يأتي هؤلاء في الأمور القِيَميّة المُتعلِّقة بالروح وبالمنهج، ويحاولون التعديل على الله؛ ويقولون «نريد فلاناً ولا نريد فلاناً» ؟
أو: أن الحق سبحانه يوضِّح لرسوله: بعد أنْ شرحتَ لهؤلاء أمر الوحي، فعليك أنْ تُبلِّغهم كلمة الله:
﴿لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ [النحل: ٢].
وما دام لا يوجد إلهٌ آخر فعلى الرسول أن يُسْدِي لهم النصيحة؛ بأن يقصروا على أنفسهم حَيْرة البحث عن إله، ويُوضِّح لهم أنْ لا إله إلا هو؛ وعليهم أنْ يتقوه.
7807
وفي هذا حنان من الحق على الخَلْق، وهو الحق الذي منع الكائنات التي تعجبتْ ورفضتْ كُفْر بَعْضٍ من البشر بالله؛ وطلبتْ أن تنتقمَ من الإنسان، وقال لهم: «لو خلقتموهم لرحمتموهم، دَعُوني وخَلْقي؛ إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبُهم؛ وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم».
وقَوْل الحق سبحانه:
﴿أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ [النحل: ٢].
هو جماعُ عقائدِ السماء للأرض؛ وجماعُ التعبُّداتِ التي طلبها الله من خَلْقه لِيُنظِّم لهم حركة الحياة مُتساندةً لا مُتعاندةً.
فكأن:
﴿أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ [النحل: ٢].
هي تفسيرٌ لِمَا أنزله الله على الملائكة من الرُّوح التي قُلْنا من قبل: إنها الروح الثانية التي يَجِيء بها الوَحْي؛ وتحمِلُ منهجَ الله ليضمن لِلْمُعتنِق حياة لا يزول نَعيمها ولا المُتنعِّم بها؛ وهي غَيْر الروح الأولى التي إذا نفخها الحق في الإنسان، فالحياة تدبُّ فيه حركةً وحِساً ولكنها إلي الفناء.
وكأن الحق سبحانه من رحمته بخَلْقه أن أنزلَ لهم المنهج الذي يهديهم الحياة الباقية بدلاً من أنْ يظلُّوا أَسْرى الحياة الفانية وحدها.
ومن رحمته أيضاً أن حذرهم من المصير السيئ الذي ينتظر مَنْ يكفر به؛ ومثل هذا التحذير لا يصدر إلا مِنْ مُحبٍّ؛ فسبحانه يُحِب خَلْقه، ويُحِب منهم أنْ يكونوا إليه مخلصين مؤمنين، ويحب لهم أنْ ينعموا في آخرة لا أسبابَ فيها؛ لأنهم سيعيشون فيها بكلمة «كُنْ» من المُسبّب.
وقَوْل الحق سبحانه:
﴿أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ [النحل: ٢].
هو جماعُ عقائدِ السماء للأرض؛ وجماعُ التعبُّداتِ التي طلبها الله من خَلْقه لِيُنظِّم لهم حركة الحياة مُتساندةً لا مُتعاندةً.
فكأن:
﴿أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ [النحل: ٢].
هي تفسيرٌ لِمَا أنزله الله على الملائكة من الرُّوح التي قُلْنا من قبل: إنها الروح الثانية التي يَجِيء بها الوَحْي؛ وتحمِلُ منهجَ الله ليضمن لِلْمُعتنِق حياة لا يزول نَعيمها ولا المُتنعِّم بها؛ وهي غَيْر الروح الأولى التي إذا نفخها الحق في الإنسان، فالحياة تدبُّ فيه حركةً وحِساً ولكنها إلي الفناء.
وكأن الحق سبحانه من رحمته بخَلْقه أن أنزلَ لهم المنهج الذي يهديهم الحياة الباقية بدلاً من أنْ يظلُّوا أَسْرى الحياة الفانية وحدها.
ومن رحمته أيضاً أن حذرهم من المصير السيئ الذي ينتظر مَنْ يكفر به؛ ومثل هذا التحذير لا يصدر إلا مِنْ مُحبٍّ؛ فسبحانه يُحِب خَلْقه، ويُحِب منهم أنْ يكونوا إليه مخلصين مؤمنين، ويحب لهم أنْ ينعموا في آخرة لا أسبابَ فيها؛ لأنهم سيعيشون فيها بكلمة «كُنْ» من المُسبّب.
7808
فإذا قال لهم ﴿أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ..﴾ [النحل: ٢] فهو يُوضِّح أنه لا إله غيره، فلا تشركوا بي شيئاً، ولا تكذبوا الرسل وعليكم بتطبيق منهجي الذي يُنظِّم حياتكم وأُجازي عليه في الآخرة.
وإياكم أنْ تغترُّوا بأنِّي خلقتُ الأسباب مُسخرة لكم؛ فأنا أستطيع أن أقبض هذه الأسباب؛ فقد أردتُ الحياة بلاءً واختباراً؛ وفي الآخرة لا سُلْطان للأسباب أبداً: ﴿لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار﴾ [غافر: ١٦].
وظاهر الأمر أن المُلْك لله في الآخرة، والحقيقة أن المُلْك لله دائماً في الدنيا وفي الآخرة؛ ولكنه شاء أنْ يجعلَ الأسباب المخلوقة بمشيئته تستجيب للإنسان؛ فإياك أنْ تظنَّ أنك أصبحتَ قادراً؛ فأنت في الحياة تملك أشياء، ويملكك مَلِك أو حاكم مثلك؛ فسُنَّة الكون أنْ يوجدَ نظامٌ يحكم الجميع.
ولكن الآخرة يختلف الأمر فيها؛ فلا مُلْكَ لأحدٍ غير الله، بل إن الأعضاء نفسها لا تسير بإرادة أصحابها بل بإرادة الحق، تلك الأعضاء التي كانت تخضع لمشيئتك في الدنيا؛ لا حُكْمَ لك عليها في الآخرة، بل ستكون شاهدة عليك.
فإن كان الله قد أعطاك القدرة على تحريك الأعضاء في الدنيا، فإنْ وجَّهتها إلى مأمور الله؛ فأنت من عباده، وإنْ لم تُوجهها إلى مطلوب الله، فأنت من عبيده.
وبعد ذلك يُقدِّم لك سبحانه الحيثية التي تُعزِّز أمره بعبادته
وإياكم أنْ تغترُّوا بأنِّي خلقتُ الأسباب مُسخرة لكم؛ فأنا أستطيع أن أقبض هذه الأسباب؛ فقد أردتُ الحياة بلاءً واختباراً؛ وفي الآخرة لا سُلْطان للأسباب أبداً: ﴿لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار﴾ [غافر: ١٦].
وظاهر الأمر أن المُلْك لله في الآخرة، والحقيقة أن المُلْك لله دائماً في الدنيا وفي الآخرة؛ ولكنه شاء أنْ يجعلَ الأسباب المخلوقة بمشيئته تستجيب للإنسان؛ فإياك أنْ تظنَّ أنك أصبحتَ قادراً؛ فأنت في الحياة تملك أشياء، ويملكك مَلِك أو حاكم مثلك؛ فسُنَّة الكون أنْ يوجدَ نظامٌ يحكم الجميع.
ولكن الآخرة يختلف الأمر فيها؛ فلا مُلْكَ لأحدٍ غير الله، بل إن الأعضاء نفسها لا تسير بإرادة أصحابها بل بإرادة الحق، تلك الأعضاء التي كانت تخضع لمشيئتك في الدنيا؛ لا حُكْمَ لك عليها في الآخرة، بل ستكون شاهدة عليك.
فإن كان الله قد أعطاك القدرة على تحريك الأعضاء في الدنيا، فإنْ وجَّهتها إلى مأمور الله؛ فأنت من عباده، وإنْ لم تُوجهها إلى مطلوب الله، فأنت من عبيده.
وبعد ذلك يُقدِّم لك سبحانه الحيثية التي تُعزِّز أمره بعبادته
7809
وحده، وأنْ لا إله غيره؛ فإنه لم يطلب أن نعبده إلا بعد أنْ خلق لنا السماوات والأرض؛ وكل الكون المُعَد لاستقبال الإنسان بالحق؛ أي بالشيء الثابت؛ والقانون الذي ليس في اختيار أحد سواه سبحانه.
ويقول سبحانه: ﴿خَلَقَ السماوات والأرض... ﴾.
ويقول سبحانه: ﴿خَلَقَ السماوات والأرض... ﴾.
7810
أي: تنزَّه سبحانه عَمَّا يشركون معه من آلهة، فلا أحدَ قد ساعده في خَلْق الكون وإعداده؛ فكيف تجعلون أنتم معه آلهة غيره؟ وسبحان مُنزَّه عن أنْ يكون معه آلهة أخرى، وسبحانه قد خلق لنَا من قبل أن يخلقنا؛ خلق السماوات والأرض وقدَّر الأرزاق، ولو نظرتَ إلى خَلْقك أنت لوجدت العَالَم الكبير قد انطوى فيك؛ وهو القائل: ﴿وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١].
وأنت مخلوق من ماذا؟
ها هو الحق سبحانه يقول: ﴿خَلَقَ الإنسان....﴾.
وأنت مخلوق من ماذا؟
ها هو الحق سبحانه يقول: ﴿خَلَقَ الإنسان....﴾.
والنطفة التي نجيء منها، وهي الحيوان المَنَويّ الذي يتزاوج مع البويضة الموجودة في رَحم المرأة فتنتج العلقة، وسبحانه القائل: ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى﴾ [القيامة: ٣٦ - ٣٩].
بل إن القَذْفة الواحدة من الرجل قد يوجد فيها من الأنسال ما يكفي خَلْق الملايين؛ ولا يمكن للعين المُجرَّدة أنْ ترى الحيوان المنويّ الواحد نظراً لِدقَّته المتناهية.
وهذه الدقَّة المُتناهية لا يمكن أنْ تُرى إلا بالمجاهر المُكَّبرة، ومطمور في هذا الحيوان المنويّ كُل الخصائص التي تتحد مع الخصائص المَطْمورة في بُويْضة المرأة ليتكوَّن الإنسان.
وقد صدق العقاد ي رَحِمَهُ اللَّهُ حين قال: «إن نصف كستبان الخياطة لو مُلِيء بالحيوانات المنوية لَوُلِد منه أنسال تتساوى مع تعداد البشر كلهم».
وقد شاء الحق سبحانه ألا ينفُذَ إلى البويضة إلا الحيوانُ المنويّ القوي؛ لِيُؤكِّد لنا أن لا بقاءّ إلا للأصلح، فإنْ كان الحيوان المنويّ يحمل الصفات الوراثية لميلاد أنثى جاء المولد أنثى؛ وإنْ كان يحمل الصفات الوراثية لميلاد الذَّكَر جاء المولود ذكراً.
وأنت ترى مِثْل ذلك في النبات؛ فأوَّل حبَّة قمح كانت مثل آدم كأول إنسان بالطريقة التي نعرفها؛ وفي تلك الحبَّة الأولى أوجد
بل إن القَذْفة الواحدة من الرجل قد يوجد فيها من الأنسال ما يكفي خَلْق الملايين؛ ولا يمكن للعين المُجرَّدة أنْ ترى الحيوان المنويّ الواحد نظراً لِدقَّته المتناهية.
وهذه الدقَّة المُتناهية لا يمكن أنْ تُرى إلا بالمجاهر المُكَّبرة، ومطمور في هذا الحيوان المنويّ كُل الخصائص التي تتحد مع الخصائص المَطْمورة في بُويْضة المرأة ليتكوَّن الإنسان.
وقد صدق العقاد ي رَحِمَهُ اللَّهُ حين قال: «إن نصف كستبان الخياطة لو مُلِيء بالحيوانات المنوية لَوُلِد منه أنسال تتساوى مع تعداد البشر كلهم».
وقد شاء الحق سبحانه ألا ينفُذَ إلى البويضة إلا الحيوانُ المنويّ القوي؛ لِيُؤكِّد لنا أن لا بقاءّ إلا للأصلح، فإنْ كان الحيوان المنويّ يحمل الصفات الوراثية لميلاد أنثى جاء المولد أنثى؛ وإنْ كان يحمل الصفات الوراثية لميلاد الذَّكَر جاء المولود ذكراً.
وأنت ترى مِثْل ذلك في النبات؛ فأوَّل حبَّة قمح كانت مثل آدم كأول إنسان بالطريقة التي نعرفها؛ وفي تلك الحبَّة الأولى أوجد
7811
الحق سبحانه مضمون كل حبوب القمح من بعد ذلك، وإلى أنْ تقومَ الساعة، وتلك عظمةُ الحق سبحانه في الخَلْق.
وقد أوضح لنا الحق سبحانه في اكثر من موضع بالقرآن الكريم مراحل خَلْق الإنسان؛ فهو: ﴿مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ [السجدة: ٨].
وهو من نطفة، ومن علقة، ثم مضغة مُخلَّقة وغير مُخلَّقة.
والحيوان المنويّ المُسمَّى «نُطْفة» هو الذي يحمل خصائص الأنوثة أو الذكورة كما أثبت العلم الحديث، وليس للمرأة شَأْنٌ بهذا التحديد، وكأن في ذلك إشارةً إلى مهمة المرأة كسكَنٍ؛ لأن البُويْضة تتلقَّى الحيوان المنويّ وتحتضنه؛ ليكتمل النمو إلي أنْ يصير كائناً بشرياً: ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [المؤمنون: ١٤].
وهو الحق سبحانه القائل: ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً﴾ [القيامة: ٣٦ - ٣٨].
والعلقة جاء اسمها من مهمتها، حيث تتعلق بجدار الرَّحمِ كما أثبت العِلْم المعاصر، يقول سبحانه: ﴿فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً﴾ [المؤمنون: ١٤].
وقد أوضح لنا الحق سبحانه في اكثر من موضع بالقرآن الكريم مراحل خَلْق الإنسان؛ فهو: ﴿مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ [السجدة: ٨].
وهو من نطفة، ومن علقة، ثم مضغة مُخلَّقة وغير مُخلَّقة.
والحيوان المنويّ المُسمَّى «نُطْفة» هو الذي يحمل خصائص الأنوثة أو الذكورة كما أثبت العلم الحديث، وليس للمرأة شَأْنٌ بهذا التحديد، وكأن في ذلك إشارةً إلى مهمة المرأة كسكَنٍ؛ لأن البُويْضة تتلقَّى الحيوان المنويّ وتحتضنه؛ ليكتمل النمو إلي أنْ يصير كائناً بشرياً: ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [المؤمنون: ١٤].
وهو الحق سبحانه القائل: ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً﴾ [القيامة: ٣٦ - ٣٨].
والعلقة جاء اسمها من مهمتها، حيث تتعلق بجدار الرَّحمِ كما أثبت العِلْم المعاصر، يقول سبحانه: ﴿فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً﴾ [المؤمنون: ١٤].
7812
والمُضغْة هي الشيء المَمْضُوغ؛ ثم يَصِف سبحانه المضغة بأنها: ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ [الحج: ٥].
ولقائل أن يتساءل: نحن نفهم أن المُضْغة المُخلَّقة فيها ما يمكن أن يصير عيناً أو ذراعاً؛ ولكن ماذا عن غير المُخلّقة؟
ونقول: إنها رصيد احتياطيّ لصيانة الجسم، فإذا كنتَ أيها المخلوق حين تقوم ببناء بَيْت فأنت تشتري بعضاً من الأشياء الزائدة من الأدوات الصحية على سبيل المثال تحسُّباً لما قد يطرأ من أحداث تحتاج فيها إلى قطع غيار؛ فما بالنا بالحق الذي خلق الإنسان؟
لقد جعل الله تلك المُضْغة غير المُخلَّقة رصيداً لصيانة، أو تجديداً لما قد يطرأ على الإنسان من ظروف؛ وتكون زائدة في الجسم وكأنها مخزنٌ لقطع الغيار.
والمثل هو الجروح التي تصيب الإنسان، ثم يتركها ليعالجها الجسمُ بنفسه، نجدها تلتئم دون أنْ تتركَ نَدْبة أو علامة، ذلك أنه قد تَمَّ علاجها من الصيدلية الداخلية التي أودعها الحق سبحانه في الجسم نفسه.
ولقائل أن يتساءل: نحن نفهم أن المُضْغة المُخلَّقة فيها ما يمكن أن يصير عيناً أو ذراعاً؛ ولكن ماذا عن غير المُخلّقة؟
ونقول: إنها رصيد احتياطيّ لصيانة الجسم، فإذا كنتَ أيها المخلوق حين تقوم ببناء بَيْت فأنت تشتري بعضاً من الأشياء الزائدة من الأدوات الصحية على سبيل المثال تحسُّباً لما قد يطرأ من أحداث تحتاج فيها إلى قطع غيار؛ فما بالنا بالحق الذي خلق الإنسان؟
لقد جعل الله تلك المُضْغة غير المُخلَّقة رصيداً لصيانة، أو تجديداً لما قد يطرأ على الإنسان من ظروف؛ وتكون زائدة في الجسم وكأنها مخزنٌ لقطع الغيار.
والمثل هو الجروح التي تصيب الإنسان، ثم يتركها ليعالجها الجسمُ بنفسه، نجدها تلتئم دون أنْ تتركَ نَدْبة أو علامة، ذلك أنه قد تَمَّ علاجها من الصيدلية الداخلية التي أودعها الحق سبحانه في الجسم نفسه.
7813
والمفاجأة هي أن هذا الإنسانَ المخلوق لله:
﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ [النحل: ٤].
ويتمرَّد على خالقه، بل وينكر بعضٌ من الخَلْق أن هناك إلهاً؛ متجاهلين أنهم بقوة الله فيهم يتجادلون. والخصيم هو الذي يُجادل ويُنكِر الحقائق؛ فإذا حُدِّث بشيء غيبي، يحاول أنْ يدحضَ معقوليته.
ويقول سبحانه في سورة يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ [يس: ٧٧].
وقد يكون من المقبول أن تكون خَصْماً لمساويك؛ ولكن من غير المقبول أن تكون خصيماً لِمَنْ خلقك فسوَّاكَ فَعَدلك، وفي أيِّ صورة ما شاء رَكَّبك.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ....﴾.
﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ [النحل: ٤].
ويتمرَّد على خالقه، بل وينكر بعضٌ من الخَلْق أن هناك إلهاً؛ متجاهلين أنهم بقوة الله فيهم يتجادلون. والخصيم هو الذي يُجادل ويُنكِر الحقائق؛ فإذا حُدِّث بشيء غيبي، يحاول أنْ يدحضَ معقوليته.
ويقول سبحانه في سورة يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ [يس: ٧٧].
وقد يكون من المقبول أن تكون خَصْماً لمساويك؛ ولكن من غير المقبول أن تكون خصيماً لِمَنْ خلقك فسوَّاكَ فَعَدلك، وفي أيِّ صورة ما شاء رَكَّبك.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ....﴾.
7814
والدِّفْءُ هو الحرارة للمبرود، تماماً مثلما نعطي المحرور برودة، وهذا ما يفعله تكييف الهواء في المنازل الحديثة. نجد الحق سبحانه هنا قد تكلَّم عن الدفء ولم يتكلم عن البرد، ذلك أن المقابل معلوم، وهو في آية أخرى يقول: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر... ﴾ [النحل: ٨١].
7814
وهذا ما يحدث عندما نسير في الشمس الحارة؛ فنضع مِظلة فوق رؤوسنا لتقينا حرارة الشمس الزاعقة الشديدة. ونحن في الشتاء نلبس قلنسوة أي: نلفّ شيئاً حول رؤوسنا، وهكذا نعلم أن اللباس يفعل الشيء ومقابله، بشرط أن يختار الإنسانُ اللباسَ المناسب للجوِّ المناسب.
وفي الأنعام منافع كثيرة؛ فنحن نشرب لبنها، ونصنع منه الجُبْن والسمن؛ ونجزّ الصوف لنغزل وننسج منه ملابس صوفية، وتحمل الأثقال، ونستفيد من ذريتها؛ وكذلك نأكل لحومها.
ونحن نعلم أن الأنعام قد جاء تفصيلها في موقع آخر حين قال الحق سبحانه: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ... ﴾ [الأنعام: ١٤٣].
وهي الضَّأن والمَعْز والإبل والبقر.
ونعلم أن الدِّفْءَ يأتي من الصُّوف والوَبَر والشَّعْر، ومَنْ يلاحظ شعر المَعْز يجد كل شَعْرة بمفردها؛ لكن الوبر الذي نجزه من الجمل يكون مُلبداً؛ وهذا دليل على دِقّة فَتْلته، أما الصوف فكل شعرة منه أنبوبة أسطوانية قَلْبُها فارغ.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ... ﴾.
وفي الأنعام منافع كثيرة؛ فنحن نشرب لبنها، ونصنع منه الجُبْن والسمن؛ ونجزّ الصوف لنغزل وننسج منه ملابس صوفية، وتحمل الأثقال، ونستفيد من ذريتها؛ وكذلك نأكل لحومها.
ونحن نعلم أن الأنعام قد جاء تفصيلها في موقع آخر حين قال الحق سبحانه: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ... ﴾ [الأنعام: ١٤٣].
وهي الضَّأن والمَعْز والإبل والبقر.
ونعلم أن الدِّفْءَ يأتي من الصُّوف والوَبَر والشَّعْر، ومَنْ يلاحظ شعر المَعْز يجد كل شَعْرة بمفردها؛ لكن الوبر الذي نجزه من الجمل يكون مُلبداً؛ وهذا دليل على دِقّة فَتْلته، أما الصوف فكل شعرة منه أنبوبة أسطوانية قَلْبُها فارغ.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ... ﴾.
7815
وهنا نجد أن الحق سبحانه قد أعطانا الترف أيضاً بجانب الضروريات، فالدِّفْء والمنافع والأكل ضروريات للحياة، أما الجَمال فهو من تَرَف الحياة، والجمال هو ما تراه العين، فيتحقق السرور في النفس. والدِّفْء والمنافع والأكل هي أمور خاصة لِمَنْ يملك الأنعام؛ أما الجمال فمشاع عَامٌّ للناس، فحين ترى حصاناً جميلاً؛ أو البقرة المَزْهُوة بالصحة؛ فأنت ترى نعمة الله التي خلقها لِتسُرّ الناظر إليها.
ونلحظ هذا الجمال في لحظات سروح البهائم ولحظات رواحها. ونقول في الريف «سرحت البهائم» أي: خرجتْ من الحظائر لترعى وتأكل. ونلحظ أن الحق سبحانه قد قدَّم الرَّواح أي العودة إلى الحظائر عن السُّروح؛ لأن البهائم حين تعود إلى حظائرها بعد أنْ ترعى تكون بطونُها ممتلئةً وضُروعها رابِية حافلة باللبن؛ فيسعد مَنْ يراها حتى قبل أنْ يطعمَ من ألبانها.
ومَنْ يخرج ببهائمه في الصباح من بيته، ويصحبها من زرائبها إلى الحقل، يجد جمالاً مع هيبة ومنعة مع أصوات تحقق للرجل المالك الهيبة، ومَنْ لا يملك يمكن أنْ يشاهد جمال تلك الأنعام.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى... ﴾.
ونلحظ هذا الجمال في لحظات سروح البهائم ولحظات رواحها. ونقول في الريف «سرحت البهائم» أي: خرجتْ من الحظائر لترعى وتأكل. ونلحظ أن الحق سبحانه قد قدَّم الرَّواح أي العودة إلى الحظائر عن السُّروح؛ لأن البهائم حين تعود إلى حظائرها بعد أنْ ترعى تكون بطونُها ممتلئةً وضُروعها رابِية حافلة باللبن؛ فيسعد مَنْ يراها حتى قبل أنْ يطعمَ من ألبانها.
ومَنْ يخرج ببهائمه في الصباح من بيته، ويصحبها من زرائبها إلى الحقل، يجد جمالاً مع هيبة ومنعة مع أصوات تحقق للرجل المالك الهيبة، ومَنْ لا يملك يمكن أنْ يشاهد جمال تلك الأنعام.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى... ﴾.
ونعلم أن الإنسانَ في حياته بين أمرين؛ إما ظَاعن أي: مسافر. وإما مقيم. وفي حالة المقيم، فالأنعامُ تُحقِّق له الدِّفْء والطعام والمَلْبس. وعادةً ما يكتفي متوسطُ الحال بأنْ يستقرّ في مكان إقامته وكذلك الفقير.
أما المُقْتدر الغنيّ؛ فأنت تجده يوماً في القاهرة، وآخر في الإسكندرية، أو طنطا، وقد يسافر إلى الخارج، وكلُّ ذلك ميسور في زمن المواصلات الحديثة. وقديماً كانت وسائل المواصلات شاقة، ولا يقدر على السفر إلا مَنْ كانت لديه إبل صحيحة أو خيول قوية، أما مَنْ لم يكن يملك إلا حماراً أعجف فهو لا يفكر إلا في المسافات القصيرة.
ولذلك نجد القرآن حين تكلم عن أهل سبأ يقول: ﴿فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وظلموا أَنفُسَهُمْ... ﴾ [سبأ: ١٩].
وهم قد قالوا ذلك اعتزازاً بما يملكونه من خَيْل ووسائل سفر من دوابّ سليمة وقوية، تُهيِّئ السفر المريح الذي ينمُّ عن العِزّ والقوة والثراء.
وقوله الحق:
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ... ﴾ [النحل: ٧].
يعني وضع ما يَثْقل على ما يُثَقّل؛ ولذلك فنحن لا نجد إنساناً
أما المُقْتدر الغنيّ؛ فأنت تجده يوماً في القاهرة، وآخر في الإسكندرية، أو طنطا، وقد يسافر إلى الخارج، وكلُّ ذلك ميسور في زمن المواصلات الحديثة. وقديماً كانت وسائل المواصلات شاقة، ولا يقدر على السفر إلا مَنْ كانت لديه إبل صحيحة أو خيول قوية، أما مَنْ لم يكن يملك إلا حماراً أعجف فهو لا يفكر إلا في المسافات القصيرة.
ولذلك نجد القرآن حين تكلم عن أهل سبأ يقول: ﴿فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وظلموا أَنفُسَهُمْ... ﴾ [سبأ: ١٩].
وهم قد قالوا ذلك اعتزازاً بما يملكونه من خَيْل ووسائل سفر من دوابّ سليمة وقوية، تُهيِّئ السفر المريح الذي ينمُّ عن العِزّ والقوة والثراء.
وقوله الحق:
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ... ﴾ [النحل: ٧].
يعني وضع ما يَثْقل على ما يُثَقّل؛ ولذلك فنحن لا نجد إنساناً
7817
يحمل دابته؛ بل نجد مَنْ يحمل أثقاله على الدابة ليُخفِّف عن نفسه حَمْل أوزانٍ لا يقدر عليها.
ونعلم أن الوزن يتبع الكثافة؛ كما أن الحجمَ يتبع المساحة؛ فحين تنظر إلى كيلوجرام من القطن، فأنت تجد حجم كيلوجرام القطن أكبرُ من حجم الحديد؛ لأن كثافة الحديد مطمورة فيه، أما نفاشات القطن فهي التي تجعله يحتاج حيزاً اكبر من المساحة.
ويتابع الحق سبحانه قوله في الآية الكريمة:
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس... ﴾ [النحل: ٧].
ومَنْ يفتش في أساليب القرآن من المستشرقين قد يقول: «إن عَجُزَ الآية غَيْر متفق مع صَدْرها».
ونقول لمثل صاحب هذا القول: أنت لم تفطن إلى المِنّة التي يمتنُّ بها الله على خَلْقه، فهم لم يكونوا بالغين لهذا البلد دون أثقالَ إلا بمشقَّة؛ فما بالنا بثِقَل المشقة حين تكون معهم أثقال من بضائع ومتاع؟
إنها نعمة كبيرة أنْ يجدوا ما يحملون عليه أثقالهم وأنفسهم ليصلوا إلي حيث يريدون.
وكلمة ﴿بِشِقِّ﴾ [النحل] مصدرها شَق وهو الصِّدْع بين شيئين؛ ويعني عَزْل متصلين؛ وسبحانه هو القائل: ﴿فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ﴾ [الحجر: ٩٤].
ونعلم أن الوزن يتبع الكثافة؛ كما أن الحجمَ يتبع المساحة؛ فحين تنظر إلى كيلوجرام من القطن، فأنت تجد حجم كيلوجرام القطن أكبرُ من حجم الحديد؛ لأن كثافة الحديد مطمورة فيه، أما نفاشات القطن فهي التي تجعله يحتاج حيزاً اكبر من المساحة.
ويتابع الحق سبحانه قوله في الآية الكريمة:
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس... ﴾ [النحل: ٧].
ومَنْ يفتش في أساليب القرآن من المستشرقين قد يقول: «إن عَجُزَ الآية غَيْر متفق مع صَدْرها».
ونقول لمثل صاحب هذا القول: أنت لم تفطن إلى المِنّة التي يمتنُّ بها الله على خَلْقه، فهم لم يكونوا بالغين لهذا البلد دون أثقالَ إلا بمشقَّة؛ فما بالنا بثِقَل المشقة حين تكون معهم أثقال من بضائع ومتاع؟
إنها نعمة كبيرة أنْ يجدوا ما يحملون عليه أثقالهم وأنفسهم ليصلوا إلي حيث يريدون.
وكلمة ﴿بِشِقِّ﴾ [النحل] مصدرها شَق وهو الصِّدْع بين شيئين؛ ويعني عَزْل متصلين؛ وسبحانه هو القائل: ﴿فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ﴾ [الحجر: ٩٤].
7818
وهناك «شَق» وهو الجهد، و «شقَّة». والإنسان كما نعلم هو بين ثلاث حالات: إمَّا نائم؛ لذلك لا يحتاج إلى طاقة كبيرة تحفظ له حياته؛ وأيضاً وهو مُتيقِّظ فأجهزته لا تحتاج إلى طاقة كبيرة؛ بل تحتاج إلى طاقة مُتوسِّطة لتعملَ؛ أما إنْ كان يحمل أشياءَ ثقيلة فالإنسان يحتاج إلى طاقة أكبر لتعمل أجهزته.
وكذلك نجد الحق سبحانه يقول: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة﴾
[التوبة: ٤٢].
والمعنىّ هنا بالشُّقة هي المسافة التي يشقُّ قطعُها، ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ٧].
والصفتان هنا هما الرأفة والرحمة، وكل منهما مناسب لِمَا جاء بالآية؛ فالربُّ هو المُتولِّي التربية والمَدَد، وأيُّ رحلة لها مَقْصِد، وأيُّ رحلة هي للاستثمار، أو الاعتبار، أو للاثنين معاً.
فإذا كانت رحلةَ استثمار فدابّتُك يجب أن تكون قويةً لتحمل ما معك من أثقال، وتحمل عليها ما سوف تعود به من بضائع.
وإنْ كانت الرحلةُ للاعتبار فأنت تزيل بهذا السفر ألم عدم المعرفة
وكذلك نجد الحق سبحانه يقول: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة﴾
[التوبة: ٤٢].
والمعنىّ هنا بالشُّقة هي المسافة التي يشقُّ قطعُها، ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ٧].
والصفتان هنا هما الرأفة والرحمة، وكل منهما مناسب لِمَا جاء بالآية؛ فالربُّ هو المُتولِّي التربية والمَدَد، وأيُّ رحلة لها مَقْصِد، وأيُّ رحلة هي للاستثمار، أو الاعتبار، أو للاثنين معاً.
فإذا كانت رحلةَ استثمار فدابّتُك يجب أن تكون قويةً لتحمل ما معك من أثقال، وتحمل عليها ما سوف تعود به من بضائع.
وإنْ كانت الرحلةُ للاعتبار فأنت تزيل بهذا السفر ألم عدم المعرفة
7819
والرغبة في الوصول إلى المكان الذي قصدته.
وهكذا تجد الرأفةَ مناسبةً لقضاء النفع وتحقيق الحاجة وإزالة الألم. وكلمة رحيم مناسبة لمنع الألم بتحقيق الوصول إلى الغاية.
وتوقَّفَ بعضٌ من العلماء عند مَقْصِد الرحلة؛ كأن تكون مسافراً للاتجار أو أن تكونَ مسافراً للاعتبار. ولكن هذا سفرٌ بالاختيار؛ وهناك سفر اضطراري؛ كالسفر الضروري إلى الحج مرة في العمرة.
والحق سبحانه يزيل ألم الحَمْل الثقيل، وبذلك تتحقق رأفته؛ وهو رحيم لأنه حقَّق لكم أُمنية السفر.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والخيل والبغال... ﴾.
وهكذا تجد الرأفةَ مناسبةً لقضاء النفع وتحقيق الحاجة وإزالة الألم. وكلمة رحيم مناسبة لمنع الألم بتحقيق الوصول إلى الغاية.
وتوقَّفَ بعضٌ من العلماء عند مَقْصِد الرحلة؛ كأن تكون مسافراً للاتجار أو أن تكونَ مسافراً للاعتبار. ولكن هذا سفرٌ بالاختيار؛ وهناك سفر اضطراري؛ كالسفر الضروري إلى الحج مرة في العمرة.
والحق سبحانه يزيل ألم الحَمْل الثقيل، وبذلك تتحقق رأفته؛ وهو رحيم لأنه حقَّق لكم أُمنية السفر.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والخيل والبغال... ﴾.
7820
وبعد أن ذكر لنا الحق سبحانه الأنعام التي نأخذ منها المأكولات، يذكر لنا في هذه الآية الأنعام التي نستخدمها للتنقل أو للزينة؛ ولا نأكل لحومها وهي الخَيْل والبِغَال والحمير؛ ويُذكِّرنا بأنها للركوب والمنفعة مع الزينة؛ ذلك أن الناس تتزيَّن بما تَرْكب؛
7820
تماماً كما يفخر أبناءُ عصرِنا بالتزيُّن بالسيارات الفارهة.
ونَسَقُ الآية يدلُّ على تفاوت الناس في المراتب؛ فكلُّ مرتبة من الناس لها ما يناسبها لِتركبه؛ فالخَيْل للسادة والفِرْسان والأغنياء؛ ومَنْ هم أقلُّ يركبون البغال، ومَنْ لا يملك ما يكفي لشراء الحصان أو البغل؛ فيمكنه أنْ يشتريَ لنفسه حماراً.
وقد يملك إنسانٌ الثلاثة ركائب، وقد يملك آخرُ اثنتين منها؛ وقد يملك ثالثٌ رُكوبة واحدة، وهناك مَنْ لا يملك من المال ما يُمكِنه أنْ يستأجرَ ولو رُكوبة من أيّ نوع.
وشاء الحق سبحانه أن يقسم للناس أرزاق كل واحد منهم قِلَّةً أو كثرةً، وإلا لو تساوى الناس في الرزق، فمَنِ الذي يقوم بالأعمال التي نُسمِّيها نحن بالخطأ أعمالاً دُونية، مَنْ يكنس الشوارع، ومَنْ يحمل الطُّوب للبناء، ومَنْ يقف بالشَّحْم وسط ورش إصلاح السيارات؟
وكما نرى فكلُّ تلك الأعمال ضرورية، ولولا رغبةُ الناس في الرزق لَمَا حَلَتْ مثل تلك الأعمال، وراقتْ في عُيون مَنْ يُمارِسونها، ذلك أنها تَقِيهم شَرَّ السُّؤال.
ولولا أن مَنْ يعمل في تلك الأعمال له بطنٌ تريد أنْ تمتليءَ بالطعام، وأولاد يريدون أنْ يأكلوا؛ لَمَا ذهب إلي مشقَّات تلك الأعمال. ولو نظرتَ إلى أفقر إنسان في الكون لوجدتَ في حياته فترة حقَّق فيها بعضاً من أحلامه.
وقد نجد إنساناً يكِدُّ عَشْرة سنين؛ ويرتاح بقية عمره؛ ونجد مَنْ يكِدّ عشرين عاماً فيُرِيح نفسه وأولاده من بعده، وهناك مَنْ يتعب ثلاثين عاماً، فيُريح أولاده وأحفاده من بعده. والمهم هو قيمة
ونَسَقُ الآية يدلُّ على تفاوت الناس في المراتب؛ فكلُّ مرتبة من الناس لها ما يناسبها لِتركبه؛ فالخَيْل للسادة والفِرْسان والأغنياء؛ ومَنْ هم أقلُّ يركبون البغال، ومَنْ لا يملك ما يكفي لشراء الحصان أو البغل؛ فيمكنه أنْ يشتريَ لنفسه حماراً.
وقد يملك إنسانٌ الثلاثة ركائب، وقد يملك آخرُ اثنتين منها؛ وقد يملك ثالثٌ رُكوبة واحدة، وهناك مَنْ لا يملك من المال ما يُمكِنه أنْ يستأجرَ ولو رُكوبة من أيّ نوع.
وشاء الحق سبحانه أن يقسم للناس أرزاق كل واحد منهم قِلَّةً أو كثرةً، وإلا لو تساوى الناس في الرزق، فمَنِ الذي يقوم بالأعمال التي نُسمِّيها نحن بالخطأ أعمالاً دُونية، مَنْ يكنس الشوارع، ومَنْ يحمل الطُّوب للبناء، ومَنْ يقف بالشَّحْم وسط ورش إصلاح السيارات؟
وكما نرى فكلُّ تلك الأعمال ضرورية، ولولا رغبةُ الناس في الرزق لَمَا حَلَتْ مثل تلك الأعمال، وراقتْ في عُيون مَنْ يُمارِسونها، ذلك أنها تَقِيهم شَرَّ السُّؤال.
ولولا أن مَنْ يعمل في تلك الأعمال له بطنٌ تريد أنْ تمتليءَ بالطعام، وأولاد يريدون أنْ يأكلوا؛ لَمَا ذهب إلي مشقَّات تلك الأعمال. ولو نظرتَ إلى أفقر إنسان في الكون لوجدتَ في حياته فترة حقَّق فيها بعضاً من أحلامه.
وقد نجد إنساناً يكِدُّ عَشْرة سنين؛ ويرتاح بقية عمره؛ ونجد مَنْ يكِدّ عشرين عاماً فيُرِيح نفسه وأولاده من بعده، وهناك مَنْ يتعب ثلاثين عاماً، فيُريح أولاده وأحفاده من بعده. والمهم هو قيمة
7821
ما يُتقِنه، وأن يرضَى بقدر الله فيه، فيعطيه الله ما دام قد قَبِل قدره فيه.
وأنت إنْ نظرتَ إلى مَنْ فاء الله عليهم بالغِنَى والتَّرف ستجدهم في بداية حياتهم قد كَدُّوا وتَعِبوا ورَضُوا بقدر الله فيهم، ولم يحقدوا على أحد، نجده سبحانه يهديهم طمأنينةَ وراحةَ بالٍ.
وشاء سبحانه أنْ يُنوِّع في مُسْتويات حياة البشر كَيْلا يستنكفَ أحدٌ من خدمة أحد ما دام يحتاج خدماته.
ونجد النصّ التعبيري في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها هو خَيْل وبِغَال وحمير؛ وقد جعل الحق سبحانه البغال في الوسط؛ لأنها ليست جنساً بل تأتي من جنسين مختلفين.
ويُنبِّهنا الحق سبحانه في آخر الآية إلى أن ذلك ليس نهاية المَطَاف؛ بل هناك ما هو أكثر، فقال:
﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨].
وجعل الحق سبحانه البُراق خادماً لسيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وجعل بساط الريح خادماً لسليمان عليه السلام، وإذا كانت مثل تلك المُعْجزات قد حدثتْ لأنبياء؛ فقد هدى البشر إلى أنْ يبتكروا من وسائل المواصلات الكثير من عربات تجرُّها الجِيَاد إلى سيارات وقطارات وطائرات.
وما زال العلم يُطوِّر من تلك الوسائل، ورغم ذلك فهناك مَنْ يقتني الخيْل ويُربّيها ويُروِّضها ويجريّها لجمال منظرها.
وإذا كانت تلك الوسائلُ من المواصلات التي كانت تحمل عنَّا
وأنت إنْ نظرتَ إلى مَنْ فاء الله عليهم بالغِنَى والتَّرف ستجدهم في بداية حياتهم قد كَدُّوا وتَعِبوا ورَضُوا بقدر الله فيهم، ولم يحقدوا على أحد، نجده سبحانه يهديهم طمأنينةَ وراحةَ بالٍ.
وشاء سبحانه أنْ يُنوِّع في مُسْتويات حياة البشر كَيْلا يستنكفَ أحدٌ من خدمة أحد ما دام يحتاج خدماته.
ونجد النصّ التعبيري في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها هو خَيْل وبِغَال وحمير؛ وقد جعل الحق سبحانه البغال في الوسط؛ لأنها ليست جنساً بل تأتي من جنسين مختلفين.
ويُنبِّهنا الحق سبحانه في آخر الآية إلى أن ذلك ليس نهاية المَطَاف؛ بل هناك ما هو أكثر، فقال:
﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨].
وجعل الحق سبحانه البُراق خادماً لسيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وجعل بساط الريح خادماً لسليمان عليه السلام، وإذا كانت مثل تلك المُعْجزات قد حدثتْ لأنبياء؛ فقد هدى البشر إلى أنْ يبتكروا من وسائل المواصلات الكثير من عربات تجرُّها الجِيَاد إلى سيارات وقطارات وطائرات.
وما زال العلم يُطوِّر من تلك الوسائل، ورغم ذلك فهناك مَنْ يقتني الخيْل ويُربّيها ويُروِّضها ويجريّها لجمال منظرها.
وإذا كانت تلك الوسائلُ من المواصلات التي كانت تحمل عنَّا
7822
الأثقال؛ وتلك المُخْترعات التي هدانا الله إياها؛ فما بالُنَا بالمواصلات في الآخرة؟ لا بد أن هناك وسائلَ تناسب في رفاهيتها ما في الآخرة من متاعٍ غير موجود في الدنيا؛ ولذلك يقول في الآية التالية: ﴿وعلى الله قَصْدُ... ﴾.
7823
والسبيل هو الطريق؛ والقَصْد هو الغاية، وهو مصدر يأخذون منه القول (طريق قاصد) أي: طريق لا دورانَ فيه ولا التفاف. والحق سبحانه يريد لنا أنْ نصلَ إلى الغاية بأقلِّ مجهود.
ونحن في لغتنا العاميّة نسأل جندي المرور «هل هذا الطريق ماشي؟» رغم أن الطريق لا يمشي، بل أنت الذي تسير فيه، ولكنك تقصد أن يكون الطريق مُوصِّلاً إلى الغاية. وأنت حين تُعجِزك الأسباب تقول «خلِّيها على الله» أي: أنك ترجع بما تعجزك أسبابه إلى المُسبِّب الأعلى.
وهكذا يريد المؤمن الوصول إلى قَصْده، وهو عبادة الله وُصولاً إلى الغاية، وهي الجنة، جزاءً على الإيمان وحُسْن العمل في الدنيا.
وأنت حين تقارن مَجْرى نهر النيل تجد فيه التفافاتٍ وتعرُّجات؛ لأن الماء هو الذي حفر طريقه؛ بينما تنظر إلى الريَّاح التوفيقي مثلاً فتجده مستقيماً؛ ذلك أن البشر هم الذين حفروه إلى مَقْصد معين.
ونحن في لغتنا العاميّة نسأل جندي المرور «هل هذا الطريق ماشي؟» رغم أن الطريق لا يمشي، بل أنت الذي تسير فيه، ولكنك تقصد أن يكون الطريق مُوصِّلاً إلى الغاية. وأنت حين تُعجِزك الأسباب تقول «خلِّيها على الله» أي: أنك ترجع بما تعجزك أسبابه إلى المُسبِّب الأعلى.
وهكذا يريد المؤمن الوصول إلى قَصْده، وهو عبادة الله وُصولاً إلى الغاية، وهي الجنة، جزاءً على الإيمان وحُسْن العمل في الدنيا.
وأنت حين تقارن مَجْرى نهر النيل تجد فيه التفافاتٍ وتعرُّجات؛ لأن الماء هو الذي حفر طريقه؛ بينما تنظر إلى الريَّاح التوفيقي مثلاً فتجده مستقيماً؛ ذلك أن البشر هم الذين حفروه إلى مَقْصد معين.
7823
وحين يكون قَصْد السبيل على الله؛ فالله لا هَوى له ولا صاحبَ، ولا ولدَ له، ولا يحابي أحداً، وكلُّ الخَلْق بالنسبة له سواء؛ ولذلك فهو حين يضع طريقاً فهو يضعُه مستقيماً لا عِوجَ فيه؛ وهو الحق سبحانه القائل: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ [الفاتحة: ٦].
أي: الطريق الذي لا التواءَ فيه لأيِّ غَرَض، بل الغرض منه هو الغاية بأيسرَ طريق.
وقول الحق سبحانه هنا:
﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل... ﴾ [النحل: ٩].
يجعلنا نعود بالذاكرة إلى ما قاله الشيطان في حواره مع الله قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ [ص: ٨٢ - ٨٣].
وردَّ الحق سبحانه: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١].
والحق أيضاً هو القائل: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا للهدى﴾ [الليل: ١٢].
أي: أنه حين خلق الإنسان أوضح له طريق الهداية، وكذلك يقول سبحانه: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد: ١٠].
أي: الطريق الذي لا التواءَ فيه لأيِّ غَرَض، بل الغرض منه هو الغاية بأيسرَ طريق.
وقول الحق سبحانه هنا:
﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل... ﴾ [النحل: ٩].
يجعلنا نعود بالذاكرة إلى ما قاله الشيطان في حواره مع الله قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ [ص: ٨٢ - ٨٣].
وردَّ الحق سبحانه: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١].
والحق أيضاً هو القائل: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا للهدى﴾ [الليل: ١٢].
أي: أنه حين خلق الإنسان أوضح له طريق الهداية، وكذلك يقول سبحانه: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد: ١٠].
7824
أي: أن الحق سبحانه أوضح للإنسان طُرق الحق من الباطل، وهكذا يكون قوله هنا:
﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل﴾ [النحل: ٩].
يدلُّ على أن الطريق المرسوم غايتُه موضوعة من الله سبحانه، والطريق إلى تلك الغاية موزونٌ من الحق الذي لا هَوى له، والخَلْق كلهم سواء أمامه.
وهكذا.. فعلى المُفكِّرين ألاَّ يُرهِقوا أنفسهم بمحاولة وَضْع تقنين من عندهم لحركة الحياة، لأن واجدَ الحياة قد وضع لها قانون صيانتها، وليس أدلّ على عَجْز المفكرين عن وضع قوانين تنظيم حياة البشر إلا أنهم يُغيِّرون من القوانين كل فَتْرة، أما قانون الله فخالد باقٍ أبداً، ولا استدراكَ عليه.
ولذلك فمِنَ المُرِيح للبشر أنْ يسيروا على منهج الله والذي قال فيه الحق سبحانه حكماً عليهم أنْ يُطبِّقوه؛ وما تركه الله لنا نجتهد فيه نحن.
وقوله الحق:
﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل... ﴾ [النحل: ٩].
أي: أنه هو الذي جعل سبيلَ الإيمان قاصداً للغاية التي وضعها سبحانه، ذلك أن من السُّبل ما هو جائر؛ ولذلك قال:
﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ.
..﴾ [النحل: ٩].
ولكي يمنع الجَوْر جعل سبيلَ الإيمان قاصداً، فهو القائل:
﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل﴾ [النحل: ٩].
يدلُّ على أن الطريق المرسوم غايتُه موضوعة من الله سبحانه، والطريق إلى تلك الغاية موزونٌ من الحق الذي لا هَوى له، والخَلْق كلهم سواء أمامه.
وهكذا.. فعلى المُفكِّرين ألاَّ يُرهِقوا أنفسهم بمحاولة وَضْع تقنين من عندهم لحركة الحياة، لأن واجدَ الحياة قد وضع لها قانون صيانتها، وليس أدلّ على عَجْز المفكرين عن وضع قوانين تنظيم حياة البشر إلا أنهم يُغيِّرون من القوانين كل فَتْرة، أما قانون الله فخالد باقٍ أبداً، ولا استدراكَ عليه.
ولذلك فمِنَ المُرِيح للبشر أنْ يسيروا على منهج الله والذي قال فيه الحق سبحانه حكماً عليهم أنْ يُطبِّقوه؛ وما تركه الله لنا نجتهد فيه نحن.
وقوله الحق:
﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل... ﴾ [النحل: ٩].
أي: أنه هو الذي جعل سبيلَ الإيمان قاصداً للغاية التي وضعها سبحانه، ذلك أن من السُّبل ما هو جائر؛ ولذلك قال:
﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ.
..﴾ [النحل: ٩].
ولكي يمنع الجَوْر جعل سبيلَ الإيمان قاصداً، فهو القائل:
7825
﴿وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض... ﴾ [المؤمنون: ٧١].
بينما السبيل العادلة المستقيمة هي السبيل المُتكفّل بها سبحانه، وهي سبيل الإيمان، ذلك أن من السُّبل ما هو جائر أي: يُطِيل المسافة عليك، أو يُعرِّضك للمخاطر، أو توجد بها مُنْحنيات تُضِل الإنسانَ، فلا يسيرُ إلى الطريق المستقيم.
ونعلم أن السبيل تُوصِّل بين طرفين (من وإلى) وكل نقطة تصل إليها لها أيضاً (من وإلى) وقد شاء الحق سبحانه ألاَّ يقهرَ الإنسانَ على سبيل واحد، بل أراد له أنْ يختار، ذلك أن التسخير قد أراده الله لغير الإنسان مِمَّا يخدم الإنسان.
أما الإنسان فقد خلق له قدرة الاختيار، ليعلم مَنْ يأتيه طائعاً ومَنْ يعصي أوامره، وكل البشر مَجْموعون إلى حساب، ومَن اختار طريق الطاعة فهو مَنْ يذهب إلى الله مُحباً، ويُثبِت له المحبوبية التي هي مراد الحق من خَلْق الاختيار، لكن لو شاء أنْ يُثبِتَ لنفسه طلاقة القَهْر لخَلقَ البشر مقهورين على الطاعة كما سخَّر الكائنات الأخرى.
والحق سبحانه يريد قلوباً لا قوالب؛ ولذلك يقول في آخر الآية:
﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩].
وكل أجناس الوجود كما نعلم تسجد لله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤].
بينما السبيل العادلة المستقيمة هي السبيل المُتكفّل بها سبحانه، وهي سبيل الإيمان، ذلك أن من السُّبل ما هو جائر أي: يُطِيل المسافة عليك، أو يُعرِّضك للمخاطر، أو توجد بها مُنْحنيات تُضِل الإنسانَ، فلا يسيرُ إلى الطريق المستقيم.
ونعلم أن السبيل تُوصِّل بين طرفين (من وإلى) وكل نقطة تصل إليها لها أيضاً (من وإلى) وقد شاء الحق سبحانه ألاَّ يقهرَ الإنسانَ على سبيل واحد، بل أراد له أنْ يختار، ذلك أن التسخير قد أراده الله لغير الإنسان مِمَّا يخدم الإنسان.
أما الإنسان فقد خلق له قدرة الاختيار، ليعلم مَنْ يأتيه طائعاً ومَنْ يعصي أوامره، وكل البشر مَجْموعون إلى حساب، ومَن اختار طريق الطاعة فهو مَنْ يذهب إلى الله مُحباً، ويُثبِت له المحبوبية التي هي مراد الحق من خَلْق الاختيار، لكن لو شاء أنْ يُثبِتَ لنفسه طلاقة القَهْر لخَلقَ البشر مقهورين على الطاعة كما سخَّر الكائنات الأخرى.
والحق سبحانه يريد قلوباً لا قوالب؛ ولذلك يقول في آخر الآية:
﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩].
وكل أجناس الوجود كما نعلم تسجد لله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤].
7826
وفي آية أخرى يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السماوات والأرض والطير صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور: ٤١].
إذن: لو شاء الحق سبحانه لهدى الثقلين أي: الإنس والجن، كما هدى كُلَّ الكائنات الأخرى، ولكنه يريد قلوباً لا قوالبَ.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿هُوَ الذي أَنْزَلَ... ﴾.
وقوله:
إذن: لو شاء الحق سبحانه لهدى الثقلين أي: الإنس والجن، كما هدى كُلَّ الكائنات الأخرى، ولكنه يريد قلوباً لا قوالبَ.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿هُوَ الذي أَنْزَلَ... ﴾.
وقوله:
7827
﴿أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً... ﴾ [النحل: ١٠].
يبدو قولاً بسيطاً؛ ولكن إنْ نظرنا إلى المعامل التي تُقطِّر المياه وتُخلِّصها من الشوائب لَعلِمْنَا قَدْر العمل المبذول لنزول الماء الصافي من المطر.
والسماء كما نعلم هي كل ما يعلونا، ونحن نرى السحاب الذي يجيء نتيجة تبخير الشمس للمياه من المحيطات والبحار، فيتكوَّن البخار الذي يتصاعد، ثم يتكثَّف ليصيرَ مطراً من بعد ذلك؛ وينزل المطر على الأرض.
يبدو قولاً بسيطاً؛ ولكن إنْ نظرنا إلى المعامل التي تُقطِّر المياه وتُخلِّصها من الشوائب لَعلِمْنَا قَدْر العمل المبذول لنزول الماء الصافي من المطر.
والسماء كما نعلم هي كل ما يعلونا، ونحن نرى السحاب الذي يجيء نتيجة تبخير الشمس للمياه من المحيطات والبحار، فيتكوَّن البخار الذي يتصاعد، ثم يتكثَّف ليصيرَ مطراً من بعد ذلك؛ وينزل المطر على الأرض.
7827
ونعلم أن الكرة الأرضية مُكوَّنة من محيطات وبحار تُغطِّي ثلاثة أرباع مساحتها، بينما تبلغ مساحة اليابسة رُبْع الكرة الأرضية؛ فكأنه جعل ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية لخدمة رُبْع الكرة الأرضية.
ومن العجيب أن المطر يسقط في مواقع قد لا تنتفع به، مثل هضاب الحبشة التي تسقط عليها الأمطار وتصحب من تلك الهضاب مادة الطمي لِتُكوِّن نهر النيل لنستفيد نحن منه.
ونجد الحق سبحانه يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ﴾ [النور: ٤٣].
وهنا يقول الحق سبحانه: ﴿هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠].
ولولا عملية البَخْر وإعادة تكثيف البخار بعد أن يصير سحاباً؛ لَمَا استطاع الإنسانُ أنْ يشربَ الماء المالح الموجود في البحار، ومن حكمة الحق سبحانه أن جعل مياه البحار والمحيطات مالحةً؛ فالمِلْح يحفظ المياه من الفساد.
ومن العجيب أن المطر يسقط في مواقع قد لا تنتفع به، مثل هضاب الحبشة التي تسقط عليها الأمطار وتصحب من تلك الهضاب مادة الطمي لِتُكوِّن نهر النيل لنستفيد نحن منه.
ونجد الحق سبحانه يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ﴾ [النور: ٤٣].
وهنا يقول الحق سبحانه: ﴿هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠].
ولولا عملية البَخْر وإعادة تكثيف البخار بعد أن يصير سحاباً؛ لَمَا استطاع الإنسانُ أنْ يشربَ الماء المالح الموجود في البحار، ومن حكمة الحق سبحانه أن جعل مياه البحار والمحيطات مالحةً؛ فالمِلْح يحفظ المياه من الفساد.
7828
وبعد أن تُبخِّر الشمسُ المياه لتصير سحاباً، ويسقط المطر يشرب الإنسانُ هذا الماء الذي يُغذِّي الأنهار والآبار، وكذلك ينبت الماء الزرع الذي نأكل منه.
وكلمة ﴿شَجَرٌ﴾ تدلُّ على النبات الذي يلتفُّ مع بعضه. ومنها كلمة «مشاجرة» والتي تعني التداخل من الذين يتشاجرون معاً.
والشجر أنواع؛ فيه مغروس بمالك وهو مِلْك لِمَنْ يغرسه ويُشرِف على إنباته، وفي ما يخرج من الأرض دون أنْ يزرعه أحد وهو مِلْكية مشاعة، وعادة ما نترك فيه الدَّواب لترعى، فتأكل منه دون أنْ يردَّها أحد.
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠].
من سَام الدابة التي تَرْعى في المِلْك العام، وساعة ترعى الدابة في المِلْك العام فهي تترك آثارها من مَسَارب وعلامات. ويُسَمُّون الأرضَ التي يوجد بها نبات ولا يقربها حيوان بأنها «روضة أنُف» بمعنى أن أحداً لم يَأتِ إِليها أو يَقربها؛ كأنها أنفت أنْ يقطف منها شيء.
وكلمة ﴿شَجَرٌ﴾ تدلُّ على النبات الذي يلتفُّ مع بعضه. ومنها كلمة «مشاجرة» والتي تعني التداخل من الذين يتشاجرون معاً.
والشجر أنواع؛ فيه مغروس بمالك وهو مِلْك لِمَنْ يغرسه ويُشرِف على إنباته، وفي ما يخرج من الأرض دون أنْ يزرعه أحد وهو مِلْكية مشاعة، وعادة ما نترك فيه الدَّواب لترعى، فتأكل منه دون أنْ يردَّها أحد.
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠].
من سَام الدابة التي تَرْعى في المِلْك العام، وساعة ترعى الدابة في المِلْك العام فهي تترك آثارها من مَسَارب وعلامات. ويُسَمُّون الأرضَ التي يوجد بها نبات ولا يقربها حيوان بأنها «روضة أنُف» بمعنى أن أحداً لم يَأتِ إِليها أو يَقربها؛ كأنها أنفت أنْ يقطف منها شيء.
7829
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ....﴾.
7830
وهكذا يُعلِمنا الله أن النبات لا ينبت وحده، بل يحتاج إلى مَنْ يُنبِته، وهنا يَخصُّ الحق سبحانه ألواناً من الزراعة التي لها أَثَر في الحياة، ويذكر الزيتون والنخيل والأعناب وغيرها من كل الثمرات.
والزيتون كما نعلم يحتوي على مواد دُهْنية؛ والعنب يحتوي على مواد سُكرية، وكذلك النخيل الذي يعطي البلح وهو يحتوي على مواد سُكرية، وغذاء الإنسان يأتي من النشويات والبروتينات.
وما ذكره الحق سبحانه أولاً عن الأنعام، وما ذكره عن النباتات يُوضِّح أنه قد أعطى الإنسان مُكوِّنات الغذاء؛ فهو القائل: ﴿والتين والزيتون وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلد الأمين لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ١ - ٤].
أي: أنه جعل للإنسان في قُوته البروتينات والدُّهنيات والنشويات والفيتامينات التي تصون حياته.
والزيتون كما نعلم يحتوي على مواد دُهْنية؛ والعنب يحتوي على مواد سُكرية، وكذلك النخيل الذي يعطي البلح وهو يحتوي على مواد سُكرية، وغذاء الإنسان يأتي من النشويات والبروتينات.
وما ذكره الحق سبحانه أولاً عن الأنعام، وما ذكره عن النباتات يُوضِّح أنه قد أعطى الإنسان مُكوِّنات الغذاء؛ فهو القائل: ﴿والتين والزيتون وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلد الأمين لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ١ - ٤].
أي: أنه جعل للإنسان في قُوته البروتينات والدُّهنيات والنشويات والفيتامينات التي تصون حياته.
7830
وحين يرغب الأطباء في تغذية إنسان أثناء المرض؛ فهم يُذِيبون العناصر التي يحتاجها للغذاء في السوائل التي يُقطِّرونها في أوردته بالحَقْن، ولكنهم يخافون من طول التغذية بهذه الطريقة؛ لأن الأمعاء قد تنكمش.
ومَنْ يقومون بتغذية البهائم يعلمون أن التغذية تتكَّون من نوعين؛ غذاء يملأ البطن؛ وغذاء يمدُّ بالعناصر اللازمة، فالتبن مثلا يملأ البطن، ويمدُّها بالألياف التي تساعد على حركة الأمعاء، ولكن الكُسْب يُغذِّي ويضمن السِّمنة والوَفْرة في اللحم.
وحين يقول الحق سبحانه:
﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ [النحل: ١١].
فعليك أنْ تستقبلَ هذا القول في ضَوْء قَوْل الحق سبحانه: ﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون﴾ [الواقعة: ٦٤].
ذلك أنك تحرثُ الأرض فقط، أما الذي يزرع فهو الحق سبحانه؛ وأنت قد حرثتَ بالحديد الذي أودعه الله في الأرض فاستخرجْتَه أنت؛ وبالخشب الذي أنبته الله؛ وصنعتَ أنت منهما المحراث الذي تحرث به في الأرض المخلوقة لله، والطاقة التي حرثتَ بها ممنوحة لك من الله.
ومَنْ يقومون بتغذية البهائم يعلمون أن التغذية تتكَّون من نوعين؛ غذاء يملأ البطن؛ وغذاء يمدُّ بالعناصر اللازمة، فالتبن مثلا يملأ البطن، ويمدُّها بالألياف التي تساعد على حركة الأمعاء، ولكن الكُسْب يُغذِّي ويضمن السِّمنة والوَفْرة في اللحم.
وحين يقول الحق سبحانه:
﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ [النحل: ١١].
فعليك أنْ تستقبلَ هذا القول في ضَوْء قَوْل الحق سبحانه: ﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون﴾ [الواقعة: ٦٤].
ذلك أنك تحرثُ الأرض فقط، أما الذي يزرع فهو الحق سبحانه؛ وأنت قد حرثتَ بالحديد الذي أودعه الله في الأرض فاستخرجْتَه أنت؛ وبالخشب الذي أنبته الله؛ وصنعتَ أنت منهما المحراث الذي تحرث به في الأرض المخلوقة لله، والطاقة التي حرثتَ بها ممنوحة لك من الله.
7831
ثم يُذكِّرك الله بأن كُلَّ الثمرات هي من عطائه، فيعطف العام على الخاص؛ ويقول:
﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ [النحل: ١١].
أي: أن ما تأخذه هو جزء من كل الثمرات؛ ذلك أن الثمرات كثيرة، وهي أكثر من أن تُعَد.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١١].
أي: على الإنسان أنْ يُعمِلَ فكره في مُعْطيات الكون، ثم يبحث عن موقفه من تلك المُعْطيات، ويُحدِّد وَضْعه ليجد نفسه غير فاعل؛ وهو قابل لأنْ يفعَل.
وشاء الحق سبحانه أن يُذكِّرنا أن التفكُّر ليس مهمةَ إنسان واحد بل مهمة الجميع، وكأن الحق سبحانه يريد لنا أنْ تتسانَد أفكارنا؛ فَمْن عنده لَقْطة فكرية تؤدي إلى الله لا بُدَّ أنْ يقولها لغيره.
ونجد في القرآن آيات تنتهي بالتذكُّر والتفكُّر وبالتدبُّر وبالتفقُّه، وكُلٌّ منها تؤدي إلى العلم اليقيني؛ فحين يقول «يتذكرون» فالمعنى أنه سبق الإلمام بها؛ ولكن النسيان محاها؛ فكأن مِنْ مهمتك أنْ تتذكَّر.
﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ [النحل: ١١].
أي: أن ما تأخذه هو جزء من كل الثمرات؛ ذلك أن الثمرات كثيرة، وهي أكثر من أن تُعَد.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١١].
أي: على الإنسان أنْ يُعمِلَ فكره في مُعْطيات الكون، ثم يبحث عن موقفه من تلك المُعْطيات، ويُحدِّد وَضْعه ليجد نفسه غير فاعل؛ وهو قابل لأنْ يفعَل.
وشاء الحق سبحانه أن يُذكِّرنا أن التفكُّر ليس مهمةَ إنسان واحد بل مهمة الجميع، وكأن الحق سبحانه يريد لنا أنْ تتسانَد أفكارنا؛ فَمْن عنده لَقْطة فكرية تؤدي إلى الله لا بُدَّ أنْ يقولها لغيره.
ونجد في القرآن آيات تنتهي بالتذكُّر والتفكُّر وبالتدبُّر وبالتفقُّه، وكُلٌّ منها تؤدي إلى العلم اليقيني؛ فحين يقول «يتذكرون» فالمعنى أنه سبق الإلمام بها؛ ولكن النسيان محاها؛ فكأن مِنْ مهمتك أنْ تتذكَّر.
7832
أما كلمة «يتفكرون» فهي أُمّ كل تلك المعاني؛ لأنك حين تشغل فكرك تحتاج إلى أمرين، أنْ تنظرَ إلى مُعْطيات ظواهرها ومُعْطيات أدبارها.
ولذلك يقول الحق سبحانه: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن﴾ [النساء: ٨٢].
وهذا يعني ألاَّ تأخذ الواجهة فقط، بل عليك أنْ تنظرَ إلى المعطيات الخلفية كي تفهم، وحين تفهم تكون قد عرفتَ، فالمهمة مُكوَّنة من أربع مراحل؛ تفكُّر، فتدبُّر، فتفقُّه؛ فمعرفة وعِلْم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل... ﴾.
ولذلك يقول الحق سبحانه: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن﴾ [النساء: ٨٢].
وهذا يعني ألاَّ تأخذ الواجهة فقط، بل عليك أنْ تنظرَ إلى المعطيات الخلفية كي تفهم، وحين تفهم تكون قد عرفتَ، فالمهمة مُكوَّنة من أربع مراحل؛ تفكُّر، فتدبُّر، فتفقُّه؛ فمعرفة وعِلْم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل... ﴾.
7833
ونعلم أن الليل والنهار آيتان واضحتان؛ والليل يناسبه القمر، والنهار تناسبه الشمس، وهم جميعاً متعلقون بفعل واحد، وهم نسق واحد، والتسخير يعني قَهْر مخلوق لمخلوق؛ لِيُؤدِّي كُلٌّ مهمته. وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر؛ كُلٌّ له مهمة، فالليل مُهِمته الراحة.
7833
قال الحق سبحانه: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص: ٧٣].
والنهار له مهمة أنْ تكدحَ في الأرض لتبتغي رِزْقاً من الله وفَضْلاً، والشمس جعلها مصدراً للطاقة والدِّفْء، وهي تعطيك دون أنْ تسألَ، ولا تستطيع هي أيضاً أن تمتنعَ عن عطاء قَدَّره الله.
وهي ليست مِلْكاً لأحد غير الله؛ بل هي من نظام الكون الذي لم يجعل الحق سبحانه لأحد قدرةً عليه، حتى لا يتحكَّم أحدٌ في أحدٍ، وكذلك القمر جعل له الحق مهمة أخرى.
وإياك أنْ تتوهَم أن هناك مهمة تعارض مهمة أخرى، بل هي مهام متكاملة. والحق سبحانه هو القائل: ﴿والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى﴾ [الليل: ١ - ٤].
أي: أن الليل والنهار وإنْ تقابلا فليسَا متعارضين؛ كما أن الذكر والأنثى يتقابلان لا لتتعارض مهمة كل منهما بل لتتكامل.
ويضرب الحق سبحانه المثل لِيُوضّح لنا هذا التكامل فيقول: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢].
والنهار له مهمة أنْ تكدحَ في الأرض لتبتغي رِزْقاً من الله وفَضْلاً، والشمس جعلها مصدراً للطاقة والدِّفْء، وهي تعطيك دون أنْ تسألَ، ولا تستطيع هي أيضاً أن تمتنعَ عن عطاء قَدَّره الله.
وهي ليست مِلْكاً لأحد غير الله؛ بل هي من نظام الكون الذي لم يجعل الحق سبحانه لأحد قدرةً عليه، حتى لا يتحكَّم أحدٌ في أحدٍ، وكذلك القمر جعل له الحق مهمة أخرى.
وإياك أنْ تتوهَم أن هناك مهمة تعارض مهمة أخرى، بل هي مهام متكاملة. والحق سبحانه هو القائل: ﴿والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى﴾ [الليل: ١ - ٤].
أي: أن الليل والنهار وإنْ تقابلا فليسَا متعارضين؛ كما أن الذكر والأنثى يتقابلان لا لتتعارض مهمة كل منهما بل لتتكامل.
ويضرب الحق سبحانه المثل لِيُوضّح لنا هذا التكامل فيقول: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢].
7834
وأيُّ إنسان إنْ سهر يومين متتابعين لا يستطيع أنْ يقاومَ النوم؛ وإن أدَّى مهمة في هذين اليومين؛ فقد يحتاج لراحة من بعد ذلك تمتدُّ أسبوعاً؛ ولذلك قال الله: ﴿وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً﴾ [النبأ: ١٠ - ١١].
والإنسان إذا ما صلَّى العشاء وذهب إلى فراشه سيستيقظ حَتْماً قبل الفجر وهو في قِمّة النشاط؛ بعد أنْ قضى ليلاً مريحاً في سُبَاتٍ عميق؛ لا قلقَ فيه.
ولكن الإنسان في بلادنا استورد من الغرب حثالة الحضارة من أجهزة تجعله يقضي الليل ساهراً، ليتابع التليفزيون أو أفلام الفيديو أو القنوات الفضائية، فيقوم في الصباح مُنْهكاً، رغم أن أهل تلك البلاد التي قدَّمتْ تلك المخترعات؛ نجدهم وهم يستخدمون تلك المخترعات يضعونها في موضعها الصحيح، وفي وقتها المناسب؛ لذلك نجدهم ينامون مُبكِّرين، ليستيقظوا في الفجر بهمَّة ونشاط.
ويبدأ الحق سبحانه جملة جديدة تقول:
﴿والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ..﴾ [النحل: ١٢].
نلحظ أنه لم يَأْتِ بالنجوم معطوفةً على ما قبلها، بل خَصَّها الحق سبحانه بجملة جديدة على الرغم من أنها أقلُّ الأجرام، وقد لا نتبيَّنها لكثرتها وتعدُّد مواقعها ولكِنَّا نجد الحق يُقسِم بها فهو القائل:
والإنسان إذا ما صلَّى العشاء وذهب إلى فراشه سيستيقظ حَتْماً قبل الفجر وهو في قِمّة النشاط؛ بعد أنْ قضى ليلاً مريحاً في سُبَاتٍ عميق؛ لا قلقَ فيه.
ولكن الإنسان في بلادنا استورد من الغرب حثالة الحضارة من أجهزة تجعله يقضي الليل ساهراً، ليتابع التليفزيون أو أفلام الفيديو أو القنوات الفضائية، فيقوم في الصباح مُنْهكاً، رغم أن أهل تلك البلاد التي قدَّمتْ تلك المخترعات؛ نجدهم وهم يستخدمون تلك المخترعات يضعونها في موضعها الصحيح، وفي وقتها المناسب؛ لذلك نجدهم ينامون مُبكِّرين، ليستيقظوا في الفجر بهمَّة ونشاط.
ويبدأ الحق سبحانه جملة جديدة تقول:
﴿والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ..﴾ [النحل: ١٢].
نلحظ أنه لم يَأْتِ بالنجوم معطوفةً على ما قبلها، بل خَصَّها الحق سبحانه بجملة جديدة على الرغم من أنها أقلُّ الأجرام، وقد لا نتبيَّنها لكثرتها وتعدُّد مواقعها ولكِنَّا نجد الحق يُقسِم بها فهو القائل:
7835
﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٥ - ٧٦].
فكلُّ نجم من تلك النجوم البعيدة له مُهمة، وإذا كنتَ أنت في حياتك اليومية حين ينطفيء النور تذهب لترى: ماذا حدث في صندوق الأكباس الذي في منزلك؛ ولكنك لا تعرف كيف تأتيك الكهرباء إلى منزلك، وكيف تقدَّم العلم ليصنعَ لك المصباح الكهربائي.
وكيف مدَّتْ الدولة الكهرباء من مواقع توليدها إلى بيتك.
وإذا كنتَ تجهل ما خَلْف الأثر الواحد الذي يصلك في منزلك، فما بالك بقول الحق سبحانه: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم﴾ [الواقعة: ٧٥].
وهو القائل: ﴿وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
وقد خصَّها الحق سبحانه هنا بجملة جديدة مستقلة أعاد فيها خبر التسخير، ذلك أن لكلٍّ منها منازلَ، وهي كثيرة على العَدِّ والإحصاء، وبعضها بعيد لا يصلنا ضوؤه إلا بعد ملايين السنين.
وقد خصَّها الحق سبحانه بهذا الخبر من التسخير حتى نتبينَ أن لله سراً في كل ما خلق بين السماء والأرض.
ويريد لنا أن نلتفتَ إلى أن تركيبات الأشياء التي تنفعنا مواجهةً وراءها أشياء أخرى تخدمها.
ونجد الحق سبحانه وهو يُذيِّل الآية الكريمة بقوله:
فكلُّ نجم من تلك النجوم البعيدة له مُهمة، وإذا كنتَ أنت في حياتك اليومية حين ينطفيء النور تذهب لترى: ماذا حدث في صندوق الأكباس الذي في منزلك؛ ولكنك لا تعرف كيف تأتيك الكهرباء إلى منزلك، وكيف تقدَّم العلم ليصنعَ لك المصباح الكهربائي.
وكيف مدَّتْ الدولة الكهرباء من مواقع توليدها إلى بيتك.
وإذا كنتَ تجهل ما خَلْف الأثر الواحد الذي يصلك في منزلك، فما بالك بقول الحق سبحانه: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم﴾ [الواقعة: ٧٥].
وهو القائل: ﴿وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
وقد خصَّها الحق سبحانه هنا بجملة جديدة مستقلة أعاد فيها خبر التسخير، ذلك أن لكلٍّ منها منازلَ، وهي كثيرة على العَدِّ والإحصاء، وبعضها بعيد لا يصلنا ضوؤه إلا بعد ملايين السنين.
وقد خصَّها الحق سبحانه بهذا الخبر من التسخير حتى نتبينَ أن لله سراً في كل ما خلق بين السماء والأرض.
ويريد لنا أن نلتفتَ إلى أن تركيبات الأشياء التي تنفعنا مواجهةً وراءها أشياء أخرى تخدمها.
ونجد الحق سبحانه وهو يُذيِّل الآية الكريمة بقوله:
7836
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ١٢].
ونعلم أن الآيات هي الأمورُ العجيبة التي يجب ألاَّ يمرَّ عليها الإنسان مراً مُعرِضاً؛ بل عليه أنْ يتأملَها، ففي هذا التأمل فائدة له؛ ويمكنه أنْ يستنبطَ منها المجاهيل التي تُنعِّم البشر وتُسعِدهم.
وكلمة ﴿يَعْقِلُونَ﴾ تعني إعمالَ العقل، ونعلم أن للعقل تركيبةً خاصة؛ وهو يستنبط من المُحسّات الأمورَ المعنوية، وبهذا يأخذ من الملوم نتيجةً كانت مجهولةً بالنسبة له؛ فيَسعد بها ويُسعد بها مَنْ حوله، ثم يجعل من هذا المجهول مقدمةً يصل بها إلى نتيجة جديدة.
وهكذا يستنبط الإنسان من أسرار الكون ما شاء له الله أنْ يستنبطَ ويكتشف من أسرار الكون.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي....﴾.
ونعلم أن الآيات هي الأمورُ العجيبة التي يجب ألاَّ يمرَّ عليها الإنسان مراً مُعرِضاً؛ بل عليه أنْ يتأملَها، ففي هذا التأمل فائدة له؛ ويمكنه أنْ يستنبطَ منها المجاهيل التي تُنعِّم البشر وتُسعِدهم.
وكلمة ﴿يَعْقِلُونَ﴾ تعني إعمالَ العقل، ونعلم أن للعقل تركيبةً خاصة؛ وهو يستنبط من المُحسّات الأمورَ المعنوية، وبهذا يأخذ من الملوم نتيجةً كانت مجهولةً بالنسبة له؛ فيَسعد بها ويُسعد بها مَنْ حوله، ثم يجعل من هذا المجهول مقدمةً يصل بها إلى نتيجة جديدة.
وهكذا يستنبط الإنسان من أسرار الكون ما شاء له الله أنْ يستنبطَ ويكتشف من أسرار الكون.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي....﴾.
7837
وكلمة ﴿ذَرَأَ﴾ تعني أنه خلق خَلْقاً يتكاثر بذاته؛ إما بالحَمْل للأنثى من الذَّكَر؛ في الإنسان أو الحيوان والنبات؛ وإما بواسطة تفريخ البيض كما في الطيور.
وهكذا نفهم الذَّرْءَ بمعنى أنه ليس مطلقَ خَلْق؛ بل خلق بذاته في
وهكذا نفهم الذَّرْءَ بمعنى أنه ليس مطلقَ خَلْق؛ بل خلق بذاته في
7837
التكاثر بذاته، والحق سبحانه قد خلق آدم أولاً، ثم أخرج منه النسل ليتكاثر النسلُ بذاته حين يجتمع زوجان ونتجا مثيلاً لهما، ولذلك قال الحق سبحانه: ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [المؤمنون: ١٤].
وهكذا شاء الحق سبحانه أن يفيض على عباده بأن يُعطِيهم صفة أنهم يخلقون، ولكنهم لا يخلقون كخَلْقه؛ فهو قد خلق آدم ثم أوجدهم من نسله. والبشر قد يخلقون بعضاً من مُعِدات وأدوات حياتهم، لكنهم لا يخلقون كخَلْق الله؛ فهم لا يخلقون من معدوم؛ بل من موجود، والحق سبحانه يخلق من المعدوم مَنْ لا وجود له؛ وهو بذلك أحسَنُ الخالقين.
والمَثل الذي أضربه دائماً هو الحبة التي تُنبِت سبْعَ سنابل وفي كل سُنْبلة مائة حَبّة؛ وقد أوردها الحق سبحانه ليشوِّق للإنسان عملية الإنفاق في سبيل الله، وهذا هو الخَلْق الماديّ الملموس؛ فمن حَبَّة واحدة أنبت سبحانه كل ذلك.
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ... ﴾ [النحل: ١٣].
أي: ما خلق لنا من خَلْق متكاثر بذاته تختلف ألوانه. واختلاف الألوان وتعدُّدها دليل على طلاقة قدرة الله في أن الكائنات لا تخلق على نَمَطٍ واحد.
وهكذا شاء الحق سبحانه أن يفيض على عباده بأن يُعطِيهم صفة أنهم يخلقون، ولكنهم لا يخلقون كخَلْقه؛ فهو قد خلق آدم ثم أوجدهم من نسله. والبشر قد يخلقون بعضاً من مُعِدات وأدوات حياتهم، لكنهم لا يخلقون كخَلْق الله؛ فهم لا يخلقون من معدوم؛ بل من موجود، والحق سبحانه يخلق من المعدوم مَنْ لا وجود له؛ وهو بذلك أحسَنُ الخالقين.
والمَثل الذي أضربه دائماً هو الحبة التي تُنبِت سبْعَ سنابل وفي كل سُنْبلة مائة حَبّة؛ وقد أوردها الحق سبحانه ليشوِّق للإنسان عملية الإنفاق في سبيل الله، وهذا هو الخَلْق الماديّ الملموس؛ فمن حَبَّة واحدة أنبت سبحانه كل ذلك.
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ... ﴾ [النحل: ١٣].
أي: ما خلق لنا من خَلْق متكاثر بذاته تختلف ألوانه. واختلاف الألوان وتعدُّدها دليل على طلاقة قدرة الله في أن الكائنات لا تخلق على نَمَطٍ واحد.
7838
ويعطينا الحق سبحانه الصورة على هذا الأمر في قوله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: ٢٧ - ٢٨].
وأنت تمشي بين الجبال، فتجدها من ألوان مختلفة؛ وعلى الجبل الواحد تجد خطوطاً تفصل بين طبقاتٍ مُتعدّدة، وهكذا تختلف الألوان بين الجمادات وبعضها، وبين النباتات وبعضها البعض، وبين البشر أيضاً.
وإذا ما قال الحق سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء... ﴾ [فاطر: ٢٨].
فلَنا أن نعرفَ أن العلماء هنا مقصودٌ بهم كُلّ عالم يقف على قضية كونية مَرْكوزة في الكون أو نزلتْ من المُكوِّن مباشرة.
ولم يقصد الحق سبحانه بهذا القول علماء الدين فقط، فالمقصود هو كل عالم يبحث بحثاً ليستنبط به معلوماً من مجهول، ويُجلّي أسرار الله في خلقه. وقد أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يفرق فَرْقاً واضحاً في هذا الأمر، كي لا يتدخل علماء الدين في البحث العلميّ التجريبيّ الذي
وأنت تمشي بين الجبال، فتجدها من ألوان مختلفة؛ وعلى الجبل الواحد تجد خطوطاً تفصل بين طبقاتٍ مُتعدّدة، وهكذا تختلف الألوان بين الجمادات وبعضها، وبين النباتات وبعضها البعض، وبين البشر أيضاً.
وإذا ما قال الحق سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء... ﴾ [فاطر: ٢٨].
فلَنا أن نعرفَ أن العلماء هنا مقصودٌ بهم كُلّ عالم يقف على قضية كونية مَرْكوزة في الكون أو نزلتْ من المُكوِّن مباشرة.
ولم يقصد الحق سبحانه بهذا القول علماء الدين فقط، فالمقصود هو كل عالم يبحث بحثاً ليستنبط به معلوماً من مجهول، ويُجلّي أسرار الله في خلقه. وقد أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يفرق فَرْقاً واضحاً في هذا الأمر، كي لا يتدخل علماء الدين في البحث العلميّ التجريبيّ الذي
7839
يفيد الناس، ووجد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الناس تُؤبّر النخيل؛ بمعنى أنهم يأتون بطَلْع الذُّكورة؛ ويُلقِّحون النخيل التي تتصف بالأنوثة، وقال: لو لم تفعلوا لأثمرتْ.
ولما لم تثمر النخيل، قَبِل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الأمر؛ وأمر بإصلاحه وقال القولة الفصل «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
أي: أنتم أعلم بالأمور التجريبية المعملية، ونلحظ أن الذي حجز الحضارة والتطوُّر عن أوربا لقرون طويلة؛ هو محاولة رجال الدين أنْ يحجُروا على البحث العلمي؛ ويتهموا كُلَّ عالم تجريبيّ بالكفر.
ويتميز الإسلام بأنه الدين الذي لم يَحُلْ دون بَحْث أي آية من آيات الله في الكون، ومن حنان الله أنْ يُوضِّح لخَلْقه أهمية البحث في أسرار الكون، فهو القائل: ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: ١٠٥].
أي: عليك أيُّها المؤمن ألاَّ تُعرِض عن أيِّ آية من آيات الله التي في الكون؛ بل على المؤمن أنْ يُعمِلَ عقله وفِكْره بالتأمُّل ليستفيد منها في اعتقاده وحياته. يقول الحق: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق..﴾ [فصلت: ٥٣].
ولما لم تثمر النخيل، قَبِل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الأمر؛ وأمر بإصلاحه وقال القولة الفصل «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
أي: أنتم أعلم بالأمور التجريبية المعملية، ونلحظ أن الذي حجز الحضارة والتطوُّر عن أوربا لقرون طويلة؛ هو محاولة رجال الدين أنْ يحجُروا على البحث العلمي؛ ويتهموا كُلَّ عالم تجريبيّ بالكفر.
ويتميز الإسلام بأنه الدين الذي لم يَحُلْ دون بَحْث أي آية من آيات الله في الكون، ومن حنان الله أنْ يُوضِّح لخَلْقه أهمية البحث في أسرار الكون، فهو القائل: ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: ١٠٥].
أي: عليك أيُّها المؤمن ألاَّ تُعرِض عن أيِّ آية من آيات الله التي في الكون؛ بل على المؤمن أنْ يُعمِلَ عقله وفِكْره بالتأمُّل ليستفيد منها في اعتقاده وحياته. يقول الحق: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق..﴾ [فصلت: ٥٣].
7840
أما الأمور التي يتعلَّق بها حساب الآخرة؛ فهي من اختصاص العلماء الفقهاء.
ويذيل الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٣].
وبعد ذلك يعود الحق سبحانه إلى التسخير، فيقول: ﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ... ﴾.
ويذيل الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٣].
وبعد ذلك يعود الحق سبحانه إلى التسخير، فيقول: ﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ... ﴾.
7841
والتسخير كما علمنا من قَبْل هو إيجاد الكائن لمهمة لا يستطيع الكائن أنْ يتخلَّف عنها، ولا اختيارَ له في أنْ يؤدِّيها أو لا يُؤدِّيها. ونعلم أن الكون كله مُسخَّر للإنسان قبل أنْ يُوجدَ؛ ثم خلق الله الإنسان مُخْتاراً.
وقد يظن البعض أن الكائنات المُسخَّرة ليس لها اختيار، وهذا خطأ؛ لأن تلك الكائنات لها اختيار حَسمتْه في بداية وجودها، ولنقرأْ قوله الحق:
وقد يظن البعض أن الكائنات المُسخَّرة ليس لها اختيار، وهذا خطأ؛ لأن تلك الكائنات لها اختيار حَسمتْه في بداية وجودها، ولنقرأْ قوله الحق:
7841
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا... ﴾ [الأحزاب: ٧٢].
وهكذا نفهم أن الحق سبحانه خيَّر خلقه بين التسخير وبين الاختيار، إلا أن الكائنات التي هي ما دون الإنسان أخذتْ اختيارها مرَّة واحدة؛ لذلك لا يجب أنْ يُقال: إن الحق سبحانه هو الذي قهرها، بل هي التي اختارتْ من أول الأمر؛ لأنها قدرتْ وقت الأداء، ولم تقدر فقط وقت التحمل كما فعل الإنسان، وكأنها قالت لنفسها: فلأخرج من باب الجَمال؛ قبل أن ينفتحَ أمامي باب ظلم النفس.
ونجد الحق سبحانه يصف الإنسان: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب: ٧٢].
فقد ظلم الإنسانُ نفسَه حين اختار أنْ يحملَ الأمانة؛ لأنه قدر وقت التحمُّل ولم يقدر وقت الأداء. وهو جَهُول لأنه لم يعرف كيف يُفرِّق بين الأداء والتحمُّل، بينما منعت الكائنات الأخرى نفسها من أن تتحمَّل مسئولية الأمانة، فلم تظلم نفسها بذلك.
وهكذا نصل إلى تأكيد معنى التسخير وتوضيحه بشكل دقيق، ونعرف أنه إيجاد الكائن لمهمة لا يملك أن يتخلَّف عنها؛ أما الاختيار فهو إيجاد الكائن لِمُهِمة له أنْ يُؤدِّيها أو يتخلَّف عنها.
وأوضحنا أن المُسخَّرات كان لها أنْ تختارَ من البداية، فاختارتْ أن تُسخِّر وألاَّ تتحملَ الأمانة، بينما أخذ الإنسان المهمةَ، واعتمد على عقله وفِكْره، وقَبِل أن يُرتِّب أمور حياته على ضوء ذلك.
وهكذا نفهم أن الحق سبحانه خيَّر خلقه بين التسخير وبين الاختيار، إلا أن الكائنات التي هي ما دون الإنسان أخذتْ اختيارها مرَّة واحدة؛ لذلك لا يجب أنْ يُقال: إن الحق سبحانه هو الذي قهرها، بل هي التي اختارتْ من أول الأمر؛ لأنها قدرتْ وقت الأداء، ولم تقدر فقط وقت التحمل كما فعل الإنسان، وكأنها قالت لنفسها: فلأخرج من باب الجَمال؛ قبل أن ينفتحَ أمامي باب ظلم النفس.
ونجد الحق سبحانه يصف الإنسان: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب: ٧٢].
فقد ظلم الإنسانُ نفسَه حين اختار أنْ يحملَ الأمانة؛ لأنه قدر وقت التحمُّل ولم يقدر وقت الأداء. وهو جَهُول لأنه لم يعرف كيف يُفرِّق بين الأداء والتحمُّل، بينما منعت الكائنات الأخرى نفسها من أن تتحمَّل مسئولية الأمانة، فلم تظلم نفسها بذلك.
وهكذا نصل إلى تأكيد معنى التسخير وتوضيحه بشكل دقيق، ونعرف أنه إيجاد الكائن لمهمة لا يملك أن يتخلَّف عنها؛ أما الاختيار فهو إيجاد الكائن لِمُهِمة له أنْ يُؤدِّيها أو يتخلَّف عنها.
وأوضحنا أن المُسخَّرات كان لها أنْ تختارَ من البداية، فاختارتْ أن تُسخِّر وألاَّ تتحملَ الأمانة، بينما أخذ الإنسان المهمةَ، واعتمد على عقله وفِكْره، وقَبِل أن يُرتِّب أمور حياته على ضوء ذلك.
7842
ومع ذلك أعطاه الله بعضاً من التسخير كي يجعل الكون كله فيه بعض من التسخير وبعض من الاختيار؛ ولذلك نجد بعضاً من الأحداث تجري على الإنسان ولا اختيارَ له فيها؛ كان يمرضَ أو تقع له حادثة أو يُفلس.
ولذلك أقول: إن الكافر مُغفّل لاختياره؛ لأنه ينكر وجود الله ويتمرَّد على الإيمان، رغم أنه لا يقدر أن يصُدَّ عن نفسه المرض أو الموت.
وفي الآية التي نحن بصددها الآن يقول الحق سبحانه:
﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر﴾ [النحل: ١٤].
فهذا يعني أنه هو الذي خلق البحر، لأنه هو الذي خلق السماوات والأرض؛ وجعل اليابسة ربع مساحة الأرض؛ بينما البحار والمحيطات تحتل ثلاثة أرباع مساحة الأرض.
أي: أنه يُحدِّثنا هنا عن ثلاثة أرباع الأرض، وأوجد البحار والمحيطات على هيئة نستطيع أن نأخذَ منها بعضاً من الطعام فيقول:
﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا.
..﴾ [النحل: ١٤].
ومن بعض عطاءات الحق سبحانه أن يأتي المَدُّ أحياناً ثم يَعْقبه الجَزْر؛ فيبقى بعض من السمك على الشاطيء، أو قد تحمل موجة عفيّة بعضاً من السمك وتلقيه على الشاطئ.
وهكذا يكون العطاء بلا جَهْد من الإنسان، بل إن وجودَ بعض من الأسماك على الشاطيء هو الذي نبَّه الإنسان إلى أهمية أنْ يحتالَ
ولذلك أقول: إن الكافر مُغفّل لاختياره؛ لأنه ينكر وجود الله ويتمرَّد على الإيمان، رغم أنه لا يقدر أن يصُدَّ عن نفسه المرض أو الموت.
وفي الآية التي نحن بصددها الآن يقول الحق سبحانه:
﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر﴾ [النحل: ١٤].
فهذا يعني أنه هو الذي خلق البحر، لأنه هو الذي خلق السماوات والأرض؛ وجعل اليابسة ربع مساحة الأرض؛ بينما البحار والمحيطات تحتل ثلاثة أرباع مساحة الأرض.
أي: أنه يُحدِّثنا هنا عن ثلاثة أرباع الأرض، وأوجد البحار والمحيطات على هيئة نستطيع أن نأخذَ منها بعضاً من الطعام فيقول:
﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا.
..﴾ [النحل: ١٤].
ومن بعض عطاءات الحق سبحانه أن يأتي المَدُّ أحياناً ثم يَعْقبه الجَزْر؛ فيبقى بعض من السمك على الشاطيء، أو قد تحمل موجة عفيّة بعضاً من السمك وتلقيه على الشاطئ.
وهكذا يكون العطاء بلا جَهْد من الإنسان، بل إن وجودَ بعض من الأسماك على الشاطيء هو الذي نبَّه الإنسان إلى أهمية أنْ يحتالَ
7843
ويصنع السِّنارة؛ ويغزل الشبكة؛ ثم ينتقل من تلك الوسائل البدائية إلى التقنيّات الحديثة في صيد الأسماك.
لكن الحلية التي يتم استخراجها من البحر فهي اللؤلؤ، وهي تقتضي أن يغوصَ الإنسان في القاع ليلتقطها. ويلفتنا الحق سبحانه إلى أسرار كنوزه فيقول: ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثرى﴾ [طه: ٦].
وكل كنوز الأمم توجد تحت الثَّرى. ونحن إنْ قسمنا الكرة الأرضية كما نقسم البطيخة إلى قِطَع كالتي نُسمِّيها «شقة البطيخ» سنجد أن كنوز كل قطعة تتساوى مع كنوز القطعة الأخرى في القيمة النفعية؛ ولكن كُلّ عطاء يوجد بجزء من الأرض له ميعاد ميلاد يحدده الحق سبحانه.
فهناك مكان في الأرض جعل الله العطاء فيه من الزراعة؛ وهناك مكان آخر صحراوي يخاله الناس بلا أيِّ نفع؛ ثم تتفجَّر فيه آبار البترول، وهكذا.
وتسخير الحق سبحانه للبحر ليس بإيجاده فقط على الهيئة التي هو عليها؛ بل قد تجد له أشياء ومهام أخرى مثل انشقاق البحر بعصا موسى عليه السلام؛ وصار كل فِرْق كالطَّوْد العظيم.
لكن الحلية التي يتم استخراجها من البحر فهي اللؤلؤ، وهي تقتضي أن يغوصَ الإنسان في القاع ليلتقطها. ويلفتنا الحق سبحانه إلى أسرار كنوزه فيقول: ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثرى﴾ [طه: ٦].
وكل كنوز الأمم توجد تحت الثَّرى. ونحن إنْ قسمنا الكرة الأرضية كما نقسم البطيخة إلى قِطَع كالتي نُسمِّيها «شقة البطيخ» سنجد أن كنوز كل قطعة تتساوى مع كنوز القطعة الأخرى في القيمة النفعية؛ ولكن كُلّ عطاء يوجد بجزء من الأرض له ميعاد ميلاد يحدده الحق سبحانه.
فهناك مكان في الأرض جعل الله العطاء فيه من الزراعة؛ وهناك مكان آخر صحراوي يخاله الناس بلا أيِّ نفع؛ ثم تتفجَّر فيه آبار البترول، وهكذا.
وتسخير الحق سبحانه للبحر ليس بإيجاده فقط على الهيئة التي هو عليها؛ بل قد تجد له أشياء ومهام أخرى مثل انشقاق البحر بعصا موسى عليه السلام؛ وصار كل فِرْق كالطَّوْد العظيم.
7844
ومن قبل ذلك حين حمل اليَمَّ موسى عليه السلام بعد أن ألقتْه أمه فيه بإلهام من الله: ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل... ﴾ [طه: ٣٩].
وهكذا نجد أن أمراً من الله قد صدر للبحر بأن يحملَ موسى إلى الشاطيء فَوْر أنْ تُلقيَه أمه فيه.
وهكذا يتضح لنا معنى التسخير للبحر في مهام أخرى، غير أنه يوجد به السمك ونستخرج منه الحُليّ. ونعلم أن ماءَ البحر مالح؛ عكس ماء النهر وماء المطر؛ فالمائيّة تنقسم إلى قِسْمين؛ مائية عَذْبة، ومائية مِلْحية.
وقوله الحق عن ذلك: ﴿وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... ﴾ [فاطر: ١٢].
ويسمُّونهم الاثنين على التغليب في قوله الحق: ﴿مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن: ١٩].
والمقصود هنا الماء العَذْب والماء المالح، وكيف يختلطان، ولكن
وهكذا نجد أن أمراً من الله قد صدر للبحر بأن يحملَ موسى إلى الشاطيء فَوْر أنْ تُلقيَه أمه فيه.
وهكذا يتضح لنا معنى التسخير للبحر في مهام أخرى، غير أنه يوجد به السمك ونستخرج منه الحُليّ. ونعلم أن ماءَ البحر مالح؛ عكس ماء النهر وماء المطر؛ فالمائيّة تنقسم إلى قِسْمين؛ مائية عَذْبة، ومائية مِلْحية.
وقوله الحق عن ذلك: ﴿وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... ﴾ [فاطر: ١٢].
ويسمُّونهم الاثنين على التغليب في قوله الحق: ﴿مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن: ١٩].
والمقصود هنا الماء العَذْب والماء المالح، وكيف يختلطان، ولكن
7845
الماء العَذْب يتسرَّب إلى بطن الأرض، وأنت لو حفرتَ في قاع البحر لوجدتَ ماء عَذْباً، فالحق سبحانه هو الذي شاء ذلك وبيَّنه في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض﴾ [الزمر: ٢١].
وهنا يقول سبحانه:
﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً... ﴾ [النحل: ١٤].
واللحم إذا أُطلِق يكون المقصود به اللحم المأخوذ من الأنعام، أما إذا قُيّد ب «لحم طري» فالمقصود هو السمك، وهذه مسألة من إعجازية التعبير القرآني؛ لأن السمك الصالح للأكل يكون طَرّياً دائماً.
ونجد مَنْ يشتري السمك وهو يَثْني السمكة، فإنْ كانت طريَّة فتلك علامةٌ على أنها صالحةٌ للأكل، وإنْ كانت لا تنثني فهذا يعني أنها فاسدة، وأنت إنْ أخرجتَ سمكة من البحر تجد لحمها طَرِّياً؛ فإنْ ألقيتَها في الماء فهي تعود إلى السباحة والحركة تحت الماء؛ أما إن كانت ميتة فهي تنتفخ وتطفو.
لذلك «نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن أكل السمك الطَّافي لأنه المَيْتة»، وتقييد اللحم هنا بأنه طريّ كي يخرجَ عن اللحم العادي وهو لَحْم الأنعام؛ ولذلك نجد العلماء يقولون: مَنْ حلفَ ألاَّ يأكل لَحْماً؛ ثم أكل سمكاً فهو لا يحنث؛ لأن العُرْف جرى على أن اللحم هو لَحْم الأنعام.
ويقول الحق سبحانه في نفس الآية عن تسخير البحر:
﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... ﴾ [النحل: ١٤].
وهنا يقول سبحانه:
﴿وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً... ﴾ [النحل: ١٤].
واللحم إذا أُطلِق يكون المقصود به اللحم المأخوذ من الأنعام، أما إذا قُيّد ب «لحم طري» فالمقصود هو السمك، وهذه مسألة من إعجازية التعبير القرآني؛ لأن السمك الصالح للأكل يكون طَرّياً دائماً.
ونجد مَنْ يشتري السمك وهو يَثْني السمكة، فإنْ كانت طريَّة فتلك علامةٌ على أنها صالحةٌ للأكل، وإنْ كانت لا تنثني فهذا يعني أنها فاسدة، وأنت إنْ أخرجتَ سمكة من البحر تجد لحمها طَرِّياً؛ فإنْ ألقيتَها في الماء فهي تعود إلى السباحة والحركة تحت الماء؛ أما إن كانت ميتة فهي تنتفخ وتطفو.
لذلك «نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن أكل السمك الطَّافي لأنه المَيْتة»، وتقييد اللحم هنا بأنه طريّ كي يخرجَ عن اللحم العادي وهو لَحْم الأنعام؛ ولذلك نجد العلماء يقولون: مَنْ حلفَ ألاَّ يأكل لَحْماً؛ ثم أكل سمكاً فهو لا يحنث؛ لأن العُرْف جرى على أن اللحم هو لَحْم الأنعام.
ويقول الحق سبحانه في نفس الآية عن تسخير البحر:
﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... ﴾ [النحل: ١٤].
7846
وهكذا نجد أن هذه المسألة تأخذ جهداً؛ لأنها رفاهية؛ أما السمك فقال عنه مباشرة:
﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً... ﴾ [النحل: ١٤].
والأكْل أمر ضروري لذلك تكفّله الله وأعطى التسهيلات في صَيْده، أما الزينة فلكَ أنْ تتعبَ لتستخرجه، فهو تَرَفٌ. وضروريات الحياة مَجْزولة؛ أما تَرَف الحياة فيقتضي منك أنْ تغطسَ في الماء وتتعبَ من أجله.
وفي هذا إشارة إلى أن مَنْ يريد أنْ يرتقيَ في معيشته؛ فَلْيُكثِر من دخله ببذل عرقه؛ لا أنْ يُترِف معيشته من عرق غيره.
ويقول سبحانه:
﴿تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... ﴾ [النحل: ١٤].
والحِلْية كما نعلم تلبسها المرأة. والمَلْحظ الأدنى هنا أن زينةَ المرأة هي من أجلْ الرجل؛ فكأن الرجلَ هو الذي يستمتع بتلك الزينة، وكأنه هو الذي يتزّين. أو: أن هذه المُسْتخرجات من البحر ليست مُحرَّمة على الرجال مِثْل الذهب والحرير؛ فالذهب والحرير نَقْد؛ أما اللؤلؤ فليس نَقْداً.
واللبس هو الغالب الشائع، وقد يصِحّ أنْ تُصنعَ من تلك الحلية عَصاً أو أي شيء مما تستخدمه.
ويتابع سبحانه في نفس الآية:
﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤].
﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً... ﴾ [النحل: ١٤].
والأكْل أمر ضروري لذلك تكفّله الله وأعطى التسهيلات في صَيْده، أما الزينة فلكَ أنْ تتعبَ لتستخرجه، فهو تَرَفٌ. وضروريات الحياة مَجْزولة؛ أما تَرَف الحياة فيقتضي منك أنْ تغطسَ في الماء وتتعبَ من أجله.
وفي هذا إشارة إلى أن مَنْ يريد أنْ يرتقيَ في معيشته؛ فَلْيُكثِر من دخله ببذل عرقه؛ لا أنْ يُترِف معيشته من عرق غيره.
ويقول سبحانه:
﴿تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... ﴾ [النحل: ١٤].
والحِلْية كما نعلم تلبسها المرأة. والمَلْحظ الأدنى هنا أن زينةَ المرأة هي من أجلْ الرجل؛ فكأن الرجلَ هو الذي يستمتع بتلك الزينة، وكأنه هو الذي يتزّين. أو: أن هذه المُسْتخرجات من البحر ليست مُحرَّمة على الرجال مِثْل الذهب والحرير؛ فالذهب والحرير نَقْد؛ أما اللؤلؤ فليس نَقْداً.
واللبس هو الغالب الشائع، وقد يصِحّ أنْ تُصنعَ من تلك الحلية عَصاً أو أي شيء مما تستخدمه.
ويتابع سبحانه في نفس الآية:
﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤].
7847
ولم تكُن هناك بواخر كبيرة كالتي في عصرنا هذا بل فُلُك صغيرة. ونعلم أن نوحاً عليه السلام هو أول مَنْ صنع الفُلْك، وسَخِر منه قومه؛ ولو كان ما يصنعه أمراً عادياً لَمَا سَخِروا منه.
وبطبيعة الحال لم يَكُنْ هناك مسامير لذلك ربطها بالحبال؛ ولذلك قال الحق سبحانه عنه: ﴿وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣].
وكان جَرْي مركب نوح بإرادة الله، ولم يكُنْ العلْم قد تقدَّم ليصنع البشر المراكب الضخمة التي تنبّأ بها القرآن في قوله الحق: ﴿وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام﴾ [الرحمن: ٢٤].
ونحن حين نقرؤها الآن نتعجَّب من قدرة القرآن على التنبؤ بما اخترعه البشر؛ فالقرآن عالم بما يَجِدّ؛ لا بقهريات الاقتدار فقط؛ بل باختيارات البشر أيضاً.
وقوله الحق:
﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ.
..﴾ [النحل: ١٤].
والمَاخِر هو الذي يشق حلزومه الماء، والحُلْزوم هو الصدر. ونجد مَنْ يصنعون المراكب يجعلون المقدمة حادةً لتكون رأس الحربة التي تشق المياه بخرير.
وبطبيعة الحال لم يَكُنْ هناك مسامير لذلك ربطها بالحبال؛ ولذلك قال الحق سبحانه عنه: ﴿وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣].
وكان جَرْي مركب نوح بإرادة الله، ولم يكُنْ العلْم قد تقدَّم ليصنع البشر المراكب الضخمة التي تنبّأ بها القرآن في قوله الحق: ﴿وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام﴾ [الرحمن: ٢٤].
ونحن حين نقرؤها الآن نتعجَّب من قدرة القرآن على التنبؤ بما اخترعه البشر؛ فالقرآن عالم بما يَجِدّ؛ لا بقهريات الاقتدار فقط؛ بل باختيارات البشر أيضاً.
وقوله الحق:
﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ.
..﴾ [النحل: ١٤].
والمَاخِر هو الذي يشق حلزومه الماء، والحُلْزوم هو الصدر. ونجد مَنْ يصنعون المراكب يجعلون المقدمة حادةً لتكون رأس الحربة التي تشق المياه بخرير.
7848
وفي هذه الآية امتنَّ الحق سبحانه على عباده بثلاثة أمور: صيد السمك، واستخراج الحُليّ، وسَيْر الفلْك في البحر؛ ثم يعطف عليهم ما يمكن أن يستجدّ؛ فيقول:
﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ... ﴾ [النحل: ١٤].
وكأن البواخر وهي تشقّ الماء ويرى الإنسان الماءَ اللين، وهو يحمل الجسم الصَّلْب للباخرة فيجد فيه متعة، فضلاً عن أن هذه البواخر تحمل الإنسانَ من مكان إلى مكان.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ١٤].
ولا يُقال ذلك إلا في سَرْد نعمة آثارُها واضحة ملحوظة تستحقّ الشكر من العقل العادي والفطرة العادية، وشاء سبحانه أنْ يتركَ الشُّكر للبشر على تلك النعم، ولم يُسخرهم شاكرين.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: ﴿وألقى فِي الأرض... ﴾.
﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ... ﴾ [النحل: ١٤].
وكأن البواخر وهي تشقّ الماء ويرى الإنسان الماءَ اللين، وهو يحمل الجسم الصَّلْب للباخرة فيجد فيه متعة، فضلاً عن أن هذه البواخر تحمل الإنسانَ من مكان إلى مكان.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ١٤].
ولا يُقال ذلك إلا في سَرْد نعمة آثارُها واضحة ملحوظة تستحقّ الشكر من العقل العادي والفطرة العادية، وشاء سبحانه أنْ يتركَ الشُّكر للبشر على تلك النعم، ولم يُسخرهم شاكرين.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: ﴿وألقى فِي الأرض... ﴾.
7849
وهكذا يدلُّنا الحق سبحانه على أن الأرض قد خُلِقت على مراحل، ويشرح ذلك قوله سبحانه:
7849
﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ﴾ [فصلت: ٩ - ١٠].
وهكذا عَلِمنا أن جِرْم الأرض العام قد خُلِق أولاً؛ وهو مخلوق على هيئة الحركة؛ ولأن الحركة هي التي تأتي بالمَيدان التأرجُّح يميناً وشمالاً وعدم استقرار الجِرْم على وَضْع، لذلك شاء سبحانه أن يخلق في الأرض الرواسي لتجعلها تبدو ثابتة غير مُقلقة والرَّاسي هو الذي يَثبت.
ولو كانت الأرض مخلوقة على هيئة الاستقرار لما خلق الله الجبال، ولكنه خلقَ الأرض على هيئة الحركة، ومنع أنْ تميدَ بخَلْق الجبال ليجعلَ الجبال رواسيَ للأرض.
وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب﴾ [النمل: ٨٨]. وكلمة ﴿وألقى﴾ تدلُّ على أن الجبال شيء متماسك وُضِع ليستقر.
ثم يعطف سبحانه على الجبال:
وهكذا عَلِمنا أن جِرْم الأرض العام قد خُلِق أولاً؛ وهو مخلوق على هيئة الحركة؛ ولأن الحركة هي التي تأتي بالمَيدان التأرجُّح يميناً وشمالاً وعدم استقرار الجِرْم على وَضْع، لذلك شاء سبحانه أن يخلق في الأرض الرواسي لتجعلها تبدو ثابتة غير مُقلقة والرَّاسي هو الذي يَثبت.
ولو كانت الأرض مخلوقة على هيئة الاستقرار لما خلق الله الجبال، ولكنه خلقَ الأرض على هيئة الحركة، ومنع أنْ تميدَ بخَلْق الجبال ليجعلَ الجبال رواسيَ للأرض.
وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب﴾ [النمل: ٨٨]. وكلمة ﴿وألقى﴾ تدلُّ على أن الجبال شيء متماسك وُضِع ليستقر.
ثم يعطف سبحانه على الجبال:
7850
﴿وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً﴾ [النحل: ١٥].
ولم يَأْتِ الحق سبحانه فعل يناسب الأنهار، ومن العجيب أن الأسلوب يجمع جماداً في الجبال، وسيولة في الأنهار، وسبلاً أي طرقاً، وكُلُّ ذلك:
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥].
أي: أن الجَعْل كلَّه لعلنا نهتدي.
ونعلم أن العرب كانوا يهتدوا بالجبال، ويجعلون منها علامات، والمثَل هو جبل «هرشا» الذي يقول فيه الشاعر:
وأيضاً جبل التوباد كان يُعتبر علامة.
وكذلك قَوْل الحق سبحانه: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور الأيمن﴾ [مريم: ٥٢].
وهكذا نجد من ضمن فوائد الجبال أنها علاماتٌ نهتدي بها إلى الطرق وإلى الأماكن، وتلك من المهام الجانبية للجبال.
أو:
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥].
باتعاظكم بالأشياء المخلوقة لكم، كي تهتدوا لِمَنْ أوجدها لكم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك:
ولم يَأْتِ الحق سبحانه فعل يناسب الأنهار، ومن العجيب أن الأسلوب يجمع جماداً في الجبال، وسيولة في الأنهار، وسبلاً أي طرقاً، وكُلُّ ذلك:
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥].
أي: أن الجَعْل كلَّه لعلنا نهتدي.
ونعلم أن العرب كانوا يهتدوا بالجبال، ويجعلون منها علامات، والمثَل هو جبل «هرشا» الذي يقول فيه الشاعر:
خُذُوا بَطْن هرشا أو قَفَاهَا فإنَّهُ | كِلاَ جَانِبي هرشا لَهُنَّ طَريقُ |
وكذلك قَوْل الحق سبحانه: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور الأيمن﴾ [مريم: ٥٢].
وهكذا نجد من ضمن فوائد الجبال أنها علاماتٌ نهتدي بها إلى الطرق وإلى الأماكن، وتلك من المهام الجانبية للجبال.
أو:
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥].
باتعاظكم بالأشياء المخلوقة لكم، كي تهتدوا لِمَنْ أوجدها لكم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك:
7851
﴿وَعَلامَاتٍ وبالنجم... ﴾.
7852
أي: أن ما تقدم من خَلْق الله هو علامات تدلُّ على ضرورة أنْ تروا المنافع التي أودعها الله فيما خلق لكم؛ وتهتدوا إلى الإيمان بإله مُوجِد لهذه الأشياء لصالحكم.
وما سبق من علامات مَقرُّه الأرض، سواء الجبال أو الأنهار أو السُّبل؛ وأضاف الحق سبحانه لها في هذه الآية علامة توجد في السماء، وهي النجوم.
ونعلم أن كلَّ مَنْ يسير في البحر إنما يهتدي بالنجم. وتكلم عنها الحق سبحانه هنا كتسخير مُخْتص؛ ولم يُدخِلها في التسخيرات المتعددة؛ ولأن نجماً يقود لنجم آخر، وهناك نجوم لم يصلنا ضوؤها بعد، وننتفع بآثارها من خلال غيرها.
ونعلم أن قريشاً كانت لها رحلتان في العام: رحلة الشتاء، ورحلة الصيف. وكانت تسلك سبلاً متعددة، فتهتدي بالنجوم في طريقها، ولذلك لا بد أن يكون عندها خبرة بمواقع النجوم.
ويقول الحق سبحانه:
﴿وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
وما سبق من علامات مَقرُّه الأرض، سواء الجبال أو الأنهار أو السُّبل؛ وأضاف الحق سبحانه لها في هذه الآية علامة توجد في السماء، وهي النجوم.
ونعلم أن كلَّ مَنْ يسير في البحر إنما يهتدي بالنجم. وتكلم عنها الحق سبحانه هنا كتسخير مُخْتص؛ ولم يُدخِلها في التسخيرات المتعددة؛ ولأن نجماً يقود لنجم آخر، وهناك نجوم لم يصلنا ضوؤها بعد، وننتفع بآثارها من خلال غيرها.
ونعلم أن قريشاً كانت لها رحلتان في العام: رحلة الشتاء، ورحلة الصيف. وكانت تسلك سبلاً متعددة، فتهتدي بالنجوم في طريقها، ولذلك لا بد أن يكون عندها خبرة بمواقع النجوم.
ويقول الحق سبحانه:
﴿وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
7852
قد فضَّل الحق هذا الأسلوب من بين ثلاثة أساليب يمكن أنْ تُؤدي المعنى؛ هي: «يهتدون بالنجم» و «بالنجم يهتدون» والثالث: هو الذي استخدمه الحق فقال:
﴿وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
وذلك تأكيد على خبرة قريش بمواقع النجوم؛ لأنها تسافر كل عام رحلتين، ولم يكن هناك آخرون يملكون تلك الخبرة.
والضمير «هم» جاء ليعطي خصوصيتين؛ الأولى: أنهم يهتدون بالنجم لا بغيره؛ والثانية: أن قريشاً تهتدي بالنجم، بينما غيرُها من القبائل لا تستطيع أن تهتدي به.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ... ﴾.
﴿وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
وذلك تأكيد على خبرة قريش بمواقع النجوم؛ لأنها تسافر كل عام رحلتين، ولم يكن هناك آخرون يملكون تلك الخبرة.
والضمير «هم» جاء ليعطي خصوصيتين؛ الأولى: أنهم يهتدون بالنجم لا بغيره؛ والثانية: أن قريشاً تهتدي بالنجم، بينما غيرُها من القبائل لا تستطيع أن تهتدي به.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ... ﴾.
7853
ونعلم أن الكلام الذي يلقيه المتكلم للسامع يأخذ صوراً متعددة؛ فمرَّة يأخذ صورة الخبر، كأن يقول: مَنْ لا يخلق ليس كَمنْ يخلق. وهذا كلام خبريّ، يصح أنْ تُصدِّقه، ويصحّ ألاَّ تُصدّقه.
أما إذا أراد المتكلم أن يأتي منك أن التصديق، ويجعلك تنطق به؛ فهو يأتي لك بصيغة سؤال، لا تستطيع إلا أنْ تجيبَ عليه بالتأكيد لِمَا يرغبه المتكلِّم.
ونعلم أن قريشاً كانت تعبد الأصنام؛ وجعلوها آلهة؛ وهي لم تكلمهم، ولم تُنزِل منهجاً، وقالوا ما أورده الحق سبحانه على ألسنتهم:
أما إذا أراد المتكلم أن يأتي منك أن التصديق، ويجعلك تنطق به؛ فهو يأتي لك بصيغة سؤال، لا تستطيع إلا أنْ تجيبَ عليه بالتأكيد لِمَا يرغبه المتكلِّم.
ونعلم أن قريشاً كانت تعبد الأصنام؛ وجعلوها آلهة؛ وهي لم تكلمهم، ولم تُنزِل منهجاً، وقالوا ما أورده الحق سبحانه على ألسنتهم:
7853
﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى﴾ [الزمر: ٣].
فلماذا إذن لا يعبدون الله مباشرة دون وساطة؟ ولماذا لا يرفعون عن أنفسهم مشقة العبادة، ويتجهون إلى الله مباشرة؟
ثم لنسأل: ما هي العبادة؟
نعلم أن العبادة تعني الطاعة في «افعل» و «لا تفعل» التي تصدر من المعبود. وبطبيعة الحال لا توجد أوامر أو تكاليف من الأصنام لِمَنْ يعبدونها، فهي معبودات بلا منهج، وبلا جزاء لِمَن خالف، وبلا ثواب لِمَنْ أطاع، وبالتالي لا تصلح تلك الأصنام للعبادة.
ولنناقش المسألة من زاوية أخرى، لقد أوضح الحق سبحانه أنه هو الذي خلق السماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، وسخر كل الكائنات لخدمة الإنسان الذي أوكل إليه مهمة خلافته في الأرض.
وكلُّ تلك الأمور لا يدعيها أحد غير الله، بل إنك إنْ سألتَ الكفار والمشركين عمَّن خلقهم ليقولن الله.
قال الحق سبحانه: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [الزخرف: ٨٧].
فلماذا إذن لا يعبدون الله مباشرة دون وساطة؟ ولماذا لا يرفعون عن أنفسهم مشقة العبادة، ويتجهون إلى الله مباشرة؟
ثم لنسأل: ما هي العبادة؟
نعلم أن العبادة تعني الطاعة في «افعل» و «لا تفعل» التي تصدر من المعبود. وبطبيعة الحال لا توجد أوامر أو تكاليف من الأصنام لِمَنْ يعبدونها، فهي معبودات بلا منهج، وبلا جزاء لِمَن خالف، وبلا ثواب لِمَنْ أطاع، وبالتالي لا تصلح تلك الأصنام للعبادة.
ولنناقش المسألة من زاوية أخرى، لقد أوضح الحق سبحانه أنه هو الذي خلق السماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، وسخر كل الكائنات لخدمة الإنسان الذي أوكل إليه مهمة خلافته في الأرض.
وكلُّ تلك الأمور لا يدعيها أحد غير الله، بل إنك إنْ سألتَ الكفار والمشركين عمَّن خلقهم ليقولن الله.
قال الحق سبحانه: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [الزخرف: ٨٧].
7854
ذلك أن عملية الإيجاد والخَلْق لا يجرؤ أحدٌ أنْ يدَّعيَها إنْ لم يكُنْ هو الذي أبدعها، وحين تسألهم: مَنْ خلق السماوات والأرض لقالوا: إنه الله.
وقد أبلغهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وأن منهجه لإدارة الكون يبدأ من عبادته سبحانه.
وما دام قد ادَّعى الحق سبحانه ذلكن ولم يوجد مَنْ ينازعه؛ فالدعوة تثبُت له إلى أنْ يوجد معارض، ولم يوجد هذا المُعَارض أبداً.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؛ لم يَقُل الحق سبحانه «أتجعلون مَنْ لا يخلق مِثْل من يخلق». بل قال:
﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧].
ووراء ذلك حكمة؛ فهؤلاء الذين نزل إليهم الحديث تعاملوا مع الأصنام وكأنها الله؛ وتوهَّموا أن الله مخلوق مثل تلك الأصنام؛ ولذلك جاء القول الذي يناسب هذا التصوُّر.
والحق سبحانه يريد أنْ يبطل هذا التصوُّر من الأساس؛ فأوضح أن مَنْ تعبدونهم هم أصنام من الحجارة وهي مادة ولها صورة، وأنتم صنعتموها على حَسْب تصوُّركم وقدراتكم.
وفي هذه الحالة يكون المعبود أقلَّ درجة من العابد وأدنى منه؛ فضلاً عن أن تلك الأصنام لا تملك لِمَنْ يعبدها ضراً ولا نفعاً.
وقد أبلغهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وأن منهجه لإدارة الكون يبدأ من عبادته سبحانه.
وما دام قد ادَّعى الحق سبحانه ذلكن ولم يوجد مَنْ ينازعه؛ فالدعوة تثبُت له إلى أنْ يوجد معارض، ولم يوجد هذا المُعَارض أبداً.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؛ لم يَقُل الحق سبحانه «أتجعلون مَنْ لا يخلق مِثْل من يخلق». بل قال:
﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧].
ووراء ذلك حكمة؛ فهؤلاء الذين نزل إليهم الحديث تعاملوا مع الأصنام وكأنها الله؛ وتوهَّموا أن الله مخلوق مثل تلك الأصنام؛ ولذلك جاء القول الذي يناسب هذا التصوُّر.
والحق سبحانه يريد أنْ يبطل هذا التصوُّر من الأساس؛ فأوضح أن مَنْ تعبدونهم هم أصنام من الحجارة وهي مادة ولها صورة، وأنتم صنعتموها على حَسْب تصوُّركم وقدراتكم.
وفي هذه الحالة يكون المعبود أقلَّ درجة من العابد وأدنى منه؛ فضلاً عن أن تلك الأصنام لا تملك لِمَنْ يعبدها ضراً ولا نفعاً.
7855
ثم: لماذا تدعون الله إنْ مسَّكُم ضُرٌّ؟
إن الإنسان يدعو الله في موقف الضر؛ لأنه لحظتها لا يجرؤ على خداع نفسه، أما الآلهة التي صنعوها وعبدوها فهي لا تسمع الدعاء: ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤].
فكيف إذن تساوون بين مَنْ لا يخلق، ومن يخلق؟ إن عليكم أنْ تتذكَّروا، وأنْ تتفكَّروا، وأن تُعْمِلوا عقولكم فيما ينفعكم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ... ﴾.
إن الإنسان يدعو الله في موقف الضر؛ لأنه لحظتها لا يجرؤ على خداع نفسه، أما الآلهة التي صنعوها وعبدوها فهي لا تسمع الدعاء: ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤].
فكيف إذن تساوون بين مَنْ لا يخلق، ومن يخلق؟ إن عليكم أنْ تتذكَّروا، وأنْ تتفكَّروا، وأن تُعْمِلوا عقولكم فيما ينفعكم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ... ﴾.
7856
وهذه الآية سبقتْ في سورة إبراهيم؛ فقال الحق سبحانه هناك: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤].
وكان الحديث في مجال مَنْ لم يعطوا الألوهية الخالقة، والربوبية الموجدة، والمُمِدَّة حَقَّها، وجحدوا كل ذلك. ونفس الموقف هنا حديث عن نفس القوم، فيُوضِّح الحق سبحانه:
وكان الحديث في مجال مَنْ لم يعطوا الألوهية الخالقة، والربوبية الموجدة، والمُمِدَّة حَقَّها، وجحدوا كل ذلك. ونفس الموقف هنا حديث عن نفس القوم، فيُوضِّح الحق سبحانه:
7856
أنتم لو استعرضتم نِعمَ الله فلن تحصوها، ذلك أن المعدود دائماً يكون مكرر الأفراد؛ ولكن النعمة الواحدة في نظرك تشتمل على نِعَم لا تُحصَى ولا تُعَد؛ فما بالك بالنِّعم مجتمعة؟
أو: أن الحق سبحانه لا يمتنُّ إلا بشيء واحد، هو أنه قد جاء لكم بنعمة، وتلك النعمة أفرادها كثير جداً.
ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨].
أي: أنكم رغم كُفْركم سيزيدكم من النعم، ويعطيكم من مناط الرحمة، فمنكم الظلم، ومن الله الغفران، ومنكم الكفر ومن الله الرحمة.
وكأنَّ تذييل الآية هنا يرتبط بتذييل الآية التي في سورة إبراهيم حيث قال هناك: ﴿إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤].
فهو سبحانه غفور لجحدكم ونُكْرانكم لجميل الله، وهو رحيم، فيوالي عليكم النِّعَم رغم أنكم ظالمون وكافرون.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ..﴾.
أو: أن الحق سبحانه لا يمتنُّ إلا بشيء واحد، هو أنه قد جاء لكم بنعمة، وتلك النعمة أفرادها كثير جداً.
ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨].
أي: أنكم رغم كُفْركم سيزيدكم من النعم، ويعطيكم من مناط الرحمة، فمنكم الظلم، ومن الله الغفران، ومنكم الكفر ومن الله الرحمة.
وكأنَّ تذييل الآية هنا يرتبط بتذييل الآية التي في سورة إبراهيم حيث قال هناك: ﴿إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤].
فهو سبحانه غفور لجحدكم ونُكْرانكم لجميل الله، وهو رحيم، فيوالي عليكم النِّعَم رغم أنكم ظالمون وكافرون.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ..﴾.
7857
والسِّر كما نعلم هو ما حبْسته في نفسك، أو ما أسررْتَ به لغيرك، وطلبتَ منه ألاَّ يُعلِمه لأحد. والحق سبحانه يعلم السِّر، بل يعلم ما هو أَخْفى فهو القائل:
7857
﴿يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧].
أي: أنه يعلم ما نُسِره في أنفسنا، ويعلم أيضاً ما يمكن أن يكون سِراً قبل أن نُسِرَّه في أنفسنا، وهو سبحانه لا يعلم السِّر فقط؛ بل يعلم العَلَن أيضاً.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والذين يَدْعُونَ مِن..﴾.
أي: أنه يعلم ما نُسِره في أنفسنا، ويعلم أيضاً ما يمكن أن يكون سِراً قبل أن نُسِرَّه في أنفسنا، وهو سبحانه لا يعلم السِّر فقط؛ بل يعلم العَلَن أيضاً.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿والذين يَدْعُونَ مِن..﴾.
7858
أي: أنهم لا يستطيعون أنْ يخلقوا شيئاً؛ بل هم يُخْلقون، والأصنام كما قُلْنا هي أدنى مِمَّنْ يخلقونها، فكيف يستوي أنْ يكونَ المعبود أَدْنى من العابد؟ وذلك تسفيهٌ لعبادتهم.
ولذلك يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لحظةَ أنْ حطَّم الأصنام، وسأله أهله: مَنْ فعل ذلك بآلهتنا؟ وأجاب: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ [الأنبياء: ٦٣].
فقالوا له: إن الكبير مجرَّد صنم، وأنت تعلم أنه لا يقدر على شيء.
ونجد القرآن يقول لأمثال هؤلاء:
ولذلك يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لحظةَ أنْ حطَّم الأصنام، وسأله أهله: مَنْ فعل ذلك بآلهتنا؟ وأجاب: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ [الأنبياء: ٦٣].
فقالوا له: إن الكبير مجرَّد صنم، وأنت تعلم أنه لا يقدر على شيء.
ونجد القرآن يقول لأمثال هؤلاء:
7858
﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ [الصافات: ٩٥].
فهذه الآلهة إذن لا تخلق بل تُخلق، ولكن الله هو خالق كل شيء، وسبحانه القائل: ﴿ياأيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب﴾ [الحج: ٧٣].
ويذكر الحق سبحانه من بعد ذلك أوصاف تلك الأصنام: ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ... ﴾.
فهذه الآلهة إذن لا تخلق بل تُخلق، ولكن الله هو خالق كل شيء، وسبحانه القائل: ﴿ياأيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب﴾ [الحج: ٧٣].
ويذكر الحق سبحانه من بعد ذلك أوصاف تلك الأصنام: ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ... ﴾.
7859
وهم بالفعل أموات؛ لأنهم بلا حِسٍّ ولا حركة، وقوله:
﴿غَيْرُ أَحْيَآءٍ..﴾ [النحل: ٢١].
تفيد أنه لم تكُنْ لهم حياة من قَبْل، ولم تثبت لهم الحياة في دورة من دورات الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
وهكذا تكتمل أوصاف تلك الأصنام، فهم لا يخلقون شيئاً، بل هم مخلوقون بواسطة مَنْ نحتُوهم، وتلك الأصنام والأوثان لن تكون لها حياة في الآخرة، بل ستكون وَقُوداً للنار.
﴿غَيْرُ أَحْيَآءٍ..﴾ [النحل: ٢١].
تفيد أنه لم تكُنْ لهم حياة من قَبْل، ولم تثبت لهم الحياة في دورة من دورات الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
وهكذا تكتمل أوصاف تلك الأصنام، فهم لا يخلقون شيئاً، بل هم مخلوقون بواسطة مَنْ نحتُوهم، وتلك الأصنام والأوثان لن تكون لها حياة في الآخرة، بل ستكون وَقُوداً للنار.
7859
والحق سبحانه هو القائل: ﴿احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات: ٢٢].
وبطبيعة الحال لن تشعرَ تلك الحجارةُ ببعْث مَنْ عبدوها.
ويُصفِّي الحق سبحانه من بعد ذلك المسألة العقدية، فيقول: ﴿إلهكم إله وَاحِدٌ... ﴾.
وبطبيعة الحال لن تشعرَ تلك الحجارةُ ببعْث مَنْ عبدوها.
ويُصفِّي الحق سبحانه من بعد ذلك المسألة العقدية، فيقول: ﴿إلهكم إله وَاحِدٌ... ﴾.
7860
وقَوْله الحق:
﴿إلهكم إله وَاحِدٌ... ﴾ [النحل: ٢٢].
تمنع أنْ يكونَ هناك أفراد غيره مثله، وقد يتصوَّر البعض أنها تُساوي كلمة «أحد». وأقول: إن كلمة «أحد» هي منع أن يكونَ له أجزاء؛ فهو مُنزَّه عن التَّكْرار أو التجزيء.
وفي هذا القول طَمْأنةٌ للمؤمنين بأنهم قد وصلوا إلى قِمَّة الفهم والاعتقاد بأن الله واحد.
أو: هو يُوضِّح للكافرين أن الله واحدٌ رغم أنوفكم، وستعودون
﴿إلهكم إله وَاحِدٌ... ﴾ [النحل: ٢٢].
تمنع أنْ يكونَ هناك أفراد غيره مثله، وقد يتصوَّر البعض أنها تُساوي كلمة «أحد». وأقول: إن كلمة «أحد» هي منع أن يكونَ له أجزاء؛ فهو مُنزَّه عن التَّكْرار أو التجزيء.
وفي هذا القول طَمْأنةٌ للمؤمنين بأنهم قد وصلوا إلى قِمَّة الفهم والاعتقاد بأن الله واحد.
أو: هو يُوضِّح للكافرين أن الله واحدٌ رغم أنوفكم، وستعودون
7860
إليه غَصْباً، وبهذا القول يكشف الحق سبحانه عن الفطرة الموجودة في النفس البشرية التي شهدتْ في عالم الذَّرِّ أن الله واحد لا شريك له، وأن القيامة والبعث حَقٌّ.
ولكن الذين لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم مَنْ ستروا عن أنفسهم فطرتهم، فكلمة الكفر كما سبق أنْ قلنا هي ستر يقتضي مستوراً، والكفر يستر إيمانَ الفطرة الأولى.
والذين يُنكرون الآخرة إنما يَحْرِمون أنفسهم من تصوُّر ما سوف يحدث حَتْماً؛ وهو الحساب الذي سيجازي بالثواب والحسنات على الأفعال الطيبة، ولعل سيئاتهم تكون قليلة؛ فيجبُرها الحق سبحانه لهم وينالون الجنة.
والمُسْرفون على أنفسهم؛ يأملون أن تكون قضيةُ الدين كاذبة، لأنهم يريدون أن يبتعدوا عن تصوُّر الحساب، ويتمنَّوْنَ ألاَّ يوجدَ حساب.
ويَصِفُهم الحق سبحانه:
﴿قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢].
أي: أنهم لا يكتفُون بإنكار الآخرة فقط؛ بل يتعاظمون بدون وجه للعظمة.
و «استكبر» أي: نصَّب من نفسه كبيراً دون أنْ يملكَ مُقوِّمات الكِبر، ذلك أن «الكبير» يجب أن يستندَ لِمُقوِّمات الكِبَر؛ ويضمن لنفسه أنْ تظلَّ تلك المُقوِّمات ذاتيةً فيه.
ولكِنَّا نحن البشر أبناءُ أغيارٍ؛ لذلك لا يصِحُّ لنا أنْ نتكَبَّر؛
ولكن الذين لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم مَنْ ستروا عن أنفسهم فطرتهم، فكلمة الكفر كما سبق أنْ قلنا هي ستر يقتضي مستوراً، والكفر يستر إيمانَ الفطرة الأولى.
والذين يُنكرون الآخرة إنما يَحْرِمون أنفسهم من تصوُّر ما سوف يحدث حَتْماً؛ وهو الحساب الذي سيجازي بالثواب والحسنات على الأفعال الطيبة، ولعل سيئاتهم تكون قليلة؛ فيجبُرها الحق سبحانه لهم وينالون الجنة.
والمُسْرفون على أنفسهم؛ يأملون أن تكون قضيةُ الدين كاذبة، لأنهم يريدون أن يبتعدوا عن تصوُّر الحساب، ويتمنَّوْنَ ألاَّ يوجدَ حساب.
ويَصِفُهم الحق سبحانه:
﴿قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢].
أي: أنهم لا يكتفُون بإنكار الآخرة فقط؛ بل يتعاظمون بدون وجه للعظمة.
و «استكبر» أي: نصَّب من نفسه كبيراً دون أنْ يملكَ مُقوِّمات الكِبر، ذلك أن «الكبير» يجب أن يستندَ لِمُقوِّمات الكِبَر؛ ويضمن لنفسه أنْ تظلَّ تلك المُقوِّمات ذاتيةً فيه.
ولكِنَّا نحن البشر أبناءُ أغيارٍ؛ لذلك لا يصِحُّ لنا أنْ نتكَبَّر؛
7861
فالواحد مِنَّا قد يمرض، أو تزول عنه أعراض الثروة أو الجاه، فصفات وكمالات الكبر ليست ذاتية في أيٍّ مِنَّا؛ وقد تُسلب ممَّنْ فاء الله عليه بها؛ ولذلك يصبح من اللائق أن يتواضعَ كُلٌّ مِنَّا، وأنْ يستحضرَ ربَّه، وأنْ يتضاءلَ أمام خالقه.
فالحق سبحانه وحده هو صاحب الحق في التكبُّر؛ وهو سبحانه الذي تبلغ صفاته ومُقوِّماته منتهى الكمال، وهي لا تزول عنه أبداً.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله... ﴾.
فالحق سبحانه وحده هو صاحب الحق في التكبُّر؛ وهو سبحانه الذي تبلغ صفاته ومُقوِّماته منتهى الكمال، وهي لا تزول عنه أبداً.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله... ﴾.
7862
وساعة نرى ﴿لاَ جَرَمَ﴾ فمعناها أنَّ ما يأتي بعدها هو حَقٌّ ثابت، ف «لا» نافية، و «جرم» مأخوذة من «الجريمة»، وهي كَسْر شيء مُؤْمَن به لسلامة المجموع. وحين نقول «لا جرم» أي: أن ما بعدها حَقٌّ ثابت.
وما بعد ﴿لاَ جَرَمَ﴾ هنا هو: أن الله يعلم ما يُسِرون وما يُعلِنون.
وكُلُّ آيات القرآن التي ورد فيها قوله الحق ﴿لاَ جَرَمَ﴾ تُؤدِّي هذا المعنى، مثل قوله الحق: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢].
وما بعد ﴿لاَ جَرَمَ﴾ هنا هو: أن الله يعلم ما يُسِرون وما يُعلِنون.
وكُلُّ آيات القرآن التي ورد فيها قوله الحق ﴿لاَ جَرَمَ﴾ تُؤدِّي هذا المعنى، مثل قوله الحق: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢].
7862
وكذلك قوله الحق: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الخاسرون﴾ [النحل: ١٠٩].
وقد قال بعض العلماء: إن قوله الحق ﴿لاَ جَرَمَ﴾ يحمل معنى «لا بُدَّ»، وهذا يعني أن قوله الحق: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ... ﴾ [النحل: ٢٣]..
لا بُدَّ أن يعلم الله ما يُسِرون وما يُعلِنون، ولا مناصَ من أن الذين كفروا هم الخاسرون. وقد حَلَّلَ العلماء اللفظ لِيصِلوا إلى أدقِّ أسراره.
وعِلْم الله لا ينطبق على الجَهْر فقط، بل على السِّر أيضاً؛ ذلك أنه سيحاسبهم على كُلِّ الأعمال. ويُنهِي الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ [النحل: ٢٣].
وإذا سألنا: وما علاقةُ عِلْم الله بالعقوبة؟ ونقول: ألم يقولوا في أنفسهم: ﴿لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ..﴾ [المجادلة: ٨].
وإذا ما نزل قول الحق سبحانه لِيُخبرهم بما قالوه في أنفسهم؛ فهذا دليل على أن مَنْ يُبلِغهم صادقٌ في البلاغ عن الله، ورغم ذلك فقد استكبروا؛ وتأبَّوْا وعاندوا، وأخذتهم العزة بالإثم، وأرادوا بالاستكبار الهرب من الالتزام بالمنهج الذي جاءهم به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقد قال بعض العلماء: إن قوله الحق ﴿لاَ جَرَمَ﴾ يحمل معنى «لا بُدَّ»، وهذا يعني أن قوله الحق: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ... ﴾ [النحل: ٢٣]..
لا بُدَّ أن يعلم الله ما يُسِرون وما يُعلِنون، ولا مناصَ من أن الذين كفروا هم الخاسرون. وقد حَلَّلَ العلماء اللفظ لِيصِلوا إلى أدقِّ أسراره.
وعِلْم الله لا ينطبق على الجَهْر فقط، بل على السِّر أيضاً؛ ذلك أنه سيحاسبهم على كُلِّ الأعمال. ويُنهِي الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ [النحل: ٢٣].
وإذا سألنا: وما علاقةُ عِلْم الله بالعقوبة؟ ونقول: ألم يقولوا في أنفسهم: ﴿لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ..﴾ [المجادلة: ٨].
وإذا ما نزل قول الحق سبحانه لِيُخبرهم بما قالوه في أنفسهم؛ فهذا دليل على أن مَنْ يُبلِغهم صادقٌ في البلاغ عن الله، ورغم ذلك فقد استكبروا؛ وتأبَّوْا وعاندوا، وأخذتهم العزة بالإثم، وأرادوا بالاستكبار الهرب من الالتزام بالمنهج الذي جاءهم به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
7863
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ... ﴾.
7864
وقوله الحق:
﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ... ﴾ [النحل: ٢٤].
يُوضِّح الاستدراك الذي أجراه الله على لسان المُتكلِّم؛ ليعرفوا أن لهم رباً. ولو لم يكونوا مؤمنين بِرَبٍّ، لأعلنوا ذلك، ولكنهم من غفلتهم اعترضوا على الإنزال، ولم يعترضوا على أن لهم رباً.
وهذا دليل على إيمانهم بربٍّ خالق؛ ولكنهم يعترضون على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وما أُنزِل إليه من الله.
و:
﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
والأساطير: هي الأكاذيب، ولو كانوا صادقين مع أنفسهم لَمَا أقرُّوا بالألوهية، ورفضوا أيضاً القول المُنْزل إليهم.
ومنهم من قال: ﴿وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان: ٥].
﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ... ﴾ [النحل: ٢٤].
يُوضِّح الاستدراك الذي أجراه الله على لسان المُتكلِّم؛ ليعرفوا أن لهم رباً. ولو لم يكونوا مؤمنين بِرَبٍّ، لأعلنوا ذلك، ولكنهم من غفلتهم اعترضوا على الإنزال، ولم يعترضوا على أن لهم رباً.
وهذا دليل على إيمانهم بربٍّ خالق؛ ولكنهم يعترضون على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وما أُنزِل إليه من الله.
و:
﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
والأساطير: هي الأكاذيب، ولو كانوا صادقين مع أنفسهم لَمَا أقرُّوا بالألوهية، ورفضوا أيضاً القول المُنْزل إليهم.
ومنهم من قال: ﴿وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان: ٥].
7864
ولكن هناك جانب آخر كان له موقف مختلف سيأتي تبيانه من بعد ذلك، وهم الجانب المُضَادَّ لهؤلاء؛ حيث يقول الحق سبحانه: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠].
ووراء ذلك قصة تُوضِّح جوانب الخلاف بين فريق مؤمن، وفريق كافر.
فحين دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قومه وعشيرته إلى الإيمان بالله الواحد الذي أنزل عليه منهجاً في كتاب مُعجز، بدأت أخبار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تنتشر بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وأرسلت كُلَّ قبيلة وفداً منها لتتعرف وتستطلع مسألة هذا الرسول.
ولكن كُفَّار قريش أرادوا أن يصدُّوا عن سبيل الله؛ فقسَّموا أنفسهم على مداخل مكة الأربعة، فإذا سألهم سائل من وفود القبائل «ماذا قال ربكم الذي أرسل لكم رسولاً؟».
هنا يرد عليهم قسم الكفار الذي يستقبلهم: «إنه رسول كاذب، يُحرِّف ويُجدِّف». والهدف طبعاً أنْ يصُدّ الكفار وفود القبائل.
ويخبر الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما حدث، وإذا قيل للواقفين على أبواب مكة من الوفود التي جاءت تستطلع أخبار للرسول: ماذا أنزل ربُّكم؟ يردُّون «إنه يُردِّد أساطير الأولين».
ووراء ذلك قصة تُوضِّح جوانب الخلاف بين فريق مؤمن، وفريق كافر.
فحين دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قومه وعشيرته إلى الإيمان بالله الواحد الذي أنزل عليه منهجاً في كتاب مُعجز، بدأت أخبار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تنتشر بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وأرسلت كُلَّ قبيلة وفداً منها لتتعرف وتستطلع مسألة هذا الرسول.
ولكن كُفَّار قريش أرادوا أن يصدُّوا عن سبيل الله؛ فقسَّموا أنفسهم على مداخل مكة الأربعة، فإذا سألهم سائل من وفود القبائل «ماذا قال ربكم الذي أرسل لكم رسولاً؟».
هنا يرد عليهم قسم الكفار الذي يستقبلهم: «إنه رسول كاذب، يُحرِّف ويُجدِّف». والهدف طبعاً أنْ يصُدّ الكفار وفود القبائل.
ويخبر الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما حدث، وإذا قيل للواقفين على أبواب مكة من الوفود التي جاءت تستطلع أخبار للرسول: ماذا أنزل ربُّكم؟ يردُّون «إنه يُردِّد أساطير الأولين».
7865
وهذا الجواب الواحد من الواقفين على أبواب مكة الأربعة يدلُّ على أنها إجابة مُتفق عليها، وسبق الإعداد لها، وقد أرادوا بذلك أنْ يَصرِفوا وفود القبائل عن الاستماع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فشبَّهوا الذِّكْر المُنزَّل من الله بمثل ما كان يرويه لهم على سبيل المثال النضر ابن الحارث من قصص القدماء التي تتشابه مع قصص عنترة، وأبي زيد الهلالي التي تروي في قُرَانا. وهذه هي الموقعة الأولى في الأخذ والرد.
ويُعقِّب الحق سبحانه على قولهم هذا: ﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً... ﴾.
ويُعقِّب الحق سبحانه على قولهم هذا: ﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً... ﴾.
7866
وانظر إلى قوله سبحانه:
﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً... ﴾ [النحل: ٢٥].
لترى كيف يُوضّح الحق سبحانه أن النفس البشرية لها أحوال متعددة؛ وإذا أسرفتْ على نفسها في تلك الجوانب؛ فهي قد تُسرف في الجانب الأخلاقي؛ والجانب الاجتماعي؛ وغير ذلك، فتأخذ وِزْر كُلّ ما تفعل.
ويُوضِّح هنا الحق سبحانه أيضاً أن تلك النفس التي ترتكب الأوزار حين تُضِل نفساً غيرها فهي لا تتحمل من أوزار النفس التي أضلَّتها إلا ما نتجَ عن الإضلال؛ فيقول:
﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً... ﴾ [النحل: ٢٥].
لترى كيف يُوضّح الحق سبحانه أن النفس البشرية لها أحوال متعددة؛ وإذا أسرفتْ على نفسها في تلك الجوانب؛ فهي قد تُسرف في الجانب الأخلاقي؛ والجانب الاجتماعي؛ وغير ذلك، فتأخذ وِزْر كُلّ ما تفعل.
ويُوضِّح هنا الحق سبحانه أيضاً أن تلك النفس التي ترتكب الأوزار حين تُضِل نفساً غيرها فهي لا تتحمل من أوزار النفس التي أضلَّتها إلا ما نتجَ عن الإضلال؛ فيقول:
7866
﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: ٢٥].
ذلك أن النفس التي تمَّ إضلالها قد ترتكب من الأوزار في مجالات أخرى ما لا يرتبط بعملية الإضلال.
والحق سبحانه أعدل من أنْ يُحمّل حتى المُضِل أوزاراً لم يكُنْ هو السبب فيها؛ ولذلك قال الحق سبحانه هنا:
﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ... ﴾ [النحل: ٢٥].
أي: أن المُضِلّ يحمل أوزار نفسه، وكذلك يحمل بعضاً من أوزار الذين أضلّهم؛ تلك الأوزار الناتجة عن الإضلال.
وفي هذا مُطْلق العدالة من الحق سبحانه وتعالى، فالذين تَمَّ إضلالهم يرتكبون نوعين من الأوزار والسيئات؛ أوزار وسيئات نتيجة الإضلال؛ وتلك يحملها معهم مَنْ أضلوهم.
أما الأوزار والسيئات التي ارتكبوها بأنفسهم دون أنْ يدفعهم لذلك مَنْ أضلُّوهم؛ فهم يتحمَّلون تَبِعاتها وحدهم، وبذلك يحمل كُلُّ إنسان أحمال الذنوب التي ارتكبها.
وقد حسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذلك حين قال: «والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رُغَاء، أو بقرة لها خُوَار، أو شاة تَيْعَر».
وقِسْ على ذلك من سرق في الطوب والأسمنت والحديد وخدع الناس.
ذلك أن النفس التي تمَّ إضلالها قد ترتكب من الأوزار في مجالات أخرى ما لا يرتبط بعملية الإضلال.
والحق سبحانه أعدل من أنْ يُحمّل حتى المُضِل أوزاراً لم يكُنْ هو السبب فيها؛ ولذلك قال الحق سبحانه هنا:
﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ... ﴾ [النحل: ٢٥].
أي: أن المُضِلّ يحمل أوزار نفسه، وكذلك يحمل بعضاً من أوزار الذين أضلّهم؛ تلك الأوزار الناتجة عن الإضلال.
وفي هذا مُطْلق العدالة من الحق سبحانه وتعالى، فالذين تَمَّ إضلالهم يرتكبون نوعين من الأوزار والسيئات؛ أوزار وسيئات نتيجة الإضلال؛ وتلك يحملها معهم مَنْ أضلوهم.
أما الأوزار والسيئات التي ارتكبوها بأنفسهم دون أنْ يدفعهم لذلك مَنْ أضلُّوهم؛ فهم يتحمَّلون تَبِعاتها وحدهم، وبذلك يحمل كُلُّ إنسان أحمال الذنوب التي ارتكبها.
وقد حسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذلك حين قال: «والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رُغَاء، أو بقرة لها خُوَار، أو شاة تَيْعَر».
وقِسْ على ذلك من سرق في الطوب والأسمنت والحديد وخدع الناس.
7867
وحين يقول الحق سبحانه:
﴿الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ... ﴾ [النحل: ٢٥].
إنما يلفتنا إلى ضرورة ألاَّ تُلهينا الدنيا عن أهمِّ قضية تشغل بال الخليقة، وهي البحث عن الخالق الذي أكرم الخَلْق، وأعدَّ الكون لاستقبالهم.
وكان يجب على هؤلاء الذين سمعوا من كفار قريش أن يبحثوا عن الرسول، وأن يسمعوا منه؛ فهم أُميون لم يسبق أنْ جاءهم رسول؛ وقد قال فيهم الحق سبحانه: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: ٧٨].
فإذا ما جاءهم الرسول كان عليهم أنْ يبحثوا، وأنْ يسمعوا منه لا نقلاً عن الكفار؛ ولذلك سيعاقبهم الله؛ لأنهم أهملوا قضية الدين، ولكن العقوبةَ الشديدة ستكون لِمَنْ كان عندهم عِلْم بالكتاب.
والحق سبحانه هو القائل: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً..﴾ [البقرة: ٧٩].
ويَصِف الحق سبحانه مَنْ يحملون أوزارهم وبعضاً من أوزار مَنْ أضلوهم:
﴿أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥].
أي: ساء ما يحملون من آثام؛ فهم لَمْ يكتفوا بأوزارهم، بل
﴿الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ... ﴾ [النحل: ٢٥].
إنما يلفتنا إلى ضرورة ألاَّ تُلهينا الدنيا عن أهمِّ قضية تشغل بال الخليقة، وهي البحث عن الخالق الذي أكرم الخَلْق، وأعدَّ الكون لاستقبالهم.
وكان يجب على هؤلاء الذين سمعوا من كفار قريش أن يبحثوا عن الرسول، وأن يسمعوا منه؛ فهم أُميون لم يسبق أنْ جاءهم رسول؛ وقد قال فيهم الحق سبحانه: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: ٧٨].
فإذا ما جاءهم الرسول كان عليهم أنْ يبحثوا، وأنْ يسمعوا منه لا نقلاً عن الكفار؛ ولذلك سيعاقبهم الله؛ لأنهم أهملوا قضية الدين، ولكن العقوبةَ الشديدة ستكون لِمَنْ كان عندهم عِلْم بالكتاب.
والحق سبحانه هو القائل: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً..﴾ [البقرة: ٧٩].
ويَصِف الحق سبحانه مَنْ يحملون أوزارهم وبعضاً من أوزار مَنْ أضلوهم:
﴿أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥].
أي: ساء ما يحملون من آثام؛ فهم لَمْ يكتفوا بأوزارهم، بل
7868
صَدُّوا عن سبيل الله، ومنعُوا الغير أنْ يستمعَ إلى قضية الإيمان.
ومن نتيجة ذلك أنْ يبيح مَنْ لم يسمع لنفسه بعضاً مِمَّا حرم الله؛ فيتحمل مَنْ صدَّهم عن السبيل وِزْر هذا الإضلال.
ولذلك نجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «شَرُّكم مَنْ باع دينه بِدُنْياه، وشَرٌّ منه مَنْ باع دينه بِدُنْيا غيره».
فمَنْ باع الدين ليتمتع قليلاً؛ يستحق العقاب؛ أما مَنْ باع دينه ليتمتعَ غيرُه فهو الذي سيجد العقاب الأشدَّ من الله.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: ﴿قَدْ مَكَرَ الذين... ﴾.
ومن نتيجة ذلك أنْ يبيح مَنْ لم يسمع لنفسه بعضاً مِمَّا حرم الله؛ فيتحمل مَنْ صدَّهم عن السبيل وِزْر هذا الإضلال.
ولذلك نجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «شَرُّكم مَنْ باع دينه بِدُنْياه، وشَرٌّ منه مَنْ باع دينه بِدُنْيا غيره».
فمَنْ باع الدين ليتمتع قليلاً؛ يستحق العقاب؛ أما مَنْ باع دينه ليتمتعَ غيرُه فهو الذي سيجد العقاب الأشدَّ من الله.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: ﴿قَدْ مَكَرَ الذين... ﴾.
7869
ويأتي الحق سبحانه هنا بسيرة الأولين والسُّنن التي أجراها سبحانه عليهم، ليسلي رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ ويُوضِّح له أن ما حدث معه ليس بدْعاً؛ بل سبق أنْ حدث مع مَنْ سبق من الرسل. ويُبلغه أنه
7869
لم يبعث أيَّ رسول إلا بعد تَعُمّ البَلْوى ويَطم الفساد، ويفقد البشر المناعة الإيمانية، نتيجة افتقاد مَنْ يؤمنون ويعملون الصالحات، ويتواصون بالحقِّ وبالصبر.
والمَثلُ الواضح على ذلك ما حدث لبني إسرائيل؛ الذين قال فيهم الحق سبحانه: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة: ٧٩].
فانصبَّ عليهم العذاب من الله، وهذا مصير كُلِّ أمة لا تتناهى عن المنكر الظاهر أمامها.
ويقول سبحانه هنا:
﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٦].
والمكر تبييت خفيّ يُبيِّته الماكر بما يستر عن المَمْكُور به. ولكن حين يمكر أحد بالرسل؛ فهو يمكر بمَنْ يُؤيِّده الله العالم العليم.
وإذا ما أعلم اللهُ رسولَه بالمكر؛ فهو يُلغِي كل أثر لهذا التبييت؛ فقد علمه مَنْ يقدر على إبطاله. والحق سبحانه هو القائل: ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي﴾ [المجادلة: ٢١].
وهو القائل: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٢].
وطبَّق الحق سبحانه ذلك على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ حين مكر به كفار قريش وجمعوا شباب القبائل ليقتلوه؛ فأغشاهم الله ولم يبصروا
والمَثلُ الواضح على ذلك ما حدث لبني إسرائيل؛ الذين قال فيهم الحق سبحانه: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة: ٧٩].
فانصبَّ عليهم العذاب من الله، وهذا مصير كُلِّ أمة لا تتناهى عن المنكر الظاهر أمامها.
ويقول سبحانه هنا:
﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٦].
والمكر تبييت خفيّ يُبيِّته الماكر بما يستر عن المَمْكُور به. ولكن حين يمكر أحد بالرسل؛ فهو يمكر بمَنْ يُؤيِّده الله العالم العليم.
وإذا ما أعلم اللهُ رسولَه بالمكر؛ فهو يُلغِي كل أثر لهذا التبييت؛ فقد علمه مَنْ يقدر على إبطاله. والحق سبحانه هو القائل: ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي﴾ [المجادلة: ٢١].
وهو القائل: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٢].
وطبَّق الحق سبحانه ذلك على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ حين مكر به كفار قريش وجمعوا شباب القبائل ليقتلوه؛ فأغشاهم الله ولم يبصروا
7870
خروجه للهجرة ولم ينتصر عليه معسكر الكفر بأيِّ وسيلة؛ لا باعتداءات اللسان، ولا باعتداءات الجوارح.
وهؤلاء الذين يمكرون بالرسل لم يتركهم الحق سبحانه دون عقاب:
﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد... ﴾ [النحل: ٢٦].
أي: أنهم إنْ جعلوا مكرهم كالبناية العالية؛ فالحقُّ سبحانه يتركهم لإحساس الأمن المُزيف، ويحفر لهم مِنْ تحتهم، فيخِرّ عليهم السقف الذي من فوقهم. وهكذا يضرب الله المثَل المعنوي بأمرٍ مَحَسٍّ.
وقوله الحق:
﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٦].
يُوضِّح أنهم موجودون داخل هذا البيت، وأن الفوقية هنا للسقف، وهي فوقية شاءها الله ليأتيهم:
﴿العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦].
وهكذا يأتي عذاب الله بَغْتة؛ ذلك أنهم قد بيَّتوا، وظنوا أن هذا التبييت بخفاء يَخْفَى عن الحَيِّ القيوم.
ولَيْتَ الأمرَ يقتصر على ذلك؛ لا بل يُعذِّبهم الله في الآخرة أيضاً:
وهؤلاء الذين يمكرون بالرسل لم يتركهم الحق سبحانه دون عقاب:
﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد... ﴾ [النحل: ٢٦].
أي: أنهم إنْ جعلوا مكرهم كالبناية العالية؛ فالحقُّ سبحانه يتركهم لإحساس الأمن المُزيف، ويحفر لهم مِنْ تحتهم، فيخِرّ عليهم السقف الذي من فوقهم. وهكذا يضرب الله المثَل المعنوي بأمرٍ مَحَسٍّ.
وقوله الحق:
﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٦].
يُوضِّح أنهم موجودون داخل هذا البيت، وأن الفوقية هنا للسقف، وهي فوقية شاءها الله ليأتيهم:
﴿العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦].
وهكذا يأتي عذاب الله بَغْتة؛ ذلك أنهم قد بيَّتوا، وظنوا أن هذا التبييت بخفاء يَخْفَى عن الحَيِّ القيوم.
ولَيْتَ الأمرَ يقتصر على ذلك؛ لا بل يُعذِّبهم الله في الآخرة أيضاً:
7871
﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة... ﴾.
7872
وهكذا يكون العذاب في الدنيا وفي الآخرة، ويَلْقوْن الخِزْي يوم القيامة. والخِزْي هو الهوان والمَذلَّة، وهو أقوى من الضرب والإيذاء؛ ولا يتجلَّد أمامه أحدٌ؛ فالخِزْي قشعريرة تَغْشَى البدن؛ فلا يُفلت منها مَنْ تصيبه.
وإنْ كان الإنسان قادراً على أنْ يكتمَ الإيلام؛ فالخِزْي معنى نفسي، والمعاني النفسية تنضح على البشرة؛ ولا يقدر أحد أنْ يكتم أثرها؛ لأنه يقتل خميرة الاستكبار التي عاش بها الذي بيَّت ومكر.
ويُوضِّح الحق سبحانه هذا المعنى في قوله عن القرية التي كان يأتيها الرزق من عند الله ثم كفرت بأنعم الله؛ فيقول: ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢].
وإنْ كان الإنسان قادراً على أنْ يكتمَ الإيلام؛ فالخِزْي معنى نفسي، والمعاني النفسية تنضح على البشرة؛ ولا يقدر أحد أنْ يكتم أثرها؛ لأنه يقتل خميرة الاستكبار التي عاش بها الذي بيَّت ومكر.
ويُوضِّح الحق سبحانه هذا المعنى في قوله عن القرية التي كان يأتيها الرزق من عند الله ثم كفرت بأنعم الله؛ فيقول: ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢].
7872
أي: كأن الجسد كله قد سار مُمتلِكاً لحاسة التذوق، وكأن الجوع قد أصبح لباساً؛ يعاني منه صاحبه؛ فيجوع بقفاه، ويجوع بوجهه، ويجوع بذراعه وجلده وخطواته، وبكل ما فيه.
وساعة يحدث هذا الخِزي فكُلُّ خلايا الاستكبار تنتهي، خصوصاً أمام مَنْ كان يدَّعي عليهم الإنسان أن عظمته وتجبّره وغروره باقٍٍ، وله ما يسنده.
ويتابع سبحانه متحدياً:
﴿أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧]. أي: أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم؛ فجعلتم من أنفسكم شُقَّة، وجعلتم من المؤمنين شُقَّة أخرى، وكلمة ﴿تُشَاقُّونَ﴾ مأخوذة من «الشق» ويقال: «شَقَّ الجدار أو شَقَّ الخشب» والمقصود هنا أنْ جعلتم المؤمنين، ومَنْ مع الرسول في شُقَّة تُعادونها، وأخذتُم جانب الباطل، وتركتُم جانب الحق.
وهنا يقول مَنْ آتاهم الله العلم:
﴿قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين﴾ [النحل: ٢٧].
وكأن هذا الأمر سيصير مشهداً بمحضر الحق سبحانه بين مَنْ مكروا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وسيحضره الذين أتاهم الله العلم.
والعلم كما نعلم يأتي من الله مباشرة؛ ثم يُنقَل إلى الملائكة؛ ثم يُنقَل من الملائكة إلى الرُّسل، ثم يُنقل من الرُّسُل إلى الأُمم التي كلَّفَ الحق سبحانه رسله أنْ يُبلِّغوهم منهجه.
وساعة يحدث هذا الخِزي فكُلُّ خلايا الاستكبار تنتهي، خصوصاً أمام مَنْ كان يدَّعي عليهم الإنسان أن عظمته وتجبّره وغروره باقٍٍ، وله ما يسنده.
ويتابع سبحانه متحدياً:
﴿أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧]. أي: أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم؛ فجعلتم من أنفسكم شُقَّة، وجعلتم من المؤمنين شُقَّة أخرى، وكلمة ﴿تُشَاقُّونَ﴾ مأخوذة من «الشق» ويقال: «شَقَّ الجدار أو شَقَّ الخشب» والمقصود هنا أنْ جعلتم المؤمنين، ومَنْ مع الرسول في شُقَّة تُعادونها، وأخذتُم جانب الباطل، وتركتُم جانب الحق.
وهنا يقول مَنْ آتاهم الله العلم:
﴿قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين﴾ [النحل: ٢٧].
وكأن هذا الأمر سيصير مشهداً بمحضر الحق سبحانه بين مَنْ مكروا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وسيحضره الذين أتاهم الله العلم.
والعلم كما نعلم يأتي من الله مباشرة؛ ثم يُنقَل إلى الملائكة؛ ثم يُنقَل من الملائكة إلى الرُّسل، ثم يُنقل من الرُّسُل إلى الأُمم التي كلَّفَ الحق سبحانه رسله أنْ يُبلِّغوهم منهجه.
7873
وكَما شهدتْ الدنيا سقوط المناهج التي اتبعوها من أهوائهم، وسقوط مَنْ عبدوهم من دون الله سيشهد اليوم الآخر الخِزْي والسوء وهو يحيط بهم، وقد يكون الخِزْي من هَوْل الموقف العظيم، ويحمي الله مَنْ آمنوا به بالاطمئنان.
ونعلم أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد قال: «ألا هل بلغت، اللهم فأشهد».
وكما بلَّغَ رسولُ الله أمته واستجابتْ له؛ فقد طلب منهم أيضاً أن يكونوا امتداداً لرسالته، وأَنْ يُبلِّغوها للناس، ذلك أن الحق سبحانه قد منع الرسالات من بعد رسالة محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. وصار عن مسئولية الأمة المحمدية أنْ تُبلِّغ كل مَنْ لم تبلغه رسالة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «نَضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فَرُبَّ مُبلَّغ أَوْعَى مِن سامع».
والحق سبحانه هو القائل:
ونعلم أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد قال: «ألا هل بلغت، اللهم فأشهد».
وكما بلَّغَ رسولُ الله أمته واستجابتْ له؛ فقد طلب منهم أيضاً أن يكونوا امتداداً لرسالته، وأَنْ يُبلِّغوها للناس، ذلك أن الحق سبحانه قد منع الرسالات من بعد رسالة محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. وصار عن مسئولية الأمة المحمدية أنْ تُبلِّغ كل مَنْ لم تبلغه رسالة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «نَضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فَرُبَّ مُبلَّغ أَوْعَى مِن سامع».
والحق سبحانه هو القائل:
7874
﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض... ﴾ [النساء: ٤١ - ٤٢].
أي: يتمنوْنَ أنْ يصيروا تُرَاباً، كما قال تعالى في موقع آخر: ﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً﴾ [النبأ: ٤٠].
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة... ﴾.
أي: يتمنوْنَ أنْ يصيروا تُرَاباً، كما قال تعالى في موقع آخر: ﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً﴾ [النبأ: ٤٠].
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة... ﴾.
7875
يقول تعالى:
﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٨].
أي: تتوفّاهم في حالة كَوْنهم ظالمين لأنفسهم، وفي آية أخرى قال الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ١١٨].
ومعلوم أن الإنسان قد يظلم غيره لحَظِّ نفسه ولصالحها.. فكيف يظلم هو نفسه، وهذا يسمونه الظلم الأحمق حين تظلم نفسك التي بين جنبيك.. ولكن كيف ذلك؟
﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٨].
أي: تتوفّاهم في حالة كَوْنهم ظالمين لأنفسهم، وفي آية أخرى قال الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ١١٨].
ومعلوم أن الإنسان قد يظلم غيره لحَظِّ نفسه ولصالحها.. فكيف يظلم هو نفسه، وهذا يسمونه الظلم الأحمق حين تظلم نفسك التي بين جنبيك.. ولكن كيف ذلك؟
7875
نعرف أن العدو إذا كان من الخارج فسهْلٌ التصدي له، بخلاف إذا جاءك من نفسك التي بين جَنْبَيْك، فهذا عدو خطير صَعْب التصدِّي له، والتخلّص منه.
وهنا نطرح سؤالاً: ما الظلم؟ الظلم أنْ تمنعَ صاحب حَقٍّ حَقَّه، إذن: ماذا كان لنفسك عليك حتى يقال: إنك ظلمتها بمنعها حَقِّها؟
نقول: حين تجوع، ألاَ تأكل؟ وحين تعطش أَلاَ تشرب؟ وحين تُرْهق من العمل أَلاَ تنام؟
إذن: أنت تعطي نفسك مطلوباتها التي تُريحها وتسارع إليها، وكذلك إذا نِمْتَ وحاولوا إيقاظك للعمل فلم تستيقظ، أو حاولوا إيقاظك للصلاة فتكاسلت، وفي النهاية كانت النتيجة فشلاً في العمل أو خسارة في التجارة.. الخ.
إذن: هذه خسارة مُجمعة، والخاسر هو النفس، وبهذا فقد ظلم الإنسانُ نفسه بما فاتها من منافع في الدنيا، وقِسْ على ذلك أمور الآخرة.
وانظر هنا إلى جُزْئيات الدنيا حينما تكتمل لك، هل هي نهاية كل شيء، أم بنهايتها يبتديء شيء؟ بنهايتها يبتديء شيء، ونسأل: الشيء الذي سوف يبدأ، هل هو صورة مكررة لما انتهى في الدنيا؟
ليس كذلك، لأن المنتهي في الدنيا مُنقطع، وقد أخذت حَظِّي منه على قَدْر قدراتي، وقدراتي لها إمكانات محدودة.. أما الذي سيبدأ أي في الآخرة ليس بمُنْتهٍ بل خالد لا انقطاع له، وما فيه من
وهنا نطرح سؤالاً: ما الظلم؟ الظلم أنْ تمنعَ صاحب حَقٍّ حَقَّه، إذن: ماذا كان لنفسك عليك حتى يقال: إنك ظلمتها بمنعها حَقِّها؟
نقول: حين تجوع، ألاَ تأكل؟ وحين تعطش أَلاَ تشرب؟ وحين تُرْهق من العمل أَلاَ تنام؟
إذن: أنت تعطي نفسك مطلوباتها التي تُريحها وتسارع إليها، وكذلك إذا نِمْتَ وحاولوا إيقاظك للعمل فلم تستيقظ، أو حاولوا إيقاظك للصلاة فتكاسلت، وفي النهاية كانت النتيجة فشلاً في العمل أو خسارة في التجارة.. الخ.
إذن: هذه خسارة مُجمعة، والخاسر هو النفس، وبهذا فقد ظلم الإنسانُ نفسه بما فاتها من منافع في الدنيا، وقِسْ على ذلك أمور الآخرة.
وانظر هنا إلى جُزْئيات الدنيا حينما تكتمل لك، هل هي نهاية كل شيء، أم بنهايتها يبتديء شيء؟ بنهايتها يبتديء شيء، ونسأل: الشيء الذي سوف يبدأ، هل هو صورة مكررة لما انتهى في الدنيا؟
ليس كذلك، لأن المنتهي في الدنيا مُنقطع، وقد أخذت حَظِّي منه على قَدْر قدراتي، وقدراتي لها إمكانات محدودة.. أما الذي سيبدأ أي في الآخرة ليس بمُنْتهٍ بل خالد لا انقطاع له، وما فيه من
7876
نعيم يأتي على قَدْر إمكانات المنعِم ربك سبحانه وتعالى.
إذن: أنت حينما تُعطِي نفسك متعة في الدنيا الزائلة المنقطعة، تُفوِّت عليها المتعة الباقية في الآخرة.. وهذا مُنتهى الظلم للنفس.
ونعود إلى قوله تعالى:
﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة... ﴾ [النحل: ٢٨].
أثبتت هذه الآية التوفِّي للملائكة.. والتوفِّي حقيقة لله تعالى، كما جاء في قوله: ﴿الله يَتَوَفَّى الأنفس... ﴾ [الزمر: ٤٢].
لكن لما كان الملائكة مأمورين، فكأن الله تعالى هو الذي يتوفَّى الأنفُسَ رغم أنه سبحانه وتعالى قال: ﴿الله يَتَوَفَّى الأنفس﴾ [الزمر: ٤٢].
وقال: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: ١١].
وقال: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا... ﴾ [الأنعام: ٦١].
إذن: جاء الحَدثُ من الله تعالى مرة، ومن رئيس الملائكة عزرائيل مرة، ومن مُسَاعديه من الملائكة مرة أخرى، إذن: الأمر إما للمزاولة مباشرة، وإما للواسطة، وإما للأصل الآمر. وقوله تعالى:
﴿تَتَوَفَّاهُمُ... ﴾ [النحل: ٢٨].
إذن: أنت حينما تُعطِي نفسك متعة في الدنيا الزائلة المنقطعة، تُفوِّت عليها المتعة الباقية في الآخرة.. وهذا مُنتهى الظلم للنفس.
ونعود إلى قوله تعالى:
﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة... ﴾ [النحل: ٢٨].
أثبتت هذه الآية التوفِّي للملائكة.. والتوفِّي حقيقة لله تعالى، كما جاء في قوله: ﴿الله يَتَوَفَّى الأنفس... ﴾ [الزمر: ٤٢].
لكن لما كان الملائكة مأمورين، فكأن الله تعالى هو الذي يتوفَّى الأنفُسَ رغم أنه سبحانه وتعالى قال: ﴿الله يَتَوَفَّى الأنفس﴾ [الزمر: ٤٢].
وقال: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: ١١].
وقال: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا... ﴾ [الأنعام: ٦١].
إذن: جاء الحَدثُ من الله تعالى مرة، ومن رئيس الملائكة عزرائيل مرة، ومن مُسَاعديه من الملائكة مرة أخرى، إذن: الأمر إما للمزاولة مباشرة، وإما للواسطة، وإما للأصل الآمر. وقوله تعالى:
﴿تَتَوَفَّاهُمُ... ﴾ [النحل: ٢٨].
7877
معنى التوفيّ من وفَّاه حقَّه أي: وفَّاه أجله، ولم ينقص منه شيئاً، كما تقول للرجل وَفَّيتُك دَيْنك.
. أي: أخذت ما لك عندي.
﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٨].
نلاحظ أنها جاءت بصيغة الجمع، و ﴿ظَالِمِي﴾ يعني ظالمين و ﴿أَنْفُسِهِمْ﴾ جمع، وحين يُقَابَل الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً أي: أن كلاً منهم يظلم نفسه.
ثم يقول الحق سبحانه:
﴿فَأَلْقَوُاْ السلم... ﴾ [النحل: ٢٨].
أي: خضعوا واستسلموا ولم يَعُدْ ينفعهم تكبّرهم وعجرفتهم في الدنيا.. ذهب عنهم كل هذا بذَهَاب الدنيا التي راحتْ من بين أيديهم. وما داموا ألقوا السَّلم الآن، إذن: فقد كانوا في حرب قبل ذلك كانوا في حرب مع أنفسهم وهم أصحاب الشِّقاق في قوله تعالى: ﴿تُشَاقُّونَ﴾ [النحل: ٢٧].
أي: تجعلون هذا في شِقٍّ، وهذا في شِقٍّ، وكأن الآية تقول: لقد رفعوا الراية البيضاء وقالوا: لا جَلَد لنا على الحرب.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء..﴾ [النحل: ٢٨].
هذا كقوله تعالى في آية أخرى:
. أي: أخذت ما لك عندي.
﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ... ﴾ [النحل: ٢٨].
نلاحظ أنها جاءت بصيغة الجمع، و ﴿ظَالِمِي﴾ يعني ظالمين و ﴿أَنْفُسِهِمْ﴾ جمع، وحين يُقَابَل الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً أي: أن كلاً منهم يظلم نفسه.
ثم يقول الحق سبحانه:
﴿فَأَلْقَوُاْ السلم... ﴾ [النحل: ٢٨].
أي: خضعوا واستسلموا ولم يَعُدْ ينفعهم تكبّرهم وعجرفتهم في الدنيا.. ذهب عنهم كل هذا بذَهَاب الدنيا التي راحتْ من بين أيديهم. وما داموا ألقوا السَّلم الآن، إذن: فقد كانوا في حرب قبل ذلك كانوا في حرب مع أنفسهم وهم أصحاب الشِّقاق في قوله تعالى: ﴿تُشَاقُّونَ﴾ [النحل: ٢٧].
أي: تجعلون هذا في شِقٍّ، وهذا في شِقٍّ، وكأن الآية تقول: لقد رفعوا الراية البيضاء وقالوا: لا جَلَد لنا على الحرب.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء..﴾ [النحل: ٢٨].
هذا كقوله تعالى في آية أخرى:
7878
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣].
والواقع أنهم بعد أنْ ألقَوا السلم ورفعوا الراية البيضاء واستسلموا، أخذهم موقف العذاب فقالوا محاولين الدفاعَ عن أنفسهم:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء..﴾ [النحل: ٢٨].
وتعجب من كَذِب هؤلاء على الله في مثل هذا الموقف، على مَنْ تكذبون الآن؟!
فيرد عليهم الحق سبحانه:
﴿بلى..﴾ [النحل: ٢٨].
وهي أداةُ نفي للنفي السابق عليها، ومعلومٌ أن نَفْي النفي إثبات، ف ﴿بلى﴾ تنفي:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء..﴾ [النحل: ٢٨].
إذن: معناها.. لا.. بل عملتم السوء. ثم يقول الحق سبحانه:
﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨].
ومن رحمة الله تعالى أنه لم يكتَفِ بالعلم فقط، بل دوَّن ذلك عليهم وسَجَّله في كتاب سَيُعرض عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى:
والواقع أنهم بعد أنْ ألقَوا السلم ورفعوا الراية البيضاء واستسلموا، أخذهم موقف العذاب فقالوا محاولين الدفاعَ عن أنفسهم:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء..﴾ [النحل: ٢٨].
وتعجب من كَذِب هؤلاء على الله في مثل هذا الموقف، على مَنْ تكذبون الآن؟!
فيرد عليهم الحق سبحانه:
﴿بلى..﴾ [النحل: ٢٨].
وهي أداةُ نفي للنفي السابق عليها، ومعلومٌ أن نَفْي النفي إثبات، ف ﴿بلى﴾ تنفي:
﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء..﴾ [النحل: ٢٨].
إذن: معناها.. لا.. بل عملتم السوء. ثم يقول الحق سبحانه:
﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨].
ومن رحمة الله تعالى أنه لم يكتَفِ بالعلم فقط، بل دوَّن ذلك عليهم وسَجَّله في كتاب سَيُعرض عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى:
7879
﴿وكفى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧].
وقال: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإسراء: ١٣ - ١٤].
ويحلو للبعض أنْ ينكر إمكانية تسجيل الأعمال وكتابتها.. ونقول لهؤلاء: تعالوا إلى ما توصل إليه العقل البشريّ الآن من تسجيل الصور والأصوات والبصمات وغيرها.. وهذا كله يُسهِّل علينا هذه المسألة عندما نرقي إمكانات العقل البشري إلى الإمكانات الإلهية التي لا حدود لها.
فلا وجه إذن لأنْ ننكر قدرة الملائكة «رقيب وعتيد» في تسجيل الأعمال في كتاب يحفظ أعماله ويُحصى عليه كل كبيرة وصغيرة. ثم يقول تعالى: ﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ... ﴾.
وقال: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإسراء: ١٣ - ١٤].
ويحلو للبعض أنْ ينكر إمكانية تسجيل الأعمال وكتابتها.. ونقول لهؤلاء: تعالوا إلى ما توصل إليه العقل البشريّ الآن من تسجيل الصور والأصوات والبصمات وغيرها.. وهذا كله يُسهِّل علينا هذه المسألة عندما نرقي إمكانات العقل البشري إلى الإمكانات الإلهية التي لا حدود لها.
فلا وجه إذن لأنْ ننكر قدرة الملائكة «رقيب وعتيد» في تسجيل الأعمال في كتاب يحفظ أعماله ويُحصى عليه كل كبيرة وصغيرة. ثم يقول تعالى: ﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ... ﴾.
7880
سبق أنْ قُلْنا في شرح قوله تعالى في وصف جهنم:
7880
﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ [الحجر: ٤٤].
أي: أن لكل جماعة من أهل المعصية باباً معلوماً.. فبابٌ لأهل الربا.. وبابٌ لأهل الرِّشوة.. وباب لأهل النفاق وهكذا.. ولك أن تتصور ما يُلاقيه مَنْ يجمع بين هذه المعاصي! ﴿إنه يدخل هذا الباب ثم يخرج منه ليدخل باباً آخر.. حقاً ما أتعس هؤلاء﴾
وهنا يقول تعالى:
﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [النحل: ٢٩].
فجاءت أيضاً بصورة الجمع. إذن: كل واحد منكم يدخل من بابه الذي خُصِّص له. ثم يقول سبحانه:
﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ [النحل: ٢٩].
والمثوى هو مكان الإقامة، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ [النحل: ٢٣].
فتكبَّر واستكبر وكل ما جاء على وزن (تفعَّل) يدل على أن كِبْرهم هذا غير ذاتيّ؛ لأن الذي يتكبر حقّاً يتكّبر بما فيه ذاتيّاً لا يسْلُبه منه أحد، إنما مَنْ يتكبر بشيء لا يملكه فتكبّره غيرُ حقيقيّ، وسرعان ما يزول ويتصاغر هؤلاء بما تكبَّروا به في الدنيا، وبذلك لا يكون لأحد أنْ يتكبّر لأن الكبرياءَ الحقيقي لله عزَّ وجل.
ثم يقول الحق سبحانه:
أي: أن لكل جماعة من أهل المعصية باباً معلوماً.. فبابٌ لأهل الربا.. وبابٌ لأهل الرِّشوة.. وباب لأهل النفاق وهكذا.. ولك أن تتصور ما يُلاقيه مَنْ يجمع بين هذه المعاصي! ﴿إنه يدخل هذا الباب ثم يخرج منه ليدخل باباً آخر.. حقاً ما أتعس هؤلاء﴾
وهنا يقول تعالى:
﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [النحل: ٢٩].
فجاءت أيضاً بصورة الجمع. إذن: كل واحد منكم يدخل من بابه الذي خُصِّص له. ثم يقول سبحانه:
﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ [النحل: ٢٩].
والمثوى هو مكان الإقامة، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ [النحل: ٢٣].
فتكبَّر واستكبر وكل ما جاء على وزن (تفعَّل) يدل على أن كِبْرهم هذا غير ذاتيّ؛ لأن الذي يتكبر حقّاً يتكّبر بما فيه ذاتيّاً لا يسْلُبه منه أحد، إنما مَنْ يتكبر بشيء لا يملكه فتكبّره غيرُ حقيقيّ، وسرعان ما يزول ويتصاغر هؤلاء بما تكبَّروا به في الدنيا، وبذلك لا يكون لأحد أنْ يتكبّر لأن الكبرياءَ الحقيقي لله عزَّ وجل.
ثم يقول الحق سبحانه:
7881
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا... ﴾.
7882
وقد سبق أنْ تحدثنا عن قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
فهذه مشاهدة ولقطات تُبيّن الموقف الذي انتهى بأنْ أقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين.
وهذه الآياتُ نزلتْ في جماعة كانوا داخلين مكة.. وعلى أبوابها التي يأتي منها أهل البوادي، وقد قسَّم الكافرون أنفسهم على مداخل مكة ليصدوا الداخلين إليها عن سماع خبر أهل الإيمان بالنبي الجديد.
وكان أهل الإيمان من المسلمين يتحيَّنون الفرصة ويخرجون على مشارف مكة بحجة رَعْي الغنم مثلاً ليقابلوا هؤلاء السائلين ليخبروهم خبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وخبر دعوته.
مما يدلُّ على أن الذي يسأل عن شيء لا يكتفي بأول عابر يسأله، بل يُجدِّد السؤال ليقف على المتناقضات.. فحين سألوا الكافرين قالوا:
فهذه مشاهدة ولقطات تُبيّن الموقف الذي انتهى بأنْ أقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين.
وهذه الآياتُ نزلتْ في جماعة كانوا داخلين مكة.. وعلى أبوابها التي يأتي منها أهل البوادي، وقد قسَّم الكافرون أنفسهم على مداخل مكة ليصدوا الداخلين إليها عن سماع خبر أهل الإيمان بالنبي الجديد.
وكان أهل الإيمان من المسلمين يتحيَّنون الفرصة ويخرجون على مشارف مكة بحجة رَعْي الغنم مثلاً ليقابلوا هؤلاء السائلين ليخبروهم خبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وخبر دعوته.
مما يدلُّ على أن الذي يسأل عن شيء لا يكتفي بأول عابر يسأله، بل يُجدِّد السؤال ليقف على المتناقضات.. فحين سألوا الكافرين قالوا:
7882
﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
فلم يكتفوا بذلك، بل سألوا أهل الإيمان فكان جوابهم:
﴿قَالُواْ خَيْراً... ﴾ [النحل: ٣٠].
هذا لنفهم أن الإنسانَ إذا صادف شيئاً له وجهتان متضادتان فلا يكتفي بوجهة واحدة، بل يجب أن يستمع للثانية، ثم بعد ذلك للعقل أن يختار بين البدائل.
إذن: حينما سأل الداخلون مكة أهل الكفر: ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
وحينما سألوا أهلَ الإيمان والتقوى:
﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً﴾ [النحل: ٣٠].
ونلاحظ هنا في ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا..﴾ [النحل: ٣٠].
أن الحق سبحانه لم يوضح لنا مَنْ هم، ولم يُبيّن هُويَّتهم، وهذا يدلُّنا على أنهم كانوا غير قادرين على المواجهة، ويُدارون أنفسهم لأنهم ما زالوا ضِعَافاً لا يقدرون على المواجهة.
وقد تكرر هذا الموقف موقف السؤال إلى أنْ تصل إلى الوجهة الصواب حينما عَتَب الحق تبارك وتعالى على نبي من أنبيائه هو سيدنا داود عليه السلام في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا
فلم يكتفوا بذلك، بل سألوا أهل الإيمان فكان جوابهم:
﴿قَالُواْ خَيْراً... ﴾ [النحل: ٣٠].
هذا لنفهم أن الإنسانَ إذا صادف شيئاً له وجهتان متضادتان فلا يكتفي بوجهة واحدة، بل يجب أن يستمع للثانية، ثم بعد ذلك للعقل أن يختار بين البدائل.
إذن: حينما سأل الداخلون مكة أهل الكفر: ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
وحينما سألوا أهلَ الإيمان والتقوى:
﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً﴾ [النحل: ٣٠].
ونلاحظ هنا في ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا..﴾ [النحل: ٣٠].
أن الحق سبحانه لم يوضح لنا مَنْ هم، ولم يُبيّن هُويَّتهم، وهذا يدلُّنا على أنهم كانوا غير قادرين على المواجهة، ويُدارون أنفسهم لأنهم ما زالوا ضِعَافاً لا يقدرون على المواجهة.
وقد تكرر هذا الموقف موقف السؤال إلى أنْ تصل إلى الوجهة الصواب حينما عَتَب الحق تبارك وتعالى على نبي من أنبيائه هو سيدنا داود عليه السلام في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا
7883
بالحق وَلاَ تُشْطِطْ واهدنآ إلى سَوَآءِ الصراط إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الخطاب} [ص: ٢١ - ٢٣].
فماذا قال داود عليه السلام؟ ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤].
وواضحٌ في حكم داود عليه السلام تأثُّره بقوله (له تسع وتسعون) ولنفرض أنه لم يكُنْ عنده شيء، ألم يظلم أخاه بأخْذ نعجته؟! إذن: تأثر داود بدعوى الخصم، وأدخل فيه حيثية أخرى، وهذا خطأ إجرائي في عَرْض القضية؛ لأن (تسع وتسعون) هذه لا دَخْل لها في القضية.. بل هي لاستمالة القاضي وللتأثير على عواطفه ومنافذه، ولبيان أن الخَصْم غني ومع ذلك فهو طماع ظالم.
وسرعان ما اكتشف داود عليه السلام خطأه في هذه الحكومة، وأنها كانت فتنة واختباراً من الله:
﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ... ﴾ [ص: ٢٤].
أي: اختبرناه كي نُعلِّمه الدرس تطبيقاً.. أيحكم بالحق ويُراعي جميع نواحي القضية أم لا؟
وانظر هنا إلى فطنة النبوة، فسرعان ما عرف داود ما وقع فيه واعترف به، واستغفر ربّه وخَرَّ له راكعاً مُنيباً.
فماذا قال داود عليه السلام؟ ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤].
وواضحٌ في حكم داود عليه السلام تأثُّره بقوله (له تسع وتسعون) ولنفرض أنه لم يكُنْ عنده شيء، ألم يظلم أخاه بأخْذ نعجته؟! إذن: تأثر داود بدعوى الخصم، وأدخل فيه حيثية أخرى، وهذا خطأ إجرائي في عَرْض القضية؛ لأن (تسع وتسعون) هذه لا دَخْل لها في القضية.. بل هي لاستمالة القاضي وللتأثير على عواطفه ومنافذه، ولبيان أن الخَصْم غني ومع ذلك فهو طماع ظالم.
وسرعان ما اكتشف داود عليه السلام خطأه في هذه الحكومة، وأنها كانت فتنة واختباراً من الله:
﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ... ﴾ [ص: ٢٤].
أي: اختبرناه كي نُعلِّمه الدرس تطبيقاً.. أيحكم بالحق ويُراعي جميع نواحي القضية أم لا؟
وانظر هنا إلى فطنة النبوة، فسرعان ما عرف داود ما وقع فيه واعترف به، واستغفر ربّه وخَرَّ له راكعاً مُنيباً.
7884
وقال تعالى: ﴿فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ﴾ [ص: ٢٤].
إذن: الشاهد هنا أنه كان على داود عليه السلام أن يستمع إلى الجانب الآخر والطرف الثاني في الخصومة قبل الحكم فيها.
وقوله تعالى:
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً... ﴾ [النحل: ٣٠].
ما هو الخير؟ الخير كُلُّ ما تستطيبه النفس بكل مَلكَاتها.. لكن الاستطابة قد تكون موقوتة بزمن، ثم تُورث حَسْرة وندامة.. إذن: هذا ليس خيراً؛ لأنه لا خيرَ في خير بعده النارُ، وكذلك لا شَرَّ في شر بعده الجنة.
إذن: يجب أن نعرف أن الخير يظل خُيْراً دائماً في الدنيا، وكذلك في الآخرة، فلو أخذنا مثلاً متعاطي المخدرات نجده يأخذ متعة وقتية ونشوة زائفة سرعان ما تزول، ثم سرعان ما ينقلب هذا الخير في نظره إلى شر عاجل في الدنيا وآجل في الآخرة.
إذن: انظر إلى عمر الخير في نفسك وكيفيته وعاقبته.. وهذا هو الخير في قوله تعالى:
﴿قَالُواْ خَيْراً﴾ [النحل: ٣٠].
إذن: هو خير تستطيبه النفس، ويظل خيراً في الدنيا، ويترتب عليه خير في الآخرة، أو هو موصول بخير الآخرة.. ثم فسَّره الحق تبارك وتعالى في قوله سبحانه:
إذن: الشاهد هنا أنه كان على داود عليه السلام أن يستمع إلى الجانب الآخر والطرف الثاني في الخصومة قبل الحكم فيها.
وقوله تعالى:
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً... ﴾ [النحل: ٣٠].
ما هو الخير؟ الخير كُلُّ ما تستطيبه النفس بكل مَلكَاتها.. لكن الاستطابة قد تكون موقوتة بزمن، ثم تُورث حَسْرة وندامة.. إذن: هذا ليس خيراً؛ لأنه لا خيرَ في خير بعده النارُ، وكذلك لا شَرَّ في شر بعده الجنة.
إذن: يجب أن نعرف أن الخير يظل خُيْراً دائماً في الدنيا، وكذلك في الآخرة، فلو أخذنا مثلاً متعاطي المخدرات نجده يأخذ متعة وقتية ونشوة زائفة سرعان ما تزول، ثم سرعان ما ينقلب هذا الخير في نظره إلى شر عاجل في الدنيا وآجل في الآخرة.
إذن: انظر إلى عمر الخير في نفسك وكيفيته وعاقبته.. وهذا هو الخير في قوله تعالى:
﴿قَالُواْ خَيْراً﴾ [النحل: ٣٠].
إذن: هو خير تستطيبه النفس، ويظل خيراً في الدنيا، ويترتب عليه خير في الآخرة، أو هو موصول بخير الآخرة.. ثم فسَّره الحق تبارك وتعالى في قوله سبحانه:
7885
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ... ﴾ [النحل: ٣٠].
ونفهم من هذه الآية أنه على المؤمن ألاَّ يترك الدنيا وأسبابها، فربما أخذها منك الكافر وتغلَّب عليك بها، أو يفتنك في دينك بسببها، فمَنْ يعبد الله أَوْلى بسرِّه في الوجود، وأسرارُ الله في الوجود هي للمؤمنين، ولا ينبغي لهم أن يتركوا الأخذ بأسباب الدنيا للكافرين.
اجتهد أنت أيها المؤمن في أسباب الدنيا حتى تأمنَ الفتنة من الكافرين في دُنْياك.. ولا يخفي ما نحن فيه الآن من حاجتنا لغيرنا، مما أعطاهم الفرصة ليسيطروا على سياساتنا ومقدراتنا.
لذلك يقول سبحانه:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ﴾ [النحل: ٣٠].
أي: يأخذون حسناتهم، وتكون لهم اليَدُ العليا بما اجتهدوا، وبما عَمِلوا في دنياهم، وبذلك ينفع الإنسانُ نفسه وينفع غيره، وكلما اتسعت دائرة النفع منك للناس كانت يدك هي العليا، وكان ثوابك وخَيْرك موصولاً بخير الآخرة.
لذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».
ومن هذه الآية أيضاً يتضح لنا جانب آخر، هو ثمرة من ثمرات
ونفهم من هذه الآية أنه على المؤمن ألاَّ يترك الدنيا وأسبابها، فربما أخذها منك الكافر وتغلَّب عليك بها، أو يفتنك في دينك بسببها، فمَنْ يعبد الله أَوْلى بسرِّه في الوجود، وأسرارُ الله في الوجود هي للمؤمنين، ولا ينبغي لهم أن يتركوا الأخذ بأسباب الدنيا للكافرين.
اجتهد أنت أيها المؤمن في أسباب الدنيا حتى تأمنَ الفتنة من الكافرين في دُنْياك.. ولا يخفي ما نحن فيه الآن من حاجتنا لغيرنا، مما أعطاهم الفرصة ليسيطروا على سياساتنا ومقدراتنا.
لذلك يقول سبحانه:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ﴾ [النحل: ٣٠].
أي: يأخذون حسناتهم، وتكون لهم اليَدُ العليا بما اجتهدوا، وبما عَمِلوا في دنياهم، وبذلك ينفع الإنسانُ نفسه وينفع غيره، وكلما اتسعت دائرة النفع منك للناس كانت يدك هي العليا، وكان ثوابك وخَيْرك موصولاً بخير الآخرة.
لذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».
ومن هذه الآية أيضاً يتضح لنا جانب آخر، هو ثمرة من ثمرات
7886
الإحسان في الدنيا وهي الأمن.
. فمَنْ عاش في الدنيا مستقيماً لم يقترف ما يُعَاقب عليه تجدْه آمناً مطمئناً، حتى إذا داهمه شر أو مكروه تجده آمنا لا يخاف، لأنه لم يرتكب شيئاً يدعو للخوف.
خُذْ مثلاً اللص تراه دائماً مُتوجِّساً خائفاً، تدور عَيْنه يميناً وشمالاً، فإذا رأى شرطياً هلع وترقَّب وراح يقول في نفسه: لعله يقصدني.. أما المستقيم فهو آمن مطمئن.
ومن ثمرات هذا الإحسان وهذه الاستقامة في الدنيا أن يعيش الإنسان على قَدْر إمكاناته ولا يُرهق نفسه بما لا يقدر عليه، وقديماً قالوا لأحدهم: قد غلا اللحم، فقال: أَرْخِصوه، قالوا: وكيف لنا ذلك؟ قال: ازهدوا فيه.
وقد نظم ذلك الشاعرُ فقال:
ولا تَقُلْ: النفس توَّاقة إليه راغبة فيه، فهي كما قال الشاعر:
وفي حياتنا العملية، قد يعود الإنسان من عمله ولمَّا ينضج الطعام، ولم تُعَد المائدة وهو جائع، فيأكل أيَّ شيء موجود وتنتهي المشكلة، ويقوم هذا محل هذا، وتقنعُ النفسُ بما نالتْه.
ولكي يعيش الإنسان على قَدْر إمكاناته لا بُدَّ له أنْ يوازن بين
. فمَنْ عاش في الدنيا مستقيماً لم يقترف ما يُعَاقب عليه تجدْه آمناً مطمئناً، حتى إذا داهمه شر أو مكروه تجده آمنا لا يخاف، لأنه لم يرتكب شيئاً يدعو للخوف.
خُذْ مثلاً اللص تراه دائماً مُتوجِّساً خائفاً، تدور عَيْنه يميناً وشمالاً، فإذا رأى شرطياً هلع وترقَّب وراح يقول في نفسه: لعله يقصدني.. أما المستقيم فهو آمن مطمئن.
ومن ثمرات هذا الإحسان وهذه الاستقامة في الدنيا أن يعيش الإنسان على قَدْر إمكاناته ولا يُرهق نفسه بما لا يقدر عليه، وقديماً قالوا لأحدهم: قد غلا اللحم، فقال: أَرْخِصوه، قالوا: وكيف لنا ذلك؟ قال: ازهدوا فيه.
وقد نظم ذلك الشاعرُ فقال:
وَإِذَا غَلاَ شَيءٌ عَلَيَّ تركْتُه | فيكونُ أرخصَ ما يكونُ إِذَا غَلاَ |
وَالنفْسُ رَاغِبةٌ إِذَا رغَّبْتَها | وَإِذَا تُرَدّ إلى قَلِيل تَقْنَعُ |
ولكي يعيش الإنسان على قَدْر إمكاناته لا بُدَّ له أنْ يوازن بين
7887
دَخْله ونفقاته، فمَنْ كان عنده عُسْر في دَخْله، أو ضاقت عليه منافذ الرزق لا بُدَّ له من عُسْر في مصروفه، ولا بُدَّ له أنْ يُضيِّق على النفس شهواتها، وبذلك يعيش مستوراً ميسوراً، راضي النفس، قرير العين.
والبعض في مثل هذه المواقف يلجأ إلى الاستقراض للإنفاق على شهوات نفسه، وربما اقترض ما يتمتع به شهراً، ويعيش في ذلة دَهْراً؛ لذا من الحكمة إذن قبل أن تسأل الناس القرض سَلْ نفسك أولاً، واطلب منها أن تصبر عليك، وأن تُنظرك إلى ساعة اليُسْر، ولا تُلجئك إلى مذلَّة السؤال.. وقبل أن تلوم مَنْ منعك لُمْ نفسك التي تأبَّتْ عليك أولاً.
وما أبدع شاعِرنا الذي صاغ هذه القيم في قوله:
ثم يقول الحق سبحانه:
﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠].
والخير في الآخرة من الله، والنعيم فيها على قَدْر المنعِم تبارك وتعالى، دون تعب ولا كَدٍّ ولا عمل.
والبعض في مثل هذه المواقف يلجأ إلى الاستقراض للإنفاق على شهوات نفسه، وربما اقترض ما يتمتع به شهراً، ويعيش في ذلة دَهْراً؛ لذا من الحكمة إذن قبل أن تسأل الناس القرض سَلْ نفسك أولاً، واطلب منها أن تصبر عليك، وأن تُنظرك إلى ساعة اليُسْر، ولا تُلجئك إلى مذلَّة السؤال.. وقبل أن تلوم مَنْ منعك لُمْ نفسك التي تأبَّتْ عليك أولاً.
وما أبدع شاعِرنا الذي صاغ هذه القيم في قوله:
إذَا رُمْتَ أنْ تستقرضَ المالَ مُنفِقاً | على شَهَواتِ النفسِ فِي زَمَنِ العُسْر |
فَسَلْ نفسَكَ الإنفاقَ من كَنْز صَبْرِها | عليْكَ وإنظاراً إلى سَاعةِ اليُسْرِ |
فَإِنْ فعلْتَ كنتَ الغني، وإنْ أبَتْ | فكُل مَنُوع بعدها وَاسِعُ العُذْر |
﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠].
والخير في الآخرة من الله، والنعيم فيها على قَدْر المنعِم تبارك وتعالى، دون تعب ولا كَدٍّ ولا عمل.
7888
ومعلوم أن كلمة: ﴿قَالُواْ خَيْراً... ﴾ [النحل: ٣٠].
التي فسَّرها الحق تبارك وتعالى بقوله:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ..﴾ [النحل: ٣٠].
تقابلها كلمة «شر»، هذا الشر هو ما جاء في قول الكافرين: ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
فهؤلاء قالوا خيراً، وأولئك قالوا شراً.
ولكن إذا قيل: ذلك خير من ذلك، فقد توفر الخير في الاثنين، إلا أن أحدهما زاد في الخيرية عن الآخر، وهذا معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير».
لذلك لما قال:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ﴾ [النحل: ٣٠].
قال: ﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠].
أي: خير من حسنة الدنيا، فحسنة الدنيا خير، وأخير منها حسنة الآخرة.
ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين﴾ [النحل: ٣٠].
أي: دار الآخرة.
التي فسَّرها الحق تبارك وتعالى بقوله:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ..﴾ [النحل: ٣٠].
تقابلها كلمة «شر»، هذا الشر هو ما جاء في قول الكافرين: ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ [النحل: ٢٤].
فهؤلاء قالوا خيراً، وأولئك قالوا شراً.
ولكن إذا قيل: ذلك خير من ذلك، فقد توفر الخير في الاثنين، إلا أن أحدهما زاد في الخيرية عن الآخر، وهذا معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير».
لذلك لما قال:
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ﴾ [النحل: ٣٠].
قال: ﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠].
أي: خير من حسنة الدنيا، فحسنة الدنيا خير، وأخير منها حسنة الآخرة.
ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله:
﴿وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين﴾ [النحل: ٣٠].
أي: دار الآخرة.
7889
ثم أراد الحق تبارك وتعالى أن يعطينا صورة موجزة عن دار المتقين كأنها برقية، فقال سبحانه: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا... ﴾.
7890
والجنات: تعني البساتين التي بها الأشجار والأزهار والثمار والخضرة، مما لا عَيْن رأتْ، ولا أذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. ليس هذا وفقط.. هذه الجنة العمومية التي يراها كل مَنْ يدخلها.. بل هناك لكل واحد قصر خاص به، بدليل قوله تعالى: ﴿وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم﴾ [الصف: ١٢].
إذن: هنا قَدْر مشترك للجميع:
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [النحل: ٣١].
ومعنى قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ... ﴾ [النحل: ٣١].
أي: جنات إقامة دائمة؛ لأن فيها كل ما يحتاجه الإنسان، فلا حاجه له إلى غيرها.. هَبْ أنك دخلْتَ أعظم حدائق وبساتين العالم هايد بارك مثلاً فقصارى الأمر أنْ تتنزَّه به بعض الوقت، ثم يعتريك التعب ويصيبك المَلل والإرهاق فتطلب الراحة من هذه النزهة.. أما الجنة فهي جنة عدن، تحب أن تقيم فيها إقامة دائمة.
ويصف الحق سبحانه هذه الجنات فيقول:
إذن: هنا قَدْر مشترك للجميع:
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [النحل: ٣١].
ومعنى قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ... ﴾ [النحل: ٣١].
أي: جنات إقامة دائمة؛ لأن فيها كل ما يحتاجه الإنسان، فلا حاجه له إلى غيرها.. هَبْ أنك دخلْتَ أعظم حدائق وبساتين العالم هايد بارك مثلاً فقصارى الأمر أنْ تتنزَّه به بعض الوقت، ثم يعتريك التعب ويصيبك المَلل والإرهاق فتطلب الراحة من هذه النزهة.. أما الجنة فهي جنة عدن، تحب أن تقيم فيها إقامة دائمة.
ويصف الحق سبحانه هذه الجنات فيقول:
7890
﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [النحل: ٣١].
وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار﴾ [التوبة: ١٠٠].
ومعنى «تجري تحتها» أي: أنها تجري تحتها، وربما تأتي من مكان آخر.. وقد يقول هنا قائل: يمكن أن يُمنع عنك جريان هذه الأنهار؛ لذلك جاءت الآية:
﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [النحل: ٣١].
أي: ذاتية في الجنة لا يمنعها عنك مانع.
ثم يقول تعالى:
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ..﴾ [النحل: ٣١].
والمشيئة هنا ليست بإرادة الدنيا ومشيئتها، وإنما مشيئة بالمزاج الخصب الذي يتناسب مع الآخرة ونعيمها.. فمثلاً: إذا دخلتَ على إنسان رقيق الحال فَلَك مشيئة على قدر حالته، وإذا دخلتَ على أحد العظماء أو الأثرياء كانت لَكَ مشيئة أعلى.. وهكذا.
إذن: المشيئات النفسية تختلف باختلاف المشَاء منه، فإذا كان المشَاء منه هو الله الذي لا يُعجزه شيء تكون مشيئتُك مُطلقة، فالمشيئة في الآية ليستْ كمشيئة الدنيا؛ لأن مشيئة الدنيا تتحدَّد ببيئة الدنيا.. أما مشيئة الآخرة فهي المشيئة المتفتحة المتصاعدة المرتقية كما تترقى المشيئات عند البشر في البشر حَسْب مراتبهم ومراكزهم.
ويُرْوى أنه لما أُسِرَتْ بنت أحد ملوك فارس عند رجل، وأرادوا
وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار﴾ [التوبة: ١٠٠].
ومعنى «تجري تحتها» أي: أنها تجري تحتها، وربما تأتي من مكان آخر.. وقد يقول هنا قائل: يمكن أن يُمنع عنك جريان هذه الأنهار؛ لذلك جاءت الآية:
﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [النحل: ٣١].
أي: ذاتية في الجنة لا يمنعها عنك مانع.
ثم يقول تعالى:
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ..﴾ [النحل: ٣١].
والمشيئة هنا ليست بإرادة الدنيا ومشيئتها، وإنما مشيئة بالمزاج الخصب الذي يتناسب مع الآخرة ونعيمها.. فمثلاً: إذا دخلتَ على إنسان رقيق الحال فَلَك مشيئة على قدر حالته، وإذا دخلتَ على أحد العظماء أو الأثرياء كانت لَكَ مشيئة أعلى.. وهكذا.
إذن: المشيئات النفسية تختلف باختلاف المشَاء منه، فإذا كان المشَاء منه هو الله الذي لا يُعجزه شيء تكون مشيئتُك مُطلقة، فالمشيئة في الآية ليستْ كمشيئة الدنيا؛ لأن مشيئة الدنيا تتحدَّد ببيئة الدنيا.. أما مشيئة الآخرة فهي المشيئة المتفتحة المتصاعدة المرتقية كما تترقى المشيئات عند البشر في البشر حَسْب مراتبهم ومراكزهم.
ويُرْوى أنه لما أُسِرَتْ بنت أحد ملوك فارس عند رجل، وأرادوا
7891
شراءها منه وعرضوا عليه ما يريد، فقال: أريد فيها ألف دينار، فأعطوه الألف دينار وأخذوها منه.. فقال له أحدهم: إنها ابنةُ الملك، ولو كنت طلبتَ منه كذا وكذا لم يبخل عليك فقال: والله لو علمتُ أن وراء الألف عدداً لَطلبْته.. فقد طلب قصارى ما وصل إليه علمه.
لذلك لما أراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يشرح لنا هذا النص القرآني:
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ... ﴾ [النحل: ٣١].
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف: ٧١].
قال: «فيها ما لا عَيْن رأت، ولا أذن سمعتْ، ولا خطر على قَلْب بشر».
إذن: تحديد الإطار للآية بقدر ما هم فيه عند ربهم.
﴿كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين﴾ [النحل: ٣١].
أي: هكذا الجزاء الذي يستحقونه بما قدموا في الدنيا، وبما حرَمَوا منه أنفسهم من مُتَع حرام.. وقد جاء الآن وقْتُ الجزاء، وهو جزاءٌ أطول وأَدْوم؛ لذلك قال الحق تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية﴾ [الحاقة: ٢٤].
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
لذلك لما أراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يشرح لنا هذا النص القرآني:
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ... ﴾ [النحل: ٣١].
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف: ٧١].
قال: «فيها ما لا عَيْن رأت، ولا أذن سمعتْ، ولا خطر على قَلْب بشر».
إذن: تحديد الإطار للآية بقدر ما هم فيه عند ربهم.
﴿كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين﴾ [النحل: ٣١].
أي: هكذا الجزاء الذي يستحقونه بما قدموا في الدنيا، وبما حرَمَوا منه أنفسهم من مُتَع حرام.. وقد جاء الآن وقْتُ الجزاء، وهو جزاءٌ أطول وأَدْوم؛ لذلك قال الحق تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية﴾ [الحاقة: ٢٤].
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
7892
﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ... ﴾.
7893
أي: المتقون هم الذين تتوفاهم الملائكة طيبين.
ومعنى:
﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾ [النحل: ٣٢].
أي: تأتي لقبْض أرواحهم، وهنا نَسَب التوفّي إلى جملة الملائكة، كأنهم جنود ملَك الموت الأصيل عزرائيل، وقد سبق أنْ قُلْنا: إن الحق تبارك وتعالى مرةً ينسب التوفّي إلى الملائكة، ومرة ينسبه إلى مَلك الموت: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ..﴾ [السجدة: ١١].
ومرّة ينسبه إلى نفسه سبحانه: ﴿الله يَتَوَفَّى﴾ [الزمر: ٤٢].
ذلك لأن الله سبحانه هو الآمر الأعلى، وعزرائيل مَلكُ الموت الأصيل، والملائكة هم جنوده الذين يُنفّذون أوامره.
وقوله: ﴿طَيِّبِينَ..﴾ [النحل: ٣٢].
تقابل الآية السابقة:
ومعنى:
﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾ [النحل: ٣٢].
أي: تأتي لقبْض أرواحهم، وهنا نَسَب التوفّي إلى جملة الملائكة، كأنهم جنود ملَك الموت الأصيل عزرائيل، وقد سبق أنْ قُلْنا: إن الحق تبارك وتعالى مرةً ينسب التوفّي إلى الملائكة، ومرة ينسبه إلى مَلك الموت: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ..﴾ [السجدة: ١١].
ومرّة ينسبه إلى نفسه سبحانه: ﴿الله يَتَوَفَّى﴾ [الزمر: ٤٢].
ذلك لأن الله سبحانه هو الآمر الأعلى، وعزرائيل مَلكُ الموت الأصيل، والملائكة هم جنوده الذين يُنفّذون أوامره.
وقوله: ﴿طَيِّبِينَ..﴾ [النحل: ٣٢].
تقابل الآية السابقة:
7893
﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٢٨]. والطيّب هو الشيء الذي يوجد له خيرٌ دائم لا ينقطع ولا ينقلب خَيْره هذا شراً، وهو الشيء الذي تستريح له النفس راحة تنسجم منها كل مَلكاتها، بشرط أن يكون مستمراً إلى خَيْرٍ منه، ولا يستمر إلى خَيْرٍ منه وأحسن إلا طَيِّب القيم وطَيِّب الدين، أما غير ذلك فهو طيب موقوتٌ سرعان ما يُهجر.
ولذلك حينما يدَّعي اثنان المحبة في الله نقول: هذه كلمة تُقال، ومِصْداقها أن ينمو الودُّ بينكما كل يوم عن اليوم الذي قبله؛ لأن الحب للدنيا تشوبه الأطماع والأهواء، فترى الحب ينقص يوماً بعد يوم، حَسْب ما يأخذ أحدهما من الآخر، أما المتحابان في الله فيأخذان من عطاء لا ينفد، هو عطاء الحق تبارك وتعالى، فإنْ رأيت اثنين يزداد وُدّهما فاعلم أنه وُدٌّ لله وفي الله، على خلاف الوُد لأغراض الدنيا فهو وُدٌّ سرعان ما ينقطع.
هل هناك أطيب من أنهم طهَّروا أنفسهم من دَنَس الشرك؟ وهل هناك أطيبُ من أنهم اخلصوا عملهم لله، وهل هناك أطيب من أنهم لم يُسْرفوا على أنفسهم في شيء؟
وحَسْب هؤلاء من الطيب أنهم ساعة يأتي مَلَكُ الموت يمرُّ عليهم شريط أعمالهم، ومُلخّص ما قدّموه في الدنيا، فيرْون خَيْراً، فتراهم مُستبشرين فرحين، يبدو ذلك على وجوههم ساعة الاحتضار، فتراه أبيضَ الوجه مُشْرقاً مبتسماً، عليه خاتمة الخير والطيب والسعادة؛
ولذلك حينما يدَّعي اثنان المحبة في الله نقول: هذه كلمة تُقال، ومِصْداقها أن ينمو الودُّ بينكما كل يوم عن اليوم الذي قبله؛ لأن الحب للدنيا تشوبه الأطماع والأهواء، فترى الحب ينقص يوماً بعد يوم، حَسْب ما يأخذ أحدهما من الآخر، أما المتحابان في الله فيأخذان من عطاء لا ينفد، هو عطاء الحق تبارك وتعالى، فإنْ رأيت اثنين يزداد وُدّهما فاعلم أنه وُدٌّ لله وفي الله، على خلاف الوُد لأغراض الدنيا فهو وُدٌّ سرعان ما ينقطع.
هل هناك أطيب من أنهم طهَّروا أنفسهم من دَنَس الشرك؟ وهل هناك أطيبُ من أنهم اخلصوا عملهم لله، وهل هناك أطيب من أنهم لم يُسْرفوا على أنفسهم في شيء؟
وحَسْب هؤلاء من الطيب أنهم ساعة يأتي مَلَكُ الموت يمرُّ عليهم شريط أعمالهم، ومُلخّص ما قدّموه في الدنيا، فيرْون خَيْراً، فتراهم مُستبشرين فرحين، يبدو ذلك على وجوههم ساعة الاحتضار، فتراه أبيضَ الوجه مُشْرقاً مبتسماً، عليه خاتمة الخير والطيب والسعادة؛
7894
ذلك لما عاينه من طيب عمله، ولما يستبشر به من الجزاء عند الله تبارك وتعالى.
وعلى عكس هذه الحالة تماماً نرى أهل الشقاوة، وما هُمْ عليه ساعةَ الغرغرة من سواد الوجه، وسُوء الخاتمة، والعياذ بالله.
﴿يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ [النحل: ٣٢].
أي: حينما تتوفّاهم الملائكة يقولون لهم سلام؛ لأنكم خرجتم من الدنيا بسلام، وستُقبِلون على الآخرة بسلام، إذن: سلام الطيبين سلامٌ موصول من الدنيا إلى الآخرة، سلامٌ مُترتِّب على سلامة دينكم في الدنيا، وسلامة إقبالكم على الله، دون خوف في الآخرة.
وهنا سلام آخر جاء في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ﴾
[الزمر: ٧٣].
ثم يأتي السلام الأعلى عليهم من الله تبارك وتعالى؛ لأن كل هذه السلامات لهؤلاء الطيبين مأخوذة من السلام الأعلى: ﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨].
وهل هناك افضل وأطيب من هذا السلام الذي جاء من الحق تبارك وتعالى مباشرة.
وتعجب هنا من سلام أهل الأعراف على المؤمنين الطيبين وهم
وعلى عكس هذه الحالة تماماً نرى أهل الشقاوة، وما هُمْ عليه ساعةَ الغرغرة من سواد الوجه، وسُوء الخاتمة، والعياذ بالله.
﴿يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ [النحل: ٣٢].
أي: حينما تتوفّاهم الملائكة يقولون لهم سلام؛ لأنكم خرجتم من الدنيا بسلام، وستُقبِلون على الآخرة بسلام، إذن: سلام الطيبين سلامٌ موصول من الدنيا إلى الآخرة، سلامٌ مُترتِّب على سلامة دينكم في الدنيا، وسلامة إقبالكم على الله، دون خوف في الآخرة.
وهنا سلام آخر جاء في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ﴾
[الزمر: ٧٣].
ثم يأتي السلام الأعلى عليهم من الله تبارك وتعالى؛ لأن كل هذه السلامات لهؤلاء الطيبين مأخوذة من السلام الأعلى: ﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨].
وهل هناك افضل وأطيب من هذا السلام الذي جاء من الحق تبارك وتعالى مباشرة.
وتعجب هنا من سلام أهل الأعراف على المؤمنين الطيبين وهم
7895
في الجنة، ونحن نعرف أن أهل الأعراف هم قوم تساوتْ حسناتهم وسيئاتهم فحُجِزا على الأعراف، وهو مكان بين الجنة والنار، والقسمة الطبيعية تقتضي أن للميزان كفتين ذكرهما الحق تبارك وتعالى في قوله: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٦ - ٩].
هاتان حالتان للميزان، فأين حالة التساوي بين الكفتين؟ جاءت في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦].
أي: يعرفون أهل الجنة وأهل النار: ﴿وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦].
ووجه العجب هنا أن أهل الأعراف في مأزق وشدّة وانشغال بما هم فيه من شدة الموقف، ومع ذلك نراهم يفرحون بأهل الجنة الطيبين، ويُبادرونهم بالسلام.
إذن: لأهل الجنة سلامٌ من الملائكة عند الوفاة، وسلام عندما يدخلون الجنة، وسلام أعلى من الله تبارك وتعالى، وسلام حتى من أهل الأعراف المنشغلين بحالهم.
هاتان حالتان للميزان، فأين حالة التساوي بين الكفتين؟ جاءت في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٦].
أي: يعرفون أهل الجنة وأهل النار: ﴿وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦].
ووجه العجب هنا أن أهل الأعراف في مأزق وشدّة وانشغال بما هم فيه من شدة الموقف، ومع ذلك نراهم يفرحون بأهل الجنة الطيبين، ويُبادرونهم بالسلام.
إذن: لأهل الجنة سلامٌ من الملائكة عند الوفاة، وسلام عندما يدخلون الجنة، وسلام أعلى من الله تبارك وتعالى، وسلام حتى من أهل الأعراف المنشغلين بحالهم.
7896
﴿ادخلوا الجنة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢].
أي: لأنكم دفعتم الثمن؛ والثمن هو عملكم الصالح في الدنيا، واتباعكم لمنهج الحق تبارك وتعالى.
وقد يرى البعض تعارضاً بين هذه الآية وبين الحديث الشريف: «لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».
والحقيقة أنه لا يوجد تعارضٌ بينهما، ولكن كيف نُوفِّق بين الآية والحديث؟
الله تعالى يُوحي لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الحديث كما يُوحي له الآية، فكلاهما يصدر عن مِشْكاة واحدة ومصدر واحد.. على حَدِّ قوله تعالى: ﴿وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ... ﴾ [التوبة: ٧٤].
فالحَدثُ هنا واحد، فلم يُغْنِهم الله بما يناسبه والرسول بما يناسبه، بل هو غناء واحد وحَدث واحد، وكذلك ليس ثمة تعارضٌ بين الآية والحديث.. كيف؟
الحق تبارك وتعالى كلَّف الإنسان بعد سِنِّ الرُّشْد والعقل، وأخذ يُوالي عليه النعم منذ صِغَره، وحينما كلَّفه كلَّفه بشيء يعود على
أي: لأنكم دفعتم الثمن؛ والثمن هو عملكم الصالح في الدنيا، واتباعكم لمنهج الحق تبارك وتعالى.
وقد يرى البعض تعارضاً بين هذه الآية وبين الحديث الشريف: «لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».
والحقيقة أنه لا يوجد تعارضٌ بينهما، ولكن كيف نُوفِّق بين الآية والحديث؟
الله تعالى يُوحي لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الحديث كما يُوحي له الآية، فكلاهما يصدر عن مِشْكاة واحدة ومصدر واحد.. على حَدِّ قوله تعالى: ﴿وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ... ﴾ [التوبة: ٧٤].
فالحَدثُ هنا واحد، فلم يُغْنِهم الله بما يناسبه والرسول بما يناسبه، بل هو غناء واحد وحَدث واحد، وكذلك ليس ثمة تعارضٌ بين الآية والحديث.. كيف؟
الحق تبارك وتعالى كلَّف الإنسان بعد سِنِّ الرُّشْد والعقل، وأخذ يُوالي عليه النعم منذ صِغَره، وحينما كلَّفه كلَّفه بشيء يعود على
7897
الإنسان بالنفع والخير، ولا يعود على الله منه شيء، ثم بعد ذلك يُجازيه على هذا التكليف بالجنة.
إذن: التكليف كله لمصلحة العبد في الدنيا والآخرة. إذن: تشريع الجزاء من الله في الآخرة هو مَحْضُ الفضل من الله، ولو أطاع العبدُ رَبّه الطاعة المطلوبة منه في الأفعال الاختيارية التكليفية لما وَفّى نِعَم الله عليه، وبذلك يكون الجزاء في الجنة فَضْلاً من الله ومنَّة.
أو: أنهم حينما قالوا:
﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢].
يريدون أن عملهم سبب عاديّ لدخول الجنة، ثم يكتسبونها بفضل الله.. فتجمع الآية بين العمل والفضل معاً؛ لذلك فإن الحق تبارك وتعالى يُقوّي هذا بقوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨].
فهم لم يفرحوا بالعمل لأنه لا يَفِي بما هم فيه من نعمة، بل الفرحة الحقيقية تكون بفضل الله ورحمته، وفي الدعاء: «اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل».
وأخيراً.. هل كانوا يعملون هكذا من عند أنفسهم؟ لا.. بل بمنهج وضعه لهم ربّهم تبارك وتعالى.. إذن: بالفضل لا بمجرد العمل.. ومثال ذلك: الوالد عندما يقول لولده: لو اجتهدت هذا العام وتفوقت سأعطيك كذا وكذا.. فإذا تفوَّق الولد كان كل شيء لصالحه: النجاح والهدية.
إذن: التكليف كله لمصلحة العبد في الدنيا والآخرة. إذن: تشريع الجزاء من الله في الآخرة هو مَحْضُ الفضل من الله، ولو أطاع العبدُ رَبّه الطاعة المطلوبة منه في الأفعال الاختيارية التكليفية لما وَفّى نِعَم الله عليه، وبذلك يكون الجزاء في الجنة فَضْلاً من الله ومنَّة.
أو: أنهم حينما قالوا:
﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢].
يريدون أن عملهم سبب عاديّ لدخول الجنة، ثم يكتسبونها بفضل الله.. فتجمع الآية بين العمل والفضل معاً؛ لذلك فإن الحق تبارك وتعالى يُقوّي هذا بقوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨].
فهم لم يفرحوا بالعمل لأنه لا يَفِي بما هم فيه من نعمة، بل الفرحة الحقيقية تكون بفضل الله ورحمته، وفي الدعاء: «اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل».
وأخيراً.. هل كانوا يعملون هكذا من عند أنفسهم؟ لا.. بل بمنهج وضعه لهم ربّهم تبارك وتعالى.. إذن: بالفضل لا بمجرد العمل.. ومثال ذلك: الوالد عندما يقول لولده: لو اجتهدت هذا العام وتفوقت سأعطيك كذا وكذا.. فإذا تفوَّق الولد كان كل شيء لصالحه: النجاح والهدية.
7898
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ... ﴾.
7899
بعد أن عرضتْ الآيات جزاء المتقين الذين قالوا خيراً، عادتْ لهؤلاء الذين قالوا ﴿أَسَاطِيرُ الأولين﴾ الذين يُصادمون الدعوة إلى الله، ويقفون منها موقف العداء والكَيْد والتربُّص والإيذاء.
وهذا استفهام من الحق تبارك وتعالى لهؤلاء: ماذا تنتظرون؟ ﴿بعدما فعلتم بأمر الدعوة وما صَدْدتُم الناس عنها، ماذا تنتظرون؟ أتنتظرون أنْ تَرَوْا بأعينكم، ليس أمامكم إلا أمران: سيَحُلاَّن بكم لا محالة:
إما أنْ تأتيكم الملائكة فتتوفاكم، أو يأتي أمرُ ربِّك، وهو يوم القيامة ولا ينجيكم منها إلا أنْ تؤمنوا، أم أنكم تنتظرون خيْراً؟﴾ فلن يأتيكم خير أبداً.. كما قال تعالى في آيات أخرى: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١].
وقال: ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١].
وقال: ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١].
وهذا استفهام من الحق تبارك وتعالى لهؤلاء: ماذا تنتظرون؟ ﴿بعدما فعلتم بأمر الدعوة وما صَدْدتُم الناس عنها، ماذا تنتظرون؟ أتنتظرون أنْ تَرَوْا بأعينكم، ليس أمامكم إلا أمران: سيَحُلاَّن بكم لا محالة:
إما أنْ تأتيكم الملائكة فتتوفاكم، أو يأتي أمرُ ربِّك، وهو يوم القيامة ولا ينجيكم منها إلا أنْ تؤمنوا، أم أنكم تنتظرون خيْراً؟﴾ فلن يأتيكم خير أبداً.. كما قال تعالى في آيات أخرى: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١].
وقال: ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١].
وقال: ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١].
7899
إذن: إنما ينتظرون أحداثاً تأتي لهم بشَرٍّ: تأتيهم الملائكة لقبْض أرواحهم في حالة هم بها ظالمون لأنفسهم، ثم يُلْقون السَّلَم رَغْماً عنهم، أو: تأتيهم الطامة الكبرى وهي القيامة.
ثم يقول الحق سبحانه:
﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ [النحل: ٣٣].
أي: ممَّن كذَّب الرسل قبلهم.. يعني هذه مسألة معروفة عنهم من قبل:
﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ الله﴾ [النحل: ٣٣].
أي: وما ظلمهم الله حين قدَّر أنْ يُجازيهم بكذا وكذا، وليس المراد هنا ظلمهم بالعذاب؛ لأن العذاب لم يحُلّ بهم بعد.
﴿ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ٣٣].
وهذا ما نُسمِّيه بالظلم الأحمق؛ لأن ظلم الغير قد يعود على الظالم بنوع من النفع، أما ظُلْم النفس فلا يعود عليها بشيء؛ وذلك لأنهم أسرفوا على أنفسهم في الدنيا فيما يخالف منهج الله، وبذلك فَوَّتوا على أنفسهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وهذا هو ظلمهم لأنفسهم.
ثم يقول الحق سبحانه:
ثم يقول الحق سبحانه:
﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ [النحل: ٣٣].
أي: ممَّن كذَّب الرسل قبلهم.. يعني هذه مسألة معروفة عنهم من قبل:
﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ الله﴾ [النحل: ٣٣].
أي: وما ظلمهم الله حين قدَّر أنْ يُجازيهم بكذا وكذا، وليس المراد هنا ظلمهم بالعذاب؛ لأن العذاب لم يحُلّ بهم بعد.
﴿ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ٣٣].
وهذا ما نُسمِّيه بالظلم الأحمق؛ لأن ظلم الغير قد يعود على الظالم بنوع من النفع، أما ظُلْم النفس فلا يعود عليها بشيء؛ وذلك لأنهم أسرفوا على أنفسهم في الدنيا فيما يخالف منهج الله، وبذلك فَوَّتوا على أنفسهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وهذا هو ظلمهم لأنفسهم.
ثم يقول الحق سبحانه:
7900
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ... ﴾.
7901
أي: أنهم لما ظلموا أنفسهم أصابهم جزاء ذلك، وسُمِّي ما يُفعل بهم سيئة؛ لأن الحق تبارك وتعالى يُسمّي جزاء السيئة سيئة في قوله: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠].
ويقول تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ... ﴾ [النحل: ١٢٦].
وهذه تُسمّى المشاكلة، أي: أن هذه من جنس هذه.
وقوله تعالى: ﴿مَا عَمِلُواْ﴾ العمل هو مُزَاولة أيِّ جارحة من الإنسان لمهمتها، فكُلُّ جارحة لها مهمة. الرِّجْل واليد والعَيْن والأُذن.. الخ. فاللسان مهمته أن يقول، وبقية الجوارح مهمتها أنْ تفعل. إذن: فاللسان وحده أخذ النصف، وباقي الجوارح أخذتْ النصف الآخر؛ ذلك لأن حصائد الألسنة عليها المعوّل الأساسي.
فكلمة الشهادة: لا إله إلا الله لا بُدَّ من النطق بها لنعرف أنه
ويقول تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ... ﴾ [النحل: ١٢٦].
وهذه تُسمّى المشاكلة، أي: أن هذه من جنس هذه.
وقوله تعالى: ﴿مَا عَمِلُواْ﴾ العمل هو مُزَاولة أيِّ جارحة من الإنسان لمهمتها، فكُلُّ جارحة لها مهمة. الرِّجْل واليد والعَيْن والأُذن.. الخ. فاللسان مهمته أن يقول، وبقية الجوارح مهمتها أنْ تفعل. إذن: فاللسان وحده أخذ النصف، وباقي الجوارح أخذتْ النصف الآخر؛ ذلك لأن حصائد الألسنة عليها المعوّل الأساسي.
فكلمة الشهادة: لا إله إلا الله لا بُدَّ من النطق بها لنعرف أنه
7901
مؤمن، ثم يأتي دَوْر الفعل ليُساند هذا القول؛ لذا قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢ - ٣].
وبالقول تبلُغ المناهج للآذان.. فكيف تعمل الجوارح دون منهج؟ ولذلك فقد جعل الحق تبارك وتعالى للأذن وَضْعاً خاصاً بين باقي الحواس، فهي أول جارحة في الإنسان تؤدي عملها، وهي الجارحة التي لا تنقضي مهمتها أبداً.. كل الجوارح لا تعمل مثلاً أثناء النوم إلا الأذن، وبها يتم الاستدعاء والاستيقاظ من النوم.
وإذا استقرأت آيات القرآن الكريم، ونظرت في آيات الخلق ترى الحق تبارك وتعالى يقول: ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨].
ثم هي آلة الشهادة يوم القيامة: ﴿حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم..﴾ [فصلت: ٢٠].
ولذلك يقول الحق سبحانه: ﴿فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً﴾ [الكهف: ١١].
ومعنى: ضربنا على آذانهم، أي: عطلنا الأذن التي لا تعطل حتى يطمئن نومهم ويستطيعوا الاستقرار في كهفهم، فلو لم يجعل الله تعالى في تكوينهم الخارجي شيئاً معيناً لما استقر لهم نوم طوال ٣٠٩ أعوام.
وبالقول تبلُغ المناهج للآذان.. فكيف تعمل الجوارح دون منهج؟ ولذلك فقد جعل الحق تبارك وتعالى للأذن وَضْعاً خاصاً بين باقي الحواس، فهي أول جارحة في الإنسان تؤدي عملها، وهي الجارحة التي لا تنقضي مهمتها أبداً.. كل الجوارح لا تعمل مثلاً أثناء النوم إلا الأذن، وبها يتم الاستدعاء والاستيقاظ من النوم.
وإذا استقرأت آيات القرآن الكريم، ونظرت في آيات الخلق ترى الحق تبارك وتعالى يقول: ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨].
ثم هي آلة الشهادة يوم القيامة: ﴿حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم..﴾ [فصلت: ٢٠].
ولذلك يقول الحق سبحانه: ﴿فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً﴾ [الكهف: ١١].
ومعنى: ضربنا على آذانهم، أي: عطلنا الأذن التي لا تعطل حتى يطمئن نومهم ويستطيعوا الاستقرار في كهفهم، فلو لم يجعل الله تعالى في تكوينهم الخارجي شيئاً معيناً لما استقر لهم نوم طوال ٣٠٩ أعوام.
7902
ويقول الحق تعالى:
﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [النحل: ٣٤].
بماذا استهزأ الكافرون؟ استهزأوا بالبعث والحساب وما ينتظرهم من العذاب، فقالوا كما حكى القرآن: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا الأولون﴾ [الصافات: ١٦ - ١٧].
وقالوا: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠].
ثم بلغ بهم الاستهزاء أن تعجَّلوا العذاب فقالوا: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ [الأعراف: ٧٠].
وقالوا: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ [الإسراء: ٩٢].
وهل يطلب أحد من عدوه أن يُنزِل به العذاب إلا إذا كان مستهزئاً؟
فقال لهم الحق تبارك وتعالى: إنكم لن تقدروا على هذا العذاب الذي تستهزئون به. فقال:
﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [النحل: ٣٤].
بماذا استهزأ الكافرون؟ استهزأوا بالبعث والحساب وما ينتظرهم من العذاب، فقالوا كما حكى القرآن: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا الأولون﴾ [الصافات: ١٦ - ١٧].
وقالوا: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠].
ثم بلغ بهم الاستهزاء أن تعجَّلوا العذاب فقالوا: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ [الأعراف: ٧٠].
وقالوا: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ [الإسراء: ٩٢].
وهل يطلب أحد من عدوه أن يُنزِل به العذاب إلا إذا كان مستهزئاً؟
فقال لهم الحق تبارك وتعالى: إنكم لن تقدروا على هذا العذاب الذي تستهزئون به. فقال:
7903
﴿وَحَاقَ بِهِم... ﴾ [النحل: ٣٤].
أي: أحاط ونزل بهم، فلا يستطيعون منه فراراً، ولا يجدون معه منفذاً للفكاك، كما في قوله تعالى: ﴿والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ﴾ [البروج: ٢٠].
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ... ﴾.
أي: أحاط ونزل بهم، فلا يستطيعون منه فراراً، ولا يجدون معه منفذاً للفكاك، كما في قوله تعالى: ﴿والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ﴾ [البروج: ٢٠].
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ... ﴾.
7904
نلاحظ أنه ساعة أنْ يأتيَ الفعل نصاً في مطلوبه لا يُذكر المتعلق به.. فلم يَقُلْ: أشركوا بالله.. لأن ذلك معلوم، والإشراك معناه الإشراك بالله، لذلك قال تعالى هنا:
﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ... ﴾ [النحل: ٣٥].
ثم يورد الحق سبحانه قولهم:
﴿لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ [النحل: ٣٥].
إنهم هنا يدافعون عن أنفسهم، وهذه هي الشفاعة التي يُعلّق عليها الكفار خطاياهم شماعة أن الله كتب علينا وقضى بكذا وكذا.
فيقول المسرف على نفسه: ربُّنا هو الذي أراد لي كذا، وهو
﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ... ﴾ [النحل: ٣٥].
ثم يورد الحق سبحانه قولهم:
﴿لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ [النحل: ٣٥].
إنهم هنا يدافعون عن أنفسهم، وهذه هي الشفاعة التي يُعلّق عليها الكفار خطاياهم شماعة أن الله كتب علينا وقضى بكذا وكذا.
فيقول المسرف على نفسه: ربُّنا هو الذي أراد لي كذا، وهو
7904
الذي يهدي، وهو الذي يُضل، وهو الذي جعلني ارتكب الذنوب، إلى آخر هذه المقولات الفارغة من الحق والنهاية؛ فلماذا يعذبني إذن؟
وتعالوا نناقش صاحب هذه المقولات، لأن عنده تناقضاً عقلياً، والقضية غير واضحة أمامه.. ولكي نزيل عنه هذا الغموض نقول له: ولماذا لم تقُل: إذا كان الله قد أراد لي الطاعة وكتبها عليَّ، فلماذا يثيبني عليها.. هكذا المقابل.. فلماذا قُلْت بالأولى ولم تقُلْ بالثانية؟ !
واضح أن الأولى تجرُّ عليك الشر والعذاب، فوقفتْ في عقلك.. أما الثانية فتجرُّ عليك الخير، لذلك تغاضيت عن ذِكْرها.
ونقول له: هل أنت حينما تعمل أعمالك.. هل كلها خير؟ أم هل كلها شَرّ؟ أَمَا منها ما هو خير، ومنها ما هو شر؟
والإجابة هنا واضحة. إذن: لا أنت مطبوع على الخير دائماً، ولا أنت مطبوع على الشرِّ دائماً، لذلك فأنت صالح للخير، كما أنت صالح للشر.
إذن: هناك فَرْق بين أن يخلقك صالحاً للفعل وضِدّه، وبين أنْ يخلقك مقصوراً على الفعل لا ضده، ولما خلقك صالحاً للخير وصالحاً للشر أوضح لك منهجه وبيَّنَ لك الجزاء، فقال: اعمل الخير.. والجزاء كذا، واعمل الشر.. والجزاء كذا.. وهذا هو المنهج.
وتعالوا نناقش صاحب هذه المقولات، لأن عنده تناقضاً عقلياً، والقضية غير واضحة أمامه.. ولكي نزيل عنه هذا الغموض نقول له: ولماذا لم تقُل: إذا كان الله قد أراد لي الطاعة وكتبها عليَّ، فلماذا يثيبني عليها.. هكذا المقابل.. فلماذا قُلْت بالأولى ولم تقُلْ بالثانية؟ !
واضح أن الأولى تجرُّ عليك الشر والعذاب، فوقفتْ في عقلك.. أما الثانية فتجرُّ عليك الخير، لذلك تغاضيت عن ذِكْرها.
ونقول له: هل أنت حينما تعمل أعمالك.. هل كلها خير؟ أم هل كلها شَرّ؟ أَمَا منها ما هو خير، ومنها ما هو شر؟
والإجابة هنا واضحة. إذن: لا أنت مطبوع على الخير دائماً، ولا أنت مطبوع على الشرِّ دائماً، لذلك فأنت صالح للخير، كما أنت صالح للشر.
إذن: هناك فَرْق بين أن يخلقك صالحاً للفعل وضِدّه، وبين أنْ يخلقك مقصوراً على الفعل لا ضده، ولما خلقك صالحاً للخير وصالحاً للشر أوضح لك منهجه وبيَّنَ لك الجزاء، فقال: اعمل الخير.. والجزاء كذا، واعمل الشر.. والجزاء كذا.. وهذا هو المنهج.
7905
ويحلو للمسرف على نفسه أنْ يقولَ: إن الله كتبه عليَّ.. وهذا عجيب، وكأنِّي به قد اطَّلع على اللوح المحفوظ ونظر فيه، فوجد أن الله كتب عليه أن يشرب الخمر مثلاً فراحَ فشربها؛ لأن الله كتبها عليه.
ولو أن الأمر هكذا لكنتَ طائعاً بشُرْبك هذا، لكن الأمر خلاف ما تتصور، فأنت لا تعرف أنها كُتِبت عليك إلا بعد أنْ فعلتَ، والفعل منك مسبوق بالعزم على أنْ تفعلَ، فهل اطلعتَ على اللوح المحفوظ كي تعرف ما كتبه الله عليك؟
وانتبه هنا واعلم أن الله تعالى كتب أزلاً؛ لأنه علم أنك تفعل أجلاً، وعِلْم الله مُطْلق لا حدودَ له.
ونضرب مثلاً ولله المثل الأعلى الوالد الذي يلاحظ ولده في دراسته، فيجده مُهملاً غير مُجدٍّ فيتوقع فشله في الامتحان.
. هل دخل الوالد مع ولده وجعله يكتب خطأ؟ لا.. بل توقّع له الفشل لعلمه بحال ولده، وعدم استحقاقه للنجاح.
إذن: كتب الله مُسبْقاً وأزلاً؛ لأنه يعلم ما يفعله العبد أصلاً.. وقد أعطانا الحق تبارك وتعالى صورة أخرى لهذا المنهج حينما وجَّه المؤمنين إلى الكعبة بعد أنْ كانت وجْهتهم إلى بيت المقدس، فقال تعالى:
ولو أن الأمر هكذا لكنتَ طائعاً بشُرْبك هذا، لكن الأمر خلاف ما تتصور، فأنت لا تعرف أنها كُتِبت عليك إلا بعد أنْ فعلتَ، والفعل منك مسبوق بالعزم على أنْ تفعلَ، فهل اطلعتَ على اللوح المحفوظ كي تعرف ما كتبه الله عليك؟
وانتبه هنا واعلم أن الله تعالى كتب أزلاً؛ لأنه علم أنك تفعل أجلاً، وعِلْم الله مُطْلق لا حدودَ له.
ونضرب مثلاً ولله المثل الأعلى الوالد الذي يلاحظ ولده في دراسته، فيجده مُهملاً غير مُجدٍّ فيتوقع فشله في الامتحان.
. هل دخل الوالد مع ولده وجعله يكتب خطأ؟ لا.. بل توقّع له الفشل لعلمه بحال ولده، وعدم استحقاقه للنجاح.
إذن: كتب الله مُسبْقاً وأزلاً؛ لأنه يعلم ما يفعله العبد أصلاً.. وقد أعطانا الحق تبارك وتعالى صورة أخرى لهذا المنهج حينما وجَّه المؤمنين إلى الكعبة بعد أنْ كانت وجْهتهم إلى بيت المقدس، فقال تعالى:
7906
﴿قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤].
ثم أخبر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله: ﴿سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢].
جاء الفعل هكذا في المستقبل: سيقول.. إنهم لم يقولوا بَعْد هذا القول، وهذا قرآن يُتلَى على مسامع الجميع غير خافٍ على أحد من هؤلاء السفهاء، فلو كان عند هؤلاء عقل لَسكتُوا ولم يُبادروا بهذه المقولة، ويُفوِّتوا الفرصة بذلك على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى صِدْق القرآن الكريم.
كان باستطاعتهم أن يسكتوا ويُوجّهوا للقرآن تهمة الكذب، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وبذلك تمَّتْ إرادة الله وأمره حتى على الكافرين الذين يبحثون عن مناقضة في القرآن الكريم.
ثم أخبر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله: ﴿سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢].
جاء الفعل هكذا في المستقبل: سيقول.. إنهم لم يقولوا بَعْد هذا القول، وهذا قرآن يُتلَى على مسامع الجميع غير خافٍ على أحد من هؤلاء السفهاء، فلو كان عند هؤلاء عقل لَسكتُوا ولم يُبادروا بهذه المقولة، ويُفوِّتوا الفرصة بذلك على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى صِدْق القرآن الكريم.
كان باستطاعتهم أن يسكتوا ويُوجّهوا للقرآن تهمة الكذب، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وبذلك تمَّتْ إرادة الله وأمره حتى على الكافرين الذين يبحثون عن مناقضة في القرآن الكريم.
7907
وهذه الآية: ﴿وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ﴾ [النحل: ٣٥].
تشرح وتُفسِّر قول الله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨].
فهنا ﴿سَيَقُولُ﴾ وفي الآية الأخرى ﴿قَالَ﴾ ؛ لنعلم أنه لا يستطيع أحد معارضة قَوْل الله تعالى، أو تغيير حكمه.
ثم يقول تعالى:
﴿نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا... ﴾ [النحل: ٣٥].
لماذا لم يتحدث هؤلاء عن أنفسهم فقط؟ ما الحكمة في دفاعهم عن آبائهم هنا؟ الحكمة أنهم سيحتاجون لهذه القضية فيما بعد وسوف يجعلونها حُجَّة حينما يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢]. إذن: لا حُجَّة لهؤلاء الذين يُعلِّقون إسرافهم على أنفسهم على شماعة القدر، وأن الله تعالى كتب عليهم المعصية؛ لأننا نرى حتى من المسلمين مَنْ يتكلم بهذا الكلام، ويميل إلى هذه الأباطيل، ومنهم مَنْ تأخذه الجَرْأة على الله عَزَّ وَجَلَّ فيُشبِّه هذه القضية بقول الشاعر:
تشرح وتُفسِّر قول الله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨].
فهنا ﴿سَيَقُولُ﴾ وفي الآية الأخرى ﴿قَالَ﴾ ؛ لنعلم أنه لا يستطيع أحد معارضة قَوْل الله تعالى، أو تغيير حكمه.
ثم يقول تعالى:
﴿نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا... ﴾ [النحل: ٣٥].
لماذا لم يتحدث هؤلاء عن أنفسهم فقط؟ ما الحكمة في دفاعهم عن آبائهم هنا؟ الحكمة أنهم سيحتاجون لهذه القضية فيما بعد وسوف يجعلونها حُجَّة حينما يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢]. إذن: لا حُجَّة لهؤلاء الذين يُعلِّقون إسرافهم على أنفسهم على شماعة القدر، وأن الله تعالى كتب عليهم المعصية؛ لأننا نرى حتى من المسلمين مَنْ يتكلم بهذا الكلام، ويميل إلى هذه الأباطيل، ومنهم مَنْ تأخذه الجَرْأة على الله عَزَّ وَجَلَّ فيُشبِّه هذه القضية بقول الشاعر: